المجموع : 11
وطالعٍ من مشرِقِ القَباء
وطالعٍ من مشرِقِ القَباء / في ليلةٍ من صُدْغه لَيلاءِ
مثْلَ طلوع البدر في الظَلماء / ينظُرُ من صادقةٍ دعجاء
كشَقّةٍ في شَعْرةٍ سوداء / لَقيتُه في غِلْمةٍ أكفاء
تَلاعَبوا في عَرْصةٍ فَيْحاء / فثارَ مثْلَ الظبيةِ الأدْماء
عاطِفَ فَضْلِ الذَّيل ذي الإرخاء / ومُبدِياًعن وجْنةٍ حمراء
فخاضَ في فَنٍّ منَ الرماء / إصماؤه يكونُ في الإشْواء
مُنْفَتِلاً بقامةٍ مَيْلاء / وعابِثاً بكُرَةٍ شَعْراء
عَجيبةٍ تُضرَبُ في الهواء / بصَولَجَانٍ صادقِ الإيماء
يُصانُ للإغرازِ في الغِشاء / لم يُبْرَ من أيكتِه الخضراء
كلاّ ولم يَعْرَ من اللّحاء / فَيَنْثَني يَبْساً بلا انثناء
بلْ هو رَطبٌ كلسانِ الماء / أنعَمُ ساقَىْ بانةٍ غَنّاء
يختلسُ الخَطْفةَ في وَحاء / مثْلَ اختلاسِ العينِ للإغضاء
أو مثْلَ نَصْبِ الأُدْنِ للإصغاء / فَمَرَّ في ضَرْبٍ لَها وِلاء
يَقْسِمُ طَرْفَ المُقلةِ الخَوصاء / في اللِّعْبِ بين الأرضِ والسّماء
تَخْبِطُ رِجْلاه على العراء / مَع الصّوابِ خبَطْةَ العَشْواء
يَسرِقُ من شمائل الظباء / نَقْراً يُواليهِ على أنحاء
أبطَؤُها يَخطِفُ عينَ الرائي / ويُتْبِعُ الأعدادَ بالإحصاء
كسَوقِكَ الأذْواد بالحُداء / يَستقبلُ الدَّفعةَ من تِلقاء
ورُبما آثَرَ في الأثناء / أن يَتلقّى الرَمْيَ من وراء
فنظْمُهُ مُستَحسَنُ الإقواء / يَهتَزُّ مثْلَ الصَّعدةِ السّمراء
وقَدُّه من شِدةِ الْتواء / كالغُصْنِ تحتَ العاصفِ الهَوجاء
تَراهُ من تَمَدُّ الأَعضاء / كأنّه كوَكِبُ الجَوزاء
له خُطاً قليلةُ الاِخطاء / حكيمةُ الإسراعِ والإبطاء
لو لم يكنْ مَسٌ منَ الإعياء / لَوَصَلَ الصّباحَ بالمَساء
مُستَغْرَبُ الإخطاء كالعَنْقاء / وزائدُ العود على الإبداء
يالك من مركوضة ملساء / رافعة لخصلة دهماء
من ذنَبٍ في جَبْهةٍ شَهْباء / تُطيعُ مَولاها بلا استعْصاء
وهوْلَها مُواصِلُ الجَفاء / مُبَدِّلُ الإدناء بالإقصاء
يُوسعُها ركْلاً بلا اتّقاء / وكلّما عادتْ عن اسِتعْلاء
قَبّلتِ الرِجْلَ بلا إباء / وجازتِ الجَفاء بالوفاء
خُذْها وإنْ لم تُهْدَ من صَنعْاء / حَبيكةً كالوَشْيِ من إهْدائي
واصفةً للُعْبةٍ عَجْماء / ولَفْظُها للعَربِ العَرْباء
أنصُرْ أخاكَ مُسعِداً في ما حَزَبْ
أنصُرْ أخاكَ مُسعِداً في ما حَزَبْ / ولا تَقولَنَّ إلى ماذا نَدَبْ
ساعِدْ بعَضْبٍ مُصْلَتٍ وساعد / فالنَصرُ بالنّصلِ إذا الشَرُّ اقتَرَب
واسبِقْ إلى الدّاعي رجوعَ طَرْفهِ / فاللّيثُ ما استَثرْتَه إلا وَثَب
قَلِّبْ لسانَ السّيفِ في جَوابِه / فمَنْ أُجيبَ باللّسانِ لم يُجَب
شِمْ نظرةً إليه والسّيفَ معاً / من جَفْنِ عينَيْكَ وجَفْنِ ذي شُطَب
مُجيبٌ أُولى دعوتَيْه إذْ دَعا / إن كنتَ عنه فارجاً إحدى الكُرَب
قَلَّ غَناءً والصّريخُ شاخِصٌ / يَنظُر تسآلُكَ عنه ما السَّبب
سُلَّ حُسامَ المَشرفّي ثمَّ سَلْ / وأبْدأ بتَقديمِ الخُطا قبلَ الخُطَب
إنْ لم يُهِبْ إلى الحِمام بالفَتى / فخاضَهُ دونَ الحليفِ لم يُهَب
أقدِمْ على الموتِ تَعِشْ فإنّما / يومُ الفتى مسُتطَرٌ ومُكتَتَب
ما أجَلُ الهاربِ عنه هارباً / لا بل يَزيدُ طَلباً إذا هَرب
ما تَبرحُ الآجالُ من مكانِها / فلا تُضِعْ فُرصةَ ذِكرٍ يُكْتَسَب
كنِ ابنَ يومٍ لك تَحوِى فَخْرَهُ / لا تَقْتَنِعُ بَعَدِ آباءٍ نُجُب
فأشَرفُ الأقوامِ أمّاً وأباً / مَن عافَ أن يَسْمو بأُمٍ وبِأب
لا يكُ مِن كُلِّ عُلاه قانعاً / فتيً بأنْ قيل كريم المنتَسَب
فَخْراً إذا عُدَ أبوه سافراً / حتّى إذا ما ذُكرَ الابِنُ انتقَب
عاقِد على النّصرِ يَدَيْ مُضافرٍ / وسِرْ بنا نَرمي النجومَ عن كَثَب
واعزِمْ وإن أعرضَ أهوالٌ ففي / مُضطَربِ الأرضِ لقومٍ مُضطَرب
في كلِّ قُطْرٍ قَطَريُّ قد بدا / ومِنبرٌ لذي ضَلالٍ انصب
فما الذي يرجوه من زمانِه / ذو شَرَفٍ يَبْغى الغِنَى أو ذو أدَب
والأرضُ طُرّاً أصبحَتْ مسبِغةً / لا شِبْرَ إلاّ وبهِ حَرْبٌ تُشَبّ
عَجِبتُ من حوادثٍ حتّى إذا / تَتابَعتْ لم يَبْقَ في عَيني عَجَب
حتّى متى أشكو الصّدى مُطوِّفاً / ولا أرى في الأرضِ صَفْواً لم يُشَب
والفَضْلُ فضْلُ المالِ في زمانِنا / إن فاخَروا والنَسَبُ اليومَ النَشَب
كم خاطبٍ لمّا اغتَربْتُ مِدْحَتْي / قلتُ له لوْ بأبانَيْنِ خَطَب
ردَدْتُه بغُصّةٍ ولن تَرَى / أتعبَ من قلبِ محبٍ لا يُحبّ
وجاهلٍ قد غَرّهُ عداوتي / لم يَدْرِ في أيّ إناءٍ احتلَب
عَيْنيَّ مَغْناطِيسُ كلّ عَجَبٍ / في الدّهرِ ما كان إلى قُربى انجذَب
بأيّ أرضٍ وَطِئتْها قَدَمي / وللمُلمّات إذا جاءتْ شَغَب
مُنازِعي في شَرَفٍ أرومُه / نِكْسٌ أَمُرُّ صَعَداً وهْو صَبَبْ
وأيُّ بُرْجٍ حَلّه رأْسُ عُلاً / قابَلَه بالطّبْعِ لا بُدَّ ذَنَب
أرى أُناساً لا أنيسَ فيهمُ / فلا أرى إلا جَناباً يُجتَنب
كيف السبيلُ والسّجايا هذه / منهم إلى أُنْسٍ بحالٍ يُجتلَب
هم مُمْعِنونَ هَرَباً من قُرْبِنا / وجانبي مُمتَنِعٌ معَ الطّلَب
عِزّةُ نَفْسٍ لا يُصادُ وَحْشُها / إلا بأكرامٍ وإلا بِقُرَب
سكبتُ ماءَ العينِ ما شاء النّوى / في غُرْبتي وماءُ وجهي ما انسكَب
بينَ العراقِ والجبالِ عارِقي / فَواغرُ الدّهرِ بأنيابِ النُّوَب
في كلِّ يوم زَورةٌ لأُممٍ / لمَطْلَبٍ لا أمَمٍ ولا صَقَب
وتَمَلأُ الدَّلْوَ الحُظوظ والفتى / بكَفِّه شَدُّ العِناجِ والكَرَب
يُحكِمُ أسبابَ النَّجاحِ جاهِدٌ / والنَّبعُ ما لم يُسعِدِ الجَدُّ غَرَب
ويُظْهِرُ العَتْبَ إذا امتَدَّ المدى / وهل زَمانٌ مُعتِبٌ لمَنْ عَتَب
ويَذهَبُ العُمْرُ وماذا يُرتَجى / من ذَهَبٍ يأتي إذا العُمْرُ ذَهَب
وكُلُّ هذا والفؤادُ ذاكِرٌ / عهْدَ التَّصابي ما انقضّى وما انقَضَب
وشادِناً إذا رمَى بنَظرةٍ / إلى المشوقِ هَزّ عِطْفَيْهِ الطَّرَب
جَبينهُ والصُّدْغُ صُبْحٌ ودُجَى / وخَدُّه والثَغْرُ خَمْرٌ وحَبَب
لَقيتُه والصّبرُ دِرْعي ضافياً / فقتَل الصَبَّ المُعنَّى وسَلَب
وكان قَلْبانا على عَهْدٍ مضَى / بُرْجَى هوىً لكنْ ثَبَتُّ وانقلب
هل تُبْلِغَنّيِهمُ وإن شَطّ النوى / ورُبّما عاجَ البعيدُ فاقتَرَب
هُوجٌ إذا غنَّى الحُداةُ خلفَها / تكادُ من أنساعِها أن تَنْسَلِب
يُفْري ذُراها قَطْعُ كُلِّ مَهْمَهٍ / حتّى يُرَى أَكْوَمُها وهو أجَب
متى أُراني ظافراً بقُربِهم / من بعْدِ بُعْدٍ إنما الدُنْيا عُقَب
كانتْ لعَمْري خُلَساً من لذّةٍ / وَلَّيْنَ لمّا أخلَسَتْ منّى القَصب
والدّهرُ خاطَ العينَ عنّي راقداً / حتّى إذا أصبحَ ليلُ الرأسِ هَب
كان الشَّبابُ للَّيالي خِلعةً / عليّ قد أفاضَها ماضي الحِقَب
فارتُجِعَتْ من قبلِ إمتاعي بها / والدّهرُ شَرُّ راجِعٍ فيما وَهَب
حيُيَّتِ يا أيّامَنا من زَمَنٍ / إلا بوَشكِ الإنقراضِ لم يُعَب
أيّامَ لا وَخْطُ المشيبِ قد بدا / ولا غُرابُ الاغترابِ قد نَعب
فاليومَ قال الخَطْبُ للعَيْنِ اسهري / فِكْراً وقال النّأيُ للمَفْرِقِ شِب
لي بعدَ أُلاَّفى الّذينَ رحَلوا / وخَلَّفوا صَبْرِي كلُبّى مُنتَهَب
إنسانُ عَيْنٍ لم يَزُرْهُ غَيرُهم / إلا وألقَى سِتْرَ دَمْعٍ فاحتَجَب
لعلّ سُكّانَ فؤادي ظَنُّهم / أنْ قد سلا على البعاد أو كَرَب
لا والّذي أطلَع شُهْباً للورَى / مَعدودةً قَسَّمها على رُتَب
فللسّماء سَبْعةٌ وواحدٌ / للأرضِ والفَضْلُ له على الشُّهب
شهابُ دِينٍ ما تَوشَحتْ لنا / بمِثْلِه دُهْمُ اللّيالي والشُّهُب
نَوْءُ ندىً يُستمطَرُ الوَفدُ به / ففي يدَيْهِ أبداً عَشْرُ سُحُب
ما جاد بالطّبعِ الحيا وإنّما / ذَيْلٌ له يوماً على السُّحبِ انسحب
إن يكُ للأفلاكِ سَعْدٌ طالعٌ / يَحمدُهُ قَوم لحظٍّ قد يُهَب
فللورى أسعَدُ إن كان لها / سَعْدٌ وللأرجحِ ما زال الغَلَب
نّدْبٌ أحَبَّ المجدَ حتّى أنّه / لو لم يَرثْه من أبيهِ لاغتصَب
يَعصي العذول في النّدى وما عصَى / لُوّامَه إلاَّ فتىً بالجُوِد صَب
له صَلاةٌ من صِلاتٍ دائما / يُقيمها من واجبٍ ومُستَحب
يَرُبُّ ما يَصنَعُ من مَعروِفه / ورُبّ إحسانٍ وليدٍ لم يُرَب
لم أر أوْفَى أدباً منه ولا / عن عِرْضِ وافِي أدَبٍ منه أذَب
يا تابعاً إلى العلاء خَطْوَه / في تَبَعِ النّجم إلى الأُفْقِِ تَعَب
فِعالُه مادِحُه وشِعْرُنا / يَروِي فلا يَمَسُّنا فيه نصب
ما دارَ عالي فَلكٍ من لَفظنا / بمدحِه إلاّ ومَعناه القُطب
إذا الكماةُ خَضّبوا أرماحَهم / أخجلَها بقَلَمٍ له خَضِب
طِرْفُ نُهىً لكنْ بفَرْدِ طِرفٍ / له به ما شاء جَرْىٌ وخَبَب
يُزْهَى بعُرْفٍ أسودٍ ولَبّةٍ / تَرى لها من أنمُلٍ بيضٍ لَبَب
إذا استّوى بنانُه في مّتْنه / بَرَّز سَبْقاً في مضاميرِ الكُتب
له يَدٌ آثارُها عُلوّيةٌ / قَطْرٌ إذا جادَ وبَرْقٌ إن كتب
طَبٌّ بأسرارِ الأمورِ حازمٌ / يُهْدِي شِفاء المُلْكِ من كلِّ وَصَب
مُناصِحٌ سلطانَ عَصْرٍ تُشرق ال / أرضُ إذا ما هو بالتّاج اعتَصَب
مَولىً إذا جَرَّ الجيوشَ للوغَى / لم يَبْقَ فوق الأرض للرّيحِ مَهَب
تَبقَى طوالَ الدّهرِ حيث صَفّها / من قصَدِ المرّانِ وهْو مُحتَطَب
إذا غزا شاغَلَ عَرْضُ خيْلِه / شمسُ الضّحى حتّى تَوارَى بالحُجُب
من كُلٍ مُبْقيِ شَفَقٍ من عَلَقٍ / مُعتَبِطٍ يَطلُع من حيث غَرَب
مُعتصِميُّ العَزْمِ حَثَّ خيلَهُ / للغَوْوِ حتّى حازَ حُسنَ مُنقلَب
مُكْتفياً برأيهِ عن صاحبٍ / والجِدُّ في أيدي ذوىالرأي لَعِب
كأنّما أَبدَى احتقارَ قِرْنِه / فطَرح الفِرزانَ طَرْحاً وغَلَب
لا زال للمُلْكِ ولا زلْتَ له / تَقضي لحقِّ المُرتجينَ ما وَجب
قلتُ لقلبي ولَرُبَّ عارضٍ / غدا فلم يَقْطُرْ وراح يَنسكب
لا تَأيَسَنْ إن خان حظٌّ مَرَّةً / كم صَدَق الفجرُ عُقَيْبَ ما كذبَ
خُذها إليك مِدْحةً صاحبُها / كما اقتضى تَراكمُ الفِكْرِ اقتَضب
تحيةً لكنّها من زائرٍ / أَوصَلَ ما كان هوىً إذا أَغَب
إن كان من عامٍ بيومٍ قانعاً / ولم تكُن دون المُلاقاةِ حُجُب
فوَقفةٌ من الفتى واحدةٌ / في عَرَفاتٍ فَرْضُ عُمْرٍ تُحتَسَب
جاءتْكَ من صَوبِ المعاني رَوضةٌ / قد جَمعَتْ زَهْرَ الكلامِ المُنتخَب
تُحفةُ نَيروزٍ أَتَتْك غَضّةً / فَخُذْ لعِيدِ الفُرْسِ من قِيلِ العَرب
واسْعَدْ به وافِدَ يُمْنٍ يُجتَلى / ومِثْلُه في العِزّ أَلفْاً يُرتَقَب
حَشْوُ فؤادي فَرَحُ
حَشْوُ فؤادي فَرَحُ / في صَحْنِ كَفّي قَدَحُ
فقد بَلَغْتُ مِن زَم / ني كُلَّ ما أقتَرِح
لكنّني يا سادتي / والعْذرُ لي مُتّضِح
يَفْضَحُني حبُّكمُ / برَغْمِ قومٍ نَصَحوا
ولا يُلامُ عاشِقٌ / في مِثْلِكم يَفْتَضِح
لا فارقْتَني قَهوةٌ / كالنارِ إذ تَنْقَدِح
لم تَقَدَّمْ شُرْبُها / إلا تلاهُ الفَرح
صافيةٌ يُديرُها / قومٌ إليها جَمَحوا
إذا اشتَروا سُرورَهم / بمالِهم تَسمَّحوا
وكلُّ مَن بالمالِ يَبْ / تاعُ السُّرورَ يَربَح
قِفا معي في هذه المعَاهدِ
قِفا معي في هذه المعَاهدِ / لا بُدَّ للصّبِّ من المُساعدِ
لا تَبْخلا يا صاحبيَّ واسمَحا / بوَقْفةٍ على المُعَنّي الواجد
في منزلٍ عَهِدْتُ في عِراصِه / لَوْرَدَّ معهوداً بُكاءُ عاهد
كواعباً من الدُّمَى لَواعِباً / مُشْبِهةَ الثُّغورِ للقلائد
يَمِسْنَ من فرْطِ النّعيمِ والصِّبا / كالقُضُبِ المَوائِلِ المَوائد
فيهنّ ظَبْيٌ عَلِقَ القلبُ به / من الظّباء النُّفَّرِ الشَّوارد
إذا تَبدَّى مَرضٌ بطَرْفِه / لم يَخْلُ من أفئدةٍ عَوائد
رَمَيْتُه فصادَني فمَن رأى / صَيْداً يَمُرُّ بفؤادِ الصّائد
قطعْتُ من قلبي رَجائي في الهوى / والقَطْعُ طِبُّ كُلِّ عُضوٍ فاسد
فهل فتىً يُعيرني قلباً به / أَلْقَى خطوبَ دَهْريَ المُعاند
كم قد ضَرْبتُ في البلادِ طالباً / مُفتِّشاً عن صاحبٍ مُساعد
فلم أَجِدْ في الشّرِّ غيرَ شامتٍ / ولم أَجِدْ في الخَيرِ غيرَ حاسد
كُلُّ بني الحضرةِ قد ذمَمْتُهم / ذَمَّ فتىً في القُربِ منهم زاهد
ما فيهمُ رِقّةُ قلبٍ بَتّةً / لفاضلٍ في زَمنٍ مُناكِد
في حالةٍ يَبينُ في خِلالِها / أخو الرّخاء من أخي الشَّدائد
إلاّ سديدَ الحضرة النَّدْبَ الذي / يُبدِي فعالَ الماجدِ ابنِ الماجد
صَفَحْتُ عن بني الزّمانِ إذ غدا / منهم أنو شَروانٌ بْنُ خالد
وألْفُ ذنْبٍ يَجتَمِعْن لامْريءٍ / يُغفَرْنَ إنْ جاءَ بعُذْرٍ واحد
كُلهمُ يَعِد غيرَ مُنجِزٍ / وهْو الّذي يُنجِز غيرَ واعد
سَجيّةٌ من كرَمٍ شاعَتْ له / بين أدانِي الخَلْقِ والأباعد
أدْرَك غاياتِ العُلا وإنّما / يَسْمو إلى المجدِ بنو الأماجد
كأنّه والمُلْكُ يَحْتَمِي بهِ / سَديدُ سَهْمٍ في شَديدِ ساعد
نَبّهْتَه فَدَعْهُ والدّهرَ معاً / خصْماً وبِتْ أنت بطَرْفٍ راقد
فتىً تَستَّرْت بظِلّ جاهِه / من لَحْظِ عَينَيْ دَهْريَ المُكايد
ذو هِمّةٍ ساميةٍ إلى العُلا / مُوفيةٍ على ذُرا الفَراقد
بَحْرٌ من العِلْمِ على لسانهِ / فؤادُه يَموجُ بالفوائد
بَدْرٌ يَعودُ كُلَّ مُمسَي ليلةٍ / ما بقيَ الدّهرُ بِنُورٍ زائد
غَيْثٌ من الجُودِ يَجود دائماً / سَقْياً له من غَيْثِ جُودٍ جائد
لَيْثٌ له من اليَراعِ مِخلَبٌ / مُفترِسُ الأُسودِ والأساود
يَحْفَظُ في خدمتِه الرَّسْمَ فلا / يَبْدو له في الطِّرْسِ غيرَ ساجد
إذا عَلا بياضَه حَسِبْتَهُ / يَعلو مَشيباً بشبابٍ عائد
وإن مضَى في أرَبٍ ظنَنتَه / مَضاءَ سيفِ البطَلِ المُناجد
يا مُرْضِيَ الآمالِ بالمالِ ندىً / ومُكرِمَ القُصّادِ والقصائد
ومَن له في كُلِّ مَمْضَى ساعةٍ / تَعجيلُ رِفْدٍ وافرٍ لوافد
ومَن أبَى أن يَستهِلَّ كفُّه / يوماً بجُودِ قاصرٍ لقاصد
لقد علا ذِكْرُك ما بين الورَى / في فَمِ كل صادِرٍ ووارد
وقد بنَى سَعيُك مَجداً باذِخاً / يَعجِزُ عَنه جُهْدُ كلِّ جاهد
فلا يَزالُ شاهِدٌ لغائبٍ / يُتحِفُه وغائبٌ لشاهد
حارَتْ عيونُ العالَمِينَ كثْرةً / من المساعي لك والمَحامد
فَدُمْ لنا حتّى نَراكَ أبَداً / مُنعَّماً في ظِلِّ عُمْرٍ خالد
في الجودِ مثلَ خالدٍ والبأس مثْ / لَ خالدٍ والنّطقِ مثْلَ خالد
صَبٌ مقيمٌ سائرُ فُؤادُهُ
صَبٌ مقيمٌ سائرُ فُؤادُهُ / طَوْعُ الهوى مع الخليط المُنْجِدِ
غائبُ قَلْبٍ حاضِرُ ودادُه / لِمَنْ نأى في عَهدِهمْ والمَعهد
له جوىً مُخامِرُ يَعتادُه / إذا اشتكى طيفَ الكَرى في العُوّد
لصَبْرِه يُكابِرُ اتِّقادُه / حَشْوَ الحشَا بعد الحسانِ الخُرَّد
ودمعُه يُكاثِرُ اشْتِدادُه / خوفَ النّوى يَقولُ للنّومِ ابْعُد
ما الصّبْرُ إلا غادرُ إنجادُه / إذا بَدا جيشُ النَّوى من بُعُد
لولا حَمامٌ هادرُ إسعادُه / يَنْفَى الجوى بلَحْنِه المُردَّد
كأنّه مَزاهِرُ أجيادُه / السودُ الحُلَى من كُلّ شادٍ غَرِد
مُرْخىً له ستائرُ أعوادُه / الخُضْرُ الذُّرا لِظلّهنَّ يَرتَدي
وافَى ربيعٌ باكِرُ أجنادُه / حين مضَى سُلطانُ بَردٍ مُعْتَد
أسلفَ وهْو تاجِرُ عِهادُه / ثُجْرَ الثّرى اللُّؤلؤ بالزّبرجَد
فكلُّ قُطرٍ ناشرُ وهادُه / مع الرُّبا ما مِثْلُه لم يُعْهَد
وجْهُ الرّياضِ زاهِرُ قُصّادُه / مَن اعتنَى بحَذْفِه لم يُرشَد
لا يَجتويه ناظِرُ مُرْتادُه / إن اهتدى ودَعْه إن لم يَهْتَد
عن خَدِّ خَوْدٍ سافِرُ مُرّادُه / وقد زها بالنّرجس الغَضّ النّدي
ناظِرُ تِبْرٍ ناضِرُ نَقّادُه / له اشترى أصفَرَه بالأسْود
لُجيْنُه محَاجِرُ تَصْطادُه / إذا رنَا بحَدقٍ من عَسْجَد
فاللّحظُ منه ساحِرُ إحدادُه / إذا ذكا من شِدّة التَوُّقد
واللّونُ منه سافِرُ أضدادُه / من السّنا كَجَمرةٍ والجَمَد
وللشَّقيق ناظِرُ سَوادُه / قد ارتَوى بلا اكتحالِ إثمِد
وسْطَ الدّماء حائرُ سَوادُه / ممّا بكَى يُديرُ عينَ أرمَد
بل هو خَدٌّ ناضِرُ وَقّادُه / لمّا التظَى زِينَ بخالٍ أسود
والأقحوانُ فاغِرُ بِرادُه / عن مُجتلى مِثْلِ صغارِ البَرَد
حُسْنٌ لَعمْري وافِرُ أعدادُه / بها اكتفَى وجْهُ النّباتِ الأغيَد
نَيروزُ سَعْدٍ زائرُ مُعادُه / أسنَى القِرَى طُلوعُه بالأسعُد
حاشِدُ أَنسٍ حاشِرُ أَجدادِهِ / أَبلى الأَسى فَأَبلِهِ وَجَدَّد
لِجَيشٍ هَمّي كاسِرُ إِمدادُهُ / حينَ سَرى في عَدَدٍ وَعُدَد
فَكُلُّ ماءٍ مائِرُ أَكبادِهِ / مِمّا اِرتَقى مِنَ الغُصونِ المُيَّد
وَكُلُّ خَوطٍ خاطِرُ مَيّادُهُ / هَزَّ القَنا فَالنَهيُ كَالمُرتَعِد
فَمَتنُهُ مُطامِرُ جِيادُهُ / مَعجُ الصِبا بِدائِمِ التَرَدُّد
كَما ذَكَت مَجامِرُ نِجادُهُ / نَشرٌ شَذا مَعَ الهُبوبِ السَرمَد
أَو فُصِّلَت جَواهِرُ تَنضادُهُ / يُهدي السَنا في جيدِهِ المُقَلَّد
أَو صُقِلَت بَواتِرٌ أَو رادُهُ / مِلءَ المَلا صَفَت فَما فيها صَدي
لَولا سُرورٌ هاجِرُ مُعتادُهُ / قَلباً عَصى وَالعيدُ بِالمُعَيِّد
وَحُرُّ صَدرٍ واغِرُ إيقادُهُ / مَعَ البُكا في صَبَبٍ وَصَعَد
الدَمعُ مَنّي حادِرُ إِصعادُهُ / لِلمُنتَأى عَن فِلَذٍ مِن كَبِد
فُؤادُ مُضني طائِرُ رُقادُهُ / يُرمي الفَلا بِناظِرٍ مُسهَّد
وَلِلسُها مُسامِرُ سُهادُهُ / إِذا اِنتَحى بِاللَيلِ أَو لِلفَرقَدِ
لِهِمَّةٍ يُساوِرُ اِنفِرادُهُ / إِذا دَجا وَالشَجوُشَجوُ المُفرَدِ
لَهُ اللَظى ضَمائِرُ زَنادُهُ / إِذا وَرى شُواظُهُ لَم يَخمُدِ
كَم راحَ دَمعٌ بادِرُ تَجَوادُهُ / حَتّى اِغتَدى مبتسما عن فَدفَدِ
وَصاحَ مُزنٌ هادِرُ إِرعادُهُ / حَتّى رَمى بِطنَ الثَرى بِالوَلَدِ
حَتّى التُرابُ الحائِرُ اِعتِقادُهُ / الَّذي رَسا مُغَيَّبَ المُعتَقَدِ
أَسلَمَ وَهوَ كافِرُ صِلادُهُ / حَتّى حَكى صُنعَ المَليكِ الصَمَدِ
وَبَرَّ وَهوَ فَاجِرُ ثِمادُهُ / يَشفى الصَدى وَعَدُّهُ لا يُعدَدِ
بَل يَومُ فَصلٍ حاشِرُ ميعادُهُ / مَوتى الكَلا عَن قَعرِ كُلِّ مُلحَدِ
تُبلى بِهِ السَرائِرُ اِرتِصادُهُ / لِما اِنطَوى مِن مُصلِحٍ وَمُفسِدِ
فَكُلُّ حَبٍّ ثائِرُ مُبادُهُ / وَاِبنُ الحَيا ما عاشَ لَو لَم يوأَدِ
تُهدي بِهِ البَشائِرُ اِستِردادُهُ / مِنَ الرَدى بَعدَ تَلاشي الجَسَدِ
ما لِلخَليعِ زاجِرُ صَدادُهُ / عَمّا اِشتَهى لِعَذل أَو فَنَدِ
باطِنُهُ وَالظاهِرُ اِتِّحادُهُ / وَهَل تَرى قَلبَ دَدٍ غَيرَ دَدِ
لَولا زَمانٌ دائِرٌ مَقادُهُ / عَن الأَذى إِلى المَعاشِ الرَغَدِ
لَكانَ بَيعُ خاسِرُ نَقّادُهُ / شَمسُ الضُحى بِحَمَلٍ لِأَسَدِ
كَيفَ اِستُعيضَ فَادرُ تَقتادُهُ / لِيُقتَنى بِأَغلَبِ ذي لِبَدِ
ساءَ وَرَدَّ خادَرُ تَعتادُهُ / لَها حِمى وَغَيرُهُ لَم يُعدَدِ
شَمسُ النَهارِ القاصِرُ اِنتِقادُهُ / حَيثُ اِكتَفى بِشَرفٍ مُجَدَّدِ
وَذو العَلاءِ الباهِرُ اِزدِيادُهُ / قَرمٌ سَما بِهِ شَريفُ المَحتِدِ
سَحابُ جودٍ ماطِرُ تِلادُهُ / نَهبُ النَدى لِحِفظِ مَجدٍ مُتلَدِ
لِلدَينِ مِنهُ الناصِرُ اِستِنجادُهُ / إِذا دَعا غَداةَ خَطبٍ موئِدِ
قاضي القُضاةِ طاهِرُ عِمادُهُ / خِدنُ العُلا النَدبُ أَبو مُحَمَّدِ
أَوَلُّ فَضلٍ أَخِرُ ميلادُهُ / دينُ الهُدى بِغَيرِهِ لَم يُعمَدِ
لِلكَسرِ نِعمَ الجابِرُ اِستِرفادُهُ / فَلا وَهيَ مِن ناصِرٍ مُسَدِّدِ
ناهي زَمانٍ آمِرُ يَقتادُهُ / كَما أَرتَضي أَنّي يَقُدهُ يَنقَدِ
لَهُ بِمِثلٍ عاقِرُ وَلّادُهُ / مَعما يُرى مِن كَثرَةٍ في العَدَدِ
لَعِدلِهِ مُستَأسِرُ آسادُهُ / وَعرُ السُطا بَحرُ النَدى بَدرُ النَدى
نافِعُ دَهرٍ ضائِرُ أَعدادُهُ / لِما عَرا يُطيلُ غَيظَ الحُسَّدِ
إِن جارَ خَطبٌ جائِرُ فَعادُهُ / عَقدُالحُبا لِحَلِّ كُلِّ عُقَدِ
رَأيٌ وَحَزمٌ ظاهِرُ سَدادُهُ / إِذا قَضى بِفَيصَلٍ في مَشهَدِ
وَلا حُسامٌ باتِرُ أَغمادُهُ / مِنَ الطُلى في جيدِ كُلِّ أَصيَدِ
مِنهُ النَجيعُ قاطِرُ فِرصادُهُ / إِذا جَلا عَن خَدِّهِ المُوَرَّدِ
ساعٍ سِواهُ الفاتِرُ اِجتِهادُهُ / إِذا اِرتَقى إِلى بُلوغِ الأَمَدِ
وَمَن عَداهُ الغادِرُ اِستِمدادُهُ / إِذا دَنا فَاِعدَم سَراباً أَوجِدِ
لِلَهِ لَيثٌ هاصِرُ زِيادُهُ / إِذا سَطا يَثنى العَدُوَّ المُعتَدي
مِنهُ وَغَيثٌ هامِرُ مُرادُهُ / إِذا سَخا رائِحُهُ وَالمُغتَدي
عَلى المَوالي ناثِرُ أَصفادُهُ / قَطرَ جَدا يَنظِمَ شُكرَ الأَبَدِ
وَلِلمُعادي آسِرُ صِفادُهُ / عَفوٌ حَمى حُشاشَةَ المُصفَدِ
خَيرُ فَتىً أَخائِرُ أَجدادُهُ / إِذا اِنتَمى مِن كُلِّ قَومٍ نُجُدِ
يَنميهِ إِن تَفاخَروا أَمجادُهُ / الغُرُّ الأَلى مَهما بَنوا يُشَيَّدُ
فَزارَةُ الأَكابِرُ اِعتِدادُهُ / فَهوَ الفَتى وَالأَمجَدُ اِبنُ الأَمجَدِ
قُطبٌ عَلَيهِ الدائِرُ اِعتِمادُهُ / شَمسُ عُلا أَبو نُجومٍ وُقَّدِ
وَاللَهُ رَبٌّ قادِرٌ إيجادُهُ / السَبعُ العُلى رَفعاً بِغَيرِ عَمَدِ
وَبِالعِمادِ ظاهِرُ إِمدادُهُ / حَتّى اِعتَلى سَماء دينِ أَحمَدِ
إِحسانُهُ المُظاهِرُ اِطِّرادُهُ / الَّذي كَفى شَرَّ الزَمانِ الأَنكَدِ
سَميرُ لَيلٍ ساهِرُ سَجّادُهُ / يَثني الدُجى صُبحاً إِذا لَم يَسجُدُ
لِكُلِّ حَمدٍ ذاخِرُ إِرصادُهُ / مِنَ النَهى وَاليَومُ رَهنٌ بِالغَدِ
فارِسُ مِنهُ عامِرُ بِلادُهُ / فَلا عَفا مِن بَيتِ مَجدٍ أَتلَدِ
يَعِزُّ مَن يُجاوِرُ إِسنادُهُ / دونَ الغِنى فَهوَ لِكُلِّ مُجتَدِ
صَعبٌ فَلا تُخاطِروا قِيادُهُ / مَتى أَبى وَمَن يُحامِ يَذُدِ
نَهبٌ أَلا فَبادَروا أَرفادُهُ / وِردَ القَطا مَن لَم يَفِد لَم يُفِدِ
بَلا هوَ بَحرٌ زاخِرُ مَدّادُهُ / إِذا طَما وارِدُ مَن لَم يَرِدِ
فَحامِدٌ وَشاكِرٌ وَفّادُهُ / إِذا اِنتَدى وَاليَدُ صيغَت لِليَدِ
بِكُلِّ عِزٍّ ظافِرُ قُصادُهُ / مَعَ المُنى وَالعِزُّ عَذبُ المَورِدِ
لِمالِهِ مُشاطِرُ مُرتادُهُ / إِذا عَفا وَقَولُهُ عُد أَعُدِ
فَالشِعرُ عَظمٌ ناخِرُ مَعادُهُ / فَقَد قَضى بِرِفدِهِ المُستَرفَدِ
بِالجودِ مِنهُ ناشِرُ أَجسادُهُ / بَعدَ البِلى وَالجودُ حَشرُ السُؤدَدِ
نَوروزُنا مُسافِرُ مُرادُهُ / مِنّا السُرى مِثلَ الرَفيقِ المُسعِدِ
فَهوَ لِكُلِّ وافِرُ إِسعادُهُ / وَإِن غَدا لِلإِرتِحالِ مَوعِدي
وَهوَ لِقَلبي ذاعِرُ إِبعادُهُ / فَردُ الذُرا المُكثِرُ غَيظَ حُسَّدي
وَها أَنا مُسايِرُ وَزادُهُ / إِذا اِنثَنى وَجدٌ بِكُم لَم يَبرُدِ
ماضٍ وَلِكَن غابِرُ إِحمادُهُ / وَما عَسى يَقولُ إِن لَم يَحمَدِ
لِلقُربِ مِنكُم ذاكِرُ بِعادُهُ / ذِكرَ الصِبا يُسنَدُ طولَ المُسنَدِ
مُواصِلٌ مُهاجِرُ تَردادِهِ / كإِبنِ الكَرى أَقرَبُهُ كَالأَبعَدِ
بِفَضلِكُم يُذاكِرُ اِمتِدادُهُ / حَيثُ اِنتَهى مِن مَنزِلٍ وَمَقصَدِ
كَذا النَسيمُ العابِرُ اِعتِيادُهُ / إِذا سَرى اِستِصحابُ نَشرِ البَلَدِ
عَنِ الرِياضِ آثِرُ رُوّادُهُ / لِما حَوى مَن لَم يَجِد لَم يَجُدِ
وَكُلُّ بَحرٍ صادِرُ وُرّادُهُ / إِذا سَقى فَاصدُر عَزيزاً أَو رِدِ
وارِدُهُ المُستَأخِرُ اِستِعدادُهُ / إِذا اِستَقى مِن فَيضِ بَحرٍ مُزبِدِ
إِنَّ الزَمانَ غادِرُ عِنادُهُ / إِذا التَوى عَلى الفَتى لَم يَكَدِ
وَالحُرُّ فيهِ صابِرُ عِتادُهُ / عَقدُ عِرا أَغوارِهِ بِالأَنجُدِ
كَما اِقتَضى المَقادِرُ اِنقِيادُهُ / كَيفَ حَدا يَقولُ لِلعيسِ خِدي
جاءَكَ شِعرٌ نادِرُ إِنشادُهُ / لَمّا أَتى عِقداً بِغَيرِ عُقَدِ
في حُسنِهِ نَظائِرُ أَفرادُهُ / مَعَ الثَنى مِن دُرِّهِ المُنَضَّدِ
تَقضي لَهُ المَشاعِرُ اِستيعادُهُ / إِذا اِرتايَ بِشَرفِ التَفَرُّدِ
سامِعُهُ المُحاضِرُ اِستِشهادُهُ / بِما اِكتَسى مِن عَبَقٍ لَم يَنفَدِ
يَقولُ وَهوَ عاطِرُ أَبدادُهُ / بِماجَرى مِن ذِكرِكَ المُجَدِّدِ
بِالمِسكِ كانَ الساطِرُ اِستِمدادُهُ / وَهَل وَفى مِسكٌ بِخُلقِ أَمجَدِ
قَد خَطَّهُ المُبادِرُ اِستِنشادُهُ / لِما وَعى مِنَ القَوافي الشُرَّدِ
سابِقُ فِكرٍ ضامِرُ جَوادُهُ / ذاتُ خُطاً بِأَربَعِ كَالجَلمَدِ
في كُلِّ شِعرٍ فاخِرُ مُجادُهُ / إِذا اِزدَهى قَومٌ بِغَيرِ الجَيِّدِ
وَالفَضلُ صَمتٌ سائِرُ تَعتادُهُ / بَينَ الوَرى إِن قُلتَ ما لَم يُحمَدِ
إِن كانَ نَظمٌ نافِرُ نَقّادُهُ / لا مُنتَقى مِثلَ اللآلي البَدَدِ
يا مَن بِهِ مُفاخِرُ أَعيادُهُ / عِش ما تَشا في العِزِّ وَاِغنَ وَازدَدِ
مَلكٌ إِلَيهِ صائِرُ إِسنادُهُ / حَتّى اِحتَمى فَدُم مُطاعاً وَاِخلُدِ
أَنتَ الهُمامُ القاهِرُ اِستِعبادُهُ / مَعَ الفَتى وَصادِقُ التَعَبُّدِ
فِدىً لَهُ أَصاغِرُ حُسادِهِ / مَعَ العِدا مِن سَيِّدٍ وَسَنَدِ
أَما اِمرُؤٌ مُجاهِرُ أَفتادُهُ / بِهِ طَغى وَقَلَّ ذاكَ المُفتَدى
أَو عارِفٌ مُناكِرُ كِيادُهُ / كُلٌّ فَدى عَلائِكَ المُحَسَّدِ
سَرى كما يَسري القَمَرْ
سَرى كما يَسري القَمَرْ / والليّلُ مُسوَدُّ الطُّرَرْ
زَوْرٌ سرَى على خَفَر / طوَى الفلا وما شعَر
بدْرٌ دُجاهُ مِن شَعَر / عَجِبتُ والليّلُ اعتكَر
مَعْ نورهِ كيف استَتر / أَوجُهُه حينَ سفَر
بسِحْرِ طَرْفٍ ذي حَوَر / لأعينِ النّاسِ سَحَر
فجاء كالبَدْرِ ومَر / ولم يَرَوا منه أثَر
أما أنا لمّا حضَر / كأنّه إحدَى الصُّور
خَبأْتُه من الحَذَر / في ناظري عنِ البَشَر
يا زائراً لم يُستَزَر / أحلَلْتُهُ منّي البَصَر
فَعَوَّضَ العينَ السّهَر / لمّا رأَى أُنْسي نَفَر
ولم يَصِلْ حتّى هَجَر / وزوَّد الصّبَّ الذِّكَر
فقُمتُ والدّمعُ درَر / أَكُفُّ منه ما بَدَر
وأكتُمُ الصَّحبَ الخَبَر / ونحن أبناءُ سَفَر
من وطَنٍ إلى وَطَر / إلى بَعيرٍ قد ضَمُر
رَعى بأعْلى ذي نَفر / بينَ رياضٍ وزَهَر
كأنّها نَشْرُ الحِبَر / يأخُذُ نَبْتاً ويَذَر
في أُنُفٍ منَ الخُضَر / ونُطَفٍ فيها خَصَر
حتّى أتَى مِلْءَ الضُّفُر / يُلاعِبُ الظِّلَّ أَشر
فمَرّ كالسَّيلِ انحدَر / يَقسِمُ عينَيْه حَذَر
بينَ الطّريقِ المُبتَدَر / ووَقْعِ مَفْتولِ المرَر
بعِطْفِه عنه زَوَر / حتّى إذا الحادي نَعَر
طوَى بلاداً ونَشَر / إلى ذُرا مَلْكٍ أَغَر
إليه للخَلْقِ المَفَر / تَجْري يَداهُ بالبِدَر
جَرْيَ القضاء والقَدَر / وزيرُ صِدْقٍ مُذ وَزَر
أصبحَ للمُلْكِ وَزَر / نَهَى مُطاعاً وأَمَر
وساء مَن شاء وسَر / ونَفع النّاسَ وضَر
ذو سيرةٍ من السِّيَر / تُتلَى كما تُتلى السُّورَ
إن وتَر الدّهرُ ثأر / أو نُسِيَ العَهدُ ذَكَر
أو عَظُمَ الذَّنْبُ غَفَر / أو جَمَد النّوْءُ مَطَر
أو خفَّتِ الخَيلُ وقَر / مهما رأى الشّرَّ فَغَر
قام كريماً وصَبَر / وقال أمْرٌ قد قُدِر
وأرسَلَ الخَيلَ زُمَر / عَوابِساً معَ الغُرَر
نوافِضاً فيها العُذَر / تَصلَى إذا النّبْعُ انْأطَر
ناراً لها النَّبْلُ شَرَر / حتّى ثنَى البِيضَ كِسَر
وقَصَّرَ الضَّرْبُ قَصَر / بخَطْفِها المُلْكُ اسَتقَر
ورُبَّ نَفْعٍ في ضَرَر / يا مالكاً قدِ اقتَدَر
إليك منك الدَّهرُ فَرّ / فكُنْ مُقيلاً إن عَثَر
دهْرٌ جنَى ثُمَّ اعتَذَر / مُحَكَّماً فيما شَجَر
وماكِراً بمَنْ مكَر / لم يَبْقَ والبَغيُ غَرَر
باغٍ على البَغْيِ أصَر / أعلَن ذاكَ أو أسَر
إلاّ له اللهُ كَسَر / ولم يُغادِرْ مَن غَدَر
وفي الزّمانِ مُعتَبَر / إن كان فينا مُصطَبَر
فاصنَعْ صنيعَ مَن شكَر / مَن كفَر النُّعمَى كفَر
حاشا بَقاكَ المُختَبَر / يا بدْرَ مُلْكٍ لا استَسَر
ونجمَ عَدْلٍ لا انكَدَر / محا منَ الجَوْرِ الأَثَر
تَصحيفُها مِمّا استَمر / وكان فيها مُفتَخَر
على المَمالِكِ الأُخَر / فَصفّها منَ الكَدَر
وعُمَّ هاتيكَ الكُوَر / عَدْلاً إذا عَمَّ عَمَر
كم قائلٍ وما افتَكر / رَبُّ العبادِ ما فَطَر
في طَبْعِ نَوشَروانَ شَر / ولو مِنَ اسْمِهِ قَدَر
الشِّينَ والرّاءَ ستَر / عنِ الورَى إذا سطَر
قلتُ بِذا لا يُغْتَرَر / فهْو بعيد المُسْتَمَر
مُحْلٍ إذا شاءَ أَمَر / كالطّودِ ما لم يُستَثَر
واللّيثِ ما شاء خَدَر / غامدَ نابٍ وظُفُر
ثمّ إذا عادَى جَهَر / ولا يماشِيكَ الخَمَر
فلا قَرارٌ إن زَأَر / ولا بقاءٌ إن هَصَر
يا مُخجِلَ العَضْبِ الذَّكَر / من صَدْرِه رَأيٌ صَدَر
أطمعْتَ في الدَّهْرِ الظَّفَر / فلا تَعلّلْ بالعِذَر
ولا تَبِتْ على وَغَر / فلو وخَزْتَ بالإبَر
صارتْ رماحاً في الثُّغَر / يا حادِيَ العِيسِ أَثِر
أَسْرِ على السّعْدِ وسِر / إن مَسّك الدَّهْرُ بِضُر
فكَعبةَ الآمالِ زُر / فهْو مَطافُ كلِّ حُر
فاحجُجْ ذُراهُ واعتَمِر / بشَرفِ الدّينِ استَجِر
من حادثِ الدَّهْرِ يُجِر / مَولىً على النَّجمِ أَبَر
بفَضْلِه كلٌّ أَقَر / من آلِ كسْرَى في نَفَر
مثْلَ النّبِيِّ في مُضَر / نَمَوْهُ من أَزْكَى شَجَر
فطابَ فَرْعاً وطَهُر / آثارُه لِمَنْ أَثَر
كأنّها المِسْكُ ذَفَر / فَداهُ إنْ دَهْرٌ كَشَر
عن نابِ خَطْبٍ قد فَطَر / نِكْسٌ له القَلْبُ انفَطَر
مِن نُورِه الّذي بَهَر / وهل يُباري إنْ فَخَر
شمسَ الضُّحَى نجْمُ السّحر / سيفُ أَبي نَصْرٍ نَصَر
دينَ الهدى حتّى انتصَر / وللعدا طُرّاً قَهَر
سيفٌ له اللهُ شَهَر / دَمُ العدا به هَدَر
فاسلَمْ لنا من الغِير / في ظِلِّ عيشٍ لا انْحَسر
بَعيدِ وِردٍ مِنْ صَدَر / مَصونِ صَفْوٍ من كَدَر
يا مَن به العَدْلُ انتشَر / ومَن له الفَضْلُ اشْتَهَر
مادِحُه إذا نظَر / يُفرغُ في غَمْرٍ غُمَر
وعندَه الحظُّ وفَر / من كلِّ عِلمٍ يُستَطَر
نادى إليه وحشَر / آدِبُ فَضْلٍ ما انتقَر
عش ما بدا بَدْرٌ زهَر / وما به الليّلُ اعتَجَر
من غَيْثِ جُودٍ انهمَر / ولَيثِ بأسٍ استَعر
مُعطِي عطاءٍ قد غَمَر / أَصبح أَدناهُ البِدَر
مُبِرُّ رِفْدِ مَن شَعَر / وغاص فيه بالفِكَر
ثُمَّ سخا وما اقتَصَر / في كُلِّ بَدْوٍ وحَضَر
فكان كالبَحْرِ زَخَر / فَعَمَّ كُلاً بالمَطَر
وخَصَّ قوماً بالدُّرَر / ياجُودُ قَولاً مُعتَبَر
حقيقةً لم تُسَتعر / مِثْلُك ما كان ظَهَر
الجودُ في شَخْصِ بَشَر / يَمْلأُ عَيْنَيْ مَن نَظَر
واللّهُ مُبِدعُ الفِطَر / يا مُغْنِياً مَنِ افتقَر
وجابِراً مَنِ انكَسَر / عَصْرُك نِعمَ المُعْتَصَر
لَديك آمالي أُخَر / ولي معاشٌ مُحتَقَر
لو كان دَمْعاً ما قَطَر / فَضُمَّ من أَمري النّشَر
وازْجُرْ زماناً بي أَضَر / فلو زجرتَ لا نْزجَر
هل بعدَ هذا منتظَر / أم آن أن يُجنَى ثَمَر
من غَرْسِ وُدٍّ مُدَّخَر / هذا المَسيرُ يُبتَدَر
فهل لنا من مُدَّكَر / كُلٌّ بأُهْبَةِ السَّفَر
أضحَى كَفُوقٍ في وَتَر / وليس لي من مُقْتَدَر
لمَرْجِعٍ ولا مَمَر / فخاطِري على خَطَر
من خَوفِ ما فيه خَطَر / بالحِجْرِ منّي والحَجَر
يَمينُ بِرٍّ ما فَجَر / لو مُلِّكَتْ نَفْسي الخِيَر
كان ذُراكَ لي مَقَر / وكان للعَينِ أَقَر
فكن أحَقَّ مَن عَذَر / عبداً لعَهْدٍ ما خَفَر
سوى هواكَ ما ذَخَر / وغيرَ عَوْدٍ ما نَذَر
فمُرْ بأمْرٍ يُؤتَمَر / أَعِدْ إلى أَمْرِي نَظَر
وهاكَ من قَولي فِقَر / كأنّها الدُّرُّ انتثَر
من كُلِّ معنىً مُبتكَر / في كلِّ بَيتٍ مُختَصَر
كأنّه على القَدَر / يومُ السُّرورِ في العُمُر
حُسْناً وطِيباً وقِصَر / كعُمْرِ سِيدِ من مُضَر
لمّا شَكا قلبي هَوَى نَوارِ
لمّا شَكا قلبي هَوَى نَوارِ / وعارِضي كالصُّبحِ في الإسفارِ
والشَّعْرُ منها أَسودُ الشِّعار / كجُنْحِ ليلٍ جَدّ في اعْتِكار
مالتْ من الإنْسِ إلى النِّفار / وأصبحَتْ قاطعةَ المَزار
ولم تكد تَقرُبُ من دِياري / إلاّ طُروقاً بخيالٍ سار
وزادَهَمَّ قلبِها المُطار / إعسارُ شَيخٍ رافعِ الأستار
والجمْعُ بينَ الشّيبِ والإعسار / عند الدُّمَى ذَنْبٌ بلا اغْتِفار
ولا له يُصْغَي إلى اعتِذار / فكلّما لَطّفْتُ لاسْتِهْتاري
عُذْري غدَتْ تومي إلى عِذاري / فعندَ ذاك عَظُمَ افتِكاري
وشَبَّ في قلبي شُواظُ نار / وغلَبتْ حَيْرتِي اصْطِباري
لكنْ لمكْتومٍ منَ الأسْرار / وقَدَرٍ سَعْدٍ منَ الأقْدار
أقبلَ وفْدُ المِهْرجانِ الطّاري / مُعدِّلاً عند ذوي الأبصار
للَّيل والنّهارِ في المِقْدار / فَتَّم صُلْحٌ لا على إنكار
ما بين خَصَمْينِ ذَوَيْ أشجار / من ظُلَمٍ تَجْنى على أنوار
وحَكَم النّاسُ على استبْصار / أنّ استواءَ اللّيلِ والنّهار
قد كانَ بَعدَ ذلك الضِرّار / يَطرَحُ كَفَّ الفَلَكِ الدَّوّار
للشّمسِ في الميزانِ كالدّيِنار / فنَبّهتْني نظرةُ اعْتِبار
وعلَّمتْني شيمةَ المُدار / وهل فتىً في زمَنِ اضْطِرار
بعَجْزِه يَجْرِي ولا يُداري / إلى رُجوعِ زمَنِ اخْتِيار
فقُمْتُ مثلَ الأسَدِ المُثار / ولم أَزلْ بكَثْرةِ التَّدوار
والطّوفِ في الأنجادِ والأغْوار / والقَطْعِ للمَهامِهِ القِفار
مُستَبْضِعاً غُرّاً منَ الأشعار / وحامِلاً دُرّاً إلى بِحار
من خلفاء اللّهِ في الأمصار / أو السّلاطينِ ذَوي الأقطار
أو صاحبٍ قُدّمَ لاسْتِيزار / من كُلِّ نَهّاء الوَرى أمّار
حتّى رجَعْتُ ظاهرَ اليَسار / مُمتِليءَ اليمينِ واليَسار
فكم غَدوتُ وازِنَ النُّضار / ورُحْتُ منه قاضيَ الأوطار
ونلتُ وَصْلَ الكاعِبِ المِعطار / ومَفْرِقي منَ السّوادِ عار
والذّهَبُ المُذهِبُ للأفكار / فالحمدُ للهِ العزيزِ الجار
مُبدّلِ الإقلالِ بالأكثار / ثُمّ الصّلاةُ دائمُ الأدوار
منّا على نَبيِّه المُختار / مُحمدٍّ وآلِه الأخيار
هذا حديثُ قَطْعِيَ البراري / وجَرْيِ أحوالي على المَجاري
حتّى حطَطْتُ الفَقْرَ عن فَقاري / وسفَرتْ عنِ الغِنى أسفاري
فَكَرّ صَرْفُ دَهْريَ الكَرّار / وصار طَعْمُ العيشِ ذي الأطوار
من بَعْدِ إحلاءٍ إلى إمراء / ظِلُّ غنىً آذَنَ بانحسار
فاليوم عاد عائدُ الإقْتار / وما أظُنُّ جابِرَ انكساري
بعد رجائي نَفحاتِ الباري / سوى كريمِ النفْسِ والنِّجار
حَلاّلُ أعلَى قُلَلِ الفَخار / بَنانُه كالدّيمةِ المِدْرار
وشأنُه مَعونةُ الأحرار / مثْلُ رشيدِ الدّين في الكِبار
وقولُ مِثْلُ مُوجِبُ استِغْفاري / فما لَه مِثْلٌ ولا مُجار
وما لَهُ في فَضْلِه مُمار / طَوْدٌ من الأطوادِ ذو وَقار
مُسدَّدُ الإيرادِ والأصدار / عَزْمَتُه كالصّارمِ البَتّار
ورأْيُه زَنْدُ النّجاحِ الواري / إذا انتدَى للحَمِدِ في أيسار
يَضْرِبُ بالسَهْمَيْنِ في الأعشار / أخبارُه عظيمةُ الإكبار
وخَيْرُه مُصغَّر الأخبار / فبَحْرُهُ مُلتَطِمُ التّيّار
وقَطْرُه ما انفَكَّ في انْهِمار / قد زارَنا نَفْديهِ مِن زَوّار
وما قَرأْنا قَطُّ في الأسفار / وما سَمِعْنا قَطُّ في الأسمار
بكعبةٍ سارَتْ إلى الزُّوّار / ولم يَشُدّوا العِيسَ بالأكوار
يا مُحسِناً حمايةَ الذِّمار / اُذكُرْ مقُامي وهْو ذو اشْتِهار
يا غيْرَ محتاج إلى الإذْكار / بمِدَحِ جلَوْتُها أبكار
في مِعصَمْ العلياء كالسِّوار / كَدُرَرٍ يُصَنَّ أو دَرار
فقلْ لعاً إن ذلَّ ذو عِثار / ظامٍ يَعافُ الوِرْدَ للإسْآر
كم ذا أُواري هكذا أُواري / وأَطلُبُ الصّفْوَ منَ الأكدار
في قُرْبِ شَرٍّ طائرِ الشَّرار / وتُرْبِ أرضٍ مُنْبِتِ الأشرار
شُكْري لبَحْرِ جُودِكَ الزَخّار / إذ لا يزالُ طافِحَ الغِمار
وَقْفاً على الغُيّابِ والحُضّار / فأَجْرِ إدْراريَ وهْو جار
مادام حُسْنُ الرّأيِ منكَ جار / واسْمَعْ بديعَ مَدْحِيَ السّيّار
فالدُّرُّ منّى ثَمَنُ الإدرار / أَرْبِحْ بها من صَفْقةٍ للشّاري
يا طالعاً سَعْداً على الدِّيار / طُلوعَ غيثٍ مُسْبِلِ القِطار
قِطارُه تَهمى على الأقطار / وساعياً للنّفع لا الإضرار
وبَثُّ عَدْلٍ عامرُ الأمصار / عيونُها إليه في انتِظار
لا زلتَ نجماً عاليَ التَّسيار / وَحْدتُه تُغْنِي بلا أنصار
غَناءَ ألفِ عسكرٍ جَرّار / يَغدو غُدُوَّ الضّيغَم الهصّار
ما غاب عن غابٍ طَلوبُ ثار / إلاّ وعادَ ظافرَ الأظفار
عشْتَ لمُلْكٍ ثابتٍ القَرار / طويلَ عُمْرٍ طالَ في اقْتِدار
قصيرِ أيّامٍ مِن استِبشار / حتّى تَرى عُمْرَك في الأعمار
يُسمونَهُ الطّويلَ بالقِصار / دُمتَ تَزينُ المُلكَ بالآثار
ما زِينَتِ الرّياضُ بالأزهار /
أهكذا يَسْري القَمَرْ
أهكذا يَسْري القَمَرْ / واللّيلُ مُسوَدُّ الطُّرَرْ
لم يَجْلُ منه ما اعتكَر / ولم يَرَ النّاسُ أَثَر
لا بل هو الطّيْفُ عَبَر / مُنتقِباً وما سَفَر
فيتْرُكَ اللّيلَ أَغَرّ / ويَشْفيَ العينَ نَظَر
يا زائراً ولم يُزَر / دَلّس بُخْلاً بخفَر
ولم يَصِلْ حتّى هَجَر / وسبَقَ الوِرْدَ الصَّدر
وكان ظِلاًّ فانحَسَر / إلاّ بقايا مِن ذِكَر
تكْحَلُ عَيناً بسَهَر / فقُمْتُ والدَّمعُ درَر
أَكُفُّ منه ما بَدَر / وأكتُمُ الصّحْبَ الخَبر
ودوننا خافي الأثر / وليلُه إذا افتقَر
يَسوفُ أنفاسَ العُفُر / إلى شديدِ المُضْطَمر
مِن المَطيِّ المُدَّخَر / مُلِّكتُه مِلْكَ الظّفَر
فيه معَ العِتْقِ أَشَر / رعَى بأعلى ذي عُثَر
بين رياضٍ وغُدُر / أَوديةً حُوَّ السُّرَر
بها كَتَوشيع الحِبَر / أَوّلُ ما فاحَ الزَّهَر
فخاضَها على غَرَر / من القَنا بمُشتَجَر
يأخذُ نَبتاً ويَذَر / معَ الجواري بالخُضَر
عن نُطَفٍ فيها خَصَر / حتّى أتى وقد أَشِر
يَملأُ عينَيْ مَن نظَر / فيه على العيسِ الخِيَر
يَبعُدُ عنه في الحُضَر / بعدَ تماحٍ من أَثر
فإن نَشِطْنَ وفَتَر / بين صَفاءٍ وكَدَر
كألِفٍ بَيْنٍ سَطَر / فمَرّ كالظّبْيِ نَفر
أو لا فكالسّيلِ انحدَر / أو لا فكالنّجمِ انكَدَر
أو لا فكالوَهْمِ خَطَر / من وَقْعِ مَجْدولِ المِرَر
بعِطْفِه عنه زَوَر / حتّى إذا الحادي نَعر
وطالَ بالرَّكْبِ السّفَر / وجالَ بالنَّسْعِ الضُّمُر
ومال بالنَّفْسِ البَهَر / طَوى البلادَ ونَشَر
حتّى طرقْنا عن عَفَر / فِناءَ عزٍّ مُحْتَضَر
عند مليكٍ مقتَدِر / يَجْري نَداهُ في البَشَر
جَرْيَ القضاء والقَدَر / سامي العُلا عالي السُّرُر
نَزْرُ البُرَى جَمُّ القُدُر / إن وتَرَ الدَّهرُ ثَأَر
أو كُسِرَ العَظْمُ جَبَر / أو جمَدَ النَّوءُ مَطَر
أو خَفَّتِ الخيلُ وَقَر / لمّا رأى الإمْرَ احْتَضر
وأصبحَ العُسْرُ فَغَر / صابَرَ فيهِ وصَبَر
في قلّةٍ مِمّنْ نَصَر / حتّى ثنَى البِيضَ كِسَر
وحَلَّ هاماً ونثَر / وأَرسَلَ الخَيلَ زُمَر
عَوابِساً مَعَ الغُرَر / وهُنَّ ينفُضْنَ الغُدَر
صوابِراً تحت صُبُر / تَصلَى إذا الرَّوعُ استَعَر
ناراً لها النَّبْلُ شَرَر / يومٌ أَغرُّ مُشتَهر
ألّفَ للمَلْكِ الأغَرّ / بينَ المُرادِ والظّفَر
يا سَيفَهُ إذا انتصَر / وغَوْثَه إذا اعتَصر
ومجْدَه إذا افتخَر / أنت الوزيرُ والوَزَر
ومَن سِواكَ مُحتقَر / وهل يُداني في الخَطَر
شمسَ ضُحىً نَجْمُ سَحَر / ما للعدُوِّ لا نُصِر
يَرُدُّ أمراً قد قُدِر / كما يَلُحُّ من قُمِر
تَعْساً له إذا استَمر / ولا لَعاً إذا عَثَر
مُرِ الزّمانَ يأتَمِر / ولا تُضِعْ فيه الغُرَر
وأنتَ مَيمونٌ ظَفَر / فلو وخَزْتَ بالإبَر
صارتْ رماحاً في الثُّغَر / فنَلْ بها القومَ الغُدُر
فهنّ يَنزَعْنَ الوَحَر / من كلِّ صَدْرٍ قد وَغَر
يا مَن إذا شاءَ قَدَر / ومَن إذا أعطَى ابتَدَر
حتّى إذا سِيلَ اعتَذَر / حتّى إذا زادَ شَكَر
ليس النّدى وإنْ غَمُر / وكان أَدناهُ بِدَر
بمُعْقِبٍ حُسْنَ أَثَر / ما لم يكُنْ إذا انهَمَر
أَنْفَسُه لِمَنْ شَعَر / وغاصَ فيه بالفِكَر
وقِسْمُه الأَدنَى خَطَر / نَصْباً لكلِّ مَن حَضَر
أما تَرى البحرَ زَخَر / فعَمَّ كلاً بالمَطَر
وخَصَّ قَوماً بالدُّرَر / مُؤيَّدُ المُلْكِ وَزَر
فما عدا هذا هَذَر / مِمّا جنَى دَهْرٌ غِرَر
كلُّ الذّنوبِ تُغتفَر / إذا بعلياهُ اعتَذر
أبدَع في حُسْنِ السِّيَر / فيما نهَى وما أَمَر
فقيلَ قولٌ قد ذُكِر / فاقَ أبو بَكْرٍ عُمَر
إن لم يَفُقْهُ لم يُضَر / فقد تَساوَى المُختَبر
يا مَن إذا الفَحْلُ هَدَر / مِن يَمَنٍ أو مِن مُضَر
إلاّ النّبيَّ والعِتَر / أَقبلَ لا يَمْشي الخَمَر
فطالَ فَخْرُ مَن فَخَر / وطاب عند مَن خَبَر
طبْعاً ونَفْساً ونَفَر / هَناكَ ما شِئتَ العُمُر
ودُمتَ ما حَنَّ الوَتَر / ونلْتَ في العِزِّ الوَطَر
أَنطْتَ مُلْكاً فَطَهُر / من بَينِ أحشاءِ الغِيَر
بجِدِّ بِيضٍ وسُمُر / فكن رَبيطَ المُصطَبَر
إن طَرقَتْ فيه فِكَر / كُلُّ قَليبٍ مُحتَفَر
أَوّلُه كان كَدَر / ثُمّ صفا على الأَثَر
كفاكَ مِن قَوْلي فِقَر / من كُلِّ معنىً مُبتكَر
في كلِّ بيتٍ مُخْتَصَر / كأنّه على القَدَر
يومٌ سُرورٍ من عُمُر / حُسْناً وطِيباً وقِصَر
لمّا تَراءتْ رايةُ الرّبيعِ
لمّا تَراءتْ رايةُ الرّبيعِ / وانهزَمَتْ عساكرُ الصَّقيعِ
فالماءُ في مُضاعَفِ الدُّروعِ / والنُّورُ كالأسِنّةِ الشُّروع
قد هَزَّ من أغصانه ذَوابلا / وسَلَّ من غُدرانهِ مَناصلا
وبَلّغتْ ريحُ الصَّبا رَسائلاً / حينَ ثنَى العِطْفَ الشّتاءُ راحلا
ونُصِبَتْ منابرُ الأشجارِ / وخَطبَتْ سَواجعُ الأطيارِ
واستَفْصحَتْ عِبارةُ الهِزارِ / فهْو لمنشورِ الرَّبيعِ قاري
وأقبلَ النَّيروزُ مثْلَ الوالي / فارتَجَعَ الفضْلَ منَ اللَّيالي
وبَشّر النّاقصَ بالكمالِ / فعادتِ الدُّنيا إلى اعْتِدال
والدِّينُ والشّمسُ لسَعْدٍ مُؤْتنَفْ / كُلٌّ به اللهُ انتهَى إلى شَرَفْ
فأصبحَ العَدْلُ مُقيماً واعتكَفْ / وودَّعَ الجَورُ ذَميماً وانْصَرْف
بالشّرَفَيْنِ استَسعدَ الشّمْسانِ / شَمسُ الضُّحى وغُرّةُ السُّلطانِ
في أسعَدِ الأيامِ والأزمانِ / مُبشِّراً بالأمْنِ والأمانِ
فاعتدَلَ الأنامُ والأيّامُ / وأَمِنَ الميسمُ والمُسامُ
مُذْ طلَعا ونظَر الأنامُ / لم يَبقَ لا ظُلْمٌ ولا ظَلامُ
قد أصبحَتْ قَوسُ الزّمانِ سهْما / وقد رمَى الأرضَ به فأصْمَى
فالكتْفُ منها بالشَّقيقِ تَدْمَى / والرُّعْبُ أضحَى للشِّتاءِ هَزْما
ابيضَّ قبلَ الإخضرارِ الفَنَنُ / فشابَ من قَبلِ الشَّبابِ الغُصُنُ
واسوَدَّ من بَعْدِ البياضِ القُنَنُ / فشَبَّ من بَعدِ المَشيبِ الزَّمَنُ
قد غَنِيَ الوعدُ عنِ التّقاضي / وأعرضَ الغِيدُ عنِ الإعْراضِ
وخرجَتْ بالحَدَقِ المِراضِ / تُواجِهُ الرّياضَ بالرّياضِ
قد سَئمَتْ بُيوتَها النُّفوسُ / وأصبَحَتْ كأنّها حُبوسُ
وأسلمَ المُنَمِّسَ التَّنْميسُ / وصاحَ في جُنودِهِ إبليسُ
أَبَحْتُ للنّاسِ دمَ الزِّقاقِ / في حيثُ لاقَوها منَ الآفاقِ
وجَرَّها كجُثثِ المُرّاقِ / وشُربَها بكأسِها الدِّهاقِ
إلى الجنانِ عجَباً دَعاكمُ / مَن كان منها مُخرِجاً أَباكمُ
يَجعلُها كَفّارةَ لِذاكمُ / فأصْحِروا لتُبصروا مأْواكمُ
فالأرضُ من كفِّ الزَّمانِ حاليهْ / كجنّةٍ للنّاظرينَ عاليهْ
من كلِّ ساقٍ عند كلِّ ساقيهْ / يَجعلُ من صافٍ مِزاجَ صافيهْ
والشّمسُ في البُرجِ الّذي يَشْوونَهُ / إذا غدَوْا شَرباً ويأكلونَهُ
وفيهمُ قومٌ يُشاكِلونَهُ / طُولَ الزّمانِ ويُناطِحونهُ
بحَمَلٍ قد باعَتِ الشّمسُ الأسدْ / وكان هذا عندنا الرأيَ الأسَدْ
فاعتاضَ طَبْعاً في الزّمانِ واستجَد / من غضَبٍ بشَهْوةٍ كُلُّ أَحَدْ
حتّى غدا بعضُ بني الأشْكالِ / يَقولُ قولاً ظاهرَ الإشْكالِ
لكنّه من كثرةِ البَلْبالِ / قد قال ما قالَ ولم يُبالِ
كم أُوكِفُ الظَّهْرَ بطَيْلَسانِ / ويُشبِهُ العِدْلَيْنِ لي كُمّانِ
مُستَبْضِعاً عند بني الزَّمانِ / وِقْرَ نِفاقٍ ثِقْلُهُ أَعيْاني
هل لك في حَمراءَ مثلِ الحُصِّ / ياقوتةٍ قد شُربَتْ برُخْصِ
مَجلوبةٍ من مَعْدِنٍ في القُفْصِ / تلَوحُ في الإصبعِ مثْلَ الفَصِّ
يَسْعَى بها عليكَ يافِشِيُّ / وطَرفُه السّاحِرُ بابليُّ
وثَغرُه ككأْسهِ رَويُّ / ووَرْدُه كخدِّه جَنيُّ
أَغْيَدُ يومُ وَصْلِه تأريخُ / لصُدْغِه من نِقْسِه تَضْميخُ
والجَمرُ في خدَّيه لا يَبوخُ / كما يَحِلُّ العَقْربَ المَرِّيخُ
يَضْحَكُ من تَشْبيبِ عاشِقيهِ / عن لُؤلُؤٍ لِنَظِمهم شَبيهِ
فلا يزالُ مُظهِراً للتّيهِ / بِدُرِّ فيهِ أَو بِدُرِّ فيهِ
لفُرَصِ اللَّذّاتِ كن مُنتهزاً / ولا تَبتْ من عاذل مُحتَرِزا
فالدَّهرُ مِخلافٌ فخُذْ ما أنْجَزا / فَرُبّما طلبْتَه فأعْوَزا
فقد تَغنَّى الطَّيرُ في الشُّروقِ / والرّيحُ دارتْ دورةَ الرَّحيقِ
فظَلَّ كلُّ غُصُنٍ وَريقِ / للسُّكْرِ في رَقْصٍ وفي تَصْفيقِ
والزَّهْرُ للرَّوضةِ عَيْنٌ تُلْمَحُ / يَضُمُّها طَوراً وطَوراً يَفْتَحُ
تُمسي بها قَريرةً وتُصِبحُ / لكنّها منَ الدُّموعِ تَطفَحُ
والرَّوضُ في شَمْسٍ سَناها يُعْشى / والسُّحْبُ بالقُرْبِ لها تَمَشِّ
فكلّما أَدارَ عَيْنَ المَغْشى / عليه جادَتْ وَجْهَه برَشِّ
صَحْوٌ وغَيمٌ في الرّياضِ اشْتَركا / يُقَطِّعانِ اليومَ ضَحْكاً وبُكا
إذا الجَنوبُ أقبلتْ فيه بكَى / حتّى إذا عادَتْ شَمالاً ضَحِكا
صار الأضا في حَلَقٍ وخُوَذِ / ورَمتِ الأرضُ لها بالفِلَذِ
فالغُصنُ خَوفَ جُندِها المُستَحوذِ / كإصبَعٍ تُشيرُ بالتَّعَوُّذ
ساعِدْ على الرّاحِ ولا تُبالِ / والنّاسَ لا تُخْطِرهُمُ بِبالِ
أوِ اسْتِراقاً في مكانٍ خالٍ / لا تَعلمُ اليَمينُ بالشَّمالِ
وإنّما يَعلَمُه مَن يَغْفِرُهْ / إذا رجَعْتَ نادماً تَستغفِرُهُ
ولو بَقِيتَ عُمُراً تُكَرِّرُهْ / ما عندَ عفْوِ اللهِ ذَنْبٌ يُكْبِرُهْ
لستُ أرَى مُحَلَّلاً في مَذْهَبِ / إهْلاكيَ النَّفْسَ بغَيْرِ مُوجِبِ
أنا امْرؤٌ عَجِبتَ أو لم تَعْجَبِ / يَأكلُني الهَمُّ إذا لم أَشْرَبِ
ما كان من دُرّي ومِن عَقيقي / نزَفْتُه في فُرقْةِ الفَريقِ
فمِن دمِ الكَرْمِ أعِضْ عُروقي / تُحْيِ بهِ نَفْسَ امرئٍ صَديقِ
فقلتُ خَلِّ عنكَ يا خليلي / تَجاوُزَ الفَضْلِ إلى الفُضولِ
فليس لي مَيلٌ إلى الشَّمولِ / إلاّ الَّتي تَزيدُ في العُقولِ
حَظّي منَ الآدابِ أسنَى حَظِّ / والرّاح ما رَوَّقتُه من لَفْظي
وما ابنةُ الكَرْمِ بمَرْمَى لَحْظِي / ولا لها اللهُ بِحبّي مُحْظ
لذاك أصبحتُ مَنيعَ الجانبِ / نَديمَ مولانا الأجلِّ الصّاحبِ
العادلِ الكاملِ في المناقبِ / والنّاسكِ التّاركِ للمثالبِ
أَسقي كؤوسَ المَدحِ وهْو يَشربُ / وأُسِمعُ الثّناءَ وهْو يَطْرَبُ
وأسألُ الإمساكَ وهْو يَهَبُ / مَواهباً تَعدادُها لي مُتْعِبُ
دَأْبُ الوزيرِ هكذا ودابي / ألشُّربُ من سُلافةِ الآدابِ
ومُعجِبٌ نهايةَ الإعجابِ / تَناسُبُ المَصْحوبِ والأصحاب
مُدامُنا الحَلالُ لا الحَرامُ / ما خلَّص اللّسانُ لا الفِدامُ
تَغْدو بها عُقولَها الأنامُ / وتَنْتَشي بكَأْسِها الكِرامُ
قد عادَ وجهُ الدِّينِ وهْو أَزْهَرُ / وعاد للمُلْكِ النِّظامُ الأكْبَرُ
نِعمةُ رَبٍّ للعقولِ تَبْهَرُ / تَجِلُّ عن شُكرِ الورَىَ وتُشْكَرُ
فَردٌ وفيه جُمِعَ المَحامدُ / فلم يَجِدْ لَه نَظيراً واجِدُ
كم في الورَى من واحدٍ تُشاهِدُ / أَمَّا الورَى في واحدٍ فواحِدُ
أَرْوعُ لا يُحسِنُ ألاّ يُحْسِنا / ومُقْدِمٌ يَجُبنُ عن أنْ يَجْبُنا
ومُنعِمٌ يُنيلُ غاياتِ المُنَى / فَقْرُ الفتَى إليه مِيعادُ الغِنَى
إذا رأى إعدامَ مُعتَفيه / حَسِبْتَه للمالِ إذ يُقْنيهِ
من مُعْتَفيهِ الُعدمَ يَشَتْريهِ / يَأخذُه منه بما يُعطيهِ
سائلُه شَريكُه في نعْمَتِهْ / يَقولُ قاضي عَجَبٍ من شِيمَتِهْ
أعانَه اللهُ على مَكْرُمتِهْ / بزمنٍ يَسَعُ عُظْمَ هِمَّتِهْ
ذو كَرمٍ أخلاقُهُ حَديقَهْ / حَقيقةٌ بالحَمْدِ في الحَقيقَهْ
يَجْري من الجودِ على طَريقَهْ / خَليقةٍ بَمْدح ذي الخَليقَهْ
مَن يَكْنِزُ الأموالَ في الرِّقاب / ويَذْخَرُ الثّناءَ للأعْقابِ
أيادياً مُعييَةَ الحُسّابِ / تَبقَى ومُوليها على الأحقاب
قُلْ لمُغيثِ الدّينِ ذي المَعالي / والصِّدْقُ أبهَى حلْيةِ المَقالِ
اليومَ أوثَقتَ عُرا الآمالِ / أجدْتَ يا مُنتقِدَ الرِّجالِ
يا ملكاً من رأفة يَحكى مَلَكْ / مُلّكَ غاياتِ العَلاء فَملَكْ
ليس الثُّريّا من نجومٍ تَشْتَبكْ / بل وَطأةٌ منكَ على ظَهْرِ الفَلَك
بَلَّتْ بسيفٍ صارمٍ يَداكا / ما لملوكِ الأرضِ مثْلُ ذاكا
وهْو أدام اللهُ ما آتاكا / أنْفَسُ ما وَرِثْتَه أباكا
اُنظُرْ إلى الشّاهدِ من رُوائهِ / وقِسْ به الغائبَ من آرائهِ
فهْو وزيرٌ ليس فوقَ رائهِ / رَأْىٌ سوى رأيكِ في ارْتضائهِ
إنْ سمّىَ اثْنانِ بِنُوشَروانِ / ووُصِفا بالعَدْلِ والإحسانِ
فاللّيلُ مازال له فَجْرانِ / وإنّما الصّادِقُ فيه الثّاني
أعْدَلُ مَولىً وهْو فيما نَعْلَمُ / لِمالهِ دونَ العبادِ يظْلِمُ
وراحِمٌ إذا اسْتقالَ المُجْرِمُ / لنَفْسِه من جودهِ لا يَرحَمُ
أعيَتْ رُكامُ جودهِ الغَماما / وفاق ماضي رأيهِ الحُساما
وتابعَ الصَّنائعَ الجِساما / فأرضَتِ الأُمّةَ والإماما
له زَمانٌ كُلُّه ربيعُ / وهِمّةٌ جَنابُها مَريعُ
فالنّاسُ في رياضِها رُتوعُ / والدَّهرُ عَبدٌ سامعٌ مُطيعُ
تُمطِرُ شَمسُ وَجههِ وتُشرِقُ / ولا يَغيمُ وَجهُه ويَبرُقُ
وبَحرُ جَدواه الّذي يُدَفَّقُ / يَستغرِقُ الوَصفَ وليس يُغْرِقُ
سَيفٌ به المُلكُ حمى أطرافَهْ / والدِّينُ هَزَّ طَرَباً أعطافَهْ
تَهُزُّهُ اليَمينُ للخِلافَهْ / حتّى يُبيدَ مَن نَوى خِلافَهْ
ماضٍ وما تَنفكّ دِرْعٌ غِمْدَهْ / للنّصْرِ سلطانُ الوَرى أعَدَّهْ
وهْو غَنِيٌّ أن يَشيمَ حَدَّهْ / فيَهزِمُ الجيشَ له اسْمٌ وَحْدَهْ
له يدٌ منها الأيادي تَسْجَمُ / يَصغَرُ عنها البَحْرُ وهْيَ تعظُمُ
ما سَبعةٌ من واحدٍ تَنتظِمُ / إلاّ الأقاليمُ له والقَلَمُ
رُمحٌ غدا من نِقْسِهِ سِنانُهُ / وفَرَسٌ في طِرْسِه مَيْدانُهُ
ما إنْ يُرَدُّ عن مَدىً عِنانُهُ / فإنّما عِنانُه بَنانُهُ
لخيلهِ في الصّخْرِ نوناتٌ تُخَطْ / لَهنَّ آثارُ المَساميرِ نُقَطْ
والرُّقْشُ من أقلامهِ بلا شَطَطْ / تَقتَصُّ من هامِ العدا بما تُقَطْ
عِزُّ على مَرِّ اللّيالي زائدٌ / يُربي على البادئ منه العائِدُ
مُتّصلٌ فلْيرتَقِبْهُ الحاسِدُ / فإنّما مَبدَأُ أَلْفٍ واحِدُ
مِن قَبْلِ أنْ مَلّكَهُ بِلادَهُ / مَلّكهُ مَولَى الوَرى فُؤادَهُ
كما كَساهُ قَلْبُه سَوادهَُ / من قَبل أن يَكْسُوَهُ أبْرادَهُ
تَشْريفُه أبطأُ مِن تَأَدُّبِهْ / وإنْ ضَجِرْنا نحنُ مِنْ تَرَقُّبِهْ
مُخَبِّر أنّ عَظيمَ مَنْصِبِهْ / يَجِلُّ عنه فَوقَ ما يَجِلُّ بهْ
بل لم يكن من عَجَلِ المُشَرِّفِ / إلاّ منَ الخَجْلةِ في تَوقُّفِ
كيف يكونُ عندَ فَقْدِ المُنْصِفِ / تَشريفُ مَولىً هو نَفْسُ الشّرَفِ
لو بلَغ التّشريفُ في التّضعيفِ / مَعدودَ قَولِ قائلٍ تَشْريفي
كُلٌّ على أقصَى الأماني يُوفي / لكان دونَ قدْرِه المُنيفِ
كَفاهُ ما خالِقُه كَساهُ / من ثَوبِ مَجْدٍ وعُلاً كفَّاه
لو لم يكنْ ضمَّنَه رِضاهُ / سُلطانُ أَرضِ اللهِ شاهَنْشاهُ
يا فارعَ السّماء بالسُّمُوِّ / مُنْتعِلَ الهلالِ في العُلُوِّ
فما مَحلُّ مَفْرقِ العَدُوِّ / أمنْتَ مُدّاحَك من غُلُوِّ
عليكَ مِمّا صاغتِ العقولُ / ما دونه السِّوارُ والإكليلُ
فأينَ يا شِعْرُ لكَ الفُحولُ / هذا أَوانُ القَولِ فَلْيَقولوا
كم أَحبِسُ العُقودَ في الحقاقِ / دونَ تَراقيها إلى التَّراقي
ما قُلتُه وما فَعلْتَ باق / كلاهما قلائدُ الأعناقِ
دونكَها خَوالعاً للعُقْل / أَعَرْتُها وهنّ ذَوْبُ العَقْلِ
تَهازُلاً منّي بغَيْرِ هَزْلِ / فَضْلَ اتّساعٍ في مَجالِ فَضْلي
حاش لطَبْعي أَن يُرَى فيه طَبَعْ / لا سِيّما من بعدِ شَيْبٍ وصَلَعْ
لكنَّ ما يأتي به الجِدُّ لُمَعْ / وليس في خالٍ على خَدٍّ بِدَعْ
لا عيبَ فيما قاله مُشَبِّبُ / تَشبيبُ مُدّاح الملوكِ أَضْرُبُ
أَليس حَسّانُ ولا يُؤَنَّب / من قَوله فهْو حَرامٌ طَيِّبُ
مَولايَ إكرامُك لي ابْتداءَ / أَوجبَ من كلٍّ بكَ اقْتِداءَ
ومَن أَبَى ذاك فقد أَساءَ / فالظِّلُّ يَحكي عُودَه اسْتِواءَ
للمَوعِدِ المَضْروبِ جئْتُ أَرقُبُ / فحالَ دوني حاجِبٌ مُقطِّبُ
ومَن يكن مكانُه المُقَرَّبُ / خلْفَ حجابِ القلبِ كيف يُحْجَبُ
دَولتُك الغَرّاءُ في ارتفاعِها / كالشّمسِ أَو أَشملَ باصطِناعها
والشّمسُ تُحظي النّاسَ من شُعاعها / بحاجبٍ قد صيغَ من طِباعها
يا شرفَ الدّينِ كرُمْتَ سَمْعا / وللنّدى واليأسِ دُمتَ تُدْعَى
أَدامَ حِفْظُ اللهِ عنك الدَّفْعا / مُظاهراً منه عليكَ دِرْعا
من دَوْحِ مَجْدٍ باسقٍ أَغصانُهُ / بَيتُ عُلاً ثابتةٌ أَركانُهُ
داموا ودام عالياً مَكانُهُ / مُضاعِفاً إقبالَهمْ سُلطانُهُ
نَورِزْ بسَعْدٍ دائماً ومَهْرِج / وابْقَ لنا في ظِلِّ عَيْشٍ سَجْسَج
مُقوِّماً بالرّأيِ كلَّ أَعْوَج / وفاتحاً بالجَدِّ كُلَّ مُرْتَجِ
قد ضَمِنَ اللهُ وليس يَنكُثُ / أنّك ما امتدَّ الزّمانُ تَلبَثُ
أَليس في كتابهِ فَلْيبْحَثوا / أَنَّ الّذي يَنفَعُ فهْوَ يَمْكُثُ
يا مَنْ يَظَلُّ خلَفاً عمّنْ مضَى / وليس عنه خَلَفٌ فلا انْقَضى
دُمتَ على الأيّامِ سَيفاً مُنتضَى / يُفْني ويُغْني السُّخْطُ منكَ والرِّضا
ذا دولةٍ على الوَليِّ تُسبَغُ / ظِلالُها وللعدوِّ تَدْمَغُ
دائمةٍ آخِرُها لا يُبلَغُ / كأنّما عُمرُكَ طَوْقٌ مُفْرَغُ
حَلفْتُ بالسّاعِينَ يومَ المَوقِفِ
حَلفْتُ بالسّاعِينَ يومَ المَوقِفِ / وكثْرةِ الدّاعين بالمُعرَّفِ
وضَجّةِ الشُّعْثِ المُلَبِّين ضُحىً / وزَحْمَةِ الحَجيجِ في المُطَوَّف
وزَمْزمٍ والمَرْوتَيْنِ ومِنَى / والجمْرَتَيْنِ والمَقامِ الأَشْرَف
والبُدْنِ تُدمَى والجِمارِ أصبحَتْ / تُرمَى وبَيتِ الحَرَمِ المُسجَّف
وكُلُّ عَينٍ قابلَتْه فانْثنَتْ / مَملوءةً من الدّموعِ الذُّرّف
حَلْفةَ بَرٍّ في أَلا يا صادِقٍ / لو لم يَثِقْ من نَفسِه لم يَحْلِف
لو أَنّ ما وجَدْتُه وصَفتُه / أَيّامَ عُمري كُلَّها لم يُوصَف
من قَلقي السّالفِ حين اعْتادَني / وبَعدَه من طَربي المُستَأْنَف
لِماجِدٍ طارَ فؤادي أَسَفاً / وفَرَحاً من بَعْدِ ذاكَ الأَسَف
يومَ ارتَحلْتُ وهْو حاشاه اشْتكى / ويومَ عاوَدْتُ وقالوا قد شُفي
فقلتُ للدُّنيا وقد تَجدَّدَتْ / أَنوارُها غِبَّ ظلامٍ مُسْدِف
يا عَيْنَ يَعقوبَ ارْجِعي مُبصِرةً / فقد أَعادَ اللهُ وَجْهَ يُوسُف
خَيْر بَنِيك لا عَرفْتُ فَقْدَه / فليس عنه للعُلا من خَلَف
بَدْرُ جلالٍ لا استَسَرَّ أَبداً / وشَمسُ علياءَ فلا تَنْكَسِف
أبلَجُ يَعْصي العاذلِينَ في النّدى / فَعالَ صَبٍّ بالمعالي كَلِف
ما مِثْلُه سَماحةً في شَرَفٍ / يُلْفَى ولا تَواضُعٌ في شَرَف
يَبْسطُ للسّائلِ كَفَّ حاتِمٍ / ويَمنَحُ الجاهِلَ سَمْعَ الأحْنَف
ويُستعارُ من شَبا أَقلامِه / مَضاءُ أطْرافِ القنا المُثَقَّف
فجُودُه نَثْرُ شآبيبِ الحَيا / ورأْيُه حَدُّ الحُسامِ المُرْهَف
للهِ فَخْرُ الدِّينِ مثْل ماجدٍ / أَزْرَتْ يَداهُ بالغُيوثِ الوُكَّف
من سابِقٍ في المكرُماتِ يُقْتَفى / في سَنَنِ الجُود وليس يَقْتَفي
يُصفي الإمامَ نُصْحَه ووُدَّه / وهْو له منَ الأنامِ مُصْطَفى
يُصبِحُ منه كُلَّ يومٍ حادِثٍ / لِبابِه ذا قُربٍ وزُلَف
قد كان وَحْشاً مِدْحتي فاصطادَها / منه كريمٌ حَسَنُ التّألُّف
إذا انتدَى أَصبحَ ظَهْرُ كفِّه / ثَغْراً لباغي العزِّ حُلْوَ المَرْشَف
يُكرِمُ أهْلَ الفَضْلِ حتّى ما لَهُمْ / إلاّ ذُراه أبداً من مَأْلَف
يَمدَحُه بنو الزّمانِ كلُّهمْ / بما لَهمْ من مَنْطقٍ مُؤَلَّف
مِن مُوجِزٍ في مَدْحِه ومُطْنِبٍ / ومن صَريح شِعْرُه ومُقْرِف
والطّيرُ إنْ جاء الرَّبيعُ كُلُّها / داعيةٌ بنُطْقِها المُخْتَلَف
لو كان يَفْنَى الشِّعْرُ أَفْنَوه إذنْ / من وَلَعٍ بمَدْحِه وشَغَف
لكنْ إذا ما كان بَحْرُ جُودهِ / يَمُدُّ بَحْرَ مَدْحِهمْ لم يُنزَف
إلى ذُراهُ قطَعتْ ركائبي / للمجدِ كُلَّ مَهْمَهٍ ونَفْنَف
وقائلٍ يُظهِرُ لي تَعجُّباً / من عُظْمِ ما أَسرَعْتُ من مُنصَرفي
أَكُلَّ عامٍ رحْلةٌ لنَحْلةٍ / هذي بتلك لو علمتَ لا تَفي
والموقفُ الأسمَى يُنَالُ بِرُّه / على النّوى أَكرِمْ به من مَوقِف
والمَجلِسُ السّامي الظّهيرِيَّ له / لك اعْتِناءٌ وهْو ذو تَلَطف
فلو أَقَمْتَ وبَعَثْتَ مِدَحاً / أَغنَتْ عنِ المَسيرِ والتَّعسُّف
والحَجُّ فَرضٌ مرّةً على الفتى / أن يأتيَ البَيتَ بحَمْلٍ الكُلَف
ثُمَّ يُقيمُ ويُصلّي شَطْرَه / واللهُ من عَبْدٍ بذاكَ يَكْتَفي
قُلْتُ جُزيتَ الخيرَ لي من ناصحٍ / أصبحَ عن سَرائري مُستَكْشِفي
فكُلُّ ما أَسمَعْتَنيهِ كَلِمٌ / عن جِهةِ الصّوابِ لم تُحَرَّف
لكنّ لي مَولىً قصَدْتُ نَحوَه / فهْو لِنُعماهُ قديماً مُسْلِفي
فارقْتُه مِن قبلِ ما شاهَدْتُه / فعُدْتُ عَجْلانَ عسى أن أَشْتَفي
أعني ظهيرَ الدّولةِ القَرْمَ الّذي / يَزيدُ بالقَصْدِ له تَشَرُّفي
ما عَوْدَتي إلاّ إلى جَنابِه / واللهُ ربّي عالِمُ السِّرِّ الخَفي
مَولىً لِقَصْدي وقَصيدي عندَه / أضحَى الزّمانُ مُسْعِدي ومُسْعِفي
صَرَّفْتُ دَهْري تحت حُكْمي صاغِراً / مُذْ كان تحت حُكْمِه تَصَرُّفي
وكنتُ قبلَ اليومِ مُستَعطِفَه / فصار من إِجْلالِه مُستَعطِفي
فقُلْ له تَفديه نَفْسي من فتىً / أَصبحَ عُذْرَ الزّمَنِ المُقْتَرِف
أنت العزيزُ فَمُرِ الدَّهْرَ إذنْ / يُوفِ لنا الكَيلَ ولا يُطَفِّف
فقد حَثَثْتُ في عِقالِ أَملي / على النّوى إلى المَحَلِّ القُذُف
واصْرِفْ إلى أوطانِه منّي فتىً / إلاّ إليكَ نَفْسُه لم تُصْرَف
فهكذا إذا أُضيفَ يَنْثَني / مُنْصرِفاً ما ليس بالمُنْصَرِف
بَحرُ أميرِ المؤمنين للنّدى / ورأْيُك السّاحلُ للمُغْتَرِف
فأنت في إيصالِ سَيْبِ كفِّه / مُستَخلِفٌ للقائمِ المُستَخَلف
وكم هَممْتُ أن أُقيمَ ساكناً / وسالِكاً طريقةَ المُخَفَّف
لكنْ لسانُ مجدِكَ الماضي الشَّبا / قال لنفسي اقْترحي وأَسرِفي
فكيف لا يَبذلُ فَضْلَ جاهِه / مَنْ يَبْذُل الأموالَ بَذْلَ المُسْرِف
مَنْ كَفُّه إذا اعتَفاه سائلٌ / أَسمَحُ من قَطْرِ الغمامِ الأَوطَف
تَسخو لأبناءِ الزّمانِ كفُّه / بكُلِّ عَفْوٍ قَبلَه لم يُعْرَف
وخيرُ ما نالَ به الحَمْدَ الفتَى / مالٌ لسَهْمِ الدَّهْرِ كالمُستَهْدَف
فجُدْ به وسُدْ به بَينَ الورَى / وابْذلْه بَذْلاً مِلْءَ كَفِّ المُعْتَفى
فالوَرْدُ من أَغصانهِ بطَبْعِه / مُنتَشِرٌ لابُدَّ إن لم يُقْطَف
جاءتْكَ بِنْتُ ساعةٍ من لَيلةٍ / مَطْبوعةً من غَيرِ ما تكَلُّف
حَسناءُ تُجلَى من بديعِ لَفْظِها / في مثْلِ بُرْدِ الرَّوضةِ المُفَوَّف
من خاطرٍ جارٍ متى ما أَدْعُه / إلى امتداحٍ لكمُ لم يَقِف
كالبَحرِ يُلْقي الدَّهْرَ منه دُرَّه / ليس سوى فكْري لها من صَدَف
إن فُتِنَ النّاسُ بسِحْرِ بابلٍ / أو ملأوا منه بُطونَ الصُّحُف
فلي يَدٌ بيضاءُ إن أظهرتُها / في النّظْمِ مهما يَأْفِكوا تَلَقَّف
وقلَمي في الطِّرسِ ثُعبانٌ إذا / نَضنَضْتُ قال الفَضلُ لي لا تَخَف
إذا ذوو السِّحرِ رأوا آياتِها / أبْدَوْا لديها سَجدةَ المُعْتَرِف
إليك أهْدَى رَمضانُ يُمْنَه / فاقْبَلْ هَديّةَ الولِيِّ المُتْحف
وافَى َبشيراً بُعلُوٍّ زائدٍ / في ظِلِّ شَمسِ دَولةٍ مُؤتَلف
ومَدَّ بالبُشرَى يدَيْ هِلالِه / مثْلَ سِوارٍ فوقَها مُعطَّف
من خِلْعةِ اللهِ عليه إذ سَعَى / إلى ذُراكَ طَلبُ التَّشَرُّف
بدَوْتَ تَسمو للمعالي وبَدا / يُجْلَى لعَيْنِ النّاظرِ المُستَشْرِف
ورُؤْيةُ النّاسِ هلالَيْنِ معاً / في أوّلِ الشّهْرِ مِنَ المُستَطْرَف
فَزادَنا جَمعُكما أُنْساً ولو / وحْدَك للنّاسِ طَلَعْتَ لاكْتُفي
فزِدْ بذا الشّهْرِ الشّريفِ بَهجةً / وَرِدْ جِمامَ العَيشِ عَذْبَ النُّطَف
واعْدُدْ منَ الأعوامِ أَلْفاً مثْلَه / حتّى إذا استْكملْتَها فَنَيِّف
في دولةٍ مَحْسودةٍ عَلياؤها / ما شاقَ تَغْريدُ الحَمامِ الهُتَّف
لَمّا تَراءَت رايَةُ الرَبيعِ
لَمّا تَراءَت رايَةُ الرَبيعِ / وَاِنهَزَمَت عَساكِرُ الصَقيعِ
فَالماءُ في مُضاعَفِ الدُروعِ / وَالنورُ كَالأَسِنَّةِ الشُروعِ
قَد هَزَّ مِن أَغصانِهِ ذَوابِلاً / وَسَلَّ من غُدرانِهُ مَناصِلا
وَبَلَغَت ريحُ الصَّبا رَسائِلاً / حينَ ثَنى العِطفَ الشتاءُ راحِلا
وَنُصِبَت مَنابِرُ الأَشجارِ / وَخَطَبَت سَواجِعُ الأَطيارِ
وَاِستَفصَحَت عِبارَةً الهِزارِ / فَهوَ لمَنشورِ الرَبيعِ قاري
وَأَقبَلَ النَيروز مِثلَ الوالي / فَارتَجَعَ الفَضلَ مِنَ اللَيالي
وبشِّر الناقِصَ بِالكَمالِ / فَعادَتِ الدُنيا إِلى اِعتِدالِ
وَالدينُ وَالشَمسُ لِسَعدٍ مُؤتَنَف / كُلٌّ بِهِ اللهُ اِنتَهى إِلى شَرَف
فَأَصبَحَ العَدلُ مُقيماً وَاِعتَكَف / وَوَدَّعَ الجَورُ ذَميماً وَاِنصَرَف
بِالشَرَفَينِ اِستَسعَدَ الشَمسانِ / شَمسُ الضُحى وَغُرَّةُ السُلطانِ
في أَسعَدِ الأَيّامِ وَالأَزمانِ / مُبَشِّراً بِالأَمنِ وَالأَمانِ
فَاِعتَدَلَ الأَنامُ وَالأَيّامُ / وَأَمِنَ المُسيمُ وَالمُسامُ
مُذ طَلَعا وَنظَرَ الأَنامُ / لَم يَبقَ لا ظُلمٌ وَلا ظَلامُ
قَد أَصبَحَت قَوسُ الزَمانِ سَهما / وَقُد رَمى الأَرضَ بِهِ فَأَصمى
فَالكَتفُ مِنها بِالشَقيقِ تَدمى / وَالرُعبُ أَضحى لِلشِتاءِ هَزما
اِبيَضَّ قَبلَ الإِخضِرارِ الفَنَنُ / فَشابَ مِن قَبلِ الشَبابِ الغُصُنُ
وَاِسوَدَّ مِن بَعدِ البَياضِ القُنَنُ / فَشَبَّ مِن بَعدِ المَشيبِ الزَمَنُ
قَد غَنِيَ الوَعدُ عَنِ التَقاضي / وَأَعرَضَ الغيدُ عَنِ الإِعراضِ
وَخَرَجَت بِالحَدَقِ المِراضِ / تُواجِهُ الرِياضَ بِالرِياضِ
قَد سَئِمَت بُيوتَها النُفوسُ / وَأَصبَحَت كَأَنَّها حُبوسُ
وَأَسلَمَ المُنَمِّسَ التَنميسُ / وَصاحَ في جُنودِهِ إِبليسُ
أَبَحتُ لِلنسِ دَمَ الزِقاقِ / في حَيثُ لاقوها مِنَ الآفاقِ
وَجَرَّها كَجُثَثِ المُرّاقِ / وَشُربَها بِكَأسِها الدِهاقِ
إِلى الجِنانِ عَجَباً دَعاكُمُ / مَن كانَ مِنها مُخرِجاً أَباكُمُ
يَجعَلُها كَفّارَة لِذاكُمُ / فَأَصحِروا لِتُبصِروا مَأواكُمُ
فَالأَرضُ مِن كَفِّ الزَمانِ حاليه / كَجَنَّةٍ لِلناظِرينَ عالِيَه
مِن كُلِّ ساقٍ عِندَ كُلِّ ساقِيَه / يَجعَلُ مِن صافٍ مِزاجَ صافِيَه
وَالشَمسُ في البُرجِ الَّذي يَشوونَهُ / إِذا غَدَوا شَرباً وَيَأكُلونَهُ
وَفيهِمُ قَومٌ يُثاكِلونَهُ / طولَ الزَمانِ وَيُناطِحونَهُ
بِحَملٍ قَد باعَتِ الشَمسُ الأَسَد / وَكانَ هَذا عِندَنا الرَأيَ الأَسَد
فَاِعتاضَ طَبعاً في الزَمانِ وَاِستَجَد / مِن غَضَبٍ بِشَهوَةٍ كُلُّ أَحَد
حَتَى غَدا بَعضُ بَني الأَشكالِ / يَقولُ قَولاً ظاهِرَ الإِشكالِ
لَكِنَّهُ مِن كَثرَةِ البَلبالِ / قَد قالَ ما قالَ وَلَم يُبالِ
كَم أوكِفُ الظَهرَ بِطَيلَسانِ / وَيُشبِهُ العِدلَينِ لي كُمّانِ
مُستَبضِعاً عِندَ بَني الزَمانِ / وِقرَ نِفاقٍ ثِقلُهُ أَعياني
هَل لَكَ في حَمراءَ مِثلَ الحُصِّ / يا قوتَةٍ قَد شُرِبَت بِرُخصِ
مَجلوبَةٍ مِن مَعدِنٍ في القُفصِ / تَلوحُ في الإِصبَعِ مِثلَ الفَصِّ
يَسعى بِها عَلَيهِ يا فِشِيُّ / وَطَرفُهُ الساحِرُ بابِلِيُّ
وَثَغرُهُ كَكَأسِهِ رَوِيُّ / وَوَردُهُ كَخَدِّهِ جَنِيُّ
أَغيَدُ يَومُ وَصلِهِ تَأريخُ / لِصُدغِهِ مِن نِقسِهِ تَضميخُ
وَالجَمرُ في خَدَّيهِ لا يَبوحُ / كَما يَحِلُّ العَقرَبُ المَرّيخُ
يَضحَكُ مِن تَشبيبِ عاشِقيهِ / عَن لُؤلُؤٍ لِنَظمِهِم شَبيهِ
فَلا يَزالُ مُظهِراً لِمَّتّيهِ / بِدُرِّ فيهِ أَو بِدُرٍّ فيهِ
لفُرَصِ اللذاتِ كُن مُنتَهِزاً / وَلا تَبت مِن عاذِلٍ مُحتَرِزا
فَالدهرُ مِخلافٌ فَخُذ ما أُنجِزا / فَرُبَّما طَلَبتَهُ فَأَعوَزا
فَقَد تَغَنّى الطَيرُ في الشُروقِ / وَالريحُ دارَت دَورَةَ الرَحيقِ
فَظَلَّ كُلُّ غُصُنٍ وَريقِ / لِلسكرِ في رَقصٍ وَفي تَصفيقِ
وَالزهرُ لِلروضَةِ عَينٌ تُلمَحُ / يَضُمُّها طَوراً وَطَوراً يَفتَحُ
تُمسى بِها قَريرَةً وَتُصِبحُ / لَكِنَّها مِنَ الدُموعِ تَطفَحُ
وَالرَوضُ في شَمسِ سَناها يُعشى / وَالسُحبُ بِالقُربِ لَها تَمَشِّ
فَكُلَّما أَدارَ عَينَ المَغشي / عَلَيهِ جادَت وَجهَهُ بِرَشِّ
صَحوٌ وَغَيمٌ في الرِياضِ اِشتَرَكا / يُقَطِّعانِ اليَومَ ضَحكاً وَبُكا
إِذا الجَنوبُ أَقبَلَت فيهِ بَكى / حَتّى إِذا عادَت شَمالا ضَحِكا
صارَ الأَضا في حَلَقٍ وَخُوَذِ / وَرَمتِ الأَرضُ لَها بِالفِلَذِ
فَالغُصنُ خَوفَ جُندِها المُستَحوِذِ / كَإِصبَعٍ تُشيرُ بِالتَعَوُّذِ
ساعِد عَلى الراحِ وَلا تُبالِ / وَالناسَ لا تُخطِرُهُم بِبالِ
أَوِ اِستِراقاً في مَكانٍ خالِ / لا تَعلَمُ اليَمينُ بِالشَمالِ
وَإِنَّما يَعلَمُهُ مَن يَغفِرُه / إِذا رَجَعتَ نادِماً تَستَغفِرُه
وَلَو بَقيتَ عُمُراً تُكَرِّرُه / ما عِندَ عفوِ اللَهِ ذَنبٌ يُكبِرُه
لَستُ أَرى مُحَللاً في مَذهَبِ / إِهلاكِيَ النَفسَ بِغَيرِ موجِبِ
أَنا اِمرُؤٌ عَجِبتَ اَو لَم تَعجَبِ / يَأكُلُني الهَمُّ إِذا لَم أَشرَبِ
ما كانَ مِن دُرّي وَمِن عَقيقي / نَزَفتُهُ في فُرقَةِ الفَريقِ
فَمِن دَم الكَرمِ أُيعضس عُروقي / تُحيِ بِهِ نَفسَ أَمرِئٍ صَديقِ
فَقُلتُ خَلِّ عَنكَ يا خَليلي / تَجاوُزَ الفَضلِ إِلى الفُضولِ
فَلَيسَ لي مَيلٌ إِلى الشَمولِ / إِلّا الَّتي تَزيدُ في العُقولِ
حَظّي مِنَ الآدابِ أَسنى حَظِّ / وَالراحِ ما رَوَّقتُهُ مِن لَفظي
وَما اِبنَةُ الكَرمِ بِمَرمى لَحظي / وَلا لَها اللَهُ بِحُبّي مُحظِ
لِذاكَ أَصبَحتُ مَنيعَ الجانِبِ / نَديمَ مَولانا الأَجَلِّ الصاحِبِ
العادِلِ الكامِلِ في المَناقِبِ / وَالناسِكِ التارِكِ لِلمَثالِبِ
أَسقى كُؤوسَ المَدحِ وَهوَ يَشرَبُ / وَأُسمِعُ الثَناءَ وَهوَ يَطرَبُ
وَأَسَلُ الأَمساكَ وَهوَ يَهَبُ / مَواهِباً تَعدادُها لي مُتعِبُ
دَأَبُ الوَزيرِ هَكَذا وَدابي / الشُّربُ مِن سُلافَةِ الآدابِ
وَمُعجِبٌ نِهايَةَ الإِعجابِ / تَناسُبُ المَصحوبِ وَالأَصحابِ
مُدامُنا الحَلالُ لا الحَرامُ / ما خَلَّصَ اللِسانُ لا الفِدامُ
تَغذو بِها عُقولَها الأَنامُ / وَتَنتَشي بِكَأسِها الكِرامُ
قَد عادَ وَجهُ الدينِ وَهوَ أَزهَرُ / وَعادَ لِلمُلكِ النِظامُ الأَكبَرُ
نِعمَةُ رَبٍّ لِلعُقولِ تَبهَرُ / تَجِلُّ عَن شُكرِ الوَرى وَتُشكَرُ
فَردٌّ وَفيهِ جُمعَ المَحامِدُ / فَلَم يَجِد لَهُ نَظيراً واجِدُ
كَم في الوَرى مِن واحِدٍ تُشاهِدُ / أَمّا الوَرى في واحِدٍ فَواحِدُ
أَروعُ لا يُحينُ إِلّا يُحسِنا / وَمُقدِمٌ يَجبُنُ عَن أَن يَجبُنا
وَمُنعِمٌ يُنيلُ غاياتِ المُنى / فَقرُ الفَتى إِلَيهِ ميعادُ الغِنى
إِذا رَأى إِعدامَ مُعتَفيهِ / حَسِبتَهُ لِلمالِ إِذ يُقنيهِ
مِن مُعتَفيهِ العُدمَ يَشتَريهِ / يَأخُذُهُ مِنهُ بِما يُعطيهِ
سائِلُهُ شَريكُهُ في نَعمَتِه / يَقولُ قاضي عَجَبٍ مِن شيمَتِه
أَعانَهُ اللَهُ عَلى مَكرُمَتِه / بِزَمَنٍ يَسَعُ عُظمَ هِمَّتِه
ذو كَرَمٍ أَخلاقُهُ حَديقَه / حَقيقَةٌ بِالحَمدِ في الحَقيقَه
يَجري مِنَ الجُودِ عَلى طَريقَه / خَليقَةٍ بِمَدحِ ذي الخَليقَه
مَن يَكنِزُ الأَموالَ في الرِقابِ / وَيَذخَرُ الثَناءَ لِلأَعقابِ
أَيادِياً مُعييَةَ الحُسّابِ / تَبقى وَمُوليها عَلى الأَحقابِ
قُل لِمُغيثِ الدينِ ذي المَعالي / وَالصَدقُ أَبهى حَليَةِ المَقالِ
اليَومَ أَوثَقتَ عُرا الآمالِ / أَجَدتَ يا مُنتَقِدَ الرِجالِ
يا ملكاً مِن رَأفَةٍ يَحكي مَلَك / بَل وَطأَةٌ مِنكَ عَلى ظَهرِ الفَلَك
ليس الثريا من نُجومٍ تَشتَبِك / بل وطأَةٌ منك على ظَهر الفَلك
بَلَّت بِسَيفٍ صارِمٍ يَداكا / ما لِمُلوكِ الأَرضِ مِثلُ ذاكا
وَهوَ أَدام اللَهُ ما آتاكا / أَنفَسُ ما وَرِثتَهُ أَباكا
اُنظُر إِلى الشاهِدِ مِن رُوائِهِ / وَقِس بِهِ الغائِبَ مِن آرائِهِ
فَهوَ وَزيرٌ لَيسَ فَوقَ رائِهِ / رَأى سِوى رَأيِكَ في اِرتِضائِهِ
إِن سُمِّيَ اِثنانِ بَنوا شَروانِ / وَوُصِفا بِالعَدلِ وَالإِحسانِ
فَاللَيلُ مازالَ لَهُ فَجرانِ / وَإِنَّما الصادِقُ فيهِ الثاني
أَعدَلُ مَولىً وَهوَ فيهِ نَعلَمُ / لِمالِهِ دونَ العِبادِ يَظلِمُ
وَراحِمٌ إِذا اِستَقالَ المُجرِمُ / لِنَفسِهِ مِن جودِهِ لا يَرحَمُ
أَعيَت رُكامُ جودِهِ الغَماما / وَفاقَ ما ضي رَأيِهِ الحُساما
وَتابَعَ الصَنائِعَ الجِساما / فَأَرضَيتِ الأُمَّةَ وَالإِماما
لَهُ زَمانُ كُلُّهُ رَبيعُ / وَهِمَّةٌ جَنابُها مُريعُ
فَالناسُ في رِياضِها رُتوعُ / وَالدَهرُ عَبدٌ سامِعٌ مُطيعُ
تُمطِرُ شَمسُ وَجهِهِ وَتُشرِقُ / وَلا يَغيمُ وَجهُهُ وَيَبرُقُ
وَبَحرُ جَدواهُ الَّذي يُدَفَّقُ / يَستَغرِقُ الوَصفَ وَلَيسَ يغرِقُ
سَيفٌ بِهِ المُلكُ حَمى أَطرافَهُ / وَالدينُ هَزَّ طَرَباً أَعطافَهُ
تَهُزُّهُ اليَمينُ لِلخِلافَه / حَتّى يُبيدَ مَن نَوى خِلافَهُ
ماضٍ وَما تَنفَكُّ دِرعٌ غِمدَه / لِلنَصرِ سُلطانُ الوَرى أَعَدَّه
وَهوَغَنِيٌّ أَن يَشيمَ حَدَّهُ / فَيَهزِمُ الجَيشَ لَهُ اِسمٌ وَحدَهُ
لَهُ يَدٌ مِنها الأَيادي تَسجُمُ / يَصغَرُ عَنها البَحرُ وَهيَ تَعظُمُ
ما سَبعَةٌ مِن واحِدٍ تَنتَظِمُ / إِلّا الأَقاليمُ لَهُ وَالقَلَمُ
رُمحٌ غَدا مِن نَفسِهِ سِنانُهُ / وَفَرَسٌ في طِرسِهِ مَيدانُهُ
ما إِن يُرَدُّ عَن مَدىً عِنانُهُ / فَإِنَّما عِنانُهُ بَنانُهُ
لِخَيلِهِ في الصَخرِ نوناتٌ تُخَطُّ / لَهُنَّ آثارُ المَساميرِ تُقَط
وَالرُقشُ مِن أَقلامِهِ بِلا شَطَط / تَقتَصُّ مِن هامِ العِدا بِما نُقَط
عِزُّ عَلى مَرِّ اللَيلي زائِدُ / يُربي عَلى البادِئِ مِنه العائِدُ
مُتَّصِلٌ فَل يَرتَقِبهُ الحاسِدُ / فَإِنَّما مَبدَأُ أَلفٍ واحِدُ
مِن قَبلِ أَن مَلَكَهُ بِلادَهُ / مَلَّكَهُ مَولى الوَرى فُؤادَهُ
كَما كَساهُ قَلبُهُ سواده / من فبل أن يكسٌوَه أبراده
تشريفه أبطأُ من تأدبه / وَإِن ضَجِرنا نَحنُ مِن تَرَقُّبِه
مُخَبِّراً أَنَّ عَظيمَ مَنصِبِه / يَجِلُّ عَنهُ فَوقَ ما يَجِلُّ بِه
بَل لَم يَكُن مِن عَجَلِ المُشَرِّفِ / إِلّا مِنَ الخَجلَةِ في تَوَقُّفِ
كَيفَ يَكونُ عِندَ فَقدِ المُنصِفِ / تَشريفُ مَولىً هُوَ نَفسُ الشَرَفِ
لَو بَلَغَ التَشريفُ في التَضعيفِ / مَعدودَ قَولِ قائِلٍ تَشريفي
كُلٌّ على أَقصى الأَماني يوفي / لَكانَ دونَ قَدرِهِ المُنيفِ
كَفاهُ ما خالِقُهُ كَساهُ / مِن ثوبِ مَجدٍ وَعُلاً كَفّاهُ
لَو لَم يَكُن ضَمَّنَهُ رِضاهُ / سُلطانُ أَرضِ اللَهِ شاهِنشاهُ
يا فارِعَ السَماءِ بِالسُمُوِّ / مُنعِلَ الهِلالِ في العُلُوِّ
فَما مَحَلُّ مَفرِقِ العَدُوِّ / أَمَنتَ مُداحَكَ مِن غُلُوِّ
عَلَيكَ مِمّا صاغَتِ العُقولُ / ما دونَهُ السِوارُ وَالإِكليلُ
فَأَينَ يا شِعرُ لَكَ الفُحولُ / هَذا أَوانُ القَولِ فَليَقولوا
كَم أَحبِسُ العُقودَ في الحَقاقِ / دونَ تَراقيها إِلى التَراقي
ما قُلتُهُ وَما فَعَلتَ باقِ / كِلاهُما قَلائِدُ الأَعناقِ
دونَكَها خَوالِعاً لِلعُقلِ / أَعَرتُها وَهُنَّ ذَوبُ العَقلِ
تَهازُلاً مِنّي بِغَيرِ هَزلِ / فَضلَ اِتِّباعٍ في مَجالِ فَضلي
حاشَ لِطَبعي أَن يُسرى فيهِ طَبَع / لا سِيَّما مِن بَعدِ شَيبٍ وَصَلَع
لَكِنَّ ما يَأَتى بِهِ الجِدُّ لُمَع / وَلَيسَ في خالٍ عَلى خَدٍّ بِدَع
لا عَيبَ فيما قالَهُ مُشَبِّبُ / تَشبيبُ مُدّاحِ المُلوكِ أَضرُبُ
أَلَيسَ حَسّانُ وَلا يُؤَنَّب / مِن قَولِهِ فَهوَ حَرامٌ طَيَّبُ
مَولايَ إِكرامُكَ لي ابتِداءَ / أَوجَبَ مِن كُلٍّ بِكَ اِقتِداءَ
وَمَن أَبى ذاكَ فَقَد أَساءَ / فَالظِلُّ يَحكي عودَهُ اِستِواءَ
لِلمَوعِدِ المَضروبِ جِئتُ أَرقُبُ / فَحالَ دوني حاجِبٌ مُقَطِّبُ
وَمَن يَكُن مَكانُهُ المُقَرَّبُ / خَلفَ حِجابِ القَلبِ كَيفَ يُحجَبُ
دَولَتُكَ الغَرّاءُ في اِرتِفاعِهِما / كَالشَمسِ أَو أَشمَلَ بِاِصطِناعِها
وَالشَمسُ تُحظي الناسَ مِن شُعاعِها / بِحاجِبٍ قَد صيغَ مِن طِباعِهِما
يا شَرَفَ الدينِ كَرُمتَ سَمعاً / وَلِلنَدى وَالبَأسِ دُمتَ تُدعى
أَدامَ حِفظُ الله عنك الدفعا / مُظاهِراً مِنهُ عَلَيكَ دِرعا
مِن دَوحِ مَجدٍ باسِقٍ أَغصانُهُ / بيتُ عُلا ثابِتَةٌ أَركانُهُ
داموا وَدامَ عالِياً مَكانُهُ / مُضاعِفاً إِقبالَهُم سُلطانُهُ
نَورِز بِسَعدٍ دائِماً وَمَهرِجِ / وَاِبقَ لَنا في ظِلِّ عَيشٍ سَجسَجِ
مُقَوِّماً بِالرَأيِ كُلَّ أَعوَجِ / وَفاتِحاً بِالجَدِّ كُلَّ مُرتَجِ
قَد ضَمِنَ اللَهُ وَلَيسَ يَنكُثُ / أَنَّكَ ما اِمتَدَّ الزَمانُ تَلبَثُ
أَلَيسَ في كِتابِهِ فَليَبحَثوا / أَنَّ الَّذي ينَفعُ فَهوَ يَمكُثُ
يا مَن يَظَلُّ خَلفاً عَمَّن مَضى / وَلَيسَ عَنهُ خَلَفٌ فَلا اِنقَضى
دُمتَ عَلى الأَيّامِ سَيفاً مُنتَضى / يُفني وَيُغني السُخطُ مِنكَ وَالرِضا
ذا دَولَةٍ عَلى الوَلِيِّ تُسبَغُ / ظِلالُها وَلِلعَدُوِّ تَدمَغُ
دائِمَةٍ آخِرُها لا يُبلَغُ / كَأَنَّما عُمرُكَ طَوقٌ مُفَرَغُ