المجموع : 5
يا شرقُ مِلءُ خاطري سِحرٌ وملءُ ناظري
يا شرقُ مِلءُ خاطري سِحرٌ وملءُ ناظري /
أوَحْيُ ليلك القديمِ أم رُؤى الزواهرِ /
يا شرقُ أيُّ ليلةٍ رائعةِ الدياجرِ /
نجومُها خلفَ الغمامِ أعينُ المقادرِ /
ترنو على جوانبِ السماءِ للمُهاجرِ /
تمدُّ من شعاعها مِثْلَ جَناح طائرِ /
رُعيا المحبِّ للحبيب حُفَّ بالمخاطرِ /
تقول ههنا السُّرى ومن هنا فحاذرِ /
يا شرقُ أيُّ ليلةٍ بَعَثْتَها من غابرِ /
حقيقةٌ تلوح لي أم ذاك حُلمُ شاعرِ /
أرى على صحيفة الزمان حدَّ باترِ /
تكمنُ في فِرِنْدِهِ جريمةٌ لغادرِ /
ومن بريقهِ تُطلُّ ألفُ عينِ فاجرِ /
مُلقىً وراءَ صخرةٍ كانت ملاذَ عابرِ /
أوَى إليها مُفرداً غيرَ أخٍ مناصرِ /
والبادياتُ حوله رَوْعٌ وهمسُ حائرِ /
كأنما أنسامهنَّ تمتماتُ ساحرِ /
هو انتقالةُ الحياة وثبةُ الأداهرِ /
شدا الرعاةُ باسمه في الأعصرِ الغوابرِ /
وأودعوه فَرْحَةُ صوَادحَ المزاهرِ /
زَفُّوا به إلى الحياة أجمل البشائرِ /
لحنٌ وفيه قسوةُ العواصفِ الثوائرِ /
وفيه ثورةٌ على العقائد الدوائرِ /
يقتحم الذُّرى المنيعةَ اقتحامَ ساخرِ /
يهزأُ بالجيوش في ألويةِ القياصرِ /
يهدمُ كل فاسدٍ يهزمُ كل جائرِ /
ومن عجيبِ أمره يبني بناءَ قادرِ /
يا شرقُ سحرُك القديمُ مالِكٌ مشاعري /
هذي الطوالعُ الحسانُ في الحُلى النواضرِ /
المطلقاتُ بالنشيد أرخمَ الحناجرِ /
كأنهنَّ جَوقةُ الهواتف الطوائرِ /
حيَّينَ مَوْلِدَ الربيع والسَّنى المباكرِ /
عرائسُ الخيالِ هُنَّ أو بناتُ خاطري /
ينثرن من أكفهنَّ أنضرَ الأزاهرِ /
على طريقِ مُلْهَمٍ مُخَلَّدِ المآثرِ /
يا شرقُ أيُّ روعةٍ جَلَوْتَها لناظري /
حقيقةٌ تلوحُ لي أم ذاك حُلْمُ شاعرِ /
يا لَلطريقِ الضيِّقِ الصَّاعِدِ بين ربوتينْ
يا لَلطريقِ الضيِّقِ الصَّاعِدِ بين ربوتينْ /
كأنما خُطَّ على قَدْرِ خُطىً لعاشقينْ /
الشَّجَرات حوله كأنها أهدابُ عينْ /
كعهدهِ بصاحب الدَّار ظليلَ الجانبينْ /
نَبَّأهُ الصدى المرنُّ عن قدوم زائرينْ /
في فجرِ يومٍ ماطرٍ شقَّ حجابَ ديمتينْ /
كأنما يَنزِلُ منه الوحيُ حَبَّاتِ لجينْ /
فانتبهت خميلةٌ تهزُّ عُشَّ طائرينْ /
وشاع في الغابةِ هَمْسٌ من شفاهِ زهرتينْ /
مَنِ الغريبان هنا وما سُراهما وأينْ /
وأمسكَ الغيثُ كما لو كان يُصغي مثلنا
وأمسكَ الغيثُ كما لو كان يُصغي مثلنا /
واعتنقتْ حتى وُريْقاتُ الغصون حولنا /
كأنما تخشى النسيمَ أو تخاف الغُصُنا /
وانبعث اللحنُ الشجيُّ من هنا ومن هنا /
يثور في إِيقاعهِ قيثارةً وأَرغُنا /
كأنّ جِنّاً في السماء يُشعلونَ الفِتنا /
كأن أرباباً بها يحاكمونَ الزّمنا /
يا صاحبَ الإِيقاع ما تعرف ما هجْتَ بنا /
الفجرُ أم ثارتْ على الشمس بوارقُ السّنى /
ما لك قد غنَّيتَهُ هذا النشيدَ المحزنا /
غنَّيتَهُ آلهةً أم أنت غنّيتَ لنا /
هنيهةً ثم سمعنا هاتفاً مردِّدا
هنيهةً ثم سمعنا هاتفاً مردِّدا /
يقول قُمْ يا سِجْفريدُ فالصَّباحُ قد بدا /
عرائسُ الوادي أَلَمْ تضربْ لهنَّ موعدا /
ماذا قُمِ انفضِ الكرى ونمْ كما شئتَ غدا /
وأخطر على الغابةِ منضورَ الصِّبا مُخلَّدا /
خُذْ سيفكَ السحريَّ صِيغَ جوهراً وعسجدا /
قد لَقِيَ التنِّينُ منه في العشيَّة الردى /
صوتٌ مع الريح سَرى وللسكون أخلدا /
فأمسكتْ صاحبتي يدي وحاطتْ بي يدا /
تقول لم أسمعْ كهذا اللحن أو هذا الصدى /
قلتُ ولا بمثلِهِ شادٍ على الدهر شدا /
تمهَّلي فراشةَ الصَّباحِ
تمهَّلي فراشةَ الصَّباحِ / أسرَفتِ في الغُدوِّ والرَّواحِ
ماذا ارتيادُ الطُّرُقِ الفِساح / والوثبُ فوق العُشبِ والصُّفاحِ
بين الرّوابي الخُضرِ والبطاح / بالشَّعرِ المهدَّلِ السبَّاحِ
كالموج تحت العاصفِ المجتاح / والنهدِ وهو مُطلَقُ السّراحِ
يخفقُ بين الصدر والوشاح / والساق خَلفَ الساقِ في كفاحِ
في حَلقَةٍ طاغيةِ الجماحِ / تدور مثل البارقِ اللّمّاحِ
تودُّ لو طارتْ مع الرياحِ / وحلَّقتْ في كبدِ الصُّراحِ
بلطفِ هذا الجسدِ الممراحِ / وخفَّةٍ في روحكِ الصّداحِ
تكادُ تُغنِي الطيرَ عن جَنَاحِ / يا لهواءٍ عابثٍ مفراحِ
سكرانِ لا من خمرة الأقداحِ / بَلْ من صِباكِ والصِّبا كالرّاحِ
يرفعُ طرف الثوب في مزاحِ / لا يستَحِي من لائمٍ ولاحي
قد أذنَ الفخذين بافتضاحِ / ونمَّ عن خميلةِ التُّفاحِ
فوق كثيبِ الورد والأقاحي / أخشى على حُسنهما الوضّاحِ
عينُ اشتهاء ويَد اجتراحِ / بل صرتُ أخشى ثورةَ الأرواحِ
في مثل هذا الحرم المُباح / ودِدْتُ لو بالروح أو بالرَّاحِ
صُنتُهُما حتّى عن الصباحِ /