القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مَعرُوف الرُّصافِيّ الكل
المجموع : 4
جئت إلى الدير ضحا يوم الأحد
جئت إلى الدير ضحا يوم الأحد / أقصِد منها حلباً فيمن قصد
فاعترضتني شُرطة ذات رَصَد / تطلب تصديق جوازي في الصدد
فعاقني ذاك اليوم لغَد / كأنني والغيظ في قلبي اتَقد
سفينة أسكنها ماءٌ جَمَد / حتى لقد يئست من فتح السُدَد
وقلت من يأسي وقد قلّ الجَلد / كأنَ من يمُرّ من هذا البلد
يمر زحفاً بين أشداق الأسد / لولا كرام أدركوني بالمَدَد
لكنت أبقى زمناً من غير حد / يا صاحب الشرطة ما هذا اللدد
لم أدر جدٌّ فعلكم أم هودَد / فإن أجنادك جاءوا بالفَنَد
إذ فيّ عاثُوا عَيث ذئب في نَقَد / تعاوَرتني منهم يدٌ فيد
أقاد كالقاتل قِيد للقَوَد / حتى ثيابي فتَشوها والجسد
كأنني سارق مال مُفتَقَد / ما أنا ممَن جرّ جرماً فشَرد
ولست ممن سِيم حقاً فجحد / كلاّ ولست جانياً على أحد
لكنما الأمر لديهم قد فسد / والحُكم قد جار عليهم واستبد
فالقوم أما حظّهم فقد رقد / عنهم وأما سعدهم فقد خَمَد
منهم وأما نحسهم فقد وَقَد / وقد أضاعوا مجدهم إلى الأبد
عهد الصبا سقياً لأيام الصبا
عهد الصبا سقياً لأيام الصبا / أشبه شئ بأزاهير الربا
إن الصبا كالورد في نضرته / وعمره واللون منه والشذا
واهاً على شرخ الشباب المشتهى / خلّف ذاكره بقلبي ومضى
لقد ذوى غصن حياتي بعده / وكان ريّان التصابي والمنى
أطيب عيش المرء في شبابه / فإن تولّى فهو عيش مزدرى
أن حياة المرء ما عاش ترى / أحوالها مختلفات في الرؤى
كالنهر الجاري الذي تغيّرت / أوضاعه في الأرض كلما جرى
فهو لدى المنبع ضحضاح وفي / مصّبه تلقاه بحراً قد طما
بيناه يجري في الثرى منعطفاً / إذا بواديه تمطّى واستوى
طوراً كأسياف الوغى منحنياً / في الأرض ينساب وطوراً كالقنا
وربما عادت مجاريه به / راجعةً من حيث جاء القهقرى
وربما صادف غوطاً فانهوى / فيه وقد خرّ خريراً ورغا
والماء فيه قد يرى منبسطاً / وتارةً منزوياً فوق الثرى
وتارة تلقاه في مشجرة / يجري واخرى بين اصلاد الصفا
حتى إذا أبحر مجراه به / كان إلى الد أماء منه المنتهى
وهكذا أنهار أعمار الورى / تجري فتنصبّ إلى بحر الردى
وإنما العمر شباب فإذا / زال فحزن وشقاء وضنى
ما كان أحلى العيش لو أن الفتى / لم يجد الشيب إليه مختطى
ليت الفتى كالبدر في النشأة إذ / عاد هلالاً كل شهر فنما
أوليته كالشجر النابت إذ / يورق في الصيف ويعرى في الشتا
أوليت هذا الشيب أن كان ولا / بدَّ من الشيب أتى قبل الصبا
شبيبة الإنسان مرآة المنى / بدائع الآمال فيها تجتلى
والمرء فيها أن تمرأى راجياً / أبدت له مبتسماً ثغر الرجا
ويح شباب فتك الشيب به / إذ لاح كالسيف عليه منتضى
بردان هذا من وقار ونهى / حيك وهذا من تصابٍ وهوى
لكن وقار الشيب لا يعدل ما / في طيّه من لوثة ومن ونى
يا مسلياً ذا الشيب عن شبابه / بأن وخط الشيب أزهار النهى
أقصر هذا ذيك عن القول فلا / يقاس ذيّاك تاللّه بذا
وما الصبا بمانعٍ من الحجا / بل هو في الشيخ يكون والفتى
وليس من أصبح يمشي الخيزلى / في معرض السبق كما شي الهيذبي
وما إياة الشمس في تطفيلها / مثل إياة الشمس في رأد الضحا
وهل يطيب العيش للهمّ الذي / أن همّ بالنهضة خانته القوى
يبيت طول الليل في مضجعه / مستأنس السلعة وحشيّ الكرى
وإن ظهر الأرض يستثقل مَن / قام يدبّ فوقها على العصا
أن بليلاً من نسيم السحر
أن بليلاً من نسيم السحر / لمّا جرى في المربع المخمل
أخبر ريّاه أصحّ الخبر / عمّا جرى في الروض للبلبل
إذ هو مذ ألقى به ناظره / من بعد ما ثغر الصباح ابتسم
صادف فيه وردة زاهرة / والطلّ كاللؤلؤ فيها انتظم
مضمومة أوراقها الناضرة / مثل فم يطلب تقبيل فم
فظلّ يرنو مستديم النظر / رنوّ ظمآنٍ إلى منهل
وهي غدت ممّا بها من خفر / محمرّةً من نظر مخجل
ثم تمادى غرداً صادحا / يعلن للوردة أشواقه
ينطق بالحب لها بائحا / وهي التي تفعل أنطاقه
وتنشر الطيب له نافحا / كأنها تقصد انشاقه
حتى غدا البلبل منذ الصغر / في حبّها منطلق المقول
ينشد فيها شعره المبتكر / ولا يني فيه ولا يأتلي
أما ترى الأزهار كيف اغتدت / فراشة الروض عليها تطير
لها جناح هي منه ارتدت / ملاءةً مَوشيّةً من حرير
فهي إلى الروضة مذ ورّدت / أرسلها البلبل نحو الأمير
تحمل للورد أمير الزهر / رسائل الشوق من البلبل
فشاع في الأزهار هذا الخبر / واستَوجب العطف على المرسل
حتى إذا الورد مضى والنقضى / وعادت الروضة كالبلقعه
مسّت حشا البلبل نار الغضا / من حرقة البين الذي أوجعه
لا تسأل البلبل عمّا مضى / في زمن الورد له من دعه
ولكن اسأل في السماء القمر / عن خبر الورد مع البلبل
إذ كان يصغي منهما للسمر / وهو مطلٌّ ناظر من عل
فراشة الروضة ظلّت لذا / تحوم والأزهار من تحتها
تقبّل الزهرة ذات الشذا / طائرة منها إلى أختها
وتسأل الأزهار عمّا إذا / مرّ فقيد الورد من سمتها
لتخبر البلبل بعض الخبر / لعلّه غمتّه تنجلي
فإنه بات حليف السهر / مذ نزح الورد عن المنزل
للبرق أسلاك تؤدّي الأخبار
للبرق أسلاك تؤدّي الأخبار / دقيقة مثل دقاق الأوتار
فوق الثرى مدّت وتحت الأبحار / في عمد قد ركزت كالأشجار
ما بين كلٍ عشرات الأمتار / تحسبها في القفر جنّ البقّار
شاخصةً أشباحها للأنظار / ممتدّةً نحو جميع الأقطار
للكهربائية فيها تيّار / تنقل في آن كلمح الأبصار
جوائب الأنباء نحو الأمصار / للّه من سلك دقيق قد صار
في الأرض مجرىً لجليل الأخبار / والكهربائيّة شيء قد حار
في كنهه أهل النهى والأفكار / أسفر منها الوجه بعض الأسفار
ولم يزل محتجباً بالأستار / في طيّها نور مفادٌ من نار
وكم لها بين الورى من آثار / تطوي المسافات بهم في الأسفار
وتنقل الأخبار ذات الأخطار / ثمّ تضيء ليلهم بالأنوار
فتجعل الآصال مثل الأبكار / مشرقةً مبهجة للأنظار
وقد تداوي كل داءٍ ضّرار / فالسقم تشفيه بغير عقّار
والجرح تأسوه بغير مسبار / وهي لعمري ذات لَفحٍ سيّار
لها نفوذ في جميع الأقطار / في الحيوان والثرى والأشجار
وفي رياح الجوّ ذات الأعصار / وفي بحار الأرض ذات التيّار
وقد سرت في كل غيم مدرار / بها تسحّ هاطلات الأمطار
فهي بهذا الكون سرّ الأسرار /

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025