القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ الهَبّارِيَة الكل
المجموع : 12
كقِصَّة البَعير وَالجمال
كقِصَّة البَعير وَالجمال / وَالشَّيء قَد يعرف بِالمثال
أوقره مِن الشآم ميرة / فاستقبلا سرية مغيره
لم يَرها مِن بَعدِها وَغفلته / عَن أمرها وَشغله بفكرته
فأبصر البَعير ما لَم يبصره / فَقالَ للجمال وَهوَ ينذره
إِني أَرى الخَيل إلينا تقبل / وَإِنَّني عَن النَجاة مثقل
فَألق عَن ظَهري هَذا واركب / وانج وَإِن عز النجاء فاذهب
قالَ لَهُ الجمال إفكاً تذكر / ضجرت إِذ أنتَ ثَقيل موقر
تريد أَن أطرح عَنكَ الحملا / لأجل هَذا قَد سئِمت الثقلا
قال لَه انظر إِلى العجاج / قال لَه وجد في اللجاج
ذاك غُبار عانة أو قافله / أَو خلسة عَن العَدو جافِله
قالَ وَهذِه نواصي الخَيل / قَد أقبَلَت مُسرِعَة كَالسيل
قالَ عَسى فيهم لَنا معارف / أَو عَرَبي أَو فَتى محالف
قال لَه البَعير خل الهوسا / لا يَدفع الخَطب لعلَ وَعَسى
قال لَه أخذي دون راحتك / مِن ثقله فخل عَن وَقاحتك
قالَ له البَعير وَهوَ يَضحَك / هَذا الرَقيع في كيادي يهلك
وَأدركته الخَيل في مَكانه / وَشَد في الأَوثق مِن أَشطانه
وَهَكذا خَليقة الصَّياد / لا يَقبَل الصحيح للكياد
فَلَو أَردت لأقمت شاهِدا / ألفا كَما يَرضى بِه وَلا واحِداً
لَكنه يَقتلني فَما لي / أدله عَلى كُنوز المال
قال لَه الشَّيخ وَقَد تَحَيرا / وَاِرتاعَ مِن مَقالِهِ لَما اِفتَرى
دَلَلتَني فَما أُبالي الآنا / أقمت أم لَم تقم البُرهانا
فَلا تكايدني فَما أُبالي / صَدقت أَم كَذَبت في المَقال
مثلي لا يَغتر بِالمحال / فالاغترار أقبح الخلال
فَإِنَّما أَنت ظَليم نازح / مَع الوحوش سائر ورائح
مِن أَين تَدري علم ما في منزلي / مِن الكُنوز في الزَّمان الأَول
لَو كُنتَ تَدري الغَيب أَو علمتا / سعدت بالعلم وَما شَقيتا
جَهلت أَمرَ نفسك المسكينة / حَتّى غَدَت موثوقة رَهينه
وَتدعي العلم بِما في داري / لا يَعلم الغيوب إِلا الباري
قال لَه جَهلك بِالأَسرار / أرداكَ في مَواقع البوار
أعرفها معرفة صحيحة / وَالحر لا يكذب في النصيحة
فَوافق المَعروف مِن صفاتِها / ما ذكر الظليم مِن سماتِها
ثُم كناه مُسرِعاً وَنسبه / وَقَص كُل أمرِه وَمكسبه
تَهوراً فَوافق السعادة / قال صدقت وَبغى الزيادة
قال لَه الآن تَرى إِنساناً / مُعارِضاً يُنشدنا قعدانا
يَقود مِن أَولادِها فَصيلاً / تَحسبه مِن ضَعفِه عَليلا
يتبع فحلاً داعِرياً أَعورا / وَإِنَّها مِنهُ قَريباً لَو دَرى
وَكان قَد أَبصَر قَبل ذَلِكا / تِلكَ الجمال شرداً رواتكا
تذكر حال رَبِها وَسقبها / وَأمه تَشكو غَرام قَلبِها
فانطلق الشيخ بِهِ قَليلا / ثَم رَأى الناشد وَالفَصيلا
فأطلق الظَّليم إِذ رآه / مُصَدقاً للحين ما حَكاه
وَجد في رَواحه فَجاء / لحرصه أَولاده عَشاء
فَلم يُكلمهم وَبات يَحفر / فَخرب الدار كَذاكَ المدبر
وَلامهُ الناس وَقالوا جَنا / في أَي شَيء طمع المعنى
وَلَم يَزَل في حَفرِها يَجتَهد / فَلَم يَجد شَيئاً وَكَيفَ يَجد
وَهَكَذا تريد أَن تَخدَعني / بِقَولك الحُلو وَإِن تَصرَعني
قالَ لَه الشيخ وَما تُريد / مِن قَتل مثلي إنهُ بعيد
ما لي في رحلي مَع الأَصحاب / وَما مَعي شَيء سِوى ثِيابي
وَهيَ كَما تبصرها أَسمال / يَقبح في أَمثالها القِتال
إِنكَ إِن كَفَفت عَن أَذاتي / أَعطيتك المَفروض مِن ذَكاتي
وَقُلت للرفقة هَذا طالب / وَحقه مِن الزكاة وَاجب
وَهيَ لما أَقولهُ مصدقه / نلتُ كَثيراً طَيباً مِن صدقه
وَكانَ خَيراً لَكَ في الدارين / مِما تَرى في مَوتتي وَحيني
فَاِنخدع الفاتك بالمحال / وَقالَ هَل تصدق في المَقال
أحلف على ما قُلت مِنهُ فحلف / وَانصرف الشيخ الشديد وَانحرف
حَتَّى إِذا ما لَحِقا بالركب / قالَ اربطوه جَيداً يا صَحبي
فَإِنَّهُ لص خَبيث حارب / للمسلمين ناهب وَسالب
فَرَبط الفاتك رَبطاً مُحكَماً / وَعادَ فيهِ خَصمهُ محكما
قالَ لَه الناسك وَهوَ يَضحك / بغيت وَالبَغي مشوم مهلك
وَقَعت بعد ضَربك الأَمثالا / وَذكرك الظليم وَالجَمالا
قال لَه الفاتك كَيفَ أفتك / بِمَن أراني في يَديهِ أَهلك
مِن أَمن القَضاء فَهوَ مُشرك / إِن القَضاء لِلعباد أَملك
لا تَفرَحن فَالحَديث سائر / إِنِّي مَخدوع وَأنتَ غادِر
وَالغَدر بِالعَهد قَبيح جدا / شَر الوَرى من لَيسَ يَرعى عَهدا
إِنكَ قَد مَلَكتَني فَأَسجح / وَامح حَديث غَدرك المستقبح
إِني أَسير لا أَرى نَصيراً / وَذو العلا لا يقتل الأَسيرا
شر خِلال المَرء قَتل الأَسرى / أَول مَقتول يُقال صَبرا
حجرٌ وَحجرٌ صاحب النَّبي / وَكان في الأَحوال مَع علي
وَقَد بَلَغت ما أَردت مِني / فامنن فَهَذا الوَقت وَقت المن
قال لَه تب مخلصاً فَتابا / فَجمع الرفاق وَالأَصحابا
وَقَص ما كان مِن الحَديث / وَقالَ إِن الغَدر للخبيث
وَالآن قَد تاب مِن الفَساد / وَصارَ في الدين مِن العِباد
فَجَمعوا شَيئاً مِن الزكاة / وَبادَروا إَلَيهِ بِالهبات
وَأطلقوه فَغَدا يَقول / خَدعت عَن رايك يا جَهول
مَن نالَ ما يُريده فَقَد غَلَب / قَد اِتَفَقنا وَاِختَلَفنا في السَّبب
قُلت وَمَن جابر قالَ رَجُل
قُلت وَمَن جابر قالَ رَجُل / مِن مازن قصته لا تجهل
كانَ شُجاعاً بَطَلاً شَديداً / وَلَم يَكُن في رَأيِهِ سَديداً
غَزا وَصنويه فلاقى ميسرا / مِن الرمال وَالنجوم أَكثَرا
قالوا لَهُ يا جابر الهَزيمة / فَحَسبُنا نُفوسنا غَنيمه
قالَ قَبيح أَن تَقول العَرب / إِني مِن المَوت حذاراً أهرب
وَشَد بِالسيف عَلى الكَتيبه / وَلَم تَكُن مِن بَأسِهِ عَجيبه
وَلَم يَزَل يَضربهم حَتَّى قتل / وَفَر صنواه وَخَر منجدل
فَالحَزم وَالتدبير روح العَزم / لا خَيرَ في عَزم بِغَير حَزم
ثُمَّ اِنحَدَرت خيفة مِن مَوضِعي / وَغصت في العَين لِفرط جزعي
فَلَم يَبن مني إِلا رَأسي / وَصحت صَوتاً غَير صَوت الناس
بِضَجة هائلة عَظيمة / خافوا لَها وأزمعوا الهَزيمة
ثُمَّ أَتوا يَتبعون الصوتا / وَقَد رَأَيت إِذ رَأَيت المَوتا
وَقالَت العَنقاء مَن ذا الصائح / قُلت رَسول وَأَمين ناصح
مِن ملك الجن العَظيم ذي الصور / وَإنه وَقَومه عَلى الأَثَر
أَرسَلَني إَلَيكُم نَذيرا / مِن بأسِهِ واختارَني سَفيرا
في صورة الإنس فَهَل أَمان / تَأَخروا لِيَخلو المَكان
فَاستأخروا ثُم خَرَجت زالفاً / فَقُلت لست مِن أَذاكُم خائِفاً
لان خَلفي مِن جيوش الجن / ما يَدفع الأَعداء جَمعاً عَني
قَد سَمِعوا ما ذكر العَنقاء / وَقادَهُ لذكرِهِ الشقاء
مِن عَيبِهِ إِخواننا الأَناما / وَالسادة الأَفاضل الكِراما
وَطَعنه فيهم بِما تخرصا / عَلَيهم إِذ ذَمهم تنقصا
وَإِنه يَطلب من يسائله / عَن شَرَف الانس وَمَن يُجادله
وَها أَنا وَكيلهُم فَقُولوا / فَإِنَّني بِنَصرِهم كَفيل
وَلَيسَ لي ميل وَلا مَقصود / في ذاكَ إِلا الحَق وَالتسديد
وَملك الجن قَريب يسمَع / وَهوَ لِمَن يَجور سم منقع
وَلَست إنسياً فتنسبوني / إِلى العِناد أَو تكذبوني
فَأَيكم ينشط لِلمناظره / فَاِجتمعوا للرأي وَالمُشاوَرَه
فَقالَت السِّباع هَذا جَدَل / وَنَحنُ عَنهُ أَجمَعون ننكل
فمثلنا للحرب وَالمراس / أَهل الجِدال غَير أَهل الباس
لَيسَ الجِدال يَنبَغي بِنجده / وَلا الصواب وَالهُدى بشده
فَذاكَ بِالجنان وَاللسان / وَالعلم بالرجحان وَالنقصان
فَقالَت العَنقاء أَن الفيلا / ملك يرى منظره جَميلا
إِن العَظيم يَدفَع العَظيما / كَما الجَسيم يَحمل الجَسيما
فَقالَت الوحش الجدال وَالنظَر / لَيسَ بِمقدار الجسوم وَالصور
لكنه بالعلم وَالبَيان / وحدة الفُؤاد وَاللسان
لَو كانَ حملا أَو دفاع ثقل / لَكانَ كُل فيهِ منا يبلى
قالوا الخُيول الجرد وَالأَنعام / فإنها في ذاكَ لا تُلام
لأنَّها مظلومة بِحملِها / أَثقالَهُم بكرهها وَذلها
قالوا فَنَحنُ كَالعَبيد لَهُم / وَنَحنُ في نصرِهم نتهم
فإِن مَن عاشر قَوماً يَوما / ينصرهم وَلا يَخاف لَوما
عار عَلَينا وَقَبيح ذكر / أَن نَجعل الكُفر مَكان الشكر
صحبة يَوم نسب قَريب / وَذمة يَحفَظها اللبيب
لا يحقر الصحبة إِلا جاهل / أَو مائق عَن الرشاد غافل
هَيهات نَلقاهُم بِحَرب أَبَدا / أَن نَبتَغي فَعادهم تعمدا
فعندَها قالَ النعام للجمل / خل العلا فَإِنَّما أَنت طلل
قَد ضاعَ في جسمك هَذا عقلكا / لا كانَ في جنس الطّيور مثلكا
فَإِنَّما جسمك شخص ماثل / صفر من العقل خلي عاطل
قَد صدق القائل في الكَلام / لَيسَ النهى بِعظم العظام
لا خَير في جَسامة الأَجسام / بَل هُوَ في العُقول وَالافهام
قال وَلم تسبني وَتقذف / شر الرجال صاحب لا ينصف
قالَ عَلى ذمك دونَ الإِنس / فَقالَ غمر الرأي غَير نكس
تَزعم أَن حَقَهم أَكيد / عَلَيكُم وَإِنكُم عَبيد
وَإِنَكم في خَيرِهم وَبرهم / يلزمكم في الدين نشر شكرهم
وَهَذِهِ لا شَك منكم غَفله / فانظر بِعَين عاقل يا أَبله
لَم يكرموكم وَيقربوكم / محبة منهم بِها خصوكم
وَإِنَّما دَعوكم لنفعهم / نُفوسهُم بكم للؤم طبعهم
لَولاكم لَم تنتظم أَحوالهُم / وَلَم تَكُن ممكنة أَشغالهم
قَد قسموكم في الأُمور قسمه / وَرَتبوكم رتباً للخدمة
فَالخَيل للحرب وَلِلجمال / وَالإِبل للحمل وَللترحال
وَهَكَذا الحمير وَالبِغال / وَالحَرث للثيران وَالأَعمال
وِللغذاء كُلما اشتَد القرم / جَميعكم لا سيما جنس الغَنَم
فَأَي إِنعام لَهُم عَلَيكُم / وَأَي إِحسان لَهُم إليكم
وَإِنَّما الفضل لِمَن لا يُفضل / عَلَيكَ إِلا لَكَ يا مُغَفل
أَما الَّذي يَقصد نَفعَ نَفسِه / ببر مَن في أَمرِهِ وَحُبه
فَما لَهُ حمد وَلا مَعروف / لأَن أَفعال الوَرى صُنوف
فَواحد يُعطيك جوداً وَكَرَم / فَذاكَ مَن يكفره فَقَد ظلم
وَواحد يُعطيك للثواب / كمثل من سلم للجواب
وَواحد يُعطيك للمصانعه / أَو حاجة لَهُ إِلَيك واقعه
فَذاكَ مثل تاجر معامل / لطلب الربح وَنيل النائل
فَلَيسَ في جَميعهم مَن يحمد / إِلا الَّذي للخير محضا يعمد
نَعم وَلِلناس عَلَيكُم غلظه / تخبر عَن لؤم طباع فَظه
تَكليفهم فَوقَ الَّذي يُطاق / وَضَربكُم وَالسب وَالإِرهاق
وَأَكلهم لحومكم مِن بعد ما / ربوكم لا يرقبون الذمما
بِذَبح أَطفال لَكُم لا يَرحَموا / فَأَين حُسن عَهدِهم وَالكَرَم
وَإِنَّما مثلكم في شكرهم / مَع الَّذي تَلقونه مِن شرهم
كَمثل الحِمار وَالضرغام / فيما مَضى مِن سالف الأَيّام
قال أَبو أَيوب ما هَذا المثل
قال أَبو أَيوب ما هَذا المثل / قال حِمار كانَ في بعض الحلل
فَقَصَد المَرعى فَخاضَ طينا / فَظَل فيهِ موثقاً رَهينا
وَكُلما رامَ الخُروج غاصا / مثل خَنيق يَطلب الخَلاصا
إِذا تلكا في الخِناق وَاضطرب / زادَ خِناقاً بِالمراس وَعطب
كَذاكَ مَن يَحتال للرخاء / قَبل اِنقِضاء مُدة البَلاء
تَزيده حيلته بَلاء / لأنَّهُ يُراغم القَضاء
فَلَم يَزَل في الوَحل شَهراً كامِلاً / يَرعى بِذاكَ المَرج رَوضاً باقِلا
حَتّى غَدا مثل الفنيق المصعب / وَعادَ في الشحم بزي معجب
فَصارَ مِما نالَهُ مِن أَكل / يَنهق وَهوَ غائص في الوَحل
فَجازَ للحين هناكَ أَسَد / للصيد منذ مُدة يَجتَهد
فَسمع الصوت فَقال فرج / لِكُل ضيق سعة وَمَخرَج
وَأتبع الصوت فَألفى الطينا / دونَ الحِمار لثقا ثَخينا
فَقالَ إِن خضت نَشبت فيه / وَلَيسَ فيَّ قوة تَكفيه
أَموت في يَوم وَلا أَعيش / إِذ لست مِمن أَكله الحَشيش
فَلَيس إِلا الكَيد وَالتَدبير / وَالحَزم لا الأَقدام وَالتغرير
قالَ سَلام يا أَبا زِياد / وَبِالوِداد تخدَع الأَعادي
إِني أَراك مُنذُ حين ماكِثاً / بِذا المَكان مُطمَئِناً لابِثا
قالَ أَبا الحَرث عم صَباحا / فَقَد غَدَوت ملكاً جحجاحا
وَاللَّه ما اِختَرت المَقام هَهنا / مَقال غُر لَم يَكُن مداهنا
لَكِنني مُقَيد بِالوَحل / في محنة شَديدة وَذُل
وَإِنَّني أَرجوك أَن تُنقذني / مِن وَرطَتي هَذي وَإِن تسعدني
فَإن يَكُن في طَبعك القَساوة / وَبَينَنا البَغضاء وَالعَداوة
فامنن فَأَنتَ ملك كَبير / وَها أَنا مُضطَهد أَسير
وَإِن مِن خَصائل الكِرام / رَحمة ذي البَلاء وَالسقام
وَإِن مِن شَرائط العلو / العَطف في البُؤس عَلى العَدو
كَفاكَ مِنها أَيُّها الكَبير / أني مِنها بِكَ مُستَجير
قالَ لَهُ الليث دَعَوت راحِما / إِن العَظيم يَدفَع العَظائِما
أَبشر فَإِني كاشف عَنكَ الكرب / وَنازع دونك أَنياب النوب
فَإِن مثلي يَدفَع الأَهوالا / عَن العِدى وَيحمل الأَثقالا
لا سيما عَن مُستَجير بائس / وَقانط مِن الحَياة آئس
قَد قَضَت العُقول إِن الشفقه / عَن الصديق وَالعَدو صَدقه
وَالمَرء لا يَدري مَتى يمتحن / فَإِنُّه في دَهرِهِ مُرتَهن
وَمَن نَجا اليَوم فَلا يَنجو غَدا / لا يأمن الآفات إِلا بِالردى
وَمَن أَغاث البائس الملهوفا / أَعانهُ اللَّه إِذا أخيفا
وَمَر للمكر وَلِلدهاء / فَسد مِن فَوق مَسيل الماء
فَانقطع الماء وَجَف الطين / في مدة وَفَرح المسكين
وَكان في المُدة كُل يَوم / يَأتيهِ في الصبح وَعِندَ النوم
بحزمة عَظيمة مِن العَلف / يأكلها وَقالَ ثق وَلا تَخف
وَنشف الماء وَخَلى قَدر ما / يَروي بِهِ غلته مِن الظمأ
وَلَم يَزَل يَدعو لَهُ الحِمار / وَلَيسَ يَدري أَنَّهُ مَكار
حَتّى إِذا جَفَ عَلَيهِ الطين / وَجسمه في جَوفِهِ دَفين
وَهوَ أَسير لا يطبق الحَرَكة / رَجا الخَلاص فَغداً في الشبكة
واحتبس الضرغام عَنهُ عَمداً / وَقَطع العُشب فَلاقى جهدا
وَجاءهُ الليث وَقالَ أَجبذك / بِقوتي مِنهُ لَعَلي أنقذك
قالَ نَعم فَافعل فَأَنتَ عالم / وَناصح كما تَقول راحم
فَعلقت مِن وَقتِهِ مَخالبه / فيهِ وَعادَ الليث وَهوَ راكبه
فدقه مِن وَقتِهِ وَافترسه / وَيح أَبيه صائِداً ما أَكيسه
وَإِنَّما ساعده في الشده / وَساسَهُ بالبر تلكَ المُده
لِنفسه وَهَكَذا الغَزاله / ألطفها ببره ذؤاله
قالَ لَهُ وَكَيفَ كانَ حالها / وَكَيف نَحنُ في العَمى أَمثالها
قُلتُ أَفدنيها فَقالَ قيلا
قُلتُ أَفدنيها فَقالَ قيلا / وَلَيسَ كُل خَبَر عَليلا
كانَ بِمصر رَجُلٌ خَباز / يَقذفه بِالرفض مَن يَجتاز
وَكانَ في كُل غَداةٍ يفتح / دُكانَهُ بِالجسر حينَ يُصبِح
ثُم يَقوم قائِماً فَيَخطب / وَيَمدَح الحاكم ثُم يطنب
وَيَلعن القادر لَعناً ظاهِرا / وَلَم يَكُن بِذَنبِهِ مُساتِرا
عِشرين عاماً وَإِذا ما ذَكَروا / بَغداد كادَ قَلبهُ يَنفَطر
لِبغضها وَبُغض مَن بَناها / وَود كُل الناس لَو يَراها
وَكانَ في بَغداد خَباز دبر / لَكنه بالنسك فيها مُشتهر
فَأَمر القادر حينَ أَحضَره / وقالَ هَذي بدرة مبدره
فَاِذهَب إِلى مصر وَدَع عَنكَ العلل / وَانصب عَلى الخَباز اشراك الحِيَل
عَساكَ أَن تقدمه العراقا / فَإنَّهُ قَد شَقني شقاقا
فَمر ذاكَ الشَّيخ يَبغي مصرا / حَتَّى أَتى جيزتها وَالجسرا
وَصبح الخَباز ثُم دَفَعا / إِلَيهِ دِيناراً وَكَيداً صنعا
فلمح الخَباز ضَرب القادر / فَثارَ للغيظ كَليث خادِر
وَضَرب الشيخ إِلى أَن أثخنه / وَشَتَمَ القادر ثُم لَعنه
وَقذفَ الدينارَ عَن يَديه / تطيراً إذ اسمه عليه
فَجَلَسَ الشَّيخ قَريباً يَبكي / وَالضرب في أَضلاعِهِ وَالفَك
وَقالَ قَول وَاله كَئيب / شر الخلال بغضة الغريب
شَيخ غَريب بائس كوفي / موحد معتقد شيعي
ضَرَبتموه إِنَّها عَجيبه / مِن مثلكم في الدين مِن مُصيبه
قَصَدتكم للدين مِن بِلادي / تَبَرماً بِصُحبة الأَعادي
فَسَمع الخَباز ذاكَ فَبَكى / وَجاءَ يَسعى نَحوَهُ تَنسكا
مُعتَذِراً مِما جَرى عَلَيه / مُقبلاً لِذَنبِهِ رجليه
يَقول خلت الشيخ بَغداديا / وَلَم أَخله مُؤمِناً كوفيا
وَساءَني اسم ذَلِكَ اللعين / فَكانَ ما فعلته للدين
فَطَلَب التحليل مِما فَعَلَه / وَتابَ مِن قَسوته فَحلله
وَقالَ إِني مثلكُم خَباز / وَحَقي الإكرام وَالإِعزاز
فَاِصطَلَحا وَاِتفَقا وَاِصطَحبا / وَاِشتَرَكا وَاتجرا وَاِكتَسَبا
وَزَوج المصري مِنهُ ابنته / وَأعمل الشيخ عَلَيهِ حيلته
وَلَم يَزَل يجهَد في التشنع / وَكَثرَة النِفاق وَالتصَنع
حَتَّى إِذا حالَ عَلَيهِ الحَول / وَجاءَ شَعبان عراه الوَيل
وَلَجَّ في البُكاء وَالنحيب / فَقالَ ما يبكيكَ يا حَبيبي
قالَ لَهُ شَوقي إِلى الزياره / وَخدمة المَشاهد المُختاره
وَالبَرَكات نازِلات فيها / وَلَم يَزَل بِجُهده يطريها
وَيورِد الفاسدَ وَالصحيحا / مِن فَضلِها وَيُكثر المَديحا
حَتَّى اِشتَهى المصري أَن يَزورَها / وَقالَ إِني مزمِعٌ حُضورَها
لَكِنَّني أَخاف بَطش القادر / فَقَد عَرَفت بَغضه المخامري
وَإِنَّني أسبه مُجاهِرا / فَحَق لي أَن أغتدى محاذِرا
قالَ لهُ الشيخُ وما يدريه / بحالنا ومن به يأتيه
كَم مثلنا يَزور كُل عام / مِن جهة الحِجاز وَالشآم
وَذاكَ عَنهُ غافل لا يَدري / لأَنَّهُ مِن جَهلِهِ في سُكر
فَلَم يَزَل بِقَولِهِ يغره / وَهوَ إِلى حمامه يَجره
حَتَّى إِذا ما قَدم العِراقا / وَفارق الأَصحابَ وَالرفاقا
فَكاتب القادر بِالحَقيقه / فَأخَذَت خيولَهُ طَريقه
وَأحضَروه وَهوَ في وَثاقه / لِسوء ما قَدم مِن شَقاقه
حَتَّى إِذا ما صارَ عَنهُ القادر / أَبدى لَهُ بشر الخدوع الماكر
وَقالَ حلوا قَيده وَالغلا / وَأنكر الفعل بِهِ فحلا
وَبرَّهُ وَلَم يَزَل في حُجرَتِه / مشاهِداً وَجد في عيادته
ثُم حَباه لَيلة بِأَلف / وَزادَ في إِكرامِه وَاللطف
وَقالَ لا تَسب مَن لا تَعرفه / إِنَكَ في اِغتِيابِهِ لا تنصفه
وَرَدهُ مِن وَقتِهِ إِلى الوَطَن / وَبغضه قَد صارَ حُباً وَشجن
حَتَّى إِذا ما فَتَحَ الدكانا / وَشاهد الإِخوانَ وَالجِيرانا
قامَ عَلى عادَتِهِ خَطيباً / وَلَم يَكُن في فعلِهِ مُصيبا
وَمَدح القادر أَي مَدح / مُعتَذِراً مِن جرحِهِ وَالقَدح
وَلَم يَزَل يَدعو لَهُ وَيَشكُره / وَبِالجَميل في الدعاء يَذكره
فَبَلَغَ الحاكم ذاكَ عَنهُ / فَساءهُ ما قَد أَتاه مِنه
وَاِشتاطَ مِما أَبلَغوه وَغَضب / وَأَصبَحَ الخَباز وَهوَ قَد صلب
وَرقعة في حَلقِهِ مُعَلقَه / نَحنُ صَلَبناه فَخلوا المخرقه
بِكَف مَن كانَ لَهُ يُوالي / وَذاكَ مِن مَحاسن الأَعمال
لا يلتحف بِإثمه وَعاره / خَير الأُمور الصَّبر في المَكاره
وَالرفق في التدبير وَالتلطف / لما يَشا وَأَنتَ لَم تعنف
عادَ إِلى عادَتِهِ صَبيحُ / وَإِنَّهُ محدث فَصيحُ
قالَ فَلَما شاعَت الأَخبار / وَاِنتَشَرَت بِذَلِكَ الآثار
كَذبَها جَميعها الأَمير / بِنَقدِهِ لأَنَّهُ تَحرير
لَكِنَّهُ صَدقَها في الظاهر / تَوصلاً بِها إِلى السرائر
فَزين النعمة وَاِستَقصاها / وَمَنَّ بِالمُهجَة إِذ أَبقاها
وَقالَ إِن النفي خَير لي وَلَك / وَمَن نَفى عَن أَرضِهِ فَقَد هَلَك
فَجئت هَذا البَلَد الغَريبا / وَلَم أَجد في ربعه نَسيبا
قالَ لَهُ الطاووس قَد عَرَفته / وَكُل ما شَرَحته فَهمته
وَهوَ هَجين الأَصل حينَ ينسب / وَالعرق دَساس إلَيهِ يجذب
كانَت لَهُ أُم من العقاعق / أشبهها في هَذِهِ الخَلائق
إِن الأُصول تَجذب الفُروعا / وَالعرق دَساس إذا أطيعا
ما طابَ فرع أَصلهُ خَبيثُ / وَلا زَكا مِن مَجدِهِ حَديثُ
قَد يَبلغون رتباً في الدنيا / وَيُدرِكون وَطراً مِن عليا
لَكِنهُم لا يَبلغون في الكَرَم / مَبلَغَ مَن كانَ لَهُ فيهِ قَدم
قالَ لَهُ البوم وَلِلبوم حكم / مغالطاً في قَولِهِ وَقَد ظَلَم
خَل الأُصول فَالكَريمُ من كرم / لا يُكرم الفرع إِذا الأَصل لوم
قالَ لَهُ الطاووس حَقاً قلتا / وَنعم يا صاحب ما ذَكَرتا
لَكنَّ مَن تَقابَلَت أَطرافه / في طيبِها وَكرمت أَسلافه
كانَ خَليقاً بِالعَلاء وَالكَرَم / وَبَزَغَت في أَصلِهِ خير الشيَم
قالَ لَهُ الطاووس خَلّ ما مَضى / وَذكرهُ فَإِنَّهُ قَد اِنقَضى
واعمل لَنا في حيلة تُنجينا / مِن شَرِّ ما نَلقى فَقَد أردينا
فَقالَ عِندي حيلة عَجيبه / تَنجو بِها مِن هَذِهِ المُصيبه
نَموت فيها فَإِذا رَآنا / مَوتى بِلا مَنفَعَةٍ أَلقانا
وَأَقبل الصياد وَهوَ جَذل / فأفلتتنا مِنهُ تِلكَ الحيل
فَأظهرا المَوت فَألقى البوما / وَقالَ مَن يَأخُذ ذا المَشؤوما
وَنَتف الطاووس حَتّى سَمطه / مَحَبةً لِريشِهِ وَخرطه
فَلقي العناء وَالعَذابا / مَن شاوَرَ الأَعداء ما أَصابا
وَذَهَب الصياد عَنهُ وَبَقى / مُنطَرِحاً في حيرة لما لَقى
وَقالَ لَو أَني أَجدت ما جَرى / عَليَّ مِن جَورِ الأَنيسِ ما أَرى
فَإِنَّهُم لا يذبَحونَ مثلي / قَصدهم حسني دونَ أَكلي
فَلم فَعلتُ ما فَعَلتُ خائِفا / مِنهم فَأَصبَحت سَليباً تالِفا
كَذاكَ مَن يَستَصحب الأَعادي / يردونَهُ بِالغش وَالإِفساد
قالَ لَهُ البومُ أَخَذت ثَأري / مِنكَ وَبَردت غَليل صَدري
وَجاءهُ يَنقره وَيَضربه / وَلَم يَزَل مُجتَهِداً يعذبه
قالَ لَهُ وَيحَك ما ذَنبي أَنا / تَأخذني ظُلماً بِذَنب من جَنى
أَيؤخذُ البريُّ بالسقيم / وَالرجل المُحسن بِاللئيم
قالَ نَعم ثَأري عِندَ الجنس / وَلَيسَ يَشقى غَير ذاكَ نَفسي
قالَ جَمَعت الجَهل وَالجُبن مَعاً / عيبان ما ظَننت أَن يَجتَمِعا
جُبناً عَلى العَدو وَالجَهل عَلى / سِواه في القَبيح ناراً تَصطلي
حَتَّى إِذا أَدماهُ مرَّ عَنهُ / وَقَد شَفى الحقد القَديم مِنه
فَلَم يُطق سَعياً وَلا حِراكا / وَعايَن الحيرة وَالهَلاكا
فَجاءهُ أَبو الحصين الثَّعلب / وَما أَطاقَ هَرَبا فَيَهرب
فَاِنتاشَهُ في فَمه وَعادا / لِيُطعم الزوجة وَالأَولادا
حَتَّى إِذا جاءَ بِهِ إِلَيهم / أَلقاه مِن أَنيابِهِ لَدَيهِم
وَقد رأَي المَوت عيانا فَدَعا / رَباً لَطيفاً بِالوَرى قَد صَنَعا
لَهُ وَقَد ظَلَّ حَزيناً محرجا / مَن يَتقي اللَّه يُصادف مَخرَجا
فَقالَ لِلأُنثى أَنا عَليل / وَإِن جِسمي فاعلمي نَحيل
وَعاقل لا يَأكُل العَليلا / تحرزاً لا سيما نَحيلا
فَإِنَّهُ يعديهِ بِالسقام / وَأكثر الداء مِن الطَّعام
فَلَو صَبَرت مُدة عَن أَكلي / كَيما تَزول علَّتي وَسِلِّي
وَرُبَّما سَمنت أَيضاً فَالسمن / يطيب اللحم وَيرطب البَدَن
وَها أَنا لَدَيكُم أَسير / مثلي لا يَسعى وَلا يَطير
فَناجت الأُنثى بِذاكَ الذكرا / قالَ لها خَديعة ما ذكرا
فَغَضِبَت مِن قَولِهِ وَقالَت / أَكل العَليل علة مازالَت
تريد أَن تَقتُلنا بِلحمه / أَخاف أَن يعدينا بِسقمه
فَغلبته قال أَنت أَدرى / لَست بِدان مِنهُ حَتَّى يَبرا
قالَ لَها إِنِّي أَخاف غَدره / وَلَست بِالآمن وَيك مكره
فَاستَحلِفيه لي بِالطلاق / فَرُبَّما يَصدق في المِيثاق
قالَت لَهُ إِحلف لأَجلي فَحَلَف / لا ناله مادامَ ذا سَقمٍ تلف
فَظَلَّ يَسعى نَحوَ حجر الثَّعلب / وَيرتَعي مِن مطعم وَمَشرَب
حَتَّى إِذا صَح وَطالَ ريشه / وَصارَ لا يُمكن من يَحوشَه
طارَ إِلى غُصن رَفيع فَوقَع / عَلَيهِ وَهوَ آمن أَن يتبع
قالَت لَهُ الأُنثى وَخافَت بَعلَها / وَقَد رَأَت مِما جَنَتهُ جَهلَها
قَد خُنت بِالعُهود وَالأَيمان / غَدراً وَما الغَدر مِن الأَيمان
فَعد إِلَينا آمناً لا خائِفاً / فَلَست تَخشى عِندَنا المتالفا
فَقد أَلفناك وَعدت كَالوَلَد / وَلَست ما عشت لَدَينا مُضطَهد
قالَ لَها خدعت وَالحَرب خدع / فَاستيئسي لا تَطمَعي في أَن أقَع
وَعادَ مَسروراً إِلى أنثاه / وَقَصَّ للطيور ما عاناه
قالَت لَهُ الأُنثى عَجيب ما جَرى / وَفَضله باد لِمَن تَفَكَّرا
يخدعك البوم زَمان المحنه / وَهوَ سَفيه لَيسَ فيهِ فطنه
وَتخدع الثعلب وَهوَ داه / لَيسَ بِذي جَهل وَلا سفاه
إِذ جاءَت الدولة وَالسَّعاده / تَمت لَكَ الحيلة وَالإرادَه
وَالفَضل نَقص في زَمان الحَد / وَالنَّقص فَضل في أَوان الجد
قالَت لَهُ العَنقاء حَقاً قلتا / عَلمت يا هَذا وَما جهلتا
لَكن في الأنس عُيوباً أُخرى / وَأَنتُم مني بِذاكَ أَدرى
كُفرهم بِرَبهم وَفسقهم / وَقَتلهم أَنفسهم وَحمقهم
وَبُخلهم وَالمال غَير باق / وَحرصهم وَالعَيش بِالأَرزاق
وَجَمعهم وَقَد دَروا بِالمَوت / وَحزنهم عِندَ الردى وَالفَوت
قالَ الصبا أَتثبت المَعبودا / أَم أَنتَ مِمَن يظهر الجحودا
قالَ وَهَل يُمكن في العُقول / إِنكارك الصانع يا خَليلي
قالَت علمت أنَّهُ حَكيم / وَأنَّهُ بفعلهِ عَليم
قالَ نَعم لا شَكَ لي في حكمته / وَعلمه وَحلمه وَقدرته
قالَ فَكُلُّ ما جَرى وَيَجري / بِحكمة قدرها للأمر
فَقالَ زدني لَيسَ هَذا يَكفي / إِنَّ العَليل دائِماً يَستَشفي
قال لَهُ إِن اختلاف الخَلق / وَخَبطهم في باطل وَحَق
دلالة واضِحة للمقدره / وَلَيسَ لِلمُفسد فيها مَعذِره
وَكُلَّما ركب في المَخلوق / مِن اِختِلاف الطَّبع وَالفُروق
يَدل أَنَّ اللَّه رَب قادِر / مَقدوره يَعجز عَنهُ الحاصر
ثُم اِبتَلاهم ناهياً وَآمِرا / لِيَعلم الأَعمال وَالسرائِرا
وَمُؤمِناً مِن خَلقِهِ وَكافِرا / وَوافياً بِعَهدِهِ وَغادِرا
لِيجزِي المُؤمن بِالثَّواب / وَيجزِي الكافِر بِالعِقاب
قالَ وَما في ذاكَ قُل وأوضح / فَلَست لِلتكليف بِالمُستَصلِح
قالَ جَهلت الحَق إِن المَصلحه / بادية أَسرارها مُستملحه
لأَنَّهُ فَرَّق بَينَ الخَلق / في جُملة الأَحوال أَي فَرق
فَخَلق المَعدن وَالنباتا / وَالحَيوان خَلَقوا أشتاتا
وَالحَيوان صامت وَناطق / وَفائق في علقه وَمائِق
وَهملٌ أَهمله ما كَلفه / وَناطق كَلفه فَشرفه
كَيلا يَكون الخَلق شَيئاً وَاحِدا / فَتنقص القُدرة نَقصاً زائِدا
فَالقادِر الحَق عَلى الأطلاق / من أَوجد الأَضداد في الأَخلاق
وَجمعت صنعته الأَضدادا / تَصَرفا فيها كَما أَرادا
كَذاكَ فَاِعلَم خَلق الأَصنافا / جَميعها تَختَلف اِختِلافا
أَحسَن خَلق الفيل وَالبَعوضه / بِحكمة عَلى النهى مَعروضه
وَقتلهم نُفوسهُم فَهَكَذا / بَعضهم يَلقى مِن البَعض الأَذى
فَإِن في الوحش وَفي الطيور / ما شِئت مِن ظُلم وَمِن شُرور
وَقَد مَضى جَواب ذا وَعُذره / وَقَد بَدا لَو اِعتبرت سرهُ
فَأيقن العَنقاء أَنَّ الحَقا / كانَ مَعَ الصبا وَقالَ صدقا
فَاِنقادَ للحق وَقالَ الإنس / جنس شَريف ما بِذاكَ لَبس
ثُم دَعاني خالياً فَاِعتَذَرا / وَتابَ مِن ذمهم وَاِستَغفَرا
وَقالَ قُل للملك العَظيم / قَد تبت مِن مَقالي الأَثيم
وَبانَ ما كانَ خَفياً عَني / وَخابَ في ذَم الأَنام ظَني
لَكِنني أعجب مِن فعاله / بِنصرة الأنس وَمِن جداله
عَنهُم وَهُم أَعداؤُهُ بِالطبع / وَكُلهُم يقصده بِالسبع
وَبَعضهُم يَنفي وجود الجن / وَبَعضهُم يعمهم بِاللعن
وَبَعضهُم يطعَن في أَخلاقِهم / وَبَعضهُم يَعوذ مِن طراقهم
وَبَعضهُم ينسب كُل نكر / إِلَيهم عِندَ اِحتيال الغَدر
وَبَعضهُم يحيل بِالذُنوب / عَلَيهم وَفاحش العُيوب
ما تَستَحق الإنس مِنهُ نَصرا / بَل اِستَحَقوا مقته وَالهَجرا
قالَت لَهُ خُذ الجَواب مني / وارو الَّذي اذكر فيهِ عَني
العاقِل الفاضِل لا يُجازى / بِسَيء فَهوى مِن المَخازي
إِذا فَعلت مثل فعل الجاهل / ساويتهُ في دقة الشَّمائل
أفضل عَلى النَّظير يبدُ فَضلكا / أَحسن إِلى المُسيء يظهر نبلكا
وَاِنصف المَظلوم تَدَع سَيدا / وَأَعطِ أَعداءك تَلقى أَمجَدا
وَصية النبِي صِل مَن قَطَعَك / فَضلاً عَلَيهِ وَأَنِل من مَنعك
افعل جَميلاً تَلقَهُ وَتجزَ بِه / فَإِن فعل الناس غَير مُشتَبه
اصفح عَن الجاني وَعُد بحلمكا / يظهر خَفيَّ جَهلِهِ بِعلمِكا
وَنَحنُ نجزي عَنهُم في ذا اللسن / نُقابل القَبيح بالفعل الحَسَن
وَبَيننا الأَنساب أَيضاً توجب / غيرتنا عَلَيهم إِذ نَكَبوا
قالَ أَبِن لي موضحاً ذاكَ النسَب / فَقَد أَتيت بِالَّذي قُلت العَجَب
أَلستُمُ ناراً وَهُم مِن طين / لَيسَ الأُسود كَالظِّباء العين
وَشَيخكُم إِبليس تاهَ وَفخر / عَلى أَبيهم آدم ثُم كَفَر
قالَ نَعم فَالنَّسَب القَريب / يَعرفه المحقق اللبيب
قرابة التكليف وَالخطاب / ما بَيننا أَدنى مِن الأَنساب
نَحنُ جَميعاً أَهل عَهد اللَّه / خاطبنا بِالأَمر وَالنواهي
وَالنطق وَالعَقل فَهل صَدقتا / يا ملك الطير بِما ذَكرتا
وَالمَرء يحيي جاهِداً أَخاه / وَهوَ إِذا ما عد من أَعداه
أَما سمعت قصة العَدلين / وأَنَّها صدق بِغَير مَين
ظَنَّ اللبيب العاقل
ظَنَّ اللبيب العاقل / وَلا يَقين الجاهل
لا تبعدن النجعه / لا تَطلبن الرفعه
لا تخضبن الشيبا / كَفى بِذاكَ عَيبا
هبني لِشَيبي أخفي / فَكَيفَ أَخفي ضَعفي
لا عَيشَ للفَقير / مَع علمه الغَزير
فَإِنَّه حَقير / وَقَدره صَغير
اعرض عَن الجُهال / فهُم عَبيد المال
وَأصدقاء الوالي / وَمحنة البطال
مَن ساعَدته الدَّولَه / ظَلوا عكوفاً حَوله
يعظمون المالا / وَالموسر المُحتالا
وَإِن هُم لَم يظفروا / مِنهُ ببر يُذكر
إِذا نَصَبت عامِلاً
إِذا نَصَبت عامِلاً / فَاِختَر أَميناً عاقِلا
وَفَوض الأُمورا / كَيما تَرى مَعذورا
لا تنصبنَّ مسرفا / عَلَيهِ إِن تَخَلفا
فَيُكثر الخِيانة / للأمن بِالأَمانة
ثُم بِهِ يَحتج / في ظُلمِهِ فَيَنجو
فَلَيسَ في الإِسراف / شَيء سِوى الإجحاف
ثُمَ احتجاج العامل / بِهِ لِكُل باطل
تَفقد الرِّجالا / وَقَلب الأَحوالا
مَن كانَ ذا سِياسة / فَوله الرِّئاسه
وَمَن تَرى في حالِه / إِصلاح رَأس ماله
فَولِّه الخراجا / تحمد بِهِ العِلاجا
مَن كانَ ذا عماره / فَهَب لَهُ إِماره
وَولِّه الضياعا / تَأمَن بِهِ الضياعا
مَن كانَ ذا بَيان / عِندَ التِباس الشان
طباً بَصيراً بِالحيل / ما شاءَ مِن شَيء فعل
فوله الرَّسائِلا / إِن كانَ شَهماً عاقِلا
أَو كانَ ذا تَلطف / في كُل أَمر متلف
وَهوَ أَمين الغَيب / عفّ نَقي الجَيب
وَإِن للكتابه / شرطاً وَلِلخطابه
خَط وَلفظ وَأَدب / وَعفة عَن الربب
وَالعَقل وَالكتمان / وَالقَلب وَاللسان
فَكاتب الرَّسائل / وال عَلى المقاتل
إِذ عِنده الأَسرار / أجمعُ وَالأَخبار
يقلب القُلوبا / وَيَفعل الغَريبا
بِلَفظَةٍ قَبيحة / أَو نكتَةٍ مَليحة
فَمصلح وَمُفسد / مُقَرب وَمبعد
مَن كانَ طَلق الوَجه / حر قَليل الجبه
مُمَيزاً لِلناس / بِاللطف وَالإِيناس
فَوله الحِجابا / وَاستكفه الأَبوابا
من حجب الخَرائِطا / وَالبردَ كانَ غالِطا
تَأَخر الأَخبار / يُؤذن بِالبوار
وَصاحب الدواة / أَيضاً مِن الكفاة
لَهُ شُروط فَاِعلم / لا تجهلن تَغنم
العَقل وَالأَمانة / وَكَثرَة الدّيانه
وَذاكَ مِن أَجل القصص / وَحفظ صَك إِن خَلَص
نَظافة الأَطراف / وَخفة الأَعطاف
وَسُرعة وَفهم / وَخبرة وَعلم
مَن كانَ ذا مروه / شيمته الفتوَّه
وَفيهِ أَيضاً عفه / وَفطنة وَخفه
وَهمة وَعَقل / وَنَخوة وَفَضل
فَنط أُمور الدار / بِهِ وَلا تمار
لِيفصل الأُمورا / مِن غَير أَن تشيرا
مخففاً عَن قَلبكا / مروحاً عَن كربكا
وَإِنَّما يراجعك / في الأَمر أَو يُطالعك
في النابه الخَطير / لا الخامل الحَقير
لِكُل شغل رَجل / لِكُل قَوم عَمَل
وَإِنَّما البَلاء / وَالصيلم الصَّماء
نَصبك ذا مَكان ذا / مِن غَير رُشد يُحتَذى
لا تكحل السِّباعا / لا تُحجم الضِّباعا
لِكُلِّ قَوم صنعه / لكل جَنب صَرعه
لا تَأمنن موتورا / لا تَدَعه مُشيرا
إِذا نَكبت أَحداً / فَلا تَعد مُعتَمدا
عَلَيهِ في الملم / لا سيما المُهم
علله بِالأَماني / وَاخدعه بِالتَّواني
وَوله حَقيرا / يعش بِه أَميرا
فَكَثرَة البَطاله / ضَرّارة قَتاله
وَإِن أَمنت جانبه / فَجانب المجانبه
وَوله ما يَنبغي / وَاشغله عَنكَ وَافرغِ
سيادة السادات / قِيادة القادات
أحسن من قتلهم / للخوف مِن جَهلهم
إِذا مَضى الأَعيان / وَذَهَبَ الأَقران
وَعَدم الأَمثال / وَفَقَد الأَشكال
لَم تحسن الرِّئاسه / لَم تَطب السِّياسه
لا تُكمل السِّياده / حَتّى تَسود الساده
استبقهم لِيكمدوا / إِن الفَتى مَن يحسد
يَقبح عِندَ السائس / مَجد بِلا مُنافس
ما لَم يذل الحاسد / وَيخضع المعاند
وَيضرع الشريف / وَيخشع المُنيف
فَما بَلَغت أَمَلا / وَلا سَمَوت في العُلا
وَصاحب الأَخبار / يعد في الأَشرار
وَهوَ إِذا ما صَدقا / في قَولِهِ وَحَققا
من أَنفَع الأَعوان / للملك وَالسُّلطان
فَولها أَمينا / لا فاسِقاً ضَنينا
يَجعَلها للمكسبه / فَإِنَّ ذاكَ معطبه
وَقَلد المَعونه / مِن طَبعِهِ الخُشونه
الدائم الجُلوس / الظاهر العَبوس
الحَسَن السياسه / الجَيد الفَراسه
الطيب الآباء / الحازِم الحَوباء
فَظاً قَليل الرَّحمه / صَلباً كَثير الحشمه
المحنة الكَبيره / إِن كُنتَ ذا بَصيره
حر كَبير الشان / يُصلح للسلطان
ترمقه الأَبصار / تحمده الأَحرار
وَتعقد الخَناصر / عَلَيهِ وَالضَّمائر
إِن قيلَ مَن ذا يصلح / لِدَفع خَطب يفدح
يَسُد ما قَد سَده / وَهوَ الرَّئيس بَعدَه
قيل لَهُ فُلان / فَرضي السُّلطان
مُعتَزل لعملك / يَخفي خَفايا زللك
لَيسَ عَلَيهِ حجه / يَرى بِها مَحَجه
فَاِحتَل عَلَيهِ بِالعَمَل / وَوله بَعضَ الشغل
تَحط من رتبته / تَغض مِن حشمته
إِذ صارَ مِن عمالكا / وَعد مِن رجالكا
وَانكبه حَتّى يَخملا / فَقَد وَجَدت السُّبلا
لا تنصبن عاملا
لا تنصبن عاملا / إِلا أَميناً عادِلا
بِحسب الكِفاية / لا الحُب وَالعِناية
بر القَريب الأَدنى / وَراعه بِالحُسنى
وَاعط مِن تحبه / مالك يَصف قَلبه
دون أُمور المالك / تَأمن دَواعي الهلك
وَول مَن يَكفيكا / تَكُن لَهُ مَليكا
وَمَن يَخاف سَيفكا / إِن خافَ لاقى حيفكا
وَمَن إِذا عاقبته / ظَنك قَد راقبته
العُروة الوَثيقه / تجنب الخَليقه
من لَزم الطريقه / صارَت لَهُ خَليقه
قارن طريفا تظرف / صاحب شريفاً تشرف
الزم كَريماً تَنتفع / عذ بِمنبع تمتنع
لا تبطرن بنعمه / لا تهتكن حرمه
لا تغدرن بذمه / كَفى بذاك وَصمه
إِياكَ وَالقَساوه / فَإِنَّها شَقاوه
ما أقبح التكبرا / ما أَصعَب التصَبُّرا
فَقالَت الغَزاله
فَقالَت الغَزاله / لا خَير في الإِطاله
عَلَيكَ بالسكوت / وَاِقنَعي بِالقوت
وَخالِفي هَواك / وَخادِعي أَعداك
وَدافِعي الأَياما / وَجامِلي الأَناما
وَاِجتَنِبي اللِئاما / وَفارِقي المَلاما
وَواصلي من وَصلك / وَارفدي من أَملك
وَاِنتَظِري المَنيه / وَقَصري الأمنيه
وِشاوِري الصديقا / وَلازِمي التحقيقا
لا تعجلي فَتعطبي / لا تَشرهي فَتَشجبي
فَقالَت الصدوح / إِن الحَياة ريح
قَد عصي النَّصيح / وَاستحسن القَبيح
فَسدت الأَخلاق / وَكثر النفاق
وَلَيسَ إِلا الصبر / خَير البُيوت القبر
لا غم مثل الياس / لا هم غَير الناس
وَعاد كُل ورجع / وَقَد أَفادَ وَنَفَع
تَم الحَديث وَخَتم / وَكُل شَيء يَنصرم
حيِّ على خيرِ العَمَل
حيِّ على خيرِ العَمَل / على الغزالِ والغَزَل
لو كان لِي بِضاعَه / او في يَدِي صِنَاعَه
ألّقى بها الَمجاعه / لم أَخلَعِ الخلاعَه
ولم أُفِق من الجَذَل /
ولا دَرَستُ مسألَه / ولا رَحَلتُ يَعمَلَه
ولا قَطعتُ مَجهلَه / ولا طلَبتُ مَنزِلَه
ولا تعلَّمتُ الجَدَل /
ولا دَخَلتُ مَدرَسَه / سِباعُها مُفتَرِسَه
وجُوهُهمُ مُعَبِّسه / ما لِي وتِلكَ الَمنحَسَه
لولا النِّفاقُ والحِيَل /
الأصفرُ المنقوشُ / شِيدتَ بهِ العُروشُ
بهِ الفتى يَعِيشُ / وباسمهِ يَطيش
لولاهُ ما شاءَ فَعَل /
يا عجباً كلَّ العَجَب / لا أَدَبٌ ولا حَسَب
ولا تُقىً ولا نَسَب / يُغنِي الفتَى عن الذَّهَب
سبحانَهُ عزَّ وجَل /
بُؤساً لِرَبِّ المِحبَرَه / وعيشه ما أكدَرَه
ودرسه ودفتره / يا ويلَهُ ما أدبَرَه
إن لَم تُصَدِّقني فَسَل /
اصعَد إلى تلكَ الغُرف / وانظر إلى تلكَ الحِرفَ
وابكِ لفَضِلي والشَّرَف / واحكُم لِغَيرِي بالسَّرَف
واضرِب بخِذلانِي الَمثَل /
دعَوهُ ما شاءَ فعَل
دعَوهُ ما شاءَ فعَل / سِيانِ صدَّ أو وَصَل
فكم رأينا قبلَها / أسودَ من ذا ونَصَل
حي على خير العمل
حي على خير العمل / على الغزال والغزل
لو كان لي بضاعه / أو في يدي صناعه
ألقى بها المجاعه / لم أخلع الخلاعه
ولم أفق من الخذل /
ولا درست مسأله / ولا رحلت بعمله
ولا قطعت مجهله / ولا طلبت منزله
ولا تعلمت الجدل /
ولا دخلت مدرسه / سباعها مفترسه
وجوههم معبسه / ما لي وتلك المنحسه
لولا النفاق والخبل /
الأصفر المنقوش / شيدت به العروش
به الفتى يعيش / وباسمه يطيش
مولاه ما شاء فعل /
يا عجباً كل العجب / لا أدب ولا حسب
ولا تقى ولا نسب / يغني الفتى عن الذهب
سبحانه عز وجل /
بؤساً لرب المحبره / وعيشه ما أكدره
ودرسه ودفتره / يا ويله ما أدبره
إن لم تصدقني فسل /
إصعد إلى تلك الغرف / وانظر إلى قلب الحرف
وآبك لفضلي والشرف / وآحكم لضري بالسرف
واضرب بخذلاني المثل /
دعوه ما شاء فعل
دعوه ما شاء فعل / سيّان صدّ أو وصل
فكم رأيت في الهوى / أسود من ذا ونصل

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025