المجموع : 3
اذكري ذاك المساء
اذكري ذاك المساء / كيف كنا سعداء
لم يدع عندي هماً / ومحا عنك الشقاء
ملأ الدنيا صفاء / عندما شئت وشاء
كلما أقبلت السح / ب فظلَّلن السماء
قاتمات غائمات / يتهادينَ بطاء
لاح نجمٌ من بعيد / فتجلى وأضاء
وتصدَّى قمرٌ را / حَ على الأرض وجاء
ها هنا حفلٌ وذكرى ووفاء
ها هنا حفلٌ وذكرى ووفاء / لبّنا أنت ملبِّي الأصدقاء
يا لها من غربة مضنية / ليس تنجاب وأيام بطاء
ذهب الموت بأغلى صاحب / وثوى في الترب أوفى الأوفياء
لست أنساك وقد أقبلت لي / تشتكي غدر صديق قد أساء
آه من جرح ومن قلب على / ألم الجرح انطوى مر الاباء
كلما آلمك الجرح فأح / سست به لطّفته بالكبرياء
أيها الشاكي من الدهر استرح / كلنا يا أيها الشاكي سواء
الجراحات التي عانيتها / لم تدع أرواحنا إلا ذماء
برم العيش بها لم يشفها / وتولى الدهر سأمان وجاء
أذن الموت لها فالتأمت / وشفاها بعدما استعصى الشفاء
لست أرثيكَ أيرثى خالد / في رحاب الخلد موفور الجزاء
كيف أرثيك أيرثى فاضل / عاش بالخيرات موصول الدعاء
إنما الدنيا هي الخير على / قلة الخير وقحط العظماء
إنما الدنيا فتى عاش لكم / باذلاً من قوته حتى الفناء
فإذا مات فقد عاش بكم / فهو بالذكرى جدير بالبقاء
ذلك الشاعر قد واساكمُ / وبكى آلامكم كل البكاء
ذلك الشاعرُ قد غناكمُ / صادحاً في أيككم بشرى الهناء
وأولو الشعر المصابيح التي / حطمتهن رياح الصحراء
خلدت أنوارهم رغم البلى / وبها المدلج في الليل استضاء
سوف يفنى القول إلا قولهم / ويموت الناس إلا الشعراء
عد إلينا نسمة حائرة / ذات نجوى وحنين وولاء
ثم حلق بجناحين إلى / عالم نحن له جد ظماء
طِر مطارَ النسم واترك قدَما / ثقلت بالشوك في أرض الشقاء
هذه الكعبةُ كنّا طائفيها
هذه الكعبةُ كنّا طائفيها / والمصلّين صباحاً ومساء
كم سجدنا وعبدنا الحسن فيها / كيف بالله رجعنا غرباء
دار أحلامي وحبي لقيتنا / في جمود مثلما تلقى الجديد
أنكرتنا وهي كانت إن رأتنا / يضحك النور إلينا من بعيد
رفرف القلب بجنبي كالذبيح / وأنا أهتف يا قلب اتئد
فيجيبُ الدمعُ والماضي الجريح / لِمَ عُدنا لَيت أنّا لَم نعُد
لِمَ عُدنا أوَ لَم نَطوِ الغَرَام / وفَرغنا مِن حنينٍ وألَم
ورَضينا بسكونٍ وسلام / وانتهينا لفراغٍ كالعَدَم
أيها الوكر إذَا طار الأليف / لا يَرَى الآخر معنى للسماء
ويَرَى الأيام صفراً كالخَريف / نائحات كرياح الصَّحراء
آه مما صنع الدهر بنا / أو هذا الطلل العابس أنت
والخيال المطرق الرأس أنا / شدَّ ما بتنا على الضنك وبِت
أين ناديك وأين السمرُ / أين أهلوك بساطاً وندامى
كلما أرسلت عيني تنظر / وثب الدمع إلى عيني وغامَا
موطن الحسن ثوى فيه السأم / وسرت أنفاسه في جوِّهِ
وأناخ الليل فيه وجثم / وجرَت أشباحه في بهوهِ
والبلى أبصرتهُ رأي العيان / ويداه تنسجان العنكبوت
صحت يا ويحك تبدو في مكان / كل شيء فيه حيٌّ لا يموت
كل شيء من سرور وحَزَن / والليالي من بهيجٍ وشجي
وأنا أسمعُ أقدامَ الزمن / وخُطى الوحدة فوق الدرج
ركنيَ الحاني ومغنايَ الشفيق / وظلال الخلد للعاني الطليح
علم الله لقد طال الطريق / وأنا جئتك كيما أستريح
وعلى بابك ألقي جَعبتي / كغريبٍ آبَ من وادي المحن
فيك كف الله عنى غربتي / ورسا رحلي على أرض الوطن
وطني أنتَ ولكني طريد / أبديُّ النفي في عالَم بؤسي
فإذا عدت فللنجوى أعود / ثم أمضي بعد ما أفرغ كأسي