المجموع : 19
معَ الزَمانِ دائِرَه
معَ الزَمانِ دائِرَه / وَبِالحِسابِ سائِرَه
من عَمَد العُمران وَالد / دُنيا إِلَيها ناظِرَه
قَد قُنِّعت ناحيةٌ / مِنها وَأُخرى حاسِرَه
نَقّارة لا تُخطئ الوَز / نَ تَقولُ شاعِرَه
تَحوي الزَمانَ كُلَّه / أَوَّلَهُ وَآخرَه
تُريكَ ما تُعنى بِهِ / مِن الزَمانِ حاضِرَه
آتيهِ في الغَيبِ وَما / مَضى طلولٌ دائِرَه
تَبدَأُ حَيثُ تَنتَهي / دائِبَةً مُثابِرَه
تَظَلُّ طُولَ عُمرِها / قادِمَةً مُسافِرَه
حائِرَةً وَهَديُها / في أَن تَظَلَّ حائِرَه
صَديقُها الرفقُ بِها / كَذاتِ دَلٍّ نافِرَه
دَعها تَسِر آمِنةً / مِن عَنَتٍ أَو بادِرَه
إِن لَم تُصَن مِن عَبَثٍ / مَشَت خُطاها عاثِرَه
قاضٍ إِلى قَضائِهِ / كُلُّ العُيونِ ناظِرَه
إِن صَدَقَت فَصِدقُها / تُوحيهِ غَيرَ آمِرَه
أَو كَذَبَت فَكِذبُها / بِلا يَمين فاجِرَه
لِسانُها عَقارِبٌ / تَزحفُ غَيرَ غادِرَه
حَسبُكَ مِن وَفائِها / نَومُك وَهيَ ساهِرَه
تَحُفُّها مَعالِمٌ / حَولَ الطَريقِ دائِرَه
قَد قَدَّرت ما بَينَها / تِلكَ العُقولُ القادِرَه
وَغَيرَها كَم أَبدَعَت / مِن مُعجِزاتٍ باهِرَه
وَاللَهِ لَولا عِلمُنا / بِها لَقُلنا ساحِرَه
يا حُسنَها في المِعصم ال / عاجيِّ وَهيَ سافِرَه
مُعجِزَةُ الحُسنِ بِها / لكُلِّ عَينٍ ظاهِرَه
أَسيرَةً في طَوقِها / وَكَم تَروحُ آسِرَه
وَكَم يُصابُ سَيرُها / بِعِلَّةٍ مُساوِرَه
وَالصدقُ من طَبيبها / بُعدَ السَماءِ العاشِرَه
كَم يَدَّعي كَسراً وَلَو / يَصدُق كانَ كاسِرَه
أُجرتهُ عَلى السَقي / مِ والصَحيحِ وافِرَه
ترى لَهُ عِيادَةً / في كُلِّ حينٍ عامِرَه
لا يخرُجُ الساعَةَ إِل / لا كَي تَعودَ زائِرَه
الحَمدُ لِلّهِ كَما
الحَمدُ لِلّهِ كَما / أَولى الجَميلَ مُنعما
ثُمَ الصَلاةُ أَبَدا / عَلى النَبيِّ أَحمَدا
مَن حازَ حُسنَ الخُلُق / وَسادَ كُل الخَلق
وَبَعد فَالأَخلاقُ / مَيدانُها سِباقُ
من طَلبَ الآدابا / تَجشَّم الصِعابا
وَمَن يَرُم دَرك العُلا / سارَ لَها مُستَبسِلا
في شِكّةٍ مِن عَزمِهِ / وَعُدَّةٍ مِن حَزمِهِ
إِن العُلا كَعابُ / لَها القَنا حِجابُ
سُهولُها أَوعارُ / تحفُّها الأَخطارُ
سَبيلُها الأَخلاقُ / لَكنَّها وَثاقُ
المَجدُ صَعب مَغنمه / حسن السَجايا سُلَّمه
إِن لَم يَنَلهُ الباعُ / فَباعُكَ الطِباعُ
فَمن يَرُم طِلابَها / فَليشربنَّ صابَها
فَلن تَذوقَ ما حَلا / حَتّى تَذوقَ الحَنظَلا
وَهَكذَا المَحامدُ / مِن دُونِها الشَدائدُ
لَيسَت أَثاثاً يُقتنى / وَلا تُنالُ بِالمُنى
ذكرُ الفَتى بِما ذَخر / وَالخُلقُ نِعمَ المدَّخر
والذكرُ عمرٌ ثانِ / لِلمَرءِ وَهوَ فانِ
يترُكُ دُنياهُ وَما / يُبقي سِوى ما قَدَّما
تُصبحُ مِنهُ بَلقَعا / وَلَيسَ إلّا ما سَعى
فَخرُ الفَتى أَعمالُه / لا جَدُّهُ وَمالُه
المالُ ظلٌّ زائلُ / وَالجَدُّ لَونٌ حائِلُ
ماذا يفيدُ المالُ / إِن ساءَتِ الأَفعالُ
كَم مِن فَتىً أَراهُ / يُعجِبُني مَرآهُ
ذا زينَةٍ وَرِيِّ / وباطن مَقليِّ
بِهِ المَخازِي خافِيَه / إِنَّ العُيونَ غاوِيَه
لا يَزدَهيكَ ما تَرى / فَكُلُّهُ إِلى الثَرى
حَسبُ الفَتى ما قاتَهُ / وَليَتَّرِك ما فاتَه
لا تَبغِ فَضلَ النَشبِ / وَاِبتَغِ فَضلَ الأَدَبِ
مَن لَم يُسوِّده أَبُ / أَعلى ذُراهُ الأَدَبُ
إِن العَظيم مَن بَنى / وَلَم يَقُل ذا بَيتُنا
وَلَيسَ عالي الهِمَمِ / مَن كانَ ذا قَلبٍ عَمِ
فاِجعَل حُلاكَ الأَدبا / إِن الفَتى ما كسَبا
وَهَذِهِ قَلائِدُ / وَكُلُّها فَرائِدُ
قَلَّدتُ جِيدَ الدَهرِ / بِها وَجيدَ مِصر
جَمَعتُ فيها الأَدَبا / أَقضي بِها ما وَجَبا
أَبياتُها أَمثالُ / عَزَّت فَلا تُنالُ
أَخلَصتُ فيها النِيّه / لا أَبتَغي أُمنيَّه
وَلَم أُرِد إِكباراً / بِها وَلا اِشتِهارا
وَما أَرَدتُ الجاها / لَكن أَرَدتُ اللَه
إِن يَرض عَنّي رَبي / بِها فَذا حَسبي
إِيّاكَ أَن تَغدرَ بِالمِيعادِ
إِيّاكَ أَن تَغدرَ بِالمِيعادِ / فَإِنَّهُ مِن خُلُقِ الأَوغادِ
وَاِحرِص عَلى الوَفاءِ في المَواعِدِ / مَهما تُقاسِ فيهِ مِن شَدائِدِ
وَاِصبر وَلا يَثنِكَ عَنهُ ثانِ / فَإِنَّهُ مِن كرم الإِنسانِ
إِنَّ الوَفاءَ سَيِّدُ الأَخلاقِ / تَعلُو بِهِ لَو كُنتَ في أَخلاقِ
فَلَيسَ بِالمالِ بُلوغُ مَجد / مَجدُ الفَتى وَفاؤُهُ بِالوَعدِ
قَد قالَ أَهلُ العِلمِ فيما أُرسِلا / كادَ الوَفِيُّ أَن يَكونَ مُرسَلا
وَإِنَّني لَم أَرَ كَالوَفاءِ / أَدعى إِلى الإِخلاصِ في الإِخاءِ
وَلَيسَ مِن شَيءٍ سِوى الإِخلافِ / أَدعى إِلى تَقاطُعِ الآلافِ
لا تَعتَذِر في الخُلفِ بِالمَوانِعِ / فَإِنَّهُ مِن سَيِّئِ الطَبائِعِ
مَن أَكثَر الأَعذارَ فيما يَفعَلُ / فَعَن قَليلٍ عُذرُهُ لا يُقبَلُ
إِيّاكَ وَالإِكثارَ في الأَعذارِ / وَفِعلَ ما يُلجِئُ لاعتِذارِ
حَذارِ أَن تَقُولَ لا بَعد نَعَم / وَاِبدأَ بِلا أَفعَلُ إِن خِفتَ النَّدم
وَفِّ إِذا ما قُلتَ إِنِّي أَفعَلُ / فَإِنّ لا بَعد نَعَم لا تَجملُ
وَلا تَقُل في قَولِ لا نَيلُ العُلا / إِنّ العُلا قَولُ نَعَم مِن بَعدِ لا
إِيّاكَ أَن تَنسى وُعودَ الأَمسِ / فَالحُرُّ لا يَعتادُهُ ما يُنسي
الحُرُّ وَعدُه عَلَيهِ دَينُ / يَذكُرُهُ حَتّى يَحينُ الحَينُ
إِيّاكَ أَن تُوصَفَ بِالمِطالِ / فَإِنَّهُ مِن خُلُقِ البُخّالِ
وَاِحرِص عَلى الإِنجازِ في المَواعِد / فَآفَةُ الوُعودِ مَطلُ الواعِدِ
من أَكثَر المَطلَ بِغَيرِ مانِعِ / فَصدقه في الوَعدِ غَيرُ نافِعِ
وَإِن يُعاهِدكَ أَمرُؤٌ حَلّافُ / فَلا تُطِعهُ إِنَّهُ خَلّافُ
فَلا أَزالُ أُكبِرُ الإِنسانا / حَتّى أَراهُ يكثر الأَيمانا
إِيّاكَ وَاللَجاجَ في اليَمِينِ / فَإِنَّ هَذا رِقَةٌ في الدِينِ
وَلا أَرى اللَجاجَ فيهِ إِلّا / شِعارَ مَن هانَ وَرامَ الذُلّا
إِن مِن الوَفاءِ مَنع الجارِ / مِن الأَذى لِحُرمَةِ الجوارِ
إِن كُنتَ مَوفُورَ الغِنى وَالمالِ / فَلا تَدَع جارَكَ لِلسُؤالِ
وَسِّع عَلَيهِ إِن يَكُن فَقَيرا / وَلا تَرُم حَمداً وَلا شُكورا
أَغدِق عَلَيهِ وابِل المَعرُوفِ / وَكُن لَهُ جاراً مِن الصُرُوفِ
آثِره بِالخَيرِ وَبِالنَعماءِ / عَلَيكَ لَو تَحسُو قَراحَ الماءِ
فَإِنَّ مِمّا يَرفَعُ الإِنسانا / في قَومِهِ أَن يُؤثرَ الجِيرانا
وَلا تَمُدَّ لَحظَكَ المُرِيبا / لِعِرسِهِ تَبغي بِها تَشبِيبا
إِيّاكَ أَن تُرسلَ تِلكَ النَظرَه / فَرُبَّما جَرَّت عَلَيكَ حَسرَه
وَرُبَّما عادَ عَلَيكَ سَهمُها / وأَثقَلَ الكاهِلَ مِنكَ إِثمُها
ولا تَصِلهُ تبتَغي بوَصلِه / في البَيت أَن تُؤذِيَه في أَهلِه
فَإِنّ هَذا غايَةُ التَنزُّلِ / وَآيَةُ الخِسَّةِ وَالتَسَفُّلِ
زُرهُ فَإِنّ الوُدَّ في التَزاوُرِ / لَكن نَماءُ البُغض في التَهاجُرِ
فَإِن نَأَى عَن بَيتِهِ وَغابا / فَأَقلِل المَجيءَ وَالذَهابا
خَشيَةَ أَن تَحُفَّك الظُنونُ / وَأَن يُقالَ إِنَّهُ خَئُونُ
إِيّاكَ أَن تَخُونَهُ في غَيبَتِه / يَجزِيكَ بِالشُكرانِ حينَ أَوبتِه
مَن لَم يَصُن ما عَهِدَ الإِلَهُ / فَلَيسَ مَأموناً عَلى سِواهُ
لَيسَ مِن الفَضائِل
لَيسَ مِن الفَضائِل / أَشبَهُ بِالرَذائِل
كَرَغبَةِ الإِنسانِ / في كَثرَةِ الإِخوانِ
يَقُولُ مَن لا يَعلَمُ / لا تُكثِرَنّ مِنهُمُ
عَلَيكَ بِالإِقلالِ / تَعِش رَخِيَّ البالِ
فَإِنَّما الأَحزانُ / تَجلُبُها الإِخوانُ
فَمَن يَعِش وَحِيداً / مِنهُم يَعِش سَعيدا
مقالُ مَن لَم يُنصِفِ / وَرَأيُ مَن لَم يَعرِفِ
فَإِنّ مَن يُقِلُّ / مِن صَحبِهِ يَذِلُّ
وَآيَةُ الإِجحافِ / زُهدُكَ في الأُلّافِ
فَكَثرَةُ الإِخوانِ / أَمنٌ مِنَ الزَمانِ
هُم رُكنُكَ الشَديدُ / وَسَهمُكَ السَديدُ
حِرزٌ مِنَ النَوائِبِ / وَجُنَّةُ المَصائِبِ
عَلامَةُ الآدابِ / زِيادَةُ الأَصحابِ
فَإِنَّهُ لا يُصحَبُ / إِلّا الخَلاقُ الطَيِّبُ
ولَيسَ لِلأَراذِلِ / في الناسِ مِن مُواصِلِ
عَلَيكَ بِالإِحسانِ / تُحَفّ بِالأَخدانِ
فَهُم قَطاً ظِماءُ / يَسقُط حَيثُ الماءُ
وَإِن سُئِلتَ الودّا / مِنكَ فَأَظهر زُهدا
فَلَيسَ كُلُّ راغِبِ / يَحفَظُ عَهدَ الصاحِبِ
لا تُدمِن الإِقبالا / وَاتَّقِ الابتِذالا
فَإِنَّما المُقارَبَه / آخرُها مُجانَبَه
وَكَثرَةُ الوِصالِ / داعِيَةُ المَلالِ
وَإِنَّما الإِنسانُ / مُخاتِلٌ خَوّانُ
يَدنُو إِلى مَن يَبعُدُ / وَيَصطَفي مَن يَزهَدُ
وَإِن تَكُن جَليسا / فَلا تَكُن رَئِيسا
إِيّاكَ وَالتَكلِيفا / لِتَخدَعَ الأَلِيفا
دَليلُ حُسنِ الأُلفَه / إِلقاءُ عِبءِ الكُلفه
فآيَةُ الخِداعِ / تَكَلُّفُ الطِباعِ
فَإِنّ ذا لَونَينِ / مَن لَبِسَ الحالَينِ
لَيسَ لَهُ وَفاءُ / فَإِنَّهُ حِرباءُ
مُصاحِبي لَعَلَّه / أَحسَنُ مِنهُ العُزلَه
وَأَكثَرُ الإِخوانِ / في ذلِكَ الزَمانِ
مُصاحِبٌ لِمالِ / يَرغَبُ في النَوالِ
أَو راهِبٌ تَوَعُّدا / يُظهِرُ لِي تَوَدُّدا
لَكِنَّما الصَديق / وَالصاحِبُ الرَفِيقُ
مَن كانَ لي مُؤاسِيا / إِذا رَآني شاكِيا
وَمَن رَعى إِخائي / في البُؤسِ وَالرَخاءِ
لَم يُدنِهِ يَساري / وَيُقصِهِ إِعساري
وَعَهدُهُ جَديدُ / إِن رَثَّتِ العُهُودُ
وَغايَةُ الإِخاءِ / وَالصِدقِ في الوَلاء
مَن وَصَل الإِخوانا / لا يَبتَغي شُكرانا
غَيرَ رِضاءٍ مِنهُمُ / فَاللَهُ يَجزي عَنهُمُ
القَوسُ بِالسِهامِ
القَوسُ بِالسِهامِ / وَالمَرءُ بِالكَلامِ
فَآيَةُ الكَمالِ / إِصابَةُ المَقالِ
عَقلُ الفَتى مُكَتَّمُ / يُظهِرُه التَكَلُّمُ
وَإِنَّما الإِنسانُ / العَقلُ وَاللِسانُ
سَلامَة العُقولِ / في قِلَّةِ الفُضُولِ
قُل حَسَناً لِتَسلَما / أَو اِستَمع لِتَغنَما
وَحاذِر الإِكثارا / وَلا تَكُن مِهذارا
لا يَزدَهيكَ صامِتُ / إِنَّ الجَمادَ ساكِتُ
كَم صامِتٍ لِجَهلِه / وَناطِقٍ لِفَضلِه
وَلَيسَ تَركُ المَنطِق / دَليلَ حُسنِ الخُلُق
رُبَّ سكوتٍ عِيُّ / وَرُبَّ نُطق غَيُّ
وَإِن عَلا الجِدالُ / وَاِنتَضَل الرِجالُ
وَعَزَّك الخِطابُ / وَأَعوَزَ الصَواب
كانَ السُكوتُ غُنما / حَتّى تُصِيبَ المَرمَى
ذَرهم عَلى جِدالِهم / تُصغي إِلى أَقوالِهم
وَاِحرص عَلى أَن تَسمَعا / أَكثَر مِن أَن تُسمِعا
حَتّى تَرى ما يَجمُلُ / مِنها وَما يُستَرذَلُ
فَاِنتَقِ مِنها ما صَفا / وَاِطَّرِح المُزيَّفا
وَاِحفَظ جَميلَ القَولِ / فَهوَ لِقاحُ العَقلِ
حَتّى تَراهُم ضَلّوا / وَأَخطَئُوا وَزَلُّوا
وَقَد خَبا الجِدالُ / وَاِنقَطَعَ المَقالُ
فَاِنهَض برَأيٍ صائِبِ / وَاِضرِب بِسَيفٍ قاضِبِ
وَالبَس لِكُلٍّ مَلبَسَه / وَاِجلِس لِكُلٍّ مَجلِسَه
وَراعِ فَهمَ الناسِ / تَكُن مِنَ الأَكياسِ
دَليلُ حُسنِ العَقلِ / وَمِن سِماتِ الفَضلِ
تَقدِيرُكَ الأَدواءَ / وَوَصفُكَ الدَواءَ
وَلا تَكُن مِمَّن غَدا / يُضِيعُ عِلمَهُ سُدى
يُجالِسُ الفَلاحا / ويَقرَأُ المِصباحا
وَيَدرُسُ البَديعا / وَيَبحَثُ التَشريعا
أَمامَ مَن لا يَفهَمُه / وَعِندَ مَن لا يَعلَمُه
كَواضِع الجُلنارِ / في لُجَجِ البِحارِ
لِيَجمُلَ المَذاقُ / وَيَحلُوَ الحُراقُ
وَلَن يَكونَ ذاكا / وَلَو سَما الأَفلاكا
لا تُطغِكَ العُلومُ / تَحفُّكَ الهُمُومُ
كُن عالِماً كَجاهِلِ / إِن كُنتَ جَدّ عاقِلِ
لا تُمِتِ العِلمَ بِتَركِ بَذلِهِ
لا تُمِتِ العِلمَ بِتَركِ بَذلِهِ / وَلا تعلِّمه لِغَيرِ أَهلِهِ
تُضِيعُهُ كَغارِس النَرجِيل / ضَلالَةً مِنهُ بِأَرضِ النِيل
وَاِبخل بِهِ حَتّى تُصيبَ المَوضِعا / ضَنّاً بِفَضلِ العِلمِ أَن يُضَيَّعا
ما كُلُّ مَوطِنٍ يَطيبُ البَذلُ / كَم مَوطِنٍ يَحسُنُ فيهِ البُخلُ
وَإِنَّهُ لَيسَ مِن الإِنعامِ / تَقليدُكَ اللُؤلُؤَ لِلأَنعامِ
أَخسَرُ من أَبصَرتَ في الحَياةِ / مَن جادَ بِالسُقيا عَلى المَواتِ
وَالبُخلُ بِالعلمِ عَلى مَن يُثمِرُ / بِهِ نَباتُ العِلمِ ظُلمٌ أَكبَرُ
مَن ضَنَّ بِالعِلمِ عَلى الجُهالِ / أَبخَلُ ممَّن ضَنَّ بِالأمالِ
فَإِنَّهُ مَن ضَنَّ بِالإِنفاقِ / مِن مالِهِ يَخشى مِن الإِملاقِ
وَالعِلمُ لا يَنقُصُهُ التَكَرُّمُ / بِهِ وَلا يَزيدُهُ التَكَتُّمُ
فَاِستَبقِ فَضلَ العِلم بِالتَعليمِ / وَزَكِّ غَرسَ الفَهمِ بِالتَفَهيمِ
وَكُن بِمَن عَلَّمتَه رَؤوفا / لِكَي يَرى مِنكَ أَبَاً عَطُوفا
وَلا تَسلهُ فَهمَ ما لا يُفهَمُ / وَلا تَقُد بِالعُنفِ من تُعلمُ
الصَعبُ بِالشِدَّةِ لا يُقادُ / فَاِرفُق بِهِ يسلس لَكَ القِيادُ
وَحَلِّه بِحِليَةِ الكَمال / فَإِنَّها عَونٌ عَلى المَعالي
وَنَقِّهِ مِن دَرَنِ الصِفاتِ / وَاِملأ فُؤادَهُ مِن العِظاتِ
عَوِّدهُ خُلق الودِّ وَالتَعاوُنِ / فَالمَرءُ لا يبلُغُ بِالتَهاوُنِ
جَمِّله قَبلَ العِلم بِالآدابِ / وَاللِين في السُؤال وَالجَوابِ
فَإِنَّهُ صَحيفَةٌ بَيضاءُ / يَكتُبُ فيها المَرءُ ما يَشاءُ
قَد يُحمَدُ الجَهلُ مَع التَأديبِ / لا خَيرَ في عِلمٍ بِلا تَهذِيبِ
لا تَحسَبَنَّ العِلمَ بِالقَواعِدِ / يُعليكَ إِن لَم تَعلُ بِالمَحامِدِ
وَاِعمَل بِما أَنتَ إِلَيهِ تُرشِدُ / وَانتهِ عَمّا أَنتَ عَنهُ تُبعِدُ
لا تَحم وِرداً أَنتَ مِنهُ ناهِلُ / وَلا تُحَلِّهِ وَأَنتَ عاطِلُ
وَاِنصَحهُ بِالتَعرِيض في الخِطاب / فَإِنَّهُ أَروَضُ لِلصعابِ
لا تُظهرَن لِلصِحابِ عَيبَه / فَإِنَّهُ يَهتِك حُجبَ الهَيبَه
فَلا أَرى في كَشفِهِ اِنتِصاحا / لَكِنَّني أَرى بِهِ اِفتِضاحا
وَلَيسَ هَذا مِن سِماتِ الفَضلِ / بَل إِنَّهُ خرقٌ وَسُوءُ فِعلِ
يَزيدُهُ حِرصاً عَلى الإِصرارِ / وَإِنَّهُ داعِيَةُ النِفارِ
وَاِرفُق بِهِ وَلا تَكُن شَتّاما / وَلا تَقُدهُ لِلهُدى إِلزاما
فَإِنَّها مِن صِفَةِ الأَميرِ / لا مِن صِفاتِ الواعِظِ المُشِيرِ
مِما حَفِظناهُ مِن الكَلامِ / وَما رَوَيناهُ عَن الأَعلامِ
أَحبُّ شَيءٍ لِلفَتى ما يُمنَعُ / مِنهُ فَلا يَزالُ فيهِ يَطمَعُ
جَمِّلهُ بِالتَسديدِ في المَقالِ / وَلا تُعَنِّفُه عَلى سُؤال
وَرَوِّه مَحاسِنَ الأَشعارِ / وَمُلَحَ الأَخبارِ وَالآثارِ
وَذكرَ ما مَضى مِن العُصُورِ / وَمن خَلا في سالِفِ الدُهورِ
فَإِنَّهُ أَشحَذُ لِلطِباعِ / وَإِنَّهُ أَبلَغُ في الإِمتاعِ
وَاِذكُر لَهُ طَرائِفَ الآدابِ / فَإِنَّها تَفكهةُ الأَلبابِ
لا تُؤذِهِ بِكَثرَةِ الدُروسِ / فَإِنَّها أَخمَدُ لِلنُفوس
وَاِقرَأ لَهُ أَحسَنَ ما يُقالُ / وَلا تَقُل في هَذِهِ أَقوالُ
فَإِنَّهُ لَيسَ مِنَ الإِنصافِ / إِضاعَةُ الأَعمارِ في خِلافِ
عُمرُ الفَتى تُخلِقُه اللَيالي / فَلا تُضِع عُمرَك في ضلالِ
لا تَبغِ بِالعِلمِ اِكتِسابَ المالِ / فَإِنَّهُ نَفائِسُ الجُهّالِ
وَأَزهَد الناس عُلا وَقَدرا / من عَلَّم العِلمَ وَيَبغي أَجرا
عَلِّمهُ لا تَبغِ بِهِ جَزاء / وَلا تَرُم حَمداً وَلا ثَناءَ
وَاِتَّقِ سُوءَ المَنِّ بِالتَعليمِ / فَإِنَّهُ مِن خُلُقِ اللَئِيمِ
لا تَبغِ بِالتَعليم ذُخرَ الجاهِ / فَإِنَّما الذُخرُ رضاءُ اللَهِ
وَنَزِّهِ العِلم عَن السَوءاتِ / وَخدمةِ المُلوكِ وَالوُلاةِ
أَكرمهُ عِندَ الناسِ حَتّى تُكرَما / لا تَتَّخِذهُ لِلحُطامِ سُلَّما
ما أَرخَصَ العِلمَ لَدى الأَنامِ / في عَصرِنا كَطَلَبِ الحُطامِ
وَإِنّ أَولى الناسِ بِاتِّباعِ / من طَهَّرَ العِلمَ عَن الأَطماعِ
فَاِرفَع بِهِ قَدرَك عَما يُصغِرُه / وَلا تُهِنهُ عِندَ مَن لا يُكبِرُه
وَالبَس لَهُ تَرفّعَ المُلوكِ / تَعلُ بِهِ لا ضَعَةَ الصُعلوكِ
وَاِنصَح بِما تَراهُ غَيرَ كاتِمِ / لا تَخشَ في الحَق مَلامَ اللائِمِ
فَإِنَّما أَنتَ أَمينُ الخالِق / في أَرضِهِ فَانصح وَلا تُنافِق
سِر في الوَرى بِسيرَةِ الأَمينِ / لا تَشتَرِ الدُنيا بِبَيع الدينِ
فَإِنّ أَضيعَ الوَرى لِخَيرِهِ / من باعَ أخراهُ بِدُنيا غَيرِهِ
لا تَزدَهيكَ زينَةُ الحَياةِ / فَكُلُّ مَجموعٍ إِلى شَتاتِ
وَكُلُّ نِعمَةٍ إِلى زَوالِ / لا بُدَّ لِلظِّلِّ مِن اِنتِقالِ
لا تَلهُ بِالمالِ وَبِالأَولادِ
لا تَلهُ بِالمالِ وَبِالأَولادِ / عَن طَلَبِ العِلم وَالاستِرشادِ
فَإِنَّهُ ذَخائِرُ الإِملاقِ / وَثَروَةٌ تَزكُو عَلى الإِنفاقِ
وَعُدَّةٌ مِن غِيَر اللَيالي / وَخَيرُ ما ثَمَّرتَه مِن مالِ
ذَخيرَةُ المَعاشِ وَالمَعادِ / وَكُلُّ ما تَراهُ لِلنَّفادِ
تَحرُسُ ما تَجمَعهُ مِن وَفرِ / وَالعِلمُ حارِسٌ بِغَيرِ أَجرِ
مِن خِسَّةِ المالِ وَنَقص فَضلِه / أَن قَد تَراهُ عِندَ غَيرِ أَهلِه
وَإِنَّما فَخرُ الفَتى بِالعلمِ / لا فَخرُهُ بِدَولَةٍ وَحُكمِ
إِن العُلومَ تَرفَعُ المَملُوكا / حَتّى تَراهُ يَفضُلُ المُلوكا
كَم مِن فَتىً قَد حَطَّ مِنهُ نَسَبُه / أَعلَى ذُراهُ عِلمُهُ وَأَدَبُه
وَالمَرءُ إِن يُعلِ ذُراهُ علمُه / فَلا يضرُّ عُدمُه وَيُتمُه
وَلَيسَ يُرفَعُ الفَتى بِأَهلِهِ / وَمالِهِ إِن يَتَّضِع بِجَهلِهِ
فَاِطَّلِبِ العِلمَ وَلَو بِالصِينِ / لا تَلهُ عَن طِلابه بِالدُونِ
وَاِقطَع لَهُ مَجاهِلَ القِفارِ / وَخُض إِلَيهِ لُجَجَ البِحارِ
وَاِسلُك إِلَيهِ السَهل وَالأَوعارا / وَاِهجُر لَهُ الأَوطانَ وَالدِيارا
لا تُطِل الشَوقَ إِلى الأَوطانِ / فَإِنَّها مَقبَرَةُ الأَذهانِ
إِنّ الجَهُولَ نازِحُ البِلادِ / لَو كانَ بَينَ الأَهلِ وَالأَولادِ
فَوَطِّد العَزمَ لَهُ تَوطِيدا / وَسَهِّدِ الجَفنَ لَهُ تَسهِيدا
فَسُهدَهُ لا السُهدَ في البُكاءِ / عَلى فِراقِ غادَةٍ هَيفاءِ
مِمّا حَفِظناهُ مِن الأَمثالِ / عَمّا مَضى في سالِفِ الأَجيالِ
العِلمُ لَن يُعطيَ مِنهُ قُلَّه / إِلا لِمَن يُعطيهِ مِنهُ كُلَّه
فَاِطلُبه في الحَلِّ وَفي الترحالِ / وَلا تُمِت قَلبَك بِالإِغفالِ
فَالعِلمُ كَالنَباتِ لَيسَ يَنبُتُ / نَباتُهُ في القَلبِ وَهوَ مَيِّتُ
وَاِنشَط لَهُ وَاِخلَع ثِيابَ الكاسِلِ / إِيّاكَ أَن تَرضى بِعَيشِ الجاهِلِ
فَلَيسَ غَيرَ حَسرَةٍ تَجَدَّدُ / فيهِ وَغَير أَسَفٍ لا يَنفَدُ
لا يَخدَعَنكَ جاهِلٌ مَسرورُ / كُلُّ امرئٍ بِعَيشِهِ مَغرُورُ
وَطَهِّرِ القَلبَ مِن الرَذائِلِ / قَبلَ اِكتِسابِ العِلم وَالفَضائِلِ
مِمّا رَوَيناهُ مِن الأَقوالِ / وَما غَدا في الناسِ كَالأَمثالِ
شَرُّ العِباد عالِمٌ تَهَتَّكا / وَجاهِلٌ بِالدِينِ قَد تَنَسَّكا
وَجَمِّلِ النَفسَ بِخُلقٍ طَيِّبِ / فَإِنَّما الأَخلاق خَير مَكسَبِ
عَتادُ مَن لَيسَ لَهُ عَتادُ / وَدَوحَةٌ أَثمارُها الوِدادُ
فَاِحرِص عَلَيها إِنَّها أَعوانُ / وَخَير ما يَعلو بِهِ الإِنسانُ
وَزينَةُ الإِنسانِ بِالآدابِ / وَلَيسَ بِالزِيِّ وَلا الثِيابِ
كَم مِن فَتىً راقَ العُيونَ منظَرُه / وَكذَّبَ الظاهِرَ مِنهُ مَخبَرُه
لا تَحسُد المَرءَ لأَجل فهمِهِ / وَلا تُناظِر عالماً في عِلمِهِ
تُرِيدُ أَن يَفهَمَ مَن تُجالِسُ / أَنَّكَ في ذاكَ المَجالِ فارِسُ
فَإِنَّهُ مِنكَ بِهَذا أَخبَرُ / وَإِنَّهُ أَولى بِهِ وَأَجدَرُ
وَمَن يُجادل في كَلامٍ أَهلَهُ / فَقَد أَبانَ لِلشُهودِ جَهلَهُ
وَإِنَّهُ قَد طَلَبَ المُحالا / من جَدَّ كَيما يُدرِك الكَمالا
وَاعمَل بِما عُلِّمتَه مِن علم / تَعلُ بِهِ فَوقَ مُتُونِ النَجمِ
فَالعِلمُ لَيسَ بِاطِّرادِ المَنطِقِ / وَلَيسَ بِالإِكثارِ في التَفَيهُقِ
رُبَّ امرئٍ سَباكَ بِالأَقوالِ / وَكَذَّبَ الأَقوالَ بِالأَفعالِ
فَاطَّلِب العُلومَ لِلأَعمالِ / لا لِلشَهاداتِ وَكَسبِ المالِ
لَيسَ شَهاداتِ الفَتى الأَوراقُ / لَكنَّما الشهادَةُ الأَخلاقُ
يَفرَحُ بِالأَوراقِ كُلُّ جاهِل / وَلَيسَ فيها مَأرَبٌ لِفاضِلِ
وَمَن أَرادَ أَن يَكونَ خادِما / لا مَن أَرادَ أَن يَكونَ عالِما
رُبَّ إِمامٍ مِن حِلاها عاطِلُ / وَكَم يَنالها غَبِيٌّ جاهِلُ
يَقضي الجَهُولُ لَيلَهُ إِسهادا / وَيَومَه لِنَفسِهِ إِجهادا
يَحفَظُ ما في سِفرِه لا يَفهَمُ / كَأَنَّهُ مِما طَواهُ طَلسَمُ
حَتّى إِذا ما أَخلَقَ الشَبابا / مُحتَمِلاً في شَرحِهِ العَذابا
تَسُرُّهُ شَهادَةٌ لا تَنفَعُ / فَهوَ بِها مِن المَعالي يَقنَعُ
ما أَحقَرَ الطالِبَ وَالمَطلوبا / وَأَصغَر الكاسِبَ وَالمَكسوبا
ذَلِّل قِيادَ النَفسِ لِلتَعَلُّمِ / وَاِخفِض جَناحَ الذُلِّ لِلمُعَلِّمِ
فَلا يُنالُ العِلمُ بِالتَعالي / فَالسَيل حَربٌ لِلمَكانِ العالي
وَاِعمَل بِما يَراهُ لا تُناضِلُه / وَكُن لَهُ أَرضاً يَجُدك وابِلُه
إِيّاكَ أَن تُخجِلَه إِن ضَلّا / وَاِجعَل لَهُ عُذراً إِذا ما زَلّا
فَأَيُّ عَضبٍ صارِمٍ لا يَنبُو / وَأَيُّ طِرفٍ سابِقٍ لا يَكبُو
لا تُؤذِهِ بِكَثرَةِ السُؤالِ / وَلا تُسابِقه إِلى المَقالِ
وَاِبغِ ثَراءَ العِلمِ حَيثُ كانا / فَاللَهُ لَم يَخصُص بِهِ إِنسانا
لا تَزدَهيكَ شُهرَةُ الإِنسانِ / وَلا تَقُل آخُذ عَن فُلانِ
فَكَم رَفيعِ الذِكرِ وَهوَ جاهِل / وَكَم إِمامٍ فيهِ وَهوَ خامِل
إِيّاكَ وَاِدّعاءَ ما لَم تَعلَمِ
إِيّاكَ وَاِدّعاءَ ما لَم تَعلَمِ / فَإِنَّهُ مَجلَبةُ التَنَدُّمِ
كَفاهُ أَنَّهُ دَليلُ اللُومِ / وَأَنَّهُ مَضيَعَةُ العُلومِ
تَجني عَلى العِلم بِما اِدّعَيتا / شَرّاً وَما تَعلَمُ ما جَنَيتا
فَآفةُ العُلومِ أَدعِياؤُها / إِن الدَعاوى لَيسَ يُؤسى داؤُها
مَن يَستَطِل يَوماً عَلى الكُفاةِ / فَقَد تَناسى كامِلَ الصِفاتِ
وَلا تَثِق بَعدُ بِوُدِّ صاحِب / فَوُدُّهُ صارَ كَأمسِ الذاهِبِ
خَلِّ الغُرورَ إِن تَكُن ذا فَضلِ / فَإِنَّهُ مَنقَصةٌ في العَقلِ
إِيّاكَ أَن تُفاخِرَ الأَصحابا / بِالفَضلِ إِن أَرَدتَ أَن تُهابا
وَلا تَقُل جَمَعتُ عِلماً جَمّا / إِن رُمتَ أَن تُبعدَ عَنكَ الذَمّا
لا تَحسَبَنَّ الفَضلَ يخفى أَمرُهُ / فَالفَضلُ مِثلُ الطيبِ يَزكُو نَشرُهُ
لا تُفتنَنَّ إِنَّما ذُو العِلمِ / كَمَثلِ الواقِفِ عِندَ اليَمِّ
تَراهُ يَستَكثِرُ مِنهُ ما يرى / وَظَلَّ ما غُيِّبَ عَنهُ أَكثَرا
وَقسمَةُ العُلومِ وَالأَخلاقِ / كَقسمَةِ الأَعمارِ وَالأَرزاقِ
زَهو الفَتى بِعِلمِهِ غُرورُ / لَو أَنَّهُ بِنَفسِهِ بَصيرُ
ماذا عَلِمنا مِنهُ حَتّى نَزهُو / لَم يَأتِنا إِلّا قَليلٌ مِنهُ
ما تِيهُنا بِالعلمِ وَالتَدبيرِ / إِلّا كتيهِ المُعدمِ الفَقيرِ
كَم عالِمٍ أَزرى بِهِ تَفاخُرُه / وَجاهل أَكبَرَهُ تَصاغُرُه
لا يفضلُ العالمُ أَهلَ عَصرِهِ / حَتّى يَكونَ عارِفاً لِقَدرِ
عَلامَ يَفخَرُ الفَتى بِعلمِهِ / وَقَد يَكونُ سَبَباً لِهمِّهِ
كَم عالِمٍ مُنغَّص اللذّاتِ / يفضِّلُ المَوتَ عَلى الحَياةِ
تَراهُ في هَمٍّ وَفي أَحزانِ / مِمّا يَرى مِن ضَعَةِ الإِنسانِ
يَضيقُ صَدرُهُ بِما يُلاقي / بَينَ الوَرى مِن دَنَسِ الأَخلاقِ
قُل لِلَّذي يَفنى عَلامَ تَفرَحُ / وَفيمَ تَلهُو بِالمُنى وَتَمرَحُ
لا يَعذُب العَيشُ لِغَيرِ الجاهِلِ / وَلا يَلَذُّ كَأسُهُ لِفاضِلِ
يا تَبتَغِ العِلمَ لِغَيرِ اللَهِ / وَلا يَكُن هَمُّكَ كَسبَ الجاهِ
لا تَبغِهِ لِطَلَب الحُطامِ / فَإِنَّهُ مِن خُلُق الطَعامِ
أَعرِض عَن الدُنيا وَعَن حُطامِها / فَلَذَّةُ الحَياةِ في آلامِها
إِن كُنتَ ذا عِلمٍ فَكُن ذا عِفَّه / لَيسَت رِجالُ العلمِ أَهلَ صُفّه
لا تَتَّخذه سلَّمَ الإِفسادِ / إِن كُنتَ ذا عَقلٍ وَذا سَدادِ
عِلمُ الفَتى إِن لَم يَكُن مُقوِّما / كانَ اِتِّباعُ الجَهلِ مِنهُ أَقوَما
إِيّاكَ أَن تَستَخدمَ الجَليسا
إِيّاكَ أَن تَستَخدمَ الجَليسا / وَلَو تَكونُ السَيِّدَ الرَئيسا
فَإِنَّهُ لَيسَ مِن الآدابِ / مَهانَةُ الخُلّانِ وَالصِحابِ
إِذا أَرَدتَ أَن تَكونَ ماجِدا / فَكُن مَعَ الجَليسِ قَدراً واحِدا
إِيّاكَ أَن تَعلُوَه في الرُتبَه / فَإِنَّه يُخلِقُ حَبلَ الصُحبَه
وَرُبَّما يُذكى أوارَ الحِقدِ / وَرُبَّما يُغِيضُ ماءَ الوُدِّ
لا تَأمَنَنَّ صَفوَه أَن يَكدَرا / وَقَلبَه مِن الهَوى أَن يَصفِرا
وَلا أَرى أَجلَبَ لِلنُفورِ / مِثلَ اِستِباقِ القَومِ لِلصُدُورِ
كُن كامِلاً وَاجلس مَع الأَذنابِ / وَلا تَكُن صَدراً بِلا آدابِ
وَاِرغَب عَنِ التَصدير في المَجالِسِ / إِن كانَ في الصَدرِ اِستياءُ الجالِسِ
فَإِنَّما الوُدُّ بِصَدر الصاحِبِ / أَبقى مِن التَصدير في المَراتِبِ
فَلا يُغَرَّ بِالصُدورِ العاقِلُ / فَإِنَّما داءُ الصُدورِ قاتِلُ
وَاِعرف لِكُلٍّ حَقّه في المَجلِسِ / فَإِنَّ هَذا مِن فَعالِ الكَيِّسِ
وَاِجلس بِحَيثُ يَنبَغي لِمثلِكا / فَإِنَّ هَذا مِن سِماتِ فَضلِكا
إِيّاكَ أَن تَجلِسَ في مَقامِ / تُهانُ فيهِ بَعدُ بِالقِيامِ
وَاِحذَر مِنَ الإِكثارِ في التَسآلِ / وَغُضَّ مِن صَوتِكَ في المَقالِ
وَكُن طَريفَ القَولِ وَالمُحاضَرَه / وَكُن رَقيقاً حَسَن المسامَرَه
وَلا تَزُر مَن زُرتَ إِلّا غِبّا / تَزِد لَدَيهِ كَلَفاً وَحُبّا
مَن أَكثَر المَجيءَ وَالذهابا / إِلى الصِحابِ ضَيَّعَ الصِحابا
وَالناسُ مَن داناهُمو لا يُكرَمُ / فادنُ قَليلاً وَتَسلَّ عَنهمُو
وَلا تَكُن كَلّا عَلى الإِخوانِ / فَإِنَّهُ أَدعى إِلى الهِجرانِ
وَاِحذَر مِن الإِعجابِ وَالمِراء / وَاِتَّقِ ذكرَ الأَكلِ وَالنِساءِ
وَشارِك القَومَ إِذا ما طَرِبُوا / مِن مُطرِبٍ وَاعجَب إِذا ما عَجِبُوا
وَلا تَشذَّ عَنهمُو في مَذهَبِ / لَكن إِذا لَم تَرضَ شَيئاً فَاعزُبِ
وَوَدِّع القَومَ عَلى اِشتِياقِ / إِلَيهُمو إِن كُنتَ ذا أَخلاقِ
وَلا تُوَدِّعهم وَداعَ القالي / فَإِنَّهُ مِن خُلُقِ الأَرذالِ
وَلا تَكُن لَهُم ذَلُولَ المنكِبِ / وَحاذِرِ الإِبعادَ بِالتَجَنُّبِ
إِيّاكَ وَالإِمعان في المَتاعِ / فَإِنَّهُ مِن خُلُقِ الرِعاعِ
وَلا تَمُدَّ الطَرفَ لِلفِراشِ / وَلا إِلى الأَثاث وَالرِياشِ
وَلا تَقُل بِكم شَرَيتَ ذاكا / فَرُبَّما استُعِيرَ ما أَدراكا
إِيّاكَ وَالغِيبَةَ في المَحافِلِ / فَإِنَّها مَنقَصةٌ لِلفاضِلِ
فَإِنَّما أَنتَ إِذا فَعَلتَ / تُنبِئُ عَن ضَعفِكَ لَو عَقَلتَ
وَما رَأى العُجمُ وَلا الأَعرابُ / أَصغَرَ مِن نَفسِكَ يا مُغتابُ
وَإِنَّما السَيدُ مَن يُغتابُ / في بُعدِهِ وَلَو أَتى يُهابُ
حَذارِ مِن مَجالِسِ الأَوغادِ / فَإِنَّها صَخرٌ عَلى الفُؤادِ
وَفِرَّ مِن مَجالِسِ الفُسّاقِ / فَإِنَّها مَفسَدَةُ الأَخلاقِ
إِيّاكَ أَن تُجالِسَ الكَذّابا / وَلا مُفاخِراً وَلا صَخّابا
وَلا تُجالِس مُلحِداً في الدِينِ / فَإِنَّما الإِنسانُ بِالقَرينِ
وَاِعلَم بِأَنَّ عُزلَةً في دَيرِ / لِلمَرءِ خَيرٌ مِن جَليس ضَيرِ
قَد أَقفَرَ الناسُ مِنَ الأَخلاقِ / فَلا تَرُم في الناسِ ذا مِيثاقِ
خَيرُ جَليس لَهُم المُغتابُ / وَالصاحِبُ الأَوفى هُوَ الكَذّابُ
أَخلاقُهُم تُعدي فَمن لا يَهرُبُ / يُعدى كَما يُعدى السَليمَ الأَجرَبُ
مَجالِسٌ جَمَّعَها الفسادُ / وَعَمَّها الشقاقُ وَالعِنادُ
جَليسُهُم رَهينُ هَمٍّ ناصِبِ / فَكَيفَ بِالخَليطِ وَالمُصاحِبِ
فَاِجعَلهُمو كَالنارِ لِلضِياءِ / وَالدِفءِ لا لِلمَسِّ وَالصِلاءِ
لا تَأمَنَنَّ مِنهُمو إِنساناً / عَلى نَقيرٍ كائِناً مَن كانا
إِيّاكَ وَالتَحسينَ في الظُنونِ / فَإِنَّها مِن شُعَبِ الجُنونِ
أَرى القَطا أَسرابا
أَرى القَطا أَسرابا / فَاطَّلِبِ الأَصحابا
إِن الصِحابَ عُدَّه / ذَخيرَةٌ في الشِدَّه
هُم زينَةُ الإِنسانِ / وَسَلوَةُ الأَحزانِ
هُم حِليَةُ المُعطَّلِ / وَهُم سِلاحُ الأَعزَلِ
إِن نابَكَ الزَمانُ / فَإِنَّهُم أَعوانُ
فَتىً بِلا إِخوانِ / عَينٌ بِلا إِنسانِ
هُم نِعمَةٌ لا تُكفَرُ / وَمِنَّةٌ لا تُنكَرُ
فَضنّ بِالإِخوانِ / وَاِحرِص عَلى الخُلانِ
وَكُن نَصوح الجَيبِ / وَكُن أَمين الغَيبِ
كُن لِلصَديقِ عِزّا / وَاِبذُل لَهُ ما عَزّا
وَأَغنِهِ إِن يفتَقر / وَعَفّ عَنهُ إِن قَدَر
وَجُد وَلا تَستَجدي / تَكُن أَثيلَ المَجدِ
وَلا تَكُن مَنّانا / تُكدِّرِ الإِحسانا
فَالمَنُّ بِالإِنعامِ / خَليقَةُ اللِئامِ
إِذا أَتاكَ يَشكُرُ / فَقُل لَهُ لا أَذكُرُ
تَسُود كُلَّ الناسِ / إِن قُلتَ إِنّي ناسي
أَكرم بِها مِن خلَّه / تُعزّ بَعدَ ذِلَّه
دَليلُ حُسنِ الخِيم / وَآيَةُ التَكريم
إِيّاكَ وَالمُنازَعَه / فَإِنَّها مُقاطَعَه
إِن تُحسن المُعامَلَه / فَأَقلِل المُجادَله
دَعِ الصَوابَ جانِبا / إِن كانَ يُؤذي الصَاحبا
فَإِنَّ هَذا أَدَبُ / إِن لَم يَضرّ الكذبُ
وَلا تَقُل ذا غَلَطُ / إِن كانَ فيهِ سَخَطُ
دَع رَأيَه لا تَنبِس / لا سيَّما في المَجلسِ
إِيّاكَ وَالجَفاءَ / إِن تُخلص الوَفاءَ
وَلا تُطِل حَبل النَوى / إِن كُنتَ صادِقَ الهَوى
وَاِعلَم بِأَنّ العُمرا / لَيسَ يُطيقُ الهَجرا
إِن الزَمانَ قُلَّبُ / وَالمَوتُ مِنكَ أَقرَبُ
ما أَقصَر الأَيّاما / وَأَسرَع الحِماما
فَاِغتَنمِ الزَمانا / وَواصِل الإِخوانا
لا تُصفيَنَّ الودَّ إِلّا صافيا
لا تُصفيَنَّ الودَّ إِلّا صافيا / فَلَيسَ كُلُّ مَن تُراهُ وَافيا
وَضنّ بِالإِخاءِ قَبلَ الخُبرِ / فَإِنَّما الأَخلاقُ رِقُّ الحرِّ
وَحُبَّ مَن أَحبَبتَه هَوناً ما / عَساكَ أَن تَهجُرَه يَوماً ما
وَصاحِبِ الناسَ وَكُن عَلى حَذَر / كَم ضَلَّ سارٍ غرَّه ضُوءُ القَمَر
وَلا تَذُمَّ غِيَرَ الزَمانِ / فَإِنَّ فيها خِبرَةَ الإِخوانِ
لا يَزدَهيكَ ظاهِرٌ مُموَّهُ / في طَيِّ هَذا باطِنٌ مُشَوّه
كَم مِن فَتىً يَلقاكَ مِنهُ بِشرُه / وَإِن تَغِب يَسر إِلَيكَ شَرُّه
وَالناسُ إِن ينقُدهُمُ مُجَرِّبُ / زَوائِفٌ لَيسَ بِهم من يُصحَبُ
لَكنَّما يَكفي الفَتى مِن صاحِبه / أَن يَأمَن الصَديقُ مِن عَقاربه
مَن كُنتَ مِنهُ آمِناً في سِربِك / فَذاكَ لَو عَلمتَ خَيرُ صَحبِك
فَنَحنُ في قَومٍ عَلَيهمُ العَفا / قَد دَرَسَت فيهم مَعالِمُ الوَفا
وَغاضَ ماءُ الودِّ فيهم وَنَضَب / فَإِن ذَوى إِخاؤُهُم فَلا عَجَب
فَاقبَل مِن الصَديق ظاهِراً بَدا / وَلا تُكَلفهُ سِوى ما عُوِّدا
إِيّاكَ أَن تَنشُر مِنهُ ما بَطَن / فَرُبَّما أَصلَحَهُ لَكَ الزَمَن
وَإِنَّ مِمّا يُظهِرُ الآدابا / في المَرءِ أَن يَستَبقيَ الأَصحابا
وَالسَيفُ إِن تَجلُ الصَدا عَن إِثرِه / خَيرٌ مِن اِستبدالِهِ بِغَيرِهِ
لا تُكثرِ العِتابَ فيما ساءَ / فَإِنّه يُكدِّرُ الإِخاءَ
وَحاجَةُ الإِخاءِ لِلعتابِ / كَحاجَةِ الأَرضِ إِلى السَحابِ
أَولى فَأَولى أَن تُقلَّ العَتبا / إِنَّ الحَيا إِن زادَ عادَ جَدبا
وَلَم أُعاتِب صاحِباً إِلّا وَما / يَأتي بِهِ أَكثَرُ مِمّا قَدَّما
مَن لامَ نَفسَهُ عَلى ما كانا / فَذاكَ مَن لَم يُضِع الإِخوانا
فَلا تُعاتِبه إِذا ما أَذنَبا / فَحسبُهُ هذا لَهُ مُؤَدِّبا
وَضنّ بِالعُتبى عَلى مَن يُعجَبُ / بِنَفسِهِ فَإِنَّهُ لا يُعتِبُ
ثَلاثَةٌ لَيسَ لَهُم أَصحابُ / الكَلُّ وَالمُعجبُ وَالكَذّابُ
لا تَعتَذر إِلّا إِلى مَن يُعذِرُ / وَمَن إِذا أَتيتَ ذَنباً يَغفِرُ
لا تَحتَقِر بَوادرَ اللِسانِ / فَإِنَّها مَضيَعَةُ الإِخوانِ
زِن ما تَقولُهُ فَرُبَّ قَولِ / أَنفَذُ في مُرادِهِ مِن صَولِ
وَقَد تُقالُ عَثرَةُ الأَقدامِ / وَلا تُقالُ عَثرَةُ الكَلامِ
لا تَستَطِل يَوماً عَلى الإِخوانِ / بِما مُنِحتَه مِنَ البَيانِ
فَرُبَّما جَرَّ اللِسانُ ضَيرا / وَرُبَّما كانَ العَيِيُّ خَيرا
قَد كانَ مُوسى حَصِرا عَييّا / وَاِختارَهُ اللَهُ لَهُ نَجيّا
وَكانَ هَرونُ بِذاكَ أَولى / لأَنَّهُ أَفصَحُ مِنهُ قَولا
لَكنَّ فَضلَ اللَهِ في مُرادِه / يُؤتيهِ مَن يَشاءُ مِن عِبادِه
إِيّاكَ وَالفُضولَ في المَقالِ / وَغُضّ مِن صَوتِكَ في الجِدالِ
إِيّاكَ أَن تَبغيَ نَصرَ الباطِل / برَفعِكَ الصَوتَ عَلى المُجادِل
مَن يَنصُر الحَقَّ فَلَيسَ يُغلَبُ / وَمَن أَبى فَما يُفيدُ الصَخَبُ
فَإِن يَكُن بِالصَّخَبِ اِفتِخارُ / بذّ الوَرى في فَخرِهِ الحِمارُ
أَنصِت إِلى حَديثِ مَن تَكَلَّما
أَنصِت إِلى حَديثِ مَن تَكَلَّما / وَإِن تَكُن مِنهُ بِذاكَ أَعلَما
لا تَشتَغِل عَنهُ بِما سواهُ / وَلا تُمارِ في الَّذي يَراهُ
فَإِنَّهُ مِن خُلُق الأَرذالِ / وَلَيسَ في شَيءٍ مِنَ الكَمالِ
وَلا تَردَّه إِلى الصَوابِ / وَأَنتُما في حَضرَةِ الأَصحابِ
فَإِنَّهُ لَيسَ مِنَ السَخاءِ / وَإِنَّهُ أَقطَعُ للإِخاءِ
إِيّاكَ أَن تَقولَ ما لا تَفعَلُ / فَإِنَّها خليقَةٌ لا تجمُلُ
وَإِنَّه لَيسَ مِنَ الكَمالِ / زِيادَةُ القَولِ عَلى الأَفعالِ
فَإِنَّما ذو لَسَنٍ قَوّالُ / أَحسَنُ مِنهُ أَبكَمٌ فَعّالُ
إِيّاكَ أَن تُقاطِعَ الصَدِيقا / وَأَن تَبُتَّ حَبلَهُ الوَثيقا
فَإِنَّهُ لَيسَ رَقيقاً يُعتَقُ / مَتى هَفا أَو زَوجةً تُطلَّقُ
وَإِنَّهُ لَيسَ مِن الآدابِ / قَطيعَةُ الخُلّانِ وَالأَصحابِ
وَلَيسَ مِن مَعايبِ الإِنسانِ / أَقبَحُ مِن قَطيعةِ الإِخوانِ
إِن أَحسنُوا فَكُن لَهُم شَكورا / وَإِن أَساءوك فَكُن غَفُورا
وَاصغ إِلى مَعذِرَةِ الإِخوانِ / وَقابل السَيِّئَ بالإِحسانِ
قَد قيلَ في الأَمثالِ مَن لا يَعذِرُ / ذا هَفوَةٍ فَإِنَّهُ لا يُعذَرُ
وَإِنَّهُ مِن آيَةِ الكَريمِ / أَن يَقبَلَ العُذر مِنَ الحَميمِ
فَإِنَّهُ عُضوُكَ إِن تَأَلَّما / فَداوِهِ بِالحلم حَتّى يَسلَما
إِيّاكَ أَن تَرفُضَ عُذرَ مُذنِبِ / فَإِنَّهُ أَدعى إِلى التَجَنُّبِ
وَإِن تَكُن حُلوَ السَجايا حُرّا / فَاحتل لَهُ فيما يُسيءُ عُذرا
وَلا تُؤاخذهُ بِذاكَ الذَنبِ / وَلا تَكُن فَظّاً غَليظَ القَلبِ
وَلا أَرى خَيراً مِنَ العِتابِ / فَإِنَّهُ دَريئةُ العقابِ
إِيّاكَ وَالحلمَ عَلى ذي كِبرِ / فَإِنَّما الحلمُ عَلَيهِ يُزري
إِنّي أَرى الحلمَ عَلى المُختالِ / عَلامَةَ الضَعفِ وَالاستذلالِ
حَذارِ مِن صَداقَةِ الكَذّابِ / فَلَيسَ غَيمُهُ سِوى ضَبابِ
إِياكَ أَن يَخدَعَكَ السَرابُ / مِن لَفظِهِ فَإِنَّهُ خلّابُ
يَمنَحُكَ الترحابُ وَالسَلاما / وَقَلبُهُ مُستَعِرٌ ضِراما
وَضنّ بِالودِّ عَلى المُرائي / فَإِنَّهُ أَخُوكَ في الرَخاءِ
فَإِن كَبا بِكَ الزَمانُ العاثِرُ / فَإِنَّهُ عَدوُّكَ المُجاهِرُ
لا تَغرس الودَّ لَدى بَخيلِ / فَإِنَّهُ أَسرَعُ للذُبولِ
فَإِنَّهُ مَن ضَنَّ بِالإِحسانِ / يَضنُّ بِالودِّ عَلى الإِخوانِ
صَديقُ مالِهِ عَدوُّ الناسِ / وَالجُود للزَلّاتِ خَيرُ آسِ
وَطالِبُ الودِّ بِلا إِحسان / كَرافِعِ البَيت بَلا أَركان
هَذا ابنُ أَسماء لَو انَّ فيه / جُوداً لَما مَكَّن من يَبغِيه
مازالَ في حِلٍّ وَفي ترحال / يُفَرِّقُ الناسَ بِجَمع المالِ
يَردُّ بِالخَيبَةِ كُلَّ راجي / فَأَسلَمتهُ الناسُ للحجّاجِ
مَن يَبغِ بِالمالِ سِوى إِنفاقِه / فَإِنَّهُ يُنفِقُ مِن أَخلاقِه
أَدنِ إِلَيكَ سالفَ الإِخوانِ / إِن تَغدُ ذا عزٍّ وَذا سُلطانِ
وَارعَ لَهُ الودادَ في الرَخاءِ / كَما رَعى وُدّك في البَأساءِ
إِياكَ أَن تُطغِيَكَ النَعماءُ / فَإِنَّها لَيسَ لَها بَقاءُ
كُلُّ زَخارِيفِ الحَياة زُورُ / وَكُلُّ مَن صَبا لَها مَغرورُ
سَرعانَ ما يذوي بِها الرَطيبُ / لا بِشرُها باقٍ وَلا التَقطيبُ
وَهَكذا غايَةُ كُلِّ حَيٍّ / تَشابَهَ الأَشيَبُ بِالصَبيّ
إِذا أَرَدتَ أَن يَدومَ الحُبُّ
إِذا أَرَدتَ أَن يَدومَ الحُبُّ / فَلا تَكُن صِهراً لِمَن تُحِب
فَإِنَّ هَذا يُذهِبُ الوِفاقا / وَيَجلِبُ العِنادَ وَالشقاقا
وَلا تُبايِعهُ لأَجل الكَسبِ / فَإِنَّهُ مَذهَبةٌ لِلحُبِّ
إِني رَأَيتُ أَكثَرَ العِداءِ / يَكونُ في البَيعِ وَفي الشِراءِ
وَلَيسَ مِن مُروءةِ الإِنسانِ / أَن يَكسِبَ المالَ مِنَ الإِخوانِ
لا تَنقُل الشتمَ عَن السَفيهِ / إِلى الصَديقِ إِنَّهُ مُؤذيهِ
وَاِكتُمهُ عَنهُ إِنَّ ذاكَ شَرُّ / وَجَهلُهُ بِالشَر لا يَضرُّ
إِذا أَرَدتَ أَن تَكونَ كامِلا / فَلا تَكُن لما يُسيءُ ناقِلا
فَإِنَّهُ داعِيَةُ النفورِ / وَباعِثُ الأَحقادِ في الصُدور
إِنّي أَرى مَن دِينُهُ التَفريقُ / لَيسَ لَهُ بَينَ الوَرى صَديقُ
يَفرُّ مِنهُ الأَهلُ وَالأَصحابُ / فَإِنَّهُ نارٌ وَهُم أَحطابُ
مَن نَمَّ لي بِما يَقولُ القائِلُ / فَإِنَّهُ عَنّي كَذاكَ ناقِلُ
فَلا يَظنّ أَنَّني أُصفِيهِ / بِالود لَكِنِّيَ أتَّقيهِ
فَإِنَّ في صُحبَتِهِ المَلامَه / وَإِنَّ في اِتِّقائِهِ السَلامَه
إِنَّ زَخاريفَ الوُشاةِ تَخدَعُ / فَالعاقِلُ العاقِلُ مَن لا يَسمَعُ
وَإِنَّما السَيِّدُ وَالهُمامُ / مَن لا يَنالُ سَمعَهُ نَمّامُ
وَإِن يُبلِّغَكَ الوُشاةُ سَبّا / وَإِن تَكُن صِدقاً فَلا تَسُبّا
فَإِنَّهُ لَيسَ مِنَ الآدابِ / أَن تَجزيَ السِّبابَ بِالسِّبابِ
إِيّاكَ أَن تُشاتِمَ الطَغاما / وَإِن تُسَأ مِنهُم فَقُل سَلاما
وَاِجعَلهُ كَاللَغوِ مِن الكَلام / فَإِنَّهُ مِن خُلُقِ الكِرامِ
مَن يَتغابى عَن سماعِ شَتمِه / فَإِنَّ هَذا سَيِّدٌ في قَومِه
مَن كانَ مَرفوعَ الذُرى في الناسِ / فَلا يَرى في شَتمِهِ مِن باسِ
فَإِنَّهُ لا يُسقِطُ الأَقدارا / وَلا أَراهُ يَهدِمُ الفَخارا
وَمِثلُهُ مَدحُكَ للأَرذالِ / وَوَصفُكَ الناقِصَ بِالكَمالِ
فَإِنَّ مَن يُمدَحُ مِن غَيرِ عُلا / كَالكَلبِ قَد طَوَّقتَه مِن الحِلى
كُن لِلصَديقِ حِصنَهُ الحَصينا / وَكُن عَلى أَسرارِهِ أَمينا
وَلا تَسَلهُ بَذلَ ما لا تَبذُلُ / وَلا تُحمِّلهُ سِوى ما تَحمِلُ
فَإِنَّهُ داعِيَةُ النَفارِ / وَإِنَّهُ آيَةُ الاستِئثارِ
لا تَطوِ عَنهُ ما يَضُرُّ جَهلُه / فَإِن هَذا لا يُذَمُّ نَقلُه
وَاِنصح لَهُ إِن كُنتَ ذا وَفاءِ / فَإِنَّ هَذا واجِبُ الإِخاءِ
إِيّاكَ أَن تَنصَحَه تَصريحا / لِكَي يَراكَ صادِقاً نَصيحا
عَليكَ بِالتَعريضِ فيما تَنصَحُ / فَإِنَّما الحازِمُ لا يُصرِّحُ
وَلا يَكُن نُصحُكَ إِلّا لَينا / إِني أَرى التَشديدَ خرقاً بَيِّنا
مِمّا حَفِظناهُ مِنَ الآثارِ / الماء قَد يُطفِئُ حَرَّ النارِ
إِنَّ الصَديقَ لَومُهُ تَأديبُ / وَلَومُ مَن عادَيتَهُ تَأنيبُ
إِيّاكَ أَن تَنصَحَه جِهارا / فَإِنَّهُ يَزيدُهُ ضِرارا
لا تَنصَح الناس بِما لا تَفعَلُ / فَإِنَّها نَصيحَةٌ لا تقبَلُ
إِني أَرى نَصيحَةَ الأَفعالِ / أَبلَغ مِن نَصيحَة الأَقوالِ
لا تَترُكِ العَتبَ لِمَن تُصاحِبُه
لا تَترُكِ العَتبَ لِمَن تُصاحِبُه / إِنَّكَ تَستَبقي الَّذي تُعاتِبُه
إِيّاكَ أَن تُعاتِبَ اللَئِيما / إِنّي أَرى العَتَب لَهُ تَكريما
وَمَن يَرى الإِخوانَ دُونَ رُتبَتِه / فَذاكَ لا يُحمَدُ غِبُّ صُحبَتِهِ
فَلا تُعاتِبهُ إِذا أَساء / فَإِنَّهُ يَزيدُهُ اِستِعلاء
حَذارِ مِن مَعتبةِ الأَسافِلِ / فَإِنَّها مَنقَصَةٌ لِلكامِلِ
وَإِنَّهُ قَد دَنَّسَ العِتابا / مَن جَعَلَ العَتبَ لَهُم جَوابا
فَإِنَّهُم أَشبَهُ بِالكِلابِ / لا يَعرِفُونَ قِيمَةَ العِتابِ
وَلَيسَ لِلسفلةِ مِن تَأدِيبِ / إِذا أَساءُوكَ سِوى التَعذِيبِ
وَإِن غَدَوتَ صاحِبَ السُلطانِ / فَلا تَكُن مِنهُ عَلى أَمانِ
وَلا تُعاتِبهُ عَلى ما يَصنَعُ / فَإِنَّهُ عَن العِتابِ أَرفَعُ
إِيّاكَ أَن تَدنُوَ مِمَّن يَبعُدُ / عَنكَ وَأَن تَرغَبَ فيمَن يَزهَدُ
فَإِنَّما الرَغبَةُ ذُلُّ نَفس / فَكَيفَ بِالرَغبَةِ في ذِي يَأسِ
مَن طَلَب الماءَ مِن السَرابِ / يَرضَى مِن المَغنَمِ بِالإِيابِ
إِيّاكَ أَن تَزهَد فيمَن يَرغَبُ / فيكَ وَأَن تَبعُدَ عَمَّن يَقرُبُ
فَإِنَّهُ ظُلمٌ وَأَيُّ ظُلمِ / تركُكَ صاحِباً بِغَيرِ جُرمِ
وَآيَةُ الآدابِ في الإِنسانِ / أَن يَجزيَ الإِحسانَ بِالإِحسانِ
لا تَأمَن الغَدرَ مِن الإِخوانِ / فَإِنَّما الإِخوانُ كَالزَمانِ
وَإِنَّ مَن عَهِدتُهُ مُصاحِباً / سَرعان ما أَلفَيتهُ مُناصِبا
يَخدَعُني بِالبِشرِ وَالوِدادِ / وَالحِقدُ قَد بَرَّحَ بِالفُؤادِ
كَم مِن فَتىً يُظهِرُ لي صَفاءً / في حَضرَتي وَيُضمِرُ الشَحناء
يُؤَجِّجُ الغَيظُ بِهِ ضِراما / لَم يَرعَ لي عَهداً وَلا ذِماما
فَكَم دَنَوتُ وَهوَ عَنّى يَنفِرُ / وَكَم أَفي وَهوَ بِعَهدي يَغدرُ
وَهَكذا مَن أَمِنَ الأَصحابا / مِثلُ الشِياهِ تَأمَنُ الذِئابا
ما حِيلَتي أَدنُو لَهُ وَيَصرِمُ / وَأَبتَني الودَّ لَهُ وَيَهدِمُ
فَمِثلُهُ لا خَيرَ في عِتابِهِ / كُلُّ امرئٍ يَجري على آدابِهِ
حاسِنهُ لا تَبغِ الذي يَبغيهِ / كُلُّ إِناءٍ ناضِحٌ ما فيهِ
وَالطَبعُ في اللَئيمِ لَيسَ يُغلَبُ / وَالسُمُّ في العَقرَبِ لَيسَ يَعذُبُ
مِمّا حَفِظناهُ مِن العِظاتِ / وَما رَوَيناهُ عَنِ الثِقاتِ
إِنَّ العَصا مِن هَذِهِ العُصيَّه / هَل تَلِدُ الحَيَّةُ إِلا حَيَّه
لا تُفشِ سِرّاً أَنتَ مِنهُ مُشفِقُ / لا يَأمَنُ الإِخوانَ إِلّا أَحمَقُ
فَإِن غَدا صَدرُكَ وَهوَ ضَيِّقُ / فَصَدرُ مَن تُفشي إِلَيهِ أَضيَقُ
وَما رَأَيتُ حافِظاً لِسِرِّهِ / في الناسِ إِلّا مالِكاً لأمرِهِ
وَمَن طَوى عَنكَ الَّذي يَعنيكا / مِن سرِّهِ فَإِنَّهُ شانِيكا
فَذاكَ شَرٌّ مِن مُذيعِ سِرِّك / لِأَنَّهُ مُبالِغٌ في ضُرِّك
وَإِن أَتيتَ مَجلِسَ الإِخوانِ / فَلا تُجالِسهُم بِلا اِستِئذانِ
خَشيَةَ أَن يَمَسَّكَ اِحتِقارُ / وَأَن يَكونَ بَينَهُم أَسرارُ
فَإِن دُعِيتَ لِلدُخولِ فادخُلِ / وَإِن أَبوا فاتركهُمُ لا تُثقِلِ
إِن عَزَّتِ الأَصحابُ
إِن عَزَّتِ الأَصحابُ / وَقلَّتِ الأَحبابُ
وَأَعوز النَصيرُ / وَأَبطَأَ المُجيرُ
وَكَثُر اللئامُ / وَقَلَّت الكِرامُ
وَغاضَ ماءُ الوُدِّ / وفاضَ نَكثُ العَهدِ
حَتّى ذَوى الإِخاءُ / وَأَمحَل الوَفاءُ
فَلا تَرى صَفِيّا / وَلا أَخاً وَفيّا
عَوناً عَلى الزَمانِ / وَمَعقِلَ الإِخوانِ
إِن تَدعُه لَم يَأتَلِ / لَيسَ بِنكسٍ ذُمَّلِ
فَاتَّركِ الأَصحابا / وَاِصطَحب الكِتابا
فَهوَ الجَليسُ الصالِحُ / وَهوَ الصَديقُ الناصِحُ
وداده لا يخلقُ / وَحُبّهُ لا يُمزَقُ
وَحَبلُهُ مَوصولُ / إِن قاطَعَ الوصُولُ
لَيسَ يُرائي صاحِبا / وَلا يَرُدُّ طالِبا
يَزيدُ في نَوالِهِ / ما زِدتَ في سُؤالِهِ
يُجزِلُ في الإِحسانِ / وَلَيسَ بِالمَنّان
لا يَستَعيدُ سائِلا / وَلا تَراهُ ماطِلا
مُؤدِّبٌ لا يُصغِرُك / وَمُحسِنٌ لا يَحقِرك
إِن تَدعه لِمُعضِلِ / لَباكَ غَير مُؤتَلِ
ذاكَ الصَديقُ الأَطوَعُ / وَهوَ الرَفيقُ الأَخضَعُ
لَم أَرَ كَالكِتابِ / أَحفَظَ للآدابِ
أَبعَدَ عَن مُشاغَبَه / أَزهَد في مُعاتَبَه
أَرغَبَ عَن جِدالِ / أَكَفَّ عَن قِتالِ
أَجمَعَ للأَخبارِ / وَطَيِّبِ الآثارِ
وَحَسن الصِفاتِ / وَأَبلَغِ العِظاتِ
تَرَى بِهِ سَخيفاً / وَجَيِّداً طَرِيفا
وَالغَثَّ وَالسَمينا / وَشِدّةً وَلينا
أَما تَراهُ ناسِكا / ثُم تَراهُ فاتِكا
أَمنَعُ لِلأَحرارِ / مِن صُحبَةِ الأَشرارِ
أَوعَظُ للإِنسانِ / مِن غِيَرِ الزَمانِ
خَيرُ جَليسٍ في الدُنا / وَشاغِلٌ عَنِ المُنى
إِن المُنى ضَلالُ / قُصُورُها أَطلالُ
وَماؤُها سَرابُ / وَبَرقُها خَلّابُ
يَقنَعُ بِالدَنِيَّه / مَن أَكثَرَ الأُمنيَّه
فَإِنَّها أَحلام / أَصحابُها نِيامُ
لَيسَ بِها عَلاءُ / فَإِنَّها هَباءُ
سَرعانَ ما تَزُولُ / وَحالُها يَحُولُ
أَحبالُها رِمامُ / وَسُحبُها جَهامُ
وَإِنَّما الأَماني / تَعِلَّةُ الجَبانِ
إِن فاتَهُ ما يَطلُبُ / أَو نالَهُ ما يَرهَبُ
أَكثَرَ في التَمني / وَقَولِهِ لَو أَنِّي
انظُر لِآدابِ الفَتى في الأَكلِ
انظُر لِآدابِ الفَتى في الأَكلِ / تَعرفهُ إِن كُنتَ بِه ذا جَهلِ
خُلق الفَتى يَظهَرُ في الطَعامِ / كَما يَبِينُ اللُبُّ في الكَلامِ
مَهما يَكُن مِن خُلُقٍ يُخفيهِ / فَإِنَّهُ في أَكلِهِ يُبديهِ
وَهَذِهِ آدابُهُ في شِعري / فَصَّلتُها كُلُؤلُؤٍ في نَحرِ
فَاِعمَل بِها إِن كُنتَ ذا كَمالِ / تُكرَمُ في الحِلِّ وَفي التَّرحالِ
دُونَكَ غَسلَ اليَدِ قَبلَ الأَكلِ / لا يَهنَأُ الأَكلُ بَغَيرِ غَسلِ
وَكَثِّرِ الأَيدي عَلى الطَعامِ / فَإِنَّهُ مِن خُلُقِ الكِرامِ
إِن لَم تَجد مُشارِكاً في أَكلِك / فَكثِّرِ الأَيدي وَلَو مِن أَهلِك
إِنَّ يَدَ اللَهِ مَع الجَماعَه / وَخَيرُ ما تَعلو بِهِ القَناعَه
شَرُّ الوَرى مَن أَكلُهُ بِمَعزِلِ / ذاكَ وَضِيعُ القَدرِ مَهما يَعتَلي
حَذارِ الاتِكاءَ حِينَ تَأكُلُ / وَاِعمَل كَما كانَ النَبيُّ يَعمَلُ
وَلا تُغيِّر هَيئَة الجُلوسِ / وَلا تَكُن في الأَكلِ ذا عُبُوسِ
إِيّاكَ وَالتَبديلَ في المَكانِ / فَإِنَّها مِن خِفَّةِ الإِنسانِ
إِيّاكَ وَالأَكلَ عَلى سَبيلِ / وَاِحذَر مِنَ الإِكثارِ في الفُضولِ
فَإِنَّما الفُضولُ في الطَعامِ / عِندي كَالفُضولِ في الكَلامِ
وَإِن دَعَوتَ الصَحبَ نَحوَ دارِك / فَلا تُمِلَّ القَومَ بِاِنتِظارِك
لا تَذكرِ البِطنَةَ عِندَ الأَكلِ / فَإِنَّ هَذا غايَةٌ في البُخلِ
وَلا تَقُل رُبَّ طَعامٍ يُهلِكُ / وَرغِّب القَومَ إِذا ما أَمسَكوا
وَكَرِّر القَولَ عَلى الإِخوانِ / وَاِحذَر مِن التَرغيبِ بِالإِيمانِ
فَإِنَّهُ مِن غُررِ المَكارِمِ / أَن تَذكرَ العَظيمَ في العَظائِمِ
وَحاذِر الصَمتَ عَلى الطَعامِ / فَإِنَّها مِن سيرَةِ الأَعجامِ
لا تَلتَمِس غَير الَّذي يَليكا / فَإِن هَذا خُلُقٌ يُعلِيكا
إِيّاكَ أَن تَأكُلَ مِما يَبعُدُ / عَنكَ فَهَذا خُلُقٌ لا يُحمَدُ
إِيّاكَ أَن تَأكُلَ حَتّى تَشبَعا / كَم لُقمَةٍ عادَت سِماماً مُنقَعا
إِيّاكَ وَالإِفراط في التَقَنُّعِ / فَإِنَّهُ ضَربٌ مِن التَصَنُّعِ
وَإِن تَكُن بِالمكرُماتِ تُوصَفُ / فَلا تَسِر إِلا عَلى ما يُعرَفُ
لا تُحوج الصاحِبَ لانتِقادِ / إِن كُنتَ ذا عَقلٍ وَذا سَدادِ
لا تَسبِق القَومَ إِلى طَعامِ / فَإِنَّهُ مِن جَشَعِ اللِئامِ
لا تَتَبعِ اللُقمَةَ غَير فاحِصِ / فَإِنَّ هَذا مِن فعالِ الناقِصِ
وَغُضَّ عَنهُم طَرفَكَ اِستحياء / وَلا تَقُل هَل يَشرَبونَ ماء
فَإِنَّ مِن أَخبارِ مَن قَد سَلَفا / أَن امرأً واكلَ بَعضَ الخُلفا
فَأَبصرَ الأَميرُ بَعضَ الشَعَرِ / في لُقمَةِ الفَتى فَقالَ اِنتَظِرِ
إِنّي أَرى وَسطَ الطَعامِ شَعَرا / فَنَحِّهِ فَإِنَّ فيهِ ضَرَرا
قالَ لَهُ الفَتى أَأَنتَ ناظِرُ / إِليَّ إِنّي لِلطَعامِ هاجرُ
أَتَنظُرُ الشَعرةَ في طَعامي / أَفضل مِن طَعامِكُم صِيامي
كَيفَ تَرى اللُقمَةَ فيها شَعرَه / لَيسَ الكَريمُ مَن يُحِدُّ نَظره
فَقالَ فَاستُرها وَكُن لِي غافِرا / لَيسَ الكَريمُ لِلمُساوي ناشِرا
وَهَكَذا المَرءُ إِذا ما كَرُما / تَراهُ يَخشى أَن يُقالَ لؤُما
إِيّاكَ أَن تَذكُرَ ما يُستَقذَرُ / فَإِنَّهُ مِنَ الكَريمِ مُنكَرُ
إِيّاكَ وَالإِمساكَ عَن طَعامِ / إِن كانَ يَدعُو الصَحبَ لِلقِيامِ
شاركهُمو وَلا تَشِذّ عَنهمُو / فَإِن شَبِعتَ فَاِعتَذِر إِلَيهمو
وَلا تُقَدِّر ثَمَناً لِلأَكلِ / وَلا تَقُل يَأكل هَذا مِثلي
إِيّاكَ وَالسُعالَ وَالبُصاقا / وَاِحذَر عَلى الخِوانِ الارتِفاقا
وَاِغسِل يَدَيكَ بَعدَ الانتِهاءِ / وَقَدِّمِ الأَفضَلَ عِندَ الماءِ
لا تَرفضنَّ مِنهُمو تَقدِيما / إِن قَدَّمُوكَ بَينَهُم تَكرِيما
قَد قيلَ في أَمثالِ مَن تَقَدَّمُوا / لا يَرفُض الإِكرامَ إِلّا الأَلأَمُ
لا تَحتَقِر قَدرَ امرئٍ ذي فَضلِ / وَاصبُب عَلى يَديهِ ماءَ الغَسلِ
فَلَيسَ في ذَلِكَ مِن صَغارِ / لا سِيَّما إِن كُنتَ رَبَّ الدارِ
طَهارَةُ الشَمائِلِ
طَهارَةُ الشَمائِلِ / تَظهَرُ بِالمُؤاكِلِ
فَاِدعُ إِلى الطَعامِ / أَحَقَّ بِالإِكرامِ
لا تَدعُوَنَّ فاسِقا / وَلا امرَأً مِنافِقا
وَلا كَثيرَ الصَخَبِ / وَلا حَليفَ الكَذِبِ
لا تَبتَغِ المُطاوَلَه / بِهِ وَلا المُفاضَلَه
وَاِبغِ بِهِ الإِكراما / وَصِل بِهِ الأَرحاما
فَإِنَّما المَوائِدُ / غايتُها التَوادُدُ
تُكثِرُ فيكَ الراغِبا / وَتَستَميلُ الصاحِبا
وَإِن تَكُن ذا نُبلِ / وَأَدَبٍ وَفَضلِ
فَاِدعُ فَتىً مُلَبِّيا / لا تَدعُوَنّ آبِيا
وَإِن دُعِيتَ فَأَجِب / وَلا تَقُل إِني نَصِب
وَلَبِّ مَن يَدعُوكا / مَهما يَكُن مَفلوكا
لا فَرق في القِياسِ / عِندي بَينَ الناسِ
لا فَرقَ بَينَ مُوسِرِ / فيما أَرى وَمُعسِرِ
فَكَم غَنِيٍّ باخِلِ / وَكَم فَقيرٍ باذِلِ
وَضَنَّ بِالإِكرامِ / بُخلاً عَلى اللِئامِ
فَإِنَّما اللَئيمُ / يُفسِدُهُ التَكرِيمُ
يأكُلُ ما تُقَدِّمُ / إِلَيهِ ثُمَّ يَنقِمُ
يُكثر في المَذَمَّه / وَلا يُراعي حُرمَه
إِيّاكَ وَالتَصَدُرا / إِذا الطَعامُ اِستُحضِرا
فَإِنَّما الصُدُورُ / يُعقُبها نُفُورُ
وَدَع لِرَبِّ المَنزِلِ / تَرتيبَ أَهل المحفِلِ
لا تَعتَرِض ما يَفعَلُه / فَذاكَ شَيءٌ تَجهَلُه
لَعَلَّ ذاكَ الصَدرا / بِهِ سِواكَ أَحرى
إِيّاكَ وَالتَضيِيقا / تُؤذى بِهِ الصَدِيقا
وَاِفسَح إِذا قيلَ اِفسَحِ / وَلا تَقُل لَم أَبرَحِ
وَاِغضُض مِن المَقالِ / وَاِحذَر مِنَ الجِدالِ
فَإِنَّما المُؤاكَلَه / تُفسِدُها المُجادَلَه
وَإِن تَكُن ذا أَدَبِ / فَلا تَكُن ذا غَضَبِ
تَقومُ وَسطَ القَومِ / تَرمي سِهامَ اللَومِ
حَتّى يَكُفَّ الآكلُ / وَلا يُسِيغَ الناهِلُ
وَذاكَ شَيءٌ يَكثُرُ / في عَصرِنا لا يُنكَرُ
وَاحذَر مِن الإصغاءِ / لِحُجرةِ النِساءِ
وَاِجلِس بَعيداً عَنها / لا تَقرَبَنَّ مِنها
إِيّاكَ أَن يَفتِنَكَ الشَبابُ
إِيّاكَ أَن يَفتِنَكَ الشَبابُ / وَأَن يَغُرَّ عَينَكَ السَرابُ
فَإِنَّما الشَبابُ ظِلٌّ زائِلُ / وَبَدرُهُ لا بُدَّ يَوماً آفِلُ
وَزَهرَةٌ تُذبِلُها اللَيالي / وَلَيسَ وَصلُهُ سِوى خَيالِ
سَرعانَ ما يَنقَشِعُ الجَهامُ / مِن سُحبِهِ وَيُسفِرُ الإِظلامُ
بادِرهُ ما اسطَعتَ بِما يَزينُ / وَلا تُدَنِّسهُ بِما يَشينُ
وَاِغتَنِم الشَبابَ قَبلَ الهَرَمِ / وَقَبلَ أَن تَصلى أُوارَ النَدَمِ
وَاِبخَل بِهِ إِلّا عَلى ما يَنفَعُك / وَجُد بِهِ فيما تَراهُ يَرفَعُك
فَإِنَّما أَيّامُهُ لَآلي / فَابخَل بِها إِلّا عَلى المَعالي
لا تُفنِها في لَذَّةِ المُدامِ / فَلَذَّةُ الكَأسِ إِلى آلامِ
لا يَسبِكَ الدَلُّ مِن الحِسانِ / وَاحذَر مِن التَشبيبِ بِالغَواني
وَاِطَّلبِ العَلياءَ فَهيَ أَطيَبُ / وَإِنَّ وَصلَ الغيدِ بَرقٌ خُلَّبُ
إِيّاكَ أَن تَجلِسَ في سَبيلِ / تَنظُر ذاتَ مَنظر جَميلِ
تَرشُقُها بَأَسهُمِ الأَلحاظِ / وَساقِطِ الأَقوالِ وَالأَلفاظِ
إِنّي أَرى عَجائِباً في مِصرِ / لا سِيَّما فِتيانُ ذاكَ العَصرِ
تَجَرَّدُوا مِن حِلية التَدَيُّنِ / فَلَم يَعُد إِيمانُهُم في مَأمَنِ
يَقضِي الجَهولُ ناضِرَ الشِهابِ / في لَعِبِ النَردِ مَعَ الأَصحابِ
تُنذِرهُ الساعاتُ وَهوَ سادِرُ / وَكَم هَداهُ الدَهرُ وَهوَ حائِرُ
يَقُولُ بادِر لَذَّةَ الحَياةِ / فَكُلُّ لَذّاتٍ إِلى فَواتِ
مِما حَفِظناهُ مِن العِظاتِ / وَما رَوَيناهُ عَنِ الهُداةِ
أَوّاهُ لَو كانَ الشبابُ يُبصِرُ / وَآهِ لَو كانَ المَشيبُ يَقدِرُ
لا تَزدَهيكَ عِزَّةُ المَناصِبِ / فَعِزَّةُ الدُنيا كَبَرق خالِبِ
عَمّا قَليلٍ شَمسُها تُغَيَّبُ / ما فَخرُ ذِي العَقلِ بِمَجدٍ يَذهَبُ
لا عِزَّةٌ بِمَنصِبٍ وَجاه / وَإِنَّما العزُّ بِتَقوى اللَهِ
فَحَسبُكَ التَقوى عُلاً وَعزاً / وَعُدَّةً لِمَن أَرادَ بَزّا
لا تَفتَخِر بِمَنصَبٍ وَمالِ / إِن كُنتَ ذا عَقلٍ وذا كَمالِ
دَع ما اِستَطَعتَ الفَخرَ بِالأُصُولِ / فَذاكَ فَخرُ العاجِزِ الكَسُولِ
وَإِن تَكُن بَينَ الوَرى شَريفاً / فَاضمُم إِلى تَلِيدِهم طَرِيفا
لا يُرفَعُ المَرءُ بِمَجد الوالِدِ / فَكُلُّنا فرعٌ لأَصلٍ واحِدِ
لا فَضلَ لامرِئٍ عَلى أَخيهِ / إلا بِذِكرٍ طَيِّبٍ يُبقيهِ
مِمَّا حَفِظناهُ مِنَ الآثارِ / وَما سَمِعناهُ مِن الأَخبارِ
أَنَّ امرَأً أَتى إِلى مُحَمَّدِ / يَسأَلُه عَن دينهِ وَيَهتَدي
فَأَدرَكَتهُ رِعدةٌ وَهَيبَه / لَمّا رَأى مُحَمَّداً وَصَحبَه
فَإِنَّهُ كانَ مَهِيبَ المَحضَرِ / إِن تَلقَه كَأَنَّهُ في عَسكَرِ
قالَ لَهُ النَبيُّ ماذا تَرهَبُ / مِنّا وَقَد جِئتَ إِلَينا تَرغَبُ
هَوِّن عَلَيكَ ما أَنا جَبّارُ / وَلا أَنا بَينَ الوَرى قَهّارُ
أُمّي كانَت تَأكُلُ القدِيدا / أَكرم بِهَذا خُلُقاً حَمِيدا
وَهَكذا كُلُّ عَظيم القَدرِ / دانٍ إِلى الناسِ قَليلُ الفَخرِ
وَمَن تَكُن بُغيَتُه العَلياءُ / فَقَدرُهُ في نَفسِهِ هَباءُ
يَسعى إِلى المَجدِ وَلَيسَ يَقنَعُ / وَمَن يَذُق طَعمَ العُلا لا يَشبَعُ
أَمّا قَصِيرُ الباعِ في المَعالي / فَإِنَّهُ يَقنَعُ بالآمالِ
مَهما تَكُن رُتبَتهُ صَغِيره / فَإِنَّها في ظَنِّهِ كَبيرَه
حَسبُكَ ما قَد جاءَ في الأَمثالِ / وَالكَلِمِ النَفائِسِ الغَوالي
إِن الأُسُودَ فَخرُها زَئيرُ / وَبِالنَهيقِ تَفخَرُ الحَميرُ
لا تُزهَ بِالطَريفِ وَالتلادِ / فَكُلُّ ما تَرى إِلى نَفادِ
أَوّاهُ لَو يَعرِفُ كُنهَ قَدرِهِ / في الناسِ مَن أَسقَطَهُ بِكبرهِ
لَو يَنظرُ الإِنسانُ مِمّا صُوِّرا / وَما يَؤُولُ أَمرُهُ ما اِستَكبَرا
إِن كُنتَ ذا عُلاً وَذا اِرتِفاعِ / في الناسِ فَاِحفَظهُ بِالاتِّضاعِ
وَكُن شَبيهَ البَدرِ في السَماءِ / وَنُورُهُ يَلُوحُ فَوقَ الماءِ
إِنَّ الفَتى مَن لَم يقُل أَنا أَنا / كَالغُصنِ إِن أَثمَرَ مالَ وَاِنثَنى
وَإِن يُصِب أَخُوكَ فَضلَ مَنصِبِ / فَلا تَزِد في الوُدِّ وَالتَحَبُّبِ
فَإِنَّهُ ضَربٌ مِنَ النِفاقِ / وَإِنَّهُ مِن سَيِّئِ الأَخلاقِ
وَإِن تَكُن ذا أَدَبٍ وَكيسِ / فَكُن كَما كُنتَ لَهُ بِالأَمسِ
وَزِدهُ في التَبجِيلِ وَالتَعظِيمِ / وَلا تَزد في وُدِّكَ القَديمِ
وَإِن تَزُرهُ وَهوَ في دِيوانِهِ / فَلا تُداعِبهُ لَدى إِخوانِهِ
تريدُ أَن يَفهَم مِنكَ الكُلُّ / أَنَّكَ أَنتَ الصاحِبُ المُدِلُّ
دَع ذَلِكَ الخُلقَ فَإِنّ فيهِ / غَيظاً لِمَن آخَيتَه يُؤذِيهِ
لا تَحسَبَنَّ خُلقَه ما تَفهَمُ / قَبلُ وَلا طِباعَه ما تَعلَمُ
فَإِنَّما الأَخلاقُ قَد تُبدَّلُ / وَالطَبعُ بِالعِزَّةِ قَد يُحَوِّلُ
أَولى بَني حَوّاءِ
أَولى بَني حَوّاءِ / بِالمَدحِ وَالثَناءِ
مَن قَولُهُ مَعرُوفُ / وَالآلِفُ المَألُوفُ
فَطَيّب المُعامَلَه / وَأَحسنَ المُجامَلَه
وَادَّرَعَ المُصانَعه / لِيَأمَنَ المُقاطَعَه
وَبَذَلَ العَطاءَ / لا يَبتَغي ثَناءَ
أَحسِن تَكُن أَمِيرا / وَاِزهَد تَكُن نَظيرا
لَم أَرَ كَالسَخاءِ / أَدعى إِلى صَفاءِ
وَلَيسَ كَالأَيادي / أَجلبَ لِلودادِ
قَد جادَ بِالمَعالي / مَن ضَنَّ بِالنَوالِ
وَلَيسَ لِلبَخيل / في الناسِ مِن خَليل
فَإِنَّما هُم سِربُ / وَأَينَ أَينَ الحَبُّ
لا تَبغِ بِالإِحسانِ / شُكراً مِن الإِنسانِ
وَاِبتَغ شُكرَ القادِرِ / فَاللَهُ خَيرُ شاكِرِ
عَلَّ رَبيبَ نِعمَتِك / كانَ دَليلَ نِقمَتِك
أَعرِض عَن المَثالِبِ / تَسلَم مِن المَعاطِبِ
وَاِنظُر إِلى ما فِيكَ / فَإِنَّهُ يَكفِيكَ
لَيسَ مِن التَهذيبِ / حِفظُكَ لِلعُيوبِ
وَمَن يَرى رَذائِلَه / وَلا يَرى فَضائِلَه
فَذاكَ عِندي الكامِلُ / وَهوَ البَصيرُ العاقِلُ
وَمَن يُريني عَيبي / فَذاكَ خَيرُ صَحبي
أَفدِيهِ بِالحَياةِ / لِأَنَّهُ مِرآتي
أَرى بِها القَبيحا / مِنّيَ وَالمَليحا
شَرٌّ مِن المُكاشِحِ / مَن زانَ لي قَبائِحي
فَرُبَّما يَضُرُّ / لأَنَّهُ يَغُرُّ
ذاكَ الشَفيقُ الغافِلُ / وَهوَ الصَديقُ الجاهِلُ
وَلا أُريدُ حَمدي / بِالشَيءِ لَيسَ عِندي
أَأَلبَسُ المُعارا / وَأعجَبُ اِفتِخارا
فَمادِحي بِالمَينِ / مُبالغٌ في شَيني
مَن ذَمَّني بِحَقِّ / وَعابَني بِصِدقِ
أَنصحُ عِندَ العاقِلِ / مِن مادِحٍ بِالباطِلِ
سالِم جَميعَ الناسِ / تَسلَم مِن الوُسواسِ
وَطَوِّلِ العِنانا / وَقَصِّر السِنانا
هُم حَربُ مَن يُقارِبُ / فَكَيفَ مَن يُحارِبُ
إِيّاكَ وَالمُنافَرَه / وَأَحسَن المُعاشَرَه
فَحُسنُها يَزينُ / وَسُوءُها يَشِينُ
تُقَرِّبُ الغَريبا / وَتَجمَعُ القُلُوبا
كُن لَيِّنَ الخِلالِ / في القَولِ وَالفِعالِ
سَهلاً بِغَيرِ ذُلِّ / تُحمَدُ عِندَ الكُلِّ
مَن طابَ مِثلَ الزَهرِ / يُحمَلُ فَوقَ الصَدرِ
لَكنَّما الثَقيلُ / في قَومِهِ مَرذُولُ
يُلقى عَنِ الكَواهِلِ / فَالأَرضُ أَقوى حامِلِ
وَكُن سَليمَ الجانِبِ / وَاِنظُر إِلى العَواقِبِ
لَيسَ مِن العَلاءِ / وَصفُكَ بِالدَهاءِ
يَفرُّ مِنكَ الكُلُّ / وَيَتَّقيكَ الأَهلُ
مَن ذا الَّذي لا يَهرُبُ / مِنكَ وَأَنتَ عَقربُ
يَخشاكَ مَن يُجانِبُك / فَكَيفَ مَن يُقارِبُك
فَأَنتَ كَالصَيادِ / وَالناسُ كَالجَرادِ
مَن ضَمَّه الشراكُ / فَما لَهُ فَكاكُ
تِلكَ سَجايا عالِيَه / وَذِي عِظاتٌ غالِيَه
جَمعتُها في شِعري / كَلُؤلُؤٍ في نَحرِ
ظَلِلتُ فيها مُدَّه / تِسعينَ يَوماً عِدَّه
بَينَ نَهارٍ جاهِدِ / وَبَينَ لَيلٍ ساهِدِ
مُقرَّحَ الجُفونِ / مُفَرَّقَ الشؤُونِ
وَالسُقمُ منّي بادِ / وَالهَمُّ في وِسادي
وَالفِكرُ في شَتاتِ / مِن نَكَدِ الحَياةِ
في حِين أَنَّ الأَدَبا / في أَرضِ مِصر نَضَبا
فَلا أَرى مَن يُنصِفُ / وَلا أَرى مَن يَعرِفُ
وَلا أَرى تَشجيعا / لَكِن أَرى تَشنيعا
بَينَ مَقال حاقِدِ / أَو اِنتِقاد حاسِدِ
تِجارَةُ الأَخلاقِ / أَبعَدُ عَن نَفاقِ
وَباذِلُ الآدابِ / كَباذِلِ التُرابِ
فَكِدتُ عَنها أَنكُلُ / لَولا الإِمامُ الأَفضَلُ
عَلامَةُ الزَمانِ / وَمَهبِطُ العِرفانِ
هَذا فَريدُ العَصرِ / وَغُرَّةٌ في مِصرِ
وَذُو العُلا وَالمَجدِ / فيها فَريدُ وَجدي
ذاكَ الذَكيُّ الأَروَعُ / شَمسُ هُداه تَسطَعُ
مَكانُهُ لا يُجهَلُ / بَينَ الرِجالِ أَوَّلُ
أَشباهُهُ قَليلُ / وَرَأيُهُ جَميلُ
حَبَّبَ لي الإِقداما / وَثَبَّتَ الأَقداما
تِلكَ يَدٌ لا تُكفَرُ / وَمِنَّةٌ لا تُنكَرُ
فَهَذِهِ حَوراءُ / وَمَهرُها الدُعاءُ
لا أَبتَغي جَزاء / بِها وَلا ثَناء
وَالحَمدُ لِلّهِ كَما / أَولى الجَميلَ مُنعِما
ثُمَّ الصَلاةُ أَبَدا / عَلى النَبيِّ أَحمَدا