القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَفّار الأَخْرس الكل
المجموع : 48
مَنْ لصبٍّ في هواكم مُستهام
مَنْ لصبٍّ في هواكم مُستهام / دَنِفٍ نهبَ وُلوعٍ وغَرام
فعلى خَدّي ما تسقي الحيا / وعلى جسميَ ثوب من سقام
فسقاكم غدقاً من أدمعي / مستهلّ القطر منهل الغمام
عبراتٍ لم أزَل أهرقها / أو يبلّ الدَّمع شيئاً من أوامي
زفرة رَدَّدْتها فاضْطَرمَتْ / في حشا الصبّ أشدَّ الاضطرام
هل عَلِمْتم بعدما قوَّضتمُ / أنَّ لي من بعدكم نوح الحمام
فارقت عيناي منكم أوجهاً / أسفرت عن طلعة البدر التمام
في عذاب الوجد ما أبقيْتُمُ / من فؤادي في غرام وهيام
مهجة ذاهبة فيكم وما / ذهبت يوم نواكم بسلام
عرضت واعترض الوجد لها / ورماها من رماة السرب رامِ
قل لمن سدّد نحوي سهمه / من أحَلَّ الصَّيْدَ في الشهر الحرام
طالما مرّ بنا ذكركُمُ / فتثنّى كلُّ ممشوق القوام
وبما أتْحفَ من أخباركم / ربَّما استغنيت عن كل مدام
أوَ كانت عنكم ريح الصبا / نسمت بين خزامى وثمام
أين ذاك العهد في ذاك الحمى / والوجوه الغر في تلك الخيام
إنَّ أيَّاميَ في وادي الغضا / لم تكن غير خيالٍ في منام
من مُعيرٌ ليَ منها زمناً / يرجع الشيخ إلى سنِّ الغلام
وأحبّاء كأنْ لم يأخذوا / من أبيّاتِ المعالي بخطام
فرَّقَتْ شملَهُم صَرْفُ النوى / ورَمَتْهُم بعواديها المرامي
ولقد طالت عليهم حَسْرتي / فاقصروا إن تُنْصفاني من ملام
لستُ أنسى العيش صفواً والهوى / رائقاً والكأسُ ناراً في ضرام
بين ندمان كأنْ قد أَصبحوا / من خطوب الدَّهر طرًّا في ذمام
ينثر اللؤلؤ من ألفاظهم / فترى من نثرهم حسن النظام
تفعل الرَّاح بهم ما فعلتْ / هذه الدُّنيا بأبناء الكرام
إنَّما كانت علاقات هوى / أَصْبَحَتْ بعد اتِّصالٍ بانصرام
وانقضى العهد وأيَّام الصبا / أجْفَلَتْ من بعدُ إجفال النعام
أَسَفاً للشعر لا حظَّ له / في زمان الجهل والقوم اللّئام
فلقومٍ حِلْيَةٌ يزهو بها / ولأقوامٍ سمامٌ كالسِّهام
والقوافي إنْ تصادفْ أَهلَها / انسجمتْ في مدحهم أَيَّ انسجام
قوافيَّ الَّتي أنْزلتها / من عليِّ القَدْرِ في أعلى مقام
أَبلَجٍ من هاشمٍ أَوْضَحَ من / وَضَح الصّبح بدا بادي اللّثام
إنْ يَجُدْ كانَ سحاباً ممطراً / أَو سطا كانَ عزيزاً ذا انتقام
يعلم الوارد من تيَّاره / أَيَّ بحرٍ ذا من الأَبحار طامي
يا لقومٍ أرهبوا أو أرغبوا / من كرامٍ بحسامٍ أو حطام
شمل المعروف من إحسانهم / من عرفنا من بني سامٍ وحام
فهمُ الأَشراف أَشراف الورى / وهمُ السَّادات سادات الأَنام
هم ملاذ الخلق في الدُّنيا وهم / شفعاء الخلق في يوم القيام
نشأوا في طاعة الله فمن / قائمٍ بالقسط أو حبرٍ همام
رضعوا درَّ أَفاويق العُلى / وغذوا بالفضل من بعد انفطام
وإذا ما أرهفوا بيض الظبا / أغمدوها في الوغى في كلِّ هام
بأَكُفٍّ من أيديهم هوامي / وسيوفٍ من أعاديهم دوامي
ظَلْتُ أروي خبراً عن بأسهم / عن سِنان الرّمح عن حدِّ الحسام
وإذا كانتْ سماوات العُلى / فهُمُ منها سواريها السَّوامي
يا ربيعَ الفضل فضلاً وندًى / وحياة الجود في الموت الزُّؤام
أنتَ للرائد روضٌ أنُفٌ / وزلال المنهل العذب لظامي
فإذا رمت بلالاً لصدًى / ما تعدَّاكَ إلى الماء مرامي
يا شبيه الشَّمس في رأد الضُّحى / ونظير البدر في جنح الظَّلام
لو يزدني الشُّكر إلاَّ نعمة / قرنت منكَ علينا بالدّوام
نبَّهت لي أعين الحظّ الَّتي / لم تكنْ يومئذٍ غير نيام
بسطت أيديك لي واقْتَطَفَتْ / بيد الإِحسان أزهار الكلام
قد تجهَّمْنا سحاباً لم تكنْ / منك والخيبة ترجى بالجهام
فثناء بالذي نعرفه / وامتداح بافتتاح واختتام
عادك العيد ولا زلت به / بعدما قد فُزْتَ في أجر الصِّيام
فابقَ واسلمْ للعُلى ما بقيت / سيِّدي أنتَ ودُمْ في كلِّ عام
أحمدُ الله بكَ الحال الَّتي
أحمدُ الله بكَ الحال الَّتي / أسْعَدُ التَّوفيق فيها ليسَ يُبْخَسُ
ماتَ من قد كنت أرجو موته / فهو ميت هالك لا يتنفَّس
وأحقُّ النَّاس في ميراثه / أخرسٌ يطمع في ميراث أخرس
ما قَضى إلاَّ على الصّبِّ العميدِ
ما قَضى إلاَّ على الصّبِّ العميدِ / وغدا يعثر في ذَيل الصُّدود
رشأٌ يقتنص الأُسْدَ ومَن / علَّمَ الظبي اقتناصاً للأُسود
بأبي الشادن يرنو طرفه / بلحاظٍ كلحاظ الرِّيم سود
ما أُلاقي من سيوفٍ وقناً / ما أُلاقي من عيونٍ وقدود
ويحَ قلبٍ لَعِبَ الشَّوقُ به / من عيون بابليَّات وجيد
ربَّ طيفٍ من زَرودٍ زارني / فسقى صوبُ الحيا عهدَ زرود
فتذكَّرتُ زماناً مرَّ بي / طرب النشوة مرعيَّ العهود
وبعيد الدَّار في ذاك الحمى / من فؤادي في الهوى غير بعيد
يا دموعي روِّضي الخدَّ ويا / حرَّ نيران الجوى هل من مزيد
أين أيَّامُ الهوى من رامة / يا لياليها رعاك الله عودي
وبكاء المزن في أرجائها / وابتسام الراح عن درٍّ نضيد
قَذَفَتْ أنجُمُها كأسَ الطلا / كلّ شيطانٍ من الهمِّ مريد
فأَدِرْها قهوةً عاديَّةً / عُصِرَت في عهد عادٍ وثمود
أيُّها السَّاقي وَهَبْ لي قُبلةً / هبةً منك بإحسان وجود
أنا لا أَشرَبُها إلاَّ على / أُقحوانِ الثَّغر أو وَرْدِ الخدود
وبفيك المورد العذب الَّذي / أرتوي منه ومن لي بالورود
وبقلبي نارُ خَدَّيْك الَّتي / لم تزل في مهجتي ذات الوقود
من معيد لي زماناً قد مضى / بمذاب التِّبر في الماء الجَمود
دارتِ الأَقداح فيها طَرَباً / من يَدَيْ أَحوى ومن حسناءَ رود
وكأنَّ الكأس في توريدها / قُطِفَتْ واعْتُصِرَتْ من خدِّ خود
في رياض غرَّدت ورقاؤها / بفنون السَّجع منها والنشيد
وغصون البان في ريح الصبا / تنثني بين ركوع وسجود
فسقى تلك المغاني عارضٌ / مستطيرُ البَرقِ مِهدارُ الرُّعود
كانت الجنَّة إلاَّ أنَّها / لم تكن حينئذٍ دار الخلود
في ليالٍ أشْبَهَتْ ظلماؤها / بدخانٍ كانَ من ندٍّ وعود
وكأَنَّ الأَنجُمَ الزّهر بها / أَعيُنٌ من وجدها غير رقود
وكأَنَّ البدرَ فيها مَلِكٌ / حُفَّ بالموكب منها والجنود
وكأَنَّ الصُّبْحَ في إثر الدُّجى / طائرٌ يركض في إثر طريد
رقَّ فيه الجوُّ حتَّى خِلتَه / رقَّةَ القاضي بنا عبد الحميد
لَطُفَتْ أخلاقُه وابْتَهَجَتْ / كابتهاج الرَّوض يزهو بالورود
إنَّ من يأوي إلى أحكامه / إنَّما يأوي إلى ركن شديد
عادلٌ في الحكم يمضي حكمه / بقضاء الرّبّ ما بين العبيد
كلَّما كرَّرْتُ فيه نظراً / رَمَقَتْني منه أَلحاظُ الورود
حجَّتي فيه الأَيادي والنَّدى / وجميل الصّنع بالخلق الحميد
وشهودي من مزاياه ولا / تثبت الحجَّةُ إلاَّ بالشُّهود
قمرٌ في المجد يكسوه السَّنا / شرف الآباء منه والجدود
وافرُ الجود يدا آملِهِ / إنَّما تغرف من بحرٍ مديد
ذو نوالٍ مستباح نيلُه / من مُنيلٍ ومراد لمريد
عالم فيه لنا فائدة / فجزى الله مفيد المستفيد
أَلمعيٌّ ناظرٌ في بَصَرٍ / في خوافي غامضِ الأَمر حديد
وبما في ذاته من هِمَمٍ / كلّما تُرْهَفُ أَزْرَتْ بالحديد
شَرَحَتْ معنى معاليه لنا / فهيَ لا تخفى على غير البليد
وأَرَتْنا منه في أَقرانه / مُفْرداً يغني عن الجمع العديد
شرعةُ الدِّين ومنهاج الهُدى / قائمٌ بالقسط مجريُّ الحدود
حاملٌ للحقِّ سيفاً خاضعٌ / لمضاه كلُّ جبَّار عنيد
يُرتجى أو يُختشى في حدِّه / مُؤْنِسُ الوعد وإيحاش الوعيد
وَعَدَتْني منه آمالي به / فوَفَتْ لي بعد حَوْلٍ بالوعود
فحمِدْتُ الله لما أنْ بدا / طالعاً كالبدر في برج السعود
عاد للمنصب قاضٍ لم يزل / كلّ يومٍ هو في عيد سعيد
وبفضل الله يعلو مجده / فتعالى الله ذو العرش المجيد
يا عماد المجد في المجد ويا / دُرَّة التَّاج ويا بيت القصيد
دمتَ في العالم عطرياً الشذا / دائمَ النعمة مَكبوتَ الحسود
يا لك الله فتًى من مُبدِئٍ / بالندى والفضل فينا ومعيد
وقوافيَّ الَّتي أُنشِدُها / نُظِمتْ في مدحه نظم العقود
أَطلَقَتْ فيه لساني أَنعُمٌ / قيَّدَتْني من عُلاه بقيود
أَنا لولا صيِّبٌ من سَيْبِه / ما ارتوى غُصْني ولا أَورَقَ عودي
لهذي النُّوقِ تنحَطُّ كَلالا
لهذي النُّوقِ تنحَطُّ كَلالا / وتَجوبُ البيد حِلاًّ وارتحالا
نَحِلَتْ حتَّى انبرت أعظُمُها / والهوى يُنْقِبُ أهليه نكالا
كلَّما شامتْ سناً من بارق / قذفت لوعتها دمعاً مذالا
أَصبحَتْ تفري فَيافيها سُرًى / وتحاكي باقتحام الآل رالا
فتَرَفَّقْ أيُّها الحادي بها / فلَقَدْ أوْرَثَها الوجدُ خبالا
لستُ أنسَى وقفةً في رامة / لم يدع منها النوى إلاَّ خيالا
ووَشَتْ عن كلّ صبٍّ عبرةٌ / فكَفَتْ عَبْرَته الواشي المقالا
وأساة لحشًى مكلومةٍ / جَرَحَتْها حَدَقُ الغيد نصالا
يا مهاةَ الجزع أنتنَّ له / سالباتٌ قَلْبَه المضنى جمالا
يا أخلاّئي تناءى زمن / مرَّ لي فيكم وصالاً وانفصالا
وليالٍ ما أُحَيْلى أُنْسِها / أصبَحَتْ في وجنة الأَيَّام خالا
نقلَ الواشي إليكم خبراً / لك يكنْ يقبل ما قالَ احتمالا
يتمنَّى سَلْوَتي لكنَّه / يتمنَّى وأبي أمراً محالا
لا تلمني لائمي في صَبْوَتي / فالهوى ما زال للعقل عقالا
فاتركاني والهوى إنِّي فتًى / غالني دونكمُ الوجد اغتيالا
من ظِباءِ الرَّمل ظبيٌ إنْ رنا / سَلَّ من جَفْنَيْهِ صمصاماً وصالا
ظبيةُ الخِدْر الَّتي لمَّا جفتْ / أَدَلالاً كانَ منها أَمْ ملالا
هلْ وَفَتْ مديونها مستغرماً / يشتكي منها وإنْ أَوْفَتْ مطالا
لو أباحَتْني جنى مرشفها / لَشَفَتْ مِنْ ريقها الدَّاء العضالا
يا رعى الله نُزولاً بالحمى / عَثْرةَ المُغرمِ فيهم لَنْ تُقالا
حلَّلوا ظُلماً حراماً مثلما / حرَّموا في شرعهم شيئاً حلالا
فاصطبر يا قلبُ يوماً ربَّما / أصبَحَ الخُلَّبُ بعد اليأس خالا
كم يُريني الدَّهر جدًّا هازلاً / فأُريه من ظُبا عزمي جدالا
إنْ يكنْ في النَّاس محمودٌ فلا / غير محمود مقالاً وفعالا
فتفاءل باسمه في سَيْبه / فاسْمه كانَ لكن يرجوه فالا
إنْ تحاولْ شَخْصَهُ تَلْقَ علًى / صَحِبَ العِزَّ يميناً وشمالا
لا يُرجَّى غيره في شِدَّةٍ / أوَ ترجو بوجود البحر ألا
ليثُ غابٍ وسحابٌ صيّبٌ / حيثُ تلقاهُ نوالاً ونزالا
كرمٌ يُخْجِلُ هتَّان الحيا / وعُلًى تُورثُ أعداه الوبالا
ويدٌ ما انقبضتْ عن سائلٍ / بلْ كَفَتْ في سَيبها العافي السُّؤالا
صارِمُ الله الَّذي لم يخشَ من / حادث الدَّهر انثلاماً وانفلالا
ولكمْ أجدى فأَسدى كرماً / مِنَناً طوَّق فيهنَّ الرّجالا
صُنعُه المعروف مغروزٌ به / لا يجودُ الجود حتَّى أنْ يقالا
كم وَرَدْنا فَضْلَه من مَوْرِدٍ / فوجَدْناه نميراً وزلالا
منَحَ الله به يا حبَّذا / مِنَحٌ من جانب الله تعالى
قلْ لحُسَّاد معاليه اقصُروا / لم تَزَلْ أَيديه في المجد طوالا
يتمنَّوْن مع العجز العُلى / وإذا قاموا لها قاموا كسالى
ليسَ من يَذْخَرْ جميلاً في الورى / كالَّذي يذخر للأَخطار مالا
لا ولا مَن صَلُبَتْ راحته / كالَّذي يَقْطُرُ جوداً ونوالا
آل بيت الوحي ما زلنا على / فضلكم يا سادة الدُّنيا عيالا
ما برحتُم مُذْ خُلِقتُم سادةً / تكشِفون الغيَّ عنَّا والضَّلالا
لا يغالي فيكم المادحُ إنْ / أطنبَ المادح في المدح وغالى
أيُّها البدرُ الَّذي زادَ سَناً / زادك الله سَناءً وكمالا
هاكَ من عَبدِكَ نَظماً إنَّه / ينظمُ الشّعر بعلياك ارتجالا
كلَّما ضِقْتُ به ذَرعاً أرى / يوسع الفضلَ على الفكر مجالا
واهنأ بالعيد الَّذي عَوَّدْتَنا / لَثْمَ كفَّيْك الَّتي تكفي نوالا
مَلِكٌ أَنْتَ بنا أَمْ مَلَكٌ / ما وَجَدْنا لك في النَّاس مثالا
كيفَ أقضي شكر أيديك الَّتي / حمَّلتني منك أحمالاً ثقالا
ى عَدِمنا فيكَ يا بحر النَّدى / أيدياً تولي وفضلاً يتوالى
شامَ برقاً راعَهُ مُبْتَسماً
شامَ برقاً راعَهُ مُبْتَسماً / عن يَمين الجَزْع شرقيّ الحمى
فبكى ممَّا به من لَوعةٍ / لا بكتْ أعْيُنُه إلاَّ دما
دَنِفٌ قد لَعِبَ الوجد به / ورماه البين فيمن قد رمى
وقضى الحبُّ عليه أنَّه / لا يزال الدهر صبًّا مغرما
رحمةً للصبِّ لو يشكو الجوى / في الهوى يوماً إلى من رحما
عبرة يا سعد قد أهرقتُها / ليتها بَلَّتْ من القلب ظما
وإلى الله فؤاد كلَّما / اضطرم البرق اليماني اضطرما
يا خليليَّ اسعداني إنَّني / لم أجدْ لي مسعداً غيرَكما
إنَّ للدار سقى الدار الحيا / أرْسُماً لم تُبق مني أرسُما
أينَ أقماركَ غابت فَقَضت / أن تُرينا كلّ فج مظلما
ولياليَّ بسَلْعٍ أجتلي / كلَّ عذب اللفظ حلويّ اللمى
كنتُ ذقتُ الصَّبر شهداً فيهم / ثم ذقتُ الشهد فيهم علقما
كانَ حبلي بِهمُ متَّصلاً / فَرُميَ بالقَطع حتَّى انصرما
لا تَسَلْ عن دمع حال طالما / سال في آثارهم وانسجما
زعم الناقل سلواني لكم / كَذِبَ الناقل فيما زعما
عَجَباً من عاذلٍ يعذِلُني / في هواكم أبِعَيْنَيْه عمى
انقضى العهد فما لي بَعْدَه / آكلٌ كفّي عليه ندما
أتشافى في عيسى لا في عسى / يشتفي القلب ولا في ربَّما
يَعْلَمُ الجاهل وَجدي فيكم / كيف لا يعلم أمراً عُلِما
لا رعى الله زماني إنَّه / كانَ لا يرعى لحرٍّ ذمما
كلَّ يوم أنا من أرْزائه / شاهدٌ رُزءاً يَشيبُ اللِّمَما
يَبتليني صابراً لم يُلْفِني / فاغراً فيه من الشكوى فما
أتَّقي أسْهُمَه من حيثُ لا / تتَّقي الأدرعُ تلك الأسْهُما
وإذا مارَسَني مارَسني / حجراً صمَّاء صلاً صَيْلما
وسواءٌ بعد أن جَرَّبني / أقْدَمَ الدهرُ إذنْ أمْ أحجما
فَلْيَجِئْني الدهرُ فيما يشتهي / أنا لا أشكو لداءٍ ألما
وحريٌّ أن تراني بالغاً / بعليّ القدر أسباب السما
أرتقي فيه العُلى لم أتخذ / مَدْحَه للمجد إلاَّ سلَّما
بقوافيّ إليه ترتمي / بالأماني فَلَنِعْمَ المُرتَمى
عَلَويّ الجدّ عُلْويّ السَّنا / دوحةٌ طالت وفرعٌ نجما
سيّدٌ من هاشمٍ راحته / تُخْجِلُ الغيثَ إذا الغيث همى
من رسول الله من جوهره / ذلك النور الَّذي قد جُسِّما
إنْ تؤَمّلْه تُؤَمِّلْ صيّباً / أو تُجادِلْه تُجادلْ ضَيْغَما
يا له من نعمةٍ في نقمةٍ / إنْ رمى أصمى وإنْ فاض طمى
كلّما داويت آلامي به / حُسِمَ الداءُ به فانحسما
قَسَماً بالغرّ من أجداده / أترى أعظمَ منهم مقسما
أنا أستشفي ولكنْ مِنْهُمُ / بشِفاءٍ لم يغادرْ سقما
رضيَ الله تعالى عنهُمُ / وإذا صلّى عليهم سَلَّما
أنْفَقوا الأعمار في طاعته / وقَضَوْها صُوَّماً وقُوَّما
إنَّما يَرحمنا الله بهمْ / رَحمةً تَدفَعُ عنَّا النقما
ثِقَتي فيهم وفيهم عِصْمَتي / فازَ من يَغدو بهم معتصما
وهُمُ ذخريَ في آخِرَتي / يومَ لا أملكُ فيه دِرهما
آلُ بيتٍ لم يَخِبْ آمِلَهم / والَّذي يسألُهم لَنْ يُحرما
يا سماءً للعلى أنظمُ في / مدحِه غرَّ القوافي أنجما
أَنْتَ أَنْتَ اليوم فيها سيّدٌ / يُتّقى بأساً ويُرجى كرما
لا أرى وجدان من لا يرتجي / للندى والبأس إلاَّ عدما
أَنْتَ فذُّ المجد في النَّاس وإن / كنتَ والبدرَ المنيرَ تؤما
انقضى الصَّومُ جميلاً ومضى / قادمٌ كلُّ على ما قدّما
أقبلَ العيدُ نهنِّيك به / يا أبا سلمان هُنِّيت بما
كانَ فيه من ثوابٍ دائمٍ / عَظُم الأجر به إذ عظما
حُزتَ أجر الصوم فاسلم وابق لي / أبداً تولي الغنى والمغنما
مُنعِماً في البِرِّ في أعيادها / لا تزال الدهر برًّا منعما
مسبغاً فيها عَلَيْنا نِعَماً / أسْبَغَ الله عليك النِعما
أيُّها الممدوح فينا ولنا / بُدئ المدح به واختُتما
أيُّها الدارُ لقد نلت الحبورا
أيُّها الدارُ لقد نلت الحبورا / وبَلَغْتِ اليوم مقداراً كبيرا
يا عرين المجد يا ركن العلى / قد حوى غابك ضرغاماً هصورا
تستفيد الوفد من أفضاله / جوهر الإفضال والجود الغزيرا
إن يكنْ للدهر جدوى كفِّهِ / ما رأت عينٌ على الأرض فقيرا
فسقاك الله يا ساحاتها / من ندى راحته غيثاً مطيرا
فهو الفرد وأمَّا فَضْلُه / كانَ للمعروف والحسنى كثيرا
لم يزل يغمرنا نائِلُه / ومحيَّاه لنا يشرق نورا
مشكلات العلم فيه اتَّضَحَتْ / بخفايا العلم تلقاه خبيرا
أيّ دارٍ حلَّها أرَّخْتُها / حازت الدار بمحمود السرورا
ما لها تَطوي فيافي الأرض سَيرا
ما لها تَطوي فيافي الأرض سَيرا / وتخدُّ البيدَ قَفْراً ثم قفرا
أتراها ذَكَرَتْ أحبابها / فطوى فيها المغار الشوقُ قَسرا
فلهذا لَعِبَ الوجدُ بها / فترى أعْيُنَها بالدَّمع عبرى
كلَّما عَلَّلها الحادي بمَن / سَكَنوا سلعاً أحبَّت منه ذكرا
وعلامات الهوى بيّنَةٌ / ليس يخفي الشوقُ من ذي العشق سترا
ذكَرَتْ من خَيَّموا بالمنحنى / فجرَت أدْمُعُها شفعاً ووترا
كلُّ غصنٍ ما بدا إلاَّ أرى / حاملاً من صَنْعَة الخلاّق بدرا
وإذا يرنو إلى مشتاقِهِ / سلَّ سيفَ اللّحظ عنواناً وكرّا
شَرِبَتْ من ريقِه قامَتُه / فانثَنَتْ من ذلك السلسال سكرى
وبقلبي ذلك القدّ الَّذي / بقناه طَعَنَ القلبَ وأفرى
وعلى عارضه من خَطِّهِ / كتَبَ الرَّيحانُ فوق الخد سطرا
أيها المُمْزِجُ دَمعي بدمي / إنَّني لم أستطع بالهجر صبرا
إنْ تكنْ عيناك أنكرنَ دمي / فبه خدّاك عمداً قد أقرّا
عَسَليُّ اللّون حلويُّ اللمى / لم جرَّعتَ أخا الأشجان مرّا
وأميناً كُنْ إذا ما لامني / إنَّ في أُذني عن اللّوّام وقرا
ما يفيد اللّوام في مستغرم / عَدَّ ما يأمُرُه العذّال كفرا
كيفَ أنسيتَ ليالينا الَّتي / قد تقضّت فَرَحاً منّا وبشرى
إذ أمِنّا ساحةَ الواشي بنا / حيثُ لَمْ نَشْرَبْ سوى ريقك خمرا
وزمانٍ قد نَهَبْنا شَطْرَه / ما حَسِبنا غَيره في الدهر عُمرا
لا أُبالي بزمانٍ جائرٍ / كانَ عسراً كلُّه أمْ كانَ يسرا
إنَّ محمود السجايا قد غدا / في صروف الدهر لي عوناً وذخرا
لو أُفيضَتْ أبْحرٌ من علمِه / ونَداه صار هذا البر بحرا
إنَّه لَو لم يكن بحراً لما / قَذَفَتْ ألفاظه للناس درا
لو تفكَّرْتَ به قلت له / في عُلاك الله قد أوْدَعَ سرّا
أيُّ معنى غامضٍ تَسألُه / وهو لم يكشف عن المضمون سترا
وعَويصاتِ علومٍ أشْكَلَتْ / زَحْزَحَتْ عنها له الآراء خدرا
هبة الله الَّذي أوْهَبَه / من علومٍ جاوزتْ حداً وحصرا
ما سمعنا خبراً عمَّن مضى / لم يحط فيه على الترتيب خُبرا
ركنُ هذا الدِّين فيه قائم / ولكسر العلم قد أصبح جبرا
يَرِدُ العافون من تيّارِه / شَرَحَ الله له بالدين صدرا
يوضِحُ المبهم في آرائه / ويرى الأشياء قبل العين فكرا
بذكاء كحسامٍ باترٍ / أو كزند حيثما يقدح أورى
رَزِنٌ لو لم يكن إحْلاله / فوقَ هذي الأرض فينا ما استقرا
ولطيف لو معاني خلقه / عُصرت كانت لنا شهداً وخمرا
وإذا تُصغي إلى ما عنده / من بيان خلْتَه للذهن سحرا
وهَدى الله به النَّاس إلى / طُرُق الحقّ وأبدى فيه أمرا
وإذا ما ذكر الله لنا / وَجِلَ القلبُ به لو كانَ صخرا
بلسانٍ كانَ بقراط النهى / عِلَلَ النَّفْس بذاك الوعظ أبرا
وكريمٍ من معالي ذاتِهِ / لم تجد في نفسه عُجباً وكِبرا
وإذا يمَّمْتَه في حاجة / زاد في ملقاك إكراماً وبشرا
أيُّها النحريرُ في هذا الورى / والَّذي فاق بني ذا العصر طرّى
منذُ شاهَدْتُك شاهَدْتُ المنى / وأياديك مدى الأيام تترى
وبإحسانكَ رِقّي مالكٌ / قبلَ عِرفانك لي قد كنت حرّا
هاكَ منِّي بنتَ فكر أٌبْرِزَتْ / ليس تبغي غير مرضاتك مهرا
هاكَها عَذراء في أوصافكم / سيّدي واقبل من المسكين عذرا
واعذُرِ العبدَ على تقصيره / إنها في مَدْحكم حمداً وشكرا
وارغم الحاسد في نيل العلى / وَلْيَمُتْ خَصْمُك إرغاماً وقهرا
لِمَنْ الرَّكبُ وحَيفاً وذميلا
لِمَنْ الرَّكبُ وحَيفاً وذميلا / يَقْطَعُ البيدَ حُزوناً وسُهولا
يتَساقَون أَفاويق الكَرى / ويعَانون السُّرى ميلاً فميلا
فوق أَنضاءٍ فَرَتْ أخفافها / شقق البيد صعوداً ونزولا
كلَّما مرَّت برَسْمٍ دارسٍ / هَمَلَتْ أدْمعُ عينيها همولا
وإذا ما انتَشَقَتْها شمألاً / فكما قد شَرِبَتْ راحاً شمولا
أتراها ذكرتْ في ذا الغضا / زمناً مرَّ بمن تهوى عجولا
بدَّلت بالوصل هجراً وبما / نَعِمَتْ بؤساً وبالرّيّ غليلا
قَصُرَتْ أيَّامنا في رامة / ورباها فذكرناها طويلا
قد رَعَيْناها رياضاً أَزهَرَتْ / وبكيناها رسوماً وطلولا
أينَ يا سَعْدُ ديارٌ دَرَسَتْ / وأحبَّاءٌ بها كانوا نزولا
وبدورٌ أشْرَقَتْ أرجاؤها / لَقِيَتْ بعد تلاقينا أُفولا
أُرْسِلُ الطَّرفَ فما لي لا أرى / ناظراً أحوى ولا خدًّا أسيلا
قد ذكرنا عهدَكم من بعدكم / فتحرَّقْنا بكاءً وعويلا
شدَّ ما لاقيتُ من هِجرانكم / يومَ أَزْمَعْتُم عن الحيِّ رحيلا
واعْتَقَلْتُم من قدود سُمُراً / واتَّخذْتُم حَدَقَ الغيد نصولا
أَيُّ ذكرى قد ذكرناكم بها / وكذا فليذْكرِ الخِلُّ الخليلا
تُورِثُ القلبَ التهاباً والحشا / حُرَقاً والدَّمع مجرًى ومسيلا
فسقى أَطلالَكُم من عَبْرَةٍ / لم نكنْ نبعَثُها إلاَّ سيولا
مُغْرَمٌ في قبضةِ الوَجْد شجٍ / لا يرى يوماً إلى الصَّبر سبيلا
وثَنَتْه عَن مَلامٍ فيكم / طاعةُ الحُبِّ الَّتي تعصي العذولا
قد ترَكْتُم في عذابٍ جَسَداً / فأَخَذْتُم قلبه أخذاً وبيلا
عَلِّلونا بنسيمٌ منكم / عَلَّ يشفينا وإنْ كانَ عليلا
وانصفونا من خيالٍ طارقٍ / زارنا ليلاً فما أَغنى فتيلا
فأَعيدوهُ لنا ثانيةً / وليكنْ منكم وما كانَ رسولا
إيْ ودينِ الحبِّ لولا سربكم / ما استباحت أعْيُن الغيد قتيلا
ما أَخو الحزم سوى من يتَّقي ال / شادنَ الألْعَسَ والطَّرف الكحيلا
ذلَّ عبدُ الحبّ من مُسْتَعبدٍ / كم عزيزٍ ترك الحبُّ ذليلا
لا رعى الله زماناً أَمَلي / فيه يحكيني سقاماً ونحولا
إنْ يَسُؤْني الدَّهر في أحداثه / سرَّني عبد الغنيّ الدَّهر طولا
عارضٌ ممطرُنا من سَيْبِه / كلّ يومٍ وابل المُزن هطولا
فتأَمَّل في البرايا هل تَجِدْ / من يضاهيه جمالاً وجميلا
عارفٌ بالفضل معطٍ حقَّه / بين قومٍ تحسب الفضل فضولا
طالما اسْتَسْقَيتُه من ظمأٍ / فسَقاني من نَداه سلسبيلا
أَلَيْسَ الدَّهرَ بأفعالٍ له / غُرَراً أَشْرَقَ فيها وحجولا
خير ما يطرب فيه موقف / يَملأُ الأرض صهيلاً وصليلا
يوم لا تُشْرِقُ إلاَّ بدمٍ / مرهفاتٌ تَتَشكَّاه فلولا
وبحرِّ الطَّعن أطراف القنا / والمواضي البيض كادت أن تسيلا
يا إماماً في العُلى فليقتدِ / بكَ مَن قَدْ يبتغي المجد الأَثيلا
لا مثيل لك في النَّاس وإنْ / كنتَ للبدر نظيراً ومثيلا
ما سواك اليوم في ساداتها / من يجير الجار أو يحمي النَّزيلا
ولئنْ كانَ قؤولٌ فيهُمُ / لم تكنْ بينَهم إلاَّ فعولا
وإذا ما زُكِّيَتْ أنسابُها / كنتَ أزكاها فروعاً وأُصولا
لم تكنْ بالغةً منك عُلًى / طاوَلَتْ أعلى الجبال الشُّمّ طولا
ولقد أُنْزِلَتْ أعلى منزلٍ / في مقامٍ يُرْجِعُ الطَّرفَ كليلا
وأبى مجدُك إلاَّ أن تُرى / أيُّها القرمُ مُغيثاً ومُنيلا
أَفأَنْتَ الغيثُ يَنْهَلُّ فما / تركت أنواؤه رَوْضاً مُحيلا
إنَّ للإِحسان والحسنى معاً / فيك يا مولاي حالاً لن تحولا
ينقضي جيلٌ ويستودِعُها / بعد ذاك الجبل في الآتين جيلا
أَيّ نعمائك أقضي حقَّها / فلَقَدْ حمَّلَتْني حملاً ثقيلا
نبَّهتْ حظِّي من رقدَتِهِ / بعد أنْ أرقدَه الدَّهر خمولا
كلّ يوم بالغٌ منك منًى / وعطاءً من عطاياك جزيلا
وإذا ما هجرت هاجرة / كنت ظلاًّ يُتَّقى فيه ظليلا
ولَقَدْ مَلَّتْ يدي من أَخْذِها / منك ما تولي وما كنتَ ملولا
فكأنِّي روضةٌ باكرها / صيّبٌ أو صادَفتْ منك قبولا
وحَرِيٌّ بعدَها أنْ أنْثني / ساحباً فيك من الفجر ذيولا
فابقَ للأَعياد عيداً والنَّدى / منهلاً عذباً وللوفد مقيلا
أيُّها السَّيِّدُ صَبْراً
أيُّها السَّيِّدُ صَبْراً / في المُصيبات المُلِمَّه
قد مضَتْ زوجُك للأُخ / رى وأَمضى اللهُ حُكمَه
وكذاك النَّاس تمضي / أمَّةً من بعد أمَّه
أَيُّ شخصٍ لم ترعه / الحادثاتُ المدلهِمَّه
وزعيم القوم ما ري / ع وغالى الموت حمَّه
كم أصابَ الحتفُ منَّا / كلَّما سدُّدَ سهمه
رحمةُ الله عليها / رحمةً تنزل جمَّه
جاوَرَتْ ربًّا كريماً / لنعيمٍ ولِنعْمَه
قلْ لها وادعُ وأَرِّخ / أَنتِ في الجنَّات رحمه
أَمَا والهوى بالوُجُوه الملاحِ
أَمَا والهوى بالوُجُوه الملاحِ / لَقَدْ لَذَّ لي في الغرام افتضاحي
ومن ثَمَّ رُحْتُ وقول العذول / يمرُّ بمسمعي مرور الرِّياح
حرامٌ عليَّ بدين الغرام / ركوني إلى ما تقول اللَّواحي
ويا ربَّما زادني صبوة / إذا ما لحاني على الحبّ لاحي
ويوماً على غَفَلات الرَّقيب / نَحَرْتُ به الزقّ نحر الأَضاحي
وما العيشُ إنْ كانَ عيشاً يسرّ / سوى كأسِ راحٍ وخودٍ رداح
بروضٍ تُصَفِّقُ أوراقه / وتطرِبُني وُرْقُه بالنّواح
وقد ضرّجت وجنات الشَّقيق / وقبَّلَ بالقطر ثغر الأَقاح
أُسَرِّحُ طرفي بتلك الرِّياض / بحيث اغتبافي وحيث اصطباحي
وأَسكرني طرف ذاك الغرير / بغير المدام فهل أَنْتَ صاح
بروحي ذاك المليح الَّذي / يحيّي الندامى برَوحٍ وراح
تراءَتْ بوجه الحيّي الحليم / وتفعَلُ فِعْلَ السَّفيه الوقاح
جنحنا إلى حلبات الكُمَيْت / وليس على مطرب من جناح
فكدْتُ أَطيرُ سروراً به / ومن ذا يطير بغير الجناح
ومستملح نام من سكره / على أنَّ فيه بقيَّات صاح
فوسَّدْتُه ساعدي والكرى / يخوض بعينيه حتَّى الصَّباح
فعانَقْتُ منه مكانَ العُقُودِ / وأَلْبَسْتُ منه مكان الوشاح
فلله من نَشَوات الصِّبا / ولله من هفوات الملاح
ومن رشفاتٍ ترشَّفتها / تبلُّ غليلي وتأسو جراحي
أقولُ له هل تطيق النهوض / ولو مَدَّ راحٍ إلى أخذِ راح
فقد نَبَّهَتْكَ دُيوك الصَّباح / وأَكْثَرْنَ من غلبات الصّياح
فأومى إليَّ بهات الصّبوح / وصرَّحَ في لفظ راح صراح
فناولته الكأس مملوءةً / وغَنَّيْتُه بالقوافي الصّحاح
فكان لي غَزَلي كلُّه / وكانَ لسلمان جلّ امتداحي
مَنْ معيدٌ لي مِنْ عَهد الأُلى
مَنْ معيدٌ لي مِنْ عَهد الأُلى / زَمَناً فيه حَلا ثم خَلا
ولياليَّ بجَمعٍ ومُنى / هطلَ الغَيثُ لها وانهملا
علّلاني يا خليليَّ بما / مرَّ من أيام جَمْعٍ عَلّلا
وبما كانَ بأيام الصِّبا / أينَ أيامك يا سعد الألى
خَفّفا عن دَنِفٍ حمْل الأسى / فلقد أثْقله ما حملا
كانَ لي صَبراً فلمَّا رحل ال / ركبُ بالأحباب عني رحلا
نزلوا بالشِّعب واختاروا على / بُعْدِهم مني فؤادي منزلا
وبنفسي من رَماني عامداً / ما رَمَتْ عيناه إلاَّ قَتَلا
وتظَلَّمْتُ من الحبِّ إلى / جائرٍ في حكمه ما عدلا
رميةٌ منك أصابت مقتلي / هي من عينيك يا ريم الفلا
فاتَّقِ الله بأحشاءِ شجٍ / ما اتَّقى منك العيون النجلا
خضب العينين منه بدمٍ / في خضاب اللَّيل حتَّى نصلا
ساهر لو عرض الغمض على / جفنه طيب الكرى ما قَبلا
خلِّياني بعدَ سكَّان الغَضا / أنْدُبُ الرّبع وأبكي الطللا
يا لها من وقفة في أربُع / أرخَصَتْ من أدمعي ما قد غلا
حدَّثَ الواشين جَفني في الهوى / عن دمِ الدمعِ حديثاً مرسلا
سِرُّ وجدانٍ بدا لي صَوْنُه / باحَتِ العينَ به فابتُذِلا
ولحاني صاحبٌ يحسَبُني / أسمع النُّصحَ وأرضى العذّلا
جادَل العاذلُ حتَّى إنَّه / كانَ لي أكثر شيء جَدَلا
لو رأى الحبَّ عَذولٌ لامني / عَرَفَ العاذلُ ما قد جَهِلا
يا خليليَّ إذا لم تَعْلَما / ما أُقاسي من غرامٍ فاسألا
إنَّما أحْبابُنا يوم النَّوى / قطعوا في هجرهم ما وصلا
نقل الواشي إليهم سَلْوَتي / كَذِب الناقلُ فيما نقلا
هل سألتم عن فؤادي إنَّه / ما سلاكم في الهوى حتَّى انسلى
لستُ أنساكم بذكرى غيركم / كيف أبغي بسواكم بدلا
إنْ علا جَدُّ امرئٍ في جِدِّه / فعليُّ الجَدّ بالجِدِّ علا
تَسبقُ الأقوالَ أفعالٌ له / وإذا قال بشيء فعلا
سيّد لو أمرَ الدهر بما / شاءَ من أمر المعالي امتثلا
وجد الدهر مزاياه حلىً / فتحلّى منه في تلك الحلى
قرأ المجدُ على أخلاقه / سورةَ الحمد قديماً وتلا
وصعابٌ للمعالي لم تُقَدْ / قادها من غير كرهٍ ذُلُلا
طيّب الذات رفيعٌ قدرُه / ما يريك النجم إلاَّ أسفلا
سيّدٌ أشرَفُ من في هاشم / شبَّ في حجر العلى واكتهلا
من أناسٍ بلغوا غاياتهم / من نوالٍ ونزالٍ وعُلى
سادةٍ قد أوْضحَ الله بهم / لجميع العالمين السُبُلا
أنْزَل الله على جَدّهُمُ / سيّدِ الرسل الكتابَ المنزَّلا
سادة لولا هداهم بَقيت / هذه النَّاس جميعاً هملا
ما رأينا أحَداً من قبله / لاح كالبدر هزبراً رجلا
لاح للأبصار يبدو واضحاً / وتجلّى وبه الكرب انجلى
وَضَحَ الصُّبح إذا الصُّبح أضا / أو حسامٌ مشرفيّ صقلا
أو يَخفى عن عيونٍ أبْصَرَتْ / بوجود ابن ذكاء ابن جلا
أنا من آلائه في نِعمةٍ / بالغٌ في كلٍّ يوم أملا
ونوالٍ من يدٍ مبسوطة / للعطايا أرْسَلَتْها مثلا
إنَّما أيديه أيدي ديمَةٍ / روَّضَتْ روضي إذا ما أمحلا
وصِلاتٍ من نَداه اتَّصَلَتْ / لا عَدِمْنا منه ذاك المنهلا
لا أبالي إن يكن لي مورداً / مرَّ يا سعدُ زماني أم حلا
فجزاه الله عنَّا خير ما / جوزيَ المنعمُ فيما نوّلا
إنْ يَرُمْ فيه مقالاً شاعرٌ / قال فيه شعره مرتجلا
دامت الأيامُ أعياداً له / وعليه السَّنْد وافى مقبلا
بَرَّح الشَّوقُ أُصيْحابيَ بي
بَرَّح الشَّوقُ أُصيْحابيَ بي / وبما برَّح بي قد فتكا
هي نفسٌ لا بذنب قُتِلَتْ / ودَمٌ في غير جرم سُفِكا
آنساتٌ من ظباء المنحنى / نَصَبَتْ لي من هواها شركا
يا ظباءَ المنحنى أنْقِذْنَه / من هواكنَّ وإلاّ هلكا
وصبابات جوىً ما وَجَدتْ / بسوى قلبي لها معتركا
ولأنتم ساكني وادي الغضا / فيكم الشكوى ومنكم ما شكا
كنتُم أقمارَها طالعةً / في مغانيها وكانت فَلَكا
فأثرتُمْ بعدها وخَّادَةً / لَطَمتْ وجه الفيافي رتكا
ليت شعري يومَ ولّى ركبكم / للنوى أيَّ طريق سلكا
وأحاديثُ المنى ما صَدَقتْ / بتدانيكم وأضحت أفكا
فسقاكم وسقى عهدكم / عارض إن ضحك البرق بكى
ناشِداها عن فؤادي وسَلاها
ناشِداها عن فؤادي وسَلاها / أَهوًى غيرُ هواها قد سلاها
واذكراني يا خليليَّ لها / فَعَساها تَرحَمُ الصَّبَّ عساها
واسأَلا عن مهجةٍ داميةٍ / رُمِيَت سهمَ غرام مَن رماها
لا أَبيتُ اللَّيلَ إلاَّ قَلِقاً / يمنع الوجد من العين كراها
يا غراماً بالدّمى ما تنقضي / حسراتٌ بالحشا طال مداها
وبقلبي ظبية الخدر الَّتي / ليس يهوى صبُّها إلاَّ هواها
تركَتْني أتلظَّى وأرى / ذكر نفس الصّبّ من تهوى لظاها
زَعَمَتْ أنِّي سالٍ بعدها / طلعةً ما شاقني شيئاً سواها
لا ومن أسلو بها مغرًى بها / وأذابَ القلبَ وجداً ما سلاها
وسعى الواشي إليها بالَّذي / ساءها حتَّى اسْتمرَّت بجفاها
هي صَدَّتْ ريبة عن صبِّها / فشكَتْه يوم صدَّتْ وشكاها
لو دَرَتْ إذ طلَبت تعذيبه / ما يقاسي بهواها لكفاها
ما عليها في الهوى لو أنَّها / سَمعَتْ بالوصل يوماً لفتاها
فشفى داء الهوى من مهجةٍ / عَلِمَ الله بما ضمَّتْ حشاها
لستُ أنسى ليلةً صَحَّتْ بها / أَعينُ الأَزهار واعتلَّ صباها
وعناقي دمية القصر وقد / شغلت مقلة واشينا عماها
بتُّ أُسقى ضَرب الثغر ولا / أَشربُ الخمرة إلاَّ من لماها
زَهْرَةُ الدُّنيا الَّتي لا تجتنى / غير باعي في المعالي ما اجتناها
سوفَ أحظى بالَّتي أهوى وإنْ / مَنَعوها عن عيوني أنْ تراها
أترى تحجب عن ذي هممٍ / كسيوف الهند بتَّار شباها
لو رأى من دونها نارَ الوغى / تتلظَّى بالمنايا لاصطلاها
لا ترَقَّيْتُ العُلى إنْ لم أكنْ / مُبلِغاً نفسيَ بالسَّيف مناها
فلئنْ خانَتْ أخلاّئي فما / خانني من هِمَمي ماضي ظباها
مَنْ لصَبٍّ مُسْتَطارِ القَلْب هائمْ
مَنْ لصَبٍّ مُسْتَطارِ القَلْب هائمْ / يشتكي المُهْجَةَ من رُمْحٍ وصارِمْ
عاقَدَ الحبَّ على أنْ لا يُرى / في التصابي غير محلول العزائم
إنَّما تَفْتِك في أحشائه / نظراتٌ ليس ترقيها التمائم
رحمة للصبِّ ما يشكو إلى / راحمٍ يوماً وهل للصبِّ راحم
يا خليليَّ انصفاني من جوًى / أنا مظلومٌ به والشَّوق ظالم
ما لهذا البرق يهفو وامضاً / باتَ يبكيني نجيعاً وهو باسم
ويثير الوَجْد يوري زنده / فاحِمَ اللَّيل وفرع اللَّيل فاحم
أذكُرُ العيش وأيَّامَ الحمى / ناعمات العيش بالبيض النواعم
يا سقى الله الحمى من موطنٍ / يزأَرُ اللَّيث به والظبي باغم
كم وكم قد فتكتْ فانتصرَتْ / أَعْيُنُ الغزلان بالأُسْد الضراغم
وكميٍّ حازمٍ أصْبَحَ في / قبضةِ الحبّ وما ثَمَّةَ حازم
نامَ عنِّي غافلاً من كمدي / ربَّ ساعٍ ساهِر الطَّرف لنائم
ويمجُّ الشَّهدَ من ريقَتِه / ولحظّي منه تجريع العلاقم
حاربتْني الأَعيُنُ النجلُ ومن / مُهْجَتي غُذُّوا ومن لي أنْ تسالم
ما أحلَّ القتل إلاَّ عامداً / مستبيحٌ سيفُ عينيه المحارم
مُعْجَبٌ من حُسنْه مبتسمٌ / يُودعُ اللؤلؤَ هاتيك المباسم
قاتلي من غير ذنبٍ في الهوى / أَنْتَ في قَتْلي رعاك الله آثم
سفكتْ أحداقُك السوُّد دمي / أينَ من أحداقك البيض الصوارم
فِعْلُ ألحاظك في عُشَّاقها / يَتَعدَّى بشباها وهو لازم
لي على قَدِّك نَوْحٌ في الدُّجى / مثلما ناحتْ على الغصنِ الحمائم
ساغَ ما جرَّعْتني من غصَّةٍ / غير أنِّي عن جنى ريقك صائم
فَضَحَ الحبُّ الهوى في أهلِهِ / وبدا من كاتمٍ وما هو كاتم
لا أرى الله عذولي راحةً / لامني فيك فما أُصغي للائم
وبلائي كلُّه من لائمٍ / باتَ يلحو وحبيبٍ لا يلائم
والهوى داء كمين في الحشا / ليثَ شعري ما لهذا الدَّاء حاسم
كانَ لي صبرٌ فما دام وما / كانَ صبر الصّبّ بعد الصَّدِّ دائم
كيفَ يسلو ذاكرٌ عهد الهوى / جدَّدَ الذكر لعهد متقادم
عَجَباً للشَّوق يبني ما بنى / يا ترى يهدمه من بعدُ هادم
وبصدْري زفرة لو كُشِفَتْ / للصَّبا يومئذٍ هَبَّتْ سمائم
غير أنِّي والأَماني جمَّة / لا أُبالي وأبو سلمان سالم
سيِّدٌ أمَّا نداه فالحيا / مستهلٌّ من سَحابٍ متراكم
فهو للصَّادي إذا بلَّ الصَّدى / مَوْرِدٌ عذبٌ وبحرٌ متلاطم
شِمْتُ منه البَرق عُلْويُّ السَّنا / مُؤْذِنُ العارضِ بالغيث لشائم
كسَحاب القطر إلاَّ أنَّه / يتبع السَّاجم منهلاً بساجم
إنَّ مَن يرويك عنه خبراً / لا كمن يرويك عن كعب وحاتم
عن رسول الله عن أبنائه / ما رَوَيْنا من أحاديث المكارم
صفوة الله من الخلق وهم / عالم المعروف والنَّاس عوالم
هم هداة الخلق لولا جدُّهُم / وهداهم كانت الخلق بهائم
آل بيتٍ خُلِقوا مُذْ خُلِقوا / للعلى ركناً وللدِّين دعائم
فَتَحَ الله علينا بِهمُ / في مفاتيح العطايا والخواتم
حبَّذا نَجْلُ عليٍّ إنَّه / عَبِقُ الأَخلاق عطريُّ النَّسائم
قالَ من أبْصَرَهُ مستبشراً / هكذا فلْتَكُ أبناءُ الأَكارم
وارثٌ بعد أَبيه في العُلى / من بني هاشم ما أَوْرَثَ هاشم
شرفٌ محضٌ ومجدٌ باذخ / أَيُّ فرعٍ من فروع الفخر ناجم
يرتقي في كلّ يوم رفعةً / في المعالي ليس تُرقى بالسَّلالم
بأبي الأَشراف عن بأس لهم / أعربت سُمر القنا وهي أَعاجم
وتوالت من يديهم أنعمٌ / فازَ من كانَ لها ما عاش لائم
لي ولي منكم وأَنْتم أَهْلُها / نِعَمٌ تَرفَعُني فوق النعائم
فَجُزِيتُم سيِّدي عن شاعرٍ / ناثرٍ فيكم مدى الدَّهر وناظم
مثلَ ما هَبَّتْ صَباً من حاجر / ترقص الأَغصان منها بالكمائم
ولنعمائِكَ فينا أَثرٌ / إنَّ آثاركَ آثار الغمائم
هل دَرى السَّيِّد فيما قد درى / أَمْ هو الآن بما أَعْلَمُ عالم
إنَّ هِنْدواتِكم في كُرْبةٍ / ما له منها سواك اليوم عاصم
تابَ ممَّا قد جنى من ذَنْبه / وعلى التَّوبةِ قد أصْبَحَ نادم
ولهذا أنا باستعطافكم / قارعٌ باللّطف أبوابَ المراحم
إنْ تَشَأْ أَنْقَذْتَهُ أَوْ لا فلا / فَعلى أَيّهما أصْبَحتَ عازم
فتَعَطَّفْ سيِّدي والطفْ به / وعليه إنَّه مولاي خادم
دُمْتَ لي ظلاًّ ظَليلاً وله / إنَّما ظِلُّك للرَّاجين دائم
جَسَدٌ أشْبَهُ شيءٍ بالخيال
جَسَدٌ أشْبَهُ شيءٍ بالخيال / وفؤادي عن هَواكُم غيرُ سالِ
وعيونٌ نَثَرَتْ أدمُعَها / لثغورٍ نُظِمَتْ نَظْمَ اللآلي
دَنِفٌ لولا هواكم ما اغتدى / مَعَ حسن الصَّبر في أسوَأ حال
قد براه الشَّوق فيكم فانبرى / وهو لا يُمتاز من عُود الخلال
مُعرِضاً عن عاذلٍ في حبِّكم / لم يَكَدْ يُصغي إلى قيلٍ وقال
يا خليليَّ وهَلْ من مسعدٍ / لشجٍ أصْبَحَ مشغوفاً بخالي
هل تريحون محبًّا من جوًى / أو تبِلُّونَ غليلاً ببلال
وخيالٍ زارني منكم فما / زادَني إذ زارني غيرَ خيال
هيَّجَ النَّارَ الَّتي أعهدها / ذات إيقاد بقلبي واشتعال
ضاربٌ لي مثلاً منكم وما / لوجوهٍ أجْتَلِيها من مثال
وبذكراكم على شحط النوى / كيف لا أَشرقُ بالماء الزُّلال
إنَّ بالشِّعب سقى الشّعبَ الحيا / زمناً مرَّ بوصل الغيد حالي
نَظَمَتْنا الرَّاحُ في أسلاكه / في ليالٍ مثل أيَّام الوصال
كانَ للَّهو به لي منزلٌ / غرَّة في الأَعصُرِ الدهم الأَوالي
سَنَحَتْ فيه الظِّبا واقْتَنَصَتْ / مهجَة الضيغم أحداقُ الغزال
سَحَرَتني يا ترى من ذا الَّذي / علَّم الأَحداق بالسّحر الحلال
وَرَمَتْني فأَصابت مقْلَتي / يا سُليمى ما لعينيكِ وما لي
كم أرَتْني لا أرَتْها راحةً / غيرَ ما يخطُرُ منهنَّ ببالي
نظراتٌ كنتُ قد أرْسَلْتها / وبها يا سعد قد كانَ وبالي
ليتَ شعري يومَ صَدَّتْ زَيْنَبٌ / لمِلالٍ كانَ منها أَمْ دلال
موقف التوديع كم أجْرَيْتَ لي / عبراتٍ رخصت وهي غوالي
لم أجد فيك التفاتات إلى / كبدٍ حرَّى ولا دمعٍ مذال
أينَ لا أينَ لنوقٍ أصْبَحَتْ / تتراءى بين حلٍّ وارتحال
قد ذكرنا عهدكم من بعدكم / فتعلَّلْنا بأَنفاس الشّمال
انْقضى العَهْدُ جميلاً وانْقَضَتْ / دولةٌ كانتْ لربات الرِّجال
كنتُ مشغوفاً فلمَّا أنْ بدا / وَضَحُ الشَّيب بفوديَّ بدا لي
وأَراني في خطوبٍ طبَّقتْ / أنا والأَيَّام في حربٍ سجال
من رآني قالَ لي ممَّا رأى / هكذا تصنعُ بالحرّ اللَّيالي
لَسْتُ مُنحطًّا بها عن رتبة / ومقامي من عليّ القدر العالي
من مُثيبي سَعَة العيش وإنْ / كنتُ منها اليوم في ضيق حال
مَوْرِدٌ أَصْدُرُ عنه بالَّذي / أَبْتَغيه منه في جاهٍ ومال
إنْ تَقَدَّمْتُ إليه فالمنى / من نداه والعطاء المتوالي
وإذا أَبصرتُ منه طلعةً / راعني بين جمالٍ وجلال
لم تَطِشْ دهياءُ ما وقَّرها / من حُلومٍ راسياتٍ كالجبال
ومزيلٍ كلَّ خطبٍ فادحٍ / للرزايا غير مرجوّ الزَّوال
لم تكد تُحصى سجاياه الَّتي / رَفَعَ الله بها بيتَ المعالي
وخلالٍ يُشْرِفُ المجدُ بها / يُعْرَفُ المعروف من تلك الخلال
مُتْبِعُ الحُسنى بحسنى مثلها / يَصِلُ الدهر بها والدَّهر قال
رَجلٌ أُوتيَ من خالقه / صَولةً تُرْغِمُ آناف الرِّجال
يتوالى مُنْعِماً إحْسانَه / وأَجلُّ الغيث ما جاءَك تالي
ولَهُ الله فغايات العُلى / نال أَقصاها على بُعْدِ المنال
آل بيتٍ كلّ خير فيهمُ / آل بيت المصطفى من خير آل
سادةِ الدُّنيا وأعلام الهُدى / منقذي العالم من هلك الضَّلال
بأبي من سادةٍ أذخرهم / لمعاشي ومعادي وآمالي
قوَّموا الدينَ وشادوا مجده / ثَقَّفوا السّؤدد تثقيف العوالي
دوحةٌ شامخةٌ منها الذرا / أنا منها أَبداً تحت ظلال
كَمُلَ الفضل بهم بهجته / أَين بدر التّمّ من هذا الكمال
شغل الشكر لساني ويدي / بعليٍّ بعد محمود الفعال
رُحْتُ أَسْتَحلي قوافيَّ به / وهيَ فيه أبدَ الدَّهر حوالي
لعطاءٍ غير ممنونٍ ولا / يُحْوج العافي إليه بالسُّؤال
إنَّ لي فيه وربّي أَمَلاً / منجز الميعاد من غير مطال
فكأنِّي رَوضةٌ باكرها / صيّبُ المزن وحلاً بعد حال
لا أرى منفصلاً عن ثروة / وبعليائك مولاي اتّصالي
نِلتُ فيك الخير حتَّى إنَّني / صِرْتُ لا أَطمع إلاَّ بالمحال
منعمٌ في كلّ يومٍ نعمةً / وكذاك المفضل العذب النوال
لا براحٌ عن مغاني سيّد / ولدى عليائه حطَّت رحالي
حُزْتَ أَجرَ الصَّوم فاهنأ بعده / سيِّد السَّادات في هذا الهلال
جَسَدٌ ذاب نحولاً وسَقاما
جَسَدٌ ذاب نحولاً وسَقاما / وفؤادٌ زِيدَ وجداً وغراما
دَنِفٌ لولا تباريح الجوى / جَعَلَ اللائمَ في الحبّ إماما
ما الَّذي أوْجَبَ ما جئتم به / من صدود وعلاما وإلاما
يا أباة الضَّيم ما لي ولكم / أفترضون بمثلي أن يُضاما
أُظهِرُ الصَّبرَ وعندي غيره / غير أنِّي أَكتُمُ الوجد اكتتاما
وأراني جَلِداً فيما أرى / من أمور أَعْرَقَتْ مني العظاما
إنَّ برقاً شِمتُه من جانب العا / رض الوسميّ أبكاني ابتساما
ويح قلب الصّبّ لِمْ لا ينثني / فإذا قلت اسْتفق يا قلب هاما
ما بكى المغرم إلاَّ بدمٍ / بلَّ كُمَّيْهِ وما بلَّ أواما
قوَّض الرّكبُ وأبقى لي الأَسى / لا الجوى ولَّى ولا الصَّبر أقاما
ونَأَتْ سَلمى فهلْ من مبلغٍ / منكما عنِّي إلى سَلمى سلاما
خفرت من عاشقٍ ذَمَّته / إنَّ للعشَّاق في الحبّ ذماما
لستُ أنسى السّرب أشكو بَعْدَه / كَبِداً حرَّى ويُدميني قواما
أيُّها الرَّامي قلبي عَبَثاً / بُؤْتَ بالوزر وقُلّدت أثاما
ما لِمَنْ حَلَّلَ قتلي في الهوى / حَرَّم الوصل وما كانَ حراما
أَرأَيتم أَنَّني من بعدكم / في عذابٍ لم يكن إلاَّ غراما
إنْ يُلاقِ الصُّبحُ ما لاقيته / أَصبحَ الصُّبحُ لما يلقى ظلاما
بَرَزَتْ أَسماءُ أَو أَترابها / يُوقِرَنَّ السَّمْعَ عذلاً وملاما
يتناجَين بإيلام فتًى / ضَيَّعَ الحزم فلم يشدد حزاما
قلنَ لو رام وما في باعه / قِصَرٌ أدركَ بالسَّعي المراما
يا نساءَ الحَيِّ خاصَمْتُنَّني / حَسْبُكُنَّ الدَّهرَ منكنَّ خصاما
لو تنبَّهتُ لها مجتهداً / كيف بالحظِّ إذا ما الحظُّ ناما
أو رأى المقدور فينا رأيه / ما تكَلَّفْتُ نهوضاً وقياما
أبرح الدَّهر على ما لم أَرِدْ / ورزاياه اصطكاكاً واضطراما
لم يَلِنْ للدَّهر منِّي جانب / حيث لم أستعطف القومَ اللّئاما
وعناءٍ كلّها أُمنيتي / في زمانٍ أنْ أرى النَّاس كراما
بأَبي محمود ينبوع النَّدى / أُبْصِرُ الأَعلام أطلالاً ركاما
وأرى كلَّ عليٍّ دونه / فتعالى ذلك القرم الهماما
أُنْفِقُ العُمرَ جميلاً فليَدُمْ / وجميل الصّنع أنَّى دام داما
ويميناً إنَّه لوْ لمْ يَجدْ / في منام لم يذق قطّ مناما
فَسلُوه هلْ خلا ممَّا به / يصنَعُ البرَّ فيوليه الأَناما
أَمْ تَخلَّى من جميل ساعة / من زمان غير ما صلَّى وصاما
كم له من نظرةٍ في رأفَةٍ / أَيقَظَتْ لي أَعْيُناً كنَّ نياما
ذُلِّلَتْ مستصعبات لم يكَدْ / يملك القائد منهنَّ زماما
أُسْتَقِلُّ الأَنجمَ الزّهرَ له / أَنْ تُرى فيه نثاراً ونظاما
ولو أن كلَّمْتُه في لؤلؤٍ / ومن اللؤلؤ ما كانَ كلاما
تجتلي قَرماً إماماً بالنَّدى / بأَبي ذيَّالك القرم الإِماما
وحسام باترٍ لا سيَّما / إنْ هَزَزْناه على الخطب حساما
فنوال ناب عن وبل الحيا / وجمال يخجل البدر التماما
رفعةٌ قد شَهِدَ الخصمُ لها / قَعَدَ الغاربُ منها والسّناما
وإليه وإلى عليائه / أَنيق الرَّاجين أمست تترامى
وكأنِّي وكأن شعري له / مستميح حين شام البرق شاما
بالطَّويل الباع بالسَّامي الذّرى / عرف المعروف شيخاً وغلاما
وعلى ما هو فيه لم يزلْ / أو يقال التّبر قد عادَ رغاما
والكريم النَّفس لا عن غرض / أيُّها أَزكى شراباً وطعاما
هكذا النَّاس إذا قيل النَّدى / سحب تنشا جهاماً وركاما
من سوى أَيديه في فرط الظّما / لا أراني الله أَسْتَسْقي الغماما
كلَّما اعْوجَّتْ أُموري والْتوَتْ / قوَّم المعوَجَّ منها فاستقاما
يا أبا محمود يا من لم يزلْ / رحمةً للخلق برًّا باليتامى
غير ما خَوَّلْتَني من نِعمةٍ / أنا لا أملك في الدُّنيا حطاما
أَفْطَرَ النَّاس جميعاً غيرنا / وبَقينا نحن في النَّاس صياما
فلقد هُنِّيت بها / غُرَّة الأَعياد والشّهر الحراما
وابقَ للإِسلام ركناً سالماً / مُنْعِماً يا عيدنا عاماً فعاما
ما لَها مُفْرِيةً بِيداً فَبيدا
ما لَها مُفْرِيةً بِيداً فَبيدا / تَقْطَعُ الأرضَ هُبوطاً وصُعودا
كلَّما لاح لها برق الحمى / نَثَرت من لؤلؤ الدَّمع عقودا
لستُ بالمُنْكِرِ منها عبرة / إنَّها كانت على الحبِّ شهودا
فإلى أينَ سُراها ولمن / تطس البيداء أو تحثو الصَّعيدا
أَوْقَدَ الشَّوق بها نيرانه / فَتَلَظَّتْ بلظى الوجد وقودا
تخمد النَّارُ وما لي أرى / للجوى من مهجة الصّبّ خمودا
يا أَخلاَّئي وأَعلاقُ الهوى / جاوَزَتْ من شغف القلب حدودا
أَخْلَقَت بالصَّبر عنكم لوعة / تَبْعَثُ الشَّوق بها غضًّا جديدا
ووهى يومَ نأَيْتُم جَلَدي / بعدَ ما كنتُ على الدَّهر جليدا
خُنْتُمُ عَهْدَ الهُدى ما بيننا / وَرَعَيْنا لكمُ فيها عهودا
من معيدٌ لي في وادي الغضا / زَمَناً مَرَّ ومن لي أَنْ يعودا
في زَرودٍ وقفة أَذكرُها / فسقى الله حيا المزن زرودا
ومن السِّرْبِ مهاةٌ لحظُها / يَصْرَعُ اللّبَّ ويصطاد الأُسودا
وبروحي شادنٌ من ريقه / لا أعافُ الخمرَ والماء البرودا
سلبَ الغصن رَطيباً قَدُّه / والظِّباءُ العُفْرُ ألحاظاً وجيدا
لامني اللاّئم عن جهلٍ به / والهوى يأنَفُ إلاَّ أنْ يزيدا
أيُّها العاذلُ يبغي رَشَدي / خَلِّني والغيّ إنْ كنتَ رشيدا
إنَّ مَنْ كانت حياتي عنده / طالما جرَّعني الحتفَ صدودا
وحرامٌ أنْ أرى سُلوانَه / وَلَوَ انِّي مِتُّ في الحبِّ شهيدا
غَلَبَتْني منه أجناد الهوى / إنَّ للحبِّ على الصّبّ جنودا
من يريني البانَ والوردَ معاً / في تَثَنِّيه خدوداً وقدودا
يمِّمي أيَّتها النُّوق بنا / سيّدَ السَّادات والرّكن الشَّديدا
فلئنْ سِرْتِ بنا حينئذٍ / لعليٍّ كانَ مسراك حميدا
لا تَرى وَجْهاً عبوساً عنده / حين تلقاه ولا صدراً حقودا
منعمٌ سابغةٌ نعمتُهُ / ومفيدٌ من نداه المستفيدا
كلَّما قَرَّبْتٍ من حَضْرَته / قَرَّبت أملاً كانَ بعيدا
حيثُ طالعنا فأَبْصَرْنا به / طالعاً من ذلك الوجه سعيدا
أَسرعُ العالم وعداً منجزاً / وإذا أَوْعَدَ أبطاهم وعيدا
آل بيتٍ سَطَعَتْ أنوارهم / لم تَدَعْ للغيِّ شيطاناً مريدا
وإذا أعربتَ عن أبنائهم / فاذكر الآباء منهم والجدودا
تأْخُذُ الآراء عنه رشدها / فيُريها الرّشدَ والرَّأْي السَّديدا
ليّن الجانب فيه شدَّةٌ / قد أذابت من أعاديه الحديدا
قُيِّدَتْ عادية الخطب فما / تضع الأَغلال عنها والقيودا
بِبَنِيه حَفِظَ الله بهم / مهجةَ المجد طريفاً وتليدا
رافعٌ راية أعلام الهُدى / عاقدٌ للدِّين بالعزِّ بنودا
في بيوتٍ أَذِن الله لها / أَنْ نراه في مبانيها عمودا
من سيوف الله إذا ما جُرِّدَتْ / قطعت من عنق الشّرك الوريدا
سيِّدٌ برٌّ رؤوفٌ محسنٌ / ترك الأَحرار بالبرّ عبيدا
فترى الأَشراف في حَضْرَته / قُوَّماً بين يديه وقعودا
أَمْطَرَتْ من يده قَطْرَ النَّدى / في رياض الفضل يُنْبِتْنَ الورودا
فترى الأَقلام في أمداحه / رُكَّعاً تملِي ثناه وسجودا
يا ابن قطب الغوث والغيث الَّذي / لم يَزَلْ يهلُّ إحساناً وجودا
أَنتُم البحر وما زلتُ بكم / مستمدًّا منكم البحر المديدا
إنْ وَرَدْنا منهلاً من نَيلكم / ما صَدَرْنا عنكم إلاَّ ورودا
ما سواكم مقصد الرَّاجي ولا / في سوى شكرانكم نملي القصيدا
يا مريد الخير والخير به / لا عدمناك مراداً ومريدا
ليس بالبدع ولا غروَ إذا / هِمْتُ في مدحك نظماً ونشيدا
جُدْتَ لي بالجود حتَّى خِلْتَني / بندى وابلك الروض المجودا
وقليلٌ فيك لو أنظمها / في مزاياك لها دُرًّا نضيدا
فاهنأ بالنيشان من سلطاننا / مُبدِئاً للفخر فيه ومعيدا
ذلك اليوم الَّذي وافى به / لكن للأَشراف في بغداد عيدا
مَلِكٌ أَرْسَلَهُ مفتخراً / وبه أَرْسَلَ مولاي البريدا
لم تزل ترقى إليها رُتَباً / نكبت الشَّانئَ فيها والحسودا
قَد نَحَرْنا الزِّقَّ يومَ العيدِ نَحْرا
قَد نَحَرْنا الزِّقَّ يومَ العيدِ نَحْرا / وأَذَبنا بلُجَين الكأس تبرا
وتخيَّلنا الحميّا لهباً / وحسِبنا أنَّها بالماء تورى
قال لي الساقي وقد طاف بها / هي خمرٌ وتراها أَنْتَ جمرا
يا نديماً قد سَقاني كأسَه / إسقنيها في الهوى أخرى وأخرى
إنَّ أحلى العيش ما مرَّ على / روضة غنَّاء والكاسات تترى
ويد المزن وأزهار الرُّبا / نُشِرَتْ من بعد ذاك الطيّ نشرا
فأدِرْها قرقفاً إن مُزِجت / كَلَّلَتْ ياقوتها بالمزج درّا
لا تَخَفْ من وِزْرِها في شربها / أو تخشى مع عفو الله وزرا
راحة الأرواح بالراح الَّتي / لم تدع للهمّ في الأحشاء ذكرا
وبأهلي ذلك الظبي وإن / أوْسَعَ المغرم إعراضاً وهجرا
غَرَّني في حبّه ذو هيف / كلّما لام به العاذل أغرى
صال باللحظ على عشاقه / ولَكَم من كرّةٍ في الحب كرّا
قد مضى في الحبّ أن أقضي به / وقضايا حبّه صغرى وكبرى
ما عليه في الهوى صيَّرَ لي / كبداً حرّى وقلباً ما استقرّا
يا زماناً حَذرت أخطاره / نحن لم نأخذ من الأيام حذرا
أَنْتَ من دون النقيب القرم لا / تَمْلِكُ اليومَ لنا نَفعاً وضَرّا
سيّدٌ أمَّا نَداه فالحيا / دونه جوداً وأدنى منه وفرا
هكذا من كانَ تجري كفّه / نايلاً وفراً وإحساناً وبرّا
وإذا ما المُعوِل العافي أتى / بابه العالي اغتنى فيه وأثرى
باليد البيضاء كم أمطرنا / من غوادي جودها بيضاً وصُفرا
وَرَدوا البحر أُناسٌ قبلنا / لا وَرَدنا غير تلك اليد بحرا
نَتَحرّى كلَّ آنٍ جودَها / وهو بالفضل وبالمعروف أحرى
وإذا مُدَّت إلى أعدائها / جزَرَتْهم بالمواضي البيض جزرا
هو ربّ الكَرم المحضِ الَّذي / لا يرى الإقلال يوم الجود عذرا
وإذا أولاكَ من إحسانه / ساعةً في عمره أغناك دهرا
فيميناً كلَّما شاهدته / قلت فيه إنَّ بعدَ العسر يسرا
سيٍّدٌ سهلٌ في بأوقات النَّدى / وبأَيَّامِ الوغى لا زالَ وعرا
يصنع المعروف مع كلّ امرئٍ / وهو لا يبغي على المعروفِ أجرا
لمْ يَخِبْ في النَّاس يوماً آمِلٌ / جاعِلٌ آل رسول الله ذخرا
نَثرَ المالَ على وُفَّادِه / فشكرنا فضله نظماً ونثرا
سيِّدي والفضلُ لولاكَ عفا / فجزاك الله عن عافيك خيرا
بأبي أَنْتَ وأُمٍّي ماجدٌ / قادرٌّ هو أعلى النَّاس قدرا
مَلَكتْ رقِّيَ منه أنعمٌ / بعدَ ما كنتُ وأيم الله حرَّا
أَيُّ نعمائك يقضي حقّها / أيُّها السَّيِّد هذا العبد شكرا
إنَّما الفخر الَّذي طُلْتَ به / شرحَ الله به للمجد صدرا
ولقد جاوَزْتَ حدًّا في العُلى / رَجَعَتْ من دونه الأَبصار حسرى
فاهنا بالعيد ودم مبتهجاً / ناحِرُ الحاسِدِ بالنّعْمَةِ نحرا
سِرْ بحفظِ الله وارجَعْ سالماً
سِرْ بحفظِ الله وارجَعْ سالماً / راغماً بالعِزِّ أنْفَ الحاسدين
راكباً في مركبٍ أرَّخْتُه / إركَبوا فيه بخيرٍ آمنينْ
راقَ للأبصارِ حُسناً وجمالا
راقَ للأبصارِ حُسناً وجمالا / بَدرُ تِمٍّ لاحَ فاستوفى الكمالا
قَرَّت العينُ به من أبلجٍ / فَرَأَتْ أعينُه السِّحْرَ حلالا
كلَّما زادَ وميضاً برقه / زادني من لوعة الوجد اشتعالا
ظامئُ الأَحشاء في الحبِّ إلى / مانعي من ثغره العذب الزّلالا
لا أُبالي في صبابات الهوى / أَقْصَرَ العاذلُ لومي أمْ أطالا
كم طعينٍ بقوامِ أهْيَفٍ / هو لم يشهد طعاناً ونزالا
إنَّ للصَّبِّ لعمري كبِداً / زادَ في القلب من الوجد ذبالا
صانَ في أحشائه الحبّ وقد / أَهْرَقَتْ أَجفانه الدَّمع المذالا
يا مُحِلاًّ في الهوى منِّي دماً / سيف عينيه وما كانَ حلالا
وكمالات وعلم ونهًى / هبة من جانب الله تعالى
دَبَّرَ الملك برأي ثاقبٍ / وأحالَ الجَوْرَ عدلاً فاستحالا
وكسى بغداد في أيَّامه / حُلَّةَ الفخر جمالاً وجلالا
كلَّما جالتْ به أفكارنا / من ثناءٍ وَجَدَتْ فيه مجالا
فرأيناها لعَمري بلدةً / نِعَمُ الله عليها تتوالى
قد زَهَتْ فيه وقد عمَّرَها / واحدُ الدُّنيا مقالاً وفعالا
والعراق اليوم لولا عدلُهُ / ما رأى من بعد ما اعْوجَّ اعتدالا
لو دعا الشُّمَّ الرَّواسي أَمْرُه / لم تُجِبْ دَعوتَه إلاَّ امتثالا
أخَذَتْ زُخْرُفَها وازَّيَّنَتْ / فهي للجنَّةِ قد أمْسَتْ مثالا
حِكَمٌ تهدي إلى الرّشد ومن / زاغ عنها فلَقَدْ ضلَّ ضلالا
وسجاياه الَّتي في ذاته / بَزَغَتْ في أُفقِ المجد خلالا
في مزاياه لعمري كرمٌ / وَسِعَ النَّاس به جاهاً ومالا
لو تَطَلَّبتَ سواها مثلها / كنتَ ممَّن يطلب الشَّيء المحالا
دولةٌ أيَّدها الله فما / ترهب الدُّنيا ولا تخشى زوالا
من رجالٍ نظم الملك بهم / وإذا كانَ الوغى كانوا جبالا
قوَّةٌ في ذاتهم لو حاولوا / أَنْ يزيلوا جبلاً فيها لزالا
زارَ بغدادَ فزارتنا به / أَيْمُنُ الخير يميناً وشمالا
يا لها من زورةٍ مقبولةٍ / أَطْلَعَتْ منكَ على النَّاس هلالا
فلَقَدْ ولاّك سلطانُ الورى / لا أراني الله فيك الانفصالا
يومَ أقْبَلْتَ على بغداد في / أيّ يوم كانَ للعيد مثالا
هو ظلُّ الله في الأرض وقد / مَدَّ بالأَمن على النَّاس ظلالا
جئتَ بالخير علينا مقبلاً / وتنَقَّلْتَ مع السَّعد انتقالا
فرأينا منك ما لم نَرَهُ / قَبْلَ أنْ جئتَ كمالاً وجمالا
وإذا ما مدَّ يوماً باعه / طال فيما يبتغيه واستطالا
يقصر المادح عنها مطنباً / كلَّما بالغ بالمدح وغالى
باسطٌ بالخير والحسنى يداً / نَوَّلَتْ من كلّ ما نهوى نوالا
وإذا جَرَّدَهم يومَ وغًى / مثلما جَرَّدَ أَسيافاً صقالا
أَشرفُ النَّاس وأَعلاهم سنًى / أَشْرَفَ النَّاس مزاياً وخصالا
رحم الله تعالى روحهم / إنَّهم كانوا إلى الخير عُجالى
لا أراني عَنْ غنًى منفصلاً / إنْ يكنْ لي بمعاليه اتّصالا
يا ملاذي ومآلي لم تَزَلْ / أَنْتَ لي فيها ملاذاً ومآلا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025