ما لَكِ فيَّ ربّةَ الغَلائِلِ
ما لَكِ فيَّ ربّةَ الغَلائِلِ / والشّيبُ ضيفُ لِمَّتي من طائلِ
أما ترين في شَواتي نازلاً / لا مُتعةٌ لي بعده بنازلِ
محا غرامي بالغواني صبغُه / واِجتَثّ من أضالِعي بَلابِلي
ولاح في رأسِيَ منه قَبَسٌ / يَدُلُّ أيّامي على مَقاتِلي
كان شبابي في الدُّمى وسيلةً / ثمّ اِنقَضتْ لمّا اِنقَضتْ وسائلي
يا عائبي بباطلٍ ألِفْتَهُ / خذ بيديك مِنْ تَمَنٍّ باطلِ
لا تعذلنّي بَعدَها على الهوى / فقد كفاني شيبُ رأسي عاذلي
وقلْ لقومٍ فاخرونا ضَلَّةً / أين الحُصَيّاتُ من الجَراولِ
وأين قاماتٌ لكمْ دميمةٌ / من الرِّجال الشَّمَّخِ الأطاوِلِ
نحن الأعالي في الورى وأنتُمُ / ما بينهمْ أسافلُ الأسافِلِ
ما تستوي فلا تروموا مُعوِزاً / فضائلُ السّاداتِ بالرّذائلِ
ما فيكمُ إلّا دَنيُّ خاملٌ / وليس فينا كلّنا من خاملِ
دعوا النّباهاتِ على أهلٍ لها / وعرّسوا في أخفضِ المنازلِ
ولا تعوجوا بمهبٍّ عاصفٍ / ولا تقيموا في مصبِّ الوابلِ
أما ترى خيرَ الورى معاشري / ثمّ قبيلي أفضلَ القبائلِ
ما فيهمُ إن وُزِنوا من ناقصٍ / وَليسَ فيهم خبرةٌ من جاهِلِ
أقسمتُ بالبيتِ تطوف حولَهُ / أقدامُ حافٍ للتُّقى وناعِلِ
وما أراقوه على وادي مِنىً / عند الجِمارِ من نَجيعٍ سائلِ
وأذرُعٍ حاسرةٍ ترمي وقدْ / حان طلوعُ الشّمسِ بالجنادلِ
وَالمَوْقفين حطّ ما بينهما / عن ظهره الذُّنوبَ كلُّ حامِلِ
فإنْ يَخِبْ قومٌ على غيرهما / فلم يخِبْ عندهما من آملِ
لَقَد نَمَتنِي من قريشٍ فِتيَةٌ / ليسوا كمن تعهد في الفضائلِ
الورادين من عُلاً ومن تُقىً / دون المنايا صفوةَ المناهلِ
قومٌ إذا ما جُهِلوا في معركٍ / دَلّوا على الأعراق بالشّمَائلِ
لأنّهم أُسدُ الشّرى يوم الوغى / لكنّهمْ أهِلّةُ المحافلِ
إنْ ناضلوا فليس من مناضِلٍ / أو ساجلوا فليس من مساجِلِ
سلْ عنهمُ إنْ كنتَ لا تعرفُهمْ / سَلَّ الظُّبا وشُرَّعَ العواملِ
وكلَّ منبوذٍ على وجهِ الثَّرى / تسمع فيه رنّةَ الثّواكلِ
كأنّما أيديهمُ مناصِلٌ / يلعبن يوم الرَّوْعِ بالمناصلِ
من كلّ ممتدِّ القناةِ سامقٍ / يقصر عنه أطولُ الحمائلِ
ما ضرّني والعارُ لا يطورُ بي / أن لم أكن بالملك الحُلاحِلُ
ولم أكنْ ذا صامتٍ وناطقٍ / ولم أرُحْ بباقرٍ وجاملِ
خيرٌ من المالِ العتيدِ بذلُهُ / في طرقِ الإفضالِ والفواضلِ
والشّكرُ ممّنْ أنتَ مغنٍ فقرَه / خيرٌ إذا أحرزتَه من نائلِ
فلا تعرّضْ منك عِرْضاً أملساً / لخدشةِ اللُّوّامِ والقوائلِ
فليس فينا مقدمٌ كمُحجِمٍ / وليس منّا باذلٌ كباخِلِ
وما الغِنى إلّا حِبالاتُ الثَّنا / فاِنجُ إذا شئتَ من الحبائلِ
إلى متى أحملُ من ثِقْلِ الورى / ما لم يُطِقْه ظهرُ عَوْدٍ بازلِ
إنْ لم يزرني الهمُّ إصباحاً أتى / وَلم أعِره الشّوقَ في الأصائلِ
وكم مُقامٍ في عراصِ ذِلَّةٍ / وعَطَنٍ عن العَلاء سافلِ
وكم أظلُّ مُفَهقاً من الأذى / مُعَلَّلاً دهرِيَ بالأباطِلِ
كأنّني وقد كملتُ دونهمْ / رضِي بدون النَّصْفِ غيرُ كاملِ
محسودةٌ مضبوطةٌ ظواهري / لكنَّها مرحومةٌ دواخلي
كأنّني شِعبٌ جفاه قطرُه / أو منزلٌ أقفرُ غيرُ آهلِ
فقل لحسّادي أفيقوا فالّذي / أغضبكمْ منِّيَ غيرُ آفلِ
أنا الّذي فضحتُ قولاً مِصْقَعاً / مُقاولي وفي العُلا مطاولي
إنْ تبتنوا من العدا معاقلاً / فإنّ في ظلّ القنا معاقلي
لا تَستروا فضلِي الّذي أُوتيتُه / فالشّمسُ لا تحجبُ بالحوائلِ
فقد فررتمْ أبداً من سَطْوَتي / فرَّ القطا الكُدْرِ من الأجادلِ
ولا تذقْ أعينكم طعم الكرَى / وعندكم وفيكمُ طوائلي
تقوا الرّدى وحاذروا شرَّ الّذي / شبّ أُواري فَغَلَتْ مَراجلي
وجُنّ تيّارُ عُبابي واِشتَكتْ / خروقُ أسماعِكمُ صلاصلي
إنْ لم أطِرْ كمْ فَرَقاً تحملكمْ / نُكْبُ الأعاصير من القساطلِ
فلا أجبتُ من صريخٍ دعوةً / ولا أطعتُ يوم جودٍ سائلي
ولا أناخَ كُلُّ قومي كَلّهُمْ / في مَغْنَمٍ أو مَغْرَمٍ بكاهلي
وفي غدٍ تُبصرها مغيرةً / على المَوامِي كالنّعامِ الجافلِ
يخرجن من كلّ عجاجٍ كالدّجى / مثل الضّحى بالغُرَرِ السوائلِ
مَنْ يَرهنَّ قال مَن هذا الَّذي / سدّ المَلا بالنَّعَمِ المطافلِ
وفوقهنّ كلُّ مرهوبِ الشَّذا / يروي السّنانَ من دم الشّواكلِ
أبيضُ كالسّيف ولكنْ لم يعُجْ / صِقالُه على يمين صاقلِ
حيث ترى الموت الزُّؤام بالقنا / مستحبَ الأذيال والذَّلاذِلِ
وَالنَّقْعُ يغشى العينَ عن لِحاظها / والرَّكْضُ يرمي الأرضَ بالزَّلازِلِ
وبُزّتِ الأسلابُ أو تمَخّضَتْ / بلا تمامٍ بطنُ كلِّ حامِلِ
ولم يَجُزْ همُّ الفتى عن نفسه / وذُهِلَ الحيُّ عن العقائلِ
إنْ لم أنلْ في بابِلٍ مآربي / فلي إِذا ما شئتُ غيرُ بابِلِ
وإنْ أبِتْ في وطنٍ مُقَلْقَلاً / أبدلتُه بأَظهُرِ الرَّواحلِ
وإنْ تَضِقْ بي بلدةٌ واحدةٌ / فلم تضق في غيرها مَجاولي
وإنْ نبا عنّي خليلٌ وجفا / نَفَضتُ مِن ودّي له أناملي
خيرٌ من الخِصْبِ مع الذُّلِّ به / مَعَرَّسٌ على المكان الماحلِ