لأىِّ مَرمىً تَزجُرُ الأيانِقا
لأىِّ مَرمىً تَزجُرُ الأيانِقا / إن جاوزتْ نجدا فلستَ عاشقا
وإنما كان بكائي حاديا / ركبَ الغرام وزفيري سائقا
مذ ظعَعنوا علمتُ أنى منهمُ / أشيمُ في أعلى السحابِ بارقا
أيا غرابا قد نعقتَ بهِمُ / فكن على آثارهم بي ناعقا
سائْل شمُوسا ضربتْ حُمولها / من شُقّة البين لها سُرادقا
لِمْ جَعَلتْ أعيننا مَغاربا / واتّخذت خُدورَها مَشارقا
وكيفَ لا تحرسُها خيامُها / وكل طَرفٍ قد أتاها سارقا
قُلّدت الدرَّ فما شككتْ أن / قد نُظِمتْ ثغورُها مَخانِقا
واستهدت الخصورُ من بَنانها / خواتما تلبَسها مَناطقا
رميمّ القلبَ وظنّى أنكم / تُخطون إذ ترمون شيئا خافقا
فلم يكن أوّلَ ظنٍّ كاذبٍ / من يدفعُ الأمر أتى موافِقا
جراحةُ الأنصلِ إنْ سبرتها / تشهدُ أن السهمَ كان مارقا
احبِس دمعى فيِندُّ شاردا / كأننى أضِبطُ عبدا آبقا
ومن مُحاشاةِ الرقيب خِلُتنى / يومَ الرحيل في الهوى مُنافقا
كم ليَ في الظَّلماء من وقائعٍ / أسَرتُ فيهنَّ الخيالَ الطارقا
لما أتاني في عجاجةِ الدّجَى / مارسَ منّى فارسا مُعانقا
ما استوقفتنى الدارُ عن طِلابهم / وإن جلَتْ للعين مَرأىً رائقا
إذا رأيتَ القَطرَ يُحيى عُشبَها / أبصرتَ مخلوقا بها وخالقا
يُنِبتُ في هامِ الربى ذوائبا / يُضحى لها خدُّ المَصيفِ حالقا
فاشتملت تِلاعُها رَفارفا / وأتزرتْ أهضابُها نَمارقا
وغنّت الحمامُ في عيدانِها / تُحسَبُ في أفنانها مُخارقا
وهبَّ نجدىُّ الصَّبا تحسَبهُ / فارةَ مِسكٍ في ثراها فاتِقا
فما رأيتُ الركبَ إلا لامسَّا / أو ناظرا أو سامعا أو ناشقا
بُعداً لدهرٍ إن قَرَى أضيافَه / سقاهمُ ماءَ الأمانى ماذقا
قد كسَد الفضلُ به فما تَرى / في سوقِه للفضل عِلْقا نافقا
ومعجزٌ أنَّ لساني ناطق / عند زمانٍ أخرَسَ الشَّقاشِقا
أكثرُ من تَخبُرهُ من أهلهِ / يَظهرَ في دِين الوداد الواثقا
مَعاشرٌ قد حَفرَ اللؤمُ على / حريم أموالِهمُ خنَادقا
سيّان إن عُرِضتُ طِرْفا صاهلا / عليهِمُ أو عُدتُ عَيرا ناهقا
طلبتُ منهم بَيْعةً على يدى / فلم أجدْ منهم لكفِّى صافقا
إلا جمال الدولةِ المعطى الندى / على انتهابِ رِفده مَواثقا
لو أمسكتْ بنانُه معروفَه / لأصبحتْ من كفِّه طَوالقا
من حضسَدٍ ظَلَّ الغمامُ باكيا / بقَطره وبالرعود شاهقا
لقَّنهُ الطبعُ الكريمُ صُحُفا / من مذهب الجودِ فجاء حاذقا
ما إن رأينا قبلَه ولا ترى / من بعدِهِ وعدَ الأمانى صادقا
إن تُلقَح الآمالُ من ميعادهِ / فعن قليل ستراها فارقا
مكارمٌ تُسكِنه في جَنَةٍ / قد غرَس الشكرُ بها حدائقا
من عاش كان ناطقا بحمدِه / ومن توَى أودَعه المَهارقا
إن قلتَ ما أحسنَه شمائلا / قلتَ وما أكرَمه خلائقا
مُكِّررٌ للمكرمات قائلا / بكأسها وصابحا وغابقا
لا يحسُن المديحُ عند غيره / ولا تراه بسواه لائقا
جدَّد في سُبْل المعالى طُرُقا / وزاد في حدِّ الندَى طرائقا
يوماه إما لطِرادٍ يَصطفِى الر / جالَ والسلاحَ والسوابقا
أو طَرَدٍ جمَّعَ من أَداتِهِ ال / فهودَ والكلابَ والسَّواذقا
فتارةً يصرعهم فوارسا / وتارةً يصيدها خَرانقا
لو لم تكن تُطربُه الحربُ لمَا / كان لسِربال العَجاج خارقا
لولاه ما كان السّنانُ طاعنا / يوم الوغى ولا الحسامُ فالقا
إذا الكماةُ لبِسوا دروعَهم / أقاحيا أعادها شقائقا
لو هَزّ في يمينه مخَاصرا / أرسلها ببأسه صواعقا
لا يقتنى إلا حساما جاهلا / ولا يُعِدُّ الرمحَ إلا مائقا
إن شئتَ أن تعلم ما فِعلاَهما / فاستخبر الضلوعَ والمَفارقا
ليس ببالى بالأعادي بعد ما / يَعُدُّ ذؤبانَ الفلا أصادقا
إن أَعضلَ الأمرُ فناطوهُ به / كان المصلِّى والنجاح السابقا
لذا ارتقى عند الإمام ذِروةً / وحلَّ من رأىِ المليك شاهقا
لاحطَّتِ الأيّام عنك رتبةً / ولا أراك الدهرَ إلا سابقا
تدوم ما دام الزمانُ آمرا / أو ناهيا وفاتقا وراتقا