قسَماً منّي بأيام الصَّفاء
قسَماً منّي بأيام الصَّفاء / وبجَمْع الدّهرِ شَمْلَ القُرناءِ
وبتأميلِيَ منهم عودةً / لا أطعْتُ الشّوقَ في طُولِ البكاء
إنمّا أَذْخرُ عيْني لغَدٍ / إنْ قَضى اللهُ بوَشْك الالتقاء
ليسَ يشفى غيرُ عيني عِلَلي / إنْ تدانى الحَيُّ من بعدِ التّنائي
خَلِّها تَثْنِ إليهم نّظْرةً / ثمّ هَبْها عندهم للبُشَراء
لو يُفادّون بعُمْري منهمُ / يومَ وصلٍ لم يكنْ غالِي الفداء
أصفياءٌ كَدَّروا عيَشْي نوى / كيف يصْفو العيشُ دونَ الأصفياء
كم تجلَّدْتُ وما بي جَلَدٌ / وتصنّعْتُ وقد عَزَّ عزائي
جاحِداً وَجْدي بهم من حَذَرٍ / حين تَرميني عيونُ الرُّقَباء
وإذا ما سَبقتْني عَبرةٌ / عندهم غطَّيتُ وجْهي برِدائي
وإذا اليأسُ أَعَلَّ القلبَ لي / قلتُ للقلبِ تَعَلّلْ بالرّجاء
فأدالَ اللهُ من جَورِ النَّوى / بدُنُوِّ الدّارِ بعد العدواء
وانتَهى الحالُ إلى أن واصَلوا / فتَواهَبْنا بِداياتِ الجفَاء
سال من عَطْفِهمُ أوديةٌ / حَملَتْ كُلَّ جَفاءٍ كالجُفاء
لستُ أنسى يومَ بانوا جيرتي / ووُقوفي واجِماً في خُلَطائي
وسؤالي كُلَّ رَكبٍ عَنَّ لي / عنهمُ عند رَواحٍ واْغتداء
وانتِظاري لخيالٍ منهمُ / زَورةً بين صباحي ومسائي
ومَبيتي ساهراً مُرتفِقاً / بالفلا والنِّضْو مَعقولٌ إزائي
ونجومُ اللَّيلِ يَجْلو بينها / غُرةَ البدرِ لنا فَضْلُ الضياء
كبني هاشمٍ الغُرِّ وقد / أحدقُوا حول نقيبِ النُّقَباء
وبدا بدْرَ سماحٍ كاملٍ / بالعُلا إن لم يكنْ بَدْرَ سَماء
مَن رأى يوم تَجَّلى والورى / ناِصبُو أَعناقهم للاجتلاء
وعليه حُلّةٌ مَنسوجةٌ / من أَناسِيِّ عيونِ الأولياء
فوقَ طِرْفٍ يَسْرِقُ الطَّرفُ له / عزّةً كُلَّ عظيمِ الكِبْرياء
مُرْتَدٍ عَضْباً يُحاكِي رأْيَه / إن نضاهُ عند خَطْبٍ في المَضاء
ومن اللهِ عليه هَيبةٌ / في عيونِ النّاسِ شِيبَتْ ببهاء
والفتى من دَهَشٍ مُقْتَسَمٌ / حيث للخلْق ضجيجٌ بالدُّعاء
فيدٌ تُومي وقلبٌ فرِحُ / وفمٌ داعٍ وَطرْفٌ منه راء
يُبصِرون الغيثَ واللّيثَ معاً / والحَيا والشّمسَ من غيرِ امتراء
ويُحَيّون هُماماً ماجداً / بِشْرُه للوَفْدِ عُنوانُ السَّخاء
سابَقَ الآباءَ في شوْطِ العُلا / فهْو إن خاشَنْتَه صَعْبُ الإباء
قَسَّمَتْ أفئدةَ النّاسِ له / راحتاهُ بين خوفٍ وارْتجاء
هاشِمي عاقد حبوتَه / في ذُرا بيتٍ رَبوبِيِّ البِناء
يهبطُ الوحْيُ على سُكّانِه / فهمُ للهِ أهلُ الاصطفاء
بالهُداةِ الأُمناء انتظمَتْ / حافَتاهُ والملوكِ العُظماء
أيَّ سبْقٍ سبقُوا نحو العُلا / واقتفى آثارَهم أيَّ اقتفاء
ملِكٌ أصبح مَحذورَ السُّطا / مُرتجَى النّائلِ مأهولَ الفِناء
قد نَمتْه دَوحة من فَرْعها / شُعبةٌ مُثمِرةٌ بالخُلفَاء
من أبيهِ الحَبْرِ فيه شَبَهٌ / في بيانٍ وسَماح ودَهاء
يَضَعُ الأشياء في مَوضِعها / مِثْلما باشَرْتَ نُقباً بِهناء
شارعُ ديِنَ ندىً إعجازُهُ / أنمُلٌ تَنبَعُ فينا بالعَطاء
ذوُ بُدُو بعضُ أسابِ الّذي / ظَلّ يأتيهِ وبعض ذو خَفاء
ليس بالمسؤولِ عن أفعاله / بل على الأقوامِ حُسْنُ الاقتداء
ليس يَعْرى من جلابيبِ العُلا / عند مَيْلٍ منه أو عنْدَ استواء
وكذاك النّجمُ في أفلاكه / كيفما دار قَرينٌ للعلاء
كعبةٌ للمجدِ يُومي نحوَها / كُلُّ مَن في الأرضِ من دانٍ وناء
إنْ تَزُرْهُ تَر كفّاً كالحَيا / حين يُمتاحُ ووجْهاً ذا حَياء
هو كالطَّودِ وقاراً في الحُبا / وهْو كالجَودِ بِداراً بالحِباء
تَقْصُرُ الأنجُمُ عن آرائه / إن حكَتْها في سناً أو في سَناء
وبذاك النّطَرِ السّامي له / فاق في الآفاقِ كُلَّ النّظراء
وأميرُ المؤمنين اختَصَّه / من بنى الدّهرِ بقُرْبٍ واجتِباء
يحَمد النّاصحُ مَن كان ولا / مثْلَ حَمْدِ النصَحاء النُّسَباء
لم يَنَلْ ما قد تَمنّى كاشحٌ / داخلٌ ما بين عُودٍ ولِحاء
وإذا الأحبابُ بالوَصْلِ اكتَفَوا / نُبِذ الواشون نَبْذاً بالعَراء
إن تَسلْني عن زماني وأنا / ذو اخْتبارٍ لبنيهِ وابتلاء
فَعليٌّ لك يا عَمْرو العُلا / منتهَى بحرِ بنيك النُّجباء
هاكَها من رائق الشِّعرِ وإن / لم يكَدْ يَسلُكُ نهْجَ الشعَراء
يَشعَرُ الدّهْرَ ويَقْضي مُبدعاً / ما لشعرٍ منه قدْحٌ في قَضاء
مَدْحُه الدّهْرَ لقومٍ مَدْحُهم / مَحْضُ صدقٍ لم يِشِنْهُ بافْتراء
بكُمُ يا آل عبّاسٍ يُرى / من صُروفِ الدّهر ما عشتُ احتمائي
لم أزَلْ أشْفعُ فيكم طارِفاً / من مَديحي بتليدٍ من وَلائي
إنْ نشَرْتُم فعَنِ الشُّكرِ لكُم / أو طَويتُم فعلَى الوُدّ انطوائي
وإذا المَدْحُ سَرى في جَحْفلٍ / فأنا الحاملُ فيهِ للّواء
بقَريضٍ كلّما حَبرتُه / هزّ أعطافَ المُلوكِ الكُرَماء
قلتُ والرّكْبُ بأجوازِ الفَلا / عيسُهمُ مُنتعلاتٌ بالنَّجاء
بَكّروا والصُّبْحُ في طَيِّ الدُّجَى / وجْهُ حسناءَ حَييٌ في خباء
وحُداةُ العيسِ يَنفون الكَرى / ويُطيرون المَطايا بالحُداء
كُلُّ وجناءَ إذا ما طَرِبوا / عَطّتِ البيدَ بهم عَطَّ المُلاء
وإذا ما ادّرعَتْ هاجِرةً / جُعِلَ الظِّلُّ لها مثْلَ الحذاء
الرِّضَا يا حاديَ العيسِ الرِّضا / فَلَقَصْديهِ من النّاس ارتضائي
هو أكفَى الخَلْقِ للوفْدِ ندىً / وبه أيضاً عنِ الخَلْقِ اكتفائي
بل لذي الفَخْريْنِ نفسٌ كبُرتْ / منه عِزّاً في جُدودٍ كُبَراء
حَضْرةٌ منك تَحَلَّى جِيدُها / بنظامٍ هو مأْمون الوَهاء
وارتقَتْ في دَرَجِ العِزّ إلى / حيثُ لا يُوجدُ فَضْلٌ لارتقاء
إن يكن فَخْرُكَ في الوهْم انتَهى / فلْيَطُلْ عُمْرُك من غير انتهاء
عِشْ لطُلاب المعالي قُدوةً / بك يُبدون اقتداءً لاهتداء
هذه دولةُ مَجْدٍ وعُلاً / جَمعتْ بالجودِ شَمْلَ الفُضَلاء
أصْبَحَتْ مَنصورةً راياتُها / إذْ رَعتْها منك عَيْنُ الاعتناء
وبك استغنَتْ فلم تُبقِ لها / حاجةً يوماً إلى غيرِ اكتفاء
فلها فابْقَ يَميناً أبَداً / مُغْنياً في نَصْرِها كُلَّ الغناء
يا يميناً لو دعتْ كُل الورى / بشِمالٍ لغَدوا دونَ الوفاء
لا يَزلْ جوُدك يَجلوك لنا / في سوارٍ صيغَ من حُسْنِ الثّناء