المجموع : 295
وَيلَكُم يا قَصَباتِ الجَوفان
وَيلَكُم يا قَصَباتِ الجَوفان / جيئوا بِمِثلِ قَعنَبٍ وَالعَلهان
وَالحَنتَفَينِ عِندَ شَلِّ الأَظعان / أَو كَأَبي حَزرَةَ سَمِّ الفُرسان
إِنّي اِمرُؤٌ يَبني لِيَ المَجدَ البان
إِنّي اِمرُؤٌ يَبني لِيَ المَجدَ البان / أَندُبُ مَجداً غَيرَ مَجدِ ثُنيان
مِنّا أَبو قَيسٍ وَمِنّا الحَوطان / وَاِبنُ زُهَيرٍ مُعلِماً وَالعَمران
وَالهَيصَمانِ وَبَنو ذي النيران / ما لِحَفيفِ القَصَباتِ الجوفان
عُدّوا الفَعالَ وَزِنوا بِالميزان / جيئوا بِمِثلِ قَعنَبٍ وَالعَلهان
وَاِبنِ أَبي سودٍ غَداةَ الأَرنان / أَو كَأَبي حَزرَةَ سَمِّ الفُرسان
وَالحَنتَفَينِ يَومَ شَلِّ الأَظعان / وَما اِبنُ حِناءَةَ الرَتِّ الوان
يَومَ تَسَدّى الحَكَمَ بنَ مَروان / وَالمُطعِمونَ في لَيالي الشَفّان
وَحِظوَةُ السَبقِ لَنا وَالأَلفان / طَعدو بِنا الخَيلُ طُموحَ العِقبان
نَحمي ذِمارَ جَدَفٍ بِمَرّان / نَحنُ اِستَلَبنا الجَونَ وَاِبنِ حَسّان
وَرادَفَ الأَملاكَ مِنّا رِدفان / قَد عَلِمَت بَكرٌ وَقَيسُ عَيلان
وَالخِندِفِيّونَ بِغَدرِ الأَقيان / إِذ كَذَّبَ الأَقرَعُ دَعوى الفُرسان
وَخَرَّ في بَحرِ الرِماحِ الأَشطان / عَلى الجَبينِ ساجِدَ العِمران
إِنَّ اِبنَ وَقبٍ وَاِبنَ أُمِّ خَوران / وَاِبنَ القُيونِ غُلَّقٌ في الأَقران
يُصَلصِلُ الحِجلَ بِغَيرِ الإيمان / لا سَلَّمَ اللَهُ عَلى القِردِ الزان
وَيَسأَلُ المَوتى فُضولَ الأَكفان / شاعَ الحَديثُ يا فَتاةَ الفِتيان
أَربَعَةٌ يَحيا بِها
أَربَعَةٌ يَحيا بِها / قَلبٌ وَروحٌ وَبَدَن
الماءُ وَالبُستانُ وَال / خَمرَةُ وَالوَجهُ الحَسَن
أَلا تَرى ما أُعطِيَ الأَمينُ
أَلا تَرى ما أُعطِيَ الأَمينُ / أُعطِيَ ما لَم تَرَهُ العُيونُ
وَلَم تَكُن تَبلُغُهُ الظُنونُ / اللَيثُ وَالعُقابُ وَالدُلفينُ
وَلِيُّ عَهدٍ ما لَهُ قَرينُ / وَلا لَهُ شِبهٌ وَلا خَدينُ
أَستَغفِرُ اللَهَ بَلى هارونُ / يا خَيرَ مَن كانَ وَمَن يَكونُ
إِلّا النَبِيُّ الطاهِرُ المَيمونُ / ذَلَّت بِكَ الدُنيا وَعَزَّ الدينُ
دعني من الربع ومن نعتِ الدمَن
دعني من الربع ومن نعتِ الدمَن / ومن طلول قد تعفّت للزَمَن
واخلع لمَن تهواه في الحبِّ الرسَن /
خُذ فارِغاً وَهاتِهِ مَلآنا
خُذ فارِغاً وَهاتِهِ مَلآنا / مِن قَهوَةٍ قَد عُتِّقَت أَزمانا
أَقَلُّ ما مَلَكَها مالِكُها / أَن لَحِقَت عَهدَ أَنو شَروانا
ذَخيرَةُ الراهِبِ كَي يَجعَلَها / إِذا أَتَت أَعيادُهُ قُربانا
مُدامَةٌ ماذُكِرَت أَوصافُها / إِلّا اِنثَنى سامِعُها سَكرانا
تَكادُ مِن لَألائِها إِذا بَدَت / تُهدي إِلى مَكانِها العُميانا
كَالنارِ إِلّا أَنَّها ما أُوقِدَت / في الكَأسِ إِلّا أَطفَأَت نيرانا
ما المَلِكُ الأَعظَمُ في سُلطانِهِ / إِلّا الَّذي أَضحى بِها نَشوانا
كَم رَفَعَت مُتَّضِعاً وَكَرَّمَت / مُبَخَّلاً وَشَجَّعَت جَبانا
تَسعى بِها جارِيَةٌ إِذا اِنثَنَت / أَخجَلَ لينُ عِطفِها أَغصانا
بِتُّ أُعاطيها فَتاةً جَمَعَت / لِعاشِقيها الحُسنَ وَالإِحسانا
كامِلَةَ الحُسنِ حَكَت غُصنَ النَقا / الرَيّانَ أَو غَزالَهُ العَطشانا
مَخضوبَةَ البَنانِ في يَمينِها / كَأسُ مُدامٍ تَخضِبُ البَنانا
وَلي نَديمٌ ماجِدٌ لا أَرتَضي / عَنهُ بَديلاً كائِناً مَن كانا
أَخو فُكاهاتٍ مَتى حاضَرتَهُ / في مَجلِسٍ وَجَدتَهُ بُستانا
حُلوُ الأَحاديثِ وَإِن غَنّاكَ لَم / تَجِدهُ في أَلحانِهِ لَحّانا
لا يَعرِفُ الهَمَّ فَتىً يَعرِفُهُ / وَلا تَرى نَديمَهُ نَدمانا
وَلَيلَةٍ قَد بِتُّها
وَلَيلَةٍ قَد بِتُّها / لَم أَدرِ فيها ما السِنَه
سَيِّئَةٌ ما تَرَكَت / لِلدَهرِ عِندي حَسَنَه
طالَت فَكَم قَد دارَ في / ها مِن فُصولِ الأَزمِنَه
قَدَّرتُها اليَومَ الَّذي / مِقدارُهُ أَلفُ سَنَه
وَاللَهِ ما تَمَّ سِوى اللَهِ لِمَن
وَاللَهِ ما تَمَّ سِوى اللَهِ لِمَن / أَصبَحَ مَهموماً بِأَحداثِ الزَمَن
فَإِنَّهُ أَكرَمُ مَن جادَ وَمَن / مَنَّ عَلَيكَ قَلَّما يُجدي الحَزَن
اِستَغني عَن زَيدٍ وَعَن عَمرٍو وَعَن / فارِق بِلاداً أَنتَ فيها مُمتَهَن
الشامَ إِن شِئتَ وَإِن شِئتَ اليَمَن / فَأَينَما جِئتَ صَديقٌ وَسَكَن
يَفتَرُّ عَن زَورٍ دَجاجَتَينِ
يَفتَرُّ عَن زَورٍ دَجاجَتَينِ /
يا أُمَّ عَبدَ المَلِكِ اِصرِميني
يا أُمَّ عَبدَ المَلِكِ اِصرِميني / فَبَيِّني صَرمِيَ أَو صِليني
أَبكي وَما يُدريكِ ما يُبكيني / أَبكي حِذاراً أَن تُفارِقيني
وَتَجعَلي أَبعَدَ مِنّي دوني / إِنَّ بَني عَمِّكِ أَوعَدوني
أَن يَقطَعوا رَأسي إِذا لَقوني / وَيَقتُلوني ثُمَّ لا يَدوني
كَلّا وَرَبِّ البَيتِ لَو لَقوني / شَفعاً وَوَتراً لَتَواكَلوني
قَد عَلِمَ الأَعداءُ أَنَّ دوني / ضَرباً كَإيزاعِ المَخاضِ الجونِ
أَلا أَسُبُّ القَومَ إِذ سَبّوني / بَلى وَما مَرَّ عَلى دَفينِ
وَسابِحاتٍ بِلِوى الحَجونِ / قَد جَرَّبوني ثُمَّ جَرَّبوني
حَتّى إِذا شابوا وَشَيَّبوني / أَخزاهُمُ اللَهُ وَلا يُخزيني
أَشباهُ أَعيارٍ عَلى مَعينِ / أَحسَسنَ حِسَّ أَسَدٍ حَرونِ
فَهُنَّ يَضرِطنَ مِنَ اليَقينِ / أَنا جَميلٌ فَتَعَرَّفوني
وَما تَقَنَّعتُ فَتُنكِروني / وَما أُعَنّيكُم لِتَسأَلوني
أُنمى إِلى عادِيَةٍ طَحونِ / يَنشَقُّ عَنها السَيلُ ذو الشُؤونِ
غَمرٌ يَدُقَّ رُجُحَ السَفينِ / ذو حَدَبٍ إِذا يُرى حَجونِ
تَنحَلُّ أَصفادُ الرِجالِ دوني /
أَنا جَميلٌ وَالحِجازُ وَطَني
أَنا جَميلٌ وَالحِجازُ وَطَني / فيهِ هَوى نَفسي وَفيهِ شَجَني
هَذا إِذا كانَ السِباقُ دَيدَني /
كَأَنَّني رَأسُ حَضَن
كَأَنَّني رَأسُ حَضَن /
في يَومِ غَيمٍ وَدُجَن /
يا لَيتَني عَهدَ زَمَن /
اِنفَضَّ رَأسي وَذَقَن /
كَأَنَّني فَحلُ حُصُن /
أُرسِلَ في حَبلِ عُنُن /
أُرسِلَ كَالظِبيِ الأَرِن /
أَلصَقَ أُذناً بِأُذُن /
أَفدي الَّتي قُلتُ لَها
أَفدي الَّتي قُلتُ لَها / وَالبَينُ مِنّا قَد دَنا
بِالحُزنِ بَعدي فَاِئتَسي / قالَت إِذا قَلَّ العَنا
قُلتُ لَها حُبُّكِ قَد / أَنحَلَ مِنّي البَدَنا
قالَت فَماذا حيلَتي / كَذاكَ قَد ذُبتُ أَنا
لي صاحِبٌ مُختَلِفُ الأَلوانِ
لي صاحِبٌ مُختَلِفُ الأَلوانِ / مُتَّهَمُ الغَيبِ عَلى الإِخوانِ
مُنقَلِبُ الوُدِّ مَعَ الزَمانِ / يَسرِقُ عِرضي حَيثُ لا يَلقاني
وَهوَ إِذا لَقيتُهُ أَرضاني / فَلَيتَهُ دامَ عَلى الهِجرانِ
بِتُّ بِجُهدٍ ساهِرَ الأَجفانِ
بِتُّ بِجُهدٍ ساهِرَ الأَجفانِ / يَلدَغُ جِلدي شَرَرُ النيرانِ
مِن طائِرٍ زَمَّرَ في الآذانِ / مِنَ الدِماءِ مُترَعٍ مَلآنِ
صَبراً عَلى الهُمومِ وَالأَحزانِ
صَبراً عَلى الهُمومِ وَالأَحزانِ / وَفُرقَةِ الأَحبابِ وَالإِخوانِ
فَإِنَّ هَذا خُلُقُ الزَمانِ / فَإِنَّ هَذا خُلُقُ الزَمانِ
بِاِسمِ الإِلَهِ المَلِكِ الرَحمَنِ
بِاِسمِ الإِلَهِ المَلِكِ الرَحمَنِ / ذي العِزِّ وَالقُدرَةِ وَالسُلطانِ
الحَمدُ لِلَّهِ عَلى آلائِهِ / أَحمَدُهُ وَالحَمدُ مِن نَعمائِهِ
أَبدَعَ خَلقاً لَم يَكُن فَكانا / وَأَظهَرَ الحُجَّةَ وَالبَيانا
وَجَعَلَ الخاتَمَ لِلنُبُوَّةِ / أَحمَدَ ذا الشَفاعَةِ المَرجُوَّه
الصادِقُ المُهَذَّبَ المُطَهَّرا / صَلّى عَلَيهِ رَبُّنا فَأَكثَرا
مَضى وَأَبقى لِبَني العَبّاسِ / ميراثَ مُلكٍ ثابِتَ الأَساسِ
بِرُغمِ كُلِّ حاسِدٍ يَبغيهِ / يَهدِمُهُ كَأَنَّهُ يَبنيهِ
هَذا كِتابُ سِيَرِ الإِمامِ / مُهَذَّباً مِن جَوهَرِ الكَلامِ
أَعني أَبا العَبّاسِ خَيرَ الخَلقِ / لِلمَلكِ قَولُ عالِمٍ بِالحَقِّ
قامَ بِأَمرِ المُلكِ لَمّا ضاعا / وَكانَ نَهباً في الوَرى مُشاعا
مُذَلِّلاً لَيسَت لَهُ مَهابَهُ / يَخافُ إِن طَنَّت بِهِ ذُبابَه
وَكُلَّ يَومٍ مَلِكٌ مَقتولٌ / أَو خائِفٌ مُرَوَّعٌ ذَليلُ
أَو خالِعٌ لِلعَقدِ كَيما يَغنى / وَذاكَ أَدنى لِلرَدى وَأَدنى
وَكَم أَميرٍ كانَ رَأسَ جَيشِ / قَد نَغَّضوا عَلَيهِ كُلَّ عَيشِ
وَكُلَّ يَومٍ شَغَبٌ وَغَصبُ / وَأَنفُسٌ مَقتولَةٌ وَحَربُ
وَكَم فَتىً قَد راحَ نَهباً راكِباً / إِمّا جَليسَ مَلِكٍ أَو كاتِبا
فَوَضَعوا في رَأسِهِ السِياطا / وَجَعَلوا يُردونَهُ شَطاطا
وَكَم فَتاةٍ خَرَجَت مِن مَنزِلِ / فَغَصَبوها نَفسَها في المَحفِلِ
وَفَضَحوها عِندَ مَن يَعرِفُها / وَصَدَّقوا العَشيقَ كَي يَقرِفَها
وَحَصَلَ الزَوجُ لِضُعفِ حيلَتِه / عَلى نُواحِهِ وَنَتفِ لِحيَتِه
وَكُلَّ يَومٍ عَسكَراً فَعَسكَرا / بِالكَرخِ وَالدورِ مَواتاً أَحمَرا
وَيَطلِبونَ كُلَّ يَومٍ رِزقاً / يَرَونَهُ دَيناً لَهُم وَحَقّا
كَذاكَ حَتّى أَفقَروا الخِلافَه / وَعَوَّدوها الرُعبَ وَالمَخافَه
فَتِلكَ أَطلالٌ لَهُم قِفارا / تَرى الشَياطينَ بِها نَهارا
بِالتَلِّ وَالجَوسَقِ وَالقَطائِعِ / كَم ثَمَّ مِن دارٍ لَهُم بِلاقِعِ
كانَت تُزارُ زَمَناً وَتُعمَرُ / وَيُتَّقى أَميرُها المُؤَمَّرُ
وَتَصهَلُ الخَيلُ عَلى أَبوابِها / وَيَكثُرُ الناسُ عَلى حُجّابِها
وَكَم هُناكَ والِجاً كَريما / وَراجِعاً مُدَفَّعاً مَظلوما
وَواقِفاً يَنظُرُ مِن بَعيدٍ / مَخافَةَ العِقابِ وَالتَهديدِ
حَتّى إِذا ما اِرتَفَعَ النَهارُ / ضَجَّت بِها الأَصواتُ وَالأَوتارُ
وَدارَتِ السُقاةُ بِالمُدامِ / وَاِرتَكَبَت عَظائِمُ الآثامِ
ثُمَّ اِنقَضى ذاكَ كَأَن لَم يَفعَلِ / وَالدَهرُ بِالإِنسانِ ذو تَنَقُّلِ
فَما بَكَت عَلَيهِمُ السَماءُ / لَمّا أُتيحَ لَهُمُ القَضاءُ
وَكانَ قَد مَزَّقَ ثَوبَ المُلكِ / طَوائِفٌ إيمانُهُم كَالشَركِ
فَمِنهُمُ فِرعَونُ مِصرَ الثاني / عاصي الإِلَهِ طائِعُ الشَيطانِ
وَالعَلَوِيُّ قائِدُ الفُسّاقِ / وَبائِعُ الأَحرارِ في الأَسواقِ
وَالدُلَفِيُّ العَودُ وَالسَفّارُ / وَمِنهُمُ إِسحَقٌ البَيطارُ
أَعلَمُ خَلقِ اللَهِ بِالماخورِ / وَعَدَدٍ مُثَلَّثٍ وَزيرِ
وَأَعشَقُ الناسِ لِمَن لا يَنصُرُه / حَتّى يُطيلَ لَيلَهُ وَيَسهَرُه
وَمِنهُمُ عيسى اِبنُ شَيخٍ وَاِبنُهُ / كِلاهُما لِصٌّ حَلالٌ لَعنُهُ
يَدعونَ لِلإيمامِ كُلَّ جُمُعَة / وَلا يَرَدّونَ إِلَيهِ قُطَعَه
وَهُم يَجورونَ عَلى الرَعِيَّه / فَسادُ دينٍ وَفَسادُ نِيَّه
وَيَأخُذونَ ما لَهُم صُراحا / وَيَخضِبونَ مِنهُمُ السِلاحا
وَلَم يَزَل ذَلِكَ دَأبَ الناسِ / حَتّى أُغيثوا بِأَبي العَبّاسِ
الساهِرِ العَزمِ إِذا العَزمُ رَقَد / الحاسِمِ الداءِ إِذا الداءُ وَرَد
فَجَمَعَ الرَأيَ الَّذي تَفَرَّقا / وَأَبرَأَ الداءَ الَّذي أَعيا الرُقى
كَم عَزمَةٍ بِنَفسِهِ أَمضاها / لَم يَكِلِ الأَمرَ إِلى سِواها
كانَ لَنا كَأَزدَشيرِ فارِسٍ / إِذ جَدَّ في تَجديدِ مُلكٍ دارِسِ
حَتّى اِتَّقوهُ كُلُّهُم بِالطاعَةِ / وَصارَ فيهِم مَلِكَ الجَماعَه
فَلَم يَزَل بِالعَلَوِيِّ الخائِنِ / المُهلِكِ المُخَرَّبِ المَدائِنِ
وَالبائِعِ الأَحرارِ في الأَسواقِ / وَصاحِبِ الفُجّارِ وَالمُرّاقِ
وَقاتِلِ الشُيوخِ وَالأَطفالِ / وَناهِبِ الأَرواحِ وَالأَموالِ
وَمالِكِ القُصورِ وَالمَساجِدِ / وَرَأسِ كُلِّ بِدعَةٍ وَقائِدِ
حَتّى عَلا رَأسَ القَناةِ رَأسُهُ / وَزالَ عَنهُ كَيدُهُ وَبَأسُهُ
شَيخُ ضَلالٍ شَرُّ مِن فِرعَونِ / لِحيَتُهُ كَذَنَبِ البِرذَونِ
إِمامُ كُلِّ رافِضِيٍّ كافِرِ / مِن مُظهِرٍ مَقالَةً وَساتِرِ
يَلعَنُ أَصحابَ النَبِيِّ المُهتَدي / إِلّا قَليلاً عُصبَةً لَم تَزدَدِ
فَكَفَّرَ الناسُ سِواهُم عِندَهُ / فَلَعنَةُ اللَهِ عَلَيهِ وَحدَهُ
ما زالَ حيناً يَخدَعُ السودانا / وَيَدَّعي الباطِلَ وَالبُهتانا
وَقالَ سَوفَ أَفتَحُ السَوادا / وَأَملِكُ العِبادَ وَالبِلادا
وَيَدخُلونَ عاجِلاً بَغداذا / فَلَم يَرَ الكَذّابُ ذا وَلا ذا
صاحَبَ قَوماً كَالحَميرِ جَهَلَه / وَكُلُّ شَيءٍ يَدَّعيهِ فَهوَ لَه
وَقالَ إِنّي أَعلَمُ الغُيوبا / لَم يَرَ فيها عالِماً مُجيبا
بَعضُهُمُ يُريدُ مِنهُ نَفَقَه / وَيَترُكُ الدَرسَ عَلَيهِ صَدَقَه
فَخَرَّبَ الأَهوازَ وَالأُبُلَّه / وَواسِطاً قَد حَلَّ فيهِ حَلَّه
وَتَرَكَ البَصرَةَ مِن رَمادِ / سَوداءَ لا توقِنُ بِالميعادِ
وَأَطعَمَ الذُبوحَ أَطفالَ الناس / مَكيدَةً مِنهُ فَأَعظِم مِن باس
فَواحِدٌ يُشدَخُ بِالعَمودِ / وَواحِدٌ يُدخَلُ في السَفّودِ
وَبَعضُهُم مُسَمَّطٌ مَربوطُ / وَبَعضُهُم في مِرجَلٍ مَسموطُ
وَجَعَلَ الأَسرى مُكَتَّفينا / أَغراضَ نَبلٍ وَمُعَلَّقينا
وَبَعضُهُم يُحرَقُ بِالنيرانِ / وَبَعضُهُم يُلقى مِنَ الحيطانِ
وَبَعضُهُم يُصلَبُ قَبلَ المَوتِ / وَبَعضُهُم يَإِنُّ تَحتَ البَيتِ
وَهَزَمَ العَساكِرَ الجَليلَه / بِشِدَّةِ البَأسِ وَلُطفِ الحيلَه
وَرامَهُ موسى فَما أَطاقَه / وَمَجَّهُ مَن فيهِ حينَ ذاقَه
وَقَد سَقى مُفلِحَ كَأسَ القَتلِ / وَشَكَّهُ بِمِخصَفٍ ذي نَصلِ
وَتَرَكَ الأَتراكَ بَعدَ فَقدِهِ / كَذي يَدٍ قَد قُطِعَت مِن زَندِهِ
وَقَتَلَ اِبنَ جَعفَرٍ مَنصورا / وَكانَ قَبلَ قَتلِهِ كَبيرا
مِن بَعدِ ما صابَرَ أَيَّ صَبرِ / وَأَرجَفَ الناسُ لَهُ بِالنَصرِ
وَالشَيخُ قَد غَرَّقَهُ نَصيرا / وَقالَ حَسبي فَقدُ هَذا خيرا
أَعني غُلاماً لِسَعيدِ الأَعوَرا / قَد كانَ في الحُروبِ مَوتاً أَحمَرا
وَكَم سِوى ذاكَ وَهَذاكَ وَذا / أَبادَهُم حَتفاً وَقَتلاً هَكَذا
حَتّى إِذا ما أَسخَطَ الإِلَها / وَبَلَغَت فِتنَتُهُ مَداها
وَشَكَتِ الأَرضُ إِلى السَماءِ / ما فَوقَها مِن كَثرَةِ الدِماءِ
وَضاقَتِ القُلوبُ في الصُدورِ / وَأَيقَنَت بِحادِثٍ كَبيرِ
وَاِرتَفَعَت أَيدي العِبادِ شُرَّعا / بَعدَ الصَلاةِ جُمَعاً فَجُمَعا
أَغرى بِهِ اللَهُ هِزَبراً ضَيغَما / إِذا رَأى أَقرانَهُ تَقَدَّما
قَد جَرَّبَ الحُروبَ حَتّى شابا / فَإِن دَعاهُ حادِثٌ أَجابا
لا عاجِزَ الرَأيِ وَلا بَليدا / لَكِن شُجاعاً يَخضِبُ الحَديدا
فَلَم يَزَل عاماً وَعاماً ثانِيا / وَثالِثاً يُكابِدُ الدَواهِيا
مُجاهِداً بِرَأيِهِ وَنَصلِهِ / وَمالِهِ وَقَولِهِ وَفِعلِهِ
حَتّى لَقَد سَمّوهُ بِالكَنّاسِ / وَعايَنوا صَعباً شَديدَ الباسِ
مُسائِفاً مُطاعِناً مُنابِلا / مُواقِفاً مُنازِلاً مُجاوِلا
فَكَم لَهُ مِن شِدَّةٍ وَحَملَهُ / وَضَربَةٍ وَطَعنَةٍ وَقَتلَه
إِن رَقَدوا فَإِنَّهُ لا يَرقُدُ / أَو قَعَدوا فَإِنَّهُ لا يَقعُدُ
يَحبو المُطيعَ وَيُبيدُ العاصِيا / وَيَخضِبُ السُيوفَ وَالعَوالِيا
وَيَقبَلُ المُستَأمِنَ المُنيبا / وَيَغفِرُ الزَلّاتِ وَالذُنوبا
وَلا تَراهُ ناقِضاً لِعَهدِهِ / وَلا يَشوبُ باطِلاً بِجَدِّهِ
حَتّى قَضى اللَهُ لَهُ بِالفَتحِ / مِن بَعدِ طولِ تَعَبٍ وَكَدحِ
وَنَصَبَ الناسُ لَهُ القِبابا / وَشَكَروا المُهَيمِنَ الوَهّابا
ثُمَّ سَما مِن بَعدُ لِلشَآمَين / فَجُرِّعوا مِن كَأسِهِ الأَمَرَّين
وَعَرَفوا عِندَ اللِقاءِ صَبرَهُ / وَشَدَّهُ يَومَ الوَغى وَكِّرِّه
سَل عَنهُ قيلاً صُرِعوا بِشَيزَرا / وَآخَراً وَآخَراً وَآخَرا
وَراكِباً عَلى النَجيبِ هارِبا / لَمّا رَأى مَن فِعلِهِ العَجائِبا
جاءَ مِنَ الشامِ إِلى الفُسطاطِ / يَحُثُّ عَدوَ الخَيلِ بِالسِياطِ
وَحارَبَ الصَفّارَ بَعدَ الزَنجِ / فَطارَ إِلّا أَنَّهُ في سَرجِ
وَفَرَّ مِن قُدّامِهِ فِرارا / وَكانَ قِدماً بَطَلاً كَرّارا
وَما نَسينا مَصرَعَ الكَفورِ / الجاهِلِ المُخَلِّطِ المَغرورِ
إِذ قَدَّرَ الخِلافَ وَالعِصيانا / فَزادَهُ رَبُّ العُلى هَوانا
يُكنى بِصَقرٍ وَأَبوهُ بُلبُلُ / هَذا لَعَمري باطِلٌ لا يُقبَلُ
ما زالَ في نَخوَتِهِ وَتيهِهِ / لا يَأخُذُ الصَوابَ مِن وُجوهِهِ
يُجَهوِرُ اللَفظَ إِذا تَكَلَّما / وَيَزجُرُ العافِيَ وَالمُسَلِّما
أَجرَءُ خَلقِ اللَهِ ظُلماً فاحِشا / وَأَجوَرُ الناسِ عِقاباً بِالوِشا
يَأخُذُ مِن هَذا الشَقِيِّ ضَيعَتَه / وَذا يُريدُ ما لَهُ وَحُرمَتَه
وَوَيلُ مَن ماتَ أَبوهُ موسِرا / أَلَيسَ هَذا مُحكَماً مُشَهَّرا
وَطالَ في دارِ البَلاءِ سَجنُهُ / وَقالَ مَن يَدري بِأَنَّكَ إِبنَهُ
فَقامَ جيراني وَمَن يَعرِفُني / فَنَتَفوا سِبالَهُ حَتّى فَني
وَأَسرَفوا في لَكمِهِ وَدَفعِهِ / وَاِنطَلَقَت أَكُفُّهُم في صَفعِهِ
وَلَم يَزَل في أَضيَقِ الحُبوسِ / حَتّى رَمى إِلَيهِمُ بِالكيسِ
وَتاجِرٍ ذي جَوهَرٍ وَمالِ / كانَ مِنَ اللَهِ بِحُسنِ حالِ
قيلَ لَهُ عِندَكَ لِلسُلطانِ / وَدائِعٌ غالِيَةُ الأَثمانِ
فَقالَ لا وَاللَهِ ما عِندي لَهُ / صَغيرَةٌ مِن ذا وَلا جَليلَه
وَإِنَّما رَبِحتُ في التِجارَه / وَلَم أَكُن في المالِ ذا خَسارَه
فَدَخَّنوهُ بِدُخانِ التِبنِ / وَأَوقَدوهُ بِثِفالِ اللِبنِ
حَتّى إِذا مَلَّ الحَياةَ وَضَجِر / وَقالَ لَيتَ المالَ جَمعاً في سَفَر
أَعطاهُمُ ما طَلَبوا فَأَطلَقا / يَستَعمِلُ المَشيَ وَيَمشي العَنَقا
ثُمَّ بَنى مِنَ الغُصوبِ دارا / فَأَصبَحَت موحِشَةً قِفارا
ما ماتَ حَتّى اِنتُهِبَت وَهوَ يَرى / وَبَلَغوا في هَدمِها إِلى الثَرى
وَأَثبَتَ الأَعرابَ في الديوانِ / وَقالَ إِنّي مِن بَني شَيبانِ
مُضطَرِبُ الآراءِ وَالأَحوالِ / وَالزَيِّ وَالأَلفاظِ وَالأَفعالِ
يَستَعمِلُ الغَريبَ في خِطابِهِ / وَغامِضاتِ النَحوِ في كِتابِهِ
وَيَزجُرُ الناسَ إِذا تَكَلَّما / مُفَخَّماً مُجَهوَراً مُغَلصِما
كَأَنَّهُ قَحطانُ أَو مَعَدٌّ / وَدارُهُ تِهامَةٌ أَو نَجدُ
وَكانَ قَد كَنّى اِبنَهُ بِثَعلَبِ / كَذا يَكونُ العَرَبِيُّ وَاِقلِبِ
وَهوَ عَلى الفِطامِ ذو زَئيرِ / أَبلَغَ لِلمُجدي مِنَ التَنّورِ
مُرَسِّمٌ لِيافِعٍ طَويلِ / مِثلَ جَناحِ الطائِرِ المَبلولِ
ثُمَّ إِذا ما قامَ عَن غِذائِهِ / وَفُرِّغَت قَهوَتُهُ بِمائِهِ
تَناوَلَ الريشَةَ وَالطَنبورا / فَأَضحَكَ الصَغيرَ وَالكَبيرا
وَضاعَتِ الأُمورُ عِندَ ذاكا / وَأَظهَرَ التَعطيلَ وَالإِشراكا
وَمَدحَ أَفلاطونَ وَالفَلاسِفَه / وَساعَدَتهُ في هَواهُ طائِفَه
وَذَكَرَ السُعودَ وَالنُحوسا / وَالجَوهَرَ المَعقولَ وَالمَحسوسا
وَذَرعَ طولِ الأَرضِ وَالأَفلاكِ / وَكَم بِلادِ الصينِ وَالأَتراكِ
وَالعَرَضَ الظاهِرَ في التَجسيمِ / وَالقَولَ في طَلائِعِ النُجومِ
وَذَكَرَ التَعديلَ وَالإِقامَه / وَقَدَّموا النِظامَ أَو تَمامَه
وَاِستَثقَلوا مَن قامَ لِلصَلاةِ / فَكَيفَ مَن طَوَّلَ في القِراةِ
وَطَعَنوا في الفُقهِ وَالحَديثِ / وَعَجِبوا مِن مَيِّتٍ مَبعوثِ
فَلَم يَزَل ذَلِكَ دَأبَ الجاهِلِ / حَتّى رُمي بِسَهمِ حَتفِن قاتِلِ
فَلَيتَ شِعري كانَ ذا في لَجمِهِ / وَكانَ ذا فيما يَرى مِن عِلمِهِ
سُبحانَ مَن أَراحَ مِنهُ الخَلقا / فَكَيفَ يَحيا مِثلُهُ وَيَبقى
ثُمَّ اِستَوَت مِن بَعدِهِ الخِلافَه / وَزالَتِ الرَهبَةُ وَالمَخافَه
وَوَلِيَ المُلكَ إِمامٌ عادِلُ / قائِلُ كُلَّ حِكمَةٍ وَفاعِلُ
مِثلُ حُسامِ العَضبِ في جَلائِهِ / عَدا بِهِ صَيقَلُهُ بِمائِهِ
فَلُقِيَت بَيعَتُهُ بِالطاعَه / وَرَضِيَت بِذَلِكَ الجَماعَه
فَأَنفَذَت مِصرُ إِلَيهِ مالَها / فَأَصلَحَت حَصراً إِلَيهِ حالَها
وَسارَعَ الصَفّارُ بِالإِذعانِ / وَقَبِلَ البَيعَةَ غَيرَ وانِ
وَاِختارَ مِن جُنودِهِ كُلَّ بَطَل / مُجَرَّبٍ إِن حَضَرَ المَوتُ قَتَل
ثُمَّ نَفى كُلَّ دَخيلٍ قَد مَرَق / إِذا رَأى السَيفَ قَضى مِنَ الفَرَق
فَإِن غَدا مِن فَوقِ ظَهرٍ نَدبِ / كانَ إِلى الأَرضِ سَريعَ الجَنبِ
وَإِن رَمى كانَ مَريضَ السَهمِ / ذا وَتَرٍ رِخوٍ ضَعيفِ الرَجمِ
يَضحَكُ مِنهُ كُلُّ مَن يَراهُ / وَيَشتَهي بِرجاسُهُ قَفاهُ
وَهَرَبَت سِهامُهُ مِنَ الهَدَف / كَأَنَّهُ يَرمي بِرِجلٍ لا بِكَف
وَإِن بَدا بِالرُمحِ كانَ أَعجَبا / تَحسَبُهُ قِرداً يَجُرُّ ذَنَبا
حَتّى إِذا صَغا خِيارُ الجُندِ / وَقالَ يا حَربُ اِهزِلي وَجُدّي
سارَ إِلى المَوصِلِ يَنوي أَمرا / فَمَلَأَ البَرَّ مَعاً وَالبَحرا
وَكَبَسَ اللُصوصَ وَالأَفرادا / وَأَمَّنَ البِلادَ وَالعِبادا
وَجَزِعَت مِن خَوفِهِ الفَراعِنَه / وَأَصبَحَت سُفنُ البِحارِ آمِنَه
وَكانَ في دِجلَةَ أَلفُ ماخِر / لَم يَعنِها إِلّا جَناحُ طائِر
يَجبونَ كُلَّ مُقبِلٍ وَمُدبِرِ / مُجاهِرينَ بِفِعالِ المُنكَرِ
كَم تاجِرٍ رَوَّغَهُم بِزَورَقِه / فَأَغمَدوا سُيوفَهُم في مَفرِقِه
وَفَرَّتِ الأَعرابُ في البِلادِ / وَءُهلِكوا إِهلاكَ قَومِ عادِ
فَأودِعوا السُفنَ مُكَتَّفينا / مُغَلَّلينَ وَمُصَفَّدينا
وَبَعضُهُم مُراقَةٌ دِمائُهُم / قَد عَبِقَت بِريحِهِم صَحرائُهُم
وَكُلُّهُم قَد كانَ لِصّاً عادِيا / ما زالَ قِدماً يَعمَلُ الدَواهِيا
لَمّا رَأى مِنَ السُيوفِ بَرقا / مَلا السَراويلَ الطِوالَ ذَرقا
فَداسَهُم دَوسَ الحَصيدِ اليابِسِ / بِالخَيلِ وَالرِجالِ وَالفَوارِسِ
حَتّى أَتى المَوصِلَ فَاِستَهَلَّتِ / لَو قَدِرَت صامَت لَهُ وَصَلَّتِ
وَأَرسَلَ الرُسلَ إِلى اِبنِ عيسى / وَكادَ أَن يَجعَلَهُ قِسّيسا
وَهَمَّ أَن يَدخُلَ أَرضَ الرومِ / وَظَلَّ في كَربٍ وَفي هُمومِ
حَتّى اِفتَدى حَياتَهُ وَأَدّى / مالاً يَهُدُّ الحامِلينَ هَدّا
وَوَرَدَ الرُسلُ مَعَ الهَدايا / مِن عِندَهُ فَكانَ هَذا رايا
فَآثَرَ الحَياةَ وَالهَوانا / وَما هَدا حَتّى رَأى الأَمانا
وَجاءَ إِسحاقُ مُطيعاً سامِعا / وَلَم يَجِد شَيئاً سِوى ذا نافِعا
وَقَد أَتى حَمدانُ مِثلَ هَذا / فَأَدخَلوهُ صاغِراً بَغداذا
وَهُدِمَت قَلعَتُهُ الحَصينَه / وَأُخِذَت نِعمَتُهُ الثَمينَه
وَلَم يَدَع مِن بَعدِهِ هارونا / وَكانَ رَأياً لِلشَراةِ حينا
مُراوِغاً كَالثَعلَبِ الجَوّالِ / مُستَبصِراً في الكُفرِ وَالضَلالِ
يَلعَنُ عُثمانَ وَيَبرا مِن عَلي / وَاللَهُ ذو الجَلالِ مِنهُ قَد بَري
خَليفَةَ الأَكرادِ وَالأَعرابِ / وَقائِدَ الفُجّارِ وَالخُرّابِ
يَدعونَهُ أَميرَ مُؤمِنينا / بَل كافِراً أَميرَ كافِرينا
حَتّى حَواهُ كَفُّهُ أَسيراً / وَأَلبَسوهُ الوَشيَ وَالحَريرا
وَأَركَبوهُ أَكبَرَ البَهائِمِ / مَركَبَ كِسرى مَلِكِ الأَعاجِمِ
آكَلُ خَلقِ اللَهِ لِلعَصائِدِ / وَمُضغَةِ اللُحومِ وَالسَرائِدِ
يَشرَبُ جُبّاً وَيُعَرّي مائِدَه / وَهيَ عَلَيهِ في العَشِيِّ عائِدَه
حَتّى إِذا قامَ إِلى الحَفيرَه / أُلفي كَعَنزٍ رَبَضَت كَسيرَه
بِمِثلِ هَذا طَلَبوا الرِياسَه / وَلِلحَميرِ مِنهُ أَضحَوا ساسَه
لا لِمَقالاتٍ وَعَقدِ دَينٍ / لَكِن لِخَدعِ الجاهِلِ المَفتونِ
فَنَزَلوا مَنازِلاً عَلِيَّه / وَاِرتَفَعوا عَن مَوضِعِ الرَعِيَّه
وَكانَ مِمّا كانَ قَبلُ رافِعُ / الناكِثُ العَهدِ الغَرورِ الخالِعُ
غَرسٌ مِنَ الرَفضِ زَكا وَأَينَعا / فَاِجتُثَّ مِن مَكانِهِ وَاِقتُلِعا
إِذا أَرادَ فِتنَةً لا يُجتَرى / خَوفاً وَيُبدي غَيرَ ذاكَ وَيَرى
ما زالَ يُبدي طاعَةً مَريضَه / وَهوَ يَرى عِصيانَها فَريضَه
حَتّى إِذا ما اِستَحكَمَت مَرائِرُه / وَثَقُلَت مِن دائِهِ ضَمائِرُه
وَقادَ آلافاً مِنَ الضَلالِ / يُعِدُّهُم لِلحَربِ وَالقِتالِ
ناداهُ سُلطانُ الأَماني الكاذِبَه / وَهيَ عَلى رَأسِ الشَقِيِّ غالِبَه
وَأَظهَرَ الخِلافَ وَالعِصيانا / وَنُصرَةَ الباطِلِ وَالبُهتانا
وَبَيَّضَ الزَيَّ عَلى أَجنادِهِ / فَخَلَعَ السُؤدَدَ مِن سَوادِهِ
وَما الَّذي أَنكَرَ مِن تَسويدِنا / وَمَن عَلَيهِ لَجَّ في تَفنيدِنا
وَإِنَّما كانَ حِدادُ الهيمِ / عَلى الحُسَينِ وَعَلى اِبراهيمِ
وَكَم حَوى مِن فَجرِهِ وَغِيِّهِ / مُذَكِّراً بِما حَوَت أُمَيَّه
وَلَم يَزَل دَهراً عَلى ضَلالِهِ / ذا بَطَرٍ لِجُندِهِ وَمالِهِ
يَدعو إِلى النَبي عَلِيٍّ الرِضى / عَنهُم وَعَنّا وَجهُهُ قَد أَعرَضا
وَلَو أَضاعَ الناسُ هَذا الدُنيا / لَقَعَدوا يَبغونَهُ سِنينا
فَاِختَلَفوا فَقالَ قَومٌ هَذا / وَقالَ قَومٌ آخَرونَ لا ذا
وَضاعَتِ الأَحكامُ وَالشَرائِعُ / وَلَم يَكُن لِلناسِ أَمرٌ جامِعُ
وَقَرَّتِ العَينُ مِنَ الشَيطانِ / بِما يَرى في أُمَّةِ الإيمانِ
مِن خَيرِ آلِ أَحمَدَ المُطَهَّرِ / وارِثِ كُلَّ عِزَّةٍ وَمَفخَرِ
عَلَيكَ لَعنُ الخالِقِ المُهَيمِنِ / إِلّا بَنو عَمِّ النَبِيِّ المُؤمِنِ
ذاكَ سَقى اللَهُ بِهِ عَلِيّا / وَعُمَراً مِنَ السَماءِ الرَيّا
وَنَصَبوهُ قائِماً يَدعو لَهُم / فَحَقَّقَ الرَحمَنُ فيهِ سُؤلَهُم
وَهَل رِضا إِلّا أَبو العَبّاسِ / الواسِعُ الحِلمِ الشَديدُ الباسِ
ما زالَ يَأتي لَكَ ما تُريدُ / حَتّى أَتى بِرَأسِهِ البَريدُ
وَاِبتَهَجَ الحَقُّ وَأَهلُ السُنَّه / وَشَكَروا وَاللَهِ تِلكَ المِنَّه
وَأَصبَحَ الرَوافِضُ الفُجّارُ / يُخفونَ حُزناً فَوقَهُ اِستِبشارُ
وَمِن أَياديهِ عَلى الكَبيرِ / مِنَ العِبادِ وَعَلى الصَغيرِ
وَالنازِحِ الدارِ البَعيدِ عَنهُ / في كُلِّ أَرضٍ وَالقَريبِ مِنهُ
تَأخيرُهُ النَيروزَ وَالخَراجا / وَلَو أَرادَ أَخذَهُ لَراجا
تَكَرُّماً مِنهُ وَجوداً شامِلاً / وَحَزمَ تَدبيرٍ وَحُكماً عادِلا
وَعيدُنا بِكُلِّ مَن كانَ مَلي / مُستَأدِياً وَالزَرعُ لَم يُسَنبِلِ
فَكَم وَكَم مِن رَجُلٍ نَبيلِ / ذي هَيبَةٍ وَمَركَبٍ جَليلِ
رَأَيتُهُ يَعتَلُّ بِالأَعوانِ / إِلى الحُبوسِ وَإِلى الديوانِ
حَتّى أُقيمَ في جَحيمِ الهاجِرَه / وَرَأسُهُ كَمِثلِ قِدرٍ فائِرَه
وَجَعَلوا في يَدِهِ حِبالاً / مِن قُنَّبٍ يُقَطِّعُ الأَوصالا
وَعَلَّقوهُ في عُرى الجِدارِ / كَأَنَّهُ بَرّادَةٌ في الدارِ
وَصَفَّقوا قَفاهُ صَفقَ الطَبلِ / نَصباً بِعَينِ شامِتٍ وَخِلِّ
وَحَمَّروا نُقرَتَهُ بَينَ النُقَر / كَأَنَّها قَد خَجِلَت مِمَّن نَظَر
إِذا اِستَغاثَ مِن سَعيرِ الشَمسِ / أَجابَهُ مُستَخرِجٌ بِرَفسِ
وَصَبَّ سَجّانٌ عَلَيهِ الزَيتا / فَصارَ بَعدَ بِزَّةٍ كُمَيتا
حَتّى إِذا طالَ عَلَيهِ الجَهدُ / وَلَم يَكُن مِمّا أَرادَ بُدُّ
قالَ ئذَنوا لي أَسأَلِ التُجّارا / قَرضاً وَإِلّا بِعتُهُم عَقارا
وَأَجَّلوني خَمسَةً أَيّاما / وَطَوَّقوني مِنكُمُ إِنعاما
فَضايَقوا وَجَعَلوها أَربَعَه / وَلَم يُؤَمِّل في الكَلامِ مَنفَعَه
وَجائَهُ المُعَيَّنونَ الفَجَرَه / وَأَقرَضوهُ واحِداً بِعَشَرَه
وَكَتَبوا صَكّاً بِبَيعِ الضَيعَه / وَحَلَّفوهُ بِيَمينِ البَيعَه
ثُمَّ تَأَدّى ما عَلَيهِ وَخَرَج / وَلَم يَكُن يَطمَعُ في قُربِ الفَرَج
وَجائَهُ الأَعوانُ يَسأَلونَهُ / كَأَنَّهُم كانوا يُذَلِّلونَه
وَإِن تَلَكّا أَخَذوا عِمامَتَه / وَخَمَشوا أَخدَعَهُ وَهامَتَه
فَالآنَ زالَ كُلُّ ذاكَ أَجمَعُ / وَأَصبَحَ الجَورُ بِعَدلٍ يُقمَعُ
وَلا بَنى بانٍ مِنَ الخَلائِفِ / وَلا مُلوكِ الرومِ وَالطَوائِفِ
كَما بَنى مِن أَعجَبِ البِناءِ / لا زالَ فينا دائِمَ البَقاءِ
فَرَجَعَت كَغادَةٍ كَعابٍ / تَقَرُّ فيها أَعيُنُ الأَحبابِ
فَمَن رَأى مِثلَ الرَبابِ قَصراً / كَم حِكمَةٍ فيهِ تُخالُ سِحرا
وَالنَهرَ وَالبُستانَ وَالبُحَيرَه / قَد جَمَعَ الماءُ إِلَيها طَيرَه
وَلِلبُزاةِ مَعَها وَقائِعُ / فَغائِصٌ في جَوفِها وَواقِعُ
وَبَعضُها يُذبَحُ في الأَكُفِّ / مَأسورَةٌ قَد رُمِيَت بِحَتفِ
وَما رَأى الراؤونَ مِثلَ الشَجَرَه / ذاتَ غُصونٍ مورِقاتٍ مُثمِرَه
وَلَم تَكُن غَرساً تُرابُهُ الثَراء / وَلَم تَكُن مِن شَجَرٍ يُسقى بِماء
لَكِنَّها تُخبِرُ عَن حَكيمِ / مُوَفَّقٍ مُجَرَّبٍ عَليمِ
مُفَكِّرٍ مِن قَبلِ أَن يَقولا / وَيُحسِنُ التَفهيمَ وَالتَمثيلا
كَأَنَّها مِن شَجَراتِ الجَنَّه / أَنزَلَها إِلَهُنا ذو المِنَّه
وَالقُبَّةُ العَلياءُ وَالأُترُجَّه / مَلَكَ فيها أَربَعينَ حِجَّه
وَبِالزُبَيداتِ فَلا تَنساها / قُرَّةُ عَينِ كُلِّ مَن رَآها
أَبنِيَةٌ فيها جِنانُ الخُلدِ / لِكُلِّ ذي زُهدٍ وَغَيرِ زُهدِ
ريبَ عَدُوُّها بِها وَذُعِّرا / وَمَلَأَت عَينَيهِ لَمّا نَظَرا
كانَت عَلى ساكِنِها دَليلا / جَليلَةً قَد وَضَعَت جَليلا
وَمُذكِراتٍ لِجِنانِ الخُلدِ / لَطيفَةٍ ما إِن لَها مِن نَدِّ
وَمُظهِراتٍ قُوَّةَ الإِسلامِ / عَلى رَعاديهِ مِنَ الأَنامِ
تُخبِرُ عَن عِزٍّ وَعَن تَمكينِ / وَحِكمَةٍ مَقرونَةٍ بِالدينِ
كَذاكَ كانَ فاعِلاً سُلَيمان / إِذ أَمكَنَتهُ حِكمَةٌ وَسُلطان
وَالتُبَّعِيّونَ وَبُختُ نَصَّرِ / وَحُكَماءُ الرومِ وَالإِسكَندَرِ
وَمَلِكُ المُلوكِ أَعني جَعفَرا / كَفى بِهِ لِلفاخِرينَ مَفخَرا
كَم لَهُمُ مِن نَهَرٍ وَقَصرِ / وَأَثَرٍ باقٍ جَديدِ الذِكرِ
فَلَم يَزَل لِلعابِرينَ عَجَبا / وَمَفخَراً لِلوارِثينَ حَسَبا
وَمَن أَطاعَ رَغبَةً وَرَهبَه / أَكثَرُ مِن قَومٍ أَطاعوا حَسبَه
لا سِيَّما إِن طالَ عُمرُ الأُمَّه / وَنَظَرَت سَلامَةً وَنِعمَه
وَاِختَلَفَت وَأَحدَثَت أَحداثا / وَاِلتاثَ أَمرُ دينِها اِلتِياثا
فَما لِذاكَ الداءِ مِن دَواءِ / إِلّا اِمتِزاجَ الخَوفِ بِالرَجاءِ
وَكُلَّما فَخَّمَ أَمرَ المَملَكَه / وَجَدَّ ضِغنٌ لِلأَعادي حَنَّكَه
وَمُعظَمُ الفُتوحِ فيهِ آمِدُ / مَعقِلُ كُلِّ فاجِرٍ مُعانِدِ
لَم تُرَ قَطُّ مِثلُها مَدينَه / مَنيعَةً بِسَعدِها حَصينَه
فَلَم يَزَل بِرَأيِهِ وَحِيَلِه / وَحَزمِهِ في قَولِهِ وَعَمَلِه
يَذوقُها بِالرُفقِ أَيَّ ذَوقِ / وَالجَيشُ حَولَ سورِها كَالطَوقِ
حَتّى اِستَغاثَت بِالأَمانِ صاغِرَه / وَغَمَدَ السَيفَ بِكَفٍّ قادِرَه
وَحازَ مِنها كُلَّ ما كانَ جَمَع / فيها قَديماً لُكَعٌ إِبنُ لُكَع
نَعَم عَفا عَن إِبنِ شَيخٍ بَعدَما / قَد نَقَضَ العَهدَ الَّذي قَد أَحكَما
ثُمَّ أَتى الرَقَّةَ يَنوي أَمرا / فَلَم يَزَل فيها مُقيماً شَهرا
فَزَلزَلَ الشامَ وَعَقرَ دارِهِ / وَقَرُبَت مِنها شَبا أَظفارِهِ
وَبادَرَت مِصرُ إِلى رِضائِهِ / تَنتَظِرُ الإِصعاقَ مِن سَمائِهِ
وَحَمَلَت أَموالَها إِلَيهِ / وَخافَتِ البَطشَةَ مِن يَدَيهِ
وَعادَ مَنصوراً إِلى الثُرَيّا / وَكُلُّ ما أَرادَ قَد تَهَيّا
وَجائَهُ الوَزيرُ وَالأَميرُ / بِغِبطَةٍ فَكَمَلَ السُرورُ
مُظَفَّرٌ مَن قَد أَبانَ مَكرا / وَماتَ خَوفاً مِنهُما وَذُعرا
لَمّا رَأى الجُيوشَ صارَ ثَعلَبا / يَجُرُّ في كُلِّ البِلادِ ذَنَبا
وَقَتَلا اللُصوصَ وَالأَكرادا / وَعَمَرا مِن بَعدِها البِلادا
لَم يُرَ قَطُّ صاحِبا إِمامِ / مِثلَهُما في سائِرِ الأَنامِ
إِلّا أَبا الحُسَينِ أَعني قاسِما / أَحضَرَ خَلقِ اللَهِ رَأياً حازِما
ثَلاثَةٌ لِلمُلكِ كَالأَثافي / قَوادِمٌ لَيسَت مِنَ الخَوافي
دينُهُمُ الطاعَةُ لِلخَليفَه / وَنِيَّةٌ ناصِحَةٌ عَفيفَه
وَحَزمَةٌ في الرَأيِ وَالمَشورَه / قَديمَةٌ مَعروفَةٌ مَشهورَه
وَاِنظُر إِلى التَوفيقِ بِاِختِيارِهِم / وَالعِلمِ بِالناسِ وَبِاِختِيارِهِم
وَصالِحُ بنُ مُدرِكٍ قَد أُدرِكا / بِما جَناهُ ظالِماً وَاِنتَهَكا
فَكَم مُلَبٍّ أَشعَثٍ قَد أَحرَما / يَرجو مِنَ اللَهِ العَطاءَ الأَعظَما
جاءَ إِلى الكَعبَةِ مِن أَرمينِيَه / وَمِن خُراسانَ وَمِن إِفريقِيَه
وَعابِدٍ جاءَ مِنَ الشاماتِ / قَد سارَ في البَرِّ وَفي الفُراتِ
وَتاجِرٍ مَع حَجِّهِ وَعُمرَتِه / يَطلُبُ رِبحَ مالِهِ في سَفرَتِه
مُقَدِّرٍ في الرِبحِ أَضعافَ الثَمَن / مِن قاصِدٍ صَنعا إِلى أَرضِ عَدَن
فَهُم كَذاكَ سائِرونَ ظُهرا / أَو تَحتَ لَيلٍ أَو ضُحىً أَو عَصرَا
إِذ قالَ قَد جاءَكُمُ الأَعرابُ / وَكَثُرَ الطِعانُ وَالضِرابُ
وَصارَ في حَجِّهِمُ جِهادُ / وَاِحمَرَّتِ السُيوفُ وَالصِعادُ
وَصالِحٌ يُسعِرُ نارَ الحَربِ / في شَرِّ أَعوانٍ وَشَرَّ صَحبِ
فَكَم أَباحَ مِن حَريمٍ مَمنوع / وَكَم قَتيلٍ وَجَريحٍ مَصروع
وَكَم وَكَم مِن حُرَّةٍ حَواها / سَبِيَّةٍ وَزَوجُها يَراها
وَتاجِرٍ عُريانَ يَدعو بِالحَرَب / لا مالَ أَبقاهُ لَهُ إِلّا سَلَب
فَلَم يَزَل كَيدُ الإِمامِ يَرقُبُه / يَترُكُهُ طَوراً وَطَوراً يَطلُبُه
حَتّى إِذا حاطَت بِهِ آثامُهُ / وَقَرُبَت مِنَ الرَدى أَيّامُه
دَسَّ إِلَيهِ قاصِداً أَبا الأَغَر / بِحيلَةٍ مَكتومَةٍ عَنِ البَشَر
قَد راضَها في قَلبِهِ زَمانا / حَتّى إِذا أَتقَنَها إِتقانا
أَظهَرَ ما في قَلبِهِ المَقبولِ / فَجائَهُ بِرَأسِهِ المَقتولِ
يَميلُ مَغروزاً عَلى القَناةِ / كَمِثلِ نَشوانَ عَلى الأَصواتِ
حَتّى إِذا قارَبَ عِندَ العَشرِ / في مُلكِهِ مِنَ السِنينَ الزُهرِ
وَقَمَعَ الجَورَ بِحُكمٍ عادِلِ / وَمَلَأَ الدينَ بِحَقٍّ شامِلِ
بَدا لَهُ النَبِيُّ في المَنامِ / حُلمُ يَقينٍ لَيسَ كَالأَحلامِ
يَشكُرُهُ لِحَزمِهِ وَرَأفَتِه / وَحُسنِ ما يَفعَلُ في خِلافَتِه
بِشارَةٌ دَلَّت عَلى الرُضوانِ / مِن رَبِّهِ ذي المَنِّ وَالإِحسانِ
وَاللَهُ يولي الفَضلَ مَن يَشاءُ / بِكُلِّ شَيءٍ سَبَقَ القَضاءُ
فَدَفَعَ اللَهُ الخُطوبَ عَنهُ / وَنَحنُ لِلسوءِ فِداءٌ مِنهُ
ثُمَّ حَوى مِن بَعدِ ذاكَ فارِسا / كَم نَهبِ مالٍ كانَ مِنهُ آيِسا
وَطالَما كانَت لَعَمري طُعمَهُ / يَأكُلُ مِنها ثَمَراتٍ جَمَّ
وَكانَ لا يَحمِلُ مِن أَموالِها / شَيئاً وَيَستَقصي عَلى اِستِئصالِها
سِوى هَدايا كُلِّ حَولٍ كامِلِ / يَشهُرُها في السوقِ وَالمَحافِلِ
رَسولُهُ كَأَنَّهُ قَد أَفلَحا / وَقَد أَتى بِطائِلٍ وَأَنجَحا
مِنها رَمادِيٌّ كُمَيتٌ قَد صَفَن / وَغِلمَةٌ في القَدِّ يَعلوهُم دَرَن
فَإِن عَدا ذاكَ فَبازٌ أَبيَضُ / وَفَرَسٌ حافِرُهُ مُفَضفَضُ
ثُمَّ أَتَت سَعادَةُ الخَليفَةِ / وَحيلَةٌ خَفِيَّةٌ لَطيفَه
وَاِنقَضَّ إِسماعيلُ مِن بِلادِهِ / إِلَيهِ حَتّى صارَ في قِيادِهِ
وَهَكَذا عاقَبَهُ الطُغيانِ / وَطاعَةُ الأَنفُسِ لِلشَيطانِ
وَجاءَ مالُ فارِسٍ مُوَقَّرا / كَعَهدِهِ فيما مَضى وَأَكثَرا
وَحُمِلَ الصَفّارُ في القُيودِ / إِلى إِمامِ الأُمَّةِ السَعيدِ
ثُمَّ اِبنُ زَيدٍ بَعدَ ذاكَ قَد قُتِل / لَم يُنجِهِ حِصنٌ وَلا رَأسُ جَبَل
وَأَسلَمَتهُ لِلسُيوفِ وَالقَنا / جُندٌ تَخَلّوا عَنهُ حينَ قَد دَنا
وَطالَما عاثَ وَجارَ وَعَنَد / وَقامَ يَبغي المُلكَ حيناً وَقَعَد
سَل عَنهُ كُلَّ كَدَّةٍ وَحَجرِ / في طَبَرِستانَ وَوادٍ وَعرِ
فَكانَ ما قَد كانَ أَن يَكونا / وَصارَ حَقّاً قَتلُهُ يَقينا
وَاِسأَل ثُغورَ الشامِ عَن وَصيفِ / يُخبِر بِفَتحٍ عَجَبٍ ظَريفِ
قالَ أُريدُ الغَزوَ وَهوَ آبِق / وَلَيسَ يَخفى كاذِبٌ مِن صادِق
وَقالَ وَلّونِيَ في مَكانِ / وَجاهَرَ الإِسلامَ بِالعِصيانِ
وَسارَ بَل طارَ إِلَيهِ عَسكَرُه / ما كانَ إِلّا بِالعِيانِ خَبَرُه
فَعايَنَ المَوتَ الَّذي مِنهُ هَرَب / وَمَن يَفوتُ قَدَراً إِذا اِقتَرَب
فَكَم وَكَم مِن هارِبٍ ذَليلِ / وَكَم أَسيرٍ خاضِعٍ مَغلولِ
وَثابِتٍ إِلى الأَمامِ يَعدو / وَذُلُّهُ مِن قَبلِهِ أَشَدُّ
لَمّا أُتيحَ لِوَصيفٍ خاقان / فَعَلِمَت كَيفَ الرِجالُ الخُصيان
وَمُؤنِسٌ عادَ بِهِ عَلَيهِ / وَغَلَّ مِن ساعَتِهِ يَدَيهِ
وَلِوَصيفٍ وَوَصيفٍ أَيضاً / يَدٌ فَقَد خاضَ المَنايا خَوضا
مِن بَعدِ ما أَشجى وَصيفٌ في الوَغى / سَمِيُّهُ وَلَم يَكُن مِمَّن بَغى
وَماتَ الاِفشينُ عَلَيهِ حَسرَه / وَما بَكَت عَينٌ عَلَيهِ قَطرَه
وَصارَ أَيضاً قَد طَغى بُغَيلُ / ذاكَ الَّذي تَصحيفُهُ نُغَيلُ
فَوافَقَ الخادِمُ في الطَريقِ / مُقَيَّداً أَقبَحَ مِن رَقيقِ
وَاِبنُ البُغَيلِ وَأُناسٌ أُخَرُ / قَد كُسِبوا مِن أَرضِهِم وَأُسِروا
فَأُدخِلوا مَدينَةَ السَلامِ / وَآخَذَتهُم أَلسُنُ الأَنامِ
تَخطِرُ مِن تَحتِهِمِ الجِمالُ / وَفَوقَهُم قَلانِسٌ طِوالُ
وَالقَرمَطِيّونَ ذَوُو الآجامِ / صَغَوا فَقَد باؤوا مَعَ الآثامِ
وَشَرَعوا شَرائِعَ الفَسادِ / وَءُهلِكوا إِهلاكَ قَومِ عادِ
كانوا يَقولونَ إِذا قُتِلنا / صَبراً عَلى مِلَّتِنا رَجَعنا
مِن بَعدِ أَيّامٍ إِلى أَهلينا / فَقَبَّحَ الرَحمَنُ هَذا الدينا
وَضَرَطَ العَنزُ عَلى هَذا الخَبَر / فَهَأُلاءِ الحُمقُ مَن يَأتي سَقَر
يُجاهِدونَ عَن إِمامٍ مُختَفي / يُقَرِّبُ الوَعدَ لَهُم وَلا يَفي
آلَ عَلِيٍّ يا أَبا عَلِيَّ / هَذا لَعَمري سَفَهٌ وَعِيُّ
لَيسَ يَزيدُ الناسُ إِن تَرَوَّسوا / وَلا يَزيدُ المُلكُ إِن تَسَوَّسوا
وَلا أَراكُم تُحسِنونَ ذاكا / كَلّا وَلا إِن تُهلِكوا إِهلاكا
وَلا تَكونوا حَطَباً لِلنارِ / فَرُبَّ أَشرارٍ مِنَ الأَخيارِ
وَأُدخِلَ الصَفّارُ شَرَّ مَدخَلِ / يَإِنُّ مِن عَصِّ حَديدٍ مُثقِلِ
بَغدادَ فَوقَ جَمَلٍ مَغلولا / أَوَّلَ يَومٍ مِن جُمادى الأولى
وَقالَ شادانُ وَقَد رَآهُ / كَما يُحِبُّ كُلُّ مَن عاداهُ
لَيثٌ رَماهُ اللَهُ ذو المَعارِجِ / بِفالِجٍ قَبلَ رُكوبِ الفالِجِ
وَمَلِكُ الرومِ أَتى كِتابُهُ / بِزَلَّةٍ تَزِفُّهُ أَصحابُهُ
فَأُدخِلوا بَغدادَ في شَهرِ رَجَب / وَأَيقَنَ التُركُ بِصُغرٍ وَغَلَب
وَسَأَلَ الهَدنَةَ وَالفِداءَ / فَلَم يَجِد مِن دائِهِ شِفاءَ
ثُمَّ بَدا لِلسِرِّ مِن آلِ عَلي / مُجانِبٌ فِعالَ ذي الرُشدِ التَقي
حَبَّذا وَعادا بِصَنعاءِ اليَمَن / وَباغَ أَجلادِ وَقتِنا ذا دَرَن
وَناسِجاً لِلبُردِ وَالحَبيرِ / وَمَأكَلاً لِلبالِ في الهَجيرِ
أَتباعُ إِمرَةٍ وَأَسرى هُدهُدِ / إِن حَضَروا لَم يُكرَموا في المَشهَدِ
وَحُقِّروا لَمّا عَتَوا وَأَشرَكوا / فَفُرِّقوا بِغارَةٍ وَءُهلِكوا
ضاعوا عَنِ الإِرشادِ وَالتَسديدِ / وَاِقتَبَسوا خَلائِقَ القُرودِ
وَسَمِعوا نَعقَةَ غاوٍ جاهِلِ / فَاِتَّبَعوهُ رَغبَةً في الحاصِلِ
فَسَلَّطوا اِبنَ يَعفُرٍ عَلَيهِم / وَسارَ في عَسكَرِهِ إِلَيهِم
فَأَصبَحوا كَأَنَّهُم ما كانوا / جَزاءَ ما قَد فَجَروا وَخانوا
وَجاءَ بِالفَتحِ كِتابٌ وارِدُ / يَصدُقُهُ الشَدَّ بَريدٌ جاهِدُ
وَأُشخِصَ الأَميرُ نَحوَ طاهِرِ / يَسحَبُ أَذيالاً مِنَ العَساكِرِ
حَتّى نَفاهُ مِن تُخومِ فارِسِ / وَبانَ عَنها بِضَميرٍ آيِسِ
وَاِستَمِعِ الآنَ حَديثَ الكوفَه / مَدينَةً بِعَينِها مَعروفَه
كَثيرَةِ الأَديانِ وَالأَإِمَّه / وَهَمُّها تَشتيتُ أَمرِ الأُمَّه
مَصنوعَةٍ بِكُفرِ بُختَ نَصَّر / وَكُفرِ نَمرودٍ إِمامِ الكُفَّر
وَعَشَّشَ الشِمرُ بِها وَفَرَّخا / ثُمَّ بَنى بِأَرضِها وَرَسَّخا
وَغَرِقَ العالَمُ مِن تَنّورِها / جَزاءَ شَرٍّ كانَ مِن شُرورِها
وَهَرَبَت سَفينَةُ الطوفانِ / مِنها إِلى الجودِيِّ وَالأَركانِ
وَهُم بَنَوا لِلجَورِ صَرحاً مُحكَما / فَاِتَّخَذوا إِلى السَماءِ سُلَّما
وَلَم يَزَل سُكّانُها فُجّارا / مُستَبصِراً في الشِركِ أَو سَحّارا
تَفَرَّقوا وَبُلبِلوا بَلبالا / وَبُدِّلوا مِن بَعدِ حالٍ حالا
وَهُم رَمَوا في البِئرِ إِبراهيما / لَمّا رَأَوا أَصنامَهُم رَميما
وَدانِيالَ طَرَحوا في الجُبِّ / كُفراً وَشَكّاً مِنهُمُ في الرَبِّ
وَأَخَذوا وَقَتَلوا عَلِيّاً / العادِلَ البَرَّ التَقي الزَكِيّا
وَقَتَلوا الحُسَينَ بَعدَ ذاكا / فَأَهلَكوا أَنفُسَهُم إِهلاكا
وَجَحَدوا كِتابَهُم إِلَيهِ / وَحَرَّفوا قُرآنَهُم عَلَيهِ
ثُمَّ بَكَوا مِن بَعدِهِ وَناحوا / جَهلاً كَذاكَ يَفعَلُ التِمساحُ
فَقَد بَقوا في دينِهِم حَيارى / فَلا يَهودٌ هُم وَلا نَصارى
وَالمُسلِمونَ مِنهُمُ بَراءُ / رافِضَةٌ وَدينُهُم هَباءُ
فَبَعضُهُم قَد جَحَدَ الرَسولا / وَغَلَّطوا في فِعلِهِ جِبريلا
وَبَعضُهُم قالوا عَلِيٌّ رَبُّنا / وَحَسبُنا ذَلِكَ ديناً حَسبُنا
وَمِنهُمُ الشَراةُ وَالحِرابُ / إِن سَمِعوا بِبَيعَةٍ أَجابوا
كَم أَسلَموا مِن طالِبٍ ومَغرور / وَهَرَبوا في يَومِ حَربٍ مَشهور
وَلَيسَ مِنهُمُ سِوى اِبنِ النَبِيِّ / وَأَنا أَفديكَ بِأُمّي وَأَبي
حَتّى إِذا ما الحَربُ قامَت سوقُها / بِالضَربِ وَالطَعنِ وَصاحَ بوقُها
طاروا كَما طارَ رَمادُ الجَمرِ / وَوَهَبوهُ لِلرِماحِ السُمرِ
وَاِبنُ أَبي القَوسِ لَهُم نَبِيُّ / إِمامُ عَدلٍ لَهُمُ مَرضِيُّ
خَفَّفَ عَنهُم مِن صَلاةِ الفَرضِ / وَقالَ نابَ بَعضُها عَن بَعضِ
فَاِذهَب إِلى الجِسرِ تَجِدهُ فارِسا / عَلى طِمِرٍّ لِأَسيرٍ جالِسا
وَتِلكَ عُقبى الغَيِّ وَالضَلالِ / وَالكُفرِ بِالرَحمَنِ ذي الجَلالِ
ثُمَّ اِنقَضى أَمرُ الإِمامِ المُعتَضِد / وَكُلُّ عُمرٍ فَإِلى يَومٍ نَفِد
وَماتَ بَعدَ مِائتَينِ قَد خَلَت / في عامِ تِسعٍ وَثَمانينَ مَضَت
وَالحَيُّ مُنقادٌ إِلى الفَناءِ / وَالرِزقُ لا بُدَّ إِلى اِنتِهاءِ
حَجَّبَ ذا البَحرَ بِحارٌ دونَهُ
حَجَّبَ ذا البَحرَ بِحارٌ دونَهُ / يَذُمُّها الناسُ وَيَحمَدونَهُ
يا ماءُ هَل حَسَدتَنا مَعِنَهُ / أَمِ اِشتَهَيتَ أَن تُرى قَرينَهُ
أَمِ اِنتَجَعتَ لِلغِنى يَمينَهُ / أَم زُرتَهُ مُكَثِّراً قَطينَهُ
أَم جِئتَهُ مُخَندِقاً حُصونَهُ / إِنَّ الجِيادَ وَالقَنا يَكفينَهُ
يا رُبَّ لُجٍّ جُعِلَت سَفينَهُ / وَعازِبِ الرَوضِ تَوَفَّت عونَهُ
وَذي جُنونٍ أَذهَبَت جُنونَهُ / وَشَربِ كَأسٍ أَكثَرَت رَنينَهُ
وَأَبدَلَت غِناءَهُ أَنينَهُ / وَضَيغَمٍ أَولَجَها عَرينَهُ
وَمَلِكٍ أَوطَأَها جَبينَهُ / يَقودُها مُسَهِّداً جُفونَهُ
مُباشِراً بِنَفسِهِ شُؤونَهُ / مُشَرِّفاً بِطَعنِهِ طَعينَهُ
عَفيفَ ما في ثَوبِهِ مَأمونَهُ /
أَبيَضَ ما في تاجِهِ مَيمونَهُ / بَحرٌ يَكونُ كُلُّ بَحرٍ نونَهُ
شَمسٌ تَمَنّى الشَمسُ أَن تَكونَهُ /
إِن تَدعُ يا سَيفُ لِتَستَعينَهُ / يُجِبكَ قَبلَ أَن تُتِمَّ سينَهُ
أَدامَ مِن أَعدائِهِ تَمكينَهُ / مَن صانَ مِنهُم نَفسَهُ وَدينَهُ
إِنّي أَنا عَنتَرَةَ الهَجينُ
إِنّي أَنا عَنتَرَةَ الهَجينُ / فَجُّ الأَتانِ قَد عَلا الأَنينُ
يُحصَدُ فيهِ الكَفُّ وَالوَتينُ / مِن وَقعِ سَيفي سَقَطَ الجَنينُ
عِندَكُمُ مِن ذَلِكَ اليَقينُ / عَبلَةُ قَومي تَرَكِ العُيونُ
فَيَشتَفي مِمّا بِهِ الحَزينُ / دارَت عَلى القَومِ رَحى المَنونِ
إِنَّ أَبا سَعدٍ عَلى مُجونِهِ
إِنَّ أَبا سَعدٍ عَلى مُجونِهِ /
وَرِقَّةٍ في عَقلِهِ وَدينِهِ /
يَبتَرِكُ الدَهرَ عَلى جَبينِهِ /
لِحَيَّةٍ تَنسابُ في تِسعينِهِ /
وَلا يَزالُ مِن نَدى يَمينِهِ /
يَزرَعُ قِثّا جارِهِ في تينِهِ /