المجموع : 16
ومَهْمَه مُشتبِهِ الأَرْجاءِ
ومَهْمَه مُشتبِهِ الأَرْجاءِ / جَهْمِ الفَيافِي مُوحِشِ اليَهْماءِ
عارِي الرُّبَا إلاّ من النَّكْباء / صَلْدٍ عَزَازٍ شاسِع الفضاء
أجردَ مثلِ الصخرة الصمّاء / لو وسَمْته ثُغْرةُ السماء
بكلّ هَطّالٍ من الأَنْواءِ / كَنَهْوَرِ الغَيمْ سَحُوحِ الماء
ما قَدَرتْ فيه على خَضْراءِ / كأنّه مَنْخَرِس البَوْغاء
فَهْوَ كمثل الهامة الحَصَّاء / مشتبه الإصباح بالإمساء
يستُر فيه رَوْنَقَ الضَّحاء / ما ترفَع الرِّيحُ من الهَباء
كأَنَّما لُفّ بطِرْمِساء / قَفْرٍ يَبَابٍ بَلْقَعٍ خَلاء
إلاّ من الآجَال والأَلآء / تعزِف فيه الجِنّ بالعشاء
عَزْفَ قِيان الشَّرْبِ بالغِناء / غَبَقْتُه في ليلةٍ لَيْلاء
دَعْجاءَ كالزَّنْجيّة السوداءِ / على عَسِيرٍ فُنُقٍ فَرْقاء
حَرْفٍ هجانٍ لونُها قَوْداءِ / خَطّارةٍ زَيَّافةٍ وَجْناء
مَضْبورةٍ تَفْعَل بالبيداء / فعلَ قَراح الماء بالصَّهباء
قطعتُه مشيِّعَ الحَوْباء / بعَزْمةٍ صارمةٍ صَمَّاء
قطْعَ نجومِ الليل للظّلماء / حتَّى إذا قلتُ دنا التَّنائي
أصبح قُدَّامِيَ ما ورائي / والشمس قد حلّت ذُرَا الجَوْزاء
تُذِيب حرًّا هامةَ الحرْباء / وتقدَح النارَ من المَعْزاء
حتى ترى العِينَ لَدَى الرَّمْضَاء / جواثماً مَوْتَى على الأَطْلاء
والضبّ لا يبدو من الدَّامَاء / خوفاً من الإثْفَاء والإحماء
عقدتُ وجهي فيه بالأذْكاء / عَقْدَ اللَّمَى بالشَّفَة الَّلمياء
أسيرُ في دَيْمُومةٍ جرداءِ / ليست بمَشْتاة ولا شَجْراء
حتى وصلتُ الصبحَ بالعشاء / لا مُسْتدلاًّ بسوى ذَكائِي
وصاحبي أمْضَى من القضاء / في ظُلَم الأكباد والأحشاء
غَضْبٌ حُسَامٌ جائلُ الَّلأْلاء / كالبرق في دِيمته الوَطْفَاء
عَليَّ زغفُ لأْمةٍ خضراء / مسْرودةٍ محبوكةِ الأجزاء
سابغةٍ كالنِّهْيِ بالعَراء / فلم أزَلْ في صَهوة القَبّاء
أَرْكض بالدَّهْماء في الدَّهْماء / مُعْتقلاً بالصَّعْدَة السَّمراء
حتى طرَقتُ الحيّ بالخَلْصاء / من آل سعدٍ وبَني العَراء
همُ مُرَادِي وهمُ أعدائي / والصُّبْح قد ذاب على الهواء
كالثلج أو كالفِضّة البيضاء / يا ربّة الحمراءِ والصفراء
والناقة العَيْرانة الأَدْماءِ / والخالِ فوق الوجنة الحمراءِ
ماذا على مقلتك النَّجْلاَء / والشَّفَةِ الوَرْديّة اللَّعْساء
وقدِّك المائل في استواء / ورِدْفِك المالئ للمُلاءِ
وقلبِك المقلوب للجفاء / لو قُلِبَ الدّاءُ إلى الدواء
وروضة باكرة الأَنْداء / مُؤْنِقَةِ البيضاء والكَحْلاء
ظاهرِة الحمراء والصّفراء / كأنَّها المَوْشيُّ من صَنْعاء
مُعْلَمةِ الحُلّة والرِّداء / أبهَى من الحَلْى على النساء
باكرتُها في فِتْيةٍ وِضاء / بأكؤسٍ مُتْرَعَةٍ مِلاَء
يَسعَى بها منفرِجُ القَباء / أحوَرُ رَطْب اللَّفظ والأعضاء
يفهَم بالّلحظ وبالإيماء / فهو مُنَى مقلةِ كلّ رَاء
نَشربها كريمةَ الآباء / صفراءَ لا نقهَرُها بماء
كأنّها في البطش والصّفاء / عَزْمُ العزيز المَلِك الأَبَّاء
الفاتِق الراتقِ للأشياء / والحازِم العازِم في الهيجاء
القائل الفاعِل للعلياء / ووارثِ الحكمةِ والأنباء
يا بنَ الهُدَى والعتْرة الغَرّاء / فَلّ بك المُلْكُ شبَا الأعداء
وطالَ في عزّته القَعساء / حتى لقد جازَ مدى السماء
إمامةٌ مَهْدِيّة الّلواء / ودولةٌ دائمةُ البقاء
محفوفةٌ بالعزّ والبهاء / عَمَّمْتَ بالعدل بني حوّاء
وسُسْتَهم بمُحْكَم الآراء / سياسةَ الوالدِ للأبناء
سالمةً من فِتَنِ الأهواء / ولم تَزَلْ تسعَى على سِيسَاء
مُنْتَصباً للعَوْدِ والإبداء / والأخْذِ في الدولة والإعطاء
حتى غدا الظالمُ في اختفاء / وعاد مَيْلُ الدِّين لاِستواء
نهضتَ بالثِّقل من الأعباء / نهوضَ مَنْ زاد على الأكفاء
كأنك المقْدارُ في الإمضاء / وكلُّ مَنْ عاداك في ضَرّاء
وكلُّ مَنْ والاَك في سَرّاء / أنت عِمادي وبك اعتلائي
وجُنَّتي في السَّلْم واللّقاء / وأنت في كلّ دُجىً ضِيائي
وأنتَ ممّا أَتقِي وِقائي / كم مُضْمِرٍ لي عُقَدَ الشّحناء
يَنْسُبُني فيك إلى السَّواء / جَبَهْتَهُ بالردّ والإقصاء
ولم تُمَكِّنْه من الإصغاء / حفظاً لطَاعاتي وللإخاء
حتى انثنى محترِقَ الأحشاء / والعدلُ جَبْهُ الكاشح السَّعَّاء
لا والدّمِ الجاري بكَرْبِلاء / ومَنْ بها من دائم الثَّواء
بني عليٍّ وبني الزَّهْراء / ذوِي التَّناهِي وذوي العَلاء
ما حُلْتُ عن مُسْتَحْسَن الصفاء / فيك ولا عن خالص الوفاء
في ظاهرٍ مِنّى ولا خَفاء / فكيف أَنْسَى مِنَنَ الآلاَء
يا مُلْبِسِي من سابغِ النَّعماء / ما فاض عن حِفْظِي وعن إحصائي
أضعفتَني فيه عن الجزاء / فما أُكافِي بسوى الثّناء
والشكرِ في التقريظ والإطراء / وفَيْلَقٍ مُشْتَبِهِ الضّوضاء
تَضيق عنه ساحة الفضاء / مُجْتَمع الأحداث والأَرْزاء
حُطْتَ به الدّين من الطَّخْياء / والملكَ من كلِّ امرئٍ عَصّاء
والمُلكُ لا يظفَر بالسَّناء / ما لم يكن يُغْسَلُ بالدماء
وأشْعثٍ كالفرخ في الخرْشَاء / مِن اتّصال الجَهْد والإشْفاء
عادَ بإنعامِك في إثْراء / كم من نَوَالٍ ويدٍ بيضاء
والَيْتَها عَوْداً على ابتداء / من غير ما منٍّ ولا إكداء
والمجدُ للجود وللإعطاء / يا واهب الأَعْوَج العَوْجاء
والغادِة المَمْكورةِ العَيْناء / والبِدَرِ الموفورِة المِلاء
والعِيس قد أُثْقِلن بالحِباء / ما خاب يوماً منك ذو استحباء
ولا غدَا منقطِعَ الرّجاء / فالمال من بُشرِك في بُكاءِ
جَوداً كَجود الغيث والدَّأْماء / من أنملٍ باكرةِ الدَمْياء
ليست عن المعروف في البِطاءِ / عادَ عليك العيد باستعلاء
والعزِّ في ملكك والنَّماء / ونَيْلِ ما ترجو بلا إرجاء
ما أرَّقَ الصبَّ بُكَا وَرْقاءِ /
قد أغْتِدي والليلُ في دُجاهُ
قد أغْتِدي والليلُ في دُجاهُ / والصبح لم يَنْهَضْ به سَناهُ
على حِصَانٍ شَنِجٍ نَساهُ / أنْبَطَ نَهْدٍ عَبِلٍ شَواه
سامي التَّليلِ سالمٍ شَظَاهُ / ذي غُرّة أوّلُها أُذْناه
جاز بها مسيلُها مداه / حتى لقد كادت تُغَطِّي فاه
مُسْتكمِل التّحجِيلِ مُسْتَوْفَاه / أربَعُه وبطنُه أشباه
مُخالِفٌ أسفلُه أعلاه / بدُهْمةٍ قد ملأتْ قَراه
وانصبغت منه أليَّتاه / فهو دُجىً يَحْمِله ضُحاهُ
تَسْبِق أقصَى لحظِه خُطاه / لا يَطَأُ التُّرْبَ ولا تَلْقاه
رِجلاهُ في العَدْو ولا يَداهُ / كأنه يطير في مَجْرَاهُ
إذا دعا ليثُ الفَلاَ لبّاه / أسرعُ للشيء إذا ابتغاه
منْ مَبْلَغ السَّهْم لُمنتهاه / مُرْتَبِطُ الرِّجْلِ بما يَراه
كالّلفظ ملتفّاً به معناه / تحسُد منه يدَه رجلاه
حتى يكاد وهو في مَعْدَاه / تَسْبِق أُخْراه به أُولاه
لا يَشْتكي من تَعَبٍ وجَاه / ولا تَنَدّى عَرَقاً جَنْباه
كأنّه إذا جرى سواه / لو نام فوق مَتْنِه مولاه
وهو شديد العَدْوِ لاسْتَوطاه / ولم يَطِرْ عن جفنه كَراه
أشْوسُ في مِشْيته تيّاه / يُطاولِ الجوزاءَ مَن مَطَاه
وأشْهبٍ مِخْلَبُهُ شَبَاهُ / كلُّ ذوات الرِّيش مِن عِدَاه
بات يَهِيج جوعَه غَدَاه / كأنّ فَصَّيْ ذهبٍ عيناه
في هامةٍ قد بَرزتْ وَراه / هادِيَةٍ مَنْ ضَلّ عن سُراه
يكاد أن يَحْرِقه ذَكاه / لو طلب الكوكبَ لاَنتهاه
ما غاله يوماً ولا أعياه / ما رَمَقتْ في الجوّ مُقْلتَاه
بيناهُ يبغي جائعاً قِرَاه / إذ وقع الحُبْرُج في رُؤْياه
وحلّه القانصُ من يُسْراه / وطار يَهْوِي نَحْوَه يَغْشَاه
حتَّى إذا قارَبه عَلاَه / بَوَقْعةٍ بَزّ بها قُوَاه
كما وَهي من شَطَنٍ رِشَاهُ / ثم بَدَا وهْو على قَفَاه
وسلَّ من فؤاده حشاه / مُخَضَّباً من دمه ثَراه
يا شِقْوَة الحُبْرُج ما دَهاه / لم يَسُؤ البازِيَ ما جناه
إذ رَجَع الحبرجُ ما لاَقاه / ثم رأى من بعده أخاه
وبركةً تَتْبَعُه أُنْثاه / وكرّ لا يجبُن عن هَيْجاه
وكلُّ بازٍ معه فتاه / حتى سَقَاها المُرَّ من جَناه
فأَضحتِ الأَرْبَعُ من قَتْلاَه / فَلَحْمُنا الغَريضُ من صَرْعاه
وكلُّ خيرٍ عندنا نؤتاه / فبَعْضُ ما عاد به مَسْعاه
أعطى البُزاةَ اللهُ من معناه / ما لم يَحُزْ صَقْرٍ ولا رآه
يومُ البُزاة كلّه أُسَاه / أنا ابن مَنْ زينتْ به عُلاَه
وابنُ الذي عتم الورى نَدَاه / وشيّد المُلْكَ الذي حواه
وكان من كلّ أذىً حِمَاه / ذاك المُعِزُّ الماجد الأَوّاه
مَنْ لم يكَدّر مَنُّهُ جَدْوَاه / ولم يُمَحِّص إثْمُه تَقْواه
ولم تغير دينَه دنياه / صلى عليه الله واصطفاه
وسَمْحةٍ قبل الطَّلَبْ
وسَمْحةٍ قبل الطَّلَبْ / لكلّ من دب وهَبّ
تَسْري ولا تشكو التَّعبْ / ذات افترارٍ عن شَنَب
تَطْرَبُ من غير طرب / كية بلا وَصَب
كأنّما الجوّ أنْتَقبْ / منها بمسك واختَضب
حتى إذا الرّعد خَطَب / وناح شجواً وانْتحب
وجاء فيها وذهب / وخرَق البرقُ الحُجُب
كأنّه لما اضطرب / سلاسل من الذّهب
أو مارجٌ من اللَّهب / أو حاصِبٌ وما حَصَب
أو سَلّ في الأُفق قُضُب / تخالُه بين السُّحُب
يعدو بشقْر وشُهُب / حتى إذا القطرُ انسكب
واحتفل السَّيل وعَبْ / وانقشع الغيمُ الَّلجِب
كأنّه لمّا انقلبْ / خِضابُ حِنّاء نضب
فالأرض في زيٍّ قُشُب / تَبَرَّجت لمِن خطب
تَبرُّجاً يُرضِي اللَّعِب / لو جاز ذو الفهم الأَلَبّ
في نَعْتِها كلَّ سبب / وكلِّ حدّ ما كذَب
أما تَرى دُعْجَ النُّقُب / وعسكرَ الليل غلَب
على النّهار فغَرَب / كأنّما الصّبحُ عَتَب
على دُجَاه أو غَضب / فمُدْ جفاه لم يَشِب
فقم إلى الراح فشُبْ / بالماء منها ما صَلُب
وسقِّني بنتَ العنب / أَقْضِ من اللّهو أَرَب
أما تَرى العود اصطخَب / وقد مشى الزَّمرُ خَبَب
والطَّبل يحبو ويَشِب / والرّاح ترمي بالحَبَب
يَدور في غير قُطُبْ / تقتُل سُكْراً مَنْ شَرِب
إن تَرْمِ نَدْماناً تُصِبْ / فعقلُه لها سَلَب
لكن يعودَ عن كثَبْ / فاشربْ وخُذْ من ذي النُّوبَ
ما لان واترك ما صَعُب / وعَدِّ عن لَيْتَ ورُبْ
فالدّهر قِدْماً ذو شَغَب / فاقطعْ لياليه طَرَب
فكم نأى ما قد قَرُب / وارتدّ مُرّاً ما عَذُب
وعاد بالأمن الرَّهَب / فالهمُّ عجزٌ وتعب
إنّا لأُمٍّ ولأبْ / يجمعنا خيرُ نَسَب
إلى النبيّ المُنْتَخَبْ / من آل عبد المطَّلِبْ
أفضل بيت في العرب / فارْضَع بنا ثَدْي الأدَب
فإنّه أعلى الرُّتَب / وخيرُ موهوبٍ وُهِب
يا عَجبي كلّ العجب / من ذا الزمان المُنْقَلِب
أَمرّ حتى لم يُطِبْ / وصلَ حبيبٍ لِمُحب
أذنبَت يا دهرُ فتُبْ /
يا مالكَ الحسن تَمادى الجفا
يا مالكَ الحسن تَمادى الجفا / منك ودام الشوق من قلبي
ولستُ أسمو منك إلاّ إلى / مقدار ما يُطْفي شجا الصَّبّ
لقبلةٍ تَجْزِي بها بعضَ ما / أصفيتُه وجهَك من حيّ
لم يُعْلِ ذا الدهرُ سِوَى
لم يُعْلِ ذا الدهرُ سِوَى / قومٍ لئامٍ حَقَدَهْ
فدَعْه مَعْ أشكاله / وأتركْه مع من عَبَدَه
ورُحْ بنا نشربُها / مدامةً مُنْتقدَه
كأنّها في كأسها / ياقوتةٌ في بَرَده
مسْكٌ وشُهْدٌ جُمِعا / في شعلة مُتَّقده
فقم فقد جَنَّ دجا ال / لَيلِ وغاب الحَسَدَه
وأسعِدِ اللهوَ فقد / أفلح من قد أسعَدَه
لا سيِّما إن حُرِّكتْ / عيدانُنا مُجْتَلِده
وشُيِّعت بالضرب من / أيدي القيان النَّقَدَه
لا تُبْسقِ يوماً لغدٍ / فأَبْعَدَ اللهُ غدَه
لا بُدَّ مما قدّر ال / له وممَّا عقدَه
وصامِتِ الجوّ بَعيدِ الفَرْقَدِ
وصامِتِ الجوّ بَعيدِ الفَرْقَدِ / مُشْتَبِهِ الأعلامِ جَهْمِ المَشهدِ
مَرْتِ الرُبَا عاري العَرَاء فَدْفَدِ / يحارُ فيه كلُّ هادٍ مُهْتد
صَلْدِ السَّبَارِيتِ صَلِيبِ الجلْمَدِ / يُمْرِضُ فيه الريحَ بُعْدُ المقصِد
ليس به غيرُ الظلام الأسودِ / يظلُّ فيه الركبُ هيمانَ صدِ
قَطَعتهُ يقظانَ لم أستنجد / إلا بِمتْن الصارم المهنَّد
والليلُ مضروب الرُّواق الأَرْبَد / على قَلْوقِ الرحل مَوَّارِ اليدِ
عَوْدٍ جَدِيليّ صريح المَحتِدِ / كأنني منه على خَفَيددِ
وكلّ هِرْجابٍ أَمُونٍ أجُدِ / لو سُلِعت في النار لم تَبَلَّد
ولو سَرَتْ ما بقِيَتْ لم تُجْهَدِ / من المراسيل العِتَاق الوُخَّد
الشَدْقميّات العِرَابِ الشُرَّد / مَهْرِيَّة النِسْبة لم تفنَّد
لها على الإرقالِ والتمرُّد / عَزُّ الموالي واحتمالُ الأعْبُد
تقول للَمْعزَاء لا تَبَّعدِي / قَوْداء في السير ولم تُقَوّد
تُعِيد في إرقالها وتبتدي / كأنها في جِنَّة لم تُجهَد
تعطِيك ما اعتادت وما لم تعتدِ / كأنها جاءت بأعلى ثَهْمَد
تسبَحُ في الآل إذا لم تُسْئِد / والآلُ في رَقْراقِهِ الممدَّد
كالماء في صَرْحٍ له ممرَّد / يحسبه الغائب ما لم يَشهَد
ماءَ خِضَمّ المَوْج طام مُزْبِدِ / وآسِنِ الطعم قذِيِّ الموردِ
مِلحٍ أُجاجٍ كدموع الأرمَدِ / وردتُه تحت الظلام المُلْبِد
والليلُ جونُ المِرْطِ أَحَوى الجسدَ / قبل هبوبِ الطائرِ المغرِّد
حتى تَبَدّى الصبح ظهر المِبردِ / والليل في مَغْرِبه لم ينفَد
كأنه كُحْل عيون الخُرَّد / تخاله فوق الصباح المنجِد
صُدْغين في خدّ غلامٍ أمردِ / وأنجمُ الظلماءِ لم تَبَدّد
كأنها لآلئٌ لم تُعْقَد / سابحة في فَلَكٍ من عَسْجَدِ
وتارةً تَسْبَح في زُمُرُّد / سَبْحَ المَدارِي في أَثيثٍ أجعد
كأنما شِعْراه إذا لم تَخْمُدِ / جُمَانةٌ في كفّ عبدٍ أسود
يا كاتِمَيْ سِرِّ المشوقِ المُكْمَد / هل فيكما بالله لي من مُسْعِدِ
إذا رمى الليلُ عيونَ السُّهَّدِ / مِن نَشْوَتَيْ كلّ كَرىً بِمرْوَد
كم زَورةٍ لي تحت ذاك المرقِد / في حَيّ سهم بالظلام مُرْتَدِ
لا مستعينا بسَوى تجلُّدي / أسرَى وأمضَى في الدُّجَى من فَرْقَد
حتى أبِيت بين غِيدٍ نُهَّد / أرشُف شَهْداً كامِنا في بَرَد
ملتزِماً هِيفَ الخصورِ المُيَّد / ما أنتِ يا لَيْلي سوى غُصْنٍ ندِ
تميس في غُصْن نَقًى مُلَبَّد / وقَمَرٍ فوق قضيبٍ أَملَدِ
تَفْتَرُّ عن كاللؤلؤ المنضَّد / صِيغ لها من عسلٍ مجمَّدِ
فهُوَ متى هَمَّ بذوب يَبردِ / الثلجُ لولا بَردُه لم يَجمُد
وفاتِر الطَرْف عليلِ الموعدِ / أضعف من لحظِيَ بين العُوَّد
يقتل من يشا ولكن لا يدِي / يجور في حكم الهوى ويعتدي
يا حبَّذا قَوْلتُها قَدْك أقصِد / أذَبْتَنِي بالضمّ والتشدُّدِ
يا شَرها من قُبَلِي ومن دَدِي / يكفيكَ ما في الخدّ والمقلَّد
وناهدٍ منتصبٍ مِلءْ اليدِ / كتما كَحْسو الطائرِ المصرَّد
لم تر عين مثل هذا المشهدِ / مستعبَدٌ يعبث بالمستعبِد
حتى إذا خِفتُ عيون الهُجَّد / وانكدرت زُهْرُ النجومِ الوُقَّد
ولاح ضوءُ الفجر كالسيف الصدِي / قامت تَهادَى كالغزال المفردَ
تقول يا ليت الدُّجَى لم يُطْرَدِ / وقد جرت أدمُعُها بالإثْمد
على نقاءِ خَدِّها المورِّد / فهْيَ عليه كالعِذَار المبتدي
وبارقٍ مثل الحريق المُوقَد / أَرَّق عيْنَيَّ فلم أوَسَّدِ
يُومِض في نِشاصِهِ المعمَّد / كصفحَة السيف إذا لم يُغْمَدِ
مهما يَلُحْ في حَجْرتيه يرعُد / طَوْع ندى الريح وسؤل الروَّدِ
كأنه في هَطْله المجوَّد / كفُّ العزيزِ الملِك المؤيَّد
إذا اعتراه مُعْتَفٍ أو مُجْتَدِي / يا عِصْمة الخائِف والمسترشِدِ
وحُجَّةَ الله التي لَمْ تُرْدَدِ / بعد النبيّ المصطفَى محمّدِ
دعا بك الملحِد كالموحِّدِ / جرَّدت عزماً كان لم يُجَرَّد
حتى عقدت دولة لم تُعْقَد / قبلك يا بن الخُلفاء المُجَّد
ففضلك الفضل الذي لم يُجْحَد / شهِدْتُ والملعون لم يَشهد
بأنّك الطالب ثأْرَ أحمد / وأنك الرائح فيه المغتدي
وأنك الوارث كلّ السؤدد / وأنك الواجد ما لم يوجَد
أعطاكَها الله فخذها وأحمد / فالله يكفيك عيون الحسّد
بالبيت حِلْفاً فالصفا فالمسجد / ما شيَّد الدولةَ من مشيِّد
مِثْلُ العزيز الملِك المخلَّد / شدّ من المُلْك عُراً لم تُشْدَد
إني بأفعالك قِدْماً أًقْتدي / ولم أَزَلْ أَهدِي بها وأهتدي
هُنَاك شَهْرٌ طالع بالأسعد / حتَّى دوامِ عِزّك المجدَّد
فصُمْه بالتقوى وبالتهجّد / محتسِبا لله بالتعبّد
فأنت فيه رُشْد من لم يرشُد / ورِفْدُ مَنْ أكدى ولم يسترفِد
وعِيدُ من صلَّى ولم يعيِّد / يا سبب النور الذي لم يخمد
وحكمةَ الله التي لم تنفَدِ / وشبْه داعِيه النبيّ الأحمدِ
أنت إمامٌ لي بلا تقيُّد / لا هُمَّ فاشهدْ ثم لاهُمَّ اشهدِ
إن نِزاراً غايتي ومعقِدي / أنا بريء مِن عِداك مفتد
إن لم تكن ذي نيَّتي لم أسْعَدِ / لولاك لم أَسْمُ ولم أُسَدَّد
فابقَ لِرَعِيْ مُلْكك الممهَّد / ممتَّعاً بعزّك المؤيَّد
رَبْعٌ لأسماء بربع دارِ
رَبْعٌ لأسماء بربع دارِ / بين نَقَا الصَّمَّان فالضِمارِ
تأبَّدتْ إلاّ من الإقفار / ومن شجيج في الثرى مَوَّار
وشطْر نُؤْيٍ دارِس الآثار / كأنه مقسَّم السِّوارِ
أخنَى عليها كلُّ غادٍ سارِ / داني الربَاب شاسِع الأقطار
واهِي الكُلَى منفتِق الأزرار / كأنّ لَمْع بَرْقه المُثَار
يفترّ عن مثل أُوار النار / أو منتضٍ سيفاً من النُضَار
أو لاعِب في الأُفقْ بالشَرَار / يكاد أن يذهب بالأبصار
حتى إذا أرخى على النهار / هَيْدبهَ ليلاً بلا انفجارِ
وكحَّل الجوَّ بمثل القارِ / وقام فيه الرعد كالمِزمار
غنَّت له الريح بلا أوتارِ / ما ظلّ في رفع وفي انحدار
يختلِط الإقبال بالإدبار / ثم حدَتْه الريحُ باقتدارِ
حتى تبدّى يَقَقَ الإزار / واختال بالمشي بلا استدار
كمشية السَكْرى من العُقَار / منبِجساً بالدِيمَ الغِزار
وكلّ سَجْلٍ واكفٍ مِدرارِ / فغنَّتِ الأطيارُ في الأشجار
ونمَّتِ الأرضُ على الأمطار / بما اكتستْ من بِدَع النُوَّار
من أحمرٍ قانٍ على اخضرارِ / وأبيضٍ قد لاح في اصفرار
كدِرهم رُكّب في دينار / وقد بدا السوسنُ في البَهَار
كلازَوَرْدٍ ذُرَّ في جُلْنَار / كأنّ غُدْران الحبَابَ الجاري
لاعبة بالنَرْد في الأنهار / فانظر لحسن الروض في آذار
وما أتى فيه من الأنوار / وداوِ بالخمر أذى الخُمَار
إن الصِبَا أحرى من الوقار / فاغدُ عليه خالعَ العَذَار
وصاحبٍ مهذَّبٍ مختارِ / ليس بفضَّاح ولا غدّار
ولا على نَدمانه بزار / ناديتُه في ليلة مقمارِ
قبل اتّضاح الصبح والإسفار / والطيرُ ما هبَّت من الأوكار
والنجمُ وَسْط الفَلَك الدوّار / يأمُر جيش الليل بالفرار
فهاتِها من كفّ ذي احورارِ / ساجي الجفونِ قانئ الأظفار
فقال لي لَبَّيك باستبشارِ / ثم تمطَّى كالهِزَبْر الضاري
ينقِّض النوم عن الأشفار / وقام محتثّاً إلى الخَمَّار
وابتاع منه الراح باختصارِ / بلا مماراةٍ ولا إكثار
بمثلها وزنا من النُضار / محتسِباً بُعْدَ مَدَى التِجَار
وسَاله هل طُبِخت بنار / فقال لا والطُرَح الكبار
أَوْلاً فإني قاطِع الزُنَّارِ / ما عُذِّبت بالنار والأُوارِ
ولا علتها قَدَما عصَّار / ثم أتانا طيّب الإخبار
كظافرٍ فيما اقتنى بثارِ / جذلانَ يستعبد باب الدار
فلم يَزلْ بالقَدَح المِدرار / يُعمِلها دأْباً وبالكِبار
حتى تضجَّعت بلا اختيار / ونلت مما أَشتهي أوطاري
فهذه وقائع الأخبارِ / لا وقعةُ الحَشَّاك والثرثار
وطامِسِ الأعلام في ازورارِ / مَرْت الرُبَا والسهل والأوعار
كأنما المُصْبِح فيه سارِ / من هَبَواتِ النَقْع والغبار
قطعته خِلْواً من الحِذار / مشتبِه الإعلان بالإسرار
بعيسجورٍ حُرّةٍ مِسيارِ / خطَّارة قَرْواء من خُطَّار
قوداء لم تعطِف على حُوَارِ / يعدو بها منّي أخو أسفارِ
نِضْو جَفَتْهُ لذَّةُ القَرَار / والنومُ حتى سِنَةُ الغِرَار
نحوَ الإمامِ المصطفى نِزارِ / مَنْ فَضَل الأملاك في النِجَارِ
فضلَ ضياءِ الشمس للأقمار / وقام للمُلْك بكل ثار
ولم يزل قَرْماً منيع الجار / عَذْب السجايا حامِيَ الذمَار
دانت له الشُوس من الأعصار / كأنما يَضِرب بالمِقدار
يا بن الهُدَاةِ السادِة الأبرارِ / الأوصياءِ القادة الأطْهار
أربيتَ في الجود على الأمطار / وزِدْتَ في الجَدْوَى على البِحار
حتى حللت عُقْدة الإعسار / وذُدْتَ عنا نَكَد الإقتار
تسري أياديك لكلِ سارِ / أمسى بك الناس ذوي إيسار
قلْ للعزيز الملِك المِغوار / يا خِيرة الله من الأخيار
ووارثَ الآيات والآثار / وصاحبَ الكنز من الجِدَار
ويا مُقِيل زَلَّة العِثار / أضحى بك المُلْكُ منيع الجار
والدينُ فينا واضح المَنَار / وكان لولاك بلا أنصارِ
فالليلُ من عدلك كالنهارِ / والجوَرْ في حَطّ وفي انحدار
والدهر في مُلْكك في وقارِ / ومن أبي القاسم في استبشار
يختال في حِجْلٍ وفي سِوَار / وليّ عهد المسلمين الشاري
للحمد بالدرهم والدينار / ومالك السهل مع الأَوعار
وفاتح البلد والأمصار / لا زال ما عاش بسعد جارِ
مؤيَّد الإيرادِ والإصدار / عفَّ معاني الجهر والإسرار
فكن له اللهمَّ خير جارِ / وهَبْ له أقصى مَدَى الأعمار
وارمِ عَداه عنه بالصَّغَار / واجعلهم أشأم من قُدَار
وصَلّ ما غرَّدتِ القَمارى / على العزيز المصطفى المختار
وهاكَها نتيجةَ الأفكارِ / معشوقةَ الإسهاب والإكثار
تُعدّ في الجوهر لا الأشعار / كالروض غِبَّ المُزْن والقِطار
طيبُ جَنَى أبياتها القَصارِ / من رجزٍ كالشَدْو بالأوتار
والوصِل وافي أَثَر اهتِجار / أحرّ لفظاً من لهيب النار
تبقى بقاء الوسم في الأَبشار /
يا من حوى الفضل وحاز الفخرا
يا من حوى الفضل وحاز الفخرا / وكسف الشمسَ وفاق البدرا
إني وإن أتعبتُ فيك الفكرا / حتى أَجَدْتُ وزنه والنثرا
لمستقِلّ لعُلاك الشعرا / يا من إذا ما جاد فاق القَطْرا
ويتبِع المعروفَ منه العُذْرا / ويبذل المال ويَشْري الشُكْرا
قصَّرتُ إن خِلْتُ نداك البحرا / وكيف يحكي المستطابُ المُرَّا
إن المعِزَّ الملِك الأغرّا / لم يُبْق من بذل نداه حُرّا
قد ملك الناسَ معاً والدهرا / وإن غدا أسنى وأعلى قَدْرا
إن يملِك العالمَ أوْ ذا العصرا / كم طال بالمجد النجومَ الزُهْرا
وفلّ بالرأي العوالي السُمْرا / وصيَّر الجود عطايا تَتْرَى
حتى نَفَى العُدْم وجَلَّى الفقرا / لو صافح الصخَر ألان الصخرا
لولاه لم نلق الندى والبِرّا / ولا رأينا الجود فينا جهرا
يُكسبه بذلُ نداه بِشرا / ولا يَرَى المعروف شيئاً وَعْرا
سَمْح السجايا مستهِلاًّ عَمْرا / أرحب مَن يمشي عليها صدرا
يدَّرِع التقوى ويوفِي النَذْرا / لاهمَّ قد قصَّرت فيه غَفْرا
قد أغتدي قبل طلوعِ الفجر
قد أغتدي قبل طلوعِ الفجر / والليل في مثل خِضاب الشَعْرِ
كالجَور أو كالظُلْم أو كالغَدْر / وأنجمُ الجوزاء فيه تسري
كأنما تقِيسه لتدري / كم فيه من باع لها وفِتر
وللثريّا طمع في البدر / فهي له حيث مضى في الإثْر
كأنما تطلبه بوِتر / بأكلبٍ تطِير حين تجري
من كل قباءِ الحَشَا والخَصْر / تكاد من تلويحها والضُمْر
تلمِس بالبطن فَقارَ الظهر / وافِرة الزَوْر رحيب الصدر
ذواتِ أشداق كفتح الشبر / شُقِقن للآذان أو للشطر
من الخدود السائلاتِ الصفر / عن مثل أطراف الرماح السُمْر
فهنّ أمضى من خُطُوب الدهر / حتى إذا ما أوغلت في القَفْر
وهنّ في فَرْط القُوَى والكِبر / يمرَحْن في العَدْو مَرَاح السُكْر
كأنّ فيهن حُمَيَّا الخمر / ينظرن عن تقطيع لحظٍ شَزْر
أهوى بها الكَلاَّبُ نحو عشر / من بقر الوحش بدت في سَطْر
ومثلِها من الظِباء العُفْر / فطِرْن كالبرق خِلاَل القَطْر
يهوِين مَهْوَى النجم حين يسري / أمضى من الماء جرى في حَفْر
حتى إذا مَلَكْن مِلْك القَهْر / وحشَ الفلا تحت غبار النسر
غادرنها في النَّقع مثل الجُزْر / فهنّ صرعى دمُهنّ يجري
ثم نزلت مسرِعاً عن مُهْري / أقطعُ من أوصالها وأفري
حتى غلت فوق الأثافي قِدْرِي / يالكَ من طَرْد كحرّ الجمر
نحرت فيه الوحش أيَّ نحر / نحر الوصيّ جيشَ آل صخر
قد أغتدِي قبل الصباح المسفِر
قد أغتدِي قبل الصباح المسفِر / والليلُ في ديجوجه المعسكِرِ
وأنْجُم الجوزاء لم تغوِّر / كأنها تحت الرواق الأخضرِ
تَسْبَح في باطِنيةٍ من عنبر / والأُفْق قد غرَّب فيه المشترِي
كدرّة في أذْن أحوى أحور / وافترقت بيضُ النجوم السُّمَّرِ
كما زهت قِلادةٌ من جوهر / سبقتُ أوُلي فجرها المنوِّر
بأكْلُبٍ مخرنطِمات ضُمَّر / مهروتة أشداقُها للحنجرِ
من كل مفتول الذراع قَسْرِ / ليس بمسبوقٍ ولا مقصّر
مستأسِد مؤيّد مظفّر / يلاحِظ الوحش بعين المثأرِ
كأنه من لونه المشهَّر / ملتحِف بحُلَّة من عَبْقَر
لو مرَّ يخطو في الكثيب الأعفرِ / وهْو شديد العَدْو لم يؤثّر
يكاد من سرعته في العِثْيَر / يسبِق ألي زَوره بالمُؤْخِر
لو سار يجري سَنَةً لم يفتُر / فصاد عشرا في الفضاء المقفرِ
لا يضع الناب بغير منخر / فأيّ جأْب عانةٍ لم يَجزُر
وأيّ ثور للمَهَا لم يَنْحَرِ / ضرَّجها من دمها المثعنجِرِ
حبائل للوحش قَيدُ الجؤذر / أنا ابن من شُفِّع يوم المحشر
وابن الذي خُصَّ بنهر الكوثر / وابن المعالي والفخار الأشهر
مباركُ الفرعِ زكيّ العُنْصُر / سُدْنا الورى سيادة لم تنكَرِ
ولم يزل فيها عذاب المُجْتَرِي / فسل بنا آيَ الكِتاب تُخْبَرِ
يا رب ليل من ليالِي الكوزِ
يا رب ليل من ليالِي الكوزِ / قطعته بطَفلة عجوز
معشوقة المَخْبَرِ والبُرُوزِ / أَذابها حَرّ لَظَى تَمُّوزِ
حتى بدت كالذهب الإبريزِ / أرقَّ من فهمِي ومن تمييزي
فالطرْف فيها ليس بالمحجوز / عن لحظةِ الغامز للمغموز
كأنَها صَفْوُ نَدَى العزيزِ /
بَعَثْتُها مِن صِرْف راحٍ قَرْقَف
بَعَثْتُها مِن صِرْف راحٍ قَرْقَف / كأَنها ياقوتَةٌ في شَنَفِ
أو أَرَجٌ في قَدَحٍ مُسْتَطْرف / يَحْلِفُ مَنْ يَشربها بالمصحف
بأنها لو لم تَفُح لم تُعْرف /
إن لم تكن عيني بكم
إن لم تكن عيني بكم / لدمعها متّهَمة
فلا عَداني سَقَمٌ / ولوعة ملتَزمة
علامَ يا مالكتي / كفران حبي ولِمَه
وسلوَتي ساكنةٌ / وزفرتي مغتلِمه
وكيف لا يظلمني / ظلاّم بدر الظُّلُمة
وناعمِ النبتِ أَنيقِ الرسمِ
وناعمِ النبتِ أَنيقِ الرسمِ / خَضَّرَ حتّى هَضَبات الأكْم
جاد عليه كلّ غادي الوَسْم / منهتِن الشُّؤبوب هامي السَّجْم
حتى غدت قِيعانُه كاليَمّ / فهي طَوامٍ بالحبَابِ ترمى
إذا بدت في بحرِها الخِضمّ / واكتتبتْ فيه كمِيماتِ اسمي
ريحُ الصَّبا بدَجنها الأحَمّ / صاغت له دِرْعاً بِغيرِ كُمّ
كأنما عاصِفُها مِن عَزْمي / حتى إذا عادت كمِثل حِلْمي
وانجاب عنها كلّ مُدْلَهِمِّ / من مكفهِرّات الغُيوم السُّجْمِ
قابلتِ النجمَ بِمثل النّجم / نادمتُ فيهَا كلَّ قَرْمٍ شهم
مقبّل الخدّ رقيقِ الفَهْم / كلّهمُ صِنْويَ وابنُ عمّي
من نسل أبناء البتَول أُمّي / العلويّين العِذاب الطَّعمِ
والهاشميِّين الكرام الهُضْم / كل حسيبٍ ماجدٍ أشمّ
يجتنِب اللؤم اجتنابَ الإثمِ / ومسقم الطرف بغير سقمِ
مستطرَف النخوة عذب الظّلم / في العدل والجور مطاع الحُكم
يفتّر عن أبيض مثل الظَّلْم / كأنه حَبّ جُمان النظم
عذب جنَى الريق لذيذ اللثم / داوى بحثّ الراح داءَ هَمِّي
حتّى تضجّعت بغيرِ علمي / سكراً وفي النشوة كل غنم
والكَرَم المحض لبِنت الكرمِ / وزارني في الليل طيفُ نُعْمِ
بعد التنائي وليالي الصرمِ / يا عجبي للطائِف الملِمّ
هيّج جدّ لوعةٍ من حلمي / حتى لقد ضاق بِسِرّي كتمي
وشاب صبري بشباب غمّي / وناعمِ الريش خفيف الّلحمِ
أعجمَ من طيرٍ فصاحٍ عُجْمِ / أَمضَى من العارض حينَ يَهمي
من الحمَامِ المُخْولِ المُعِمِّ / يمرّ في الجوّ مرورَ السهم
أو مثلَ لمعِ البرق حين يهمي / أو لحظِ عينٍ غيرِ مستتِمّ
يكاد في تفتِيحه والضمّ / يفرق بين لحمه والعظم
حتى إذا جازَ مكانَ النَّجم / وصار في الأُفْق كمِثل الوَهْم
صوّب تصويب نجوم الرَّجْم / كأنّه مستنهَضٌ بحزِم
قل لبني المستردَفات العُقْم / إنِّي أنا الصِّلّ نَفُوثُ السُّمّ
والله لا يهنيء خلقاً ظلمي /
يا رُبَّ ليلٍ عَطِرِ الأَرْدانِ
يا رُبَّ ليلٍ عَطِرِ الأَرْدانِ / مِنْ نسِم النرَّجسِ والسُّوسانِ
كأنَّما أَنْجُمه الدَّواني / في أُفِقْهِ رَوْضةُ أقْحُوان
باتت به ساقِيَّتي نَدْماني / وبات رَيَّا رِيحِها رَيْحاني
حتَّى إذا امتدَّت يدُ الإدجانِ / والْتَحَفَ الجوّ بطَيْلَسان
وأَشبَهَ الهلالُ نِصفَ جان / قامت كما قام قضِيبُ بانِ
ظاهرةَ المِنْديل والخَفتان / في هيئةِ المُرْدِ من الغِلْمانِ
شاطرة ساحرة اللِّسان / ترفَّعتْ عن شَبَهِ النِّسْوان
وعن خِضابِ الكفّ والبَنان / واعتقلتْ عَواليَ المراّنِ
زِيَّ شُجاعٍ ولِقَا جبَانِ / حتَّى إذا ما دارتِ الكأْسانِ
وارتفَع المَثْلَثُ والمَثاني / وحُثَّت الأَقداحُ بالأَغاني
وشيّعتْها نَغَمُ القيانِ / والتَفتَ النَّشْوانُ للنَّشْوانِ
بتنا ضَجيعَين على مكانِ / ومالتِ السَّكْرَى على السَّكْرانِ
واختَلَطا بالضَّمّ والتَّداني / لَفَّ الصَّبا الأغصانَ بالأَغصان
يا لك من نَوْمَي ومن نَوْمانِ / عُلاَّ بِصرْفٍ من دَم الدِّنانِ
فاضطجَعا مَيْتَيْن في أَوانِ / واندَرَجا للوَرْدِ في أكفان
لو نُبِّها قاما يحدِّثانِ / عن عَجَب الفِرْدَوْس والجِنان
وكم سَبقتُ الصبحَ غيرَ وانِ / عند مَمِيل الجَدْي والمِيزانِ
والفجرُ يَحكي ذَنبَ السِّرْحان / بِأكلُبٍ تَمرَح في الأَشْطَان
صَوادقِ الألحاظ والأجفان / تَجمع في الَعدْوِ مِن الإمعان
بين شَبَا الأظفار والآذان / مختلفات الصِّبْغ في الألوان
مِن فاقع الصُّفْرة كالعِقْيان / وأبلَقٍ يَجمعُه لَوْنان
وحالكٍ نُقْبَتُه يَقْظانِ / كأنّما الساعدُ منه اثنان
خالي الحَشا مجتمع الجُثْمان / سامي الجِرِشَّى يَقِظِ الجنَانِ
كأنّ في فيه من الأسنان / كلَّ حُسامٍ صارمٍ يماني
يَختالُ في المَشْي اختيالَ الرّاني / لا تَسِمُ التُّربَ له رِجْلانِ
كأنّما يخطو على صَوَّانِ / يَملكِ ما يُدرَك بالعِيانِ
كأنَّه نادرةُ الزّمان / حتى إذا أَصْحَرَ في المَيْدَان
عَنَّ له عَشْرٌ من الغِزْلان / بين الرُّبا والكُثْبِ والقِيعانِ
فانسابَ يَبغي فُرصةَ الإمكان / كالبَرْق في مُغْلَوْلِبٍ جِنّان
أسرَعَ في التَّحريك والإسْكان / من أَنمُل الحُسّاب في الدّيوان
كأنّه حِدّةُ أُفعُوانِ / وأَرْسَلَ الصَّقْرَيْن قانصانِ
فَحلَّقَا في الجَوِّ يَعْلُوانِ / حتى إذا ساواهما كَلبان
صوّب هَذان وكَرّ ذَانِ / كما التقَى في الزَّحْف فَيْلقَانِ
وارتَفَع القَسْطَل كالدُّخَانِ / وارتجّت الأصواتُ بالإرنانِ
وحان حَيْنُ الظَّبيْ والأَتانِ / واهاً له مِنْ طَرَدٍ مُعانِ
بكلّ طرْفٍ سابحٍ حِصانِ / يَخْطو على أربعةٍ مِتانِ
متَّسِعِ المَنْخِر واللَّبانِ / ممزوجةٍ كَمْتَتُهُ بثانِ
من البيَاض اليَقَق الهِجان / فاحمرّ أعلاه إلى السِّيقان
وابيضّت اليدان والرِّجْلان / والوجهُ ثم اسودّت العَيْنان
فهو رِياضُ الحَدَق الرَّواني / شَعْرٌ صَقيلٌ وأَديم قاني
كأنّ فيه لَهَبَ النِّيرانِ / مُقابَلٌ يَمرَح في العِنانِ
أوثَقَ في التركيب منْ بُنْيان / كأنّما يداه طائران
مرتبط الحافز بالظِّلْمان / وبالمَهَا والأُتْن في الغِيطانِ
مثلَ ارتباط اللَّفظ بالمعاني / طِرْفَ العزيزِ الملِك المَنّان
وخَيْلُه السُّبَّق للرِّهان / كلُّ جَوادٍ ثابت الأركان
أذْكَى إذا حُرِّك من إِنْسانِ / ضَوامِنٌ في الرَّوع للفُرْسان
تَرْكَ الأَقاصي كالقريب الدّاني / كأنهمْ منها على عِقْبانِ
يا بن معزِّ الدِّين والإِيمان / وابنَ الملوك الشُّمِّ مِن عَدْنان
والهاشميِّين العظامِ الشانِ / ذوي المعالي وذوي السلطان
وابن الهدى والبِرّ والفُرْقان / كم مَرَّ بين الضَّرْب والطِّعان
من يومِ حربٍ لك أرْوَنانِ / آثَرْتَ فيه طاعةَ الرّحمان
حتى نصرتَ شِرْعةَ القرآن / نصرَ علىٍّ جَدِّك الدَّيّانِ
للدِّين في بَدْرٍ على الأوثان / لولاك كان الناس كالعميان
وأصبح الإسلامُ كالمُهانِ / وارتجع المعروفُ كالبهتان
وعُذِّب العافُون بالحِرْمان / يا غايةَ العافي وفَكّ العاني
وكوكبَ الساري وغَوْثَ الجاني / عادت بك الأيّامُ كالغَواني
يَخْطِرْن بين الحُسْن والإحسان / وأصبح المُلْكُ قليلَ الشاني
رَحْبَ المَغاني مُشْرِفَ المبَاني / عَفَوْتَ حتّى عن ذوي العِصْيان
ولنْتَ حتّى لذوي العُدْوان / سياسةً بيّنةَ الرُّجْحان
مخلوطة الشِّدّة باللِّيان / والخَلق من عدلك في أمانِ
منعتَهمْ مِن إحَن الأضْغان / بِسيرةٍ راجحة المِيزانِ
وحكمةٍ واضحةِ البُرْهان / فكلُّ من والاك في غُنْيانِ
وكلُّ مَن عاداك في خُسْران / يا من به أَدفعُ ما دَهاني
ومَن به طُلْتُ على كِيوانِ / متى أؤَدّي شكَر من كَفاني
وخصّني بالوُدِّ واصطفاني / ومن بنُعمَى فضلِه حَباني
ومن بعينِ حِفظِهِ يرعاني / في السِرّ مِن نَجْواه والإعلانِ
ومن إذا أبصَرَني أدْناني / ومَن إذا سألتُه أرضاني
كأنّه أبٌ عليَّ حاني / ومَن به سعادتي تغْشاني
لولاه ما نِلْتُ مَدَى الأماني / ولا احتلَبْتُ دِرّةَ الزّمان
يا خيرَ مَرْجُوٍّ ومستعانِ / عليكَ في كلِّ ثأىً تُكْلاني
وأنت سَؤلي وبِك ازدياني / وهاكَها واضحةَ التِّبْيان
بِكراً بدت في هيئةِ الغواني / معدومةً معجزَة الكيان
تَضِيق عنها سَعَةُ الأذهان /
وزَوْلةٍ مُقْرَبةٍ مُسِنّهْ
وزَوْلةٍ مُقْرَبةٍ مُسِنّهْ / رِيفيّةٍ تَقذِفُ بالجُبُنّهْ
في قالِبٍ أسفلُه مِشَنّهْ / ثم بدت بيضاءُ مُقْبَئِنّهْ
كالبَدْرِ لمّا لاحَ في الدُّجُنّهْ / أعذَبَ مِن رِيق حبيب بُنّهْ
وحولهَا غِيدٌ كأنّهنّهْ / بَرَزْنَ مِنْ حُورِ نِساءِ الجَنّهْ
يرِمين عن كُحْلِ عُيُونهِنّه / لواحظاً أمضَى مِن الأَسِنّه
أُرهِفْن حتّى صِرن كالأعِنّه / يَمسْن والأردافُ مرْجَحِنّه
يا ليتني بين نهودِهِنّه / أَرشفُ من خَمْر ثُغورِهِنّه
وأجتني وردَ خدودِهِنّه /