لا تُصفيَنَّ الودَّ إِلّا صافيا
لا تُصفيَنَّ الودَّ إِلّا صافيا / فَلَيسَ كُلُّ مَن تُراهُ وَافيا
وَضنّ بِالإِخاءِ قَبلَ الخُبرِ / فَإِنَّما الأَخلاقُ رِقُّ الحرِّ
وَحُبَّ مَن أَحبَبتَه هَوناً ما / عَساكَ أَن تَهجُرَه يَوماً ما
وَصاحِبِ الناسَ وَكُن عَلى حَذَر / كَم ضَلَّ سارٍ غرَّه ضُوءُ القَمَر
وَلا تَذُمَّ غِيَرَ الزَمانِ / فَإِنَّ فيها خِبرَةَ الإِخوانِ
لا يَزدَهيكَ ظاهِرٌ مُموَّهُ / في طَيِّ هَذا باطِنٌ مُشَوّه
كَم مِن فَتىً يَلقاكَ مِنهُ بِشرُه / وَإِن تَغِب يَسر إِلَيكَ شَرُّه
وَالناسُ إِن ينقُدهُمُ مُجَرِّبُ / زَوائِفٌ لَيسَ بِهم من يُصحَبُ
لَكنَّما يَكفي الفَتى مِن صاحِبه / أَن يَأمَن الصَديقُ مِن عَقاربه
مَن كُنتَ مِنهُ آمِناً في سِربِك / فَذاكَ لَو عَلمتَ خَيرُ صَحبِك
فَنَحنُ في قَومٍ عَلَيهمُ العَفا / قَد دَرَسَت فيهم مَعالِمُ الوَفا
وَغاضَ ماءُ الودِّ فيهم وَنَضَب / فَإِن ذَوى إِخاؤُهُم فَلا عَجَب
فَاقبَل مِن الصَديق ظاهِراً بَدا / وَلا تُكَلفهُ سِوى ما عُوِّدا
إِيّاكَ أَن تَنشُر مِنهُ ما بَطَن / فَرُبَّما أَصلَحَهُ لَكَ الزَمَن
وَإِنَّ مِمّا يُظهِرُ الآدابا / في المَرءِ أَن يَستَبقيَ الأَصحابا
وَالسَيفُ إِن تَجلُ الصَدا عَن إِثرِه / خَيرٌ مِن اِستبدالِهِ بِغَيرِهِ
لا تُكثرِ العِتابَ فيما ساءَ / فَإِنّه يُكدِّرُ الإِخاءَ
وَحاجَةُ الإِخاءِ لِلعتابِ / كَحاجَةِ الأَرضِ إِلى السَحابِ
أَولى فَأَولى أَن تُقلَّ العَتبا / إِنَّ الحَيا إِن زادَ عادَ جَدبا
وَلَم أُعاتِب صاحِباً إِلّا وَما / يَأتي بِهِ أَكثَرُ مِمّا قَدَّما
مَن لامَ نَفسَهُ عَلى ما كانا / فَذاكَ مَن لَم يُضِع الإِخوانا
فَلا تُعاتِبه إِذا ما أَذنَبا / فَحسبُهُ هذا لَهُ مُؤَدِّبا
وَضنّ بِالعُتبى عَلى مَن يُعجَبُ / بِنَفسِهِ فَإِنَّهُ لا يُعتِبُ
ثَلاثَةٌ لَيسَ لَهُم أَصحابُ / الكَلُّ وَالمُعجبُ وَالكَذّابُ
لا تَعتَذر إِلّا إِلى مَن يُعذِرُ / وَمَن إِذا أَتيتَ ذَنباً يَغفِرُ
لا تَحتَقِر بَوادرَ اللِسانِ / فَإِنَّها مَضيَعَةُ الإِخوانِ
زِن ما تَقولُهُ فَرُبَّ قَولِ / أَنفَذُ في مُرادِهِ مِن صَولِ
وَقَد تُقالُ عَثرَةُ الأَقدامِ / وَلا تُقالُ عَثرَةُ الكَلامِ
لا تَستَطِل يَوماً عَلى الإِخوانِ / بِما مُنِحتَه مِنَ البَيانِ
فَرُبَّما جَرَّ اللِسانُ ضَيرا / وَرُبَّما كانَ العَيِيُّ خَيرا
قَد كانَ مُوسى حَصِرا عَييّا / وَاِختارَهُ اللَهُ لَهُ نَجيّا
وَكانَ هَرونُ بِذاكَ أَولى / لأَنَّهُ أَفصَحُ مِنهُ قَولا
لَكنَّ فَضلَ اللَهِ في مُرادِه / يُؤتيهِ مَن يَشاءُ مِن عِبادِه
إِيّاكَ وَالفُضولَ في المَقالِ / وَغُضّ مِن صَوتِكَ في الجِدالِ
إِيّاكَ أَن تَبغيَ نَصرَ الباطِل / برَفعِكَ الصَوتَ عَلى المُجادِل
مَن يَنصُر الحَقَّ فَلَيسَ يُغلَبُ / وَمَن أَبى فَما يُفيدُ الصَخَبُ
فَإِن يَكُن بِالصَّخَبِ اِفتِخارُ / بذّ الوَرى في فَخرِهِ الحِمارُ