المجموع : 4
جئت إلى الدير ضحا يوم الأحد
جئت إلى الدير ضحا يوم الأحد / أقصِد منها حلباً فيمن قصد
فاعترضتني شُرطة ذات رَصَد / تطلب تصديق جوازي في الصدد
فعاقني ذاك اليوم لغَد / كأنني والغيظ في قلبي اتَقد
سفينة أسكنها ماءٌ جَمَد / حتى لقد يئست من فتح السُدَد
وقلت من يأسي وقد قلّ الجَلد / كأنَ من يمُرّ من هذا البلد
يمر زحفاً بين أشداق الأسد / لولا كرام أدركوني بالمَدَد
لكنت أبقى زمناً من غير حد / يا صاحب الشرطة ما هذا اللدد
لم أدر جدٌّ فعلكم أم هودَد / فإن أجنادك جاءوا بالفَنَد
إذ فيّ عاثُوا عَيث ذئب في نَقَد / تعاوَرتني منهم يدٌ فيد
أقاد كالقاتل قِيد للقَوَد / حتى ثيابي فتَشوها والجسد
كأنني سارق مال مُفتَقَد / ما أنا ممَن جرّ جرماً فشَرد
ولست ممن سِيم حقاً فجحد / كلاّ ولست جانياً على أحد
لكنما الأمر لديهم قد فسد / والحُكم قد جار عليهم واستبد
فالقوم أما حظّهم فقد رقد / عنهم وأما سعدهم فقد خَمَد
منهم وأما نحسهم فقد وَقَد / وقد أضاعوا مجدهم إلى الأبد
عهد الصبا سقياً لأيام الصبا
عهد الصبا سقياً لأيام الصبا / أشبه شئ بأزاهير الربا
إن الصبا كالورد في نضرته / وعمره واللون منه والشذا
واهاً على شرخ الشباب المشتهى / خلّف ذاكره بقلبي ومضى
لقد ذوى غصن حياتي بعده / وكان ريّان التصابي والمنى
أطيب عيش المرء في شبابه / فإن تولّى فهو عيش مزدرى
أن حياة المرء ما عاش ترى / أحوالها مختلفات في الرؤى
كالنهر الجاري الذي تغيّرت / أوضاعه في الأرض كلما جرى
فهو لدى المنبع ضحضاح وفي / مصّبه تلقاه بحراً قد طما
بيناه يجري في الثرى منعطفاً / إذا بواديه تمطّى واستوى
طوراً كأسياف الوغى منحنياً / في الأرض ينساب وطوراً كالقنا
وربما عادت مجاريه به / راجعةً من حيث جاء القهقرى
وربما صادف غوطاً فانهوى / فيه وقد خرّ خريراً ورغا
والماء فيه قد يرى منبسطاً / وتارةً منزوياً فوق الثرى
وتارة تلقاه في مشجرة / يجري واخرى بين اصلاد الصفا
حتى إذا أبحر مجراه به / كان إلى الد أماء منه المنتهى
وهكذا أنهار أعمار الورى / تجري فتنصبّ إلى بحر الردى
وإنما العمر شباب فإذا / زال فحزن وشقاء وضنى
ما كان أحلى العيش لو أن الفتى / لم يجد الشيب إليه مختطى
ليت الفتى كالبدر في النشأة إذ / عاد هلالاً كل شهر فنما
أوليته كالشجر النابت إذ / يورق في الصيف ويعرى في الشتا
أوليت هذا الشيب أن كان ولا / بدَّ من الشيب أتى قبل الصبا
شبيبة الإنسان مرآة المنى / بدائع الآمال فيها تجتلى
والمرء فيها أن تمرأى راجياً / أبدت له مبتسماً ثغر الرجا
ويح شباب فتك الشيب به / إذ لاح كالسيف عليه منتضى
بردان هذا من وقار ونهى / حيك وهذا من تصابٍ وهوى
لكن وقار الشيب لا يعدل ما / في طيّه من لوثة ومن ونى
يا مسلياً ذا الشيب عن شبابه / بأن وخط الشيب أزهار النهى
أقصر هذا ذيك عن القول فلا / يقاس ذيّاك تاللّه بذا
وما الصبا بمانعٍ من الحجا / بل هو في الشيخ يكون والفتى
وليس من أصبح يمشي الخيزلى / في معرض السبق كما شي الهيذبي
وما إياة الشمس في تطفيلها / مثل إياة الشمس في رأد الضحا
وهل يطيب العيش للهمّ الذي / أن همّ بالنهضة خانته القوى
يبيت طول الليل في مضجعه / مستأنس السلعة وحشيّ الكرى
وإن ظهر الأرض يستثقل مَن / قام يدبّ فوقها على العصا
أن بليلاً من نسيم السحر
أن بليلاً من نسيم السحر / لمّا جرى في المربع المخمل
أخبر ريّاه أصحّ الخبر / عمّا جرى في الروض للبلبل
إذ هو مذ ألقى به ناظره / من بعد ما ثغر الصباح ابتسم
صادف فيه وردة زاهرة / والطلّ كاللؤلؤ فيها انتظم
مضمومة أوراقها الناضرة / مثل فم يطلب تقبيل فم
فظلّ يرنو مستديم النظر / رنوّ ظمآنٍ إلى منهل
وهي غدت ممّا بها من خفر / محمرّةً من نظر مخجل
ثم تمادى غرداً صادحا / يعلن للوردة أشواقه
ينطق بالحب لها بائحا / وهي التي تفعل أنطاقه
وتنشر الطيب له نافحا / كأنها تقصد انشاقه
حتى غدا البلبل منذ الصغر / في حبّها منطلق المقول
ينشد فيها شعره المبتكر / ولا يني فيه ولا يأتلي
أما ترى الأزهار كيف اغتدت / فراشة الروض عليها تطير
لها جناح هي منه ارتدت / ملاءةً مَوشيّةً من حرير
فهي إلى الروضة مذ ورّدت / أرسلها البلبل نحو الأمير
تحمل للورد أمير الزهر / رسائل الشوق من البلبل
فشاع في الأزهار هذا الخبر / واستَوجب العطف على المرسل
حتى إذا الورد مضى والنقضى / وعادت الروضة كالبلقعه
مسّت حشا البلبل نار الغضا / من حرقة البين الذي أوجعه
لا تسأل البلبل عمّا مضى / في زمن الورد له من دعه
ولكن اسأل في السماء القمر / عن خبر الورد مع البلبل
إذ كان يصغي منهما للسمر / وهو مطلٌّ ناظر من عل
فراشة الروضة ظلّت لذا / تحوم والأزهار من تحتها
تقبّل الزهرة ذات الشذا / طائرة منها إلى أختها
وتسأل الأزهار عمّا إذا / مرّ فقيد الورد من سمتها
لتخبر البلبل بعض الخبر / لعلّه غمتّه تنجلي
فإنه بات حليف السهر / مذ نزح الورد عن المنزل
للبرق أسلاك تؤدّي الأخبار
للبرق أسلاك تؤدّي الأخبار / دقيقة مثل دقاق الأوتار
فوق الثرى مدّت وتحت الأبحار / في عمد قد ركزت كالأشجار
ما بين كلٍ عشرات الأمتار / تحسبها في القفر جنّ البقّار
شاخصةً أشباحها للأنظار / ممتدّةً نحو جميع الأقطار
للكهربائية فيها تيّار / تنقل في آن كلمح الأبصار
جوائب الأنباء نحو الأمصار / للّه من سلك دقيق قد صار
في الأرض مجرىً لجليل الأخبار / والكهربائيّة شيء قد حار
في كنهه أهل النهى والأفكار / أسفر منها الوجه بعض الأسفار
ولم يزل محتجباً بالأستار / في طيّها نور مفادٌ من نار
وكم لها بين الورى من آثار / تطوي المسافات بهم في الأسفار
وتنقل الأخبار ذات الأخطار / ثمّ تضيء ليلهم بالأنوار
فتجعل الآصال مثل الأبكار / مشرقةً مبهجة للأنظار
وقد تداوي كل داءٍ ضّرار / فالسقم تشفيه بغير عقّار
والجرح تأسوه بغير مسبار / وهي لعمري ذات لَفحٍ سيّار
لها نفوذ في جميع الأقطار / في الحيوان والثرى والأشجار
وفي رياح الجوّ ذات الأعصار / وفي بحار الأرض ذات التيّار
وقد سرت في كل غيم مدرار / بها تسحّ هاطلات الأمطار
فهي بهذا الكون سرّ الأسرار /