المجموع : 7
يا طُرَّةَ الشّيحِ بسفْحِ عاقِلِ
يا طُرَّةَ الشّيحِ بسفْحِ عاقِلِ / كيفَ تُناجيكِ صَبا الأصائِلِ
لا خَطَرَ النَّعامُ فيكِ مَوْهِناً / يَريغُ تَوشيمَ الخِضابِ النّاصِلِ
وصافَحَتْكِ الرّيحُ حَسْرى والثّرى / مُرْتَضِعٌ دَرَّ الغَمامِ الهاطِلِ
فرُبَّ أعْرابيّةٍ نَشْوى الخُطا / تُقْلِقُ أثناءَ الوِشاحِ الجائِلِ
تَرمي حَواليكِ بأحْداقِ المَها / إذا ارْتَقَبْنَ غِرَّةَ الحَبائِلِ
وَيْحَ الهَوى كيفَ أصابَ لحْظُها / وقد أطاشَ أسْهُمي مَقاتِلي
أما كَفاها القَدُّ وهْوَ رامِحٌ / ألا تُراميني بطَرْفٍ نابِلِ
أصْغَتْ إِلى الواشينَ بعْدَ صَبْوَةٍ / أرُدُّ فيها لَغَطَ العَواذِلِ
فلَيْتَها أوْصَتْ بِنا خَيالَها / غَداةَ أبْدتْ صَفحةَ المُزايلِ
تَضحكُ منْ ذي ولَهٍ يَبكي الصِّبا / شَوْقاً إِلى أيّامِهِ القَلائِلِ
أيا أخا حَنظَلَةَ بنِ مالِكٍ / ناضِلْ عنِ الفِهْرِيِّ أُخْتَ وائِلِ
فالنَّثْرَةُ الحَصْداءُ لمْ تَسُنَّها / إلا على عَبْلِ الذِّراعِ باسِلِ
والثّأْرُ لا تَغْفُلُ عنهُ خِنْدِفٌ / فكيْفَ أغْضَيْتَ على الطّوائِلِ
إنْ لمْ أرَوِّعْ قَوْمَها بفِتْيَةٍ / يَمْشونَ مَشيَ الأُسْدِ بالمَناصِلِ
تَشُلُّهُمْ بأذْرُعٍ مَفْتولَةٍ / على الرِّقابِ في عُرا السّلاسِلِ
فما انْتَضَتْ أفْرى حُسامٍ للطُّلى / منْ خَيرِ جَفْنٍ ضمَّهُ قَوابِلي
وقد أرابَ والرّقيبُ هاجِعٌ / طُروقُها تَرفُلُ في الغَلائِلِ
مرّتْ بجَرْعاءِ الحِمى فعَطّرَتْ / أشباحَ أطْلالٍ بها نَواحِلِ
تَبغي كأنْضاءِ السّيوفِ فِتْيَةً / مُوَسَّدينَ أذْرُعَ الرّواحِلِ
فأرَّقَتْ أسْوانَ خاطَ جَفْنَهُ / كَرىً هوَ الصّهْباءُ في المَفاصِلِ
عَدِّ عنِ الطّيفِ فما أتى بهِ / حُلْمٌ جَنَتْهُ سَوْرَةُ البَلابِلِ
والشِّعْرُ في غَيرِ الإمامِ صادِرٌ / عنْ فِكَرٍ تعلّلَتْ بالباطِلِ
منْ مَعْشَرٍ شُمِّ الأنوفِ ذادَةٍ / بَيضِ الوجوهِ سادَةٍ أماثِلِ
دلّتْ على أعراقِهِمْ أفعالُهُمْ / والمَكْرُماتُ جمّةُ المَخائلِ
فطرّفوا عنِ العُلا بأذْرُعٍ / شابَتْ أسابيَّ دَمٍ بِنائِلِ
شنّوا على الأعْداءِ غاراتِهمْ / تَتْرى كوَلْغِ الأذْؤُبِ العَواسِلِ
وكم أناخُوا الحَربَ وهْيَ تَلْتَظي / على مُسِرِّ الضِّغْنِ بالكَلاكِلِ
وقد وفَوْا إذا ضمنوا يومَ الوَغى / رِيَّ القَنا للأَسْل النَّواهلِ
فهاشمٌ خيرُ بَني فِهْرٍ وهُمْ / خَيْرُ الوَرى وأشْرَفُ القَبائِلِ
لِلّهِ بَيْتٌ شَدَّ مِنْ أطْنابِهِ / رَكْزُ القَنا في ثُغَرِ القَنابِلِ
عَبدُ مَنافٍ ضُرِبَتْ أوْتادُهُ / على طُلى الأعْداءِ والكَواهِلِ
هلْ يَخفِضُ السّادِرُ منْ هَديرِهِ / فالمَجْدُ لا يَعْبَقُ بالأراذِلِ
كمْ يُلْقِحُ الآمالَ وهْيَ تَرْعَوي / إليهِ في أعقابِ جَدٍّ حائِلِ
يُمْسي إذا الليلُ ارْجَحَنَّ ظِلُّهُ / في شُغُلٍ عنِ الرُّقادِ شاغِلِ
وإنْ أضاءَ الصُّبْحُ زَرَّ صَدْرُهُ / على الجَوى مُرْتَعِدَ الخَصائِلِ
سيَخْطِرُ الآبي على شَكيمِهِ / منْ زُبَرِ الحَديدِ في الخَلاخِلِ
ودونَ ما يُعْلي إليهِ طَرْفَهُ / عَيْطاءُ تُدمي قَدَمَ المُساجِلِ
يا خَيْرَ مَنْ تَفترُّ كلَّ شارِقٍ / عَنْ ذِكْرِهِ ضَمائِرُ المَحافِلِ
جاءَكَ شَهْرُ اللهِ طَلْقَ المُجْتَلى / مُبارَكَ الأيّامِ واللّيائِلِ
يُهْدي لكَ الأجْرَ وتَقْريهِ الندىً / مِنْ نِعَمٍ مُتْرَعَةِ المَناهِلِ
فلْيَرْعَ حَوْذانَ الغُمَيْرِ هَجْمَةٌ / لِعامِرٍ طائِرَةُ النّسائِلِ
فَلي بأكْنافِ العِراقِ مَسْرَحٌ / رَحْبُ المندىً أرِجُ الخَمائِلِ
ومِنْحَةٌ ضافيَةٌ أرْمي بِها / طَرْفِيَ في إثْرِ الغَمامِ الوابِلِ
وأستَدِرُّ صَوْبَها بمِدْحَةٍ / تَغْرَى لَها الأسْنانُ بالأنامِلِ
غَرّاءُ لو ذابَتْ لَصاغَتِ الدُّمى / منها حُلى أجْبادِها العَواطِلِ
ولَوْ رَضِيتُ حَبَّرَتْ رُواتُها / بِها كَلامَ العَرَبِ الأوائِلِ
إيهاً فكمْ تُهْصَرُ أغْصانُ الضّالْ
إيهاً فكمْ تُهْصَرُ أغْصانُ الضّالْ / والعِيسُ يمْرَحْنَ بمُسْتَنِّ الآلْ
منْ كُلِّ فَتْلاءِ الذِّراعِ مِرْقالْ / يَفحَصْنَ أُدْحِيَّ الظّليمِ المِجْفالْ
مِيلِ الهَوادي ناحِلاتِ الأوْصالْ / كأنّها مَزمومَةٌ بالأصْلالْ
فهُنَّ أمْثالُ الحَنايا الأعْطالْ / بِها اهْتِزازاتُ الوَشيجِ العسّالْ
للحَدْوِ بالأهْزاجِ قبلَ الأرْمالْ / قدْ وشّجَتْ بالغَدَواتِ الآصالْ
بمَسْرَحِ العُفْرِ ومَرْعى الأوْعالْ / ارْمِ بِها والليلُ ضافي الأذْيالْ
منْ لَهواتِ الوادِ مَغْنىً مِحْلالْ / تَرْشُفُ دَرّاتِ الغَمامِ الهَطّالْ
حيثُ تَرودُ السّرَواتُ الأزْوالْ / ويَملأُ السّمْعَ زَئيرُ الرِّئبالْ
ويَسْحبُ الفارِسُ ذَيْلَ القَسْطالْ / صامَتْ حَوالَيهِ بَناتُ العَقّالْ
منْ كُلِّ وَضّاحِ المُحَيّا صَهّالْ / بَضيعُهُ خاظٍ وهادِيهِ عالْ
صافي الأديمِ مُسْتَنيرِ السِّرْبالْ / كأنّما رُشّ عليهِ الجرْيالْ
يُديرُ إمَّا هَزَّ عِطْفَيْ مُخْتالْ / مَكْحولَتَيْ ظَبْيٍ يُراعي أطْفالْ
أغْدو علَيهِ في فُتُوٍّ أقْيالْ / كالإبِلِ الجُرْبِ هَناهُنّ الطّالْ
والبِيضُ تَمشي راجِحاتِ الأكْفالْ / منْ كُلِّ بَلْهاءِ التّثَنّي مِكْسالْ
تُبْدي لأطْرافِ القَنا عنْ خَلْخالْ / والسَّمْهَريّاتُ بأيْدي أبْطالْ
تَميسُ في أطْرافِهِنَّ الآجالْ / يا حَبذا رَعْيُ المَطيِّ الأهْمالْ
إذا تَجاذَبْنَ فروعَ الأهْدالْ / تَكْرَعُ منْ رَشْحِ الحَيا في أوْشالْ
عُوجاً إِلى رَجْعِ الحُداءِ الجَلْجالْ / لا عِزَّ إلا لرُوَيْعِي أشْوالْ
لم يتطَرَّقْ عَرَصاتِ البُخّالْ / يَخْطِرُ في أثناءِ بُرْدٍ أسْمالْ
ولا يُناجي خَطَراتِ الآمالْ / فإنّ أطْواقَ الأيادي أغْلالْ
يا حاديَ الشَّدَنِيّاتِ المَطاريبِ
يا حاديَ الشَّدَنِيّاتِ المَطاريبِ / أناقِلٌ أنتَ أخْبارَ الأعاريبِ
ترفّعَتْ بكَ أو بي همّةٌ تَرَكَتْ / هذا الرُّدَيْنيَّ مَهْزوزَ الأنابيبِ
فعُجْ على خِيَمٍ لَفّتْ ولائِدُها / أطْنابَهُنَّ بأعْرافِ السّراحيبِ
واهاً للَيْلَتِنا بالجِزْعِ إذ طَرَقَتْ / عُفْرَ الأجارِعِ منْ بَطْحاءِ ملْحوبِ
والوائِليّونَ يَسْري في عُيونِهِمُ / كَرًى هوَ الغُنْجُ في لَحْظِ الرّعابيبِ
ولاحَ في الكِلّةِ الصّفْراءِ لي رَشأٌ / يَرْمي دُجَى الليلِ عنْ أجْفانِ مَرْعوبِ
طَرَقْتُهُ والنّجومُ الزُّهْرُ حائِرَةٌ / على مُطَهّمَةٍ جَرْداءَ يَعْبوبِ
وقد دنَتْ منهُ حتّى أوْدَعَتْ أرَجاً / أحْناءَ سَرْجي أفاوِيهٌ منَ الطّيبِ
وكادَ يَفْتِلُ إكْراماً لزائِرِهِ / عِذارَها منْ أثيثِ النّبْتِ غِرْبيبِ
لكنهُ سَتَرَ البَدْرَ المُنيرَ بهِ / حتى أجارَ مُحِبّاً صُدْغُ مَحْبوبِ
وقد أخَذْنا بأطرافِ الحَديثِ فكَمْ / دَمْعٍ على مَلْعَبِ الأطْواقِ مَسْكوبِ
واسْتُعْجِلَتْ قُبَلٌ مَرّتْ على شَبِمٍ / صافي القَرارَةِ بالصّهْباءِ مَقْطوبِ
إني لأدَّرِعُ اللّيلَ البَهيمَ ولا / أُليحُ منْ قَدَرٍ يأتيكَ مَجْلوبِ
وفيَّ منْ شِيَمِ الضِّرْغامِ جُرأَتُهُ / إذا أرابَتْكَ أخْلاقٌ منَ الذّيبِ
أُواصِلُ الخِشْفَ والغَيْرانُ مُرْتَقِبٌ / لا خَيْرَ في الوَصْلِ عِندي غَيْرَ مَرْقوبِ
ولا أُحالِفُ إلا كلَّ مُشْتَمِلٍ / على حُسامٍ منَ الأعْداءِ مَخْضوبِ
يَسْتَنْزِلُ المَوْتَ في إقدامِهِ طَرِباً / إِلى مَدىً يَدَعُ الشُّبّانَ كالشّيبِ
ويَستَجيشُ إذا ما خُطّةٌ عَرَضَتْ / رأياً يَشيعُ بأسْرارِ التّجاريبِ
منْ مَعْشَرٍ يَحْمَدُ العافي لِقاحَهُمُ / إذا امْتُدِرَّتْ أفاويقُ الأحاليبِ
أعداؤُهُمْ ومَطاياهُمْ على وَجَلٍ / فهُمْ أعادي رؤوسٍ أو عَراقيبِ
مَدَّ المُعاويُّ منْ أضْباعِهِمْ فلَهُمْ / عِزٌّ تَرَدَّوْا بهِ ضافي الجَلابيبِ
أبو عَليٍّ لهُ في خِندِفٍ شَرَفٌ / لَفَّ العُلا منهُ مَوْروثاً بمَكْسوبِ
على نُحورِ المُلوكِ الصِّيدِ مَنْشَؤُهُ / وفي الحُجورِ من البِيضِ المَناحيبِ
ذو هِمّةٍ تَرَكَتْ كَعْباً وأُسْرَتَهُ / بِغارِبٍ في مَراقي الفَخْرِ مَجْبوبِ
وشيمَةٍ فاحَ رَيّاها كما أَرِجَتْ / خَميلَةٌ وهْيَ نَشْوى منْ شآبيبِ
فأسْفَرَتْ عُقَبُ الأيّامِ عنْ مَثَلٍ / بهِ وإنْ رَغِمَ الطّائيُّ مَضْروبِ
لهُ أساليبُ منْ مَجْدٍ أبَرَّ بِها / على الوَرى والعُلا شتّى الأساليبِ
يهتَزُّ مِنْبَرُهُ عُجْباً بمَنْطِقِهِ / ترَنُّحَ الشَّرْبِ منْ سُكْرٍ وتَطْريبِ
وليسَ إنْ ثارَ في أثناءِ خُطْبَتِهِ / كالمُهْرِ يَخْلِطُ أُلْهوباً بأُلْهوبِ
لكنهُ يَمْلأ الأسْماعَ منْ كَلِمٍ / ضاحٍ على صَفَحاتِ الدّهْرِ مَكْتوبِ
والقارِحُ المُتَمَطّي في عُلالَتِهِ / يَشوبُ في الحُضْرِ تَصْعيداً بتَصْويبِ
يا بنَ الذينَ إذا ما أفْضَلُوا غَمَروا / عُفاتَهُمْ بعَطاءٍ غَيْرِ مَحْسوبِ
إنّي بمَدْحِكَ مُغْرًى غيْرُ مُلْتَفِتٍ / إِلى ندىً خَضِلِ الأنْواءِ مَطْلوبِ
وكَمْ يَدٍ لكَ لا تَخْفى أمائِرُها / ما هَيَّجَتْ عَرَبيّاً حَنّةُ النِّيبِ
وكيفَ أشْكُرُ نُعماكَ التي هَطلَتْ / بها يَمينُكَ وَطْفاءَ الأهاضيبِ
لا زِلْتَ تُلْقِحُ آمالاً وتُنْتِجُها / مَواهِبٌ يَمْتَريها كُلُّ مَحْروبِ
وتودِعُ الدّهْرَ منْ شِعْرٍ أحَبِّرُهُ / مَدائِحاً لم تُوَشَّحْ بالأكاذيبِ
الفَجْرُ يا سَعْدَ بَني مُعاذِ
الفَجْرُ يا سَعْدَ بَني مُعاذِ / فالشُّهْبُ في مَسْبَحِها جَواذِ
تَرْنو رُنوَّ المُقَلِ القَواذي / وذُو الرِّعاثِ باليَفاعِ هاذِ
سُقْها ولَوْ بالصّارِمِ الهَذّاذِ / مُقلَّصَ الذّيْلِ خَفيفَ الحاذِ
لا رِيَّ للعَيْشِ بِذي أجْراذِ / في أبْطُنٍ مأشوبَةِ الأفْخاذِ
مِنْ كُلِّ مَرْهوبِ الشّذا مَلاذِ / في المَجْدِ حافٍ بالثّراءِ حاذِ
بادي الخَنا يَسْفَهُ أو يُباذي / فالجارُ شاكٍ والخَليطُ آذِ
وإبِلي تأبَى صَرى الإخاذِ / فَرُعْ أساريبَ القَطا الشُّذاذِ
بمَنْهَلٍ مُشْتَبِهِ الألْواذِ / لما سَرى والطَّرْفُ غَيرُ خاذِ
ذو حَسَبٍ أُدْرِجَ في بَذاذِ / مُخْلَوْلِقُ البُرْدَيْنِ والمِشْواذِ
وارْقَدَّ كالكوْكَبِ في الإغْذاذِ / وامْتَدَّ باعُ القَرَبِ الحَذْحاذِ
حثا ثَرى نَجْدٍ على بَغْداذِ / فعُمْدَةُ الدينِ بِها مَلاذي
إذا مَشى في حَلَقاتِ الماذي / رَمَتْ إليهِ الأرضُ بالأفْلاذِ
وانْهَلَّ شُؤبوبُ النّجيعِ الغاذي / بالوابِلِ الصَّيِّبِ والرّذاذِ
والخَطْوُ فوقَ قِمَمٍ جُذاذِ / يا بنَ الإمامِ دَعْوَةَ العُوّاذِ
والدّهْرُ يُبدي صَفْحَةَ اسْتِحْواذِ / فامْنُنْ على الأشْلاءِ بالإنقاذِ
فقد نُبِذْنَ مَنْبَذَ الرِّباذِ / وهُنَّ إذ رُوِّعْنَ بانتِباذِ
أهْلُ اصْطِناعٍ مِنْكَ واتّخاذِ / وأنتَ رَبُّ الأنْعُمِ اللّذاذِ
وعَزْمَةٍ فُرَّتْ عَنِ النّفاذِ / تُعْجِلُ سَيْباً رَيِّثَ الإشْجاذِ
طامي العُبابِ صَخِبَ الأواذي / ندىً قُواماً في عُلاً أفْذاذِ
إنْ عادَ سَهْمي بِكَ ذا قِذاذِ / بِتُّ أُناصِي النّجْمَ أو أحاذي
واهاً لأيّامي بأكْنافِ اللِّوى
واهاً لأيّامي بأكْنافِ اللِّوى / والدّهْرُ طَلْقُ المُجْتَلى رَطْبُ الثّرى
إذِ الشّبابُ الغَضُّ يندىً ظِلُّهُ / وصَبْوَتي يعْذِرُني فيها الصِّبا
ولِمّتي داجيَةٌ إذا بَدَتْ / سَدّتْ خَصاصَ الخِدْرِ أحْداقُ المَها
ثمّ انْقَضَتْ أزْمانُهُ حَميدَةً / ومَنْ يُرَجّي عودةً لِما مَضى
فَلا الصِّبا يرْجِعُ إذْ تَصَرَّمَتْ / أيّامُهُ ولا عَشيّاتُ الحِمى
ولي حَنينٌ لمْ تَسَعْهُ أضْلُعي / إِلى اللّوى يُذكي تَباريحَ الجَوى
وبَيْنَ جَنْبَيَّ هَوًى أُسِرُّهُ / ولَوْعَةٌ تَسْكُنُ ألْواذَ الحَشى
يا حبّذا عَصْرُ اللِّوى وأهْلُهُ / حيثُ ظِباءُ الإنْسِ تَحْميها الظُّبا
والرّوضُ مَطْلولٌ يَميدُ زَهْرُهُ / تحتَ حَصى المَرْجانِ منْ قَطْرِ الندىً
والأُقْحُوانُ ابتَسَمَتْ ثُغورُهُ / غِبَّ مُناجاةِ النّسيمِ إذ وَنى
وقد رَنا نَرْجِسُهُ بمُقْلَةٍ / يَحارُ فيها الدّمْعُ منْ صَوْبِ الحَيا
فَذاكَ دَهْرٌ لمْ أجُدْ بأدْمُعي / داميَةً حتّى تولّى وانْقَضى
وانْقَرَضَتْ شَبيبةٌ كأنّها / سَبيبَةٌ في دِمنَةِ الحَيِّ لَقى
واشْتَعَلَ الرّأسُ فزالَتْ مَيْعَتي / شَيْباً وفي الشّيْبِ الوَقارُ والنُّهى
وهْوَ منَ الشّبابِ أبْهى مَنظَراً / وأينَ منْ مُنبَلَجِ الفَجْرِ الدُّجى
والمَرْءُ لا يروقُهُ طُلوعُهُ / ويَجْتَويهِ والشَّبابُ يُشْتَهى
فبَعدَهُ الشّيْبُ وفيه مَلْبَسٌ / والشّيبُ ليسَ بعدَهُ إلا الرّدى
وكلُّ ما ساقَ الهَلاكُ نحوَهُ / فهْوَ لَديهِ كالهَلاكِ مُجْتَوى
والنّفْسُ تَلْهو بالمُنى مُغْتَرّةً / وللمَنايا رَصَدٌ على الوَرى
تَنافَسوا فوقَ الثّرى في ثَرْوَةٍ / وتحتَهُ فَقيرُهُمْ كَذي الغِنى
والعَبْدُ كالمَوْلى رَميمٌ عَظْمُهُ / والطِّفْلُ كالشّيْخِ وكالكَهْلِ الفَتى
وأنتَ لا تأوي لِما تَرُبُّهُ / منْ جَسَدٍ مَصيرُهُ إِلى البِلى
تُوقِرُهُ وِزْراً ولا يَصْحَبُ مَنْ / أُلْقيَ في ضَريحِهِ إلا التُّقى
وها أنا نَهْنَهَ ما أحْذَرُهُ / منْ غُلَوائِي فالنّذيرُ قد أتَى
ومَنْ يُناغِ الأرْبَعينَ عُمْرُهُ / ويَحْتَضِنْهُ غَيُّهُ فَلا اهْتَدَى
والشّيبُ لمّا نُشِرَتْ أفوافُهُ / طَوَيْتُ أحْشائي على جَمْرِ الغَضى
وإنْ أظَلَّ صُبْحُهُ فَوْدي فَما / فارَقَني لَيلُ الشّبابِ عنْ قِلى
ولم أزَلْ أخْطِرُ في رِدائِهِ / بينَ رَعابيبَ حِسانٍ كالدُّمى
مِنْ كُلِّ بَلْهاءِ التّثَنّي إنْ مَشَتْ / حَسِبْتَها منْ كَسَلٍ نَشْوى الخُطا
كالظّبْيَةِ الغَيْداءِ جِيداً إنْ عَطَتْ / والجؤْذَرِ الوَسْنانِ طَرْفاً إنْ رَنا
رَخيمةٌ ألْفاظُها فاتِرةٌ / ألحاظُها والسِّحْرُ منها يُجْتَنى
فهْيَ كَما اهْتزَّ القَنا منْ تَرَفٍ / تَمْشي الهُوَيْنى أو كما ارْتَجَّ النَّقا
كُنتُ سَوادَ عَيْنِها حتى رأتْ / بَياضَ شَعْري فتصدّتْ للنّوى
وخالَسَتْني اللّحْظَ مِنْ مَكْحولَةٍ / كُنتُ كَرىً فيها فأصْبَحْتُ قَذى
وانقَشَعَ الجَهْلُ فأخْبى نارَهُ / لَمْعُ قَتيرٍ بثَّ أنْوارَ الحِجى
وارْفَضَّ عنْ أجْفانِ عَيني رَقْدَةٌ / أطارَها عنها انْتِباهي للعُلا
فلُثْتُ أعْرافَ جِيادٍ حَمَلَتْ / صَحْبي بأعْرافِ جِيادٍ للْعِدا
مِنْ كُلِّ مَحْبوكِ السّراةِ شَيْظَمٍ / لا يتشكّى مَلَحاً ولا وَجى
تَحبو الرّياحُ الهُوجُ في أشْواطِهِ / والبَرْقُ يَكْبو خَلْفَهُ إذا عَدا
كالنّارِ إنْ حرَّكْتَهُ في حُضْرِهِ / وإنْ تُسكِّنْهُ فكالْماءِ جَرى
تَنْتَهِبُ الأرْضَ بكُلِّ حافِرٍ / كالقَعْبِ وهْوَ كالصَّفا على الصّفا
وهُنَّ شُعْثٌ كالسّعالي عُوِّدَتْ / حُسْنَ المِشَى بينَ العوالي في الوَغى
لهُنَّ إرْخاءُ الذِّئابِ فوقَها / تحتَ القَنا كالغابِ آسادُ الشّرى
شُوسٌ كأمْثالِ الصّقورِ أعْنَقَتْ / بهِمْ مَذاكِيها كأسْرابِ القَطا
وأوْقَدوا نارَيْنِ بأساً وندىً / حيثُ الطُّلى تَشْقى بهِمْ أوِ الشّوى
فمِنْهُما للحرْبِ وهْيَ مُرّةٌ / واحدَةٌ تُذْكى وأخرى للقِرى
تَضْفو عَليهِمْ أدْرُعٌ مَوضونَةٌ / يَرْتَدُّ عنها السّيفُ مَفْلولَ الشَّبا
مُسْتَبِكاتٌ حَلَقاً كأنّها / مَسْرودَةٌ بأعْيُنٍ منَ الدَّبى
إنْ نَفَذَتْ فيها الرِّماحُ خِلْتَها / أراقِماً يَسْبَحنَ في الماءِ الرّوى
فصافَحتْ أذْيالُها صَوارِماً / كأنّها مَطْبوعَةٌ منَ الجِذا
أو سَرَقَ الشّمسُ إليها نَظرَةً / فاسْتَلَبَتْ شُعاعَها رأْدَ الضُّحى
ولم يُجِلْ فيها الكَميُّ طَرْفَهُ / إلا تلقَّتْ ناظِرَيْهِ بالعَشا
وللرُّدَيْنيّ اهْتِزازُ مَعْشَري / لمنْ دَعا إِلى الوَغى أوِ اعْتَفى
يكادُ يَلْويَ مَتْنَهُ لُدونَةً / كالصِّلِّ في مَهْرَبِهِ يَلْوي المَطا
واليَثْرِبيّاتُ بأيْدي غِلْمَةٍ / تهوي إِلى أعدائِهِم خَساً زَكا
وليسَ تُنْمَى عِندَهُمْ رَميّةٌ / فقُلْ لهُمْ لا شَلَلاً ولا عَمى
كأنّما أعيُنُهُمْ مُحْمَرّةً / منْ غَضَبٍ مُكتَحِلاتٌ باللّظى
إذا اعْتَزَوْا عَدّوا أباً سَمَيْدَعاً / منْ عَبْدِ شَمْسٍ أُمَويَّ المُنْتَمى
منْ دَوْحَةٍ نالَ السّماءَ فَرْعُها / وأصْلُها في سُرّةِ الأرضِ رَسا
بَنو خَليلِ اللهِ فيهمْ عرَّقَتْ / أرومَةٌ مِنها النّبيُّ المُصطفى
والخُلفاءُ الراشِدونَ وبهمْ / أوضِحَ للدّينِ مَنارٌ وصُوَى
والأُمَويّونَ الذين رَكَزُوا / في نَصْرِهِ سُمْرَ الرِّماحِ في الكُلى
وآلُ عبّاسَ لَقوا أعداءَهُ / فاحْتَكَمَتْ سُيوفُهُمْ على الطُّلى
ومَنْ كقَوْمي وهمُ منْ يَعْرُبٍ / ومِنْ نِزارِ بنِ مَعَدّ في الذُّرا
فحبّهُمْ عِصْمَةُ كُلِّ مُتَّقٍ / وهُمْ مَصابيحُ الهُدى لمَنْ غَوى
ومَنْ يَحُمْ عليهِمْ رَجاؤُهُ / يَعْلَقْ بِحَبْلٍ لا تَهي منهُ القُوى
وإنْ تخطّاهُمْ إِلى غَيرِهمُ / تمكّنَتْ منهُ أضاليلُ المُنى
وليسَ للهِمّةِ ممّنْ يَبْتَغي / نَجاتَهُ إلا إليْهِمْ مُرْتَقى
وهُمْ ثِمالُ النّاسِ مَنْ لا يَعْتَصِمْ / بِهِمْ يَكُنْ مِنْ دِينهِ على شَفا
خَلائِفٌ ساسوا الأنامَ وهُمُ / كالنَّعَمِ الهامِلِ فَوْضى وسُدى
قد مَلَكوا الدُّنيا وكانتْ عاطِلاً / فما لَها غَيْرَ مَساعِيهمْ حُلى
إنْ حارَبوا أرْضى السّيوفَ سُخْطُهُمْ / أو سالَموا شَدّوا على الحِلْمِ الحُبا
لا تُنْطَقُ العَوْراءُ فيهمْ وبهِمْ / يَجْتَنِبُ الجاهِلُ إهْداءَ الخَنى
ويَبْسُطونَ بالنّوالِ أيْدياً / منها أفاويقُ الثّراءِ تُمْتَرى
وسوفَ أقْفو في المَعالي هَدْيَهُمْ / ودونَ غاباتِهِمُ نَيْلُ السُّها
فكَمْ أغُضُّ ناظِري على قَذىً / وتَنْطَوي تَرائِبي على شَجى
في عُصَبٍ يُضْني الكَريمَ قُرْبُهُمْ / وشرُّ أدْوائِكَ ما فيهِ الضّنى
وقد رَماني نَكَدُ الدّهْرِ بهِمْ / وما دَرى أيَّ معاوِيٍّ رَمى
فلا رَعى اللهُ لِئاماً وَهَبوا / نَزْراً وقد شِيبَ بمَنٍّ وأذى
ناموا شِباعاً فُقِئَتْ عُيونُهُمْ / وجارُهُمْ أرّقَ عَينَيْهِ الطّوى
والمَدْحُ والهَجْوُ سَواءٌ عندَهُمْ / فمَنْ هَذى بمَدْحِهِمْ كَمَنْ هَجا
فقَرِّبا يا صاحبَيَّ أيْنُقاً / كِدْنَ يُبارينَ الرِّياحَ في البُرى
إنّ مُناخَ السّوءِ لا يَثْوي بهِ / مَنْ لمْ تَكُنْ أوْطانُهُ إلا الفَلا
أرْوَعُ لا يَقْرَعُ بابَ باخِلٍ / لمْ يتّزِرْ بسُؤْدَدٍ ولا ارْتَدى
لَسْتُ كَريمَ الوالِدَيْنِ ماجِداً / إنْ لمْ أصِلْ تأويبَهُنَّ بالسُّرى
فَبي صَدًى يَحْرِقُني أُوارُهُ / ولا تَلوبُ غُلّتي على صَرى
ولا أرومُ المالَ مَنْهوماً بهِ / فالمالُ مَحْفورٌ حَوالَيْهِ الزُّبى
والمَجْدُ ممّا أقْتَني وأبْتَني / فإنْ عَثَرْتُ دونَهُ فلا لَعَا
ولا أحُطُّ بالوِهادِ أرْحُلي / والعَبْشَميّونَ يحِلّونَ الرُّبا
ولي مَدىً لابُدّ منْ بُلوغِهِ / وكلُّ ساعٍ يَنتَهي إِلى مَدَى
للهِ دَرّي أيُّ ذي حَفيظَةٍ / في مِدْرَعي يا سَعْدُ وهْوَ يُزْدَرى
فلَوْ عَلِمْتَ بَعْضَ ما يُجِنُّهُ / لمْ تَسْتَرِبْ منهُ بكُلِّ ما تَرى
يَرْبِطُ فيما يعتَريهِ جأشَهُ / وقَلبُهُ مُشْتَمِلٌ على الأسى
لمْ يَبْتَسِمْ إذْ أنْهَضَتْهُ نِعْمَةٌ / وأجهَضَتْهُ شدّةٌ فَما بَكى
والسّيفُ لا يُعْرَفُ ما غَناؤُهُ / وهْوَ لَجيُّ الغِمْدِ حتى يُنْتَضى
والقولُ إنْ لم يَقْرُنِ الفِعْلُ بهِ / تَصْديقَهُ فهْوَ الحديثُ المُفْتَرى
وهذهِ قَصيدَةٌ شَبيهةٌ / بالماءِ تُسْقاهُ على بَرْحِ الصّدى
إنْ غرّدَ الرّاوي بِها تطَرُّباً / تلقّفَ السّامِعُ منْها ما رَوى
ومنْ تمنّى أنْ يَنالَ شأْوَها / هَوى بهِ إِلى العَناءِ ما هَوى
فالشِّعْرُ ما لَمْ يُقْتَسَرْ أبيُّهُ / وذادَ عنهُ الطّبْعُ وحْشيَّ اللُّغى
لاحَ بُرَيقٌ يَلمَعُ
لاحَ بُرَيقٌ يَلمَعُ / لِمُغرَمٍ لا يَهجَعُ
وَهاجَ وَجداً لَم يَزَلْ / تُطوى عَلَيهِ الأَضلُعُ
وَقَد تَوالَتْ مِن سَنا / هُ لَمَعاتٌ تَخدَعُ
فَحالَ بَينَ ناظِري / وَبَينَهُنَّ الأَدمُعُ
وَكَيفَ يُخلي العَينَ مِن / دَمعٍ فؤادٌ مَوجَعُ
صَبا إِلى نَجدٍ وَقَد / سُدَّ إِليهِ المَطلَعُ
وَقُلتُ إِذْ حَنَّ أَبو ال / مِغوارِ وَهْوَ أَروَعُ
وَلَم يَكُن مِن صَدَما / تِ النَّائِباتِ يَجزَعُ
إِن خارَ مِنها عودُهُ / فالمَشرَفِيُّ يُطبَعُ
لَيسَ إِلى وادي الغَضى / فيما أَظُنُّ مَرجِعُ
وَالعِيسُ قَد أَخطأَها / عَلى النُّقَيْبِ مَرتَعُ
فَما بِهِ ماءٌ روىً / وَلا مَرادٌ مُمرِعُ
وَهُنَّ تَحتَ أَنسُعٍ / كَأَنَّهُنَّ أَنسُعُ
صَبراً فَقَد أَرَّقَني / حَنينُكِ المُرَجَّعُ
يا حَبَّذا نَجدٌ وَرَيَّا / وَالحِمى وَالأَجرَعُ
وَظِلُّهُ الأَلمى حَوَا / لَيهِ غَديرٌ مُترِعُ
رَيّا الَّتي اُختيرَ لَها / بِذي الأَراكِ مَربَعُ
غَرثَى الوِشاحَينِ وَل / كِنَّ السِوارَ مُشبَعُ
أَشتاقُها وَالقَلبُ مِنِّ / ي لِلغَرامِ أَجمَعُ
وَبَينَنا بيدٌ بِأَي / دى الناجياتِ تُذرَعُ
فَما لِسَمعِي بِالمَلا / مِ إِن حَنَنتُ يُقرَعُ
والإِبِلُ الهُوجُ إِلى / أُلاَّفِهِنَّ تَنْزَعُ
يا رَبَّةَ البُرقُعِ والوجهُ أَغَرّْ
يا رَبَّةَ البُرقُعِ والوجهُ أَغَرّْ / يشرقُ بدراً في ظلامٍ مِن شَعَرْ
إِنّي أَرى رَبعَكِ بالجزعِ دَثَرْ / تُميتُهُ الرِّيحُ ويحمِيهِ المَطَرْ
بما يُرى أَخضر رَفَّاف الزَّهَرْ / وَرَوضُهُ رَيّانُ مَجّاجُ الغُدُرْ
به ثرىً يقطر حينَ يُعتَصَرْ / فأَهلُهُ الأَنجُمُ وَاللَيلُ سَحَرْ
وهو كابهامِ قطاةٍ أَو نَغَرْ / وَكُلُّ لَيلٍ صالِحٍ فيهِ قِصَرْ
حَلَّتْ به إِحدى بُنَيّاتِ مُضَرْ / كَأَنَّها إِذا رَنتْ على حَذَرْ
ريمٌ أَحسَّ نَبأَةً ثم نَظَرْ / بكيتُ حين اِبتَسمَتْ على خَفَرْ
فكادَ أَن يَلتَقِطَ الحيُّ دُرَرْ /