المجموع : 9
اُنظُر إِلى زَيتونِنا
اُنظُر إِلى زَيتونِنا / فيهِ شِفاءُ المُهجِ
بَدا لَنا كَأَعيُنٍ / شُهلٍ وَذاتِ دَعَجِ
مُخضَرُّهُ زَبرجدٌ / مُسوَدُّهُ مِن سَبَجِ
رِسالَةٌ مِن كَلِفٍ عَميدِ
رِسالَةٌ مِن كَلِفٍ عَميدِ / حَياتُهُ في قَبضَةِ الصُدودِ
بَلّغَهُ الشَوقُ مَدى المَجهودِ / ما فَوقَ ما يَلقاهُ مِن مَزيدِ
جارَ عَلَيهِ حاكِمُ الغَرامِ / فَدَقَّ أَن يُدرَكَ بِالأَوهامِ
فَلَو أَتاهُ طارِقُ الحِمامِ / لَم يَرَهُ مِن شِدَّةِ السَقامِ
لَهُ اِهتِزازٌ وَاِرتِياحٌ وَطَرَبْ / لِوَجهِ مَن أَورَثَهُ طولَ الكُرَبْ
فَهَل سَمِعتُم في أَحاديثِ العَجَبْ / بِمَن مُناهُ قُربُ مَن مِنهُ العَطَبْ
ما غابَ عَنهُ الحَزمُ في الأُمورِ / لكِنَّ مِقدارَ الهَوى ضَروري
صاحِبُهُ يَخبِطُ في دَيجورِ / مُنفَسِدَ التَقديرِ بِالمَقدورِ
إِذا اِلتَقى في مِسمَعَيهِ العَذلُ / وَقيلَ مِن دونِ المُرادِ القَتلُ
قالَ لَهُم لَومُ المُحِبِّ جَهلُ / إِنَّ الهَوى يُغلَبُ فيهِ العَقلُ
ما العُذرُ في السَلوَةِ عَن غَزالِ / مُنقَطِعِ الأَقرانِ وَالأَشكالِ
تَستَخلِفُ الشَمسُ لَدى الزَوالِ / ضَياءَ خَدَّيهِ عَلى اللَيالي
بِخِفَّةِ الروحِ اِحتَوى صَلاحي / فَصِرتُ لا أَرغَبُ في الفَلاحِ
وَالشَكلُ وَالخِفَّةُ في الأَرواحِ / أَملَحُ ما يُعشَقُ في المِلاحِ
مَن عَشِقَ الفَدمَ وَإِن راقَ البَصَرْ / فَليَقصِدِ البَيعَةَ وَليَهوَ الصُوَرْ
مَن كانَ يَهوى مَنظَراً بِلا خَبَرْ / فَما لَهُ أَوفَقُ مِن عِشقِ القَمَرْ
ظَبيٌ سُلُوّي عَنهُ مِثلُ جودِهِ / خَيالُهُ أَكذَبُ مِن مَوعودِهِ
أَجفانُهُ أَسقَمُ مِن عُهودِهِ / أُردافُهُ أَثقَلُ مِن صُدودِهِ
يا وَصلَهُ صِل مِثلَ وَصلِ صَدِّهِ / يا حُكمَهُ كُن في اِعتِدالِ قَدِّهِ
يا قَلبَهُ كُن رِقَّةً كَخَدِّهِ / يا خَصرَهُ كُن مِثلَ ضَعفِ عَهدِهِ
أَما وَخَصرٍ ضعفُهُ كَصَبري / لَهُ وَوَجهٍ حُسنُهُ كَشِعري
لَهُ عِذارٌ قامَ لي بِعُذري / لا تُبْتُ مِن شَوقي إِلَيهِ دَهري
أَضحى لِإِبليسَ بِهِ اِستِقدارُ / عَلى بَني آدَمَ وَاِستِبشارُ
وَقالَ في ذا تُستَطابُ النارُ / ما لَهُمُ عَن مِثلِ ذا اِصطِبارُ
تَمَّت لِيَ الحيلَةُ في العِبادِ / أَدرَكتُ مِن صالِحِهِم مُرادي
بِمِثلِ ذا أَمكَنَني إِفسادي / لِأَنفُسِ العِبّادِ وَالزُهّادِ
وَاِلهفَتي مِن خَدِّهِ الأَسيلِ / إِذا اِنجَلى عَن صَفحَتَي صَقيلِ
وَاحَرَبي مِن طَرفِهِ الكَحيلِ / مَن مُنصِفي مِنهُ وَمَن مُديلي
مِن مُقلَةٍ كَالصارِمِ البَتّارِ / أَلحاظُها أَمضى مِنَ المِقدارِ
تَحكُمُ في لُبّى وَفي اِصطِباري / نَظيرَ حُكمِ الدَهرِ في الأَحرارِ
حَلَّ قُوايَ العَقدُ مِن زُنّارِهِ / أَلهَبَ قَلبي خَدُّهُ بِنارِهِ
عَذَّرَ صَبري مُبتَدا عِذارِهِ / حَيَّرَني بِالطَرفِ وَاِحوِرارِهِ
جاءَ بِوَجهٍ حُسنُهُ مَحبوبُ / تَطيبُ في أَمثالِهِ الذُنوبُ
وَقامَةٍ ذَلَّ لَها القَضيبُ / وَالقَلبُ تَنقَدُّ بِهِ القُلوبُ
هَفا بِقَلبي مِنهُ إِفراطُ الهَيَفْ / فَقُلتُ لَمّا أَن تَثَنّى وَاِنعَطَفْ
يا سَيِّدي مِن دونِ ذا المَيلِ التَلَفْ / وَشَرطُ مَن كانَ ظَريفاً في القَطَفْ
ما قِصَرُ القامَةِ مِثلُ الطولِ / وَلا البَدينُ الجِسمِ كَالمَهزولِ
عِشقُ الرَشيقِ الأَهيَفِ المَجدولِ / شَأنُ ذَوي الأَفهامِ وَالعُقولِ
لا يَعشَقُ الضَخمَ الغَليظَ الجِسمِ / غَيرُ غَليظِ الطَبعِ جافٍ فَدمِ
مُكَدَّرِ الحِسِّ رَكودِ الفَهمِ / يَقولُ في الحُسنِ بِغَيرِ عِلم
قَد صِحتُ لَمّا خِفتُ مِنهُ القَتلا / وَكِدتُ مِن فَرطِ السَقامِ أَبلى
يا حاكِماً جانِبَ فِيَّ العَدلا / مِهلاً بِمَن يَهواكَ مَهلاً مَهلا
يا ظالِماً يَقتُلُني مُجاهَرَهْ / قَد مَنَعَ الوَجدُ مِنَ المُساتَرَهْ
هَلُمَّ إِن شِئتَ إِلى المُناظَرَهْ / وَاِستَعمِلِ الإِنصافَ لا المُكابَرَهْ
في أَيِّ دينٍ حَلَّ قتلُ الروحِ / وَهَل لِما تَفعَلُ مِن مُبيحِ
إِن قُلتَ ذا جاءَ عَنِ المَسيحِ / فَلَيسَ ما تَزعُمُ بِالصَحيحِ
مُرقُسُ ما أَخبَرَنا بِذا الخَبَر / عَنهُ وَلا لوقا حُكاهُ في الأَثَر
وَقَد نَهى عَن ذا يُحَنّا وَزَجَر / وَلا اِرتَضى مَتّى بِهِ وَلا أَمَر
أَربَعَةٌ لَيسَ لَهُم عَديلُ / وَلا لَهُم في أَمرِهِم كَفيلُ
ما فيهِمُ مَن قالَ ما تَقولُ / فَهَل سَوى إِنجيلِهِم إِنجيلُ
فَإِن زَعَمتَ أَن ذا مَوجودُ / في زُبُرٍ جاءَ بِها داودُ
فَما الزَبورُ بَينَنا مَفقودُ / فَكَيفَ لَم تَعلَم بِهِ اليَهودُ
وَلَم يُخَبِّرُ أَحَدٌ سِواكا / مِنَ النَصارى كُلَّهُم بِذاكا
لا تَتَقَوَّلْ غَيرَ ما أَتاكا / وَغَلَّبِ الحَقَّ عَلى هَواكا
سَفكُ دَمي يُحظَرُ في الأَديانِ / فَدَع حِجاباً ظاهِرَ البُطلانِ
لا تَجمَعِ الإِثمَ مَعَ البُهتانِ / وَكُن عَلى خَوفٍ مِنَ العُدوانِ
وَاِعلَم بِأَنّي إِن تَمادى بي الهَوى / وَخِفتُ أَن أَتلَفَ مِن فَرطِ الضَنى
وَدُمتُ في هَجرِكَ لي كَما أَرى / وَلَم أَجِد مِنكَ لِما بي مُشتَكى
شَكَوتُ ما تَلقاهُ نَفسي البائِسَهْ / مِن خَطَراتٍ لِلهُمومِ هاجِسَهْ
عَفَت رُسومُ الصَبرِ فَهيَ دارِسَهْ / إِلى جَميعِ عُصبَةِ الشَمامِسَهْ
فَإِن هُمُ لَم يَرحَموا أَنيني / وَخَيَّبوا في قَصدِهِم ظُنوني
وَلَم أَجِد في القَومِ مِن مُعينِ / يُنصِفُني مِنكَ وَلا يُعديني
شَكَوتُ ما يَلقى مِنَ الأَحزانِ / قَلبي إِلى مَشيخَةِ الرُهبانِ
عَساكَ تَستَحي مِنَ الشِّيخانِ / وَإِن تَهاوَنتَ بِهِم في شاني
فَلا أَراكَ مُغضَبا عَبوسا / إِذا أَتَيتَ أَسأَلُ القِسّيسا
مَعونَةً أَرجو لَها التَنفيسا / عَن مُهجَةٍ قارَبَت النَسيسا
وَاِعلَم بِأَنّي إِن رَدَدتَ شافِعي / هذا وَلَم يَرجِع بِأَمرٍ نافِعي
فَلَيسَ ذا بِحاسِمٍ مَطامِعي / كَم طالَبٍ جَدَّ بِجِدِّ المانِعِ
لَو كُنتَ مَبذولاً لَنا لَم تُطلَبِ / وَإِنَّما نَرغَبُ إِذ لَم تَرغَبِ
وَكَلَفُ النَفسِ بِتَركِ الأَقرَبِ / وَشِدَّةُ الحِرصِ عَلى المُستَصعَبِ
وَإِن تَمادَيتَ عَلى جَفائِكا / وَدُمتَ بِالقِلَّةِ مِن حِبائِكا
في هَجرِنا عَلى قَبيحِ رَأيِكا / وَاِستَيأَسَ الرُهبانُ مِن إِصفائِكا
فَلا تَلُمني إِن قَصَدتُ الأَسقُفا / مَن بَرَّحَ السُقمُ بِهِ رامَ الشِفا
فَلا تَقُل أَبدَيتَ مَكنونَ الخَفا / أَنتَ الَّذي أَحوَجتَني أَن أَكشِفا
سَوفَ إِلى المُطرانِ أُنهى قِصَّتي / إِن دامَ ما تُؤثِرُهُ مِن هِجرتِي
فَإِن رَثَي لي طالِباً مَعونَتي / وَلَم تُشَفِّعْهُ بِكَشفِ كُربَتي
شَكَوتُ ما يَلقاهُ مِن فَرطِ السَقَمْ / قَلبي إِلى البَطرَكِ وَالحَبرِ العَلَمْ
عَساكَ إِن خالَفتَهُ فيما حَكَمْ / يُدخِلُكَ الحِرْمَ فَوَيلُ مَن حَرَمْ
هُناكَ تَأتي مُستَقيلاً ظُلمي / تَسأَلُني عَطفَ الرِضا بِالرَغمِ
تَرضى بِما يُنفِذُ فيكَ حُكمي / إِذا بِكَ اِشتَدَّ عَذابُ الحِرمِ
دَع ذا فَهذا كُلُّهُ تَهديدُ / أَرجو بِهِ قُربَكَ يا بَعيدُ
هَيهاتَ سِرّي أَبَداً جَحودُ / فيكَ وَقَولي كُلُّ ما تُريدُ
مَولايَ قَد ضاقَت بيَ الأُمورُ / فَقُلتُ ما قُلتُ وَقَولي زورُ
قَلبِيَ إِلّا في الهَوى جَسورُ / فَلا تَلُم أَن يَنفُثَ المَصدورُ
مَولايَ بِالرَحمنِ أَحيِ مُغرَما / يَخافُ أَن تَغضَبَ إِن تَظَلَّما
إِلَيكَ أَشكو فَعَسى أَن تُنعِما / مَهلاً قَليلاً قَد قَتَلتَ المُسلِما
يا جَرجَسُ اِرفُق بِفُؤادٍ هائِمِ / يا سَيِّدي خَف سوءَ عُقبى الظالِمِ
وَقَد رَضينا بِكَ في التَحاكُمِ / وَالجَورُ لا يُشبِهُ فِعلَ الحاكِمِ
أَقصى رَجائي مِنكَ نَيلُ الوُدِّ / وَقُبلَةٌ تَشفي غَليلَ الوَجدِ
يا جائِراً أَفرَطَ في التَعَدّي / مِنكَ إِلَيكَ في الهَوى أَستَعدي
قُم فَاِسقِني صافِيَةً
قُم فَاِسقِني صافِيَةً / تَسلُبُ قَلبي فِكرَهْ
في رَوضَةٍ كَأَنَّها / خَريدَةٌ في حِبرَهْ
كَأَنَّ آذَريونَها / أَسوَدَه وَأَحمَرُهْ
سَحيقُ مِسكٍ مودَعٍ / في خِرَقٍ مُعصفَرَهْ
أَخَذتُ مِن كَفِّ الغَزالِ الأَحوَرِ
أَخَذتُ مِن كَفِّ الغَزالِ الأَحوَرِ / غُصناً مِنَ البَسباسِ مَمطوراً طَرَي
كَأَنَّهُ في عَينِ كُلِّ مُبصِرِ / مِذَبَّةٌ مِنَ الحَريرِ الأَخضَرِ
يا سائِلي عَن أَطيَبِ الدُهورِ
يا سائِلي عَن أَطيَبِ الدُهورِ / وَقَعتَ في ذاكَ عَلى الخَبيرِ
سَأَلتَني أَيُّ الزَمانِ أَحلى / وَأَيُّهُ بِالقَصفِ عِندي أَولى
عِندِيَ في وَصفِ الفُصولِ الأَربَعَهْ / مَقالَةٌ تُغني اللَبيبَ مُقنِعَهْ
أَمّا المَصيفُ فَاِستَمِع ما فيهِ / مِن فَطِنٍ يُفهِمُ سامِعيهِ
فَصلٌ مِنَ الدَهرِ إِذا قيلَ حَضَرْ / أَذكَرَنا بِحَرِّهِ نارَ سَقَرْ
تُبصِرُ فيهِ النَبتَ مُقشَعِرّا / وَالأَرضَ تَشكو حَرَّهُ المُضِرّا
نَهارُهُ مُقَسَّمٌ بَينَ قِسَمْ / جَميعُها يُعابُ عِندي وَيُذَمُّ
أَوَّلُهُ فيهِ نَدىً مُبَغِّضُ / كَأَنَّهُ عَلى القُلوبِ يَقبِضُ
يَلصَقُ مِنهُ الجِسمُ بِالثِيابِ / وَتَعلَقُ الأَذيالُ بِالتُرابِ
حَتّى تَراها مِثلَ مِنديلِ الغَمَرْ / فيهِنَّ تَخطيطٌ كَتَخطيطِ الحِبَرْ
حَتّى إِذا ما طَرَدَتهُ الشَمسُ / وَفَرِحَت بِأَن يَزولَ النَفَسُ
فَتَّحَتِ النارُ لَهُ أَبوابَها / وَشَبَّ فيها مالِكٌ شِهابَها
حَرٌّ يُحيلُ الأَوجُهَ الغُرّانا / حَتّى تَرى الرومُ بِهِ حُبشانا
يَعلو بِهِ الكَربُ وَيَشتَدُّ القَلَقْ / وَتَنضُحُ الأَبدانُ مِنهُ بِالعَرَقْ
تُبصِرُهُ فَوقَ القَميصِ قَد عَلا / حَتّى تَرى مُبيَضَّهُ مُصَندَلا
إِن كانَ رَثّاً زادَ في تَمزيقِهِ / أَو مُستَجَدّاً حَلَّ حَبلَ زيقِهِ
ثُمَّ يُعيدُ الماءَ ناراً حامِيَهْ / يَزيدُ في كَربِ القُلوبِ الصادِيَهْ
شارِبُهُ يَكرَعُ في حَميمِ / كَأَنَّه مِن ساكِني الجَحيمِ
يُنسيهِ ما يَلقى مِنَ التَهابِهِ / أَن يَحمدَ اللَهَ عَلى شَرابِهِ
حَتّى إِذا عَنّا اِنقَضى نَهارُهُ / وَأُرخِيَت مِن لَيلِهِ أَستارُهُ
تَحَرَّكَت في جُنحِهِ دَواهي / سارِيَةٌ وَأَنتَ عَنها ساهي
مِن عَقرَبٍ يَسعى كَسَعيِ اللِصِّ / سِلاحُها في إِبَرٍ كَالشِّصِّ
وَحَيَّةٍ تَنفُثُ سُمّا قاتِلا / تُزَوِّدُ المَلدوغَ حَتفاً عاجِلا
تُبصِرُ ما في جِلدِها مِنَ الرَقَشْ / كَوَجنَةٍ مُصفَرَّةٍ فيها نَمَشْ
لَو نَهَشَت بِالنابِ مِنها الخَضرا / لَبَتَرَت مِنهُ الحَياةَ بَترا
فَإِن أَرَدتَ الشُربَ في إِبانِهِ / عَلى الَّذي وَصَفتُهُ مِن شانِهِ
أَبشِر بِما شِئتَ مِنَ الصِراعِ / فَضلاً عَنِ التَهويسِ وَالصُداعِ
وَعِلَلٍ تُعجِزُ إِحصاءَ العَدَدْ / مِن جَرَبٍ وَمِن دُوارٍ وَرَمَدْ
وَبَعدُ حُمّى الكِبْدِ لا تَنساهُ / لِأَنَّهُ أَوَّلُ ما تَلقاهُ
وَلا تَقُل إِن جاءَ يَوماً أَهلا / فَلَعنَةُ اللَهِ عَلَيهِ فَصلا
حَتّى إِذا زالَ أَتى الخَريفُ / فَصلٌ بِكُلِّ سَوءَةٍ مَعروفُ
أَهوِيَةٌ تُسرِعُ في كُلِّ الجَسَدْ / وَهُوَ كَطَبعِ المَوتِ يُبساً وَبَرَدْ
يُخشى عَلى الأَجسامِ مِن آفاتِهِ / فَأَرضُهُ قَرعاءُ مِن نَباتِهِ
لا يُمكِنُ الناسَ اِتِّقاءُ شَرِّهِ / مِن اِختِلافِ بَردِهِ وَحَرِّهِ
تُبصِرُهُ مِثلَ الصَبِيِّ الأَرعَنِ / في كَثرَةِ التَغييرِ وَالتَلَوُّنِ
فَإِن أَرَدتَ الشُربَ لِلعُقارِ / في حينِهِ بِاللَيلِ وَالنَهارِ
فَأَنتَ مِنهُ خائِفٌ عَلى حَذَرْ / لِأَنَّهُ يَمزُجُ بِالصَفوِ الكَدَرْ
أَحسَن ما يُهدي لَكَ النَسيما / يَقلِبُهُ في ساعَةٍ سَموما
وَهُوَ عَلى المَعدودِ مِن ذُنوبِهِ / خَيرٌ مِنَ الصَيفِ عَلى عُيوبِهِ
حَتّى إِذا ما أَقبَلَ الشِتاءُ / جاءَتكَ مِنهُ غُمَّةٌ غَمّاءُ
أَقبَلَ مِنهُ أَسَدٌ مَزيرُ / لَهُ وَعيدٌ وَلَهُ تَحذيرُ
لَو أَنَّهُ روحٌ لَكانَ فَدما / أَو أَنَّهُ شَخصٌ لَكانَ جَهما
يَأتيكَ في إِبّانِهِ رِياحُ / لَيسَ عَلى لاعِنِها جُناحُ
حَراكُها لَيسَ إِلى سُكونِ / تَضُرُّ بِالأَسماعِ وَالعُيونِ
يَحدُثُ مِن أَفعالِها الزُكامُ / هذا إِذا ما فاتَكَ الصِدامُ
ثُمَّ يَليها مَطَرٌ مُداوِمُ / كَأَنَّهُ خَصمٌ لَنا مُلازِمُ
يَقطَعُنا بُغضاً عَنِ الطَريقِ / وَعَن قَضاءِ الحَقِّ لِلصَّديقِ
وَرُبَّما خَرَّ عَلَيكَ السَقفُ / وَإِن عَفا عَنكَ أَتاكَ الوَكفُ
هذا وَكَم فيهِ مِنَ المَغارِمِ / وَكَثرَةُ الإِنفاقِ لِلدَّراهِمِ
في مَلبَسٍ يَدفَعُ شَرَّ بَردِهِ / يَكُفُّ مِنهُ غَربَ حَدِّهِ
مَلابِسٌ تُعيي الجَليدَ حَملا / كَأَنَّما يَحمِلُ مِنها ثِقلا
يَحكي بِها المَنحوفُ أَصحابَ السِمَنْ / لكِن تَراهُ سِمَناً غَيَرَ حَسَنْ
فَإِن أَرَدتَ بِالنَهارِ الشُربا / فيهِ فَقَد قاسَيتَ خَطباً صَعبا
وَاِحتَجتَ أَن توقِدَ فيهِ النارا / تُطيرُ نَحوَ الحَدَقِ الشَرارا
تَترُكُ مُبيَضَّ الثِيابِ أَرقَطا / تَحكي السَعيدِيَّ لَكَ المُنَقَّطا
وَبَعدَ ذا تُسَدِّدُ النِّقابا / مِن خَوفِهِ وَتُغلِقُ الأَبوابا
نَعَم وَتُرخي نَحوَهُ السُتورا / حَتّى تَرى صَباحَهُ دَيجورا
فَحُسنُ لَونِ الراحِ فيهِ لا يُرى / لِأَنَّهُ صارَ سَواءً وَالدُجى
تَشرَبُ فيهِ إِن شَرِبتَ الخَمرا / لَيسَ لِأَن تَلهُوَ أَو تُسَرّا
لكِن لِتَحمي خَصَرَ الأَعضاءِ / فَشُربُها ضَربٌ مِنَ الدَواءِ
وَإِن أَرَدتَ الشُربَ في الظَلامِ / عاقَكَ عَن تَناوُلِ المُدامِ
حَسبُكَ أَن تَندَسَّ في اللِحافِ / مِن خِشيَةِ البَردِ عَلى الأَطرافِ
وَرِعدَةٍ تَشغَلُ عَن كُلِّ عَمَلْ / وَتُؤثِرُ النَومَ وَتَستَحلي الكَسَلْ
حَتّى إِذا مِلتَ إِلى الرُقادِ / نِمتَ عَلى فَرشٍ مِنَ القَتادِ
إِنَّ البَراغيثَ عَذابٌ مُزعِجُ / لِكُلِّ ما قَلبٍ وَجِلدٍ تُنضِجُ
لا يُستَلَذُّ جَنبُهُ المَضاجِعا / كَأَنَّما أَفرَشتَهُ مَباضِعا
قُبِّحَ فَصلا فَوقَ ما ذَمَمتُهُ / لَو أَنَّهُ يَظهَرُ لي قَتَلتُهُ
حَتّى إِذا ما هُوَ عَنّا بانا / وَزالَ عَنّا بَعضُهُ لا كانا
جاءَ إِلَينا زَمَنُ الرَبيعِ / فَجاءَ فَصلٌ حَسَنٌ الجَميعِ
لِبَردِهِ وَحَرِّهِ مِقدارُ / لَم يَكتَنِف حَدَّهُما الإِكثارُ
عُدِّلَ في أَوزانِهِ حَتّى اِعتَدَلْ / وَحُمِدَ التَفصيلُ مِنهُ وَالجُمَلْ
نَهارُهُ مِن أَحسَنِ النَهارِ / في غايَةِ الإِشراقِ وَالإِسفارِ
تَضحَكُ فيهِ الشَمسُ مِن غَيرِ عَجَبْ / كَأَنَّها في الأُفْقِ جامٌ مِن ذَهَبْ
وَلَيلُهُ مُستَلطَفُ النَسيمِ / مُقَوَّمٌ في أَحسَنِ التَقويمِ
لِبَدرِهِ فَضلٌ عَلى البُدورِ / في حُسنِ إِشراقٍ وَفَرطِ نورِ
كَجامَةِ البَلّورِ في صَفائِها / أَو غَرَّةِ الحَسناءِ في نَقائِها
كَأَنَّها إِذا دَنَت مِن نَجرِهِ / جَوزاؤُهُ قَبلَ طُلوعِ فَجرِهِ
رومِيَّةٌ حُلَّتُها زَرقاءُ / في الجيدِ مِنها دُرَّةٌ بَيضاءُ
هذا وَكَم يَجمَعُ مِن أُمورِ / إِسرافُ مُطريها مِنَ التَقصيرِ
فيهِ تَظَلُّ الطَيرُ في تَرَنُّمِ / حاذِقَةً بِاللَحنِ لَم تُعَلَّمِ
غِناؤُها ذو عُجمَةٍ لا يَفهَمُهْ / سامِعُهُ وَهوَ عَلى ذا يُغرَمُهْ
مِن كُلِّ دُبسِيٍّ لَهُ رَنينُ / وَكُلُّ قُمرِيٍّ لَهُ حَنينُ
في قُرطَقٍ أُعجِلُ أَن يُوَرَّدا / خاطَ لَهُ الخِياطُ طَوقاً أَسوَدا
تُبصِرُهُ مِنهُ عَلى الحَيزومِ / كَمِثلِ عِقدِ سَبَجٍ مَنظومِ
هذا وَفيهِ لِلرِّياضِ مَنظَرُ / يُفشي الثَرى مِن سِرَّها ما يُضمِرُ
سِرّ نَباتٍ حُسنُهُ إِعلانُه / إِذا سِواهُ زانَهُ كِتمانُهُ
فيهِ ضُروبٌ لِلنَّباتِ الغَضِّ / يَحكي لِباسَ الجُندِ يَومَ العَرضِ
مِن نَرجَسٍ أَبيَضَ كَالثَغورِ / كَأَنَّهُ مَخانِقُ الكافورِ
وَرَوضَةٍ تُزهِرُ مِن بَنَفسَجِ / كَأَنَّها أَرضٌ مِنَ الفَيروزَجِ
قَد لَبِسَت غِلالَةً زَرقاءَ / فَكايَدَت بِلَونِها السَماءَ
تُبصِرُها كُثاكِلٍ أَولادَها / قَد لَبِسَت مِن حَزَنٍ حِدادَها
يَضحَكُ فيها زَهَرُ الشَقيقِ / كَأَنَّهُ مَداهِنُ العَقيقِ
مُضَمَّناتٍ قِطَعَاً مِنَ السَبَجْ / فَأَشرَقَت بَينَ اِحمِرارٍ وَدَعَجْ
كَأَنَّما المُحَمَرُّ في المُسوَدِّ / مِنهُ إِذا لاحَ عُيونُ الرُمدِ
أَما تَرى أَترُجَّهُ ما أَحسَنَهْ / يَختالُ في غَلائِلٍ مُبَيِّنَهْ
وَاِنظُر إِلى الخَشخاشِ إِن نَظَرتا / يَحكي كُراتٍ ظُوِهرَت كَيمَختا
وَاِرمِ بِعَينَيكَ إِلى البَهارِ / فَإِنَّهُ مِن أَحسَنِ الأَنوارِ
كَأَنَّهُ مَداهِنٌ مِن عَسجَدِ / قَد سُمِّرَت في قُضُبِ الزَبَرجَدِ
فَاِنهَض إِلى اللَهوِ وَلا تَخَلَّفِ / فَلَستَ في ذلِكَ بِالمُعَنَّفِ
وَاِشرَب عُقاراً طالَ فينا كَونُها / يَصفَرُّ مِن خَوفِ المِزاجِ لَونُها
مِن كَفِّ ظَبيٍ مِن بَني النَصارى / أَلبابُنا في حُسنَهِ حَيارى
إِذا بَدا جَمالُهُ لِذي النَظَرْ / قالَ تَعالى اللَهُ ما هذا بَشَرْ
يُبدي جَمالاً جَلَّ عَن أَن يوصَفا / لَو أَنَّهُ رِزقُ حَريصٍ لَاِكتَفى
تَزينُهُ أَحشاءُ كَشحٍ طاوِيَهْ / وَسُرَّةٌ مَحشُوَّةٌ بِالغالِيَهْ
لا سِيَّما مَع مُسمِعٍ وَزامِرِ / قَد سَلِما مِن وَحشَةِ التَنافُرِ
دونَكَ هذي صِفَةُ الزَمانِ / مَشروحَةً في أَحسَنِ التِبيانِ
فَأَصغِ نَحوَ شَرحِها كَي تَسمَعا / وَلا تَكُن لِحَقِّها مُضَيِّعا
وَاِرضَ بِتَقليديَ فيما قُلتُهُ / فَإِنَّني أَدري بِما وَصَفتُهُ
وَلا تُعارِضنِيَ في هذا العَمَلْ / فَإِنَّني شَيخُ المَلاهي وَالغَزَلْ
وَالجَوُّ صافٍ قَد حَكى
وَالجَوُّ صافٍ قَد حَكى / بِأَنجُمٍ فيهِ غُرَرْ
جامَ زُجاجٍ أَزرَقٍ / قَد نُثِرَت فيهِ دُرَرْ
أَسفَرَ عَن بَهجَتِهِ الدَهرُ الأَغَرْ
أَسفَرَ عَن بَهجَتِهِ الدَهرُ الأَغَرْ / وَاِبتَسَمَ الرَوضُ لَنا عَنِ الزَهَرْ
أَبدى لَنا فَصلُ الرَبيعِ مَنظَراً / بِمِثلِهِ تُفتَنُ أَلبابُ البَشَرْ
وَشياً وَلكِن حاكَهُ صانِعُهُ / لا لِاِبتِذالِ اللُبسِ لكِن لِلنَظَرْ
عايَنَهُ طَرفُ السَماءِ فَاِنثَنى / عِشقاً لَهُ يَبكي بِأَجفانِ المَطَرْ
فَالأَرضُ في زِيِّ عَروسٍ فَوقَها / مِن أَدمُعِ القَطرِ نِثارٌ مِن دُرَرْ
وَشيٌ طَواهُ في الثَرى صِوانُهُ / حَتّى إِذا مَلَّ مِنَ الطَيِّ نَشَرْ
أَما تَرى الوَردَ كَخَدّيْ كاعِبٍ / راوَدَها فَاِمتَنَعَت مِنهُ ذَكَرْ
كَأَنَّما الخَمرُ عَلَيهِ نَفَضَت / صِباغَها أَو هِيَ مِنهُ تُعتَصَرْ
أَخجَلَهُ النَرجِسُ إِذ جادَلَهُ / فَاِحمَرَّ مِن فَرطِ حَياءٍ وَخَفَرْ
قالَ لَهُ العَينُ وَما الخَدُّ لَها / مُوازِناً في عُظمِ قَدرٍ وَخَطَرْ
ماذا الَّذي يُرجى لِخَدٍّ بَهيجٍ / مُستَحسَنٍ صاحِبُهُ أَعمى البَصَرْ
فَاِحمَرَّ مِن حُجَّتِهِ إِذ ظَهَرَت / وَالحَقُّ لا يُدفَعُ يَوماً إِن ظَهَرْ
وَاِنظُرْ إِلى النارَنجِ في بَهجَتِهِ / يَلوحُ في أَفنانِ هاتيكَ الشَجَرْ
مَثَلَ دَنانيرِ نُضارٍ أَحمَرٍ / أَو كَعَقيقٍ خُرِطَتْ مِنهُ أُكَرْ
وَاِنظُرْ إِلى المَنثورِ في مَيدانِهِ / يَرنو إِلى الناظِرِ مِن حَيثُ نَظَرْ
كَجَوهَرٍ مُختَلِفٍ أَلوانُهُ / أَسلَمَهُ سِلكُ نَظامٍ فَاِنتَثَرْ
كَأَنَّ نَورَ الباقِلاءِ إِذ بَدا / لِناظِريهِ أَعيُنٌ فيها حَوَرْ
كَمِثلِ أَلحاظِ اليَعافيرِ إِذا / رَوَّعَها مِن قانِصٍ فَرطُ الحَذَرْ
كَأَنَّهُ مَداهِنٌ مِن فِضَّةٍ / أَوساطُها بِها مِنَ المِسكِ أَثَرْ
كَأَنَّها سَوالِفٌ مِن خُرَّدٍ / قَد زَيَّنَت بَياضَها سودُ الطُرَرْ
وَاِنظُر إِلى الأَطيارِ في أَرجائِهِ / إِذا دَعا الثاكِلُ مِنها وَصَفَرْ
كَأَنَّها تَصفِرُ في رِياضِها / سِربُ قِيانٍ فَوقَ بُسطٍ مِن حِبَرْ
فَاِنهَض إِلى اللَهوِ وَلَذّاتِ الصِبا / لامَكَ مَن يَعذِلُ فيها أَو عَذَرْ
فَقَلَّما يُغنيكَ مَن يَعذِلُ في / ما تَشتَهي حَتّى تُواريكَ الحُفَرْ
فَكَيفَ هِجرانُ اللَذاذاتِ وَلَم / يَبدُ نَهارُ الشَيبِ في لَيلِ الشَعَرْ
وَالنُسكُ في عَصرِ الصِبا كَأَنَّهُ / مِن قُبحِهِ خَلعُ عِذارٍ في الكِبَرْ
يا لائِماً يَعذِلُني في طَرَبي / حَسبُكَ قَد أَكثَرتَ مِن هذا الهَذَرْ
أَعرِفُ فَضلَ العَقلِ إِلّا أَنَّهُ / لِعَيشِ مَن آثَرَهُ عَينُ الكَدَرْ
الجَهلُ يَنبوعُ مَسَرّاتِ الفَتى / وَالعَقلُ يَنبوعُ الهُمومِ وَالفِكرْ
فَاِجسُر عَلى ما تَشتَهي جَهالَةً / ما فازَ بِاللَذاتِ إِلّا مَن جَسَرْ
وَاِشرَب عُقاراً لَو أَصابَت حَجَراً / لَطارَ مِن خِفَّتِهِ ذاكَ الحَجَرْ
عَدُوَّةَ الحُزنِ الَّذي ما ظَفَرَت / قَطُّ بِهِ إِلّا أَساءَت في الظَفَرْ
لَو رامَ أَن يُجيرَهُ مِن كَيدِها / صَرفُ الزَمانِ الحَتمُ يَوماً ما قَدَرْ
أَرَقَّها الدَهرُ إِلى أَن شاكَلَت / مِن رِقَّةٍ شِعرَ جَميلٍ وَعُمَرْ
خَفِيَّةَ الحيلَةِ في جِسمِ الفَتى / تُحدِثُ في الجِسمِ دَبيباً وَخَدَرْ
كَأَنَّما الأَوطارُ فيها جُمِّعَت / فَلَيسَ في العَيشِ لَجافيها وَطَرْ
لا سِيِّما مِن كَفِّ ظَبيٍ لَم يُشَن / بِفَرطِ طولٍ لا وَلا فَرطِ قِصَرْ
لَهُ سِهامٌ مِن لِحاظٍ صُيَّبٍ / كَأَنَّما يَرمينَ عَن قَوسِ القَدَرْ
مُزَنَّرٍ شَكَّكَني في دينِهِ / حَتّى أَحَلتُ الكُفرَ فيمَن قَد كَفَرْ
لِأَنَّهُ كَالحورِ في تَصويرِهِ / وَالحورُ لا يُسكِنُها اللَهُ سَقَرْ
لَو لَم يَكُن زُنّارُهُ في وَسطِهِ / يُمسِكُ ضَعفَ الخَصرِ مِنهُ لَاِنبَتَرْ
وَبانَ مِنهُ نِصفُهُ عَن نِصفِهِ / لكِنَّهُ جاءَ لَهُ عَلى قَدَرْ
إِن قُلتُ يَحكي قَمَراً عَنَّفَني / عَقلٌ لَهُ أَعدَمَهُ عِندَ القَمَرْ
أَنّى يُوازيهِ وَهذا ناطِقٌ / وَذاكَ إِن خوطِبَ لَم يَنطِق حَصَرْ
يا لَكَ مِنهُ مَنظَراً أَشهى إِلى / قَلبِيَ مِن جَنَّةِ عَدنٍ أَو أَسَرّْ
يا طيبَ ذي الدُنيا لَنا مَنزِلَةً / لَو لَم نَكُن نُزعَجُ مِنها بِسَفَرْ
قُم فَاِسقِني صافِيَةً
قُم فَاِسقِني صافِيَةً / تَهتِكُ جُنحَ الغَسَقِ
أَما تَرى الصُبحَ بَدا / في ثَوبِ لَيلٍ خَلَقِ
أَما تَرى جَوزاءَهُ / كَأَنَّها في الأُفُقِ
مِنطَقَةٌ مِن ذَهَبٍ / فَوقَ قَباءٍ أَزرَقِ
يا باعِثاً لِدَعوَتي غُلامَهُ
يا باعِثاً لِدَعوَتي غُلامَهُ / وَعاتِباً مِن تَركِنا إِلمامَهُ
إِذا أَرَدتَ أَن تُزارَ في غَدِ / فَلا تُغالِ في الطَعامِ وَاِقصِدِ
وَاِعمِد إِلى ما أَنا مِنهُ واصِفُ / فَإِنَّني بِالطَيِّباتِ عارِفُ
اِبعَث فَخُذ عَشراً مِنَ الرُقاقِ / تَلَذُّها نَواظِرُ الأَحداقِ
تَكادُ مِمّا رَقَّ مِن خِرشائِها / تَشِفُ لِلأَعيُنِ مِن صَفائِها
أَرَقَّها الصانِعُ حَتّى خَفَّتِ / وَلَطُفَت أَجسامُها وَمُدَّتِ
تَكادُ لَولا حِذقُهُ في صَنعَتِهْ / تُطيرُها أَنفاسُهُ مِن راحَتِهْ
حَتّى أَتَت في صورَةِ البُدورِ / اَو مِثلَ جاماتِ مِن البَلّورِ
حَتّى إِذا فَرَغتَ مِنها مُتقِنا / وَلَم يَرَ العائِبُ فيها مَطعَنا
فَاِعمِد إِلى مُدَوَّرٍ مِنَ البَصَلْ / فَإِنَّهُ أَكبَرُ أَعوانِ العَمَلْ
يَحكي لِعَينَيكَ اِخضِرارُ قِشرِهِ / إِذا رَماهُ ناظِرٌ بِفِكرِهِ
غَلائِلاً خُضراً عَلى جَسومِ / بيضٍ رِطابٍ مِن بَناتِ الرومِ
حَتّى إِذا أَحكَمتَهُ تَقطيعا / وَقُلتَ قَد جَوَّدَتُهَ صَنيعا
خَلَطتَهُ بِاللَحمِ خَلطاً جَيِّداً / وَلَم تَزَل تَخلِطُهُ مُرَدِّدا
حَتّى إِذا أَنتَ أَجَدتَ فِعلَهُ / ثُمَّ جَمَعتَ في الرُقاقِ شَملُهُ
صَيَّرتَهُ يا ذا العُلا السَنِيَّهْ / شابورَةً لَيسَت لَها سَمِيَّهْ
ثُمَّتَ أَغلِ الشَبرِقَ المُقَشَّرا / مِن فَوقِهِ حَتّى تَراهُ أَحمَرا
مُكتَسِياً حُلَّتَهُ الخَمرِيَّهْ / مِن بَعدِ ما عَهِدتَها فِضِّيَهْ
ثُمَّ أَدِر كَأسَ الشَمولِ مُنعِما / أَكرِم بِهذا مَشرَباً وَمَطعَما
فَلَستَ في فِعلِكَ ذا مُبَذِّرا / كَلّا وَلا في حَقِّنا مُقَصِّرا