المجموع : 37
رَدِّدي أَخبارَ عَمرٍو وَعُمَرْ
رَدِّدي أَخبارَ عَمرٍو وَعُمَرْ / رَدِّديها خَبَراً بَعدَ خَبَرْ
زينَةُ الأَخبارِ فيها وَالسِيَرْ / وَجَلالُ الدَهرِ مِنها وَالعِظَمْ
اذكُري البَأسَ رَحيماً عادِلا / وَاِذكُري العَدلَ عَميماً شامِلا
اذكُري العَهدَ كَريماً فاضِلا / ماجِدَ الأَخلاقِ غِطريفَ الشِيَمْ
اذكُري يا مِصرُ عَهدَ الفاتِحينْ / مِن جُنودِ اللَهِ رَبِّ العالَمينْ
كَشَفوا الضُرَّ عَنِ المُستَضعَفينْ / وَأَذاقوهُم أَفاويقَ النِعَمْ
حَرَّروا أَبناءَ فِرعَونَ الأُلى / فَعَلَ الظُلمُ بِهِم ما فَعَلا
كُلَّ يَومٍ سَيِّدٌ يَطغى فَلا / دَولَةٌ تُبنى وَلا مُلكٌ يُرَمْ
اخلَعي القَيدَ فَقَد طالَ المدى / أَيَضيعُ الأَمسُ وَاليَومُ سُدى
لا تَقولي إِن دَعا الداعي غَدا / اخلَعيهِ وَاِرفَعي عَنكِ الغُمَمْ
نَحنُ أَبناؤُكِ نَسعى لِلعُلى / لا نُبالي بِالمَنايا سُبُلا
كُلَّما حاوَلتِ أَمراً جَلَلا / غامَرَت أَنفُسُنا في المُقتَحَمْ
نَحنُ أَنصارُكِ إِن هالَ القَدَرْ / وَمَضى القَومُ يُوَلّونَ الدُبُرْ
نَحفَظُ العَهدَ وَنَعصي مِن غَدَرْ / إِنَّما الدينُ عُهودٌ وَذِمَمْ
أُنشُروا الآثارَ وَاِستَقصوا السِيَرْ
أُنشُروا الآثارَ وَاِستَقصوا السِيَرْ / وَاِبعَثوا الأَجيالَ غُرّاً وَالعُصُرْ
إِنَّ لِلآباءِ حَقّاً وَلَنا / غُرَرُ الأَبناءِ يَقفونَ الأَثَرْ
عَلِّمونا كَيفَ نُحيي ذِكرَهُم / وَنُحَيّي فيهِمُ العَهدَ الأَبَرّْ
بورِكَ العَهدُ وَإِن طالَ المَدى / وَتَوَلَّتهُ خُطوبٌ وَغِيَرْ
عَهدُ مِصرَ الحُرُّ إِذ هُمُ أَهلُها / وَإِذِ التيجانُ فيهِم وَالسُرُرْ
أَيُّ مُلكٍ لَم يُزَلزِل رُكنَهُ / مُلكُ خوفو وَرَعمسيسَ الأَغَرّْ
غَمَرَ الأَرضَ بِعِلمٍ زاخِرٍ / وَرَمى الدُنيا بِبِأسٍ مُستَعِرْ
تِلكَ آثارُ الفَراعينِ الأُلى / غَلَبوا الدَهرَ وَهَمّوا بِالقَدَرْ
كَرِهوا مِن عِزَّةٍ أَن يُصبِحوا / كَبَني الدُنيا رَماداً في الحُفَرْ
فَهُمُ اليَومَ حَياةٌ غَضَّةٌ / مِن عِظاتٍ بالِغاتٍ وَعِبَرْ
تَنصَحُ الدَهرُ وَتَهدي أَهلَهُ / وَتُري الجِنَّ أَفاعيلَ البَشَرْ
آيَةُ الأَجيالِ قامَت بَعدَهُم / لِيَراها مَن تَوَلّى أَو غَبَرْ
يَقشَعِرُّ الدَهرُ مِن هَيبَتِها / وَهيَ راسٍ عِزُّها ما يَقشَعِرّْ
إِنَّ في النَيروزِ مِن أَخبارِها / رَنَّةً تَملَأُ نَفسَ المُدَّكِرْ
جَعَلوهُ عيدَهُم فيما مَضى / فَاِجعَلوهُ عيدَ مِصرَ المُنتَظَرْ
عيدُها الحُرُّ يُحَيّي يَومَهُ / مِن بَنيها كُلُّ عالي النفسِ حُرّْ
وَليَكُن أَوَّلَ يَومٍ صالِحٍ / مِن حَياةِ المَجدِ فيها وَالخَطَرْ
نَحنُ في مِصرَ جَميعاً أُخوَةٌ / نَتَلَقّى النَفعَ فيها وَالضَرَرْ
دينُنا الحُبُّ وَمَوفورُ الرِضى / لَيسَ مِنّا مَن تَوَلّى أَو كَفَرْ
فَاِبتَهِج يا عيدُ وَاِذكُر ما تَرى / وَاِروِ لِلأَجيالِ مَأثورَ الخَبَرْ
اشهَدي يا مِصرُ أَعمالَ البَنينْ
اشهَدي يا مِصرُ أَعمالَ البَنينْ / وَاِنظُري الآياتِ حيناً بَعدَ حينْ
كَشَفَ الحِدثانُ عَن مَكنونِها / فَأَزالَ الشَكَّ عَن وَجهِ اليَقينْ
ذَلِكَ الجِدُّ فَذوقي مُرَّهُ / وَخُذيهِ مِن أَكُفِّ اللاعِبينْ
اشرَبي الكَأسَ دِهاقاً وَاِسمَعي / عِظةَ المَخمورِ بَينَ الشارِبينْ
أَنتِ خُنتِ البِرَّ إِذ لَم تَعرِفي / مَوضِعَ الخائِنِ وَالبَرِّ الأَمينْ
تَجعَلينَ الأَمرَ فَوضى ما لَهُ / مِن نِظامٍ واضِحٍ لِلمُستَبينْ
وَتَرَينَ الناسَ ناساً كُلَّهُم / مِن مَناجيدَ وَصَرعى خامِدينْ
أَضلالاً مِنكِ تَجزينَ الأُلى / أَفسَدوا الأَمرَ جَزاءَ المُصلِحينْ
وَتُقيمينَ رِجالاً نَقَضوا / عَهدَكِ الأَوفى مَقامَ المُخلِصينْ
إيهِ يا مِصرُ أَلَمّا تَعلَمي / حادِثاتِ الدَهرِ في ماضي السِنينْ
إيهِ يا مِصرُ اِذكُريها وَاِنظُري / أَيَّ شَعبٍ شَعبَكِ العاني الحَزينْ
وَكِلي الأَمرَ إِلى اللَهِ فَما / لَكِ في الدُنيا سِواهُ مِن مُعينْ
عُدَّةُ الأَقطارِ في شِدَّتِها / وَغِياثُ الأُمَمِ المُستَضعَفينْ
يَدفَعُ الأَهوالَ عَن مَكروبِها / حينَ لا يُرجى دِفاعُ الناصِرينْ
وَيُعيدُ المَيتَ مِن آمالِها / مُشرِقَ الطَلعَةِ وَضّاحَ الجَبينْ
مالِكُ المُلكِ مَضَت أَحكامُهُ / وَجَرَت أَقدارُهُ في العالَمينْ
ما لِنفسٍ قُوَّةٌ في مُلكِهِ / جَلَّ ذو القُوَّةِ وَالحَولِ المَتينْ
تَذهَبُ الهَزَّةُ مِن أُسطولِهِ / بِأَساطيلِ المُلوكِ القادِرينْ
وَإِذا ما هَمَّ يَوماً جُندُهُ / فَالمَنايا لِلجُنودِ الغالِبينْ
سائِلِ الغَبراءَ كَم مِن دُوَلٍ / ذَهَبَت آثارُها في الغابِرينْ
حَمَلَتها أَعصُراً ثُمَّ اِنطَوَت / في عُصورِ الذاهِبينَ الأَوَّلينْ
هَمَدَت في جانِبٍ مِن بَطنِها / يَسَعُ الأَحياءَ مِنّا أَجمَعينْ
سَل عَنِ التيجانِ وَاِنظُر هَل تَرى / فيهِ شَيئاً مِن عُروشِ المالِكينْ
وَتَأَمَّل هَل لَهُم في جَوفِهِ / مِن جُنودٍ أَو بُنودٍ أَو سَفينْ
قَلِّبِ التُربَ فَكَم في التُربِ مِن / دَولَةٍ صَرعى وَمِن مُلكٍ دَفينْ
مَعرضُ الأَجيالِ إِن طُفتَ بِهِ / فَتَمَهَّل وَاِتَّئِد في الطائِفينْ
وَاِجعَلِ المِصباحَ في ظُلمَتِهِ / عِبرَةَ المَوتِ لِقَومٍ مُبصِرينْ
إِنَّما الدُنيا حَياةٌ تَنقَضي / وَحَديثٌ نافِعٌ لِلذاكِرينْ
وَضَحَ الحَقُّ لِقَومٍ جاهِلينْ / فَاِنظُري يا مِصرُ ماذا تَأمُرينْ
أَنتِ لِلَهِ بِناءٌ قائِمٌ / تَلتَوي عَنهُ أُكُفُّ الهادِمينْ
صابِري الأَحداثَ مَهما مَكَرَت / وَثِقي بِاللَهِ خَيرِ الماكِرينْ
لا تُراعي إِنَّ مِن آياتِهِ / ما يُراعي فيكِ مِن دُنيا وَدينْ
اطلُبي ما شِئتِ مِنهُ وَارقُبي / حُكمَهُ في شَعبِكِ العاني الرَهينْ
أَهِيَ الأَحداثُ لا تُنصِفُنا / فَتَعالى اللَهُ خَيرُ الحاكِمينْ
وَيحَ نَفسي وَيحَ مِصرٍ كُلَّما / ذَكَرَت مِصرُ بَنيها الهالِكينْ
يَومَ جاشَ الهَولُ في أَرجائِها / فَاِتَّقَتهُ بِالشَبابِ الناهِضينْ
بِنُفوسٍ أَقبَلَت دَهماؤُها / تَتَرامى مِن أُلوفٍ وَمِئينْ
تَفتَدي مِصرَ وَتَقضي حَقَّها / وَتُريها هِمَمَ المُستَبسِلينْ
حَدِّثي يا مِصرُ عَنهُم وَاِذكُري / كَيفَ كانَت غَضبَةُ الشَعبِ الرَزينْ
أَكرميهِم وَاِحفَظي ما بَذَلوا / مِن دَمٍ غالٍ وَمِن عُمرٍ ثَمينْ
شُهَداءُ الحبِّ بَرّوا وَوَفوا / وَقَضَوا مِن حَقِّهِ ما تَعلَمينْ
عَظَّموا ما شِئتِ مِن حُرمَتِهِ / وَمَضَوا في العُظَماءِ الخالِدينْ
كَيفَ نَنساهُم وَما طالَ المَدى / كَيفَ نَنسى الأُمَناءَ الصادِقينْ
أَرَضينا الغَدرَ ديناً بَعدَهُم / فَعَلى اللَهِ جَزاءُ الغادِرينْ
كَفكَفَ الباكونَ مِن أَدمُعِهِم / فَبَكَتهُم أُمَّهاتُ المُؤمِنينْ
يا لِقَومي لِلثَكالى شَفَّها / إِذ مَضى أَبناؤُها طولُ الرَنينْ
يا لِقَومي لِليَتامى بَعدَهُم / وَالأَيامى وَالشُيوخِ الهامِدينْ
رَحمَةً لِلطِفلِ يَبريهِ الأَسى / لِلأَبِ المودي وَلِلعَمِّ السَجينْ
جَفَّ حَتّى ما تَراهُ أُمُّهُ / حينَ جَفَّت عَنهُ أَيدي المُحسِنينْ
يَطلُبُ القوتَ فَتَبكي وَلَها / جارُ سوءٍ مِن رِجالٍ مُترَفينْ
تَحمِلُ الضُرَّ وَيَشقى جَدُّها / وَهوَ يَندى نَضرَةً في الناعِمينْ
أَطيَبُ الأَنغامِ في مَسمَعِهِ / رِنَّةُ الشَكوى وَتَردادُ الأَنينْ
جُنَّ بِالدُنيا وَلا دُنيا لَهُ / غَيرُ ما أدركَ مِن عَيشٍ مَهينْ
لا يَراهُ الناسُ إِلّا جَشِعاً / بارِزَ الأَنيابِ كَالذِئبِ اللَعينْ
طاحَ بِالخَيرِ وَعَفّى رَسمَهُ / زَمَنٌ لِلشَرِّ مُنبَتُّ القَرينْ
عَلَّمَ الأَقوامَ ما عَلَّمَهُم / مِن سَجايا بَرَّحَت بِالأَكرَمينْ
ما يَوَدُّ الشَعبُ مِن أَخلاقِهِ / غَيرَ أَخلاقِ النُهاةِ الآمِرينْ
يا حُماةَ النيلِ حَسبي وَكَفى / أَيظَلُّ النيلُ لِلمُستَعمِرينْ
يا حُماةَ النيلِ صونوا مُلكَهُ / وَأَرى النيلَ لِقَومٍ آخَرينْ
بَشِّروا يا قَومُ إِنّي لَأَرى / في مَصيرِ النيلِ رَأيَ المُنذِرينْ
لا وَمَن أَلقى إِلَينا أَمرَهُ / لا تَرَكناهُ بِأَيدي الخاذِلينْ
نَحنُ حِزبُ اللَهِ صُنّا حَقَّهُ / وَحَفِظنا عَهدَهُ في الناكِثينْ
نَحنُ بايَعناهُ مُذ كُنّا عَلى / نُصرَةِ الحَقِّ وَكُنّا فاعِلينْ
إِن غَضِبنا أَو رَضينا فَلَهُ / لا نُبالي تُرَّهاتِ المُرجِفينْ
نَحمِلُ الأَقلامَ غُرّاً وَلَنا / صُحُفُ الأَبرارِ بَينَ الكاتِبينْ
ما الأَلِبّاءُ كَضُلّالِ النُهى / لا وَلا الأَحرارُ كُالمُستَعبَدينْ
ما رَضينا خُطَّةَ الغاوي وَلا / عابَنا شَأنُ الذَليلِ المُستَكينْ
يا لِقَومي جاهِدوا لا تَهنوا / وَسَيَأتي اللَهُ بِالنَصرِ المُبينْ
أَنجدوا مِصرَ إِذا ما فَزِعَت / وَأَهابَت بِالكُماةِ الباسِلينْ
احفَظوها إِنَّ مِصراً إن تَضِع / ضاعَ في الدُنيا تُراثُ المُسلِمينْ
يا وُفودَ النّيلِ ترتجُّ القُرى
يا وُفودَ النّيلِ ترتجُّ القُرى / وتَموجُ المُدْنُ منها بالمِئينْ
سائلوا النّيلَ عنِ استِقلالكم / ثمّ سيروا خبباً أو مُعْنِقينْ
أَجْمَعُوا الأمرَ وجاءوكم بها / قُطُراً تُزْجَى إليكم كلَّ حينْ
أأعدُّوها لأعيانِ القُرَى / أَمْ أعَدُّوها لقومٍ مُعوزِينْ
يَشترون القُطنَ بِاسْتقلالهم / ويبيعونَ العِدَى إرثَ البنينْ
صفقةٌ للنّيلِ في آثارها / صَرخةُ العاني وإطراقُ الحزينْ
يا عبيدَ المالِ هل فيكم فتىً / يَمنعُ المالَ أكفَّ الغاصِبينْ
أو يرى الأَنفُسَ إن هَمَّتْ بها / ضرَباتُ القومِ في حِرزٍ أَمينْ
اجْمَعوا المالَ لأيدي السَّالبينْ / وَلِدُوا الأبناءَ للمُستَعبِدينْ
هل رأيتم أمّةً تحيا على / ما تُلاقون حياةَ الآمنينْ
جَدِّدوا الذّكرى لأهلِ المشرقِ
جَدِّدوا الذّكرى لأهلِ المشرقِ / وصِفوا المجدَ لشعبٍ شيِّقِِ
يَعشَقُ المجدَ فإنْ لجّتْ بهِ / لَوْعةُ الوَجدِ تَنحَّى يتَّقي
عَلِّموهُ كيف يقضِي حَقَّهُ / نابِهَ الموقفِ حُرَّ المَصدقِ
وأَرُوهُ السُّبْلَ ناراً ودماً / مَن يَهَبْ فيها المنايا يُصعَقِ
مزِّقوا الأوهامَ عنه إنّه / لَيظُنُّ السُّبْلَ من إسْتَبرقِ
لا وربّي ما لشعبٍ رازحٍ / من سبيلٍ في الشُّعوبِ السُّبَّقِ
تلك أشلاءُ الضحايا عندها / أصدقُ الأنباءِ للمُستوثقِ
في سبيلِ السُّؤدُدِ الصّافي دَمٌ / لا يُصافي الدّمُ إن لم يُهرَقِ
هو في الإشراقِ كالنُّور الذي / سالَ في بدرٍ ويومَ الخندقِ
وهو في الطِّيبِ وفي الطُّهر معاً / عَبَقُ الفِردوسِ للمُستنِشقِ
يا شهيدَ النّيلِ لو ناجيتَهُ / لَشفاهُ منكَ عَذْبُ المنطقِ
شَاقهُ الصَّوتُ البعيدُ المُرتَمى / والمقامُ الكِسْرَويُّ الرَّونَقِ
وشَجاهُ أن يرى صَمْصَامهُ / غيرَ وضّاحِ السَّنا في المأزِق
جاشَتِ الأحداثُ تَسْتَقْصِي المدى / وَارتْمَتْ من كلِّ صَوْبٍ تلتقي
فاقشعرَّتْ مِصرُ من أهوالِها / وتمنَّتْ أنّها لم تُخْلقِ
وأرى الشَّعبَ على أُرجوحةٍ / تارةً تهوِي وأخرى ترتقي
سائلِ الأحزابَ ماذا عندها / غير تَرجافٍ وهمٍّ مقلقِ
وتأمّلْ هل ترى اليومَ سِوَى / دَولةٍ فوضى وحُكمٍ أخرقِ
فات نِيرُونَ رجالٌ رُزِقوا / من فنون الظُّلمِ ما لم يُرزقِ
لو جرى فرعونُ أو هامانُه / يتعاطى شأوَهم لم يَلْحَقِ
سجنوا الدُّستورَ طفلاً ناعماً / واستبدّوا بالسّجين الموثَقِ
لا جرى النّيلُ على الوادي ولا / بُوركَ الشَّعبُ إذا لم يُطلقِ
تلك ذكرى النيلِ للنّفسِ التي / عَكَفَ النّيلُ عليها يستقي
وهي عَيْنٌ من حَياةٍ عَذبةٍ / في يَفاعِ من سناءٍ مُشرقِ
لا يذوقُ الموتَ من يطعَمُها / فَاصْبَحِ القومَ بها ثمَّ اغْبِقِ
واعْرِفِ الخُلدَ فإن أدركته / فابتهِجْ منهُ بِمُلكٍ مُونِقِ
والْبَسِ التَّاجَ رفيعاً يزدهي / من ذوي التِّيجانِ أعلى مَفْرقِ
إن تَحرَّيْتَ اللُّبابَ المُنتقَى / فاجعلِ الأخلاقَ ممّا تنتقي
هي تيجانُ القويِّ المُزْدَهِي / وَهْيَ أكفانُ الضّعيفِ المُرهَقِ
فَزِعَتْ مِصرُ إلى أبطالها / فالبَسِ النَّقْعَ وسرْ في الفيلقِ
سائلِ القومَ أما من غضبةٍ / لِذمامٍ صادقٍ أو مَوْثِقِ
لا أرى النّجدةَ إلا في الأُلى / هُمْ أولو العهدِ الأبرِّ الأَصدقِ
ننصُرُ اللهَ ونحمِي أُمّةً / نحن منها في الصَّميمِ المُعرقِ
هِمَّةُ المِقدَامِ مِن آلائها / وبَيانُ العبقريِّ المُفلِقِ
يا بريدَ النّيل إن جئتَ الشآما
يا بريدَ النّيل إن جئتَ الشآما / فاقضِ للأهلين عن مصرَ الذِّماما
إنّ في تلك المغانِي لَهَوىً / صادِقَ العهدِ وأحباباً كِراما
عَقَدَ الحُبُّ المُصفَّى بيننا / عُروةً تأبى مَدى الدّهرِ انفصاما
ما ترى الأُردُنَّ بالنّيلِ احتفَى / وترى النّيلَ على الأُرْدُنِّ حاما
للشَّآمينَ منّا ولنا / منهمُ العهدُ الذي يَبقَى لِزاما
ضمّنا للدّهرِ ساقٍ حُوَّلٌ / يَخدعُ الشَّرْبَ ويلهو بالنَّدامى
فَشربْنا الصَّفوَ من راوُوقهِ / وتساقينا القَذَى جَاماً فجاما
نحن في القُطريْنِ إخوانُ الهَوى / نَردُ النَّهرَيْنِ شَهداً وسِماما
أَلْبَستْنا الضَّادُ في عَليائها / من سَنَى الأنسابِ ما يجلو الظَّلاما
فطلعنا في بني الدُّنيا هُدىً / وسطعنا في نواحيها سلاما
أممُ المشرقِ لولا ما بِنا / من حياةٍ أصبحت مَوْتَى رمِاما
والزّمانُ الضّخمُ لولا أنّنا / من بنيهِ هَانَ قدراً ومَقاما
نحن سُسْنا الأمرَ سِلماً ووغىً / وملكنا الدَّهرَ شيخاً وغُلاما
أُمّةٌ للخلدِ تستعصي على / عِزَّةِ الموتِ وتأبى أن تُضاما
طاولت فِرعونَ في سُلطانِه / وابتنت في تاجهِ المُلكَ الجُساما
ومضتْ تعلو فلمّا زُوحِمَتْ / طاولت هارونَ عِزّاً وهِشاما
راعتِ الأملاكَ في أجنادهم / وَانْتحَتْ تغزو الخواقينَ العِظاما
يا بني الآدابِ حَيُّوا عَلَماً / تسكتُ الأعلامُ إن قال احتشاما
إن ذكرتم دولةَ الضادِ فلا / تَنْسَوُا التّاجَ ولا الشّيخَ الإِماما
إنّ جَبْراً والدَّعاوَى جمّةٌ / لَفَتاها حين لا ترجو اعتصاما
عبقريُّ ذادَ عن أحسابِها / فتجلّتْ عبقرياتٍ وِساما
تَبهرُ الأرضَ وتعلو صُعُداً / فَتُضيءُ الشُّهبَ أو تَسقِي الغماما
دولةٌ تعتزُّ منه في حِمَى / مَلِكٍ يُلقي له الشَّعبُ الزِّعاما
غُودِرَتْ في الشّرق فوضى فانبرى / ينشرُ الدُّستورَ فيها والنّظاما
بعث القُوّادَ في أقطارهِ / يأخذون الموقعَ الأقصَى اقتحاما
رِيعَ جيشُ الجهلِ لمّا جَرَّدُوا / من سَنَى عرفانِه الجيشَ اللُّهاما
مُرهَفُ الأقلامِ يأتي في الوغَى / من جليل الفتحِ ما يُعيِي الحُساما
أدبٌ ينسابُ من معسولهِ / في رُبوع الشرقِ ما يَشفي السَّقاما
مثلُ عين الخِضرِ من يظفرْ بهِ / لا يَذُقْ داءً ولا يُطعَمْ حمِاما
إنّ للعلم لَسِرّاً جللاً / نستفيدُ الخُلدَ منه والدّواما
غاب عن عِلمِ الفراعين الأُلَى / زَلزلوا الأقطار بأساً واعتزاما
فَتِّش الأجداثَ عن تيجانهم / واسْألِ الأحجارَ والصّخرَ المُقاما
هل ترى عيناك إلا حُفَراً / تلفظُ القومَ جُلوداً وعِظاما
عاث رَيْبُ الدّهرِ فيما جمعوا / من كنوزٍ كُنَّ في التُّربِ رُكاما
حَلَّ للمُغْتالِ في رَأدِ الضُّحَى / من غَواليهنَّ ما كان حَراما
رُبَّ جيشٍ بات يقظانَ القَنَا / ساهِرَ الأسيافِ يخشَى أن تُراما
سُؤدُدٌ زُورٌ ومجدٌ باطلٌ / وحياةٌ تُورِثُ الداءَ العُقاما
إن وصفتَ المُلكَ يطويه البلَى / فَصِفِ الأحلامَ تستهوي النِّياما
اذكرونا في المُلِمّاتِ الكُبَرْ
اذكرونا في المُلِمّاتِ الكُبَرْ / واشْهَدوا أنّا الميامينُ الغُرَرْ
نَحنُ للإسلامٍ أَعلامُ الظَّفَرْ / وسُيوفُ الفتحِ تَجلُوها الغُمَرْ
أُمَّةَ الفُرقانِ زِيدِي عِظَما / وارْفَعِيهِ للمعالي عَلَما
امْلكِي الأرضَ وَسُودِي الأُممَا / إنّه الحكمُ الذي أَمْضَى عُمَرْ
أَنتِ عَلَّمتِ الشُّعوبَ الأُوَلا / سُبُلَ المجدِ وأسبابَ العُلا
إن تُريدي شاهِداً أو مَثَلا / فاسْأَلي الآياتِ واستفتِي السُّوَرْ
جَنِّدِي العِلمَ وسِيري لِلوَغَى / وابْتَغِي الحقَّ فَنِعْمَ المُبْتَغَى
خَابَ مَن أَدركَ دُنيا فَطَغَى / ورأى النّاسَ ضِعافاً فَفَجَرْ
أنْقِذِي العالمَ مِن آلامِهِ / واكْشِفي ما اعْتادَ مِن أوهامِهِ
لا تَخافيِ اللَّيثَ في إقدامِهِ / واذْكُرِي مَجْدَكِ في مَاضِي العُصُرْ
اذْكُرِي التّيجانَ حَيْرَى تَرْتَمِي / والعروشَ الشُّمَّ تَهوِي في الدَّمِ
جَاشَ بُركانُ القَضاءِ المُبْرَمِ / فَهْيَ غَرْقَى في العُبابِ المُسْتَعِرْ
نَحنُ للنّيلِ الشَّبابُ المُجْتَبَى / نَنْصُرُ اللهَ ونَأْبَى ما أَبَى
ولَنا بينَ العَوالي والظُّبَى / نَسَبٌ في البأسِ وَضّاحُ الأَثَرْ
هِمَّةُ النَّسرِ إذا ما نَهَضا / مِنْ سَجايا قَومِنا فِيما مَضَى
زَلزَلوا الدُّنيا فَرِيَعتْ وانْقَضَى / صَلَفُ الدَهرِ وَطُغيانُ الغِيَرْ
أَرَأيتَ القومَ مِمّا غَلَبوا / عندهم من كلّ عَصْرٍ سَبَبُ
ولهم في كلّ جيلٍ أدبُ / عبقريُّ الذّكرِ رَنّانُ الخَبَرْ
طَلَعَ الإِسلامُ نُوراً وَهُدَى / وقَضَى الأمرَ حياةً وَرَدَى
إنّ في السّيفِ وإن جَلَّ الفِدَى / لَحَياةً تُنْتَضَى أو تُدَّخَرْ
يصطفى النَّفَس فَيُعطيها النُّهَى / ويُريها عَرشَها فَوقَ السُّهَى
هو في الدُّنيا حياةٌ تُشْتَهَى / وهو في الأُخْرَى نَجاةٌ للبَشَرْ
نَضرةُ الأوطانِ في أفيائِهِ / وجَلالُ المُلكِ مِن نَعمائهِ
اصرِفِ اللَّهُمَّ عن أبنائِهِ / باطِلَ الدُّنيا ومكروهَ القَدَرْ
في حِمَى الحقِّ ومن حول الحَرَمْ
في حِمَى الحقِّ ومن حول الحَرَمْ / أُمّةٌ تُؤذَى وشعبٌ يُهتَضَمْ
فزَع القُدسُ وضجّتْ مكةٌ / وبكت يثربُ من فرط الأَلمْ
ومضى الظُّلمُ خليَّاً ناعماً / يسحبُ البُرْدَيْنِ من نارٍ ودَمْ
يأخذ الأرواحَ ما يَعصِمُها / مَعقلُ الحقِّ إذا ما تَعتصِمْ
ويرى النّاسَ إذا أعجبه / أن يَبيدوا كأقاطيعِ البَهَمْ
بَعَثته شَهوةٌ وحشيّةٌ / تتلظَّى مثلُ أجوافِ الأُطُمْ
ما تُبالي إن مَضَتْ ويلاتُها / ما أصابت من شُعوبٍ وأُمَمْ
أَهْونُ الأشياءِ في شِرعتِها / أُمّةٌ تُمحى وشعبٌ يُلتَهمْ
هي من رُوحِ الدّهاقينَ الأُلى / نشروا النُّورَ وطاحوا بالظُلَمْ
أنقذوا العالمَ من أرزائه / وأَذاقوه أفاويقَ النَّعمْ
وأزالوا ما حَوَتْ أرجاؤُه / للأوالي من قُبورٍ ورِمَمْ
فإذا الدنيا جمالٌ يُجْتَنَى / وإذا العيشُ سلامٌ يُغْتَنَمْ
زَيَّنوها قصةً ناعقةً / زَيَّنتْ للنّاسِ مكروهَ الصَّمَمْ
كشفَ التّجريبُ عن سَوْآتِها / ومضَتْ عاريةً ما تَحتشِمْ
أفسدوا العالمَ مّما عَبثوا / بالدساتيرِ القُدامى والنُّظُمْ
نقضَ الأرسانَ واستنَّ العَمَى / فهو يَمضي جامحاً أو يرتطِمْ
سلبوه العقلَ ممّا عَربدوا / وسَقَوهُ من خَبالٍ وَلمَمْ
الحياةُ البَغيُ والدِّينُ الهَوى / والضّعيفُ الخَصمُ والسّيفُ الحكمْ
زمنٌ تَصدُقُ إن سَمّيتَه / زمنَ الطّاغوتِ أو عصرَ الصَّنَمْ
يا فلسطينُ اصطليها نكبةً / هاجها للقومِ عَهدٌ مُضطرِمْ
واشْهديهِ في حماهم مأتماً / لو رَعَوْا للضَّعفِ حقَّاً لم يَقُمْ
واشربي كأسَكِ ممّا عَصَرُوا / من زُعافٍ جائلٍ في كلِّ فَمْ
اذكري يومَكِ في أفيائهم / وَدَعي الأمسَ فما يُغني النّدمْ
آيةٌ للبَغْيِ من أسمائها / حِكمةُ الأقدارِ أو عَدلُ القِسَمْ
اكشفيها غُمّةً ليس لها / من كِفاءٍ غيرُ كشّافِ الغُمَمْ
الجهادُ الحرُّ يقضي حقَّه / سُؤددُ العُربِ ويحميهِ العلَمْ
لا تنامِي للعوادي وادأبي / واذهبي طامحةً في المُزدحَمْ
ليس بالمُدركِ حقّاً غافلٌ / نامَ والأحداثُ يقظَى لم تَنَمْ
في فؤادي جُرحُكِ الدّامي وفي / كَبدي ما فيكِ من حُزنٍ وَهَمّْ
كم صريعٍ لكِ في أشلائِه / مَصرعُ القُربَى وأشلاءُ الرَّحِمْ
فَجعوني فيهِ بابنٍ صالحٍ / وأخٍ حُرِّ السّجايا وابنِ عَمّْ
شهداءُ الحقِّ ماتوا دُونه / وهو حيُّ العزِّ موفورُ الشَّمَمْ
واشتروه بنفوسٍ حُرّةٍ / بذلوها من سَخاءٍ وكرمْ
نَهض المُلكُ على أمثالِها / واستتبَّ الأمرُ فيه وانتظمْ
إن رسا البنيانُ يوماً أو سَمَا / فَهِيَ الأركانُ فيه والدُّعُمْ
ذهبوا للشرقِ في مأتمهم / مَرَحُ الخالي وبِشرُ المُبتَسِمْ
سرّه أن هبَّ من أبنائِه / قُضُبُ الهند وآسادُ الأَجَمْ
وانتضى من بين جَنبيْهِ الأسَى / ما انتضى العُدوانُ من تلك الهِمَمْ
هِمَمُ الأحرارِ تحمِي وَطناً / عربيّاً سِيمَ خَسفاً وظُلِمْ
بَاعَهُ ذئبٌ لذئبٍ غِيلةً / فهو للذّئْبَينِ نَهْبٌ مُقْتَسَمْ
تُنزَعُ الأرزاقُ من أبنائهِ / وتُسَلُّ الأرضُ من فرط النَّهَمْ
يُرهَقُ القومُ فإن هم غضبوا / راحتِ الأرواحُ منهم تُخْتَرمْ
أَخَذتهم للأذى عاصفةٌ / هاجها البغيُ فهبّت من أَمَمْ
وارتمت هوجاءَ ما يردعُها / فاجعُ الثُّكلِ ولا عادي اليَتَمْ
عصفت ظمآى إلى آجالهم / فتروَّت من شبابٍ وهَرَمْ
وأراها من تَلظِّي جوفِها / تتداعَى كالشُّواظِ المُحتدِمْ
تتمنَّى من تباريحِ الصَّدَى / لو يكون الدَّمُ كالبحرِ الخِضَمْ
شعبَ إسرائيلَ ما بالُ الأُلىَ / حفظوا العهدَ وبَرُّوا بالقَسَمْ
ذكروكم ونَسَوْا ما عَقَدوا / لِسواكُمْ من عُهودٍ وذِمَمْ
اذكروا بُلفورَ في تلمودكم / واغفروا اليومَ لعيسَى ما اجترمْ
واسْألوا مُوسَى أَطابت نفسُه / أمْ أَبَى ما كان منكم فَنَقِمْ
ليس من مالَ عن الحقِّ كمن / جعل الحقَّ سبيلاً يُلتزَمْ
هدم التّيهُ قديماً مُلكَكم / فبنى بلفورُ منه ما هَدمْ
أبَتِ الأرضُ فكنتم شَعَثاً / طائراً في كل وادٍ ما يُلَمّْ
فرمى أشتاتكم في وطنٍ / راعه منكم بشعبٍ مُلتئِمْ
نَبِّئوا الغرقَى وإن لم يسمعوا / أهُوَ الطُّوفانُ أم سَيْلُ العَرِمْ
مصرُ ناجِي من فِلسطينَ الرُّبَى / وابْعثي صوتَكِ من أعلى الهَرمْ
وإذا أعوز هَمٌّ أو أسىً / فاستمدِّي الهمَّ من هذا القَلمْ
وخُذِي مَعْنَى الأَسَى عَنْهُ فما / لكِ من مَعناه إلا ما نَظمْ
نَبِّئيها أنّنا من وجدِها / نجد العَلْقَمَ في العذبِ الشَّبِمْ
نشتكي الليلَ ويرمينا الأَسى / إن مضى الليلُ بِصُبحٍ مُدْلهِمّْ
فكأنّا منهما في مُلتَقى / نكبةٍ تَطغَى وأُخرى تَستجِمّْ
أختُكِ الوَلْهى عَنَاها شجوُها / وَدَهَى أبناءَها الخطبُ المِلَمّْ
فزعتْ تدعوكِ في مِحنتِها / مصرُ جلَّ الخطبُ هُبِّي لا جَرَمْ
اذكريني أدركيني خَفِّفِي / ألمِي بُوركتِ من أُختٍ وأُمّْ
هَدَّ قومي باسْمِ مُوسَى ظالمٌ / لو رأَى في القومِ موسى ما رَحِمْ
زَعَم التوراةَ من أنصاره / فهي تشكو خطبَها مّما زعَمْ
هل رأى الألواحَ فاستهدَى بما / جاءَ فيها مِن عظاتٍ وحِكَمْ
أم تلقَّى الوحيَ أم كان امرأً / جَهِلَ النّاسُ جميعاً وعَلِمْ
ربِّ هل قدّرتَ ألا ينجلي / ما أصابَ الشرْقَ من خطبٍ عَممْ
عاث فيه القومُ حتّى مَالَهُ / حُرمةٌ تُرعَى وحقٌّ يُحتَرمْ
اكشفِ البأساءَ وارحم أُمماً / تتلوَّى من مَلالٍ وسَأَمْ
عَمِلَ النّاسُ فسادوا وعَلَوْا / وَهْيَ فوضَى من عبيدٍ وخَدمْ
تَحمِلُ الضَّيمَ ولولا أنّها / تَحسَبُ الموتَ حياةً لم تُضَمْ
ما لنا من هذه الدُّنيا سِوَى / غارةِ العادِي وعَسفِ المُحتكِمْ
ساءَنا من شرَّها ما نجتوى / وعَنانا من أذاها ما نَذُمّْ
فسئِمناها حياةً مُرَّةً / ومللناهُ وُجوداً كالعَدمْ
رَبِّ أنتَ العونُ إن طاف بنا / طائفُ البَغْيِ وأنت المُنتقِمْ
من يُجيرُ القومَ إن صَبَّحَهم / خطبُ عادٍ وثمودٍ في القِدَمْ
لا يَغُرَّنَ قويّاً جُندُه / قُوّةٌ صَرْعَى وجُندٌ مُنهزِمْ
أَعجزنا أن نَجوبَ المَشرِقَيْنْ
أَعجزنا أن نَجوبَ المَشرِقَيْنْ / أم عَيينا أن نَفوت النَّيِّرَيْنْ
قاتِلُ الأبطالِ في أدراعها / عصفتْ أقدارُهُ بالبطليْنْ
أَمَر الرّيحَ فلم تَحْمِلْهُما / وتنحَّتْ عنهما بالمنكَبَيْنْ
وكسا الجوَّ دُخاناً سَدَّهُ / وَطَوى أعلامَهُ عن كلِّ عَيْنْ
طَاحَ بالنَّسْرينِ منه قَدَرٌ / نَافِذُ النَّابيْنِ مَاضي المِخلبيْنْ
مُستَطيرُ البأسِ ما تَدفعُهُ / عُدَدُ الحربِ وبأسُ الفيلقيْنْ
تَسقطُ الجُردُ المَذَاكِي دونه / وتطير البيضُ مِلءَ المأزميْنْ
بعث الخَطْبين في إيماءةٍ / وَرمَى في نَفَسٍ بالنكبتيْنْ
إن يَرُعْها أمَّةً مَحزونةً / فلقد يَجمعُ بين الأُمَّتيْنْ
يَقْدِرُ العلمُ إذا سَالَمَهُ / وَهْوَ إن عَادَاه ذُو عجزٍ وأَيْنْ
سَابحٌ في البَرِّ والبحرِ وفي / مَسْبَحِ الريحِ ومَجرَى الشِّعريَيْنْ
كلُّ حيٍّ حين يرمي عن يدٍ / مُوثَقُ القُوّةِ مغلولُ اليدَيْنْ
نظر الوادي ففاضت عَبرةٌ / من بديع الدّمعِ تروي المعنَييْنْ
هَطلتْ حرَّى وراحت جهرةً / تتغَنّى فرحاً في المأتميْنْ
خِلَّةُ الشّامتِ إلا أنّها / أبعدُ الخلّانِ عن عَيْبٍ وشيْنْ
نَهضتْ بالوجدِ والمجدِ معاً / وقضتْ ما عَرَفتْ من حقِّ ذيْنْ
رُبَّ حَتفٍ في حياةٍ تُشتهَى / وحياةٍ هي في حتفٍ وحَيْنْ
أيُّ خطبٍ لم يُخَفِّفْ هولَه / مصرعُ الفاروقِ أو خطبُ الحُسَيْنْ
انظروا النَّعشين في عزّهما / وصِفوا لي كبرياءَ الموكبَيْنْ
واطلبوا الرّيحان عندي وخذوا / من بياني روضةً أو روضتيْنْ
واذكروا للشَّرق عن شاعرهِ / حَيرةَ الرُّزءين بين الموسميْنْ
لا تُريدوا بعد شوقي غيرَه / إنّ خيرَ الشّعرِ شعرُ الأحمديْنْ
نشط العالَمُ في حاجاتهِ / يبتغيها في مجالِ الفرقديْنْ
أنخونُ النّيل في آمالهِ / ليس هذا إن فعلناه بِزَيْنْ
آن للآباءِ أن يسترجعوا / ما على الأبناءِ من حقٍّ ودَيْنْ
لو صدقنا للعوادي مِثلهم / ما ارتضينا العيشَ من زُورٍ ومَيْنْ
أخذوا الموقف وضَّاحَ السَّنا / وبقينا نحن بين الموقفيْنْ
أيُّ دنيا هذه الدنيا التي / مالنا منها سوى خُفَّيْ حُنَيْنْ
يا شبابَ النّيلِ جِدُّوا وادأبوا / إنّ هذا المجدَ شيءٌ غَيرُ هَيْنْ
وإذا ما أعوزتكم نجدةٌ / فاطلبوها من بُناةِ الهرميْنْ
واستعينوا بالأُلى سنُّوا العُلا / لبني الدنيا وهزّوا الخافقيْنْ
نحن من فرعونَ أو من عُمرٍ / أيُّ مجدٍ مثل مجد الأبويْنْ
اذكروا العصريْنِ كم من قُوّةٍ / تتلظَّى نارُها في الذكريَيْنْ
واطلبوا في عصركم أقصى المدى / لا تهابوا تلك إحدى الخُطّتيْنْ
ربّنا إنّا اهْتدينا
ربّنا إنّا اهْتدينا / فَلَك الشُّكرُ عَلَيْنا
أَنتَ أَحْسَنْتَ إلينا / بالرّجالِ المُحسِنينْ
حَفِظوا القُرآنَ فينا / وَرَعَوْهُ مُخْلِصِينا
صَدَقوا دُنيا ودِينا / نِعمَ أجرُ الصّادقين
إنّهُ خيرُ البِضَاعَهْ / ليس مِنّا مَنْ أَضاعَهْ
رَبَّنا كُنْ لِلجَماعَهْ / إنّهم أهلُ اليمين
واجْزِ خَيراً كُلَّ حُرِّ / صادقِ الإِيمانِ بَرِّ
عَاملٍ قَامَ بِشَطْرِ / في الرّجالِ العامِلينْ
هِمَمٌ تَمضِي كِبارا / ونُفوسٌ تَتَبَارَى
تَنْصُرُ اللهَ جِهَارا / في حِمَى الهادي الأمينْ
عَلَّمونا فارْتَقَيْنا / وَمِنَ الحقّ ارْتَوَيْنا
أينَ مَن يَشربُ أينا / نحنُ خيرُ الشّاربينْ
نَحنُ للإِسلامِ جُنْدُ / بأسُنا البأسُ الأَشدُّ
خالدٌ فينا وسعدُ / نفتحُ الفتحَ المبينْ
نُرسلُ الآياتِ غُرّا / تَنفضُ الأعداءَ ذُعْرا
رَبّنا اللّهمَّ نصرا / رَبَّنا أَنتَ المُعينْ
سَيفُنا اللهُ أكبرْ / يضمن النَصْرَ المُؤَزَّرْ
أيُّ أمرٍ يَتعذّرْ / إن ذهبنا فاتحينْ
نظم المجدَ لأبطالِ الحمى
نظم المجدَ لأبطالِ الحمى / ونظمتُ الشّعرَ ناراً ودما
بطلٌ أبصرتُ مجرى دمهِ / في جبينِ الشَّرقِ لمّا وجما
رفع السّيفَ على هامِ السُّهَى / أفلا أرفع فيه القلما
يا له من عَبقريٍّ مُلهَمٍ / هاج منّي عبقريّاً مُلهَما
ردِّدِي صوتِيَ يا بِيضَ الظُّبَى / إنّما أرثى الكمِيَّ المُعلَما
ردّديهِ غِبطةً أو أسفاً / وابعثيهِ لذّةً أو ألما
اجعلي دُنياكِ في رنّاتهِ / تارةً عُرساً وآناً مأتما
إنما أرعى لقومي ذِمّةً / في كريمٍ كان يرعى الذِّمما
يا لِواءً كان للحقّ حِمىً / حين لا يرجو حِمَىً أو حَرَما
هل طَواكَ الموتُ عنّا أم طوى / بأسُك العاصفُ منه الهِمَما
أنتَ أوهنتَ قُواهُ كلّما / كَرَّ أقدمتَ فولَّى مُحْجِما
يا شهيداً من مواضِي هاشمٍ / كان في الهيجاءِ عَضباً مِخذما
أنتَ علّمتَ تلاميذَ الوغَى / كُلَّ فنٍّ غاب عمّن عَلّما
أخذوها عنكَ دِيناً قيِّماً / وتلقّوها كِتاباً مُحكَما
كشفت آياتُها الكُبرى لنا / عن أعاجيبَ تناهَت عِظَما
إيه يا ابن العاصِ أشبهتَ الأُلىَ / زَلزلوا الدُّنيا وهَزّوا الأمَما
يا لها من شِيَمٍ بدريّةٍ / ما ارْتَضَى اللهُ سِواها شِيما
ما الجهادُ الحقُّ إلا لمحةٌ / من سناها حين يجلو الظُّلَما
ليس بالحيِّ وإن طال المدى / مَن يخافُ الموتَ فيما اعتزما
بعثوا الأَلْفَيْنِ في نيرانِهم / ضَرماً للبَغْيِ يُزجِي ضرما
يأخذُ السِّتينَ في أنقابها / وهي ما تنفكُّ تمضِي قُدُما
أرأيتَ الرُّقْشَ في أوكارها / يتبع الأرقمُ منها الأرقما
طَلَبُوهم أو أراهم نَقَّبوا / عنهمُ الهَضْبَ وشَقُّوا القِمَما
أَبصَروهُمْ بِعُيونٍ حَلَّقتْ / تكشفُ السِّرَّ وتَهدِي ذَا العَمى
أرسلوها فَتَوالى صَيِّبٌ / من جَحيمٍ أرسلته فَهَمى
يا لقومي أَغرَقَتْهم دِيَمٌ / للمنايا الحُمرِ تحدو دِيَما
جاشَ مِن كلِّ النَّواحي سَيْلُها / فَطغَى السَّيلُ عليهم وطما
قيلَ يا ابنَ العاصِ دَعْها غَمرةً / ضجَّ فيها الهَوْلُ ممّا ازدحما
امْضِ لا تُشمِتْ بنا القومَ الأُلىَ / مارسوا مِنكَ القضاءَ المُبرما
إن ينالوا منك ما يُفجِعُنا / فَتَحوا الفتحَ ونالوا المغنما
ذاك غولُ الحتفِ يدنو أَفَلا / تنظرُ المخلبَ منه والفَما
قال كلَّا لستُ ممَّن يَتَّقي / عاصفَ الموتِ إذا الموتُ ارْتَمى
أيقولُ النّاسُ مَنّاعُ الحِمَى / ضنَّ بالنّفسِ عليه فاحتَمى
مَرْحباً بالموتِ يغشاه الفتى / فيراهُ للمعالي سُلَّما
وطنِي الأكرمُ أَوْلَى بِدَمِي / فاذكروا مَن ماتَ حُرّاً مُكْرَما
اذكروهُ عَرَبيّاً ماجداً / نَابِهَ الذِّكرِ كريمَ المُنْتَمى
صادِقَ البأسِ حميّاً أنفُه / يَمْنَعُ الحَوْضَ ويحمِي العلما
تلكَ ذِكرَى المجدِ في مَوْسمِه / فاذْكروهُ وأقيموا المَوْسِما
يا فلسطينُ ارفعي تاجَيْكِ في / دولةِ البأسِ وزِيدي شَمَما
صخرةٌ صمّاءُ تحمِي صخرةً / علّمتها كيف تشفي الصَّمَما
أَسْمَعَتْ بلفورَ نجوى وعدِه / ترتمِي حُزناً وتمضي نَدَما
فإذا الرُّسلُ على أبوابها / تطلب الإذنَ وتُلقِي السَّلَما
ادخُلوها خُشّعاً إن رَضِيَتْ / لِثراها الحُرِّ منكم قدما
هادمُ الأصنامِ من عُمّارِها / كيف تبنِي من ذويكم صنما
بُورِكَتْ من حُرَّةٍ مُؤمنةٍ / كذَّبتْ بِلفورَ فيما زعما
لا ومجرَى الوَحْيِ من مَقْدِسِها / لن تَرَوْها ليهودٍ مطعما
إنّ فيها من قُرَيْشٍ نجدةً / تُنصِفُ المظلومَ مِمَّن ظَلما
احذروا الأُسْدَ إذا ما غَضبتْ / واتّقوا أشبالَها والأجمَا
رَدِّدُوا الذِّكَرى لقومٍ غَافِلينْ
رَدِّدُوا الذِّكَرى لقومٍ غَافِلينْ / إنّها ذِكرَى إمامِ العاملينْ
وُلِدَ الإيمانُ في مَولدهِ / والجهادُ الحقُّ والعَزمُ المتينْ
فَسِّروهُ حادثاً أو قَدَراً / زَلْزَلَ الدُّنيا وهزَّ العالَمينْ
نامتِ الأقلامُ عن تفسيرِه / وخَلَتْ مِنهُ عُقولُ الكاتبينْ
وتوارى الشِّعرُ عن حكمتهِ / في أباطيل الغُواةِ الخاطِئينْ
يَبْتَغِي الزُّلفَى لَدَى أصنامِه / فدعوه تلك زُلفى المُشركينْ
رَبِّ ما أجرمتُ مُذْ عَلَّمتَني / رَبِّ جَنِّبني سبيلَ المجرمينْ
أين تمضِي عبقريّاتُ الأُلى / خدعوا الحمقى وغَرُّوا الجاهلينْ
خدعوهم بالصَّدَى يُزجِي الصّدَى / والرّنينِ العذبِ يجري في الرنينْ
إنّ في الصحراءِ من وادي الهُدَى / لَبياناً ساطعاً للمُبصرِينْ
أنشأ اللهُ بها مدرسةً / تُنشِئُ المُلكَيِنِ من دُنيا ودِينْ
يَتلقَّى الدهرُ عن أُستاذِها / أدبَ التلميذِ حيناً بعد حِينْ
سائلوا الأقوامَ ماذا حَفِظوا / من دُروسٍ بَرَّحتْ بالدّارِسينْ
وانظروا الدُّورَ التي هاموا بها / أهيَ أجداثٌ تضمُّ النّاشئينْ
هِمَمٌ مَوْتَى وأخلاقٌ بها / من عَوادِي الضّعفِ داءٌ مستبين
وعُقولٌ عَمرتْ أوهامُها / مَوْطِنَ الحقِّ ومُحتَلَّ اليقين
ذهب العصرُ الذي شَيَّبنَا / وأتى عصرُ الشَّبابِ المُلحدينْ
عَيَّرونا أن عَبَدْنا ربَّنا / وحَفِظْنا عهدَه في الحافِظينْ
وأعدّوها لنا رجعيّةً / جَعَلُوها سُبَّةً للمُؤمِنينْ
للمُصلِّين إذا ما سَجَدوا / من حديثِ السُّوءِ ما للصّائِمينْ
نَسَخَ الأخلاقَ في شِرعتِهم / أنّها من تُرَّهاتِ الجامِدينْ
إن نَقُلْ دينٌ يقولوا فتنةٌ / هَاجَها في مصرَ بعضُ المفسدِينْ
فسَدَ الأمرُ فهل من مُصلِحٍ / أصلحوه يا شبابَ المُسلِمينْ
أَسَمِعْتُمْ صادحَ الأمسِ وما / قال في الخمرِ يُغنِّي الشَّارِبينْ
يا له من ناعقٍ مُستهترٍ / ما رأينا مثله في النّاعِقينْ
أَنْطَقُوهُ فترامَى ومضَى / يَقذفُ الأسماعَ بالصّوتِ اللّعينْ
شَرَعَ اللهُ فلم يُؤمِنْ به / حَسْبُهُ شَرْعُ السُّكارَى المُدمِنينْ
ما لَهُمْ لا يتّقون اللهَ في / أُمَّةٍ صَرْعَى وشَعبٍ مُستكينْ
ما لهم لا يُكرمونَ الحقَّ في / كُلِّ قوّامٍ على الحقِّ أمينْ
هم أهانوا كلَّ حُرٍّ فاضلٍ / وأَعَزُّوا كلَّ صُعلوكٍ مَهينْ
يا شبابَ اللهِ صُونوا عَهْدَهُ / إنّ كلّ الخيرِ في العهدِ المَصُونْ
أَعْجَبَتْني غَضبْةٌ من شيخِكم / هِيَ من دَأْبِ الشُّيوخِ الأوّلِينْ
رَفَعَ الصّوتَ أَصِرْنا أُمَّةً / تتركُ الدّينَ لقومٍ لاعبينْ
أين حكمُ اللهِ في قُرآنِه / كيف ضاعَ اليومَ عِنْدَ الحاكِمينْ
يا حياةً يهتفُ النَّاسُ بها / إنّما أنتِ حياةُ الهازلينْ
أُمَمُ الدُّنيا إذا ما صَلُحَتْ / فَعَلَى أيدي الوُلاةِ الصّالحينْ
رَدِّدُوا الذِّكَرى وقُولوا رَجُلٌ / أَسَّسَ العدلَ وهدَّ الظّالِمينْ
وأقام الحقَّ يَهْوي حولَهُ / كلُّ عالٍ من قِلاعِ المبطِلينْ
ما يُبالي إن مَضَى ينصرُهُ / ما يُعانِي من بَلايَا الخاذلينْ
ضرب الأمثالَ في مِحنتهِ / بَيّنَاتٍ للهُداةِ الصّابرينْ
انشُروا ذِكراهُ نُوراً ساطِعاً / إنّ نُورَ اللهِ يَهدي الحائِرينْ
يا دمنهورُ ارْقُبيهِ مَوكباً
يا دمنهورُ ارْقُبيهِ مَوكباً / يَرقُبُ الأمرَ بعينٍ سَاهرَهْ
واسْتَعِدِّي وَاجْمعِي أهلَ القُرَى / لا تُبالي بالقُلوبِ النَّافِرَهْ
وَدَعِي الأبواقَ يُشجِي صَوتُها / شَعبَ أسوانَ وأهلَ القاهِرهْ
إنّ بالخزّانِ مِن أصحابِها / ما بِمصرٍ مِن هُمومٍ ثائرهْ
رَوَّعُوهُ وأقاموا حَوله / ضَجّةً تُؤْذي النُّفوسَ الطّاهرهْ
سَيقولُ القومُ نَصرٌ بَاهِرٌ / وَجُنودٌ مِن ذَوِينا ظافِرهْ
قَصَصُ التّصفيقِ شَتَّى عِندَهم / ورواياتُ الجموعِ الزّاخرهْ
يا دَمنهورُ صِفِي لي يَوْمَهُمْ / إنّه يومُ الجُدودِ العَاثِرهْ
لا تَظُنِّي الأمرَ مُمتدَّ المَدَى / وَاصْبِري حَتَّى تَدورَ الدائرهْ
إنَّ أَغبى النّاسِ في الدُّنيا لَمَنْ / يَذكُرُ الأُولى ويَنْسَى الآخِرهْ
هَا هُنا الأعلامُ كانت تُنْصَبُ
هَا هُنا الأعلامُ كانت تُنْصَبُ / هَا هُنا بالأمسِ كان الملعبُ
قَطعَ الصَّوتَ خَطِيبٌ وَارْعَوَى / هاتِفٌ كُنّا نَراهُ يَنعبُ
هَتَفَ العقلُ وقامَ الحَقُّ في / جَاههِ العَالي إماماً يَخطبُ
كُلُّ جاهٍ ليس مِنهُ يَنْقَضِي / كُلُّ سُلطانٍ سِواهُ يذهبُ
وأَضَلُّ النّاسِ رَأياً مُرجِفٌ / تارةً يَهذِي وَحِيناً يكذِبُ
يركب الرّأيَ غويّاً جَامحاً / ضِلَّةً لِلمرءِ ماذا يركبُ
سَألَ القومُ أَخيرٌ يُبْتَغَى / للجماهيرِ ونَفْعٌ يُطلَبُ
أَمْ هُو الموكبُ ما مِنْ مأربٍ / غَيرُه إن قيلَ ماذا المأربُ
يَدأبُ الحُكّامُ في حاجاتِهم / والعَوادِي كُلَّ يومٍ تَدْأبُ
ذَكروا الدُّستورَ في غَضْبَتِهمْ / وَهْوَ مِنهم كُلَّ حينٍ يَغْضَبُ
رَحِمَ اللهُ رِجالاً عَرَفوا / شِرعةَ الحقِّ وماذا تُوجِبُ
وَيْحَ مِصرٍ هَلْ تَرى فيها سِوَى / أُمةٍ تُؤذَى وشَعبٍ يُنْكَبُ
ضَجَّةٌ تَمضِي وأخرَى تَذهبُ / أَرأَيتُمْ كيفَ ذَابَ الموكبُ
سَائلوا الأبطالَ هل مَلُّوا الكِفاحَا
سَائلوا الأبطالَ هل مَلُّوا الكِفاحَا / يوم ألقوا في الميادين السّلاحا
أقبل القومُ يَجُرُّونَ الظُّبَى / ومَضَوْا فَوْضَى يَجرُّون الجِراحا
الدَّمُ المسفوحُ في آثارهم / يملأ الدُّنيا أنيناً ونُواحا
يا لواءً عصف اللهُ بهِ / واستباح الحقُّ منه ما استباحا
كُنتَ بالأمسِ على هاماتهم / كجناحِ النّسرِ عِزّاً وَطِماحا
غَالَك النّسرُ الذي يطوِي القُوَى / في جَنَاحَيْهِ ويغتال الرّياحا
مَلكَ الجوَّ ببأسٍ لم يَدَعْ / فيه مَغْدىً لِسواهُ أو مَراحا
تزعم الطّيرُ وما من دافعٍ / إن قَضَى للطير أمراً أو تاحا
زاده اللهُ جلالاً إنّه / جَلَّلَ الآفاقَ يُمناً وفلاحا
طَرَدَ النَّحسَ وما يَمنعُه / أن يزيد النّحسَ طرداً وَاكْتِساحا
أنعمي يادولةَ السَّعدِ صَباحَا / وَاغْنَمِي ما شئتِ فوزاً ونجاحا
قُمْتِ بالحُكمِ رشيداً صالحاً / فَاسْتَقرَّ الأمرُ والشّعبُ اسْتَرَاحا
ما ابنُ محمود ولا أصحابُه / كالأُلى اجتاحوا قُوى الشَّعبِ اجْتياحا
ظَلموهُ حَاربوهُ نقموا / أن يُريدَ الحقَّ أو يرضى الصّلاحا
فتنةُ الدجَّالِ كم مِن جاهلٍ / رَاحَ يُلقِي نَفسَهُ فيها فطاحا
للِكريمِ الحُرِّ من أخلاقهِ / معقلٌ لا يبتغي عنه بَراحا
كلُّ شيءٍ باطلٌ في حُكمهِ / غير ما يُورِثهُ المجدَ الصُّرَاحا
أين كبشُ القوم ماذا نَابَهُ / أَعراهُ الضّعفُ أم عَافَ النِّطاحا
طَعنَ الدُّستورَ في مَقتلهِ / فَلَوى قَرْنَيْهِ مَن يلوِي الرِّماحا
جُنَّ بالحكمِ وكانت حاجةٌ / لم يُجاوِزْها طِلاباً واقْتِراحا
قُلتُ لمّا نَالَها واعَجَبِي / هَرمَ الدّهرُ وما ملَّ المِزاحا
يَسْتُرُ العَيْبَ بِعَيْبٍ مِثلهِ / فهو يستشري ويزدادُ افْتِضاحا
سِيرَةٌ سَوْآى وحكمٌ فاجرٌ / ما رأينا مِثلَهُ حُكماً وَقاحا
يا ابْنَ محمودٍ أَغِثْها أُمَّةً / زَادَها القومُ الْتِياعاً والْتِياحا
جَمَحَ الحُمرُ وجاءت بعدهم / دَولةُ الزُّرقِ فَفَاقتهم جِماحا
خَفضوا الهامَ فلمَّا جِئتَها / رَفعتْ أعلامَها هاماً وراحا
عَلَّمُوها كيف تلْغِي دينَها / فهي لا تألوه نَبْذاً وَاطِّراحا
اهدِها المُثلَى وعَوِّدْها التُّقَى / وأَعِدْ أخلاقَها المَرْضَى صِحاحا
واتَّخِذْها يا ابنَ محمودٍ لها / سُنَناً بِيضاً وآداباً سِماحا
ما عَلىَ المُصلحِ يَأْبَى ما أَبَى / قومُه إن لَجَّ مُوتورٌ وصاحا
آلَ محمودٍ عَرفنا فَضْلَكُمْ / فَجَزيناكُمْ وَلاءً وامْتِدَاحا
ما مَنعتُمْ مِصرَ من أنفسكم / حَقَّها الأَوفى ولا كنتم شِحاحا
شيمةُ الشّيخ المُصَفَّى ولدت / شِيَماً غُرًّا وأحلاماً رِجاحا
سَيِّدٌ عالي الذُّرَى نعرفُه / أوسعُ السّاداتِ أكنافاً وساحا
انْبعِثْ في الأرضِ يا وَحْيَ السَّماءْ
انْبعِثْ في الأرضِ يا وَحْيَ السَّماءْ / واسْرِ يا نُورَ الهُدَى مِلءَ الفَضاءْ
انْبَعِثْ كالرُّوحِ يا رُوحَ الرَّجاءْ / وامْلأ الأكوانَ مِثلَ الكهرباءْ
أنتَ مَعْنَى الخَلْقِ أو سِرُّ البَقاءْ /
يا حياةً ليسَ عنها مِن مَحيدِ / للبرايا من شقِيٍّ وَسَعَيدِ
امْلأَي الدُّنيا وَزِيدي ثُمَّ زِيدي / لا تَخَافي أَنْ تَزُوليِ أو تَبِيدي
أنتِ أُمُّ الدّهرِ أو أُخْتُ القضاءْ /
أَوَّلٌ لَيْسَ لَهُ مِن آخِرِ / يَرْمُقُ الدُّنيا بِعَيْنَيْ ساخِرِ
يَترامَى في عُبابٍ زاخِرِ / من جَلالٍ عبقريٍّ فاخِرِ
شامِخَ العِرْنينِ عالي الكِبرياءْ /
يا جلالَ الخلدِ في العزّ المُقيمْ / أيّ مُلكٍ مِثْلُ ذا المُلْكِ العظيمْ
يتجلىَّ في سَلامٍ وَنَعيمْ / مِن عطاءِ اللهِ ذي الفضل العميمْ
وهو مَوْلَى كُلِّ فَضْلٍ وعَطَاْءْ /
أَنْزَلَ القُرآنَ نُوراً وهُدَى / في بيانٍ بالِغٍ أقْصَى المَدى
يَتَوالىَ الصَّوتُ منه والصَّدَى / إنّ هذا الكونَ لم يُخلَقْ سُدَى
فاسْتَفِيقي يا ظُنونَ الجُهَلاءْ /
اسْتَفِيقي إنّه صُبحُ اليَقينْ / جاءَ طلقَ الوجهِ وضّاحَ الجبينْ
يتحدَّى الناسَ بالحقِّ المُبينْ / ويَسوسُ الأمرَ من دُنيا ودينْ
في نظامٍ من سَلامٍ وإخاءْ /
يطفِئُ الشَّرِّ بأنفاسِ الجُنَاةْ / تَنْضَوِي فيها جناياتُ الحياةْ
فَإذا القومُ رُفاتٌ في رُفاتْ / وإذا ما قدّموا مِن سَيِئاتْ
طارَ في آثارهم مِثلُ الهَباءْ /
يا طبيبَ الدّاءِ يُودِي بالطّبيبْ / ما لِقومِي مِنْكَ في شكٍّ مُريبْ
غاب لُبُّ الأمرِ عن عِلمِ اللّبيبْ / يا عجيباً دُونَهُ كلُّ عجيبْ
أين من سِرِّكَ سِرُّ الكِيميَاءْ /
صانِعٌ يُحسِنُ إنشاءَ النُّفوسْ / فَهْيَ في إشراقِها مِثلُ الشُّموسْ
وحكيمٌ تَنْحَني شُمُّ الرُّؤوسْ / تَتلَقَّى من عِظاتٍ وَدُروسْ
ما وَعَى للمؤمنين الحُكماءْ /
وَكَّلَ اللهُ به مِن أَهْلِهِ / مَعْشراً ضَمُّوا القُوَى في ظِلِّهِ
وبَنُوا بُنيانَهمْ مِن أجلِهِ / فجَزاهم ربُّهم من فضلهِ
صَالِحَ الأجرِ ومَوفورَ الجزاءْ /
عَلِّمُوهُ الناسَ إذ مالَ الهَوَى / بِزَمانٍ صَدَّ عنه فَغَوى
لو جَرَى الأمرُ عليهِ ما الْتَوَى / هَلْ لأهلِ الأرضِ من هادٍ سِوَى
ما وَعَى الذّكرُ من الآي الوِضاءْ /
يا رِجَالَ اللهِ زِيدُوا اللَه نَصْرا / واعْصْفُوا بالدِّهرِ إيماناً وصَبْرا
لا تَلِينُوا إنّها الأحداثُ تَتْرَى / والجهادُ الحقُّ بالأبطالِ أَحْرَى
يا رجالَ اللِه سِيروا باللِّواءْ /
أَنتمُ القُوَّادُ خُوضُوا بالجنودْ / لُجَجَ الهيجاءِ من حُمْرٍ وسُودْ
نَزِّهُوا الإسلامَ عن دعوى الجُمودْ / أَفَيُدْعَى جامداً رُوحُ الوُجودْ
هكذا تَعْمَى قُلوبُ الأغبياءْ /
الكِفاحُ اشتدَّ والبأسُ احْتَدَمْ / ربَّنا انْصُرْ قومَنا في المُزْدَحَمْ
واجْعَلِ الإسلامَ مرفوعَ العَلَمْ / ربَّنا لا تُخْزِنا بين الأُمَمْ
إنّه المجدُ وإرثُ الأنبياءْ /
كنْ لنا فالأمرُ أمرُ القادرِ / ما لِشَعْبٍ عاجزٍ من ناصِرِ
لا تَدَعْنَا مَغْنمَاً لِلظّافرِ / واسْتَجبْها دعوةً من شاعِرِ
يبتغِي وَجْهَكَ بين الشُّعراءْ /
يُرسِلُ الشّعرَ شُعاعاً سَارِيا / ودماً في كلِّ عِرْقٍ جاريا
يرتوِي منه نقيّاً صافياً / ربِّ فاجْعَلْني إماماً هاديا
واهْدنِي في المؤمنينَ الأصفياءْ /
هتف الدّاعي فلبَّى واعتزمْ
هتف الدّاعي فلبَّى واعتزمْ / ومضَى يَلقَى العِدَى في المُزدَحَمْ
بطلٌ ما اضطرمت نارُ الوغَى / وتَرامَى هَوْلُها إلا اضطَرمْ
هيّجْتهُ نَزوةٌ من مُعْتَدٍ / جاهليِّ النّفسِ وحشيِّ الشِّيَمْ
كلُّ نفسٍ دُونه فيما ادَّعى / كلُّ حقٍّ باطلٌ فيما زَعمْ
مُولعٌ بالشرِّ مفتونُ المنى / مُستبِدٌّ ما قَضى إلا ظلَمْ
راعه في الحربِ من أبطالِها / مُستطيرُ البأسِ ما شاء اقتَحمْ
غاص من أهوالها في غَمرةٍ / عَبَستْ فيها المنايا فابتسَمْ
يضربُ الطّغيانَ في مَقتَلِهِ / ويُعيد الحقَّ خفّاقَ العلَمْ
شَرفُ الأوطانِ في ذِمَّتهِ / إن دعا الداعي وأعراضُ الأُممْ
عَلَمُ الدّولةِ لولاه انطوت / وعِمادُ الملكِ لولاه انهدَمْ
بُورِكَ الباني وعزّت أمّةٌ / بقواهُ في العوادي تَعتصِمْ
ينظرُ الأسوارَ تهوِي حوله / فَيُقِيمُ السُّورَ من نارٍ ودَمْ
ليس للأُّمةِ إلا ما بنى / بين أنيابِ المنايا وَدَعَمْ
ما لها إن لم يَذُد عن حوضها / من وجودٍ يُتَّقَى أو يُحتَرمْ
ما وجودُ الشّعبِ مغلوباً على / أمرِه إلا شَبيهٌ بالعَدمْ
خَلقَ الإنسانَ من حُرّيَّةٍ / خالقُ النَّخوَةِ فيه الشَّمَمْ
وقَضى الأمرَ له فيما ارتضَى / من دساتيرٍ حِسانٍ ونُظُمْ
إنّما النّاسُ جميعاً أُخوةٌ / ليس فيهم من عَبيدٍ أو خدمْ
هم سواءٌ ولكلٍّ حقُّه / ذاك حكمُ اللهِ لا حكمُ الصَّنَمْ
ما على القادرِ من بأسٍ إذا / ما جَنى الباغي عليه فانتقَمْ
إنّها الحربُ وعُقباها فما / أحسنَ العُقبى لمن يرعى الذّمَمْ
أطفأ الجنديُّ في ميدانها / جُذوةَ البَغْيِ ببأسٍ مُحْتَدِمْ
هبَّ في إعصارها مُستبسِلاً / فهو كالبركانِ يرمي بالحِمَمْ
لا يُبالي حين يقضِي أمرَهُ / نام عنه حتفُه أم لم يَنَمْ
هو إن مات شهيداً خالدٌ / في حياةٍ من جلالٍ وعِظَمْ
باذلُ النّفسِ إذا رِيعَ الحمى / كاشفُ الخطبِ إذا الخطبُ ادلهمّ
مَشهدٌ لو غاب عنّا عِلمُه / غاب معنى الجُودِ عنّا والكرَمْ
إنّها الحربُ وهذا حكمُها / ليس للحقِّ سواها من حَرَمْ
أعظمُ الآثامِ في شِرعتها / وطنٌ يُغزَى وشعبٌ يُلتَهمْ
يلتوِي الأمرُ فما من رحمةٍ / لذوي الطغيانِ إن لم يستقِمْ
لا يَرُعْكَ الجندُ يُرْجَى للأذى / أيُّ جندٍ للأذى لم ينهزِمْ