المجموع : 4
شمسٌ تجلَّتْ تحت ثوبِ ظُلَمْ
شمسٌ تجلَّتْ تحت ثوبِ ظُلَمْ / سَقيمةُ الطَّرف بغيرِ سَقَمْ
ضاقَتْ عليَّ الأَرضُ مُذ صَرَمتْ / حَبلي فما فيها مكانُ قدمْ
شمسُ وأَقمارٌ يَطوفُ بها / طوْفَ النَّصارى حولَ بيتِ صنَمْ
النَّشرُ مسكٌ والوجوهُ دَنا / نيرٌ وأَطرافُ الأَكفِّ عَنَمْ
أنتَ بما في نفسهِ أعلمْ
أنتَ بما في نفسهِ أعلمْ / فاحكُمْ بما أحببتَ أن تحكُمْ
ألحاظُه في الحبِّ قد هَتكتْ / مكتومَهُ والحبُّ لا يُكتَمْ
يا مقلةً وحشيَّةً قتلتْ / نفساً بلا نفْسٍ ولم تَظلِمْ
قالتْ تَسلَّيتُ فقلتُ لها / ما بالُ قلبي هائمٌ مُغرمْ
يا أيُّها الزّاري على عُمرٍ / قد قلتَ فيهِ غير ما تَعلمْ
صَحِيفةٌ طابَعُها اللُّومُ
صَحِيفةٌ طابَعُها اللُّومُ / عُنوانُها بالجهلِ مَختومُ
أَهداكَها والخُلفُ في طَيِّها / والمَطلُ والتَّسويفُ واللومُ
من وجهِهِ نَحْسٌ ومَن قُربِهِ / رِجْسٌ ومن عِرفانِهِ شُومُ
لا تَهتضِمْ إن بتَّ ضَيفاً له / فخُبزُهُ في الجوفِ هاضُومُ
تَكْلمهُ الأَلحاظُ من رقَّةٍ / فهْوَ بلحْظِ العَينِ مَكْلومُ
لا تَأْتدِمْ شَيئاً على أَكلهِ / فإنَّهُ بالجوعِ مَأدومُ
باللَّهِ نَبدا وبه التمامُ
باللَّهِ نَبدا وبه التمامُ / وباسمِهِ يُفْتَتحُ الكلامُ
يا طالبَ العلْمِ هو المنهاجُ / قد كثُرَت مِن دونِه الفِجاجُ
وكُلُّ عِلْمٍ فلَهُ فُنُونُ / وكُلُّ فَنٍّ فَلهُ عُيونُ
أوَّلُها جوامعُ البيانِ / وأصلُها معرفةُ اللِّسانِ
فإِنَّ في المَجازِ والتَّأويلِ / ضَلَّتْ أساطيرُ ذَوي العُقُولِ
حتّى إِذا عَرَفتَ تلكَ الأَبنيهْ / واحدَها وجَمعها والتَّثنيهْ
طَلبتَ ما شِئْتَ منَ العُلومِ / ما بينَ مَنثورٍ إلى مَنظومِ
فَداوِ بالإعرابِ والعَروضِ / داءَك في الإملالِ والقريضِ
كِلاهُمَا طِبٌّ لداءِ الشِّعرِ / والفَّظِ من لَحنٍ بهِ وكسْرِ
ما فَلْسَفَ النَّيطسُ جالينوسُ / وصاحبُ القانونِ بَطْليْموسِ
ولا الذي يَدعونه بِهِرمِسِ / وصاحبِ الأَركندِ والإقليدسِ
فَلسَفَةَ الخَليلِ في العَروضِ / وفي صَحيحِ الشِّعر والمَريضِ
وقد نظرتُ فيهِ فاختصرتُ / إلى نِظامٍ منهُ قد أحْكمتُ
مُلَخَّصٍ مُختصرٍ بديعِ / والبَعضُ قد يكفي عن الجميعِ
هذا اختصارُ الفَرش من مقالي / وبعدَهُ أقولُ في المِثالِ
أوَّلُهُ واللَّهِ أستعِينُ / أن يُعرفَ التحريكُ والسُّكُونِ
من كُلِّ ما يبدو على اللِّسانِ / لا كُلِّ ما تخُطُّهُ اليَدانِ
ويظهرُ التَّضعِيفُ في الثَّقيلِ / تَعُدُّهُ حَرفَينِ في التَّفصيلِ
مُسكَّناً وبعدَهُ مُحَرَّكا / كنُونِ كُنَّا وكراءِ سَرَّكا
وبعدَ ذا الأَسبابُ والأَوتادُ / فَإِنّها لقولنا عِمادُ
فالسببُ الخَفيفُ إِذ يُعدُّ / مُحَرّكٌ وساكِنٌ لا يَعْدُو
والسّببُ الثَّقيلُ في التَّبيينِ / حَركتانِ غَيْر ذي تَنوينِ
والوتدُ المَفروقُ والمَجموعُ / كِلاهُما في حَشْوِهِ مَمْنوعُ
وإِنَّما اعتلَّ منَ الأجزاءِ / في الفصلِ والغائي والابتداءِ
فالوتدُ المَجموعُ منها فافْهمنْ / حركتانِ قبلَ حرفٍ قد سَكَنْ
والوتدُ المَفروقُ من هذينِ / مُسكَّنٌ بينَ مُحَرَّكَينِ
فهذهِ الأَوتادُ والأَسبابُ / لها ثَباتٌ ولها ذَهابُ
وإِنَّما عَروضُ كُلِّ قافِيهْ / جارٍ على أجزائهِ الثَّمانِيَهْ
وهاكَها بيِّنةً مُصوَّرَهْ / لكُلِّ مَن عاينَها مُفَسَّرَه
هذي التي بها يَقولُ المُنْشِدُ / في كلِّ ما يَرْجُز أو يُقصِّدُ
كُلُّ عروضٍ يَعتزي إليها / وإنَّما مَدارُهُ عليها
منها خُماسِيّانِ في الهجاءِ / وغَيرِها مُسبَّعُ البِناءِ
يدخلُها النُّقصانُ بالزِّحافِ / في الحشوِ والعروضِ والقوافي
وإنّما تَدخلُ في الأسبابِ / لأنَّها تُعرفُ باضطرابِ
فكُلُّ جزءٍ زالَ منهُ الثاني / من كُلِّ ما يَبدو على اللِّسانِ
وكانَ حرفاً شانُهُ السُّكونُ / فإنَّه عندي اسمُهُ مَخْبونُ
وإنْ وجدتَ الثانيَ المنْقوصا / مُحرَّكاً سَمَّيْتهُ المَوْقُوصا
وإن يَكُنْ مُحَرَّكاً فَسكِّنا / فذلكَ المُضمَرُ حَقاً بَيِّنا
والرابعُ الساكِنُ إذْ يَزُولُ / فذلكَ المَطويُّ لا يَحولُ
وإنْ يَزُلْ خامسُهُ المسكَّنُ / فذلكَ المَقبوضُ فهو يحسُنُ
وإن يكُن هذا الذي يَزولُ / مُحرَّكاً فإنّهُ المَعقولُ
وإنْ يكُنْ محرَّكاً سَكَّنْتهُ / فَسمِّهِ المَعصوبَ إنْ سمَّيتَهُ
وإن أزَلتَ سابعَ الحُروفِ / سَمَّيتهُ إذ ذاكَ بالمَكْفُوفِ
كُلُّ زِحافٍ كانَ في حَرفَينِ / حَلَّ مِنَ الجُزءِ بمَوْضِعَينِ
فإنَّه يُجْحِفُ بالأجزاءِ / وهوَ يُسمَّى أقبحَ الأسماءِ
فكُلُّ ما سُكَّنَ منهُ الثاني / وأسقط الرابعُ في اللِّسانِ
فذلكَ المَخزولُ وهو يَقْبُحُ / فحيثُما كانَ فليْسَ يَصْلُحُ
وإنْ يَزُل رابعُهُ والثّاني / ذاكَ وذا في الجُزءِ ساكِنانِ
فإنّهُ عندي اسمه المخبولُ / يقصِّرُ الجزءَ الَّذي يطولُ
وكل جزءٍ في الكتابِ يدركُ / يسكن منه الخامسُ المحركُ
وأُسقطَ السابعُ وهو يسكنُ / فذلكَ المنقوصُ ليسَ يحسنُ
وسابعُ الجزءِ وثانيهِ إذا / كانَ يعد ساكناً ذاكَ وذا
فأسقِطا بأَقبَحِ الزِّحافِ / سُمِّيَ مشكولاً بلا اختلافِ
هذا الزِّحافُ لا سواهُ فاسْمَعِ / يُطلقُ في الأَجزاءِ ما لم يُمنَعِ
والعِلَلُ التي تجوزُ أَجمعُ / وليْسَ في الحَشوِ لهنَّ مَوضعُ
ثلاثةٌ تُدعى بالابتداءِ / والفَصلِ والغايةِ في الأَجزاءِ
والاعتمادُ خارجٌ عن شَكلها / وفِعْلُهُ مُخالفٌ لفِعْلها
لأَنَّهمْ قد تَركوا التزامَهْ / وجازَ فيه القبضُ والسَّلامَهْ
ومثلُ ذاك جائزٌ في الحشْوِ / فنَحوُ هذا غيرُ ذاكَ النَّحوِ
وكُلُّ معتلٍّ فغيرُ جائزِ / في الحَشْوِ والقَصيد والأَراجِزِ
وإنَّما أَجازَهُ الخليلُ / مُجازفاً إذ خانَهُ الدَّليلُ
وكُلُّ حيٍّ من بني حَوّاء / فغيرُ مَعْصومٍ مِنَ الخَطاءِ
فأوّلُ البَيتِ إذا ما اعتلّا / سَمّيتَهُ بالابتداءِ كُلّا
وغايةُ الضَّربِ تُسمَّى غايَهْ / وليسَ في الحَشوِ لها حِكايهْ
وكُلُّ ما يَدخلُ في العَروضِ / مِنْ عِلَّةٍ تَجوزُ في القَريضِ
فهيَ تُسمَّى الفَصلَ عند ذاكا / وقَلَّ مَن يعرفهُ هُناكا
والخَرمُ في أَوائلِ الأَبياتِ / يُعرفُ بالأسماء والصِّفاتِ
نُقصانُ حَرفٍ من أَوائلِ العَدَدْ / في كُلِّ ما شَطْرٍ يُفكُّ من وَتَدْ
خَمسةُ أَشطارٍ من الشُّطورِ / يُخرمُ مِنها أَوّلَ الصُّدورِ
منها الطَّويلُ أَوّلُ الدوائرِ / وأَطْولُ البِناءِ عندَ الشَّاعرِ
يَدْخلهُ الخَرمُ فيُدعى أَثْلما / فإنْ تلاهُ القَبْضُ سُمِّي أَثْرما
والوافرُ الذي مَدارُ الثانيهْ / عليهِ قَد تَعيهِ أُذْنٌ واعيَهْ
يَدخلُهُ الخَرمُ في الابتداءِ / في أولِ الجُزءِ منَ الأجزاءِ
وهو يُسمَّى أعضَباً فكُلما / ضُمَّ إليهِ العَصبُ سُمي أَقْصما
وإنْ يكُنْ أعصبَ ثم يُعْقلُ / فذلكَ الأَجمُّ ليسَ يُجهلُ
والهَزَجُ الذي هو السّوارُ / عليهِ للثالثةِ المَدارُ
يدخلُهُ الخَرْمُ فَيُدعى أَخرما / وهوَ قَبيحٌ فاعلمنَّ وافْهما
حتّى إذا ما كُفَّ بعدَ الخَرمِ / سمَيتَه أَخْرَبَ إذْ تُسمّي
والأَشترُ المُهجَّنُ العَروضا / ما كانَ منهُ آخرٌ مَقبوضا
هذا وفي الرابعةِ المُضارعُ / يَدخلُ فيهِ الخَرمُ لا يُدافَعُ
كمِثلِ ما يدخلُ في شَطرِ الهَزجْ / وهو يُسمَّى باسمِهِ بلا حَرجْ
ولا يجوزُ الخَرمُ فيهِ وحدَهُ / إلَّا بقَبضٍ أو بكَفٍّ بعدَهُ
لعلَّةِ التَّراقُبِ المَذكورِ / خُصَّ بهِ من أَجمعِ الشُّطورِ
والمُتقاربُ الذي في الآخرِ / تَحلو بهِ خامسةُ الدَّوائرِ
يَدخلُهُ ما يَدخُلُ الطَّويلا / من خَرمهِ وليسَ مُسْتحيلا
هذا جميعُ الخرمِ لا سِواهُ / وهوَ قَبيحٌ عندَ من سَمَّاهُ
يدخلُ في أَوائلِ الأَشعارِ / ما قيلَ في ذي الخمسةِ الأشطارِ
لأَنَّ في أَولِ كلِّ شَطْرِ / حَركتينِ في ابتداءِ الصَّدرِ
وإنَّما يَنفكُّ في الأَوتادِ / فلم يضِرْها الخرمُ في التَّمادي
لقوةِ الأَوتادِ في أَجزائها / وأنَّها تَبرأ من أَدْوائها
سالمةً من أَجمعِ الزِّخافِ / في كُلِّ مَجْزوءٍ وكُلِّ وافي
والجُزءُ ما لم ترَ فيهِ خَرْما / فَإنّه المَوْفورُ قد يُسمَّى
والعِللُ المسميّاتُ اللاتِي / تُعرفُ بالفُصولِ والغاياتِ
تدْخلُ في الضَّربِ وفي العَروضِ / وليسَ في الحَشْوِ مِنَ القريضِ
منها الّذي يُعرفُ بالمَحْذوفِ / وهو سُقوطُ السَّببِ الخَفيفِ
في آخرِ الجُزءِ الّذي في الضَّربِ / أو في العَروضِ غير قولِ الكذبِ
ومثلهُ المَعروفُ بالمَقْطوفِ / لولا سكونُ آخرِ الحُروفِ
وكُلُّ جُزءٍ في الضُّروبِ كائنِ / أُسقطَ منهُ آخرُ السَّواكنِ
وسُكِّنَ الآخر من باقِيهِ / ممَّا يُجيزونَ الزِّحافَ فيهِ
فذلكَ المقصورُ حينَ يُوصفُ / وإنْ يكنْ آخرُهُ لا يُزْحفُ
من وَتدٍ يكون حين لا سبب / فذلكَ المَقطوعُ حينَ يَنْتسبْ
وكلُّ ما يُحذفُ ثمّ يُقطعُ / فذلكَ الأَبترُ وهو أشنعُ
وإنْ يَزُل من آخرِ الجُزء وَتَدْ / إن كانَ مجموعاً فذلكَ الأحَدْ
أو كانَ مَفروقاً فذاكَ الأصْلمُ / كلاهُما للجُزءِ حقّاً صَيْلَمُ
وإنْ يُسكَّنْ سابعُ الحُروفِ / فإِنّه يُعرفُ بالمَوْقوفِ
وإنْ يكُنْ مُحرَّكاً فأُذْهِبا / فذلكَ المَكسوفُ حقّاً مُوجِبا
وبعدَه التَّشعيثُ في الخَفيفِ / في ضَرْبهِ السالم لا المَحْذوفِ
يُقطعُ منهُ الوَتَدُ المُوسَّطُ / وكُلُّ شيءٍ بعدهُ لا يَسقُطُ
وبعدَ ذا تَعاقبُ الجُزأَينِ / في السَّببينِ المُتَقابِلينِ
لا يَسقطانِ جُملةً في الشِّعرِ / فإنَّ ذاكَ من أَشدِّ الكسْرِ
ويَثْبُتانِ أَيَّما ثَباتِ / وذاكَ من سَلامَةِ الأبياتِ
وإنْ يَنَلْ بعضَهما إزالَهْ / عاقَبَه الآخرُ لا مَحالَهْ
فكُلُّ ما عاقبه ما قَبلهُ / سُمِّيَ صَدراً فافههمنَّ أصلهُ
وكُلُّ ما عاقَبه ما بعدَهُ / فهو يُسمَّى عَجُزاً فعُدَّهُ
وإنْ يكُن هذا وذا مُعاقبا / فهو يُسمَّى طَرفين واجبا
يَدخلُ في المَديدِ والخفيفِ / والرَّمل المَجزوء والمَحْذوفِ
ويدخلُ المجتثَّ أَيضاً أَجمعَهْ / ولا يكونُ في سوى ذي الأربعَهْ
والجُزءُ إذ يخلو من التعاقُبِ / فهو بَريءٌ غَيرَ قَولِ الكاذِبِ
وهكذا إنْ قِسْتَهُ التعاقبُ / وليسَ مثلَ ذلكَ التَّراقبُ
لأنّهُ لم يأتِ من جُزأَينِ / في السَّببينِ المُتجاورينِ
لكنَّهُ جاءَ بجزءٍ واحِدِ / في أوّلِ الصَّدرِ من القَصائدِ
والسَّببانِ غيرُ مَزْحوفينِ / في جُزئهِ وغيرُ سالمينِ
إنْ زالَ هذا كانَ ذا مكانَهُ / فاسمَعْ مقالي وافهمنْ بيانَهُ
فهكذا التراقُبُ المَوصُوفُ / وكُلُّهُ في شَطْرهِ مَعْروفُ
يدخلُ أولَ المُضارعِ السَّببْ / وبعدَه يدخُلُ صدرَ المُقتضبْ
ثمّ الزِّياداتُ على الأَجزاءِ / مَوجودةٌ تُعرفُ بالأَسماءِ
وإنّما تَكونُ في الغاياتِ / تُزادُ في أواخرِ الأَبياتِ
وكُلُّها في شَطرهِ مَوجودُ / منها المُرَفّلُ الّذي يَزيدُ
حَرْفينِ في الجُزءِ على اعْتدالِهِ / مُحرَّكاً وساكناً في حولهِ
وذاكَ فيما لا يجوزُ الزَّحفُ / فيه ولا يُعزى إليهِ الضَّعفُ
وفيه أَيضاً يدخُلُ المُذالُ / مُقَيِّداً في كلِّ ما يُقالُ
وهو الذي يَزيدُ حرفاً ساكناً / على اعتدالِ جُزئهِ مُباينا
ومثله المُسبغُ من هذي العِللْ / حَرْفٌ تَزيدهُ على شطْرِ الرَّملْ
فإنْ رأيتَ الجُزءَ لم يَذهب مَعا / بالانتقاصِ فهو وافٍ فاسمعا
وإنْ يكُنْ أَذهبَهُ النُّقصانُ / فافْهمْ ففي قولي لك البَيانُ
فذلك المَجزوءُ في النِّصفينِ / إذا انتقصتَ منهما جُزأَينِ
والبيتُ إنْ نَقصتَ منهُ شطرهُ / فذلكَ المَشطورُ فافهمْ أَمرهُ
وإنْ نَقصتَ منه بعد الشّطرِ / جُزءاً صحيحاً من أَخيرِ الصَّدرِ
وكانَ ما يَبقى على جُزأَينِ / فذلكَ المَنهوكُ غَيرَ مَيْنِ
فاسمع فهذي صِفة الدوائرِ / وَصْفَ عليمٍ بالعَروضِ خابِرِ
دوائرٌ تعيا على ذِهنِ الحَذِقْ / خمسٌ عليهن الخُطوطُ والحَلَقْ
فما لها من الخُطوطِ البائنهْ / دلائلٌ على الحُروفِ السَّاكنهْ
والحَلقاتِ المُتجوِّفاتِ / علامَةٌ للمتحرِّكاتِ
والنُّقطُ التي على الخُطوطِ / علامةٌ تُعدُّ للسُّقوطِ
والحلق التي عليها يُنْقطُ / تسكن أحياناً وحِيناً تَسقُطُ
والنُّقطُ التي بأجوافِ الحَلقْ / لمبتدا الشُّطورِ منها يُخترقْ
فانظُر تجدْ من تحتها أسماءَها / مكتوبةً قد وُضعتْ إِزاءَها
والنُّقطتانِ موضعَ التعاقُبِ / ومثلَ ذاكَ موضعَ التَّراقبِ
وهذه صُورةُ كُلِّ واحده / مِنها ومَعنى فَسرها على حِدَه
أَولها دائرةُ الطويلِ / وهي ثمانٍ لذوي التَّفضيلِ
مُقسَّم الشَّطر على أَرباعِ / بينَ خُماسيٍّ إلى سُباعي
حُروفُه عشرونَ بعدَ أَربعَه / قد بَيَّنوا لكُلِّ حرفٍ موضعه
تنفكُّ منها خَمسةٌ شُطورُ / يفصلها التفعيلُ والتَّقديرُ
منها الطويلُ والمَديد بعدهُ / ثمَّ البَسيطُ يحكمونَ سَرْدهُ
ثلاثةٌ قالتْ عليها العربُ / واثنانِ صدُّوا عنهما ونَكبوا
وهذه صُورتُها كما تَرى / وذكرُها مبيَّناً مفسَّرا
وهذه الثانية المخصوصَه / بالسببِ الثَّقيلِ والمَنقوصَه
أجزاؤها ثلاثةٌ مُسبَّعه / قد كَرهوا أَن يَجعلُوها أَربعَه
لأَنّها تَخرجُ عن مِقدارِهمْ / في جملةِ المَوزون من أشعارهمْ
فهي على عِشرينَ بعد واحد / من الحُروفِ ما بها من زائدِ
ينفكُّ منها وافرٌ وكاملُ / وثالثٌ قد حارَ فيه الجاهلُ
والدارةُ الثالثةُ التي حكتْ / في قَدرها الثانيةَ التي مَضَتْ
في عِدةِ الأَجزاءِ والحُروفِ / وليس في الثَّقيلِ والخفيفِ
ينفكُّ منها مِثلُ ما ينفكُّ / من تلك حقاً ليس فيه شكُّ
ترفُلُ من ديباجها حُلل / من هَزجٍ أو رَجزٍ أو رملِ
وهذه صورتُها مبيَّنه / بحَلْيها ووَشْيها مُزَيَّنَه
ورابعُ الدَّوائر المَسْرودَهْ / أجزاؤها ثلاثةٌ مَعْدوده
عَجيبةٌ قد حارَ فيها الوَصْفُ / عِشرونَ حرفاً عَدُّها وحَرْفُ
مِثلَ الّتي تَقدَّمتْ من قَبلها / وشَكْلها مُخالفٌ لشَكْلها
بَدِيعةٌ أحْكم في تَدْبيرها / بالوَتِد المَفْروق في شطورها
ينفكُّ منها ستَّةٌ مَقُولَه / مِن بينها ثلاثةٌ مَجْهُولَهْ
وكلُّ هذه السَّتة المَشْطورَهْ / مَعْروفة لأَهلها مَخْبورهْ
أَوّلُها السَّريعُ ثم المُنسرحْ / ثم الخَفيفُ بعدهُ ثَمَّ وَضَحْ
وبعدَهَ مُضارعُ ومُقتضبْ / شَطرانِ مَجزوءانِ في قَولِ العَربْ
وبعدها المُجتثُّ أحلى شَطْرِ / يُوجدُ مَجزوءاً لأهلِ الشِّعرِ
وبعدها خامسةُ الدَّوائرِ / للمُتقاربِ الَّذي في الآخِرِ
ينفكُّ منها شَطْره وشَطْرُ / لم يأتِ في الأَشعارِ منه الذِّكرُ
مِن أقصرِ الأَجزاء والشُّطورِ / حُروفُه عشرونَ في التَّقديرِ
مؤلَّف الشَّطر على فواصِلِ / مخَمَّساتٍ أرْبعٍ مَواثِلِ
هذا الذي جَرَّبهُ المُجَرِّبُ / من كُلِّ ما قالتْ عليه العربُ
فكُلُّ شيءٍ لم تَقُلْ عليهِ / فإنَّنا لم نَلتفتْ إليْهِ
ولا نَقولُ غيرَ ما قد قالوا / لأنَّه من قَولنا مُحالُ
وإنّه لو جازَ في الأَبياتِ / خلافُها لجازَ في اللّغاتِ
وقد أَجازَ ذلكَ الخليلُ / ولا أَقولُ فيه ما يَقولُ
لأَنه ناقَضَ في مَعناهُ / والسيفُ قد يَنُبو وفيه ماهُ
إذ جعَلَ القولَ القديمَ أَصلَهُ / ثم أَجازَ ذا وليسَ مثلَهُ
وقد يَزِلُّ العالِمُ النِّحريرُ / والحَبرُ قد يَخُونهُ التَّحبيرُ
وليسَ للخليلِ من نَظيرِ / في كُلِّ ما يأتي من الأُمورِ
لكنَّه فيه نَسيجُ وحده / ما مثْلُه مِن قبلهِ وبَعدهِ
فالحمدُ للَّه على نَعْمائهِ / حمداً كثيراً وعلى آلائهِ
يا مَلكاً ذلَّتْ لهُ المُلوكُ / ليسَ له في مُلكهِ شَريكُ
ثبِّتْ لعبدِ اللَّهِ حُسنَ نيَّته / واعطفه بالفضل على رعيَّته