قد أغْتِدي والليلُ في دُجاهُ
قد أغْتِدي والليلُ في دُجاهُ / والصبح لم يَنْهَضْ به سَناهُ
على حِصَانٍ شَنِجٍ نَساهُ / أنْبَطَ نَهْدٍ عَبِلٍ شَواه
سامي التَّليلِ سالمٍ شَظَاهُ / ذي غُرّة أوّلُها أُذْناه
جاز بها مسيلُها مداه / حتى لقد كادت تُغَطِّي فاه
مُسْتكمِل التّحجِيلِ مُسْتَوْفَاه / أربَعُه وبطنُه أشباه
مُخالِفٌ أسفلُه أعلاه / بدُهْمةٍ قد ملأتْ قَراه
وانصبغت منه أليَّتاه / فهو دُجىً يَحْمِله ضُحاهُ
تَسْبِق أقصَى لحظِه خُطاه / لا يَطَأُ التُّرْبَ ولا تَلْقاه
رِجلاهُ في العَدْو ولا يَداهُ / كأنه يطير في مَجْرَاهُ
إذا دعا ليثُ الفَلاَ لبّاه / أسرعُ للشيء إذا ابتغاه
منْ مَبْلَغ السَّهْم لُمنتهاه / مُرْتَبِطُ الرِّجْلِ بما يَراه
كالّلفظ ملتفّاً به معناه / تحسُد منه يدَه رجلاه
حتى يكاد وهو في مَعْدَاه / تَسْبِق أُخْراه به أُولاه
لا يَشْتكي من تَعَبٍ وجَاه / ولا تَنَدّى عَرَقاً جَنْباه
كأنّه إذا جرى سواه / لو نام فوق مَتْنِه مولاه
وهو شديد العَدْوِ لاسْتَوطاه / ولم يَطِرْ عن جفنه كَراه
أشْوسُ في مِشْيته تيّاه / يُطاولِ الجوزاءَ مَن مَطَاه
وأشْهبٍ مِخْلَبُهُ شَبَاهُ / كلُّ ذوات الرِّيش مِن عِدَاه
بات يَهِيج جوعَه غَدَاه / كأنّ فَصَّيْ ذهبٍ عيناه
في هامةٍ قد بَرزتْ وَراه / هادِيَةٍ مَنْ ضَلّ عن سُراه
يكاد أن يَحْرِقه ذَكاه / لو طلب الكوكبَ لاَنتهاه
ما غاله يوماً ولا أعياه / ما رَمَقتْ في الجوّ مُقْلتَاه
بيناهُ يبغي جائعاً قِرَاه / إذ وقع الحُبْرُج في رُؤْياه
وحلّه القانصُ من يُسْراه / وطار يَهْوِي نَحْوَه يَغْشَاه
حتَّى إذا قارَبه عَلاَه / بَوَقْعةٍ بَزّ بها قُوَاه
كما وَهي من شَطَنٍ رِشَاهُ / ثم بَدَا وهْو على قَفَاه
وسلَّ من فؤاده حشاه / مُخَضَّباً من دمه ثَراه
يا شِقْوَة الحُبْرُج ما دَهاه / لم يَسُؤ البازِيَ ما جناه
إذ رَجَع الحبرجُ ما لاَقاه / ثم رأى من بعده أخاه
وبركةً تَتْبَعُه أُنْثاه / وكرّ لا يجبُن عن هَيْجاه
وكلُّ بازٍ معه فتاه / حتى سَقَاها المُرَّ من جَناه
فأَضحتِ الأَرْبَعُ من قَتْلاَه / فَلَحْمُنا الغَريضُ من صَرْعاه
وكلُّ خيرٍ عندنا نؤتاه / فبَعْضُ ما عاد به مَسْعاه
أعطى البُزاةَ اللهُ من معناه / ما لم يَحُزْ صَقْرٍ ولا رآه
يومُ البُزاة كلّه أُسَاه / أنا ابن مَنْ زينتْ به عُلاَه
وابنُ الذي عتم الورى نَدَاه / وشيّد المُلْكَ الذي حواه
وكان من كلّ أذىً حِمَاه / ذاك المُعِزُّ الماجد الأَوّاه
مَنْ لم يكَدّر مَنُّهُ جَدْوَاه / ولم يُمَحِّص إثْمُه تَقْواه
ولم تغير دينَه دنياه / صلى عليه الله واصطفاه