اضحكي يا شمسُ وابكى يا سماء
اضحكي يا شمسُ وابكى يا سماء / إنَّ هذا العيدَ عيدُ الشَّهداء
لا أبالي أيَّ قُطرٍ حازهُم / إنّهم ملءُ أناشيدِ الرجاء
لا أُبالي أيَّ تاريخٍ حوى / ذِكرهُم فالَّذكرُ عنوانُ البقاء
لم تميزهمُ سوى أعمالِهم / أو يعِّرفهم سوى لون الفدَاء
ربَّ منهم مَن تردَّى بالأسى / كم ذبيحٍ لم يُضرَّج بالدماء
كم شجاع عاينَ الموت وقد / هابهَ الموتُ وشُّر الأشقياء
ليس من يحملُ قلباً كفُّه / مثلَ من يحملُ ذُلَّ الجبناء
وفتاة في رُبَى شيلى حَمت / بطلاً بل بطلينِ من فناء
لجآ واستعصما في قبوها / كدنانِ الخمرِ تزكو في الخفاء
والدٌ حُّر وطفلٌ رَضعا / في اختلافِ السنِّ تقدَيس الإباء
كافحا في طردهم أسبانيا / حينَ سادَ الليلُ واغتيلَ الضياء
حين صار العيشُ والموتُ معاً / عَدَماً لليائسين الضعفاء
فأتى الجندُ لبحثٍ عنهما / وهما في القبو رهنٌ للقضاء
لحظةٌ إن شاءَ ماتا إثرَها / أو أبىَ مَرَّت مُجوناً أو هُراء
قالت الحسناءُ هذا منزلي / لا ألبىّ فيه حُكمَ الغربَاء
أي زادْ شئتمو حُّل لكم / إن يكن عندي وليس الاعتداء
ما مفاتيحي سوى رمزي فما / أرتضى ذُلاًّ لمن بالسيف جاء
ان يكن معناى هذا ضائعاً / بينكم فهو بنفسي والوفاء
قُبِّحتَ أعمالكم من ظَنِّكم / أنَّ عُذر الحرب عذر اللؤماء
تستبيحون بيوتاً لم تكن / غير أقداس عفافِ ونقاء
وتدوسون رضىَ اصحابها / هل هُموُ رجسٌ وأنتم أتقياء
فاستشاط الضابطُ العاتي وأرغى / حانقاً كالذئبِ دوَّى بالعواء
استعُّدوا فاستعُّدوا زُمرةَ / عُوِّدت لذةَ قتل الأبرياء
صوبوا النار إليها في رضىَ / يرقبونَ الأمرَ كالرَّاجي العطاء
والفتاةُ الحرةُ الهيفاءُ تأبى / أىَّ عفوٍ أو خضوعِ أو رياء
نظرت نظرةَ جبارٍ عنيدٍ / تطعنُ البغىَ بسهمِ الكبرياء
فإذا بالضابطِ المغرورِ يبدو / عاجزاً عن أن يُثنِّى بالنِّداء
وأخيراً بعد لأىٍ قال بل / سوف تغدونَ أمامي كالشِّواء
سأحيلُ البيتَ ناراً ملؤها / ضحكاتٌ من روؤسِ الأغبياء
لا تظنىّ والألى تحمينهم / أنكم إلاّ هباءً في هَباء
سأريكم في حجيمٍ حولكم / غاية الغدرِ وعقبى السفهاء
فأبت إلاّ شموخا زاده / ثورةً واستضحكت مما أفاء
وأشارت نحو جمرٍ لاعبٍ / باللَّظى في الموقدِ الجمّ الذَكاء
ثم قالت لك هذا كلُّهُ / فاغتنمه محرِقاً أنَّى تشاء
إنّ حرقَ الجسمِ أمرٌ هينٌ / حين تنجو الروحُ من هذا البلاء
فتهاوى ذلك القاسي كمن / ناله العُّى وإن فات الحياء
ومضى والجندُ ما مدوا يداً / نحوها أو لفظوا لفظا أساء
بل مضوا كالخرسٍ لم يُعرف لهم / غرضٌ أو نكصوا كالبلهاء
دامت الحربُ طويلا وانتهت / كانتهاءِ الشهُّبِ في القفر العراء
ما درى الناسُ لماذا نشبت / واستمرت في دموعٍ ودماء
ولماذا فجأةً قد انتهت / فتساوت في ابتداءٍ وانتهاء
أيدومُ الناس في ضلاّتهم / وأَضُّل الناسِ كان الزعماء
ما تعادَوا مرةً عن سببٍ / لم يوفَّق فيه حُكمُ الحكماء
ما حقوقُ الشعبِ مهما أنكرَت / بالتي تُمحى إذا ما الشعب شاء
شَّب ذاك الطفلُ في أمتَّه / قائداً أنضجهُ طولُ البلاءَ
مرَّت الأحداثُ في سيرته / مِثلَ عصفِ الريحِ في أعلى الجوَاء
لم تُهَّدمهُ ولكن أشبعت / عَقلهُ فهماً وحزماً ومضاء
صار قُطباً تهتدى أمَّتهٌ / بهدَاه وصديقَ العلماء
وَبَنىَ تحديدَها من روحه / قبل صُلبٍ راسخٍ أو كهرباء
شَّع في تاريخها اشعاعَهُ / في نُهىَ جامعةٍ فيها أضاء
كان من أَسَّسها إيمانُهُ / برسالاتِ الهدَاةِ الأمُناء
هكذا الأبطال يحيا ذكرٌ هم / في سبيل الحقِّ مثلَ الأنبياء