المجموع : 4
الحَمدُ لِلّهِ كَما
الحَمدُ لِلّهِ كَما / أَولى الجَميلَ مُنعما
ثُمَ الصَلاةُ أَبَدا / عَلى النَبيِّ أَحمَدا
مَن حازَ حُسنَ الخُلُق / وَسادَ كُل الخَلق
وَبَعد فَالأَخلاقُ / مَيدانُها سِباقُ
من طَلبَ الآدابا / تَجشَّم الصِعابا
وَمَن يَرُم دَرك العُلا / سارَ لَها مُستَبسِلا
في شِكّةٍ مِن عَزمِهِ / وَعُدَّةٍ مِن حَزمِهِ
إِن العُلا كَعابُ / لَها القَنا حِجابُ
سُهولُها أَوعارُ / تحفُّها الأَخطارُ
سَبيلُها الأَخلاقُ / لَكنَّها وَثاقُ
المَجدُ صَعب مَغنمه / حسن السَجايا سُلَّمه
إِن لَم يَنَلهُ الباعُ / فَباعُكَ الطِباعُ
فَمن يَرُم طِلابَها / فَليشربنَّ صابَها
فَلن تَذوقَ ما حَلا / حَتّى تَذوقَ الحَنظَلا
وَهَكذَا المَحامدُ / مِن دُونِها الشَدائدُ
لَيسَت أَثاثاً يُقتنى / وَلا تُنالُ بِالمُنى
ذكرُ الفَتى بِما ذَخر / وَالخُلقُ نِعمَ المدَّخر
والذكرُ عمرٌ ثانِ / لِلمَرءِ وَهوَ فانِ
يترُكُ دُنياهُ وَما / يُبقي سِوى ما قَدَّما
تُصبحُ مِنهُ بَلقَعا / وَلَيسَ إلّا ما سَعى
فَخرُ الفَتى أَعمالُه / لا جَدُّهُ وَمالُه
المالُ ظلٌّ زائلُ / وَالجَدُّ لَونٌ حائِلُ
ماذا يفيدُ المالُ / إِن ساءَتِ الأَفعالُ
كَم مِن فَتىً أَراهُ / يُعجِبُني مَرآهُ
ذا زينَةٍ وَرِيِّ / وباطن مَقليِّ
بِهِ المَخازِي خافِيَه / إِنَّ العُيونَ غاوِيَه
لا يَزدَهيكَ ما تَرى / فَكُلُّهُ إِلى الثَرى
حَسبُ الفَتى ما قاتَهُ / وَليَتَّرِك ما فاتَه
لا تَبغِ فَضلَ النَشبِ / وَاِبتَغِ فَضلَ الأَدَبِ
مَن لَم يُسوِّده أَبُ / أَعلى ذُراهُ الأَدَبُ
إِن العَظيم مَن بَنى / وَلَم يَقُل ذا بَيتُنا
وَلَيسَ عالي الهِمَمِ / مَن كانَ ذا قَلبٍ عَمِ
فاِجعَل حُلاكَ الأَدبا / إِن الفَتى ما كسَبا
وَهَذِهِ قَلائِدُ / وَكُلُّها فَرائِدُ
قَلَّدتُ جِيدَ الدَهرِ / بِها وَجيدَ مِصر
جَمَعتُ فيها الأَدَبا / أَقضي بِها ما وَجَبا
أَبياتُها أَمثالُ / عَزَّت فَلا تُنالُ
أَخلَصتُ فيها النِيّه / لا أَبتَغي أُمنيَّه
وَلَم أُرِد إِكباراً / بِها وَلا اِشتِهارا
وَما أَرَدتُ الجاها / لَكن أَرَدتُ اللَه
إِن يَرض عَنّي رَبي / بِها فَذا حَسبي
القَوسُ بِالسِهامِ
القَوسُ بِالسِهامِ / وَالمَرءُ بِالكَلامِ
فَآيَةُ الكَمالِ / إِصابَةُ المَقالِ
عَقلُ الفَتى مُكَتَّمُ / يُظهِرُه التَكَلُّمُ
وَإِنَّما الإِنسانُ / العَقلُ وَاللِسانُ
سَلامَة العُقولِ / في قِلَّةِ الفُضُولِ
قُل حَسَناً لِتَسلَما / أَو اِستَمع لِتَغنَما
وَحاذِر الإِكثارا / وَلا تَكُن مِهذارا
لا يَزدَهيكَ صامِتُ / إِنَّ الجَمادَ ساكِتُ
كَم صامِتٍ لِجَهلِه / وَناطِقٍ لِفَضلِه
وَلَيسَ تَركُ المَنطِق / دَليلَ حُسنِ الخُلُق
رُبَّ سكوتٍ عِيُّ / وَرُبَّ نُطق غَيُّ
وَإِن عَلا الجِدالُ / وَاِنتَضَل الرِجالُ
وَعَزَّك الخِطابُ / وَأَعوَزَ الصَواب
كانَ السُكوتُ غُنما / حَتّى تُصِيبَ المَرمَى
ذَرهم عَلى جِدالِهم / تُصغي إِلى أَقوالِهم
وَاِحرص عَلى أَن تَسمَعا / أَكثَر مِن أَن تُسمِعا
حَتّى تَرى ما يَجمُلُ / مِنها وَما يُستَرذَلُ
فَاِنتَقِ مِنها ما صَفا / وَاِطَّرِح المُزيَّفا
وَاِحفَظ جَميلَ القَولِ / فَهوَ لِقاحُ العَقلِ
حَتّى تَراهُم ضَلّوا / وَأَخطَئُوا وَزَلُّوا
وَقَد خَبا الجِدالُ / وَاِنقَطَعَ المَقالُ
فَاِنهَض برَأيٍ صائِبِ / وَاِضرِب بِسَيفٍ قاضِبِ
وَالبَس لِكُلٍّ مَلبَسَه / وَاِجلِس لِكُلٍّ مَجلِسَه
وَراعِ فَهمَ الناسِ / تَكُن مِنَ الأَكياسِ
دَليلُ حُسنِ العَقلِ / وَمِن سِماتِ الفَضلِ
تَقدِيرُكَ الأَدواءَ / وَوَصفُكَ الدَواءَ
وَلا تَكُن مِمَّن غَدا / يُضِيعُ عِلمَهُ سُدى
يُجالِسُ الفَلاحا / ويَقرَأُ المِصباحا
وَيَدرُسُ البَديعا / وَيَبحَثُ التَشريعا
أَمامَ مَن لا يَفهَمُه / وَعِندَ مَن لا يَعلَمُه
كَواضِع الجُلنارِ / في لُجَجِ البِحارِ
لِيَجمُلَ المَذاقُ / وَيَحلُوَ الحُراقُ
وَلَن يَكونَ ذاكا / وَلَو سَما الأَفلاكا
لا تُطغِكَ العُلومُ / تَحفُّكَ الهُمُومُ
كُن عالِماً كَجاهِلِ / إِن كُنتَ جَدّ عاقِلِ
إِيّاكَ وَاِدّعاءَ ما لَم تَعلَمِ
إِيّاكَ وَاِدّعاءَ ما لَم تَعلَمِ / فَإِنَّهُ مَجلَبةُ التَنَدُّمِ
كَفاهُ أَنَّهُ دَليلُ اللُومِ / وَأَنَّهُ مَضيَعَةُ العُلومِ
تَجني عَلى العِلم بِما اِدّعَيتا / شَرّاً وَما تَعلَمُ ما جَنَيتا
فَآفةُ العُلومِ أَدعِياؤُها / إِن الدَعاوى لَيسَ يُؤسى داؤُها
مَن يَستَطِل يَوماً عَلى الكُفاةِ / فَقَد تَناسى كامِلَ الصِفاتِ
وَلا تَثِق بَعدُ بِوُدِّ صاحِب / فَوُدُّهُ صارَ كَأمسِ الذاهِبِ
خَلِّ الغُرورَ إِن تَكُن ذا فَضلِ / فَإِنَّهُ مَنقَصةٌ في العَقلِ
إِيّاكَ أَن تُفاخِرَ الأَصحابا / بِالفَضلِ إِن أَرَدتَ أَن تُهابا
وَلا تَقُل جَمَعتُ عِلماً جَمّا / إِن رُمتَ أَن تُبعدَ عَنكَ الذَمّا
لا تَحسَبَنَّ الفَضلَ يخفى أَمرُهُ / فَالفَضلُ مِثلُ الطيبِ يَزكُو نَشرُهُ
لا تُفتنَنَّ إِنَّما ذُو العِلمِ / كَمَثلِ الواقِفِ عِندَ اليَمِّ
تَراهُ يَستَكثِرُ مِنهُ ما يرى / وَظَلَّ ما غُيِّبَ عَنهُ أَكثَرا
وَقسمَةُ العُلومِ وَالأَخلاقِ / كَقسمَةِ الأَعمارِ وَالأَرزاقِ
زَهو الفَتى بِعِلمِهِ غُرورُ / لَو أَنَّهُ بِنَفسِهِ بَصيرُ
ماذا عَلِمنا مِنهُ حَتّى نَزهُو / لَم يَأتِنا إِلّا قَليلٌ مِنهُ
ما تِيهُنا بِالعلمِ وَالتَدبيرِ / إِلّا كتيهِ المُعدمِ الفَقيرِ
كَم عالِمٍ أَزرى بِهِ تَفاخُرُه / وَجاهل أَكبَرَهُ تَصاغُرُه
لا يفضلُ العالمُ أَهلَ عَصرِهِ / حَتّى يَكونَ عارِفاً لِقَدرِ
عَلامَ يَفخَرُ الفَتى بِعلمِهِ / وَقَد يَكونُ سَبَباً لِهمِّهِ
كَم عالِمٍ مُنغَّص اللذّاتِ / يفضِّلُ المَوتَ عَلى الحَياةِ
تَراهُ في هَمٍّ وَفي أَحزانِ / مِمّا يَرى مِن ضَعَةِ الإِنسانِ
يَضيقُ صَدرُهُ بِما يُلاقي / بَينَ الوَرى مِن دَنَسِ الأَخلاقِ
قُل لِلَّذي يَفنى عَلامَ تَفرَحُ / وَفيمَ تَلهُو بِالمُنى وَتَمرَحُ
لا يَعذُب العَيشُ لِغَيرِ الجاهِلِ / وَلا يَلَذُّ كَأسُهُ لِفاضِلِ
يا تَبتَغِ العِلمَ لِغَيرِ اللَهِ / وَلا يَكُن هَمُّكَ كَسبَ الجاهِ
لا تَبغِهِ لِطَلَب الحُطامِ / فَإِنَّهُ مِن خُلُق الطَعامِ
أَعرِض عَن الدُنيا وَعَن حُطامِها / فَلَذَّةُ الحَياةِ في آلامِها
إِن كُنتَ ذا عِلمٍ فَكُن ذا عِفَّه / لَيسَت رِجالُ العلمِ أَهلَ صُفّه
لا تَتَّخذه سلَّمَ الإِفسادِ / إِن كُنتَ ذا عَقلٍ وَذا سَدادِ
عِلمُ الفَتى إِن لَم يَكُن مُقوِّما / كانَ اِتِّباعُ الجَهلِ مِنهُ أَقوَما
أَنصِت إِلى حَديثِ مَن تَكَلَّما
أَنصِت إِلى حَديثِ مَن تَكَلَّما / وَإِن تَكُن مِنهُ بِذاكَ أَعلَما
لا تَشتَغِل عَنهُ بِما سواهُ / وَلا تُمارِ في الَّذي يَراهُ
فَإِنَّهُ مِن خُلُق الأَرذالِ / وَلَيسَ في شَيءٍ مِنَ الكَمالِ
وَلا تَردَّه إِلى الصَوابِ / وَأَنتُما في حَضرَةِ الأَصحابِ
فَإِنَّهُ لَيسَ مِنَ السَخاءِ / وَإِنَّهُ أَقطَعُ للإِخاءِ
إِيّاكَ أَن تَقولَ ما لا تَفعَلُ / فَإِنَّها خليقَةٌ لا تجمُلُ
وَإِنَّه لَيسَ مِنَ الكَمالِ / زِيادَةُ القَولِ عَلى الأَفعالِ
فَإِنَّما ذو لَسَنٍ قَوّالُ / أَحسَنُ مِنهُ أَبكَمٌ فَعّالُ
إِيّاكَ أَن تُقاطِعَ الصَدِيقا / وَأَن تَبُتَّ حَبلَهُ الوَثيقا
فَإِنَّهُ لَيسَ رَقيقاً يُعتَقُ / مَتى هَفا أَو زَوجةً تُطلَّقُ
وَإِنَّهُ لَيسَ مِن الآدابِ / قَطيعَةُ الخُلّانِ وَالأَصحابِ
وَلَيسَ مِن مَعايبِ الإِنسانِ / أَقبَحُ مِن قَطيعةِ الإِخوانِ
إِن أَحسنُوا فَكُن لَهُم شَكورا / وَإِن أَساءوك فَكُن غَفُورا
وَاصغ إِلى مَعذِرَةِ الإِخوانِ / وَقابل السَيِّئَ بالإِحسانِ
قَد قيلَ في الأَمثالِ مَن لا يَعذِرُ / ذا هَفوَةٍ فَإِنَّهُ لا يُعذَرُ
وَإِنَّهُ مِن آيَةِ الكَريمِ / أَن يَقبَلَ العُذر مِنَ الحَميمِ
فَإِنَّهُ عُضوُكَ إِن تَأَلَّما / فَداوِهِ بِالحلم حَتّى يَسلَما
إِيّاكَ أَن تَرفُضَ عُذرَ مُذنِبِ / فَإِنَّهُ أَدعى إِلى التَجَنُّبِ
وَإِن تَكُن حُلوَ السَجايا حُرّا / فَاحتل لَهُ فيما يُسيءُ عُذرا
وَلا تُؤاخذهُ بِذاكَ الذَنبِ / وَلا تَكُن فَظّاً غَليظَ القَلبِ
وَلا أَرى خَيراً مِنَ العِتابِ / فَإِنَّهُ دَريئةُ العقابِ
إِيّاكَ وَالحلمَ عَلى ذي كِبرِ / فَإِنَّما الحلمُ عَلَيهِ يُزري
إِنّي أَرى الحلمَ عَلى المُختالِ / عَلامَةَ الضَعفِ وَالاستذلالِ
حَذارِ مِن صَداقَةِ الكَذّابِ / فَلَيسَ غَيمُهُ سِوى ضَبابِ
إِياكَ أَن يَخدَعَكَ السَرابُ / مِن لَفظِهِ فَإِنَّهُ خلّابُ
يَمنَحُكَ الترحابُ وَالسَلاما / وَقَلبُهُ مُستَعِرٌ ضِراما
وَضنّ بِالودِّ عَلى المُرائي / فَإِنَّهُ أَخُوكَ في الرَخاءِ
فَإِن كَبا بِكَ الزَمانُ العاثِرُ / فَإِنَّهُ عَدوُّكَ المُجاهِرُ
لا تَغرس الودَّ لَدى بَخيلِ / فَإِنَّهُ أَسرَعُ للذُبولِ
فَإِنَّهُ مَن ضَنَّ بِالإِحسانِ / يَضنُّ بِالودِّ عَلى الإِخوانِ
صَديقُ مالِهِ عَدوُّ الناسِ / وَالجُود للزَلّاتِ خَيرُ آسِ
وَطالِبُ الودِّ بِلا إِحسان / كَرافِعِ البَيت بَلا أَركان
هَذا ابنُ أَسماء لَو انَّ فيه / جُوداً لَما مَكَّن من يَبغِيه
مازالَ في حِلٍّ وَفي ترحال / يُفَرِّقُ الناسَ بِجَمع المالِ
يَردُّ بِالخَيبَةِ كُلَّ راجي / فَأَسلَمتهُ الناسُ للحجّاجِ
مَن يَبغِ بِالمالِ سِوى إِنفاقِه / فَإِنَّهُ يُنفِقُ مِن أَخلاقِه
أَدنِ إِلَيكَ سالفَ الإِخوانِ / إِن تَغدُ ذا عزٍّ وَذا سُلطانِ
وَارعَ لَهُ الودادَ في الرَخاءِ / كَما رَعى وُدّك في البَأساءِ
إِياكَ أَن تُطغِيَكَ النَعماءُ / فَإِنَّها لَيسَ لَها بَقاءُ
كُلُّ زَخارِيفِ الحَياة زُورُ / وَكُلُّ مَن صَبا لَها مَغرورُ
سَرعانَ ما يذوي بِها الرَطيبُ / لا بِشرُها باقٍ وَلا التَقطيبُ
وَهَكذا غايَةُ كُلِّ حَيٍّ / تَشابَهَ الأَشيَبُ بِالصَبيّ