المجموع : 3
ربَّتي ربَّةُ أشعاري وحُبِّي وغنائي
ربَّتي ربَّةُ أشعاري وحُبِّي وغنائي /
هي حوريَّةُ غابٍ لم تَبنْ للشعراءِ /
وعروسٌ من بنات الجنِّ لم تبْدُ لرائي /
مثلَها لم يَرَ صَيَّادٌ على صفحةِ ماءِ /
فِتنةُ الشاعر في وحدتهِ كلَّ مساءِ /
غنَّتِ الأحلامُ في غرفتهِ لحنَ اللِّقاءِ /
وسرَتْ ترْقُصُ حوليْهِ على خَفق الهواءِ /
ورفيفِ السُّحبِ والأنجم والشهبِ الوضاءِ /
ولغيري لم تكنْ تخطرُ في هذا الرواءِ /
لا ولم تروِ كهذا اللحنِ في هذا الصّفاءِ /
وليالي الصيفِ منها كأماسيِّ الشتاءِ /
بِتُّ أسقيها وتسقيني على محض الوفاءِ /
خمرةً ما قبَّلتْ غير شفاهِ الأنبياءِ /
خمرةً في الغيبِ كانت قطراتٍ من ضياءِ /
خُتِمَتْ بالشفَق الورديِّ في أصفى إناءِ /
جُبلتْ فخّارتاهُ من صفاءٍ ونقاءِ /
حدَّثوا عنها وما أحلى حديثَ الندماءِ /
قال منهم واحدٌ في غير زهوٍ وادِّعاءِ /
هذه الخمرةُ كانتْ لملوكٍ أتقياءِ /
عصروها من جنى الربَّاتِ في فجر شتاءِ /
ثم آلتْ لغلامٍ رائعٍ جمِّ الذكاءِ /
شرِهِ النظرة عربيدٍ شديدِ الغُلواءِ /
عشقَ البحرَ وعافَ القصرَ مرفوعَ البناءِ /
ومضى يضربُ في الكون على غير اهتداءِ /
عاش كالقرصانِ يطوي كلَّ بحرٍ وفضاءِ /
بشراعٍ صُنْعُهُ إحدى أعاجيبِ الخفاءِ /
غَزلاً يملك بالشعر مقاليدَ النساءِ /
كلما هام بأُنثى أو صَبا بعد اشتهاءِ /
وشكا الكأسُ إليهِ طولَ هجرٍ وجفاءِ /
همَّ أن يشربَ فارتدَّ فأغضى في حياءِ /
ضَنَّ بالقطرة منها وكذا شرعُ الولاءِ /
ومضى جيلٌ وجيلٌ وهو مشبوبُ الدماءِ /
ضارباً في العاصفِ الثائرِ والرِّيح الرُّخاءِ /
وأتاهُ القدرُ الساخرُ أو حكم القضاءِ /
فدعا الرَّباتِ واستصرخَ من فرطِ عياءِ /
فأتَتْهُ ربَّة الشعر على رغم التنائي /
قال إنْ متُّ فما أجدرُ مثلي بالرثاءِ /
ورثاءٌ منك يُحييني على رغم الفناءِ /
وحباها سِرَّهُ الخالدَ أو سرَّ البقاءِ /
هامساً والنُّورُ في ناظره وَشْكَ انطفاءِ /
لكِ ما اسُتودِعتُ أو ما صُنتُ في هذا الإناءِ /
لا تذودي عنه معشوقكِ يا بنتَ السماءِ /
إنه مَلاحُ بحرٍ ما لهُ من نُظراءِ /
فيهِ أحيا وبه أنشرُ في البحر لوائي /
هذه خَمرة أشعاري وحُبِّي وغنائي /
في قصيدٍ مُحدَثٍ أو في حديثِ القدماءِ /
إسمعي أيَّتُها الروحُ أفي الكون غِناءُ
إسمعي أيَّتُها الروحُ أفي الكون غِناءُ /
وانظري هل في نواحي الأرض بالليل ضياءُ /
لا تُرَاعي أنْ يكنْ قصَّرَ عنكِ البُشراءُ /
فالنواقيس التي حيَّتكِ أشجاها القضاءُ /
الشَّجَى رَجْعُ صداها والأسى والبُرحاءُ /
والتراتيلُ من البيعَة نوحٌ وبكاءُ /
ردَّدتهنَّ الثكالى واليتامى الشهداءُ /
والمصابيحُ التي كان بها يُزهى المساءُ /
خنقتْها قبضةُ الشرِّ فما فيها ذَماءُ /
صبغوها بسوادٍ فهيَ والليلُ سواءُ /
مأتمٌ للنور قام الويلُ فيه والشقاءُ /
تحت ليلٍ ما له بدءٌ ولا منهُ انتهاءُ /
أيها المبعوث لا ضنَّتْ برُجعاكَ السماءُ /
أُنظرِ الأرضَ فهل في الأرض حُبٌّ وإخاءُ /
نسِيَ القومُ وصاياكَ وضلُّوا وأساءوا /
وكما باعوكَ يا منقذُ بِيعَ الأبرياءُ /
ليلةَ الميلاد والدنيا دموعٌ ودماءُ /
في ربوعٍ كانَ فيها لكِ بالسلم ازدهاءُ /
باسمه يشدو المغنُّون ويشدو الشُّعراءُ /
أين ولَّتْ هذه الفرحةُ أم أين الصَّفاءُ /
لم تصافحكِ من الأطفال أحلامٌ وِضاءُ /
رقدوا غيرَ عيونٍ رِيعَ منهنَّ الفضاءُ /
ترقب الآباءَ هلْ عادوا وهل حان اللقاءُ /
بين أيدي أُمهاتٍ بِتنَ والليل جفاءُ /
في طوايا النفس يبكين وقد عزَّ الرجاءُ /
ويحهم أين تُراهم هؤلاء الأشقياءُ /
هم وراء الليل أجسادٌ وأرواحٌ هباءُ /
ووجوهٌ رسَمَ الرعبُ عليها ما يشاءُ /
خندقوا في مأزقِ الموتِ وما منهُ نجاءُ /
بين موجٍ من سعيرٍ يتوقَّاه الفناءُ /
وجبالٍ من رُكام الثلج يُرسيها الشتاءُ /
وحديدٍ طائرٍ يحذر مسراه الهواءُ /
وعجيبٌ فيمَ للموت يُساق التعساءُ /
في سبيل الخبز والخبز اكتسابٌ ورضاءُ /
في سبيل الحقِّ والحقُّ لدى القوم طلاءُ /
في سبيل المجد والمجدُ من البغي براءُ /
أو في المجزرة الكبرى تنالُ المجدَ شاءُ /
كذب الباغي وللسيف بكفَّيه مَضاءُ /
وخداعٌ كلُّ ما قال وزورٌ وافتراءُ /
أيها الشرق الذي خصَّته بالرُّوح السماءُ /
هذه الروح التي شيدَ بكفَّيها البناءُ /
والتي من نورها العالم يُجْلى ويُضاءُ /
يا أبا الحكمة لا هانَ عليك الحكماءُ /
نادِ أوربا فقد ينفعها منك النداءُ /
حانتِ الساعةُ يا أختاهُ أم حقَّ الجزاءُ /
دِنتِ بالقوَّة حتى صَرَعَتكِ الكبرياءُ /
أرقصي في النَّار أنتِ اليوم للنار غذاءُ /
واشربي في حانة الشيطان ما فاض الإناءُ /
حانةٌ للموتِ فيها من دَمِ القتلى انتشاءُ /
نادِمي مَن شئتِ فيها فالمنايا الندماءُ /
وارفعي الكأس وغنّي وعلى الدنيا العفاءُ /
يا قوياً لم يَهُنْ يوماً عليه الضعفاءُ /
وضعيفاً واسمه يفزعُ منه الأقوياءُ /
وأنا المسلمُ لا يجحَدُ عندي الأنبياءُ /
أنتَ في القرآن حُبٌّ وجمالٌ ونقاءُ /
عَجبٌ فِديتُك المُثلى وفي القول عزاءُ /
ألهذا العالَمِ الشرِّير قد ضاع الفداءُ /
كم شهيدٍ فيكِ مهدور الدِّماء
كم شهيدٍ فيكِ مهدور الدِّماء / لا تُراعِي أنتِ أمُّ الشُّهداءْ
كلُّ غالٍ من مناعٍ ودمٍ / لكِ يا مصرُ وما عزَّ الفداءْ
إيهِ يا مصرُ خُذي ما شئتِهِ / ولداعي المجد منا ما يشاءْ
قيل أودى بأمين قاتلٌ / كيف يُودي ببنيك الأُمنَاءْ
كيف يُودَى بفتىً من خُلقِهِ / كلُّ معنىً من سماحٍ ووفاءْ
كمنَ الغدر لهُ ثم رمى / عن يدٍ عسراءَ شعواءَ الرّماءْ
صاعداً يرقى على سُلَّمهِ / دَرَجَ المجد ومرموقَ العلاءْ
دمُهُ المسفوك حُبٌّ وندىً / ومزاجٌ من حياءٍ وإِباءْ
ورحيقٌ عَطِرٌ من نفحه / يثْمَل الأعداءُ قبل الأصدقاءْ
وهوىً للوطن الحر الذي / خرَّ في حومته بعض ذماءْ
لو أتاهُ نبأٌ عن قتله / قال وهمٌ وأحاديثُ افتراءْ
فتنةٌ حمراءُ شَبَّتْ نارها / شهواتٌ يَنتحينَ الأبرياءْ
عربدتْ هوجاءَ واستشرتْ قُوى / واستبدَّتْ بعقول الضعفاءْ
باطلٌ إن مرّت الرِّيحُ به / طارَ عن صاحبهِ وهو هباءْ
وإِذا ما لمح النُّورَ جَرَى / وتخفَّى تحت جنحٍ من مساءْ
لا تقولوا طائشٌ في رأيهِ / إِنما الرأيُ من الغدر براءْ
إِنما الناسُ لهمْ آراؤهم / وهمو الأحرار فيها الطُّلقاءْ
وعلى ودٍّ وبرٍّ وهدى / لهمو فيها فراقٌ ولقاءْ
غير ما مسَّ دماً فاجهر به / وتَحدَّ الحاكمين الأقوياءْ
واذكر الأوطان لا تأخذ بما / يكتب الحقدُ ويُمليهِ العداءْ
ليس من مصر ولا من أهلها / مُزْهِقُ الأرواح أو مُجري الدماءْ
يا زعيمَ الشعب هذي محنةٌ / فوق ما يحمل طوقُ الزعماءْ
ليست الأُولى وقد كنتَ لها / غَرَضاً منه لك الرُّوحُ وقاءْ
قدَّرَ اللّه وما قدَّرهُ / ليس يُعْفى منه سكانُ السماءْ
من يكن مثلَكَ في إِيمانه / كيف أدعوه لصبرٍ أو عزاءْ
إِنني أرثي لمصر رجلاً / مصرُ منا فيهِ أحرى بالرثاءْ