أحسنُ ما سارتْ به الأمثالُ
أحسنُ ما سارتْ به الأمثالُ / حَمْدُ إلهٍ مالَه مثالُ
فالحمدُ لِله على إسْدائِهِ / فضلاً يكِلُّ النُّطْقُ عن إحْصائِهِ
ثم الصلاةُ للنبيِّ المُحْتَرمْ / مَنْبَعِ أسْرارِ العلومِ والحِكَمْ
وآله وصحبِه الكرامِ / مَن فهِموا مَزِيَّةَ الكلامِ
ما تُلِيتْ مَحاسنُ الألْفاظِ / فشَنَّفتْ مسامِعَ الحُفَّاظِ
وهذه تَحائفٌ أُهْدِيها / من حِكَمٍ لمن وَعَى أُبْدِيهَا
سَمَّيْتُهَا برَاحةِ الأرْواحِ / جَالبةِ السرورِ والأفْراحِ
قالتْ لها الأمثالُ حزْتِ السَّبْقَا / إذْ أنتِ في حِفْظِ اللبيبِ أبْقَى
إنَّ اللَّبيبَ يعرِف المَزايَا / وكم خَبايَا لُحْنَ في الزَّوايَا
ورُبَّ جاهلٍ لقد تعلَّما / لا يَأْيَسَنَّ نائمٌ أن يغْنَمَا
من غَنِم الفرصةَ أدْركَ المُنَى / ما فاز بالكَرْمِ سوى الذي جَنَى
الناسُ إخوانٌ وشَتَّى في الشِّيَم / وكلُّهم يجمعُهم بَيْتُ الأدَمْ
فالبعضُ منهم كالغذاءِ النافعِ / والبعضُ كالسَّمِّ الزُّعافِ الناقِعِ
وهكذا بعضُ الذَّواتِ رُوحُ / والبعضُ منها في الحشَا قُروحُ
ورُبَّ شخصٍ حسنٍ في الخَلْقِ / وهْو أشدُّ من شَجىً في الحَلْقِ
والدهرُ صَرَّافٌ له تصْريفُ / يرُوج فيه النَّقْدُ والزَّيُوفُ
لذاك ضاعتْ خُلَّصُ الأحرار / كضَيْعَةِ المصباحِ في النهارِ
تَعادُلُ الفاضلِ وَالمفْضولِ / عَرَّ فنا الفضلَ من الفُضولِ
والاعْتدالُ في الأمور أعْدَلُ / والمَسْلَك الأوسطُ فيها أمْثَلُ
هي المُنَى مَجْلَبَةُ التَّعَنِّي / كم عاشقٍٍ أهَّلَه التَّجَنِّي
قد تُحْرَمُ الآمال حيث الرَّغْبهْ / وتسقُط الطيرُ لأجلِ الحَبَّهْ
المرءُ تَوَّاقٌ إلى ما لم يَنَلْ / وكلُّ شيءٍ أخْطأَ الأنْفَ جَلَلْ
مَن كان يهْوَى مَنْظَراً بلا خَبَرْ / فماله أوْفَقُ من عِشَقِ القَمَرْ
مَضى الصِّبا فأين منه الوَطَرُ / هيْهات هيهات الجَنابُ الأخْضَرُ
مِيعادُ دمعِي ذِكْرُ أيامِ الصِّبا / وجُلُّ شَجْوِي عند هَبَّةِ الصَّبَا
مضَى نَشاطِي إذْ تولَّى الصَّحْبُ / ما أعْلَمَ الموتَ بمَن أُحِبُّ
صَبْراً على الهمومِ والأحزانِ / فإنَّ هذا خُلُقُ الزمانِ
ثِقْ بالإله كم له صُنْعٌ حَفِي / وهْو إذا حَلَّ البَلاَ لُطْفٌ خَفِي
خُذْ فُرْصةَ الإمْكانِ في إبَّانِهِ / واسْجُدْ لقِرْدِ السّوءِ في زَمانِهِ
إن فاتَكَ الغَدِيرُ فاقصِدِ الوَشَلْ / يرْضَى بِعِقْدِ الأسْرِ من أوْفى الثَّلَلْ
حَدُّ العفافِ القَنعُ بالكَفافِ / ما ضاق عيْشٌ والإلهُ كافِي
مَن لم تكن أنتَ له نَسِيبَا / فلا تُؤمِّلْ عنده نَصِيبَا
والناسُ إن سألْتَهم فَضْلَ القُرَبْ / حاوَلْتَ أن تجْنِي من الشَّوكِ العِنَبْ
هذا زمانُ الشُّحِّ والإقْتارِ / مضَى زمانُ الجُودِ والإيثارِ
من كلَّف النفوسَ ضِدَّ طَبْعِهَا / أعْيَى بما لا يُرْتجَى مِن نَفْعِهَا
وإنَّ مَن خَصَّ لئيماً بنَدَى / كان كمن رَبَّى لِحَتْفٍ أسَدَا
قد يبلُغون رُتَبَاً في الدنيا / لكنَّهم لا يبلُغون العَلْيَا
إنَّ المعالِي صَعْبةُ المَراقِي / مِن دُونها الأرواحُ في التَّراقِي
لا تسْتوِي في الرَّاحةِ الأناملُ / ورُبَّ مَأْمولٍ عَلاهُ الآمِلُ
قد تُورِدُ الأقْدارُ ثم تُصْدِرُ / وتُدْبِرُ الأقمارُ ثم تُبْدِرُ
بالجُودِ يَرْقَى المرءُ مَرْقَى الحمدِ / إن السَّخاء سُلَّمٌ للمَجْدِ
وعَوِّذِ النَّعْما من الزَّوالِ / بكَثْرةِ الإحسانِ والنَّوالِ
يضُوع عَرْفُ العُرْفِ عند الحُرِّ / وإنه يَضِيع عند الغِمْرِ
وإنما المعروفُ والصَّنِيعهْ / تُعْرَف عند أهلِها وَدْيعهْ
الرأيُ كلّ الرَّأْيِ في تَرْكِ الكُلَفْ / فقد مضَى عليه ساداتُ السَّلَفْ
ومن تغُرُّ عَقْلَه السَّلامهْ / تخدمُه ألْسِنةُ النَّدامَهْ
من لزِم السِّلْمَ من الحرب سَلِمْ / ومَن أبَى إلاَّ هوَى النفسِ نَدِمْ
يأْرَجُ بالنَّسِيم عَرْفُ الرَّنْدِ / والقَدْحُ أصلٌ في ثُقوبِ الزَّنْدِ
لكلِّ قلبٍ في طِلابِه هوَى / وقِسْ عليه الدَّاء يحْتاجُ الدَّوَا
مَن طلَب الدُّرَّ بقَعْرِ البحرِ / لم يَخْلُ مِن شُرْبِ الأجاجِ المُرِّ
دَعْ في الأمورِ الحَدْسَ والظُّنونَا / لابُدَّ للمقْدورِ أن يكونَا
ما قِيمةُ الآمالِ للقُصَّادِ / والموتُ للإنسانِ بالمِرْصادِ
إذا بَقِي من الجَدَى ما قانَكْ / فلا تكُنْ تَأْسَى على ما فاتَكْ
ربَّ اجْتهادٍ دونه الجِهادُ / في راحةٍ مَن لا له مُرادُ
ما ينْفعُ التَّدْبيرُ والتَّقديرُ / ينْبِضُ قَوْسُه ولا تَوْتِيرُ
قَراقِعٌ ما تحْتهُنَّ طائِلُ / إلاَّ مِحَاقُ العُمْرِ والغَوائِلُ
قد ذهبتْ مَكارمُ الأخلاقِ / إلاَّ من الأمثالِ والأوْراقِ
تغيَّر الإخوانُ واخْتلَّ الزَّمَنْ / فلا صديقَ غيرُ صِحَّةِ البَدَنْ
لا تكْتُمنَّ دَاءَك الطَّبِيبَا / ولا الصديقَ سِرَّك المَحْجوبَا
هذا إذا كانَا عسى وعَلَّما / وما أظنُّ الدهرَ يسْخو بِهِمَا
كفى عن المَخْبَرِ مَنْظَرٌ أطَلّ / في حُمْرةِ الخَدِّ غِناً عن الخَجَلْ
مَنْظَرُ كلِّ ماجدٍ مِعْيارُهُ / إنَّ الجوادَ عَيْنُه فُرَارُهُ
مَن سابَق الجَوادَ بالحِمارِ / جَنَتْ يداه ثمرَ العِثارِ
قد تُسعِف الأقدارُ بالسُّعودِ / فتُلْحِق المَحْدُودَ بالمَجْدُودِ
كم قد نصَبْتُ للأماني مَرْمَى / مُفَوِّقاً منِّي إليه سَهْمَا
فلم يكُن لي عنده نَصِيبُ / ما كلُّ رامِي غَرَضٍ يُصِيبُ
والسَّعْدُ إنْ ما كان حيناً أبْطَا / فلا تقُلْ بأنه قد أخْطَا
إذْ ربما قد عَوَّقتْه الأقْدارُ / وكلُّ شيءٍ عنده مِقْدارُ
في يَدكِ الحُزْنُ متى تشاءُ / فاغْنَمْ سُروراً تَرْكُه عَناءُ
ما كلُّ وقتٍ مُسْعِفٌ بما يُحبّ / فإن يكُن دَرَّتْ لَبُونٌ فاحْتَلِبْ
مَن يطلُبِ الخَلاصَ نالَه الأسَى / وفي خُطوبِ الناسِ للناسِ أُسَى
حُبُّ الثَّنا طبيعةُ الإنسانِ / والشكرُ مَوْقوفٌ على الإحسانِ
الجُودُ بالمَوجُودِ عُنْوانُ الشَّرفْ / ومَن أضافَ لم يُبالِ بالسَّرَفْ
من يتلقَّى الجُودَ بالجُحودِ / عَرَّض نُعْماهُ إلى الشُّرودِ
لِلْوِدِّ عَقْدُ ذِمَّةٍ لا تُهْمَلُ / وللرَّجاء حُرْمَةٌ لا تُجْهَلُ
سَالِفُ ما كان من الحُرُماتِ / يسْتوجِبُ العَفْوَ عن الزَّلاَّت
بالفَحْصِ عن خَواطِر الأحِبَّهْ / يُنْسَجُ بُرْدُ الوُدِّ والمَحَبَّهْ
إنَّ الرَّقيب يمنعُ التَّراضِي / كالخَصْمِ قد يرضَى ويأْبَى القاضِي
حتى متى أصْبُو ورأسِي شُمْطُ / أحسَبُ أن الموتَ باسْمِي يغْلَطُ
ليس على فَقْدِ الحياةِ من نَدَمْ / قد اسْتَوى الوُجودُ فيها والعَدَمْ
كلُّ نَعِيم فإلى فَناءِ / وكلُّ عَيْشٍ فإلى انْقِضَاءِ
عليك يا هذا الفتى بالتَّوْبَةِ / فانْجُ بها قبلَ انْتهاءِ النَّوْبَةِ