القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : علي محمود طه الكل
المجموع : 23
يا فينّا أسمعي الدنيا وهاتي
يا فينّا أسمعي الدنيا وهاتي / قِصَّةَ الغابة والفَلْسِ الكبيرِ
أين بالدانوب شدوُ الذكرياتِ / وصدى العشاق في الليل الأخيرِ
رَحَلوا عنكِ بأحلامِ الحياةِ / غيرَ قلبٍ في يدِ الحبِّ أسير
حسنُكِ النشوانُ والكأسُ والرويّهْ / جدَّدا عهدَ شبابي فسَكرْتُ
حُلْمُ أيامٍ وليلاتٍ وضيَّهْ / عَبرَتْ بي في حياتي وعبرتُ
أنا سكرانُ وفي الكأس بقيَّهْ / أيُّ خمر من جَنى الخلد عصرتُ
آهِ هاتي قرِّبي الكأس إليَّهْ /
واسقنيها أنت يا أندلسيَّهْ /
لا تقولي أيُّ صوتٍ مُلْهِمِ / قادَ روحينا فجئنا والتقينا
دَمُكِ المشبوبُ فيه من دمي / روحُ ماضٍ بالهوى يهفو إلينا
أخْتَ روحي قرِّبيها من فمي / إن شربنا أو طربنا ما علينا
آه هاتيها من الحسن جَنِيَّهْ /
واسقنيها أنت يا أندلسيَّهْ /
كانت النظرةُ أولى نظرتينْ / ثم صارت لفظةً ما بيننا
والهوى يَعْجب من مغتربَيْنْ / لم يَقُلْ أنتِ ولا قالتْ أنا
وَسَبَحنا فوق وادٍ من لجينْ / تحت أفقٍ من غماخم وسَنى
أتملَّاها سماتٍ عربيّهْ /
وأنادي أنتِ يا أندلسيَّهْ /
صِحْتُ يا للشَّمس في ظلِّ المغيبِ / تلثم الزَّهرَ وأوراقَ الشجرْ
خِلتُها بين محبٍّ وحبيبِ / قُبلةً عند وَداع وسَفرْ
فانثنتْ تنظر للوادي العجيبِ / صُوَراً يَذهبنَ في إِثرِ صورْ
وبسمعي همسةٌ منها شجِيّهْ /
وبروحي أنتِ يا أندلسيَّهْ /
ونزلنا عِند شطٍّ من نُضارِ / وانتحينا خلوةً بعد زحامِ
قلتُ والليلُ بأعقابِ النهار / ألكِ الليلةَ في لحنٍ وجامِ
ما على مغتربي أهل ودار / إنْ أدارا ها هنا كأس مدامِ
آه هاتيها كخدّيكِ نقيّهْ /
واسقنيها أنت يا أندلسيَّهْ /
واحتوتنا بَين لحن مطرب / حانةٌ مِثلُ أساطيرِ الزَّمانِ
صوّرتْ جدرانُها بالذَّهبِ / فتنَ العشق وأهواءَ الحسانِ
قالت اشربْ قُلتُ لبّيكِ اشربي / مِلءَ كأسين فإنّا ظامئانِ
خمرةً روميةً أو بابليهْ /
إِسقنيها أنتِ يا أندلسيَّهْ /
هتفتْ بي ويداها في يدي / تدفع الكأسَ بإغراءِ وعُجْبِ
أيُّ قيثارٍ شجيٍّ غرِدِ / خلتُهُ ينطق عن أسرار قلبي
قلتُ طِفلٌ من قديم الأبد / يمزُجُ الألحانَ مِن خمر وحُبِّ
ملء كأس في يديهِ ذهبيّهْ /
فاسقنيها أنتِ يا أندلسيَّهْ /
ومضى الليلُ ونادى بالرواحِ / كلُّ خَالٍ وتعايا كلُّ ضبِّ
وخبا المصباحُ إلَّا كأس راحِ / نورُهُ ما بين إِيماضٍ ووثبِ
قد تحدَّى وهْجُهُ ضوءَ الصباح / فبقينا حوله جنباً لجنبِ
نتساقاها على الفجر نديّهْ /
وأغني أنت يا أندلسيَّهْ /
يا عروسَ الغرب يا أندلسيّهْ / بعُدَتْ داركِ والصيف دنا
أين أحلامُ الليالي القمريهْ / والبحيراتُ مُطيفاتٌ بنا
إِذكري بين الكؤوس الذهبيَّه / حانةً يا ليتها دامت لنا
حين أدعوكِ صباحاً وعشيّهْ /
إِسقنيها أنتِ يا أندلسيَّهْ /
كم شهيدٍ فيكِ مهدور الدِّماء
كم شهيدٍ فيكِ مهدور الدِّماء / لا تُراعِي أنتِ أمُّ الشُّهداءْ
كلُّ غالٍ من مناعٍ ودمٍ / لكِ يا مصرُ وما عزَّ الفداءْ
إيهِ يا مصرُ خُذي ما شئتِهِ / ولداعي المجد منا ما يشاءْ
قيل أودى بأمين قاتلٌ / كيف يُودي ببنيك الأُمنَاءْ
كيف يُودَى بفتىً من خُلقِهِ / كلُّ معنىً من سماحٍ ووفاءْ
كمنَ الغدر لهُ ثم رمى / عن يدٍ عسراءَ شعواءَ الرّماءْ
صاعداً يرقى على سُلَّمهِ / دَرَجَ المجد ومرموقَ العلاءْ
دمُهُ المسفوك حُبٌّ وندىً / ومزاجٌ من حياءٍ وإِباءْ
ورحيقٌ عَطِرٌ من نفحه / يثْمَل الأعداءُ قبل الأصدقاءْ
وهوىً للوطن الحر الذي / خرَّ في حومته بعض ذماءْ
لو أتاهُ نبأٌ عن قتله / قال وهمٌ وأحاديثُ افتراءْ
فتنةٌ حمراءُ شَبَّتْ نارها / شهواتٌ يَنتحينَ الأبرياءْ
عربدتْ هوجاءَ واستشرتْ قُوى / واستبدَّتْ بعقول الضعفاءْ
باطلٌ إن مرّت الرِّيحُ به / طارَ عن صاحبهِ وهو هباءْ
وإِذا ما لمح النُّورَ جَرَى / وتخفَّى تحت جنحٍ من مساءْ
لا تقولوا طائشٌ في رأيهِ / إِنما الرأيُ من الغدر براءْ
إِنما الناسُ لهمْ آراؤهم / وهمو الأحرار فيها الطُّلقاءْ
وعلى ودٍّ وبرٍّ وهدى / لهمو فيها فراقٌ ولقاءْ
غير ما مسَّ دماً فاجهر به / وتَحدَّ الحاكمين الأقوياءْ
واذكر الأوطان لا تأخذ بما / يكتب الحقدُ ويُمليهِ العداءْ
ليس من مصر ولا من أهلها / مُزْهِقُ الأرواح أو مُجري الدماءْ
يا زعيمَ الشعب هذي محنةٌ / فوق ما يحمل طوقُ الزعماءْ
ليست الأُولى وقد كنتَ لها / غَرَضاً منه لك الرُّوحُ وقاءْ
قدَّرَ اللّه وما قدَّرهُ / ليس يُعْفى منه سكانُ السماءْ
من يكن مثلَكَ في إِيمانه / كيف أدعوه لصبرٍ أو عزاءْ
إِنني أرثي لمصر رجلاً / مصرُ منا فيهِ أحرى بالرثاءْ
سألوني عن بياني وقصيدي
سألوني عن بياني وقصيدي / أسفاً باريس قد مات نشيدي
لك ذكراكِ ولي عهدٌ بها / كيف أنسى ذكرياتي وعهودي
أنا لا أنسى لياليّ على / روضك الرفاف بالزهر النضيد
ثمرُ الفكر ومجنى نورِه / ومراح العين والقلب العميد
خطرةٌ عابرةٌ عدت بها / عودة الغوّاصِ بالدرّ الفريد
فاعذري المزهرَ في كفّي إذا / أخسرتهُ ضجة الرزء الشديد
يوم قالوا جلّلَ القيد يدا / حطمَت بالأمس أصفاد العبيد
حملت مشعل حرّياتهم / في شراة من شباب المجد صيد
كيف يا باريس باللّه هوى / ذلك النجم من الأفق البعيد
إن ينل منك المغيرون فما / فتحوا غير تخومٍ وحدود
لستِ بنيانا ولا أرضاً ولا / غاب آسادٍ ولا جنّة غيدِ
أنت معنىً عالمُ الفكر به / يتحدّى قبضة الباغي المريد
كعبة الأحرار هذي محنةٌ / راعت الأحرارَ في أكرم عيد
صرع النورُ به وانحسرت / جبهة الشمس عن النور الشهيد
وأتى الليلُ ومن أهوالهِ / أن تُرَي بين ظلامٍ وقيود
أين من فرساي أفقٌ ضاحكٌ / مشرقٌ عن أملِ الشعب السعيد
وعلى كل طريق موكبق / صادح الأبواقِ خفّاق البنود
لكأني اليوم ألقى مأتما / وأرى الكنكرد كالقبر الحريد
حال شدو الماء في أحواضهِ / نفثة الغرقى ببحرٍ من صديد
وقفت مصر به ساخرة / من نحوسٍ تتوالى وسعود
غلَبَ الصمتُ عليها وهي في / صمتها الخالدِ طلّسمُ الوجود
ساحة الباستيل حانَ الملتقى / وتعالت صرخة الفجر الوليد
أين أبطالك ماذا أترى / ضرب الليل عليهم بالوصيد
أغمدوا أسيافهم ويح وما / عوّدوا أسيافهم حبسَ الغمود
ويحهم قد شيّعوا أعيادهم / بين عصف النار أو قصف الحديد
فوق أرض صبغت من دمهم / وتحدّت كل جبار عنيد
فوق أحجارك صرعى أمسهم / فلذاتٌ كتبَت سفر الخلود
فاذكريهم بالذي مرّ بهم / واقرئي تاريخهم ثم أعيدي
أيها العائد من غاراته / راقداً تحت قباب الأنفليد
تلك راياتك فانظر أترى / من سيوف تحتها أو من جنود
أين من موسكو ومن آفاقِها / جيشك الظافر بالجيش البديد
تطأ الأرض إلى مشرقها / موغلاً في أثر الدبّ الشريد
ففرنسا همة لا تنثني / أمشت في النار أم تحت الجليد
بالقليل الجمعِ من أبنائها / تنزع النصر من الجمع العديد
أممٌ ترسف في أحقادها / دتتها بالصفح والصنع الحميد
لم تسيّر فوقها دبّابة / أو تباغتها بطيرٍ من حديد
شرَفُ الحرب كما لقّنتَهُ / ملتقى سيفين في ظلّ البنود
فاعذر اليومَ فرنسا إنها / وثقت بالعهد في دنيا الجحود
قرَعت للنصر كأسا ويحها / صرعتها خمرة النصر التليد
رقدَت عن غدرها وانتبهت / حيثُ لا ينفع صحو من رقود
أسفرت سيدان عن مأساتها / وتهاوى حجرُ الحصن المشيد
ثغرةٌ أنفذِ منها خنجرٌ / قد تلقّته على حزّ الوريد
شهِدَ المجد لها باسلةً / خضّبت بالدم من نحر وجيد
فابعث العزّة من تاريخه / وتألّق بسناه من جديد
واطلع اليوم عليها سيرةً / وكن الشاعر واهتف بالقصيد
أيها الفاتحُ لا يغررك ما / أنت فيه من حصونٍ وسدود
لك فيّ العبرةُ المثلى فلا / تأمَنِ الزلةَ في أوج الصعود
ربّةَ النور سلاماً كلّما / هتف الشعر بماضيك المجيد
لك في كلّ خيالٍ صورةٌ / برئت من وصمة العصر الجديد
غير ذكرى يرجع الفكر بها / لليالٍ من عصور الظلم سود
لهف نفسي لدمشق ولمن / خرّ فيها من جريحٍ وشهيد
من شواظٍ يقذفُ الموت على / ركّعٍ في ساحة اللَه سجود
فأنا الشرقيّ لا أنسى الذي / حاقَ من حكمك بالشرق العتيد
ألمساواةُ التي أعلنتها / أعلنتَه بنذير ووعيد
والإخاءُ الحرّ ما كان سوى / مدفعٍ يرمي بمرد ومبيد
وطني الروحيّ إن أغضب له / فلآباء كرامٍ وجدود
وتراثٍ خالدٍ من أدب / أنا فاديه بروحي ووجودي
كفرت ثورتك الكبرى به / وهو المحسنُ يجزى بالكنود
سارَ بالإسلامِ نوراً وهدى / بسنى عيسى خطى الحقِ الطريد
ألنبيّونَ همو ثوارُه / حاملو الشعلة أعداء القيود
فخذي بالحق والروح الذي / هزّ بالثورة أركان الوجود
وابعثيها ثورة أخرى فما / يعرفُ الأحرارُ معنى للجمود

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025