القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : تَمِيم بنُ المُعِزّ الفاطِميّ الكل
المجموع : 16
ومَهْمَه مُشتبِهِ الأَرْجاءِ
ومَهْمَه مُشتبِهِ الأَرْجاءِ / جَهْمِ الفَيافِي مُوحِشِ اليَهْماءِ
عارِي الرُّبَا إلاّ من النَّكْباء / صَلْدٍ عَزَازٍ شاسِع الفضاء
أجردَ مثلِ الصخرة الصمّاء / لو وسَمْته ثُغْرةُ السماء
بكلّ هَطّالٍ من الأَنْواءِ / كَنَهْوَرِ الغَيمْ سَحُوحِ الماء
ما قَدَرتْ فيه على خَضْراءِ / كأنّه مَنْخَرِس البَوْغاء
فَهْوَ كمثل الهامة الحَصَّاء / مشتبه الإصباح بالإمساء
يستُر فيه رَوْنَقَ الضَّحاء / ما ترفَع الرِّيحُ من الهَباء
كأَنَّما لُفّ بطِرْمِساء / قَفْرٍ يَبَابٍ بَلْقَعٍ خَلاء
إلاّ من الآجَال والأَلآء / تعزِف فيه الجِنّ بالعشاء
عَزْفَ قِيان الشَّرْبِ بالغِناء / غَبَقْتُه في ليلةٍ لَيْلاء
دَعْجاءَ كالزَّنْجيّة السوداءِ / على عَسِيرٍ فُنُقٍ فَرْقاء
حَرْفٍ هجانٍ لونُها قَوْداءِ / خَطّارةٍ زَيَّافةٍ وَجْناء
مَضْبورةٍ تَفْعَل بالبيداء / فعلَ قَراح الماء بالصَّهباء
قطعتُه مشيِّعَ الحَوْباء / بعَزْمةٍ صارمةٍ صَمَّاء
قطْعَ نجومِ الليل للظّلماء / حتَّى إذا قلتُ دنا التَّنائي
أصبح قُدَّامِيَ ما ورائي / والشمس قد حلّت ذُرَا الجَوْزاء
تُذِيب حرًّا هامةَ الحرْباء / وتقدَح النارَ من المَعْزاء
حتى ترى العِينَ لَدَى الرَّمْضَاء / جواثماً مَوْتَى على الأَطْلاء
والضبّ لا يبدو من الدَّامَاء / خوفاً من الإثْفَاء والإحماء
عقدتُ وجهي فيه بالأذْكاء / عَقْدَ اللَّمَى بالشَّفَة الَّلمياء
أسيرُ في دَيْمُومةٍ جرداءِ / ليست بمَشْتاة ولا شَجْراء
حتى وصلتُ الصبحَ بالعشاء / لا مُسْتدلاًّ بسوى ذَكائِي
وصاحبي أمْضَى من القضاء / في ظُلَم الأكباد والأحشاء
غَضْبٌ حُسَامٌ جائلُ الَّلأْلاء / كالبرق في دِيمته الوَطْفَاء
عَليَّ زغفُ لأْمةٍ خضراء / مسْرودةٍ محبوكةِ الأجزاء
سابغةٍ كالنِّهْيِ بالعَراء / فلم أزَلْ في صَهوة القَبّاء
أَرْكض بالدَّهْماء في الدَّهْماء / مُعْتقلاً بالصَّعْدَة السَّمراء
حتى طرَقتُ الحيّ بالخَلْصاء / من آل سعدٍ وبَني العَراء
همُ مُرَادِي وهمُ أعدائي / والصُّبْح قد ذاب على الهواء
كالثلج أو كالفِضّة البيضاء / يا ربّة الحمراءِ والصفراء
والناقة العَيْرانة الأَدْماءِ / والخالِ فوق الوجنة الحمراءِ
ماذا على مقلتك النَّجْلاَء / والشَّفَةِ الوَرْديّة اللَّعْساء
وقدِّك المائل في استواء / ورِدْفِك المالئ للمُلاءِ
وقلبِك المقلوب للجفاء / لو قُلِبَ الدّاءُ إلى الدواء
وروضة باكرة الأَنْداء / مُؤْنِقَةِ البيضاء والكَحْلاء
ظاهرِة الحمراء والصّفراء / كأنَّها المَوْشيُّ من صَنْعاء
مُعْلَمةِ الحُلّة والرِّداء / أبهَى من الحَلْى على النساء
باكرتُها في فِتْيةٍ وِضاء / بأكؤسٍ مُتْرَعَةٍ مِلاَء
يَسعَى بها منفرِجُ القَباء / أحوَرُ رَطْب اللَّفظ والأعضاء
يفهَم بالّلحظ وبالإيماء / فهو مُنَى مقلةِ كلّ رَاء
نَشربها كريمةَ الآباء / صفراءَ لا نقهَرُها بماء
كأنّها في البطش والصّفاء / عَزْمُ العزيز المَلِك الأَبَّاء
الفاتِق الراتقِ للأشياء / والحازِم العازِم في الهيجاء
القائل الفاعِل للعلياء / ووارثِ الحكمةِ والأنباء
يا بنَ الهُدَى والعتْرة الغَرّاء / فَلّ بك المُلْكُ شبَا الأعداء
وطالَ في عزّته القَعساء / حتى لقد جازَ مدى السماء
إمامةٌ مَهْدِيّة الّلواء / ودولةٌ دائمةُ البقاء
محفوفةٌ بالعزّ والبهاء / عَمَّمْتَ بالعدل بني حوّاء
وسُسْتَهم بمُحْكَم الآراء / سياسةَ الوالدِ للأبناء
سالمةً من فِتَنِ الأهواء / ولم تَزَلْ تسعَى على سِيسَاء
مُنْتَصباً للعَوْدِ والإبداء / والأخْذِ في الدولة والإعطاء
حتى غدا الظالمُ في اختفاء / وعاد مَيْلُ الدِّين لاِستواء
نهضتَ بالثِّقل من الأعباء / نهوضَ مَنْ زاد على الأكفاء
كأنك المقْدارُ في الإمضاء / وكلُّ مَنْ عاداك في ضَرّاء
وكلُّ مَنْ والاَك في سَرّاء / أنت عِمادي وبك اعتلائي
وجُنَّتي في السَّلْم واللّقاء / وأنت في كلّ دُجىً ضِيائي
وأنتَ ممّا أَتقِي وِقائي / كم مُضْمِرٍ لي عُقَدَ الشّحناء
يَنْسُبُني فيك إلى السَّواء / جَبَهْتَهُ بالردّ والإقصاء
ولم تُمَكِّنْه من الإصغاء / حفظاً لطَاعاتي وللإخاء
حتى انثنى محترِقَ الأحشاء / والعدلُ جَبْهُ الكاشح السَّعَّاء
لا والدّمِ الجاري بكَرْبِلاء / ومَنْ بها من دائم الثَّواء
بني عليٍّ وبني الزَّهْراء / ذوِي التَّناهِي وذوي العَلاء
ما حُلْتُ عن مُسْتَحْسَن الصفاء / فيك ولا عن خالص الوفاء
في ظاهرٍ مِنّى ولا خَفاء / فكيف أَنْسَى مِنَنَ الآلاَء
يا مُلْبِسِي من سابغِ النَّعماء / ما فاض عن حِفْظِي وعن إحصائي
أضعفتَني فيه عن الجزاء / فما أُكافِي بسوى الثّناء
والشكرِ في التقريظ والإطراء / وفَيْلَقٍ مُشْتَبِهِ الضّوضاء
تَضيق عنه ساحة الفضاء / مُجْتَمع الأحداث والأَرْزاء
حُطْتَ به الدّين من الطَّخْياء / والملكَ من كلِّ امرئٍ عَصّاء
والمُلكُ لا يظفَر بالسَّناء / ما لم يكن يُغْسَلُ بالدماء
وأشْعثٍ كالفرخ في الخرْشَاء / مِن اتّصال الجَهْد والإشْفاء
عادَ بإنعامِك في إثْراء / كم من نَوَالٍ ويدٍ بيضاء
والَيْتَها عَوْداً على ابتداء / من غير ما منٍّ ولا إكداء
والمجدُ للجود وللإعطاء / يا واهب الأَعْوَج العَوْجاء
والغادِة المَمْكورةِ العَيْناء / والبِدَرِ الموفورِة المِلاء
والعِيس قد أُثْقِلن بالحِباء / ما خاب يوماً منك ذو استحباء
ولا غدَا منقطِعَ الرّجاء / فالمال من بُشرِك في بُكاءِ
جَوداً كَجود الغيث والدَّأْماء / من أنملٍ باكرةِ الدَمْياء
ليست عن المعروف في البِطاءِ / عادَ عليك العيد باستعلاء
والعزِّ في ملكك والنَّماء / ونَيْلِ ما ترجو بلا إرجاء
ما أرَّقَ الصبَّ بُكَا وَرْقاءِ /
قد أغْتِدي والليلُ في دُجاهُ
قد أغْتِدي والليلُ في دُجاهُ / والصبح لم يَنْهَضْ به سَناهُ
على حِصَانٍ شَنِجٍ نَساهُ / أنْبَطَ نَهْدٍ عَبِلٍ شَواه
سامي التَّليلِ سالمٍ شَظَاهُ / ذي غُرّة أوّلُها أُذْناه
جاز بها مسيلُها مداه / حتى لقد كادت تُغَطِّي فاه
مُسْتكمِل التّحجِيلِ مُسْتَوْفَاه / أربَعُه وبطنُه أشباه
مُخالِفٌ أسفلُه أعلاه / بدُهْمةٍ قد ملأتْ قَراه
وانصبغت منه أليَّتاه / فهو دُجىً يَحْمِله ضُحاهُ
تَسْبِق أقصَى لحظِه خُطاه / لا يَطَأُ التُّرْبَ ولا تَلْقاه
رِجلاهُ في العَدْو ولا يَداهُ / كأنه يطير في مَجْرَاهُ
إذا دعا ليثُ الفَلاَ لبّاه / أسرعُ للشيء إذا ابتغاه
منْ مَبْلَغ السَّهْم لُمنتهاه / مُرْتَبِطُ الرِّجْلِ بما يَراه
كالّلفظ ملتفّاً به معناه / تحسُد منه يدَه رجلاه
حتى يكاد وهو في مَعْدَاه / تَسْبِق أُخْراه به أُولاه
لا يَشْتكي من تَعَبٍ وجَاه / ولا تَنَدّى عَرَقاً جَنْباه
كأنّه إذا جرى سواه / لو نام فوق مَتْنِه مولاه
وهو شديد العَدْوِ لاسْتَوطاه / ولم يَطِرْ عن جفنه كَراه
أشْوسُ في مِشْيته تيّاه / يُطاولِ الجوزاءَ مَن مَطَاه
وأشْهبٍ مِخْلَبُهُ شَبَاهُ / كلُّ ذوات الرِّيش مِن عِدَاه
بات يَهِيج جوعَه غَدَاه / كأنّ فَصَّيْ ذهبٍ عيناه
في هامةٍ قد بَرزتْ وَراه / هادِيَةٍ مَنْ ضَلّ عن سُراه
يكاد أن يَحْرِقه ذَكاه / لو طلب الكوكبَ لاَنتهاه
ما غاله يوماً ولا أعياه / ما رَمَقتْ في الجوّ مُقْلتَاه
بيناهُ يبغي جائعاً قِرَاه / إذ وقع الحُبْرُج في رُؤْياه
وحلّه القانصُ من يُسْراه / وطار يَهْوِي نَحْوَه يَغْشَاه
حتَّى إذا قارَبه عَلاَه / بَوَقْعةٍ بَزّ بها قُوَاه
كما وَهي من شَطَنٍ رِشَاهُ / ثم بَدَا وهْو على قَفَاه
وسلَّ من فؤاده حشاه / مُخَضَّباً من دمه ثَراه
يا شِقْوَة الحُبْرُج ما دَهاه / لم يَسُؤ البازِيَ ما جناه
إذ رَجَع الحبرجُ ما لاَقاه / ثم رأى من بعده أخاه
وبركةً تَتْبَعُه أُنْثاه / وكرّ لا يجبُن عن هَيْجاه
وكلُّ بازٍ معه فتاه / حتى سَقَاها المُرَّ من جَناه
فأَضحتِ الأَرْبَعُ من قَتْلاَه / فَلَحْمُنا الغَريضُ من صَرْعاه
وكلُّ خيرٍ عندنا نؤتاه / فبَعْضُ ما عاد به مَسْعاه
أعطى البُزاةَ اللهُ من معناه / ما لم يَحُزْ صَقْرٍ ولا رآه
يومُ البُزاة كلّه أُسَاه / أنا ابن مَنْ زينتْ به عُلاَه
وابنُ الذي عتم الورى نَدَاه / وشيّد المُلْكَ الذي حواه
وكان من كلّ أذىً حِمَاه / ذاك المُعِزُّ الماجد الأَوّاه
مَنْ لم يكَدّر مَنُّهُ جَدْوَاه / ولم يُمَحِّص إثْمُه تَقْواه
ولم تغير دينَه دنياه / صلى عليه الله واصطفاه
وسَمْحةٍ قبل الطَّلَبْ
وسَمْحةٍ قبل الطَّلَبْ / لكلّ من دب وهَبّ
تَسْري ولا تشكو التَّعبْ / ذات افترارٍ عن شَنَب
تَطْرَبُ من غير طرب / كية بلا وَصَب
كأنّما الجوّ أنْتَقبْ / منها بمسك واختَضب
حتى إذا الرّعد خَطَب / وناح شجواً وانْتحب
وجاء فيها وذهب / وخرَق البرقُ الحُجُب
كأنّه لما اضطرب / سلاسل من الذّهب
أو مارجٌ من اللَّهب / أو حاصِبٌ وما حَصَب
أو سَلّ في الأُفق قُضُب / تخالُه بين السُّحُب
يعدو بشقْر وشُهُب / حتى إذا القطرُ انسكب
واحتفل السَّيل وعَبْ / وانقشع الغيمُ الَّلجِب
كأنّه لمّا انقلبْ / خِضابُ حِنّاء نضب
فالأرض في زيٍّ قُشُب / تَبَرَّجت لمِن خطب
تَبرُّجاً يُرضِي اللَّعِب / لو جاز ذو الفهم الأَلَبّ
في نَعْتِها كلَّ سبب / وكلِّ حدّ ما كذَب
أما تَرى دُعْجَ النُّقُب / وعسكرَ الليل غلَب
على النّهار فغَرَب / كأنّما الصّبحُ عَتَب
على دُجَاه أو غَضب / فمُدْ جفاه لم يَشِب
فقم إلى الراح فشُبْ / بالماء منها ما صَلُب
وسقِّني بنتَ العنب / أَقْضِ من اللّهو أَرَب
أما تَرى العود اصطخَب / وقد مشى الزَّمرُ خَبَب
والطَّبل يحبو ويَشِب / والرّاح ترمي بالحَبَب
يَدور في غير قُطُبْ / تقتُل سُكْراً مَنْ شَرِب
إن تَرْمِ نَدْماناً تُصِبْ / فعقلُه لها سَلَب
لكن يعودَ عن كثَبْ / فاشربْ وخُذْ من ذي النُّوبَ
ما لان واترك ما صَعُب / وعَدِّ عن لَيْتَ ورُبْ
فالدّهر قِدْماً ذو شَغَب / فاقطعْ لياليه طَرَب
فكم نأى ما قد قَرُب / وارتدّ مُرّاً ما عَذُب
وعاد بالأمن الرَّهَب / فالهمُّ عجزٌ وتعب
إنّا لأُمٍّ ولأبْ / يجمعنا خيرُ نَسَب
إلى النبيّ المُنْتَخَبْ / من آل عبد المطَّلِبْ
أفضل بيت في العرب / فارْضَع بنا ثَدْي الأدَب
فإنّه أعلى الرُّتَب / وخيرُ موهوبٍ وُهِب
يا عَجبي كلّ العجب / من ذا الزمان المُنْقَلِب
أَمرّ حتى لم يُطِبْ / وصلَ حبيبٍ لِمُحب
أذنبَت يا دهرُ فتُبْ /
يا مالكَ الحسن تَمادى الجفا
يا مالكَ الحسن تَمادى الجفا / منك ودام الشوق من قلبي
ولستُ أسمو منك إلاّ إلى / مقدار ما يُطْفي شجا الصَّبّ
لقبلةٍ تَجْزِي بها بعضَ ما / أصفيتُه وجهَك من حيّ
لم يُعْلِ ذا الدهرُ سِوَى
لم يُعْلِ ذا الدهرُ سِوَى / قومٍ لئامٍ حَقَدَهْ
فدَعْه مَعْ أشكاله / وأتركْه مع من عَبَدَه
ورُحْ بنا نشربُها / مدامةً مُنْتقدَه
كأنّها في كأسها / ياقوتةٌ في بَرَده
مسْكٌ وشُهْدٌ جُمِعا / في شعلة مُتَّقده
فقم فقد جَنَّ دجا ال / لَيلِ وغاب الحَسَدَه
وأسعِدِ اللهوَ فقد / أفلح من قد أسعَدَه
لا سيِّما إن حُرِّكتْ / عيدانُنا مُجْتَلِده
وشُيِّعت بالضرب من / أيدي القيان النَّقَدَه
لا تُبْسقِ يوماً لغدٍ / فأَبْعَدَ اللهُ غدَه
لا بُدَّ مما قدّر ال / له وممَّا عقدَه
وصامِتِ الجوّ بَعيدِ الفَرْقَدِ
وصامِتِ الجوّ بَعيدِ الفَرْقَدِ / مُشْتَبِهِ الأعلامِ جَهْمِ المَشهدِ
مَرْتِ الرُبَا عاري العَرَاء فَدْفَدِ / يحارُ فيه كلُّ هادٍ مُهْتد
صَلْدِ السَّبَارِيتِ صَلِيبِ الجلْمَدِ / يُمْرِضُ فيه الريحَ بُعْدُ المقصِد
ليس به غيرُ الظلام الأسودِ / يظلُّ فيه الركبُ هيمانَ صدِ
قَطَعتهُ يقظانَ لم أستنجد / إلا بِمتْن الصارم المهنَّد
والليلُ مضروب الرُّواق الأَرْبَد / على قَلْوقِ الرحل مَوَّارِ اليدِ
عَوْدٍ جَدِيليّ صريح المَحتِدِ / كأنني منه على خَفَيددِ
وكلّ هِرْجابٍ أَمُونٍ أجُدِ / لو سُلِعت في النار لم تَبَلَّد
ولو سَرَتْ ما بقِيَتْ لم تُجْهَدِ / من المراسيل العِتَاق الوُخَّد
الشَدْقميّات العِرَابِ الشُرَّد / مَهْرِيَّة النِسْبة لم تفنَّد
لها على الإرقالِ والتمرُّد / عَزُّ الموالي واحتمالُ الأعْبُد
تقول للَمْعزَاء لا تَبَّعدِي / قَوْداء في السير ولم تُقَوّد
تُعِيد في إرقالها وتبتدي / كأنها في جِنَّة لم تُجهَد
تعطِيك ما اعتادت وما لم تعتدِ / كأنها جاءت بأعلى ثَهْمَد
تسبَحُ في الآل إذا لم تُسْئِد / والآلُ في رَقْراقِهِ الممدَّد
كالماء في صَرْحٍ له ممرَّد / يحسبه الغائب ما لم يَشهَد
ماءَ خِضَمّ المَوْج طام مُزْبِدِ / وآسِنِ الطعم قذِيِّ الموردِ
مِلحٍ أُجاجٍ كدموع الأرمَدِ / وردتُه تحت الظلام المُلْبِد
والليلُ جونُ المِرْطِ أَحَوى الجسدَ / قبل هبوبِ الطائرِ المغرِّد
حتى تَبَدّى الصبح ظهر المِبردِ / والليل في مَغْرِبه لم ينفَد
كأنه كُحْل عيون الخُرَّد / تخاله فوق الصباح المنجِد
صُدْغين في خدّ غلامٍ أمردِ / وأنجمُ الظلماءِ لم تَبَدّد
كأنها لآلئٌ لم تُعْقَد / سابحة في فَلَكٍ من عَسْجَدِ
وتارةً تَسْبَح في زُمُرُّد / سَبْحَ المَدارِي في أَثيثٍ أجعد
كأنما شِعْراه إذا لم تَخْمُدِ / جُمَانةٌ في كفّ عبدٍ أسود
يا كاتِمَيْ سِرِّ المشوقِ المُكْمَد / هل فيكما بالله لي من مُسْعِدِ
إذا رمى الليلُ عيونَ السُّهَّدِ / مِن نَشْوَتَيْ كلّ كَرىً بِمرْوَد
كم زَورةٍ لي تحت ذاك المرقِد / في حَيّ سهم بالظلام مُرْتَدِ
لا مستعينا بسَوى تجلُّدي / أسرَى وأمضَى في الدُّجَى من فَرْقَد
حتى أبِيت بين غِيدٍ نُهَّد / أرشُف شَهْداً كامِنا في بَرَد
ملتزِماً هِيفَ الخصورِ المُيَّد / ما أنتِ يا لَيْلي سوى غُصْنٍ ندِ
تميس في غُصْن نَقًى مُلَبَّد / وقَمَرٍ فوق قضيبٍ أَملَدِ
تَفْتَرُّ عن كاللؤلؤ المنضَّد / صِيغ لها من عسلٍ مجمَّدِ
فهُوَ متى هَمَّ بذوب يَبردِ / الثلجُ لولا بَردُه لم يَجمُد
وفاتِر الطَرْف عليلِ الموعدِ / أضعف من لحظِيَ بين العُوَّد
يقتل من يشا ولكن لا يدِي / يجور في حكم الهوى ويعتدي
يا حبَّذا قَوْلتُها قَدْك أقصِد / أذَبْتَنِي بالضمّ والتشدُّدِ
يا شَرها من قُبَلِي ومن دَدِي / يكفيكَ ما في الخدّ والمقلَّد
وناهدٍ منتصبٍ مِلءْ اليدِ / كتما كَحْسو الطائرِ المصرَّد
لم تر عين مثل هذا المشهدِ / مستعبَدٌ يعبث بالمستعبِد
حتى إذا خِفتُ عيون الهُجَّد / وانكدرت زُهْرُ النجومِ الوُقَّد
ولاح ضوءُ الفجر كالسيف الصدِي / قامت تَهادَى كالغزال المفردَ
تقول يا ليت الدُّجَى لم يُطْرَدِ / وقد جرت أدمُعُها بالإثْمد
على نقاءِ خَدِّها المورِّد / فهْيَ عليه كالعِذَار المبتدي
وبارقٍ مثل الحريق المُوقَد / أَرَّق عيْنَيَّ فلم أوَسَّدِ
يُومِض في نِشاصِهِ المعمَّد / كصفحَة السيف إذا لم يُغْمَدِ
مهما يَلُحْ في حَجْرتيه يرعُد / طَوْع ندى الريح وسؤل الروَّدِ
كأنه في هَطْله المجوَّد / كفُّ العزيزِ الملِك المؤيَّد
إذا اعتراه مُعْتَفٍ أو مُجْتَدِي / يا عِصْمة الخائِف والمسترشِدِ
وحُجَّةَ الله التي لَمْ تُرْدَدِ / بعد النبيّ المصطفَى محمّدِ
دعا بك الملحِد كالموحِّدِ / جرَّدت عزماً كان لم يُجَرَّد
حتى عقدت دولة لم تُعْقَد / قبلك يا بن الخُلفاء المُجَّد
ففضلك الفضل الذي لم يُجْحَد / شهِدْتُ والملعون لم يَشهد
بأنّك الطالب ثأْرَ أحمد / وأنك الرائح فيه المغتدي
وأنك الوارث كلّ السؤدد / وأنك الواجد ما لم يوجَد
أعطاكَها الله فخذها وأحمد / فالله يكفيك عيون الحسّد
بالبيت حِلْفاً فالصفا فالمسجد / ما شيَّد الدولةَ من مشيِّد
مِثْلُ العزيز الملِك المخلَّد / شدّ من المُلْك عُراً لم تُشْدَد
إني بأفعالك قِدْماً أًقْتدي / ولم أَزَلْ أَهدِي بها وأهتدي
هُنَاك شَهْرٌ طالع بالأسعد / حتَّى دوامِ عِزّك المجدَّد
فصُمْه بالتقوى وبالتهجّد / محتسِبا لله بالتعبّد
فأنت فيه رُشْد من لم يرشُد / ورِفْدُ مَنْ أكدى ولم يسترفِد
وعِيدُ من صلَّى ولم يعيِّد / يا سبب النور الذي لم يخمد
وحكمةَ الله التي لم تنفَدِ / وشبْه داعِيه النبيّ الأحمدِ
أنت إمامٌ لي بلا تقيُّد / لا هُمَّ فاشهدْ ثم لاهُمَّ اشهدِ
إن نِزاراً غايتي ومعقِدي / أنا بريء مِن عِداك مفتد
إن لم تكن ذي نيَّتي لم أسْعَدِ / لولاك لم أَسْمُ ولم أُسَدَّد
فابقَ لِرَعِيْ مُلْكك الممهَّد / ممتَّعاً بعزّك المؤيَّد
رَبْعٌ لأسماء بربع دارِ
رَبْعٌ لأسماء بربع دارِ / بين نَقَا الصَّمَّان فالضِمارِ
تأبَّدتْ إلاّ من الإقفار / ومن شجيج في الثرى مَوَّار
وشطْر نُؤْيٍ دارِس الآثار / كأنه مقسَّم السِّوارِ
أخنَى عليها كلُّ غادٍ سارِ / داني الربَاب شاسِع الأقطار
واهِي الكُلَى منفتِق الأزرار / كأنّ لَمْع بَرْقه المُثَار
يفترّ عن مثل أُوار النار / أو منتضٍ سيفاً من النُضَار
أو لاعِب في الأُفقْ بالشَرَار / يكاد أن يذهب بالأبصار
حتى إذا أرخى على النهار / هَيْدبهَ ليلاً بلا انفجارِ
وكحَّل الجوَّ بمثل القارِ / وقام فيه الرعد كالمِزمار
غنَّت له الريح بلا أوتارِ / ما ظلّ في رفع وفي انحدار
يختلِط الإقبال بالإدبار / ثم حدَتْه الريحُ باقتدارِ
حتى تبدّى يَقَقَ الإزار / واختال بالمشي بلا استدار
كمشية السَكْرى من العُقَار / منبِجساً بالدِيمَ الغِزار
وكلّ سَجْلٍ واكفٍ مِدرارِ / فغنَّتِ الأطيارُ في الأشجار
ونمَّتِ الأرضُ على الأمطار / بما اكتستْ من بِدَع النُوَّار
من أحمرٍ قانٍ على اخضرارِ / وأبيضٍ قد لاح في اصفرار
كدِرهم رُكّب في دينار / وقد بدا السوسنُ في البَهَار
كلازَوَرْدٍ ذُرَّ في جُلْنَار / كأنّ غُدْران الحبَابَ الجاري
لاعبة بالنَرْد في الأنهار / فانظر لحسن الروض في آذار
وما أتى فيه من الأنوار / وداوِ بالخمر أذى الخُمَار
إن الصِبَا أحرى من الوقار / فاغدُ عليه خالعَ العَذَار
وصاحبٍ مهذَّبٍ مختارِ / ليس بفضَّاح ولا غدّار
ولا على نَدمانه بزار / ناديتُه في ليلة مقمارِ
قبل اتّضاح الصبح والإسفار / والطيرُ ما هبَّت من الأوكار
والنجمُ وَسْط الفَلَك الدوّار / يأمُر جيش الليل بالفرار
فهاتِها من كفّ ذي احورارِ / ساجي الجفونِ قانئ الأظفار
فقال لي لَبَّيك باستبشارِ / ثم تمطَّى كالهِزَبْر الضاري
ينقِّض النوم عن الأشفار / وقام محتثّاً إلى الخَمَّار
وابتاع منه الراح باختصارِ / بلا مماراةٍ ولا إكثار
بمثلها وزنا من النُضار / محتسِباً بُعْدَ مَدَى التِجَار
وسَاله هل طُبِخت بنار / فقال لا والطُرَح الكبار
أَوْلاً فإني قاطِع الزُنَّارِ / ما عُذِّبت بالنار والأُوارِ
ولا علتها قَدَما عصَّار / ثم أتانا طيّب الإخبار
كظافرٍ فيما اقتنى بثارِ / جذلانَ يستعبد باب الدار
فلم يَزلْ بالقَدَح المِدرار / يُعمِلها دأْباً وبالكِبار
حتى تضجَّعت بلا اختيار / ونلت مما أَشتهي أوطاري
فهذه وقائع الأخبارِ / لا وقعةُ الحَشَّاك والثرثار
وطامِسِ الأعلام في ازورارِ / مَرْت الرُبَا والسهل والأوعار
كأنما المُصْبِح فيه سارِ / من هَبَواتِ النَقْع والغبار
قطعته خِلْواً من الحِذار / مشتبِه الإعلان بالإسرار
بعيسجورٍ حُرّةٍ مِسيارِ / خطَّارة قَرْواء من خُطَّار
قوداء لم تعطِف على حُوَارِ / يعدو بها منّي أخو أسفارِ
نِضْو جَفَتْهُ لذَّةُ القَرَار / والنومُ حتى سِنَةُ الغِرَار
نحوَ الإمامِ المصطفى نِزارِ / مَنْ فَضَل الأملاك في النِجَارِ
فضلَ ضياءِ الشمس للأقمار / وقام للمُلْك بكل ثار
ولم يزل قَرْماً منيع الجار / عَذْب السجايا حامِيَ الذمَار
دانت له الشُوس من الأعصار / كأنما يَضِرب بالمِقدار
يا بن الهُدَاةِ السادِة الأبرارِ / الأوصياءِ القادة الأطْهار
أربيتَ في الجود على الأمطار / وزِدْتَ في الجَدْوَى على البِحار
حتى حللت عُقْدة الإعسار / وذُدْتَ عنا نَكَد الإقتار
تسري أياديك لكلِ سارِ / أمسى بك الناس ذوي إيسار
قلْ للعزيز الملِك المِغوار / يا خِيرة الله من الأخيار
ووارثَ الآيات والآثار / وصاحبَ الكنز من الجِدَار
ويا مُقِيل زَلَّة العِثار / أضحى بك المُلْكُ منيع الجار
والدينُ فينا واضح المَنَار / وكان لولاك بلا أنصارِ
فالليلُ من عدلك كالنهارِ / والجوَرْ في حَطّ وفي انحدار
والدهر في مُلْكك في وقارِ / ومن أبي القاسم في استبشار
يختال في حِجْلٍ وفي سِوَار / وليّ عهد المسلمين الشاري
للحمد بالدرهم والدينار / ومالك السهل مع الأَوعار
وفاتح البلد والأمصار / لا زال ما عاش بسعد جارِ
مؤيَّد الإيرادِ والإصدار / عفَّ معاني الجهر والإسرار
فكن له اللهمَّ خير جارِ / وهَبْ له أقصى مَدَى الأعمار
وارمِ عَداه عنه بالصَّغَار / واجعلهم أشأم من قُدَار
وصَلّ ما غرَّدتِ القَمارى / على العزيز المصطفى المختار
وهاكَها نتيجةَ الأفكارِ / معشوقةَ الإسهاب والإكثار
تُعدّ في الجوهر لا الأشعار / كالروض غِبَّ المُزْن والقِطار
طيبُ جَنَى أبياتها القَصارِ / من رجزٍ كالشَدْو بالأوتار
والوصِل وافي أَثَر اهتِجار / أحرّ لفظاً من لهيب النار
تبقى بقاء الوسم في الأَبشار /
يا من حوى الفضل وحاز الفخرا
يا من حوى الفضل وحاز الفخرا / وكسف الشمسَ وفاق البدرا
إني وإن أتعبتُ فيك الفكرا / حتى أَجَدْتُ وزنه والنثرا
لمستقِلّ لعُلاك الشعرا / يا من إذا ما جاد فاق القَطْرا
ويتبِع المعروفَ منه العُذْرا / ويبذل المال ويَشْري الشُكْرا
قصَّرتُ إن خِلْتُ نداك البحرا / وكيف يحكي المستطابُ المُرَّا
إن المعِزَّ الملِك الأغرّا / لم يُبْق من بذل نداه حُرّا
قد ملك الناسَ معاً والدهرا / وإن غدا أسنى وأعلى قَدْرا
إن يملِك العالمَ أوْ ذا العصرا / كم طال بالمجد النجومَ الزُهْرا
وفلّ بالرأي العوالي السُمْرا / وصيَّر الجود عطايا تَتْرَى
حتى نَفَى العُدْم وجَلَّى الفقرا / لو صافح الصخَر ألان الصخرا
لولاه لم نلق الندى والبِرّا / ولا رأينا الجود فينا جهرا
يُكسبه بذلُ نداه بِشرا / ولا يَرَى المعروف شيئاً وَعْرا
سَمْح السجايا مستهِلاًّ عَمْرا / أرحب مَن يمشي عليها صدرا
يدَّرِع التقوى ويوفِي النَذْرا / لاهمَّ قد قصَّرت فيه غَفْرا
قد أغتدي قبل طلوعِ الفجر
قد أغتدي قبل طلوعِ الفجر / والليل في مثل خِضاب الشَعْرِ
كالجَور أو كالظُلْم أو كالغَدْر / وأنجمُ الجوزاء فيه تسري
كأنما تقِيسه لتدري / كم فيه من باع لها وفِتر
وللثريّا طمع في البدر / فهي له حيث مضى في الإثْر
كأنما تطلبه بوِتر / بأكلبٍ تطِير حين تجري
من كل قباءِ الحَشَا والخَصْر / تكاد من تلويحها والضُمْر
تلمِس بالبطن فَقارَ الظهر / وافِرة الزَوْر رحيب الصدر
ذواتِ أشداق كفتح الشبر / شُقِقن للآذان أو للشطر
من الخدود السائلاتِ الصفر / عن مثل أطراف الرماح السُمْر
فهنّ أمضى من خُطُوب الدهر / حتى إذا ما أوغلت في القَفْر
وهنّ في فَرْط القُوَى والكِبر / يمرَحْن في العَدْو مَرَاح السُكْر
كأنّ فيهن حُمَيَّا الخمر / ينظرن عن تقطيع لحظٍ شَزْر
أهوى بها الكَلاَّبُ نحو عشر / من بقر الوحش بدت في سَطْر
ومثلِها من الظِباء العُفْر / فطِرْن كالبرق خِلاَل القَطْر
يهوِين مَهْوَى النجم حين يسري / أمضى من الماء جرى في حَفْر
حتى إذا مَلَكْن مِلْك القَهْر / وحشَ الفلا تحت غبار النسر
غادرنها في النَّقع مثل الجُزْر / فهنّ صرعى دمُهنّ يجري
ثم نزلت مسرِعاً عن مُهْري / أقطعُ من أوصالها وأفري
حتى غلت فوق الأثافي قِدْرِي / يالكَ من طَرْد كحرّ الجمر
نحرت فيه الوحش أيَّ نحر / نحر الوصيّ جيشَ آل صخر
قد أغتدِي قبل الصباح المسفِر
قد أغتدِي قبل الصباح المسفِر / والليلُ في ديجوجه المعسكِرِ
وأنْجُم الجوزاء لم تغوِّر / كأنها تحت الرواق الأخضرِ
تَسْبَح في باطِنيةٍ من عنبر / والأُفْق قد غرَّب فيه المشترِي
كدرّة في أذْن أحوى أحور / وافترقت بيضُ النجوم السُّمَّرِ
كما زهت قِلادةٌ من جوهر / سبقتُ أوُلي فجرها المنوِّر
بأكْلُبٍ مخرنطِمات ضُمَّر / مهروتة أشداقُها للحنجرِ
من كل مفتول الذراع قَسْرِ / ليس بمسبوقٍ ولا مقصّر
مستأسِد مؤيّد مظفّر / يلاحِظ الوحش بعين المثأرِ
كأنه من لونه المشهَّر / ملتحِف بحُلَّة من عَبْقَر
لو مرَّ يخطو في الكثيب الأعفرِ / وهْو شديد العَدْو لم يؤثّر
يكاد من سرعته في العِثْيَر / يسبِق ألي زَوره بالمُؤْخِر
لو سار يجري سَنَةً لم يفتُر / فصاد عشرا في الفضاء المقفرِ
لا يضع الناب بغير منخر / فأيّ جأْب عانةٍ لم يَجزُر
وأيّ ثور للمَهَا لم يَنْحَرِ / ضرَّجها من دمها المثعنجِرِ
حبائل للوحش قَيدُ الجؤذر / أنا ابن من شُفِّع يوم المحشر
وابن الذي خُصَّ بنهر الكوثر / وابن المعالي والفخار الأشهر
مباركُ الفرعِ زكيّ العُنْصُر / سُدْنا الورى سيادة لم تنكَرِ
ولم يزل فيها عذاب المُجْتَرِي / فسل بنا آيَ الكِتاب تُخْبَرِ
يا رب ليل من ليالِي الكوزِ
يا رب ليل من ليالِي الكوزِ / قطعته بطَفلة عجوز
معشوقة المَخْبَرِ والبُرُوزِ / أَذابها حَرّ لَظَى تَمُّوزِ
حتى بدت كالذهب الإبريزِ / أرقَّ من فهمِي ومن تمييزي
فالطرْف فيها ليس بالمحجوز / عن لحظةِ الغامز للمغموز
كأنَها صَفْوُ نَدَى العزيزِ /
بَعَثْتُها مِن صِرْف راحٍ قَرْقَف
بَعَثْتُها مِن صِرْف راحٍ قَرْقَف / كأَنها ياقوتَةٌ في شَنَفِ
أو أَرَجٌ في قَدَحٍ مُسْتَطْرف / يَحْلِفُ مَنْ يَشربها بالمصحف
بأنها لو لم تَفُح لم تُعْرف /
إن لم تكن عيني بكم
إن لم تكن عيني بكم / لدمعها متّهَمة
فلا عَداني سَقَمٌ / ولوعة ملتَزمة
علامَ يا مالكتي / كفران حبي ولِمَه
وسلوَتي ساكنةٌ / وزفرتي مغتلِمه
وكيف لا يظلمني / ظلاّم بدر الظُّلُمة
وناعمِ النبتِ أَنيقِ الرسمِ
وناعمِ النبتِ أَنيقِ الرسمِ / خَضَّرَ حتّى هَضَبات الأكْم
جاد عليه كلّ غادي الوَسْم / منهتِن الشُّؤبوب هامي السَّجْم
حتى غدت قِيعانُه كاليَمّ / فهي طَوامٍ بالحبَابِ ترمى
إذا بدت في بحرِها الخِضمّ / واكتتبتْ فيه كمِيماتِ اسمي
ريحُ الصَّبا بدَجنها الأحَمّ / صاغت له دِرْعاً بِغيرِ كُمّ
كأنما عاصِفُها مِن عَزْمي / حتى إذا عادت كمِثل حِلْمي
وانجاب عنها كلّ مُدْلَهِمِّ / من مكفهِرّات الغُيوم السُّجْمِ
قابلتِ النجمَ بِمثل النّجم / نادمتُ فيهَا كلَّ قَرْمٍ شهم
مقبّل الخدّ رقيقِ الفَهْم / كلّهمُ صِنْويَ وابنُ عمّي
من نسل أبناء البتَول أُمّي / العلويّين العِذاب الطَّعمِ
والهاشميِّين الكرام الهُضْم / كل حسيبٍ ماجدٍ أشمّ
يجتنِب اللؤم اجتنابَ الإثمِ / ومسقم الطرف بغير سقمِ
مستطرَف النخوة عذب الظّلم / في العدل والجور مطاع الحُكم
يفتّر عن أبيض مثل الظَّلْم / كأنه حَبّ جُمان النظم
عذب جنَى الريق لذيذ اللثم / داوى بحثّ الراح داءَ هَمِّي
حتّى تضجّعت بغيرِ علمي / سكراً وفي النشوة كل غنم
والكَرَم المحض لبِنت الكرمِ / وزارني في الليل طيفُ نُعْمِ
بعد التنائي وليالي الصرمِ / يا عجبي للطائِف الملِمّ
هيّج جدّ لوعةٍ من حلمي / حتى لقد ضاق بِسِرّي كتمي
وشاب صبري بشباب غمّي / وناعمِ الريش خفيف الّلحمِ
أعجمَ من طيرٍ فصاحٍ عُجْمِ / أَمضَى من العارض حينَ يَهمي
من الحمَامِ المُخْولِ المُعِمِّ / يمرّ في الجوّ مرورَ السهم
أو مثلَ لمعِ البرق حين يهمي / أو لحظِ عينٍ غيرِ مستتِمّ
يكاد في تفتِيحه والضمّ / يفرق بين لحمه والعظم
حتى إذا جازَ مكانَ النَّجم / وصار في الأُفْق كمِثل الوَهْم
صوّب تصويب نجوم الرَّجْم / كأنّه مستنهَضٌ بحزِم
قل لبني المستردَفات العُقْم / إنِّي أنا الصِّلّ نَفُوثُ السُّمّ
والله لا يهنيء خلقاً ظلمي /
يا رُبَّ ليلٍ عَطِرِ الأَرْدانِ
يا رُبَّ ليلٍ عَطِرِ الأَرْدانِ / مِنْ نسِم النرَّجسِ والسُّوسانِ
كأنَّما أَنْجُمه الدَّواني / في أُفِقْهِ رَوْضةُ أقْحُوان
باتت به ساقِيَّتي نَدْماني / وبات رَيَّا رِيحِها رَيْحاني
حتَّى إذا امتدَّت يدُ الإدجانِ / والْتَحَفَ الجوّ بطَيْلَسان
وأَشبَهَ الهلالُ نِصفَ جان / قامت كما قام قضِيبُ بانِ
ظاهرةَ المِنْديل والخَفتان / في هيئةِ المُرْدِ من الغِلْمانِ
شاطرة ساحرة اللِّسان / ترفَّعتْ عن شَبَهِ النِّسْوان
وعن خِضابِ الكفّ والبَنان / واعتقلتْ عَواليَ المراّنِ
زِيَّ شُجاعٍ ولِقَا جبَانِ / حتَّى إذا ما دارتِ الكأْسانِ
وارتفَع المَثْلَثُ والمَثاني / وحُثَّت الأَقداحُ بالأَغاني
وشيّعتْها نَغَمُ القيانِ / والتَفتَ النَّشْوانُ للنَّشْوانِ
بتنا ضَجيعَين على مكانِ / ومالتِ السَّكْرَى على السَّكْرانِ
واختَلَطا بالضَّمّ والتَّداني / لَفَّ الصَّبا الأغصانَ بالأَغصان
يا لك من نَوْمَي ومن نَوْمانِ / عُلاَّ بِصرْفٍ من دَم الدِّنانِ
فاضطجَعا مَيْتَيْن في أَوانِ / واندَرَجا للوَرْدِ في أكفان
لو نُبِّها قاما يحدِّثانِ / عن عَجَب الفِرْدَوْس والجِنان
وكم سَبقتُ الصبحَ غيرَ وانِ / عند مَمِيل الجَدْي والمِيزانِ
والفجرُ يَحكي ذَنبَ السِّرْحان / بِأكلُبٍ تَمرَح في الأَشْطَان
صَوادقِ الألحاظ والأجفان / تَجمع في الَعدْوِ مِن الإمعان
بين شَبَا الأظفار والآذان / مختلفات الصِّبْغ في الألوان
مِن فاقع الصُّفْرة كالعِقْيان / وأبلَقٍ يَجمعُه لَوْنان
وحالكٍ نُقْبَتُه يَقْظانِ / كأنّما الساعدُ منه اثنان
خالي الحَشا مجتمع الجُثْمان / سامي الجِرِشَّى يَقِظِ الجنَانِ
كأنّ في فيه من الأسنان / كلَّ حُسامٍ صارمٍ يماني
يَختالُ في المَشْي اختيالَ الرّاني / لا تَسِمُ التُّربَ له رِجْلانِ
كأنّما يخطو على صَوَّانِ / يَملكِ ما يُدرَك بالعِيانِ
كأنَّه نادرةُ الزّمان / حتى إذا أَصْحَرَ في المَيْدَان
عَنَّ له عَشْرٌ من الغِزْلان / بين الرُّبا والكُثْبِ والقِيعانِ
فانسابَ يَبغي فُرصةَ الإمكان / كالبَرْق في مُغْلَوْلِبٍ جِنّان
أسرَعَ في التَّحريك والإسْكان / من أَنمُل الحُسّاب في الدّيوان
كأنّه حِدّةُ أُفعُوانِ / وأَرْسَلَ الصَّقْرَيْن قانصانِ
فَحلَّقَا في الجَوِّ يَعْلُوانِ / حتى إذا ساواهما كَلبان
صوّب هَذان وكَرّ ذَانِ / كما التقَى في الزَّحْف فَيْلقَانِ
وارتَفَع القَسْطَل كالدُّخَانِ / وارتجّت الأصواتُ بالإرنانِ
وحان حَيْنُ الظَّبيْ والأَتانِ / واهاً له مِنْ طَرَدٍ مُعانِ
بكلّ طرْفٍ سابحٍ حِصانِ / يَخْطو على أربعةٍ مِتانِ
متَّسِعِ المَنْخِر واللَّبانِ / ممزوجةٍ كَمْتَتُهُ بثانِ
من البيَاض اليَقَق الهِجان / فاحمرّ أعلاه إلى السِّيقان
وابيضّت اليدان والرِّجْلان / والوجهُ ثم اسودّت العَيْنان
فهو رِياضُ الحَدَق الرَّواني / شَعْرٌ صَقيلٌ وأَديم قاني
كأنّ فيه لَهَبَ النِّيرانِ / مُقابَلٌ يَمرَح في العِنانِ
أوثَقَ في التركيب منْ بُنْيان / كأنّما يداه طائران
مرتبط الحافز بالظِّلْمان / وبالمَهَا والأُتْن في الغِيطانِ
مثلَ ارتباط اللَّفظ بالمعاني / طِرْفَ العزيزِ الملِك المَنّان
وخَيْلُه السُّبَّق للرِّهان / كلُّ جَوادٍ ثابت الأركان
أذْكَى إذا حُرِّك من إِنْسانِ / ضَوامِنٌ في الرَّوع للفُرْسان
تَرْكَ الأَقاصي كالقريب الدّاني / كأنهمْ منها على عِقْبانِ
يا بن معزِّ الدِّين والإِيمان / وابنَ الملوك الشُّمِّ مِن عَدْنان
والهاشميِّين العظامِ الشانِ / ذوي المعالي وذوي السلطان
وابن الهدى والبِرّ والفُرْقان / كم مَرَّ بين الضَّرْب والطِّعان
من يومِ حربٍ لك أرْوَنانِ / آثَرْتَ فيه طاعةَ الرّحمان
حتى نصرتَ شِرْعةَ القرآن / نصرَ علىٍّ جَدِّك الدَّيّانِ
للدِّين في بَدْرٍ على الأوثان / لولاك كان الناس كالعميان
وأصبح الإسلامُ كالمُهانِ / وارتجع المعروفُ كالبهتان
وعُذِّب العافُون بالحِرْمان / يا غايةَ العافي وفَكّ العاني
وكوكبَ الساري وغَوْثَ الجاني / عادت بك الأيّامُ كالغَواني
يَخْطِرْن بين الحُسْن والإحسان / وأصبح المُلْكُ قليلَ الشاني
رَحْبَ المَغاني مُشْرِفَ المبَاني / عَفَوْتَ حتّى عن ذوي العِصْيان
ولنْتَ حتّى لذوي العُدْوان / سياسةً بيّنةَ الرُّجْحان
مخلوطة الشِّدّة باللِّيان / والخَلق من عدلك في أمانِ
منعتَهمْ مِن إحَن الأضْغان / بِسيرةٍ راجحة المِيزانِ
وحكمةٍ واضحةِ البُرْهان / فكلُّ من والاك في غُنْيانِ
وكلُّ مَن عاداك في خُسْران / يا من به أَدفعُ ما دَهاني
ومَن به طُلْتُ على كِيوانِ / متى أؤَدّي شكَر من كَفاني
وخصّني بالوُدِّ واصطفاني / ومن بنُعمَى فضلِه حَباني
ومن بعينِ حِفظِهِ يرعاني / في السِرّ مِن نَجْواه والإعلانِ
ومن إذا أبصَرَني أدْناني / ومَن إذا سألتُه أرضاني
كأنّه أبٌ عليَّ حاني / ومَن به سعادتي تغْشاني
لولاه ما نِلْتُ مَدَى الأماني / ولا احتلَبْتُ دِرّةَ الزّمان
يا خيرَ مَرْجُوٍّ ومستعانِ / عليكَ في كلِّ ثأىً تُكْلاني
وأنت سَؤلي وبِك ازدياني / وهاكَها واضحةَ التِّبْيان
بِكراً بدت في هيئةِ الغواني / معدومةً معجزَة الكيان
تَضِيق عنها سَعَةُ الأذهان /
وزَوْلةٍ مُقْرَبةٍ مُسِنّهْ
وزَوْلةٍ مُقْرَبةٍ مُسِنّهْ / رِيفيّةٍ تَقذِفُ بالجُبُنّهْ
في قالِبٍ أسفلُه مِشَنّهْ / ثم بدت بيضاءُ مُقْبَئِنّهْ
كالبَدْرِ لمّا لاحَ في الدُّجُنّهْ / أعذَبَ مِن رِيق حبيب بُنّهْ
وحولهَا غِيدٌ كأنّهنّهْ / بَرَزْنَ مِنْ حُورِ نِساءِ الجَنّهْ
يرِمين عن كُحْلِ عُيُونهِنّه / لواحظاً أمضَى مِن الأَسِنّه
أُرهِفْن حتّى صِرن كالأعِنّه / يَمسْن والأردافُ مرْجَحِنّه
يا ليتني بين نهودِهِنّه / أَرشفُ من خَمْر ثُغورِهِنّه
وأجتني وردَ خدودِهِنّه /

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025