المجموع : 16
ما هَاجَ هذا الشوقَ غيرُ الذكْرِ
ما هَاجَ هذا الشوقَ غيرُ الذكْرِ / وزَوْرةُ الطيفِ سَرَى من مصْرِ
من بعد طُولِ جفوةٍ وهَجرِ / كم خاضَ بحراً وفَلاً كبحرِ
يَجوبُه الليلَ حليفَ ذُعرِ / حتى أتى طَلائِحاً في قَفرِ
قد انْطوَيْنَ من سُرىً وضُمرِ / حتى اغتدينَ كهلالِ الشهرِ
يَحمِلنَ كلَّ ماجدٍ كالصّقْرِ / كأَنّه مُهنّدٌ ذُو أَثرِ
بعيدُ مَهوَى همّةٍ وذِكرِ / للمجدِ يَسعى لا لكسبِ الوَفرِ
فأمَّ رَحلِي دُونَ رَحلِ السّفْرِ / يُذكِرُني طيبَ الزَّمان النَّضرِ
واهاً لَهُ مِن زَمنٍ وعُمرِ / ما كانَ إلاّ غُرّةً في الدَّهرِ
إذ الصِّبا عند التّصابي عُذري / وغايةُ المُنيَةُ أمُّ عَمرِو
غَرّاءُ أبهى من ليالِي البدرِ / بعيدةُ القُرط هضيمُ الخَصرِ
أحسنُ من شَمسٍ بِغبِّ قَطرِ / تفعلُ بالألبابِ فعلَ الخَمرِ
تبسِمُ عن مثلِ نظيمِ الدُّرِ / كأنّهُ لآليءٌ في نَحْرِ
إذا انْثَنَت قبلَ نَمُوم الفجرِ / تَنَفَّست عن مثلِ رَيّا الزّهرِ
كأنّ فَاهَا جُونَةٌ لِعطرِ / وإن مَشَت مثقلةً بِالبُهرِ
مَشْيَ النسيم بمِياهِ الغُدْر / رأيتَ سِحراً أو شَبيهَ سحْرِ
رَاكِدَ ليلٍ تحتَ شمسٍ تَسري / ضِدّان فيها اتّفقا لأمرِ
يا لائِمي إنّ الملامَ يُغري / هيّجتَ أشواقِي ولستَ تَدرِي
لا بكَ ما بِي من جَوىً وفكرِ / إذا أراحَ الليلُ همَّ صدرِي
أَبيتُ أرعَى كل نجمٍ يَسرِي / كأنَّما حَشِيَّتي من جَمْرِ
كيفَ العزاءُ وصروفُ الدّهرِ / تقرِفُ قَرحِي وتَهيضُ كَسرِي
كأنّها تطلُبُني بِوَترِ / والصّبرُ لو خبِرتَهُ كالصّبرِ
لمّا رَأوْا وجْدِي بهم تَجرَّمُوا
لمّا رَأوْا وجْدِي بهم تَجرَّمُوا / وأَلزَمُوني الذّنبَ والجاني هُمُ
قالُوا اِستَزارَ طيفَنَا تَبّاً لَهُ / من مُغرَمٍ وهَل ينامُ المغرَمُ
أَينَ شهودُ ما أدَّعَى مِن حُبِّنا / أَينَ السّهادُ والجَوى والسّقَمُ
أَينَ دموعٌ كُلَّما غيَّضْتُها / تَدفَّقَتْ ومازَجَ الدّمعَ دَمُ
أَخفَى الملالُ عنهُمُ ما بِيَ مِن / بَرْحِ قِلاهُمُ والمَلالُ أبكَمُ
كذَبتُ فِيهِم ما رَأَيتُ مِن قِلىً / فلِمْ أطاعُوا فِيَّ ما تَوهَّموا
يا قمرٌ أعْجَبُ مَا فيهِ
يا قمرٌ أعْجَبُ مَا فيهِ / دُرّ بديعُ النّظِم في فيهِ
قد زدتَ في التّيه ومن لا يَرَى / مثلاً لَه يُعذَرُ في التّيهِ
يَا نَازِحينَ واصطِبَارِي والأَسَى
يَا نَازِحينَ واصطِبَارِي والأَسَى / يُجِمُّ ذَا دَمعِي وهَذا يَنزَحُ
لا أَسأَلُ الأَيّامَ تعويضاً بِكُم / لِأَنَها بِمِثلِكُم لا تَسمَحُ
غِبتُم وأَشباحُكُمُ بِنَاظِري / كأَنَّها إِنسانُهُ لا تَبرحُ
وَلائِمٍ يَلومُ فيكُم والهَوى / يُصحِبُهُ طوراً وطوراً يَجْمَعُ
يلجُّ في نُصحي وما أشْغَلَني / بالبَينِ والهِجرانِ عمَّن يَنْصَحُ
قد مَرِنت قلوبُنَا على النّوى
قد مَرِنت قلوبُنَا على النّوى / فما تَشكّى من أليمِ الوَجْدِ
كأنّ حُسنَ صَبْرِهَا على لَظَى / أشواقِها حُسنُ اصطبارِ الزّندِ
أتْهَم فيكُم لائمي وأنْجَدا
أتْهَم فيكُم لائمي وأنْجَدا / وما أفادَ سلوةً إذْ فنّدَا
أرشدَنِي بزعمه وما أرَى / سُلُوَّ قلبي عن هَواكمُ رَشَدَا
يَا لائمِي فيهِمْ أعدْ ذكْرَهُمُ / واللومَ فيهم واتّخِذْ عندي يَدَا
روِّح بذكْرَاهُم فؤاداً مضرَماً / لو مَاتَ حولاً كاملاً ما بَرَدَا
لو كان ما يشكُوهُ من حَرّ الأسَى / ناراً لَباخَتْ أو زِنَاداً أصْلَدا
لا تحسبَنّ اليأسَ أسْلاَني ولا / أنْسانَي النّأيُ هَوَى من بَعُدَا
شرطُ الهَوَى لهُمْ عَليّ أنّنِي / بهم مُعَنّى القلب صبٌّ أبدَا
لا أستَفِيقُ من هوىً إلاّ إلى / هَوىً ولا أسلُو وإن طالَ المَدَى
أفْدِي خيالاً زارَ رحْلي موهناً / على تَنَائي دَارِه كيفَ اهْتَدى
عهدتُه مُوسَّناً رَأْدَ الضّحى / فكيفَ جابَ في الظلامِ الفَدْفَدَا
عُلالةٌ عَلّلنِي الشّوقُ بها / والماءُ في الأحلامِ لا يُروى الصّدَى
ثُمّ هَبَبْتُ لاَ بكَ الوجدُ الذي / حرّكهُ طيفهُمُ وجدّدَا
مُدلّهاً أمسحُ عَيْنَيّ عسَى / تراهُ يَقظى وأجُسّ المَرْقَدا
كَقانِصٍ فاتَ القنيصُ يَده / أو واجدٍ أضَلّ ما قَد وَجَدَا
أحبَابَنَا وحبّذَا نداؤُكُمْ / لو كُنُتمُ لدعوةِ الدّاعِي صَدَى
غالَت يدُ الأيام من بَعدِكُم / ذَخائِري حتّى الإسَى والجَلَدا
ما لاصْطِبَاري مَددٌ بَعد النّوى / فويحَ دَمْعي مَن حَباهُ المَدَدَا
لكنّنِي ما رُمت إطفاءَ الجوَى / بفيضِه إلا الْتَظَى واتّقَدَا
يا رَوعَتَا لطائرٍ نَاحَ على / غُصْنٍ فأغْرى بالأسَى من فَقَدَا
أظنّه فارق أُلاّفاً كَما / فارقتُ أو كَما وجدتُ وجَدَا
أدمى جراحاتٍ بقلبي للنّوى / وما علمتُ ناحَ حُزناً أم شَدَا
لكن يَهيجُ للحزِين بثُّه / إذا رأى على الحَنين مُسعدَا
فَقُل لمن أشْمَتَه فِراقُنا / وسرَّه أن جَار دهرٌ واعْتَدى
إن سرّك الدهرُ بنا اليومَ فهَل / أمِنْتَ أن يَسّرنا فيك غَدا
إلى مَتَى أُمسي وأُضْ
إلى مَتَى أُمسي وأُضْ / حِي بالنّوى مُرَوّعَا
مُرتَحِلاً كُرهَا عن ال / أحبابِ أو مُوَدّعَا
تُرَى اللّيالِي نَذَرَتْ / ألاّ نُرَى يوماً مَعَا
كَم تُرْزمي وكم تَحِنّي يَانَاقْ
كَم تُرْزمي وكم تَحِنّي يَانَاقْ / حَسْبُكِ قَد هجتِ الجَوَى والأشْوَاقْ
هِي النّوَى فما غَناءُ الإشفاقْ / تَقَسّمَتْنَا بالشّتاتْ والآفَاقْ
كأنّها خَلْقٌ ونَحن أرْزاقْ / حتّى إذا أدْمَى البكاءُ الآماقْ
أصْقَبَتِ الدّارُ وقَلبِيَ مُشتاقْ / ما أتعَبَ الحاملَ قلباً تَوَّاقْ
كالبرقِ مشبوبَ الضّرامِ خَفّاقْ /
يا نَاقُ شطّتْ دَارُهُمْ فَحِنِّي
يا نَاقُ شطّتْ دَارُهُمْ فَحِنِّي / وأعْلنِي الوجْدَ الّذي تُجِنّي
ما أرزَمَتْ وَهْناً لفقد إلْفِها / إلاّ رَمتْ جَوارِحي بِوَهْنِ
تذكّرتْ ألاّفَها فَهَيَّجَتْ / لاَعِجَ شَوقي وذَكَرْتُ خِدْني
أبكِي اشتياقاً وتَحِنُّ وحْشةً / فَقد شَجانِي حُزنُها وحُزني
حَسْبُكِ قَد طالَ الحنينُ والأسَى / وما أرى طُولَ الحنينِ يُغْنِي
ولا تَمَلّي مِنْ مَسِيرٍ وَسُرىً / في مَهْمَهٍ سَهلٍ وَوَعْرٍ حَزِنِ
حتّى تُناخِي تحتَ بَاناتِ الحِمَى / سَقَى الحِمَى والبانَ صوبُ المُزنِ
أهْوَى الحِمى وأهلَه وبانَه / وإنْ نأيتُ وتنَاءَوْا عَنّي
شَطّوا وشطّتْ بيَ دَارِي عنهُمُ / وهُمْ إلى قَلبيَ أدنَى مِنّي
لم يُذكَروا لي قَطّ إلا امتلأتْ / بالدّمعِ أجفانِي وقَالتْ قَطْني
وهُم أعزُّ إن نأوْا وإنْ دَنَوْا / مما حَوى خِلْبي وضَمّ جَفْنِي
نَفسي فِداءُ من أُوَرِّي بالحِمَى / والبَانِ عن أسْمَائِهمْ وأَكْنِي
هُمُ إذا قُلتُ سقَى أرضَ الحِمَى / وبَانَه صوبُ الحيَا مَن أعْنِي
ضَنّا بِهم عن أَنْ يطورَ ذكْرُهُم / بمَسْمَعٍ وَهُمْ مكانُ الضّنّ
أحبَبْتُهُم من قَبلِ يَنْجابُ دُجَى / فَودِي عن الصّبحِ ويَذوِي غُصْنِي
حُبّاً جَرَى مَجرى الحياةِ من دَمِي / أصَمَّ عن كلِّ نصيحٍ أُذنِي
فلو تَعوّضتُ بهم عَصْرَ الصِّبَا / لَبانَ في صَفقَةِ بَيْعِي غَبْنِي
فَارقتُهم أشْغَفَ ما كنتُ بِهِم / وعُدتُ قد أدمَتْ بَنَانِي سِنّي
أُلْزِمُ كفَّيَّ فُؤاداً مَالَهُ / من بَعدهم رَوْحٌ سِوَى التّمنِّي
لكنّني أدعُو لجمعِ شَمْلِنا / مُسيِّرَ الشُّهْبِ ومُجري السّفْنِ
يا عجباً من وشْكِ بَينٍ ما رَغَتْ
يا عجباً من وشْكِ بَينٍ ما رَغَتْ / فيه مطايَانَا ولا الحادي حَدَا
نرَى الجِمَالَ المصحِباتِ بينَنا / مُهمَّلاتٍ والرجالَ بَدَدَا
مَوقفُ تَوديعٍ ترى البيضَ به / شُهباً وهَابي النّقعِ ليلاً أسودَا
وللطِّعانِ في الكُماةِ أعيُناً / تَهمِي على السّردِ نجيعاً مُزبِدَا
فيا له من مَوقِفٍ رقيبُه / كتَائِبُ الأعداءِ والواشي الرّدَى
لو لم تكُن عادَتِيَ الإقدامَ في / أمثاله قضيتُ فيه كَمَدَا
لا تَحسبَنَّ الرّزءَ أوهَى جَلَدِي / إنّ النّسِيم لا يَفُضُّ الجَلْمَدَا
وهل يَروعُ الخطْبُ قلبَ أروعٍ / إن كَلِبَ الدَّهرُ عليهِ أَسِدَا
متَى رآني الشّامتُون ضَرِعاً / لنكبةٍ تَعرُقُنِي عَرق المُدَى
هُم يَعلمونَ أنّني أصلَبُ مِن / صُمِّ الصَّفَا فما عَدا مِمَّا بَدا
هل بِزّنِي الخطبُ سِوى وفْرِي الذي / كان مُباحاً للنَّوالِ والنَّدَى
إنْ جمَعوا المالَ فأوعَوْا أتلفَتْ / يَدي طريفَ ما حوتْ والتَّلِدَا
هُمُ يَروْن المالَ ذُخراً باقياً / وإنّما ذُخُر الفَتى أن يُحمَدَا
لا تُودَعنْ سَمع أخٍ شكيّةً
لا تُودَعنْ سَمع أخٍ شكيّةً / فالقلبُ أولى بالذي أَجَنَّا
وكلُّ ما نشكوهُ من زمانِنا / نزولُ عَنهُ أو يَزولُ عَنَّا
أمَا رأوْا تقلُّبَ الدنيا بِنَا
أمَا رأوْا تقلُّبَ الدنيا بِنَا / وفتكهَا بِمَنْ إليهَا أخْلَدَا
كم نَسَفَتْ أيدِي الخطوب جَبَلاً / وصيَّرَتْ لُجّةَ بَحْرٍ ثَمَدَا
وكم أعَادَتْ ذَا ثَرَاءٍ مُعْدَماً / وذا قَبِيلٍ وعَدِيدٍ مُفْرَدَا
عَلِمْتُ مَا لم يَعْلَمُوا ونَظَرتْ / عَيْنَاي دَهْرِي مَصْدَراً ومَوْرِدَا
فما رأيتُ غيرَ ظلٍّ زائلٍ / كلٌّ يَمُدُّ نَحْوَهُ جَهْلاً يَدَا
ما زلتُ في غِبطةِ عِيشى عالِماً
ما زلتُ في غِبطةِ عِيشى عالِماً / أن سيزولُ بالهمومِ ما غَبَطْ
وأَنّ صرْفَ الدَّهرِ يأتي بالّذي / ساء اعتماداً وبما سَرَّ غَلَطْ
بينا الفَتى تعلو به جُدودُهُ / إذْ أسلَمَتْهُ للرّزايا فَهَبَطْ
حتّى يرِقَّ حاسدٌ لحالهِ / مِن بعدِ ما نافَسَ فيها وغَبَطْ
يا أوحد العصر علا وعنصرا
يا أوحد العصر علا وعنصرا / وبحر فضل بالعلوم زخرا
أفحمني شكرك عن أن أشكرا / نثرت من ذكري علي جوهرا
طوقتني درا وفاح عنبرا / وطاب من فيك فصار سكرا
حناني الدهر وأف
حناني الدهر وأف / نتني الليالي والغير
فصرت كالقوس ومن / عصاي للقوس وتر
أهدج في مشيي وفي / خطوي فتور وقصر
كأنني مقيّد / وإنما القيد الكبر
والعمر مثل الماء في / آخره يأتي الكدر
واوحشتي في الدار لما أصبحت
واوحشتي في الدار لما أصبحت / موحشة من الظباء العين
كانت عرينا وكناسا فاغتدت / مقفرة الكناس والعرين
تقارن الأسد بها عين المها / والدهر قطاع قوى القرين
فأصبحت كما ترى ليس بها / إلا دواعي الوجد والحنين