المجموع : 4
يَشرَبُ بِنتَ الكَرمِ بَعضَ الناسِ
يَشرَبُ بِنتَ الكَرمِ بَعضَ الناسِ / لِكُربَةٍ في النَفسِ أَو وَسواسِ
وَبَعضُهُم لِأَنَّهُ قَد ظَفِرا / وَبَعضُهُم لِأَنَّهُ قَد خَسِرا
وَبَعضُهُم لِأَنَّهُ في فَرَحِ / وَبَعضُهُم لِأَنَّهُ في تَرَحِ
وَبَعضُهُم كَي يَستَرِدَّ الأَمسا / وَبَعضُهُم يَجرَعُها كَي يَنسى
وَبَعضُهُم لِيَستَفيدَ قُوَّه / وَبَعضُهُم لِسَورَةِ الفُتُوَّه
وَبَعضُهُم كَيما يَحُلُّ مُشكِلَه / وَبَعضُهُم لِأَنَّهُ لا شُغلَ لَه
وَبَعضُهُم عَن رَغبَةٍ وَعَن هَوى / وَبَعضُهُم لَعَلَّهُ يَرضي السِوى
وَبَعضُهُم مِن حُبِّهِ لِلبائِعِ / وَبَعضُهُم نِكايَةً لِلمانِعِ
وَبَعضُهُم يَشرَبُها أَحياناً / وَبَعضُهُم في أَيِّ وَقتٍ كانا
وَبَعضُهُم مَع صَحبِهِ في الدارِ / وَبَعضُهُم في حانَةِ الخَمّارِ
وَبَعضُهُم مَع زُمرَةِ النُدمانِ / وَبَعضُهُم في وُحدَةِ الرُهبانِ
وَبَعدُهُم في الصَيفِ ذي الرَمضاءِ / وَبَعضُهُم في زَمَنِ الشِتاءِ
وَبَعضُهُم عِندَ اِنجِيابِ الظُلمَه / وَبَعضُهُم عِندَ طُلوعِ النَجمَه
وَبَعضُهُم يَذُمُّها اِستِهجانا / وَبَعضُهُم يَمدَحُها اِستِحسانا
لَكِنَّهُم كُلُّهُم يَحسوها / المادِحوها وَالمُقَبِّحوها
فَما وَجَدتُ في زَمانِيَ رَجُلاً / وَقُلتُ هَل تُحِبُّها فَقالَ لا
وَسِرُّ هَذا أَنَّها كَالدُنيا / تُؤذي وَلَكِن مَع أَذاها تُهوى
هاتَ اِسقِني بِالقَدَحِ الكَبيرِ
هاتَ اِسقِني بِالقَدَحِ الكَبيرِ / صَفراءَ لَونَ الذَهَبِ المَصهورِ
كَأَنَّها في أَكأُسِ البَلّورِ / شُعلَةُ نارٍ في بَقايا نورِ
عَجِبتُ لِلكَأسِ الَّتي تَحويها / كَيفَ اِستَقَرَّت وَالحَياةُ فيها
لَو لَم يُدِرها بَينّا ساقيها / دارَت عَلى القَومِ بِلا مُديرِ
هاتَ اِسقِنيها مِثلَ عَينِ الديكِ / صافِيَةً تَنهَضُ بِالصُعلوكِ
حَتّى يَرى التيهَ عَلى المُلوكِ / وَلا يُبالي سَطَوَةَ الأَميرِ
بِنتُ لدَوالي ضَرَّةَ الرُضابِ / أُختَ التَصافي زَوجَةَ السَحابِ
أَنت وَإِن لامَ الوَرى شَرابي / في الخالِدينَ القَر وَالهَجيرِ
أَشرَبُها بَل أَشرَبُ الإِكسيرا / تَخلُقُ في شارِبِها السُرورا
فَقُل لِمَن يَحسَبُها غُرورا / ما العَيشُ إِلّا ساعَة الغُرورِ
جاءَ الشِتاءُ جيأَةَ المُفاجي
جاءَ الشِتاءُ جيأَةَ المُفاجي / كَأَنَّما قَد كانَ في الرِتاجِ
فَجَمَدَ السائِلُ في الزُجاجِ / وَاِكتَسَتِ الأَرضُ بِمِثلِ العاجِ
فَاِمتَنَعَ المَرعى عَلى النِعاجِ / وَاِمتَنَعَ الحَبُّ عَلى الدَجاجِ
وَاِمتَنَعَ السَيرُ عَلى النَواجي / رُبَّ جَوادٍ لاحيقٍ هِملاجِ
مُعَوَّدِ الإِلجام وَالإِسراجِ / وَالوَخد وَالذَميل وَالإِهماجِ
أَصبَحَ مِثلَ العِرقِ في اِختِلاجِ / مُنعَرِجاً في غَيرِ ذي اِنعِراجِ
لَو هاجَهُ الراكِبُ بِالكُرباجِ / لَما مَشى بِهِ سِوى اِعوِجاجِ
لَولا الجَليدُ طارَ بِالمُهتاجِ / مِثلَ البُراقِ بِفَتى المِعراجِ
وَحَطَّه وَالشَمسُ في الأَبراجِ / لَكِنَّهُ مِنهُ عَلى الزُجاجِ
وَأَمسَكَ الناسُ عَنِ اللَجاجِ / أَما تَرى نِدائَهُم تَناجي
كَأَنَّما الجُموعُ في المَلاجي / عَلى مِنى مَواكِبُ الحُجّاجِ
وَرَغِبَ المُثري عَنِ الديباجِ / إِلى اللِباسِ الخَشِنِ النِساجِ
وَكانَ أَن جيءَ لَهُ بِالتاجِ / أَعرَضَ عَنهُ وارِمَ الأَوداجِ
وَاِنقَبَضَ النَهرُ عَنِ الهِياجِ / وَكانَ مِثلَ الزاخِرِ العَجّاجِ
يُصارِعُ الأَمواجَ بِالأَمواجِ / يا مَسبَحَ الأُوَز وَالدُرّاجِ
كيَفَ غَدَوتَ مَوطِئَ الأَحداجِ / وَمَعبَرَ الخَلقِ إِلى الخَراجِ
ما لِي وَالصُبحُ عَلى اِنبِلاجِ / أَخبِطُ كَالعَشواءِ في الدَياجي
إِذا أَرَدتُ السَيرَ في مِنهاجي / طالَ عِثاري فيه وَاِنزِلاجي
كَأَنَّي أَمشي عَلى زُجاجِ / مُحتَذِياً بِالزِئبَقِ الرَجراجِ
خُيِّلَ لي لِشِدَّةِ اِرتِجاجي / أَنَّ دَمي يَرتَجُّ في أَشاجي
أَرى الدُنى ضَيَّةَ الفِجاجِ / وَلَم تَضِق لَكِنَّما اِحتِياجي
إِلى طَريقٍ واضِحِ الشِجاجِ / أَسلُكُ فيهِ غَيرَ ما اِنزِعاجِ
وَحاجَتي بَِلكَوكَبِ الوَهّاجِ / كَحاجَةِ الأَعمى إِلى سِراجِ
إِن لَجَّ هَذا القَرُّ في إِحراجي / لَأَرفَعَنَّ لِلسَما اِحتِجاجي
كان على خوان ربّ المال
كان على خوان ربّ المال / كأسان : من خمر ومن زلال
هاتيك في الحمرة مثل العندم / وتلك في بياضها كالدّرهم
فقالت السّلاقة الثّرثاره / عندي حديث فاسمعي يا جاره
أنا التي تخضع لي الرّؤوس / أنا التي يعبدني المجوس
كم قائد أضحكت منه جنده / وسيّد حكمت فيه عبده!
وملك أسقطت عنه التّاجا / وساكن هيجنه فهاجا
وزوجة علّمتها الخيانه / ووالد أنسيته الأمانه
وحدث خدعته فانخدعا / حتّى إذا شبّ عضّ الإصبعا
إنّ الغنى والصّيت والذّكاء / متى أرد صيّرتها هباء
فسمع الماء فهاج غضبا / وقال: مهلا بلغ السّيل الزّبى
إن تفخري يا جارتي بالشّرّ / فإنّ بالفعل الجميل فخري
أنا الذي تغسل بي الكلوم / ويرتوي الظّامىء والمحموم
يحبّني المالك والمملوك / والسيّد المطاع والصّعلوك
حيث أكون جاريا يكون / الورد والأقاح والنّسرين
إنّ المروج الخضر لا يحييها / غير وجودي حولها وفيها
كم سرت في الوادي وفي الغدير / على شبيه الدّر والكافور
وجلس العشّاق حولي في السّحر / عللى بساط العشب في ضوء القمر
كم اشتهوا إذ سمعوا خريري / لو أنّني أسير في الصّدور
أنا الذي لولاه مات النّاس / والطّير والأسماك والأغراس
يا خمر كم ذا تدّعين الفضلا / وبالمياه تقتلين قتلا
وأمّك الكرمة يا صهباء / ما وجدت في الأرض لولا الماء!