المجموع : 37
تلك عُقبى البغيِ فانظر كيف عادا
تلك عُقبى البغيِ فانظر كيف عادا / يا له من مُصعَبٍ ألقى القيادا
أرأيتَ القومَ شرّاً وأذىً / ورأيتَ القومَ ناراً ورمَادا
غُيِّبوا في حُفرَةٍ مَسجورةٍ / تَخمدُ الدنيا وتَزدادُ اتّقادا
مُلِئَتْ رُعباً وَزِيدَتْ رَوْعَةً / من عَذابٍ كان ضِعفاً ثم زادا
قِفْ عليها وتبيَّنْ ما بها / هل ترى إلا انتفاضاً وَارِتعادا
يا لهم إذ زعموا أصنامهم / تُعجزِ اللّهَ كِفاحاً وجلادا
جَلَّ ربّي لم يُغادِرْ بأسُه / أنْفُساً منهم ولم يتركْ عَتادا
خاصموا اللّهَ وعادَوا جُنْدَهُ / وأرى الأصنامَ أولى أن تعادى
هي غرتهم فضلوا وعتوا / واستحبوا الكُفرَ بَغياً وعِنادا
حَلَّقوا بالأمسِ في طُغيانهم / ثمَّ بادوا في مَهاويهِ وبادا
عِظةٌ في التُّربِ كانت فِتنةً / وعذابٌ كان شرّاً وفَسادا
كُلْ هنيئاً من قليبٍ قَرِمٍ / يَبلعُ الكُفّارَ مَثْنَى وَفُرادى
طال منك الصوم واشتد الطوى / فخذ القوم التهاماً وازدرادا
جَرَّبوا الحربَ وجاؤوا فَلَقُوْا / غُمماً جُلَّى وأهوالاً شِدادا
سمعوا الصَّوتَ وما من ناطقٍ / يُخبِرُ السائلَ منهم حِينَ نادى
يا رسولَ اللهِ هُمْ في شأنهم / غَمرةٌ تَطغَى وبلوى تَتمادى
صدَقَ الوعدُ فكلٌّ مُوقِنٌ / يا له منهم يَقيناً لو أفادا
أنكروا الحقَّ وراموا غيره / فكأنَّ اللّهَ لا يَجزِي العبادا
هكذا من يَعبدُ الطاغوتَ لا / يَتَّقِي ربّاً ولا يَرجو مَعادا
جَلَّ ربِّي وتَعالى إنّهُ / بالِغٌ من كُلِّ أمرٍ ما أرادا
إرفَعِي يا دولةَ الحقِّ العِمادا / وأَقيمِي يا طواغيتُ الحِدادا
أيُّ حقٍّ ذلَّ في سُلطانِهِ / أيُّ زُورٍ عزَّ في الدُّنيا وسادا
إنّ للّهِ سُيوفاً خُذُماً / وجنوداً لا يَمَلُّونَ الجِهادا
بَعثَ الأُسطولَ في آياتِهِ / جائلاً يُعيي الأساطيلَ اصْطِيادا
قُوّةٌ أرسلها من أمرِه / تَفتحُ الدُّنيا وتَحتلُّ البلادا
إنَّ كلَّ الخيرِ يا صَفوانُ في / مَهلكِ القومِ فلا تَعْدُ الرَّشادا
دَعْ عُميراً لا تَهِجْهُ وَاتَّئِدْ / إنَّ للعاقلِ في الأمرِ اتّئادا
أخذَ السَّيفَ صَقيلاً مُرهَفاً / يأخُذُ الأبطالَ والبِيضَ الحِدادا
ظَلَّ يَسقيهِ وما أدراهُ هَلْ / كان سُمّاً ما سقاهُ أم شِهادا
كَرِهَ الحقَّ فلمَّا جاءَهُ / نَبذَ الحِقْدَ وأصفاهُ الودادا
مِن حَديثٍ أنبأ اللّهُ بهِ / خيرَ مَن حدَّثَ عنهُ فأجادا
قال أسلمتُ لربّي وكَفَى / بالسّبيلِ السَّمحِ دِيناً وَاعْتِقادا
إقرأ القرآن وَاتْبَعْ هَدْيَهُ / يا عُميرَ الخيرِ إنْ ذو الغَيِّ حادا
إنّهُ النُّورُ الذي يجلو العمَى / إنّهُ السّرُّ الذي يُحيي الجمادا
أين يا صفوانُ ما أمّلتَهُ / أين ما حدَّثْتَ تَستهِوي السَّوادا
يا لها داهيةً طارتْ بها / أعْقُبُ الجوِّ وقد كانت نآدا
لا تَظنَّ الجودَ دَيْناً يُشْتَرى / سَتَرى الجودَ المُصَفَّى والجوادا
سَتراهُ وادياً مِن نَعَمٍ / يُعجزُ الآمالَ سَعْياً وَارْتيادا
هُوَ من فَيضِ العُبابِ المرتمى / يتقَصَّى الأرض مدّاً واطّرادا
الرسولُ السَّمحُ والمولى الذي / يَسَعُ الأجيالَ برّاً وافتقادا
اقترحْ ما شِئتَ وَاطْمَعْ لا تَخفْ / مِن نَدى كَفَّيهِ نَقصاً أو نَفادا
حَبَّذا الموئلُ فيما تَتَّقِي / مَن أذى الدّهرِ وما أعلى المصادا
سَببٌ للّهِ من يَعلقْ بهِ / لم يَخَفْ ضَيْماً ولم يَخْشَ اضطهادا
صاحبُ السَّيْفَيْنِ ماذا صنعا
صاحبُ السَّيْفَيْنِ ماذا صنعا / ودَّعَ الصفَّيْنِ والدنيا معا
غابَ عن أصحابهِ ما علموا / أيَّ دارٍ حلَّ لما وَدّعا
غاب عن أعينهم في غَمْرَةٍ / سدَّ غُولُ الهولِ منها المطلعا
طلبوه وتَنادى جَمعُهم / نَكبةٌ حلّتْ وخَطبٌ وقعا
يا رسولَ اللهِ هذا حمزةٌ / أترى عيناك منه المصرعا
إنّه عَمُّكَ إلا أُذُناً / قُطِعَتْ منه وأنفاً جُدِعا
إنّه عمّك فانظرْ بَطْنَهُ / كيف شقُّوه وعاثوا في المِعَى
كبدُ الفارسِ ماذا فعلت / أين طاحت من قضى أن تُنزَعا
نَذرُ هندٍ هِيَ لولا أنها / لم تُسِغْها أكلتها أجمعا
طفقت تَمضغُ مِن أفلاذِها / عَلقماً مُرّاً وسُماً مُنقَعا
كلّما هَمَّتْ بها تَدفعُها / مِلءَ شِدْقَيْها أبتْ أن تُدفعا
نَذرتْ يومَ أبيها نذْرها / عَلّها تشفِي الفُؤادَ المُوجَعا
جَاءَ وَحْشِيٌّ فضجَّتْ فَرحاً / وَيْكِ إنّ الأرضَ ضَجَّتْ فَزَعا
تَبذلينَ الحَلْي والمالَ على / أن جناه جاهلياً مُفظعا
يا له يا هندُ جُرحاً دامياً / ضاقَ عنه الصّبرُ مما اتّسعا
أفما أبصرتِ رُكنَيْ أُحُدٍ / حِينَ سالَ الجرحُ كيف انصدعا
وأبو سُفيانَ ماذا هاجه / أفما يُزمِعُ أن يَرتدعا
غَرَّهُ في يومِه ما غرّه / إنّ عند الغدِ سِرّاً مُودَعا
يَطعنُ اللّيثَ ويَفرِي شِدْقَهُ / حِينَ ألقَى جَنْبَهُ فاضطجعا
لو رآه يتحدَّى نفسَهُ / لرآها كيف تَهوِي قِطعَا
يذكرُ العُزَّى ويدعو هُبلاً / وَيْحَهُ من ذاكرٍ ماذا دعا
أَسدُ اللّهِ رماهُ ثَعلبٌ / يا له من حادثٍ ما أبدعا
أخَذْتهُ عثرةٌ مَزؤودَةٌ / ضَجَّتِ الدنيا لها تدعو لعا
زالتِ الدِّرعُ فغشَّى بطنَهُ / دافقٌ من دمهِ فادّرعا
حَرْبَةٌ ظَمأى أصابت مَشرعاً / كان من خيرٍ وبرٍّ مُترَعا
جَزَع الهادي لها نازلةً / جلّلتْ عُليا قريشٍ جَزَعا
تلك رُؤياهُ وهذا سيفُهُ / لا رعَى الرحمنُ إلا مَن رعى
ثَلمةٌ هدَّت من الكفرِ حِمىً / زعم الكفّارُ أن لن يُفْرَعا
بُورِكَ المضجعُ والقومُ الألى / وسَّدوا فيه الشهيدَ الأروعا
مثَلَ القومُ به من بغيهِم / ما نهاهم دِينُهم أو منَعا
ليس للأخلاقِ إلا دينُها / يُؤثر المثلى ويهدِي مَن وعى
وَعَد الإسلامُ خيراً مَن عفَى / إنّ حُسنَ العفوِ ممّا شَرعا
سائلِ اللائي تقلَّدنَ الحِلَى / من جلودٍ من رآها خَشعا
أهي كاللؤلؤِ أم أبهى سناً / من غواليهِ وأسمى موضعا
بوركَتْ إني أراها زُلَفاً / رفع اللّهُ بها من رَفعا
لن يفوتَ الكفرَ منها ذابحٌ / لا يُبالي أيَّ جلدٍ مَزعا
يا لِرَيْبِ الدّهرِ ما أفدَحَهُ / حادثاً نُكراً ورُزءاً مُفجِعا
رَجَع الذّكرُ به مُؤتنفاً / ولقد أشفقتُ أن لا يرجعا
شُغِلَ الأهلُ عن الأهلِ فيا / عجباً للدهر ماذا صنعا
أفما أُبصِرُ إلا لاهياً / أو مُعَنّىً بالأماني مُولَعا
اذكروا يا قومُ من أمجادِكم / ما نَسِيْتُم رُبَّ ذِكرٍ نَفعا
أَقبِلُوا أو فاتّقوا سُوءَ المردّ
أَقبِلُوا أو فاتّقوا سُوءَ المردّ / ربض الموتُ بِحمراءَ الأسدْ
غاظكم أن لم تناولوا مأرباً / فتمادَى الغيظُ واشتدَّ الحَسدْ
كيف ينجو من رمَى من قومكم / كلَّ جبارٍ فأمسى قد هَمَدْ
لِمَ لا تُزْجَى السبايا فَتُرَى / مُرْدَفاتٍ تَشتَكِي مما تَجِدْ
لا تدعها يا ابنَ حربٍ جَذوةً / تتلظَّى من قريشٍ في الكَبِدْ
يا ابن حربٍ أطفئ النَّارَ التي / شَبَّها أبطالُ بَدرٍ وأُحُدْ
كلُّ حربٍ خمدَتْ نِيرَانُها / منذُ حِينٍ وَهْيَ حَرَّى تَتَّقِدْ
لا تطِعْ صَفوانَ وانبذ رأيه / لا تُطِعْهُ مُرشداً يأبى الرَشَدْ
ارجعوا فاستأصلوا أعداءكم / تلك عِزُّ الدَّهر أو مجدُ الأَبَدْ
حارِبوا اللَّهَ وزِيدوا شَطَطاً / إنها فتنتُهُ في من جَحَدْ
حاربوه وانصروا أصنامكم / لا تبالوا من قُواهُ ما حَشَدْ
يا ابن عمروٍ هاتِ من أنبائهم / ما رأت عيناك من هزلٍ وَجدّ
لك أُذنٌ من رسولِ اللَّهِ في / حَدِّ عَضبٍ يتَّقيهِ كلُّ حَدّ
شاوَرَ الصِّديقَ فيهم ودعا / يسألُ الفاروقَ ما الرأيُ الأسدّ
إنّها الهيجاءُ يا خيرَ الورى / ما لنا منها ولا للقومِ بُدّ
ارفعِ الصّوتَ وأَذِّنْ بِالوغَى / يا بلالَ الخيرِ أذّنْ واقتصِدْ
اُدْعُ مَن خاضَ المنايا واصطَلى / جُذوةَ الأمسِ وأمسك لا تزِدْ
نفر القومُ خِفافاً ما ونى / مِنهُم الجرحَى ولا استعفى أحدْ
دعوةُ الحقِّ استفزَّتْ جابراً / فاستفزَّتْ هِبْرِزِيَّاً ذا لُبَدْ
جاء يشكو كيف يُنْفَى دمه / وهو للَّهِ يُربَّى ويُعَدّ
لم أَغِبْ عن أُحُدٍ لولا أبي / يا رسولَ اللهِ والجَدِّ النَّكِدْ
فاز بالرضوانِ إذ خلَّفني / في قواريرَ كثيراتِ العَدَدْ
ومضَى قبلي شهيداً فأنا / أبتغِي الزُّلْفَى لدى الفردِ الصَّمَدْ
أنعمَ اللَّهُ عليهِ فشفَى / ما يُعانِي من تباريحِ الكَمَدْ
سار في الجيشِ وَخَلَّى هَمَّهُ / يَصطَلِيهِ من تَوَلَّى وقَعَدْ
فُزتَ يا جابرُ فانعَمْ وابتهِجْ / أفلحَ الوالدُ واستعلَى الوَلَدْ
ذهب السكبُ حثيثاً فانجرَدْ / يحملُ البأسَ ترامَى فاطردْ
يحمل الويلَ لقومٍ غرَّهم / مِن ذويهم كلُّ شيطانٍ مَرَدْ
زعموا الحقَّ حديثاً يُفتَرَى / ورضوا بالشركِ دِيناً يُعتقَدْ
وتمارَوا في النطاسيِّ الذي / يُصلِحُ الأمرَ إذا الأمرُ فَسَدْ
ساحرٌ آناً وآناً شاعرٌ / ما رأوا من سحرِهِ ماذا قَصَدْ
سَطَعَ النُّورُ لمن يأبى العَمَى / فعلى عينيهِ يَجنِي من يَصِدْ
من رأى الضَّعفَ على الضَّعْفِ انطوَى / فإذا القوةُ والعزمُ الأشدّ
حمل الجُرحَ على الجرحِ فتىً / مُوجِعَ الكاهلِ مهدودُ الكَتدْ
إيه عبدَ اللَّهِ أشهِدْ رافعاً / غزوةَ الحمراءِ في القومِ الشُّهُدْ
ألقِهِ عن منكبٍ لو ماد مِن / هضْب رِضْوَى كلُّ عالٍ لم يَمِدْ
ما لحقِّ اللَّهِ إلا مُؤمِنٌ / لا يُبالِي غيرَهُ فيما اعتمدْ
إيهِ عبدَ اللَّهِ ما أصدَقَها / هِمَّة صَمَّاء تأبى أن تُهَدّ
يا أبا سُفيانَ أنصِتْ واستمِعْ / ثم أنصِتْ واتّئد ثم اتّئِدْ
إن تُردْ خيراً فهذا مَعبدٌ / أوَ لم يُنْبِئكَ أنّ الأمرَ إِدّ
جمع الغازي لكم من صحبِهِ / وذويهِ كلَّ صِنديدٍ نَجِدْ
انظروا النِّيرانَ هل تحصونها / إنها شتى تراءى من بُعُدْ
واسألوها إنّها ألسنة / يا ابن حربٍ للمنايا الحمرِ لُدّ
لا تُريدوا من بريدٍ غيرها / إنها من قومكُمْ خير البُرُدْ
لا تظنوا أنكم أكفاؤهم / إنها منكم لأحلام شُرُدْ
اذكروا الأبطالَ تَهوِي واتّقوا / حاصِدَ الموتِ كفاكم ما حَصَدْ
أرأيتَ الرُّعبَ يغتالُ القُوَى / مُستبِدّاً بالعتيِّ المستبدّ
رجع القومُ سِراعاً وارعوى / عاصفُ الشَّرِّ فأمسى قد رَكَدْ
وتولّوا فتولّت أنفسٌ / تَتنزَّى وقلوبُ ترتعد
يقذف الوادي بهم قَذْفَ الحصى / تبلغُ الريحُ بهِ أقصى الأمدْ
غارةُ اللَّهِ على أعدائهِ / تتوالى مَدَداً بعد مَدَدْ
سوّم الأحجارَ لو صُبّتْ على / ذلك الجمعِ المُوَلَّى لم يَعُدْ
يا أبا عزَّةَ ماذا تَتَّقِي / يا أبا عزّةَ أَقْبِلْ لا تَحِدْ
أين تمضي كلُّ شيءٍ مَصرعٌ / كلُّ فجٍ من فجاجِ الأرضِ سَدّ
هل رعى السَّيفُ دماً من عابثٍ / ناكثٍ من كل عهدٍ ما عقدْ
تطلب العفوَ وتهذِي ضارعاً / بِبُنَيَّاتٍ ضَعيفاتِ الجَلَدْ
أوَ لمْ يمنن عليك المرتجى / لذوي الضعف فأكثرت الفنَدْ
تَنظمُ الشعرَ مُلِحَّاً حَرِداً / وَيْكَ خُذها ضربةً تشفي الحَرَدْ
وثب العدلُ يُوالِي صَيْدَهُ / وهو ظُلمٌ فاتِكٌ إن لم يَصِدْ
أخذ الذئبينِ في أنيابِهِ / ما يُبالي منهما ما يزدرد
لا تعودوا من صريعي شقوةٍ / وليعد من كل حيٍّ من سعد
مُوغِلٌ في الشَّرِّ يسعى دائباً / وحَقودٌ لو تَزكَّى ما حقد
جاهليٌّ زلَّ في إسلامهِ / فَهَوَى من بعد ما كان صعد
أخطأته خُطوةٌ كانت له / حُظوةَ السَّاعِي وفوزَ المجتهد
احذرِ العقبى فما يَدرِي الفتى / أيَّ وِردٍ إن دعا الداعي يَرِدْ
ابتدر يا سعدُ فالزّادُ نَفَدْ / واصطناعُ الخيْرِ أشهى ما تَودّ
إبعثِ التمرَ على العيرِ لها / من سجاياك العُلَى حادٍ غَرِدْ
تحمل التقوى وتمضي سمحةً / في سوِيٍّ ليس فيه من أَوَدْ
مُوقَرَاتٍ أقبلتْ في جُزُرٍ / تَطردُ العُسْرَ بِيُسْرٍ وَرَغَدْ
ردَّتِ الجوعَ وصانت أنفساً / هِيَ للَّهِ سُيُوفٌ ما تُرَدّ
لك يا سعدُ لديهِ ولها / من جزاءٍ غيرِ نَزْرٍ ما وعد
نهضتْ من كلِّ أوبٍ تلتقي
نهضتْ من كلِّ أوبٍ تلتقي / فاحذروها يا بَنِي المصطلقِ
إحذروها غارةً ملمومةً / يَتّقِي أهوالَها مَن يتقي
لا تظنّوا جمعَكم كُفؤاً لها / حينَ تَمضِي في العجاجِ المُطبقِ
سرِّحوا الجيشَ وكُفُّوا إنّها / مَصرعُ الجيش وحَتفُ الفيلقِ
نعق الحارثُ يدعوكم إلى / أن تبيدوا ليته لم يَنعَقِ
لا يغرَّنْكم رَسُولٌ جاءكم / مُبغض القلب محب المنطقِ
يا رسول الصدق ماذا جمعوا / لذوي البأسِ وأهلِ المصدقِ
الأُلَى تَتَّسِعُ السُّبلُ بهم / للمنايا في المجالِ الضيّقِ
يخفق النصرُ على أعلامِهِم / إن تَرَدَّى كلُّ جيشٍ مُخفقِ
ما يبالون المنايا النُّكر في / مُرعدٍ من هولها أو مُبْرِق
لأبي بكرٍ وسعدٍ نظرةٌ / بعد أخرى كالشُّواظِ المُحرقِ
في اللّوائَيْنِ ضياءٌ منهما / واضحُ المطلعِ طَلقُ المَشرِقِ
وعلى الفاروقِ من إيمانه / ما على صَمصامِهِ من رونقِ
وعليٌّ وابن عمّارٍ هما / عُدَّةُ الحربِ لهولِ المأزق
يترامى القائدُ الأعلى بهم / في عُبابٍ للمنايا مُغرِق
جاش فيه كلُّ زخَّارِ القُوى / يرتقِي من لُجّهِ ما يَرتَقي
خيرُ خلقِ اللَّهِ في شِكَّتهِ / يمتطي خيرَ العِتاقِ السُبَّقِ
سُحِرَ القومُ ومن آياتِهِ / رُقيةُ السِّحْرِ وَطِبُّ الأولق
نزل الذكرُ عليه فانطوى / مُصحفُ الحِبْرِ وسِفْرُ البطرقِ
وَسِعَ الكُتْبَ جميعاً وَوَعَى / مِن سَناها كلَّ معنىً مونِقِ
علّم الدنيا الهدى فيما مضى / وهو خيرٌ هادياً فيما بقي
عربيٌّ فتحت آياتُهُ / كلَّ بابٍ للمعاني مُغلَقِ
في أَسالِيبَ حِسَانٍ غَضَّةٍ / وفُنُونٍ حُرّةٍ لم تُطْرَقِ
نَفَحاتُ الحقِّ في أبهى الحلى / من رياحين البيانِ المورِقِ
نهض الفاروقُ يدعوهم إلى / مِلّةِ الخيرِ دُعاءَ المُشفِقِ
فأبى القومُ وقالوا دينُنا / إنْ نَدَعْهُ لِسواهُ نَفْسُق
ومشى جاسوسُهم يبغِي الأذى / فمشى عِزريلُه في المفرق
قيل أسلِمْ قال لا فاحتقبتْ / نَفسُه إثمَ الغويِّ الأحمق
يا أبا بَرَّةَ ليس البرُّ أن / تتولّى فاتّئدْ واستوثِقِ
أفَمن يعتِقُ من رِقِّ الهوى / أنفُسَ النّاسِ كمن لم يُعتَق
يا أبا برَّةَ لا تَأْبَ الهدى / وبمن حولكَ فارأفْ وارفق
قلتُم الحربُ وقتلاها وما / هِي بالأمرِ الأحبِّ الأخلق
وتوالى النَّبلُ يَهمِي صَوْبُهُ / فَوَقَ صوبٍ من نجيعٍ مُهرَق
إذ يَقُولُ اللَّهُ في عليائِهِ / لرسولِ اللَّهِ سَدِّدْ وارشُقِ
قادةٌ ما صادفوا أكفاءَهم / وجنودٌ مِثلُها لم يُخلَقِ
ذُعِرَ الجمعُ فلو أنّ القطا / طار في آثارِهِ لم يَلحقِ
صَدَّ عن ظمأى العوالِي ولَوى / كلَّ صَبٍّ في المواضِي شَيِّق
فُجِعُوا في النَّهبِ والسَّبْيِ معاً / وسُقُوا أَسْوَأَ شِرْبِ المُسْتَقِي
نَعِمَتْ بَرَّةُ ماذا تشتكِي / من أسىً بَرْحٍ وهمٍّ مُقلِقِ
يا ابنَةَ الحارِثِ طِيبي وانعمي / أيُّ رزقٍ صالحٍ لم تُرزَقي
ذاك جوُّ المجدِ وضّاحُ السَّنا / حَلِّقي ما شئتِ فيهِ حَلِّقي
اصطفاكِ اللَّهُ فيمن يَصطَفي / وانتقَى بَيتَكِ فيما ينتقي
واحتوى التَّاجُ المحلَّى دُرَّةً / منكِ مَن يلمحْ سناها يُطرِق
فارقي أسرَ ابن قيسٍ واشكري / يا ابنةَ الحارثِ فضلَ المُطلِقِ
اللُّبابِ المحضِ من رُسلِ الهدى / منذ كانوا والصَّميمِ المُعرقِ
حَطَّ عنكِ الإصْرَ بَرَّاً ورثى / لك من ضُرٍّ شديدٍ مُرهقِ
وَرَعى حقَّكِ لا يبغِي سوى / أن تكوني بالمحلِّ الأليق
أقبلَ الحارثُ يحدو إبْلَهُ / وبهِ من طولِ هَمٍّ ما بِهِ
سيّدُ القومِ يُريد ابنتَه / ويَرومُ الذَّبَّ عن أحسابِه
قال ويحي كيف تُسْبَى بَرَّةٌ / وأبو بَرَّةَ في أثوابِهِ
حُرَّةٌ من حُرَّةٍ أنجبها / ونماها نابِهٌ من نابِهِ
إِبِلي سِيري وأُمِّي يثرباً / واطلبي ليثَ الوغَى في غابِهِ
شَرَفي آبَى عليه وابنتي / أفتدي منه ومن أصحابِهِ
ساقَهَا إلا بَعِيْرَيْنِ هما / من صفايا المالِ أو صُيَّابِهِ
غُودِرَا في جانبِ الوادي وما / يَجلِبُ الأمرَ سوى أسبابهِ
قال دعها يا رعاكَ اللهُ لي / وَاشْفِ هذا القلبَ من أوصابِهِ
إنّها بنتي التي ربَّيتُها / في حِمَى العزِّ وفي محْرَابِهِ
أعطنيها وتَقبَّلْ ما معي / من فداءٍ جَلَّ عن أضرابِهِ
قال بل أحدثتَ أمراً لم تَخَفْ / سُوءَ ما يَغشَى الفتى من عابِهِ
غَابَ عن ذَوْدِكَ ما استبقيتَهُ / لك في الوادي وفي أعشابِهِ
يا أبا بَرَّةَ إنّي لأرى / مَوضِعَ العَوْدَيْنِ في أنقابِهِ
قال أسلمتُ وما أدنى الهدى / يا رسولَ اللَّهِ من طُلابِهِ
وَضَحَ الحقُّ فما من حُجَّةٍ / لغبيِّ القلبِ أو مُرتابِهِ
إنّهُ للّهِ فضلٌ ما له / غَيْرُ من يُؤْثِرُ من أحبابِهِ
نكص الشِّركَ على أعقابِهِ / وَهَوَى القائِمُ من أنصابِهِ
يا رسولَ اللّهِ لا كان امرؤٌ / لم يَكُنْ دِينُكَ من آدابِهِ
شرفُ الأخلاقِ من أحكامِهِ / والتُّقَى والبِرُّ من آدابِهِ
أنت نِعْمَ الصِّهرُ مجداً وَسناً / إن طلبنا المجدَ في أقطابِهِ
جِئتَ بالخيرِ بشيراً لم تَزَلْ / تصدعُ الأغلاقَ عن أبوابِهِ
تلك بنتي دخلت فيهِ معي / ما خشينا المنعَ من حُجّابِهِ
سيّدُ الرُّسُلِ وأمُّ المؤمنينْ
سيّدُ الرُّسُلِ وأمُّ المؤمنينْ / بشِّرِ الأبطالَ بالنّصرِ المُبينْ
خرجت في الجيشِ ترجو ربَّها / عِصمةَ الراجي وعونَ المستعينْ
ينصرُ الحقَّ ويقضي أمره / إن رماه كلُّ أفَّاكٍ مَهينْ
اصبري إن جلَّ أمرٌ إنّها / يا ابنةَ الصِّديقِ دُنيا الصالحينْ
أرأيتِ الأرضَ لمّا رجفتْ / إذ هَوى عِقْدُكِ بل لا تشعرِينْ
اقشعرّتْ وتمنّتْ لو هَوَى / كل عالٍ من رواسيها مَكِينْ
أنتِ في شأنكِ إذ تبغينه / وهي في همٍّ وغمٍّ وأنينْ
سوف يُبدي الخطبُ عن روعتِه / بعد حينٍ فاصبري حتى يَحينْ
رفعوا الهودَجَ والظنُّ بها / أنّها فيهِ وساروا مُدلِجِينْ
وانجلى اللّيلُ عن الخطبِ الذي / غادرَ الإصباحَ مُسَودَّ الجبينْ
أين غابت أيَّ أرضٍ نزلت / كيف غُمَّ الأمرُ هل من مُسْتَبِينْ
يا رسولَ اللهِ صبراً إنّها / في ذِمامِ اللَّهِ رَبِّ العالَمِينْ
يا أبا بكرٍ رُويداً إنّنا / لَنراها في حِمَى الرُّوحِ الأمِينْ
رجعتْ واللّيلُ في بُرْدَتِه / دائمُ الإطراقِ كالشّيخِ الرزينْ
ذهب الجيشُ وأمستْ وحدَها / غيرَ أصداءٍ من الوادِي الحزينْ
خطرت في الجوِّ من أنفاسِها / خَطَراتٌ للأسى ما ينقَضِينْ
ماجَ كالبحرِ طغتْ أثباجُه / وارتمت أهوالهُ حولَ السّفِينْ
نام عنها الهمُّ لمّا رقدت / فَهْوَ في الأحشاءِ مكتومٌ دفينْ
وأتى صفوانُ ما يبدو له / غيرُ شيءٍ ماثلٍ للنّاظرينْ
يُرسِلُ الطرفَ ويَمشِي نحوها / مِشيةَ المُرتابِ في رِفقٍ ولينْ
عرف الخطبَ فما أصدقَهُ / حين يدعو دعوةَ المسترجعين
دعوةً رنَّتْ فلو قِيلَ اسمعوا / لَسمِعْنا اليومَ ترداد الرنينْ
أيقظت عائشةً من نومها / مثلما يُوقِظُها صوتُ الأذينْ
جفلَتْ منه فغطّتْ وجَهها / وهيَ في سِترين من عقلٍ ودينْ
يَصرفُ اللّحظَ كليلاً دُونها / خاشعَ القلبِ كدأبِ المتقينْ
قرَّب النّاقةَ منها ودعا / اركبي أُمّاهُ مُلِّيتِ البنين
أخذَ المِقْوَدَ يُمناً ومَضى / يتبع الماضِينَ من أهل اليمين
يَنتحِي يثربَ بالنّورِ الذي / يملأُ الدنيا ويُعيي المطفئين
نشروا الإفكَ فساداً وأذىً / وعلى اللَّهِِ جَزاءُ المفسدِينْ
لا ينالُ الحقَّ في سُلطانِه / كذبُ الحَمقى وإفكُ المرجِفين
يا لها من عُصبةٍ فاسقةٍ / هاجها للشرِّ شيخُ الفاسقين
وَجدتْ فيه زَعيماً حاذقاً / وإماماً بارعاً للمُفترِينْ
هكذا يا ابنَ أُبيٍّ هكذا / لا يكن شأنُك شأنَ المسلمين
انْفُثِ السُّمَّ وَخضها فتنةً / تَتلظَّى نارُها للخائضين
يا ابنةَ الصِّديقِ صبراً ليته / ألمُ المرضَى وَهَمُّ الموجعينْ
يا لها من علّةٍ لو تعلمين / إنّها أبرحُ ممّا تشتكين
أعقبَ البشرَ عُبوسٌ وبدا / من رسولِ اللهِ ما لا ترتضِينْ
كيفَ تِيكُمْ ليس من عادته / كيف تيكم يا لهم من مجرمين
غَيَّروه فلوى من عِطفِه / وطوى من لُطفِهِ ما تعهدينْ
وهو يُخفِي لك ما لا ينقضي / من هوىً صافٍ وشوقٍ وحنينْ
سَجَن السرَّ وكم من روعةٍ / لكِ يا أُمّاهُ في السِّرِّ السجينْ
أنصتي فالليلُ مُصغٍ أنصتي / وَقَع الخطبُ فماذا تصنعين
جاشتِ النَّفسُ ولجَّتْ رعدةٌ / لم تدع في القلب من رُكنٍ ركينْ
مِسْطَحٌ لا قرَّ عيناً مِسطحٌ / شبَّها ناراً تهولُ المُصطلينْ
فضحته عَثرةٌ من أُمِّهِ / فانظري كيدَ ذويكِ الأقربينْ
لا تلوميها إذا ما غَضبتْ / إنّها تَعلمُ ما لا تَعلمينْ
أرسلَتْها دَعوةً واحدةً / ليتها زادتْ على حَدِّ المِئينْ
تَعِسَ الثعلبُ ما أخبثَهُ / فَدَعِي بَدراً وآسادَ العرِينْ
رجعتْ في غمرةٍ من همِّها / لم تَبِتْ منها بليلِ الراقدينْ
لوعةٌ مشبوبةٌ في سَقَمٍ / في شآبيبَ من الدَّمعِ السخينْ
يا رسولَ اللَّهِ هل تأذنُ لي / إنّ بيتي بِمُصابي لَقمينْ
مُرْ ودَعْ همّي لأُمّي وأبي / إنما استأذنْتُ خيرَ الآمرِينْ
بَانَ حُسنُ الصَّبرِ والعزمُ انطوَى / وأرى السُّقمَ مُقيماً ما يَبينْ
قال ما شئتِ هلمِّي فافعلي / لكِ يا صاحبتي ما تُؤثِرينْ
ذهبتْ يحزنها أن لم تكن / طوَّحَ الدَّهرُ بها في الذَّاهبينْ
ثم قالت وهي تبكي عجباً / لكِ يا أُماه ماذا تكتمينْ
أفلا نبَّأتني ما زعموا / ويحهم ما حيلتي في الزاعمين
ظلموني ما رعوا لي حُرمةً / ربِّ كُنْ لي ما أقلَّ المنصفين
جزع الصدِّيقُ ممّا نابَهُ / إنه خَطبٌ يَهولُ الأكرمين
قال أُفٍّ لكِ من داهيةٍ / ما رُمينا بكِ في ماضي السِّنينْ
أفَلمَّا زاننا دِينُ الهدى / ساءنا منكِ حديثٌ لا يزين
كيف تيكم يا لها صاعقةً / أُرسِلَتْ من فمِ خيرِ المُرسلينْ
كيف تيكم كيف تيكم كلَّما / جاء إنّ اللَّهَ مولى الصَّابرينْ
اصبري يا ربَّةَ العِقْدِ الذي / زِينَ من عينيكِ بالدُّرِ الثمين
أوجعتها من عليٍّ شِدَّةٌ / هي من دأبِ الأُباةِ الأوّلينْ
سَلَّطَ الضربَ على مولاتها / أيُّ سرٍّ عندها للضاربين
أقسمتْ صادقةً ما علمت / غيرَ ما يدفعُ دعوى الواهمين
التُّقَى والبرُّ في تاجَيْهِمَا / هل رأى التاجَيْنِ أعلى المالكين
مرحباً بالحقِّ يَحمِي جُندُهُ / ما استباحتْ تُرَّهاتُ المبطلين
مرحباً بالوحي يجلو ما طَوتْ / ظُلماتُ الشكِّ من نُورِ اليقينْ
مرحباً بالرُّوحِ يُلقي من عَلٍ / رحمةَ اللَّهِ تُغيثُ المؤمنين
فِتنةٌ جلّتْ فَلّما انكشَفِتْ / أزلفوا الشُّكرَ وراحوا راشدين
وتجلّت غَمرةُ الهادي فلا / رِيبَةٌ تَغشى ولا ظَنٌّ يرين
يا ابنةَ الصِّديقِ طِيبي وانعمي / ذاك حكمُ اللَّهِ خيرِ الحاكمين
ضرب القومَ بماضٍ مِخذَمٍ / من مواضيهِ فولّوا مُدبرين
سَقطوا صَرْعَى عليهم غَبرةٌ / من قتام البغيِ تُخزِي الظالمين
أمسك الصِّدِّيقُ من معروفهِ / يُنكِرُ الغدرَ وينهَى الغادرين
وطوى عن مِسْطَحٍ نِعمتهُ / ليرى حقَّ الكرامِ المنعمين
عاله دهراً فلمّا خانه / رَاحَ يَجزيه جَزاءَ الخائنين
سُنَّةُ العدلِ قضاها مَن قَضَى / سُنّةَ الرحمةِ بين الراحمين
نزل الذكرُ بها قُدسيَّةً / فعفا النَّاقِمُ وارتاحَ الضنين
اجعلِ الخيرَ قريناً إن أبى / كلُّ غاوٍ إنّه نِعمَ القرين
جلَّ ربّي وعلا كلُّ امرئٍ / بالذي يكسبُ من أمرٍ رهين
مَن يَنَمْ عن لَهْذَمٍ أو مِخْذَمِ
مَن يَنَمْ عن لَهْذَمٍ أو مِخْذَمِ / فَابْنُ بشرٍ ساهرٌ لم يَنَمِ
يَحرسُ القُبّةَ ما فيها سِوَى / حارسُ الجيشِ وحَامي العَلَمِ
هَبَّ يدعو يَا ابْنَ بشرٍ خَلِّنِي / إنّها الخيلُ أراها ترتمي
كُلُّ لحمٍ من جُنودي ودمٍ / فهو لحمي يا ابن بشر ودمي
خَلِّني واذهَبْ إلى القومِ الأُلى / قذفونا بالرّعيلِ المُقْدِمِ
امضِ في صحبِكَ إنّي ها هنا / في حِمَى اللَّهِ الأجلِّ الأعظمِ
احرسوا الخندقَ وَارْمُوا دُونه / لا تخافوا كلَّ غاوٍ مُجرِمِ
أدرِكوا سعداً وكونوا مِثلَهُ / إن رَمَى في اللَّهِ سَهماً أو رُمِي
حَارِسُ الثّلمةِ يُلقِي حَولَها / صخرةً من عَزمِهِ لم تُثلَمِ
أدركوه واهزموها قُوَّةً / لن تنالوا النّصرَ ما لم تُهزَمِ
انصروا اللَّهَ وصُونُوا دِينَهُ / إنّ خيرَ الدّينِ دِينُ المسلمِ
هو إن طَمَّ على الأرضِ الأذى / رحمةُ الأرضِ ومَحيَا الأُمَمِ
وإذا ما أظلمتْ أرجاؤُها / فهو نورُ اللَّهِ ماحِي الظُّلَمِ
ذَهَبَ الصَّحبُ كِراماً وَرَمَوْا / بِيَدِ اللَّهِ الأعزِّ الأكرمِ
يَذهَبُ السَّهمُ سديداً راشداً / فهو مِلءُ العينِ أو ملءُ الفمِ
وهو في النَّحرِ قَضاءٌ آخِذٌ / نافذٌ في كلِّ سَدٍّ مُحكَمِ
عادتِ الخيلُ سِراعاً وبها / مِن جُنودِ اللَّهِ مِثلُ اللَّمَمِ
وتَوَلَّى الجندُ في زلزلةٍ / تَصدعُ الفيلقَ إن لم تَهدِمِ
حارَتِ الأحزابُ ماذا تنتوي / وبِمَنْ فيما دَهاها تَحتَمِي
خَذَلَتْهَا في الوغى آلهةٌ / لو هَوَى الوادِي بها لم تَعْلَمِ
تَطلبُ الغوثَ وما من سامعٍ / أيُّ غوثٍ يُرْتَجى من صَنَمِ
يا زعيمَ القومِ أيقِنْ وَاسْتَفِقْ / إنّه الحقُّ الذي لم تَزعُمِ
يا زعيمَ القومِ هل من نادمٍ / إنّما يَهلكُ مَن لم يندمِ
نَهَضَ القومُ برأيٍ مُبصِرٍ / وَدَهَتْكم عَثرةُ الرأيِ العَمي
استفيقوا وانبذوا أربابَكم / أو فذوقوا البأسَ مُرَّ المطعمِ
إنّكم مِمَّن كرهتم دِينَهم / بين نابَيْ كلِّ صِلٍّ أرقمِ
رَحمةٌ يا أبا بصيرَ وَنُعمَى
رَحمةٌ يا أبا بصيرَ وَنُعمَى / أَذِنَ اللَّهُ أن تُحَلَّ وتُحْمَى
جاءك الغوثُ فانطلقتَ حثيثاً / سِرْ طليقاً كفاكَ حَبْساً وَهَمّا
أنت أفلتَّ من حَبائِلِ قومٍ / ذُقْتَ منهم أذىً كثيراً وَظُلما
جَعَلُوا الحقَّ خَصمَهُم مِن غَبَاءٍ / وغَبِيٌّ من يجعل الحقَّ خَصما
جِئتَ دَارَ النبيِّ فادخُلْ وَسَلِّمْ / وَارْعَ حقَّ المقامِ رُوحاً وجسْما
كَم تَمنّيتَ أن ترى لك حصناً / فَتَأمَّلْ حُصونَ ربِّكَ شُمَّا
وَارْضَ حُكمَ الرسولِ إنّكَ مَرْدُو / دٌ ومَنْ مِثْلُهُ قضاءً وحُكما
ذَا خُنَيْسٌ وذا كتابُ ابنِ عَوْفٍ / فَالْزَمِ الصَّبْرَ أصبحَ الأمرُ حَتما
سألا العهدَ عِندَ أكرمِ مَسْؤُو / لٍ فأعطاهما وَفَاءً وَحِلما
انقلبْ يا أبا بَصيرَ فليسَ ال / دينُ دينُ الهُدَاةِ غَدْراً وإثما
حَسْبُكَ اللَّهُ إنّهُ لَكَ عَوْنٌ / وسيكفيكَ كلَّ خطبٍ ألمَّا
هو مولى المستضعفينَ ينجّي / همْ إذا ما طَغَى البَلاءُ وطَمَّا
عاد يُخفي لصاحِبَيْهِ مِنَ الشن / آنِ ما يَملأُ الجوانِحَ سُمَّا
وشَفَاهَا بذِي الحُلَيْفَةِ نَفْساً / أوشكَتْ أن تزولَ هَمّاً وغَمّا
نظر السيفَ في يَدَيْ أحدِ الخَصْ / مَيْنِ يُبدي من المنيّةِ وَسْما
وَهْوَ يُطْرِيهِ في غُرورٍ وَيَسْقِي / هِ نُفُوسَ الكُماةِ ظَنّاً وَزَعْما
قال بل أعطنيهِ أَنْظُرْهُ إنّي / بسجايا السُّيوفِ أكثرُ علما
ثم غشَّاهُ ضربةً عَلَّمَتْهُ / كيف يخشى الهِزبرَ مَن كان شهما
جاء يصطاده غُرواً فأردا / هُ وكان الغُرورُ شرّاً وَشُؤما
صدَّ عنه رَفيقُهُ وتولَّى / يتوقَّى قَضاءَهُ أن يَحُمّا
طار يهفو كالسّهمِ يَمضِي بعيداً / وهو أنأَى مَدَىً وأبعد مَرْمَى
طَلَبَ السّيف نفسَهُ وَهْيَ وَلْهَى / لو تذوقُ الردَى لما مَرَّ طَعْما
كذب الوهمُ ما الحياةُ سِوَى الأم / نِ وشرُّ الأمورِ ما كان وَهْما
وَقَعَ الطّائِرُ المُسِفُّ على النَّس / رِ الذي يملأُ السماواتِ عَزْما
الرسول الذي تَدينُ له الأر / ضُ وتهفو إليه حَرْباً وسِلما
قال إنّي لهالِكٌ فأَجِرْنِي / لا تَدَعْنِي لبعضِ صحبِكَ غُنْما
رُدَّ عنّي أبا بصيرٍ فحسبي / ما جناهُ عليَّ صَدْعاً وكَلْما
جَرَّعَ الحتفَ صاحبي وانبرى يط / لبُ قَتلِي لِيُتْبِعَ الجُرمَ جُرما
إنّه جاءَ راكضاً يحملُ السَّي / فَ فهب لي دَمِي لَكَ الشّكرُ جَمَّا
عَفَّ عنه وقال ما ثَمَّ شَيءٌ / يا نَبِيَّ الهُدَى أرى الأمرَ تَمّا
صَدَقَ العَهدُ وانقَضَى الردُّ فانظرْ / ما تَرَى فاقضِهِ سَداداً وَحَزْما
قال فاذْهبْ فقد بَرِئْتَ وظُلمٌ / أن يُلامَ البريءُ أو أن يُذَمّا
لك ما شِئْتَ أن تَحُلَّ من الأر / ضِ سِوَى أرضِ يثربٍ أو تَؤُمّا
فتولَّى إلى مكانِ يَزيدُ ال / كفرَ والكافِرينَ خَسْفاً وَرَغْما
كلُّ مالٍ تُقِلُّ عِيرُ قُريشٍ / بين عينيهِ ظاهرٌ ليس يُكْمَى
إنّه الأرقمُ الأصَمُّ تَداعَتْ / فارتمتْ حوله الأراقمُ صُمّا
مُؤمِنٌ حلَّ في العراءِ مَحَلّاً / جَمَعَ المؤمنينَ فيهِ وَضَمَّا
أقبلوا يَنسلون مِن كلِّ أَوبٍ / يَطلبونَ المَصَالَ قَرْمَا فقرما
لمَّ ذو العرشِ شَملهم بعد صَدْعٍ / وَخَلِيْقٌ بشَملِهِم أن يُلَمَّا
يا أبا جندلٍ عليك سلامٌ / جِئتَ بالخيلِ تَرجُمُ الأرضَ رَجْما
اغتَفِرْ ما جَنَى أبوك سُهَيْلٌ / يومَ يطغَى عليك ضَرباً ولَطْما
إنّما الصابِرونَ أوفى نَصيباً / يا أبا جَندلٍ وأَوفرُ قِسْما
أعملوا القتلَ والنِّهابَ وَرَدُّوا / كلَّ غُنمٍ أصابه القومُ غُرْما
غارةٌ بعد غارةٍ تأكلُ الما / لَ وتَطوي الرجالَ خَضْماً وَقَضْما
زُلزِلُوا من أبي بَصيرٍ بخطبٍ / بالغٍ صَدْعُهُ أبَى أن يُرَمّا
مِخذَمٌ قاطعٌ ومِسْعَرُ حربٍ / جَرَّبتْهُ البِيضُ القواطِعُ قِدْما
ضاقتِ السُّبْلُ والفجاجُ عليهم / واستحالَ الفضاءُ سَدّاً ورَدْما
عادَ رَتْقَاً كأنّه سدُّ يأجو / جَ ومأجوجَ ما ترى فيه ثَلْما
جأروا يشتكون وادَّكروا الأر / حامَ يستشفعون جُبْناً ولُؤْمَا
واستمدّوا الحنانَ من أعظمِ النّا / سِ حَناناً وأقربِ الرُّسْلِ رُحْما
قال ذُو أمرِهِم أَغِثْنا ولا تَعْ / نَفْ علينا إنّ القلوبَ لَتَعْمَى
أفْسَدَ العهدُ أمرَنَا فَعَرفْنا / هُ وماذا لنا إذا الأمرُ غُمّا
قد تركنا لك الرجالَ فأمسِكْ / كلَّ من شِئتَ مِنهُمُ أن تُذِمّا
حَسْبُنا السّلْمُ يا مُحمدُ إن تَبْ / سُطْ علينا ظلاله فَنِعِمّا
بدَّدَ الضُرَّ والأذى بكتابٍ / نَظَمَ البِرَّ والمُروءةَ نظما
لم يَدَعْهُ أبو بَصيرٍ وَرَامِي ال / موتِ يُلقي عليهِ سَهْماً فسهما
جادَ بالنّفسِ وهو في يدِهِ يَت / لُوهُ ما أعظَمَ المقامَ وأسمى
آخرُ الزادِ إن أردنا له اسماً / وأراهُ أجلُّ من أنْ يُسَمَّى
قال أَقْبِلْ وَفَرِّقِ النّاسَ وليع / فوا فحسبُ الطُّغَاةِ قَمْعاً وَوَقْما
رَجَعَ القومُ راشدينَ ومن أر / شَدُ مِمَّنْ رَمَى الضلالَ فَأَصْمَى
وأبو جندلٍ يؤمُّ رسولَ الل / هِ في رُفْقَةٍ إلى اللهِ تُنْمَى
كوكبُ الحقِّ والهدى يَتَلَقَّى / من ذويهِ الهُداةِ نَجماً فنجما
طَلَعُوا والزمانُ أسوَدُ داجٍ / فجلوا من ظلامِهِ مَا ادْلَهَمَّا
وَرَمَوْا بالشُّعاعِ مقتلَ دِينٍ / ردَّ وجهَ الحياةِ أغْبَرَ جَهْما
اعْرِفِ الحقَّ لا تَرُعْكَ الدَّعاوى / فالمروآتُ والمناقبُ ثَمَّا
أيُّ مجدٍ في الأرضِ أو أيُّ فضلٍ / لم يكونوا له أساساً وَجِذْما
إن في حِكمَةِ الرسولِ لَذِكْرَى / للبيبٍ أصابَ عَقْلاً وفهما
هَدمَ الله ما بنى العهدُ من آ / مالِ قومٍ يبغونَ للدينِ هَدْما
كم رأوا من مَشَاهِدِ الوهمِ فيه / مَشهداً رائعَ التهاويلِ فخما
لاَ يَغُرَّنَّهم من الغيثِ وَكفٌ / إنّه السيلُ مُوشِكٌ أن يَعُمَّا
هِمَّةٌ من هُدَى الرسولِ وَلُودٌ / تُورِثُ الشِّرْكَ والضَلالَةَ عُقْما
لم تزل تَضرِبُ الطواغيتَ حَتَّى / جَرَّعَتْها الرُزأَيْنِ ثُكْلاً وَيُتْما
إنّ للحقِّ بعدَ لينٍ وضعفٍ / قُوَّةً تَحسمُ الأباطيلَ حَسْما
عَقربُ السُّوءِ تَمادَى في الأذى
عَقربُ السُّوءِ تَمادَى في الأذى / والأذَى بَعضُ سجايا العقربِ
وَيْكَ عبدَ اللهِ ماذا تَبتغِي / تَعِبَ الشَّرُّ ولمَّا تتعبِ
اتَّئِبْ يا ابنَ أُبَيٍّ واجتنِبْ / خَطَلَ الرأيِ وَسُوءَ المذهبِ
أنتَ أضللتَ الأُلَى أطْمَعْتَهم / من وصاياكَ ببرقٍ خُلَّبِ
ليس فيما نَابهم من عجبٍ / خَائِبٌ طاحَ بقومٍ خُيَّبِ
قَومُكَ الأبطالُ ماذا صَنعوا / بِالحصونِ الشُّمِّ قُلْ لا تكذِبِ
أتُراها في صَياصِيها العُلَى / دَافعتْ عن ياسرٍ أو مَرحبِ
امتلِئْ يا ابنَ أُبَيٍّ غَضَباً / ليس يَرضَى الحقُّ إن لم تَغضبِ
أفما يُرضيكَ في الدُّنيا سِوَى / موقفِ الجاني ومثوى المُذنبِ
لو صدقتَ اللَّهَ في دينِ الهدى / فُزْتَ منه بالذمامِ الأقربِ
خُطَّةُ المؤمنِ يُمْنٌ مَالَهُ / دُونَها من خُطَّةٍ أو مَركبِ
لَكَ في الإسلامِ من أعدائِهِ / خُلُقُ الذئبِ وطَبعُ الثعلبِ
هكذا قَدَّرَ ربّي وقَضَى / ما الخبيثُ النَّفسِ مثلُ الطّيبِ
يا بَنِي غُنْمِ بْنِ عَوفٍ ما لكم
يا بَنِي غُنْمِ بْنِ عَوفٍ ما لكم / تَجعلونَ الدِّينَ كَيْداً وضِرارا
أغَضِبْتُم إذ بَنَى إخوتُكم / في قباءٍ مَسجِداً يهدِي الحَيَارى
فاتّخذتُمْ غَيْرَهُ تَبغونه / فِتنةً للنّاسِ جَهْلاً وَاغْتِرارا
وَجَمعتم فيهِ من أشياعِكم / كُلَّ غاوٍ يجعلْ السُّوآى شِعَارَا
مُفْتَرٍ يَهْذِي بقولِ الزُّورِ في / سَيِّدِ الرُّسْلِ ويُؤذيه جِهارا
يا بنِي غُنمِ بنِ عَوْفٍ إنّها / شِيَمُ الحَمْقَى وأخلاقُ السُّكَارى
استفِيقُوا إنّه قد جاءكم / من جُنودِ اللهِ أقوامٌ غَيارى
قال مَولاهم هَلُمُّوا فاهْدِمُوا / مَسجدَ السُّوءِ جِدَاراً فَجِدارا
وَابْعَثُوا النّارَ عليهِ جَهرةً / إنّما المؤمنُ مَنْ يُصْليهِ نارا
صَدَعُوا بالأمرِ وازْدَادَ الأُلَى / طَاوَعُوا الفاسِقَ ذُلّاً وصَغَارا
زَيَّنَ الفاحِشةَ الكُبْرَى لهم / فَأَتَوْها لا يخافونَ البَوَارا
وَيْحَ ذِي القَصَّةِ ماذا يَشْهَدُ
وَيْحَ ذِي القَصَّةِ ماذا يَشْهَدُ / وَيْحَهُ من وَقْعَةٍ لا تُحمدُ
يا بني ثَعْلَبَةٍ ما خَطبُكم / أكذا تُقْرَى اللّيوثُ الهُجَّدُ
إنّه الجبنُ وأخلاقُ الأُلى / يَحسبونَ الخَتْلَ حَرباً تُوقَدُ
فقدُوا البأسَ فدبُّوا خِفيةً / وَانْتَضَوها أنفُساً لا تُفْقَدُ
يا جريحَ الحقِّ هل مِتَّ وهَلْ / قُضِيَ الأمرُ وحُمَّ الموعِدُ
فَرِحَ القومُ فقالوا مَغنماً / ساقَهُ الجَدُّ ورأيٌ مُحصَدُ
جَرَّدوا الفارسَ من أثوابه / ليتَ شِعري أيَّ سَيْفٍ جَرَّدوا
عَرفَ السَّيْفَ فتىً من قومِهِ / ضَجَّ يسترجعُ ممّا يَشْهَدُ
أيّها المَيْتُ تَحرَّكْ لا تَخَفْ / حَضر الفادِي وجَاءَ المُنجدُ
بُورِكَ الحاملُ ما أحسنَها / من يدٍ مَعروفُها لا يُجْحَدُ
يا رسولَ اللّهِ بُشْرَى إنّها / نِعمةٌ تُزجَى وخيرٌ يُوفَدُ
وبَريدٌ من بَني ثعلبةٍ / وَعَوالٍ بالغوالي يُبْرَدُ
جَعلوا للسيفِ فيهم حُكمَهُ / فله من هَامِهِم ما يَحْصُدُ
لَيْتَهُمْ كانوا رِجالاً فأبَوْا / إذ دَنا موعدُهم أن يَبْعدوا
ذهب الحشدُ فلم يَنْظُرْ سِوَى / نَعَمٍ تُزجَى وشَاءٍ تُحشَدُ
سَاقَها ما جُعِلَتْ من هَمِّهِ / هَمُّهُ تِلكَ النُّفُوسُ الشُّرَّدُ
اللّواتي تَبعثُ الشرَّ فإن / عَصَفَ الشَرُّ تولَّتْ تركُدُ
بِئسما تُورِدُها أهواؤُها / مِن حياضٍ مُرّةٍ ما تُورَدُ
فِتنةُ الشِّركِ وما من فتنةٍ / مثلُها بين البرايا توجَدُ
ليس غير اللهِ في سُلطانِهِ / من إلهٍ يُتَّقَى أو يُعْبَدُ
مَالِكُ الملكِ تَعالى ما لَهُ / في عُلاهُ مِن شريكٍ يُعْهَدُ
يا بني سَعْدِ بنِ بكرٍ مرحبا
يا بني سَعْدِ بنِ بكرٍ مرحبا / بادروا القومَ فُرادَى وثُبَى
غَشِيَتْكُم من يَهودٍ فِتنةٌ / كالحَبِيِّ الجَوْنِ يُرخِي الهيدبا
إنّ في خَيبَر من سُمْرِ القنا / عَدَدَ التمرِ ومن بيضِ الظُّبَى
هِيَ للأبطالِ أزكى مطعماً / يا بني سعدٍ وأشهى مَشربا
هل ترون اليومَ إلا مِقنباً / من حُماةِ الحقِّ يتلو مِقنبا
إنّه يومُ عليٍّ فَاصْبِروا / أو فَحيدوا عنه يوماً أشهبا
يا بني سعدِ بن بكرٍ إنّه / مارِجُ الهيجاءِ يُزجِي اللَّهبا
احذروها وارْحموا أنفسَكم / لا تكونوا في لَظاها حَطَبا
دَلَّهُ منكم عليكم رَجُلٌ / خَشِيَ القتلَ وخافَ العَطَبا
عَينُكم صيَّرها عيناً لكم / فَاعْجَبوا للأمر كيف انْقلبا
زحَفَ الجيشُ فَذُبْتُم فَرَقاً / وَارْتَمَى البأسُ فَطِرْتُم هَرَبا
ليس غير النّهبِ ما يمنعه / منكم اليومَ امرؤٌ أن يُنهبَا
نكبةُ التَّمرِ فلولا شؤمُه / لم يَذُقْ آلامَهَا من نُكِبا
أفما جَرّبتُمُ القومَ الأُلى / خُلِقُوا للشّرِّ فيمن جَرَّبا
هم وباءُ الأرضِ أو طاعونُها / شرعوا السُّحْتَ ودانوا بالربا
غَضِبَ اللّهُ عليهم فَرَضُوْا / رَبِّ زِدْهُم كلَّ يومٍ غَضَبَا
هالكٌ من ظنّ ممّن يَعتدِي / ويُعادِي اللّهَ أن لن يُغلبَا
وأضلُّ النّاسِ في دنياهُ مَنْ / وَضَح الحقُّ فولَّى وأَبَى
يَا ابنَ عَوْفٍ سِرْ حثيثاً باللِّواءْ
يَا ابنَ عَوْفٍ سِرْ حثيثاً باللِّواءْ / وَاقْدِمِ الجيشَ بعزْمٍ وَمَضاءْ
سِرْ حثيثاً يا ابنَ عوفٍ إنّها / دُومَةُ الجندلِ والقومُ البِطاءْ
سُبقوا للحقِّ ما يأخذُهُم / ذلك النّورُ ولا هذا الرُّواءْ
وَيحَهمُ ماذا عليهم لو رَضُوْا / شِرْعَةَ اللهِ ودينَ الحُنَفَاءْ
اتَّقِ اللّهَ ولا تَبْغِ الأَذَى / وَاتَّبِعْ ما قال خيرُ الرُّحَمَاءْ
إنّ للحربِ لديه أدباً / يَزَعُ السَّيْفَ ويَحمي الضُّعَفَاءْ
مَنْ يَدَعْهُ لا يَنَلْ مَجداً وإن / فَتَحَ الأرضَ وأقطَارَ السَّماءْ
أَعرضَ القومُ وقالوا دِينُنا / يا ابنَ عوفٍ دِينُنا لا ما تَشاءْ
ليس غير السيفِ يقضي بيننا / وَهْوَ أَوْلَى يا ابنَ عوفِ بالقَضَاءْ
وَرَأى سَيّدُهم ما هَالَهُ / من أمورٍ لا يراها الجُهَلاءْ
إنّهُ الأصبغُ لا يَخدعُهُ / باطلُ الوَهْمِ ومكْروهُ الهُراءْ
قَالَ أَسلمتُ فيا قوم اشْهَدُوا / وَاهْتدُوا فاللهُ حَقٌّ لا مَرَاءْ
شَرَعَ الدِّينَ الذي وَصَّى بهِ / عُمدَةَ الرُّسْلِ وشيخَ الأنبياءْ
هُوَ دِينُ اللهِ حَقّاً ما بِهِ / إن رَضِينَا أو أَبَيْنَا من خَفَاءْ
أَسْلَمَتْ من قومِهِ طائفةٌ / وَأَبَتْ طائفةٌ كُلَّ الإباءِ
ما على ذي هِمَّةٍ من حَرَجٍ / إن تَرَاخَى الجِدُّ أو زَاغَ الرّجاءْ
كلُّ أمرٍ فَلَهُ مِيقاتُه / طابتِ الأنفسُ أم طالَ العَناءْ
يا ابنةَ الأصبغِ هذا ما قَضَى / ربُّكِ الأعلى فَفُوزِي بالرَّفَاءْ
مِلَّةٌ فُضْلَى وبَعلٌ صالحٌ / حَبَّذَا القَسمُ وما أسنَى العَطَاءْ
إنّه أمرُ النبيِّ المُجتَبَى / معدنِ التّقوى وَمَوْلَى الأتقياءْ
يا ابنَ عوفٍ لو رأى الغيبَ امرؤٌ / لَرَأتْ عيناكَ ما تَحتَ الغِطَاءْ
لَكَ من زَوْجِكَ كَنزٌ جَلَلٌ / مِن كُنوزِ اللَّهِ أغنى الأغنياءْ
يُستمَدُّ العِلمُ مِنهُ والهُدَى / ويُقامُ الدِّينُ قُدْسِيَّ البِناءْ
نعمةٌ للَّهِ ما أعظَمَها / فله الحمدُ جَميعاً والثَّناءْ
جَرِّدِ السّيفَ أبا بكرٍ فما
جَرِّدِ السّيفَ أبا بكرٍ فما / طُبِعَ السَّيفُ لِيبقَى مُغمدا
تلكَ نجدٌ خَيَّمَ الكُفُر بها / فَاسْتَعِنْ بالله واذْهَبْ مُنجِدَا
جاهِدِ القومَ وزَلزِلْ دِينَهُمْ / أينَ دِينُ الكُفرِ من دينِ الهُدَى
سِرتَ في بأسٍ بعيدِ المُرتمى / ماله في اللَّهِ حدٌّ أو مَدَى
إنها الحربُ فَسِرْ لا تَتَّئِد / وَدَع السَّيفَ وأعناقَ العِدَى
فَارْمِ بِابْنِ الأكوعِ القَوْمَ فما / خُلِقَ المِخلبُ لِلّيثِ سُدَى
هَدَّهم أسْراً وسَبْياً وسَقَى / مَن سقى مِنهُم أفاويقَ الرَّدى
جالَ فيهم جولةً عاصفةً / فَهَوَوْا صَرْعَى وأمْسَوْا هُمَّدا
صَدفوا عن ربِّهم سُبحانَهُ / وأبَوْا أن يُتَّقَى أو يُعبدا
فجزاهم من نَكالٍ ما لَقَوْا / وَيْ كأنَّ الله يَجزِي المُفسِدا
يا أبا بكرٍ وأنتَ المُرتَجى / أعْطِهِ المرأةَ يَشكُرْها يَدا
إن تكن سَيِّدةً في قومِها / فكفاها أن أصابتْ سيِّدا
عاد منصوراً وسارت معه / فَرقداً يَتبعُ منه فَرقدا
نَظَر اللَّهُ إليها فَبَدا / لرسولِ اللَّهِ فيها ما بدا
قال هَبْها لي فلم يَبخلْ بها / ومضى من أمرِها ما سَدَّدا
هَبطتْ مَكَّةَ في حاجتِهِ / فَهْيَ للصّحبِ من الأسرِ فِدَى
سَرَّهُ أن أطلقَ الشركُ بها / من نفوسٍ حُرّةٍ ما قَيَّدا
اذهبي ما أنتِ من شانِ الأُلَى / أوردوا قومَكِ ذَاكَ الموَرِدا
كذبَ الجُهّالُ فيما زَعموا / ما المباتيرُ المواضِي كالمُدَى
اسأَلِي يا نَجدُ أهلَ المَيْفَعهْ
اسأَلِي يا نَجدُ أهلَ المَيْفَعهْ / كيف أمسَوا بعد أمنٍ وَدَعَهْ
وانْظرِي ما صَنَعَ الكُفرُ بهم / من أذىً يُعجبه أن يصنَعَهْ
هو صِنْوُ الشّرِّ أو تَوأمُهُ / ما ثَوى في موطنٍ إلا مَعَهْ
ما الذي يعصمُهم من غَالبٍ / جُذوَةِ الحربِ وليثِ المَعْمَعَهْ
جاءهم يقدمُ من أبطالهِ / كلَّ ماضٍ لا يُبالي مَصْرَعَهْ
يَمنعُ الإسلامَ من أعدائِهِ / بدمٍ يأبَى له أن يَمنعَهْ
لو تمشّى الموتُ في بُرْدَتِهِ / حينَ يمشِي للوغَى ما رَوَّعَهْ
أخذوهم أخْذَةً رابيَةً / صَادفْت منهم نُفوساً فَزِعَهْ
ثم آبوا كالنُّجومِ الزُّهرِ في / نِعمةٍ ممّا أصابوا وَسَعَهْ
يا ابنَ زيدٍ قَدِّم العُذَر وقُلْ / يا رسولَ اللَّهِ هل مِن تَبِعَهْ
رَجلٌ أجْمَعَ أن يخدعني / فجعلتُ السَّيفَ يَعلو أخْدَعَهْ
أعلنَ الإسلامَ يَحْمِي دَمَهُ / وله بالكُفرِ نَفْسٌ مُولَعَهْ
قال هل شَقَّ الفتى عن قلبهِ / فَيرى السِّرَّ ويَدْرِي مَوضِعَهْ
يا ابنَ زيدٍ يا له من خُلُقٍ / لستَ بالمؤمنِ حتَّى تَدَعَهْ
ساءَهُ اللّومُ فقلبٌ آسفٌ / يَتَّقِي اللَّهَ ونفسٌ مُوجَعَهْ
تابَ ممّا سَوَّلَ الظنُّ له / وأباها سُنّةً مُبتَدَعَهْ
ليس للمرءِ من الأمرِ سِوَى / ما رآهُ ظاهراً أو سَمِعَهْ
وخفَايا الغيبِ للهِ الذي / يَعلمُ السّرَّ ويَدرِي مَوقِعَهْ
احترسْ ما الظنُّ إلا شُبهةٌ / تتَّقِيها كلُّ نَفْسٍ وَرِعَهْ
وَاتْبَعِ الحقَّ فهذا حُكمُهُ / جاء في القُرآنِ كيما تَتبَعَهْ
ما سبيلُ المرءِ يَرتادُ الهُدَى / كسبيلِ المرْء يَبْغِي المنفعهْ
ما نَأَى المؤمنُ عن عاداتِهِ / حين ينأى عن هَوانٍ وَضِعَهْ
داءُ أَهلِ الشَرقِ ضَعفُ الهِمَمِ
داءُ أَهلِ الشَرقِ ضَعفُ الهِمَمِ / وَبِهَذا كانَ مَوتُ الأُمَمِ
يا بَني الشَرقِ وَلا شَرقَ لَكُم / بِسِوى الجِدِّ وَرَعيِ الذِمَمِ
ما لَكُم لا تَنجَلي غُمَّتُكُم / أَتُحِبّونَ اِشتِدادَ الغُمَمِ
فَرِّجوها وَاِكشِفوا ظُلمَتَها / بِقُوىً كَشّافَةٍ لِلظُلَمِ
خُنتُمُ العَهدَ فَبِتُّم نُوَّماً / ضَلَّ سَعيُ الخائِنينَ النُوَّمِ
يا بَني الشَرقِ أَفيقوا إِنَّما / خَدَعَتكُم كاذِباتُ الحُلُمِ
إِنَّ مِن شَرِّ البَلايا نَومَكُم / عَن عَدُوٍّ ساهِرٍ لَم يَنَمِ
يَقِظِ العَينَينِ وَالرَأَي مَعاً / وَهوَ ماضٍ كَالحُسامِ المِخذَمِ
لا تَظُنّوا المَجدَ شَيئاً هَيِّناً / إِنَّهُ في لَهَواتِ الضَيغَمِ
هَكَذا نَحنُ وَهَذي حالُنا / لَيسَ فينا غَيرُ نِكسٍ مُحجِمِ
واهِنِ العَزمِ ضَعيفٍ قَلبُهُ / غَيرِ ثَبتِ الجَأشِ في المُزدَحَمِ
يا بَني الشَرقِ لِمَجدٍ ضائِعٍ / مَن بَكى ضَيعَتَهُ لَم يُلَمِ
كانَ بِالأَمسِ مَنيعاً صَرحُهُ / يَتَسامى فَوقَ هامِ الأَنجُمِ
أَصبَحَ اليَومَ كَرَبعٍ دارِسٍ / طامِسٍ عَفَّتهُ أَيدي القِدَمِ
قَد شَجاني وَشَجاهُ أنَّهُ / بسوى أيديكمُ لم يُهدَمِ
جدَّدوهُ وَاِمنعوا حَوزَتَهُ / وَاِدفَعوا عَنهُ يَدَ المُهتَضِمِ
وَاِرفَعوا بُنيانَهُ حَتّى يُرى / كَالَّذي كانَ أَشَمَّ القِمَمِ
إِنَّني أَخشى وبالشرق صدىً / أن يروَّى من بنيهِ بالدمِ
وأرى موت الفَتى خَيراً لَهُ / مِن حَياةٍ بَينَ نابَي أَرقَمِ
أَصبَحَ الشَرقُ كَبيراً هَرِماً / لَهفَ نَفسي لِلكَبيرِ الهَرِمِ
أَكرِموهُ يا بَنيهِ إِنَّهُ / لَيسَ يَرضى الشَيخُ إِن لَم يُكرَمِ
ازجُروا أَنفُسَكُم عَن غَيِّها / إِنَّ عُقبى الغَيِّ طولُ النَدَمِ
رَبِّ أَحبِبني وَأَحبِب أُسرَتي
رَبِّ أَحبِبني وَأَحبِب أُسرَتي / وَاِعفُ عَن قَومي وَبارِك وَطَني
رَبِّ هَذِّبني وَطَهِّر سائِري / مِن قَذىً يَعلَقُ بي أَو دَرَنِ
وَاِصرِفِ المَكروهَ عَنّي وَالأَذى / وَاِكفِني اللَّهُمَّ شَرَّ الفِتَنِ
رَبِّ داوِ النَفسَ مِن أَدوائِها / قَبلَ أَن تُودي وَيُودي بَدَني
كانَ ما كانَ وَلَولا ما مَضى / مِنكَ في تَكوينِهِ لَم يَكُنِ
بِكَ أَستَهدي فَسَدِّدني إِلى / أَرشَدِ السُبلِ وَأَهدى السَنَنِ
رَبِّ وَفِّقني وَكُن عَوني عَلى / شُكرِ ما أَولَيتَني مِن مِنَنِ
أَطهَرُ الأَقلامِ مِن آثارِها / حينَ أُحصيها وَأَزكى الأَلسُنِ
رَبِّ أَمِّني فَإِنّي عائِذٌ / بِرَجاءِ الخائِفِ المُستَأمِنِ
ما لِنَفسي فيكَ ما تَملِكُهُ / غَيرَ ما تَملِكُ نَفسُ المُؤمِنِ
ثِقَةٌ ما خالَطَتها ريبَةٌ / وَيَقينٌ ما بِهِ مِن وَهَنِ
رَبِّ هَذا سَبَبي أُدلي بِهِ / رَبِّ فَاِمدُد سَبَبي لا تُخزِني
هَب لِقَومي مِنكَ جَدّاً عالِياً / يَتَذَرّى عالِياتِ القُنَنِ
جَثَمَ الضَيمُ بِهِم في حُفرَةٍ / جَثَمَت فيها عَوادي الزَمَنِ
كُلَّما قُلتُ أَما مِن نَهضَةٍ / نَهَضَت فيهِم فَهاجَت حَزَني
رُبَّ لَيلٍ بِتُّهُ من أَجلِهِم / يَتَحاماني مَطيفُ الوَسَنِ
ضارِباً في غَمرَةٍ ما تَنجَلي / مِن هُمومٍ كَالخِضَمِّ الأَرعَنِ
طامِياتٍ يَتَرامى مَوجُها / بِالأَماني حائِراتِ السُفُنِ
لَستُ أَدري أَهمو في مَوطِنٍ / يَجمَعُ الأَحياءَ أَم في مَدفَنِ
وَيحَ قَومي غَرَّهُم إِذ هَلَكوا / رَونَقُ القَبرِ وَحُسنُ الكَفَنِ
سَكَنَت نَفسي إِلى اليَأسِ وَبي / مِن هُمومي عاصِفٌ لَم يَسكُنِ
عَزَّتِ الشورى عَلَيهِم فَاِشتَروا / ما اِشتَروا مِنها بِأَغلى ثَمَنِ
ثُمَّ ناموا نَومَةَ الدَهرِ وَما / غَفَلَت عَنهُم عُيونُ المِحَنِ
يا أُساةَ الشَعبِ إِن أَعتِب فَقَد / شَفَّني من دائكم ما شفَّني
عالَجوا مَرضى قُلوبٍ عَمِيَت / وَتَمَشّى داؤُها في الأَعيُنِ
عالَجوا الداءَ وَلَمّا يُعيكُم / وَاِكشِفوا الكَربَ وَلَمّا يُردِني
هُم أَضاعوا حَوزَةَ المُلكِ وَهُم / أَوطَأوهُ أَخمَصَ المُمتَهِنِ
خَذَلوهُ رَوَّعوهُ هَدَموا / مِنهُ ما اِستَنفَدَ جُهدَ المُبتَني
يا بَني النيلِ تَقَضّى صَومُكُم
يا بَني النيلِ تَقَضّى صَومُكُم / فَاِبتَغوا بِالبِرِّ عُقبى الأَتقِياء
وَزَكاةُ الفِطرِ هَذا يَومُها / فَاِجعَلوها لِيَتامى الشُهَداء
غيظَتِ الأَنواءُ مِمّا اِنهَمَرَت / في يَدِ المُختارِ أَيدي الكُرَماء
طافَ يَدعو كُلَّ سَمحٍ مُفَضلٍ / سائِغِ المَعروفِ مَعسولِ العَطاء
صادِقِ الإيمانِ يَخشى رَبَّهُ / وَيَرى رِضوانَهُ خَيرَ الجَزاء
يا رَسَولَ اللَهِ يَمشي حَولَهُ / مَلَأُ الرُسلِ وَوَفدُ الأَنبِياء
لَكَ مِن مِصرَ وَإِن غيظَ العِدى / ما أَقَلَّت مِن نُفوسٍ وَثَراء
يا بَريدَ الدَهرِ يَمشي خِفيَةً
يا بَريدَ الدَهرِ يَمشي خِفيَةً / في ضَميرِ الغَيبِ ماذا تَحمِلُ
طابِعُ الخَيرِ وَإِن أَخفَيتَهُ / ظاهِرٌ يَعرِفُهُ مَن يَعقِلُ
كَشَفَ العُنوانُ عَمّا تَحتَهُ / مِن أُمورٍ ما أَراها تُجهَلُ
فارَقَ الدُنيا زَمانٌ ظالِمٌ / وَتَوَلّاها الزَمانُ الأَعدَلُ
بَشِّرِالناسَ بِعَهدٍ صالِحٍ / يَحسُدُ الآخَرَ فيهِ الأَوَّلُ
ذَلِكَ البَعثُ لِقَومٍ فاتَهُم / مِن حَياةٍ غَضَّةٍ ما أَمَلّوا
رَوَّعَ الغَبراءَ قَومٌ أَكلوا / مِن بَني حَوّاءَ ما لا يُؤكَلُ
لَيسَ يَعنيهِم إِذا ما مَلَكوا / أُمَّةٌ تُمحى وَشَعبٌ يُقتَلُ
وَجَدوا الناسَ ضِعافاً حَولَهُم / فَتَمادوا في الأَذى وَاِستَرسَلوا
وَرَموا مِصرَ بِخَطبٍ فادِحٍ / ما أَصابَ القَومَ حَتّى زُلزِلوا
عَكَسوا الأَشياءَ حَتّى جُعِلَت / تَسفُلُ الهامُ وَتَعلو الأَرجُلُ
ما يَفي بِالعَهدِ مِنّا ناصِرٌ / لِبَني عُثمانَ إِلّا يُخذَلُ
يَهلِكُ الحُرُّ وَيَحيا غَيرُهُ / وَحَياةُ السوءِ مَوتٌ جَلَلُ
إِنَّما السؤدُدُ في الدُنيا لِمَن / لا يَرى السؤدُدَ دُنيا تُقبِلُ
وَأَرى العُقبى لِحُرِّ فاضَلٍ / باذِلٍ لِلنَفسِ فيما يَبذُلُ
يَرقُبُ الأَبناءَ فيما يَبتَغي / وَيَخافُ اللَهُ فيما يَفعَلُ
أَبصَرَ الهُدَّامَ جَمّاً فَبَنى / ذَلِكَ المَجدُ الأَشَمُّ الأَطوَلُ
أَصبَحَ القَومُ حَديثاً وَاِنطَوى / مِن رِواياتِ الأَذى ما مَثَّلوا
ضَجَّتِ الأَرضُ تُحيِّي أُمَماً / صَرَعَ الظُلمَ بَنوها البُسَّلُ
حينَ هَزّوا ما رَسا مِن مُلكِهِم / فَهَوى الأَعلى وَطارَ الأَسفَلُ
اتَّقِ اللَهَ وَعَظِّم حَقَّهُ / وَتَأَمَّل كَيفَ تَفنى الدُوَلُ
طافَ بِالقَومِ يُحَيّي المُؤمِنينْ
طافَ بِالقَومِ يُحَيّي المُؤمِنينْ / وَيُنادي كُلَّ ذي عَقلٍ وَدينْ
مُؤمِنٌ ما زَلزَلَتهُ بِدعَةٌ / مِن أَباطيلِ الدُعاةِ المُشرِكينْ
قَهَرَ الطاغوتَ في عُبّادِهِ / وَقَضى المَوتَ عَلَيهِم أَجمَعينْ
جَعَلوا الدينَ لِأَربابِ الهَوى / إِنَّما الدينُ لِرَبِّ العالَمينْ
ذَهَبَ العِلجُ وَوَلّى عَهدُهُ / وَاِنطَوَت آثارُهُ في الغابِرينْ
فَتَنَ القَومَ فَخَرّوا سُجَّداً / لِإِلَهٍ قامَ مِن ماءٍ وَطينْ
شَرُّ مَعبودٍ تَرَدّى حَولَهُ / مِن بَني فِرعَونَ شَرُّ العابِدينْ
مَلَكَ الأَمرَ فَجاءوا خُشَّعاً / وَرَأى الرَأيَ فَراحوا مُذعِنينْ
أَنذِرِ الأَقوامَ لَو تُغني النُذُرْ
أَنذِرِ الأَقوامَ لَو تُغني النُذُرْ / وَاِبعَثِ النُوَّامَ مِن خَلفِ السُتُرْ
انفِروا ما بَينَ شَتّى وَزُمَرْ / إِنَّما يَحمي حِماهُ مَن نَفَرْ
أَنقِذوا الأَوطانَ مِن غَمرَتِها / وَاِكشِفوها غُمَّةً ما تَنحَسِرْ
أَرَضيتُم أَن تَكونوا أُمَّةً / تَندُبُ اِستِقلالَها طولَ العُصُرْ
ذُخرُها الأَوفى إِذا ما فَزِعَت / لَوعَةٌ حَرّى وَدَمعٌ مُنهَمِرْ
يَومُنا المَشهودُ لا يَومَ لَنا / إِن أَضَعناهُ فَوَلّى وَغَبَرْ
ما حَياةُ المَرءِ إِلّا سَاعَةٌ / ثُمَّ لا شَيءَ وَإِن طالَ العُمُرْ