المجموع : 4
بات لها ذكر العُذَيْب شائقا
بات لها ذكر العُذَيْب شائقا / فلم تُرِدْ مع الحنين سائقا
تذكرت نجداً من الغور فهل / شامت بأعلى الشام منه بارقا
ففتحت أحداقها كأنما / قد شارفت بجوه حدائقا
وأين من نيسان أو نابلس / نجداً ألا بعداً لها أيانقا
وما الذي يشاق من محلة / خرساء لا ترحم دمعاً ناطقا
فدع هواها جانباً واسلك بها / هواك إن كنت محبّاً وامقا
وخذ بها في حيث لا أجارعاً / تطوى من الرمل ولا أَبَارِقا
وانض السرى حيث ترى بجلّق / تلك القصور البيض والجواشقا
فالشرفين فالمصلى فذرى / فالوتها لا المنحنى وبارقا
في حيث لا تبصر إلا روضة / مسكية النشر وماء دافقا
وجدولاً متصلاً بجدول / وغُصُناً لغُصُنٍ معانقا
والدجن يمسي للرياض صابحاً / سلافة العبق ويمسي غابقا
والنرجس الغضّ يغض أعيناً / عن ثغره ولاثم شقائقا
وللرياض في الغياض عبقة / لا يعبق المسك الذكيّ ناشقا
والوُرْق في المورق من أفنانها / تَجني غراماً وتَهيج عاشقا
كأن في تلك الغصون معبداً / يرجع الألحان أو مُخارقا
كأنها لبرء موسى أصبحت / تسمعنا من شدوها طرائقا
أو ترجمت بالسجع عن قدومه / فسكَّنت للدهر قلباً خافقا
نعماء أحيت بحيا رحمتها / مغارب البلاد والمشارقا
سعت بنا في منهج النجح فكم / قد وسعت من المنى مضائقا
فالدين بالنصر المبين بات من / شاهر من السلطان موسى واثقا
ملك إذا كبا المباري سعيه / في حلبة جَلَّى وجاء سابقا
تسكرني أوصافه كأنني / عوطيت منهن السلاف الرائقا
أيّ قدوم ثبتت أقدامها / به وبرء قد برى منافقا
طاب نِجاراً وسما أرومة / وعزَّ جاراً وزكا خلائقا
يا متعب الأملاك بالسعي وقد / سار إلى العلياء سيراً رافقا
كم بلدة حمى سطاك سربها / فكانت الأسوار والخنادقا
لك الجياد الجرد كم طارت إلى / مدى وباراها القضاء لاحقا
إذا الحصون شمخت آنافُها / وغرها كون الذرا سوامقا
دارت على أعناقها قلائد / وأُلْبِسَت خصورها مناطقا
والقُضْب بالبيض التي كم مأزق / كم أججت وكم أبادت مارقا
كم هجرت أجفانها ووصلت / من اغتدى لروحه مفارقا
مفاتح الدنيا فمذ ملكتها / باتت على أبوابها مغالقا
فالمدعي مثلك في الخلق كمن / يدعو مع الله إلهاً خالقا
وأنت من قوم إذا ما شهروا / بيض سيوف وامتطوا سوابقا
عجبت منه أُسْد على أجادل / حاملة في سحب بوارقا
تلك بروق لم تزل خطفتها / مرسلة إلى العدا صواعقا
يا كافل الناصر داود سطا / يوم يُشيب هوله المفارقا
دعا فما عرجت عن نصرته / إلا وقد فرجت خطباً طارقا
لم يكن الملك الذي غادرته / لشوكة الأعداء عنه عائقا
فالدهر لا يَحْرِمُ من رَزَقْتَه / ولا يُرى لمن حَرَمت رازقا
شددت أزر ملكه فلم تدع / لغيره ملك أبيه لائقا
نصيحة أخلصتها جهدي وما / قمت بها يوماً لغيري حاذقا
فاعطف على البيت الذي كل غذا / له بسهم الكيد منه راشقا
لا تعس الدهر بكم ولا غدا / آنسُ هذا الملك عنكم آبقا
يا منقذي من جور دهر غاشم / كان لعظمي بالخطوب عارقا
ما أحسن الدنيا بنور طلعة / عنها الحجاب رفع السرادقا
ملأتها عزماً وحزماً وندىً / ورأفة منك وسعداً خارقا
فوالذي أعطاك غايات علا / أعجز عن إدراكها الخلائقا
لو لم أفز منك بما أملته / كفى بمدحي لك كوني صادقا
كففت خيل اللهو عن سباق
كففت خيل اللهو عن سباق / لما كُفِيتَ حَلْبَةَ الفراق
وطالما أجريت في ميدانها / خوف النوى سوائح الآماق
يا سائق الأظعان مهلاً لاَ تَرُحْ / بالله بالأرواح في سباق
فليس للعيس إلى قطع الفلا / من حاجة فاحْلُلْ عن النياق
لا روعت عن الحمى برحلة / فهي به أسيرة الأشواق
فخلها راتعة في روضة / بين مديد الظلّ والأوراق
أما تراها كلما زجرتها / إلى الحمى لافِتَةَ الأَعْنَاق
فحبذا حيّ بجرعاء اللِّوَى / فيه الجوى بعض قِرَى الطُّرَّاق
ليس يَريم الريم بين أسده / يرتع في غاب القَنَا الرشَّاق
تلك الدُّمى خضر اللمى حمر الحلى / بيض الطُّلى سود ظبا الأَحْدَاق
تنفر عن وصلي نفور الذم عن / خلائق الصاحب عبد الباقي
ذُو هِمَّةٍ ما يخفق السعي على / من هزّ من لوائها الخفاق
أَصْحَرَ كالضيغم من غايته / وهو مهيب سطوة الإطراق
ما كان إلا الشمس في الدُّجى سرت / ثُمَّ انبرت محمودة الإشراق
فحبذا وزارة ما نشزت / ولا نَزَتْ يوماً على الاباق
كيف وقد قيدها تدبير من / سماحه وَقْفٌ على الإطلاق
فَلْيَهْنِهَا ما قرّ من قلب العلا / بعود صدر الشام والعراق
يا ابن أبي يعلى وأي ماجد / زاكي فروع المجد والأعراق
كم منهج لمرتج فتحت إذ / منحت من مستصعب الأرزاق
وأنعم زان الرقاب حملها / فهنَّ في الأجياد كالأطواق
أي جواد أنت مَرْجُوُّ النَّدَى / نائي المدى مهذب الأخلاق
أنفقت من صبرٍ جميل لم يخل / برؤية تزكو على الإنفاق
لا روع النجم الذي سيرته / في درج العلياء باختراق
فربما نال المعالي غلطة / قوم إذا ما نلت باستحقاق
فمن يباريك إلى المجد ولو / سار على البرق أو البُرَاق
يا أيها الصدر الذي كم قد رقى / إلى ذرا العلياء من مراق
لا عدمت عرائس الأفكار ما / تمهر من نفائس الأعلاق
فاستجلها كروضة دبَّجها / ملث صوب الوابل الغيداق
جاءت بها أشواقها ولم تكن / أسواقنا نافقة النِّفاق
راجعت منها نُهَّداً رُوِّعْنَ من / بعد غياث الدين بالطلاق
مدائحاً ما عدمت منائحاً / منك على اليسار والإملاق
فدم لآمال العفاة دِيمة / غيوثها رائقة الإراق
ما هَمَعَتْ غمامة وسجعت / حمامة ورقاء في الأوراق
لو كنت مثلي بالديار وَامِقا
لو كنت مثلي بالديار وَامِقا / لشمت من نحو الغُوَيْرِ بارقا
وهزك الشوق إلى محلة / من أجلها قلت سقى الأبارقا
خرساء بالرملة من كاظمة / تستحلب العينين دمعاً ناطقا
بكت جفوني في مآقيها دماً / فأنبتت أطلالها شقائقا
يا وطني بذي النقا وسكني / لو حمل الشوق إليك عاشقا
السائل الركب سرى من رامة / ليلاً وأمسى للنسيم ناشقا
تعللا وما أرى رسولهم / إلا خيالاً في الظلام طارقا
حفظتهم فلا أضاعوا ذمة / ولا نسوا عهداً ولا مواثقا
قبل الهوى كنت بصبري أثق
قبل الهوى كنت بصبري أثق / فأَخْجَلَتْنِي مذ هويت الحَدَق
آلم إذ تُخْطِئُني سهامها / وأستلذُّ وقعها إذ تَرْشُق
والتَّرك يُصْمِي إن رمت وإن رنت / فما لحيّ رَمَقٌ إن رَمَقُوا
أَقَلُّ وجدي في هواهم أسف / وبعض ما ألقى الأسى والحُرَق
قد عذبوا طرفي بأن تَحَجَّبُوا / وكان يكفيه البكا والأرق
بحر دموعي إن سرى طيفهم / أو زارني كَلِيمُه يَنْفَرِق
وحبهم نَجِيُّ فكري فإذا / جاء لسمع عاذلي يسترق
شاطت صباباتي على شيطانه / فهو بِشُهْب أَدْمُعِي يحترق
وقال عذَّالي سَلا عن حبهم / وراحتي في قولهم لو صدقوا
واستمطروا غيث دموعي فهمت / من طول ما قد أرْعَدُوا وأبرقوا
وكان شملي بهمُ مجتمعاً / حتى سعى وشاتنا ففرَّقوا
فلو دعوت بالرَّدَى عليهمُ / قلت ألا ليت الوشاة عشقوا
وَبِي هَوَى مُهَفْهَفٍ إذا بدا / جماله للعاشقين صُعِقُوا
فللقضيب والمهاة والظُّبا / قوامه وطرفه والعنق
يغمد في قلبي فتور لحظه / مهنداً من جفنه يُمْتَشَق
فيالها لواحظاً كليلة / لها سهام في القلوب تَمْرُق
مثل ظُبا المَلْك المعزّ إنه / يصلي الأعادي نارها فتحرق
يُفَلِّق الهامات في يوم الوغى / بحدها حتى يَكَرَّ الفيلق
وكم لفتح الدين إسحاق سَطَا / تَغْشَى شياطين العدا فَتَصْعَقُ
مسبَّل الرفد لكل وافد / ليس على باب نداه غَلَق
وغيره من دون نيل كفه / سور لمن يَأْمُلُه وخندق
رام العلا قوم وما لاقت بِهِمْ / وهي له دون الأنام أَلْيَقُ
يروي بني الآمال فيض جوده / فللندى من كفه تدفق
يجمع شمل المكرمات عنده / جود لشمل ماله يفرق
يحنو على الآمال عطفاً وعل / ى الأموال في ذاك الحُنُوِّ يَحْنِق
فات الكرام في مدى الجود فَلَوْ / كانوا بروقاً خلفه ما لحقوا
أقسمت لو أن السحاب مجتد / لكان من نواله يَرْتَزِقُ
ولو أتى البحر إليه سائلاً / لكان في لهيبها يحترق
والجمر لو يصلى بنار عزمه / لكان في جود يديه يغرق
يسبق بالحلم الوعيد مثلما / منه النوال للوعود يسبق
فكر في مديحه فَقَلَمِي / وخاطري كلاهما يستبق
علقت جود راحتيه ولقد / فاز امرؤ بحبله يعتلق
أهدت سروراً إلى كؤوس بره / أتى بها مصطبح مغتبق
كم ضجَّت الأرض إلى خالقها / من طول ما دُكَّتْ إليه الطرق
يا أيها الملك الذي آمالنا / ما برحت في جوده تصدق
تهن عشر الصوم واسعد بَعْدَهُ / بالعيد ما أطلع نجماً أُفُق