المجموع : 9
قال نَعم خَرَجت في جَماعة
قال نَعم خَرَجت في جَماعة / تاجرة لكلنا بِضاعة
وَكانَ فينا ناسك تَقي / طَريقه في زهدِهِ مهدي
حَتَّى إِذا سِرنا وَجد السير / قالَ الصَّلاة فافعلوها خَير
فَلامَهُ أَصحابهُ وَقالوا / سر فَالقَضاء جائز يا مال
فَالجَمع للركب المجد رخصه / فانتهز الفُرصة قَبل الغصه
هَذا طَريق شاسع مَجهول / وَالليث لا تَأمنه وَالغول
فَخالف القَوم جَميعاً وَنزل / إِن الخِلاف لمشوم لَم يَزَل
حَتَّى إِذا أحرَم بِالصلاة / أَتاه مِن بَين يَديهِ آت
قالَ لَهُ وَقدم السلاما / عَلَيهِ للخدعة عم ظَلاما
ما أَنتَ يا شَيخ وَذا المَكان / وَهوَ خلاء ما بِهِ إِنسان
وَما الَّذي تصنعه وَتفعله / فَإنَّني أنكره وَأجهله
وَالشَّيخ في صلاته مَشغول / وَعقله بنسكه مَعقول
ثُمَ قَضى صَلاته وَسلما / وَأَظهر الغلظة وَالتجَهما
وَقالَ يا جاهل عَمّ تَسأَل / ألست تَدري أَي شَيء أفعل
أَكافر أَنتَ فَأَنتَ تنكر / عَلى مَن دين الهدى ما تبصر
قالَ لَهُ ما زدتني علماً فَقُل / ماذا الَّذي تفعله يا ذا الرجل
فَإِنَّني لَم أَرَ قَط غَيرَكا / يَسير في هَذا الطَّريق سَيرَكا
قال أمجنون ألست تعرف / أَم أَنتَ عَن نَهج السبيل تصدف
هَذي صَلاة الناس فَرض واجب / عَلَيهم وَلَيسَ عَنها راغب
وَقص أمر الشرع قصاً وَشرح / فَصاحَ ذاكَ الشخص عَمداً وَانطرح
يَظهر أَني قَد عَرَفتُ رَبي / وَلَم أَكُن أعرفه لِذَنبي
ليخدع الشيخ فَلا يَسير / رَحيله حَتّى تَفوت العير
ففطن الشَّيخ لما أراده / وَاِغتاله بِمكره وَكاده
وَقالَ ما أقدر أَن أَريما / وَأظهر التوجع العَظيما
هَذا الفَتى لَم يَعرف الرحمانا / وَلا رَسول اللَّه إِلا الآنا
وَالآن قَد أسلم بَل قَد آمنا / وَاحسرتاه لَو وَجَدت مَأمَنا
لَو أَنَّهُ عاش لَكان وَلدي / وَعدة عَظيمة مِن عددي
وَزَوج تلك الطفلة الحَسناء / وَفاز بالنعمة وَالثراء
فَإِنَّني شَيخ كَثير المال / فرد مِن الأَعمام وَالأَخوال
وَلَيس لي وَلد سِوى بَنيه / وَالبنت في قَلب الشَّقيق كيه
وَلَيس في أَرضي من أَهواه / لَها وَلا ذو شَرف أَرضاه
كُلهم لي حاسد عَدوٌّ / لَيس لَهُم مِن حَسدي هُدو
وَحَسرة أَن يأخذوا مِن بَعدي / مالي الَّذي جَمَعتهُ بِكَدي
لَو عاشَ هَذا كان نعم الصهر / واشتد مني بِقواه الظَهر
لكنه قَد ماتَ مِن خُشوعه / وَنَفسه تَسيل مِن دُموعه
ففهم الفاتك قَصد الناسك / فلج في الحيلة وَالتهالك
وَلَم يَفق مِن سُكره وَلا انتفع / بِقَوله وَإِنَّما الحَرب خدع
فأيقن الناسك أَن سحره / ما رد عَنهُ كَيده وَمكره
فَقامَ مِن مَكانه يُنادي / أَصحابه وَاللَّيل ذو اسوداد
قَد مات إِنسان فَعودوا وَاشهدوا / جهازه كَما أمرتم وَاجهَدوا
فَخَشي الفاتك أَن يسمعه / رَفيقه الأَدنى وَأَن يمنعه
فَقامَ مِن صرعته مبادراً / مغالباً بفتكه مكابرا
قال لَهُ الناسك قف قَليلاً / إِن الجَميل يَفعل الجَميلا
مَقالة مني استمعها وافهم / وارحم فَما يَرحم مَن لَم يرحم
إِني شَيخ لَيسَ بي حراك / يَخشى وَما مِن عادَتي العراك
وَلَيس في قَتلي غَير العار / إِذا قَصَدت قَتلتي وَالعار
قال وَما العار الَّذي يَلحقني / إِن كانَ إثم فاحش يرهقني
فَقال شَيخ عاجز ضَعيف / يَأنف أن يقتله الشريف
لا فخر في ذاك وَلا شَجاعة / بَل فيهِ عار ظاهر الشناعة
يا صاح ما سَمعت أَن مالكا / أمهل عثمان لأجل ذلكا
وَصد عَنهُ إذ رآه وحده / مستسلماً قَد حادَ عَنهُ جُنده
قال لَه محمد إِذ ولى / اقتله يا مالك قال كَلا
إِني أَخاف أَن تَقول العرب / وَالعار لا يُنجيكَ منهُ الهَرَب
النخعى كان شَيخاً عاجِزاً / وَالفَخر لَو قتلته مبارزا
مُرتجزاً مُحتمياً بِقَومِه / فما انتَهى مُحَمَّد للومِه
فَهَكَذا مَكارِمُ الأَخلاق / وَشَرَف النفوس وَالأَعراق
وَهَكَذا إِذ بيت الشراة / وَكانَ مِن عاداتِها البيات
قال لَهُم عَمروالقَنا لا تَعجلوا / بقتلهم وَهُم نيام تخجلوا
وَأيقظوهم بحوامي الخَيل / وَأنذروهم وَاحذَروا مِن مَيل
فَإن قتل غافل أَو نائم / عار وَبئسَ القَتل للأكارم
قالَ لَهُ الشاطر أَن الغَلبه / أَن يُدرك الإِنسان ما قَد طَلَبَه
وَالقَصد أَن أَظفر كَيفَ كانا / وَالشّهم مَن يَنتَهز الامكانا
وَلَست للأمثال منكَ استمع / وَلا بهذي الترهات انخدع
تُريد أَن تَخدَعَني لتسلما / وَأنثني أعض كَفي نَدَما
وَالعاقل الكافي من الرِّجال / لا يَنثَني بزخرف المقال
وَإِنَّما يخدَع كُل عاجز / غمرٍ ضَعيف عوده للغامز
أَما سمعت قصةَ الظليم / وَفتكه بالناجش المليم
فَقال لا قال رَأَيت ناجِشا / كَأَنَّهُ مثل الفنيق جائِشا
قَد لطف الحيلة حَتّى اِصطادَهُ / وَشَده في حَبلِه وَقاده
قالَ لَهُ الظليم لِم أَخذتني / وَما الَّذي مِن أَجلِه قَصَدتَني
قالَ لَهُ شَيخ معيل عائل / وَلي بَنات حالَهن حائل
تسعة أَطفال صِغار فَبَكى الظ / ظليم مِما قالَهُ وَضَحِكا
قالَ لَهُ الصياد هَذا عَجَب / مستظرف بَل سفه وَلَعب
في لَمحة الطرف بُكاء وَضحك / وَناجذ باد وَدَمع منسفك
قالَ الظليم ما عَرَفت سَببه / غَير عَجيب في الأُمور المعجبه
هِيَ الَّتي قَد خفيت أَسبابها / وَاشتبهت عَلى النهى أَبوابها
وَإِن ما رَأيته مِن فعلي / مستغرباً عَن سَبب وَأَصل
قالَ لَهُ الشَّيخ وَما ذاكَ السَّبب / أبنهُ لي إن البيان مُستَحب
قالَ بُكاي لفراخي إنَّهم / قَد خيبت فيَّ الليالي ظنَهُم
خَرَجتُ كَي أَرعى لَهُم وَأرجعا / فَقَد وَقَعت الآن هَذا المَوقِعا
وَإِنَّهُم يَنتَظِرونَ رَجعَتي / يا وَيلَهُم لَو يَعلمون صرعتي
فذكر الشَّيخ بِهم أَولاده / وَلينت قولته فُؤاده
لَو لَم يَكُن حُكم القَضاء أوثقه / لحله مِن وَقتِهِ وَأطلقه
لَكنه أَبدى لَهُ التجلدا / إِن الشقي لَشقي أَبدا
وَقالَ هَذا سَبب البُكاء / لَيس بِه عَلي من خفاء
فَلم ضحكت قالَ منكَ ضحكي / فَأمر أمثالك جداً مضحكي
خَرَجت تَبغي الرزق للعيال / وَالرزق في بيتك كَالجِبال
قالَ وَما ذَلِكَ قالَ كنز / في دارِكُم حَيث تشد العنز
دَفينة قَديمة عادية / مِن كُل نَقد جملة سنيه
فَفرح الشَّيخ بِذاكَ وَنشط / وَهم أَن يطلقه وَقَد غَلط
وَما لمن غل القَضاء مُطلق / وَما لمن حَل القَضاء موثق
فَقالَ إِن أطلقته لَما ذكر / مِن غَير أن أعمل في ذاك النظَر
أطلقت نَقداً عاجِلاً بِكَفي / لِمَوعد لعله ذو خلف
وَلامَني الناس وَقالوا جاهل / فَعاذري فيما فعلت عاذل
فعلم الظليم أن حيلته / ما وافقت غرته وَغيلته
فَقالَ ما أصنع قَد وَقَعت / وَكدت لَكِني ما انتفَعت
لابُد مِن فكر وَلُطف حيله / يَكون لي إِلى المُنى وَسيله
إِنِّي في قبضته أسير / وَلَيس لي مِن جورهِ مجير
إِلا الإِله القادر الغَفور / بِلُطفِه ينجبر الكَسير
أَقلُّ مِما أَنا فيهِ لا أَرى / سَأَفتَرِي بَيِّنَةً لِما جَرى
وَأَرتجي مِن خالِقي رَبِّ الوَرى / نقلي مِن الأَسر إِلى دارِ القِرى
فَقالَ حَتَّى يَسمَع الصَّياد / لنفسه وَفَهمُه المُرادُ
شَيخ حَكيم عاقل أَريب / بِقول أَمثالي يَستَريب
لا تَسمَع الدَّعوى بِغَير شاهد / لا سيما ما كانَ مِن مُعاند
لَو أَنَّني أَورَدت ألف بينه / لصدق ما أذكره معينه
ما زادهُ ذَلِكَ إِلا صَدا / عَما ذكرت أَبَداً وَردا
فَقال كان للخليط راعِ
فَقال كان للخليط راعِ / بِرَعيه موفق المَساعي
فَنَتَجَت بَعض العِشار سَقباً / وَمَلأت بَعدَ الرِّضاع وَطبا
وَهوَ عَن الحَي بَعيد عازب / وَالصَّخر مِن لَفح الهَجير ذائِب
فَذهَب الرَّاعي لِسَقي إبله / وَخَلف الناقة عِندَ أَهله
فَجاءَها خَليلها للوعد / لأَنَّهُ يَعرف وَقت الوَرد
فَقدمت إِلَيهِ رسلاً فشرب / وَكان عيمان فَقامَ إذ طَرب
فَنَحَر الناقة في مقامِها / وَكَشَفَ الجلدة عَن سَنامِها
وَنالَ مِنها الأَطيب الشَّهيا / لِكَي يَسوء الراعي الشَّقيا
فَراحَ ذاكَ صادِرا بِالنعم / فَلَم يَرع إِلا بِآثار الدم
وَصَوتها مِن داخل الخِباء / مفصحة بالسب وَالبُكاء
فَقالَ ما هَذا فَقالَت مقنب / مروا عَلَينا وَالرِّجال غيب
فَعَقروها وَأَصابوا ما اشتَهوا / وَما أَرعووا عَن محرم وَلا اِنتَهوا
وَها أَنا مَريضة ما استقل / وَلا أَظن أَنَّني قَط أَبل
وَانَّهُم سَيقصدون الحله / وَيطردون سَخلها وَالجله
فَشَقَّ ما قالت لَهُ عَلَيهِ / وَصَغرت ناقته لَديه
فَلم يَدر بِباله وَلا افتكر / في أَمرِها وَلا لَهُ بَعد ذكر
وَسَأَلتهُ البَت وَالطَلاقا / وَطَلَبت ذاكَ فَما أَطاقا
وَأكثَرت خِصامه وَعَذله / لا خَيرَ في المَرء يَضيع أَهله
وَأعلنت حَتّى تَرد قَوله / لا كانَ فحل لَيسَ يَحمي شَوله
وَجَد في استعطافها بِجهده / معتذِراً عَن بعدِهِ بِوَرده
فَكانَ ذاكَ مِن لَطيف مَكرِها / أصلح لا شَك فَسادَ أَمرِها
وَهَكذا لابُدَ لي مِن حيله / تَكون لي إِلى العُلا وَسيله
فَرُبَّما نالَ الفَتى بِكَيده / ما لَم يَنل بِبَأسِه وَأَيده
قالَ سَمعت أن طاووساً سَعى
قالَ سَمعت أن طاووساً سَعى / في طَلَب القوت المشوم فرعى
حُباً لِصَياد عَلى شباكه / فَعادَ مِن ذَلِكَ في إِشراكِهِ
قَد صارَ مَأسوراً يُعاني الشبَكه / في حيرة يَرى الردى وَالهلكه
فَقال لَما أن رَأى ما حَل بِه / وَما تَشك نَفسه في عطبه
لَقَد هَلَكت شَرها وَحرصا / كَفى بِذاك سبة وَنقصا
فَهَل إِلى الخَلاص مِن طَريق / أَو مِن شَريك في الأَذى رَفيق
فَإِن في الوحدة هما زائِدا / يا حَبَذا لَو أن لي مُساعِدا
فَجاءهُ في الحال يَوم أَطلَس / فَساءهُ وَقالَ بئس المؤنس
ما نجرنا متفق فَكَيفَ ذا / هَذا أَشَد ما لَقيت مِن أَذى
أَعظَم ما يَلقى الفَتى مِن جُهد / أَن يَبتَلي مِن جنسِهِ بِالضد
جهد البَلاء صُحبة الأَضداد / فَإِنَّها كَي عَلى الفُؤاد
لَولا نَفاذ القَدر المَحتوم / ما بت بِالحَبس رَفيق البوم
صَبراً عَلى أَحوالِها وَلا ضحر / وَرُبَّما فازَ الفَتى إِذا صَبَر
وَقالَ أَهلاً بِأَخي وَمَرحبا / ادن تَعالَ ها هُنا وقربا
مِن أَين قالَ البوم من ناووس / كُنت بِه بِالأَمس مع طاووس
نادمني فيهِ فَكانَ ضَيفي / ثُم جزي بري بِكُل حيف
قالَ وَكَيفَ جاءَكَ الطاووس / ضَيفاً حلفت أَنَّهُ مَنحوس
قالَ نَعم جن الظَلام وَسَقَط / عَلى جِدار مَنزِلي وَقَد شَحط
عَن وَكرِهِ وَالليل وَالسحاب / فَحارَ إِذ أَعوزه الذهاب
فَقُلت ضَيف فَاِصنَعوا طَعاما / وَروقوا الشراب وَالمداما
فَهوَ كَريم ظاهر الوَسامَه / للمَجد في أَعطافِهِ علامه
ثُم دَنَوت مِنهُ فَاِستَخبرته / عَن حالِه فَقَص ما ذكرته
فَقُلت طب نَفساً فَهَذا مَنزل / رَحب وَكنٌ وَالجَميل أَجمَل
فَقالَ إِن الجوع عِندي أَطيَب / مِن زادِ يَومٍ والكَريم يسغب
فَقُلت خَل هَذِهِ الحَماقه / وَوافق الناس لأَجل الفاقه
ثُم دَخَلت الوَكر وَهوَ خَلفي / في فاقَةٍ يَعجَز عَنها وَصفي
وَقدم الطعام وَالشراب / وَهاجَت الأَشجان وَالأَلباب
يَقول لا آكل زاد اليَوم / زادَ اللئيم طَعمة اللئيم
فَقُلت ما أَخرَني وَقدمك / وَما الَّذي لأمني وَكرمك
لَيسَ بِقَدر الصور التفاضل / كَم حسن وَهوَ لَئيم جاهل
وَإِنَّما الفَضل بِفعل وَكَرَم / وَخَلق حُر وجود مقتسم
فَظهرت دَفائن الضمائر / وَباحَ كُل القَوم بِالسرائر
فَقالَ ما أَعجَب ما مَرَّ بِكا / وَشَر ما لَقيته مِن دَهركا
قُلت لَهُ وَالسكر قَد أَباحا / حمى فُؤادي كُله وَاِجتاحا
أَعجب ما لَقيته في عُمري / إِني كُنت جالِساً في وكري
عيشة وَزَوجَتي وَصبيتي / فسنحت أنثى فَهاجَت صَبوَتي
فَطرت مِن عِند فِراخي تابِعا / لَها وَقَد أَمسيت فيها طامِعا
وَلَم أَزَل أَتبَعها حَتَّى أَتت / وَكراً لَها في رأس نبق فعدت
وَأَخبرت بِقصتي حَليلها / وَسَجعت وَرَجعت هَديلها
وَقُلت تَدعوني فَجئت قَصدَها / وَزَوجَها مِن غَيظه قَد شَدها
ثُم أَتاني في بَني أَبيه / فَشوهوني أَقبح التشويه
وَنَتَفوا ريشي وَألقوني وَقَد / لَقيت ما لَم يَلقه قَبلي أحَد
عَلى ثُلوج وَقَعت كَثيره / في لَيلة بارِدة مطيره
فَكدت أَن أَهلك لَولا أَني / أَحضَرت قَلبي وَاستشرت ذهني
فَقُلت لابُد مِن التجَلُد / لأَنَّهُ خَير مِن التبَلد
فَالحر للعبء الثَقيل يحمل / وَالصبر عِندَ النائِبات أَجمَل
لا يَجزع الحر مِن المَصائب / كَلا وَلا يَخضع لِلنَوائب
لِكُلِّ شَيء مدة وَتنقَضي / لا يغلب الأَيام إِلا من رضي
ما أَحسَن الثَبات وَالتجَلُّدا / وَأقبح الحيرة وَالتبَلُّدا
قَد يَضحَك المَرء وَإِن قَلبه / باكٍ بسر غمه وكربه
ويأكل الحر شغاف قلبه / وَلا يَبين جَزعَةً لِصَحبه
وَيؤثر الضيف عَلى عياله / وَنَفسه بِزاده وَماله
حَتَّى يَظن جوده عن مال / وسعة في عيشه والحال
والحر لا يخضع للشدائِد / قَط وَلا يَغتاط بِالمَكايد
لَيسَ الفَتى إِلا الَّذي إِن طرقه / خطب تَلقاه بِصَبر وَثقه
وَالمَوت لا يَكون إِلا مره / وَالمَوت أَحلى مِن حَياة مره
وَفي الخطوب تَظهر الجَواهر / ما يَغلب الأَيام إِلا الصابر
إذا الرزايا أقبلت ولم تقف / فثم أقدار الرِّجال تختلِف
كَم قَد لَقيت لذة في زَمَني / فَاِصبر الآن لهذي المِحَن
فَالعُمر مثل الكاس وَالدهر القَذر / وَالصفو لا بُد لَهُ مِن الكدر
إِني مِن المَوت عَلى يَقين / فَاجهد الآن لما يَقيني
ثُم دَنوت ساعياً لا طائِرا / إِذ نَتَفوا ريش جَناحي الوافِرا
حَتَّى تَعَلقت بِأَغصان الشَّجر / في وَرق يكنني مِن المَطر
وَبَرد الليل وَزاد أَلَمي / وَلَم أَزَل أَئن مِن تَأَلمي
فَسَمِعَت دَجاجة أَنيني / قالَت أَنين دنف مسكين
فَسَخط الديك عَلَيها وَغَضب / وَنق مِما ذكرته وَصَخب
قالَت لَهُ لا تَنهر الضعيفا / وَاِرحَم لِكي ترحَم ذا اللهيفا
فَاِسعد العِباد عِندَ اللَّه / من ساعد الناس بِفَضل الجاه
لا تَغترر بِالخَير وَالسلامه / فَإِنَّما الحَياة كَالمدامه
في دنها فيها صَفاء وَقَذى / وَهَكَذا في الدَّهر خَفض وَأَذى
خَفضٌ وَبُؤس وَغِنى وَفَقر / وَصحة وَمَرَض وَأَسر
وَإِنَّما الموفق الحَكيم / مَن لَم يُغَير رَأيه النعيم
فَيَحسَب الصحة حَقاً وَاجِباً / لَهُ عَلى اللَّه حِساباً كاذِبا
فَعوذ النعمة مِن زَوال / بِكَثرة الإِحسان وَالإجمال
وَاِرحَم عَساكَ إن سَقَطت ترحم / فَالمَرء في أَيّامِهِ لا يَسلَم
وَلا تَكُن حاشاكَ كَالبقال / فَقالَ قصي شَرح تِلكَ الحال
قالت سَمعت أَن حُراً ضاعا
قالت سَمعت أَن حُراً ضاعا / في بَلدة حَل بِها وَجاعا
فَظَل أَياماً حَليف مسجد / لَم يَرَ في جيرانِهِ مِن مسعد
حَتَّى إِذا كادَ يَموت جوعا / وَهَجر القَرار وَالهُجوعا
قالَت لَهُ وَعنفته نَفسه / عَجز الفَتى عَن الحَياة نَحسه
اطلب حطاماً يحفظ الحياتا / إِنَّ الشقي فاعلمن مَن ماتا
اخرج فَسَل فذلة السؤال / خَير مِن المَوت بِكُل حال
قالَ لَها بَل الحَمام أَحلى / مِن السُؤال مَورِداً وَأغلى
فَإِن قَيس بن زُهير طَلَبا / وَهوَ كَبير السن لَما سَغبا
فَرده القَوم وَما أَعطوه / قوتاً وَفَروا مِنهُ إِذ رَأوه
فَقالَ نَفس رَضيت بِالذل / وَخَضَعت طالِبَة لِلأَكل
جَديرة بِأَن تَموت جوعا / فَلَم يَذُق مِن مَطعَم أسبوعا
وَماتَ جوعاً وَرثته النائِحة / وَذَكرت ما كانَ مِنهُ شارِحه
لكنني سَأَبتَغي وَأطلب / وَطافَ في الطرق وَكانَ المَغرب
فَجاءَ باب رَجل بقال / لُه ثَراء ظاهر ذو مال
فَقالَ للقوم عموا مَساء / من طَلَب القوت فَما أَساء
ضَيف غَريب ما لَهُ عَشاء / قَد حشيت بِجوعه الأَحشاء
وَصاحب الدار عَلى الطعام / وَكانَ ذاكَ لَيلة الصيام
فَأَخَذَت زَوجته رَغيفا / وَبادَرَت لِتُطعم الضعيفا
فَغضب الزوج عَلَيها وَوَثب / بِالسوط وَاِشتاطَ وَقالَ في الغَضَب
جَزاؤكَ الطلاق عَن ذا الفعل / فَلَست لي مِن بَعد ذا باهل
فأنكر المسكين باب الدار / وَعادَ في ذُل وَفي انكِسار
يَقول لم طلقت الظعينه / بِسَببي وَباتَت المسكينه
وَباتَ في مَسجده وَقَد عَزم / عَلى الردى جوعاً وَلِلعَيش حسم
فَاِجتَمع الجيران للصلاة / وَذَكَروا مَصارف الزكاة
وَقالَ كُل إِن عِندي حَقا / للَّه حَسبي منع ذاكَ فسقا
قالَ الإِمام إِنَّ هَذا الرجُلا / أَحَق بِالحَق فَخلوا العللا
فَجَمَعوا مِن الزكاة أَلفا / فَجاءهُ الشَّيخ بِها وَخَفا
فَباتَ بَعد البُؤس وَالضرَّاء / ذا ثَروة في الخَصب وَالرخاء
حَتَّى إِذا الحَول عَلَيهِ حالا / تَضاعف المال لَهُ أَموالا
وَباكر السوق وَعادَ تاجِرا / وَلَم يَكُن بَينَ التجار خاسِرا
وَصارَ في مَشايخ التجار / مُقَدما في الباعة الكِبار
قالَ لَهُ شَيخ مِن الجِيران / هَل لَكَ في خود مِن النسوان
صبية فائِقة الجَمال / كَالبَدر وَالقَضيب وَالغَزال
حَتّى إِذا ما أهديت إلَيهِ / وَنَفَضَت مِن حُسنِها عَلَيه
وَجَلَسا يَوماً عَلى الطعام / وَاِستَظهَرا في الشُرب للمدام
جاءَ إِلى الباب فَقير يَسأَل / قالَت لَهُ الزوجة ما لا يجمل
اللَّهُ يُعطيكَ فَلَيسَ عِندي / لِكُل مَن يَسأل غَير الرَد
فَغَضب الزَّوج عَلَيها وَوثب / يوسعها مِن قَولِها ضَرباً وَسَب
وَناول المسكين ما فَوقَ الطبَق / جَميعه مِن العِراق وَالمَرَق
وَقالَ ما عُذرك يا رَقيعه / في هَذِهِ المَقالة الشَّنيعه
قالَت لَهُ إِني أَنلت سائِلا / ما لَم يَكُن إِذا اِعتَبَرت طائِلا
وَكانَ لي بَعل سِواك فَغضب / وَعادَ حبل الوَصل مِنهُ مُنقَضب
قالَ لَها وَعرفَ الحَديثا / لا تَذكُري لي السفله الخَبيثا
قالَت لَقَد ماتَ وَأَنتَ سالم / وَإِنَّهُ مِن وَقتِهِ لَنادم
فَسَجَدَ الزوج وَقالَ شُكراً / لَيسَ يَجُر النكر إِلا النكرا
هَل تَعرِفين ذَلِكَ الفَقيرا / لما أَتاكُم بائِساً ضَريرا
إِني أَنا ذاك الفَقير البائس / وَلَيسَ مِن لُطف الإِله يائس
الحَمدُ للَّه الَّذي أَعطاني / مَكانه وَبالغنى حَباني
وَدارَهُ وَعُرسه وماله / فَخافَ لَما سَمع المَقاله
فَجاءَني الديك وَقالَ ما الَّذي / تَشكو وَماذا تَشتَهي وَتَغتَدي
قُلت لَهُ إِني عَليل ضمن / ملقى بِلا ريش أَسير زَمَن
قالَ وَمَن ذا نالَ منكَ قُل لي / وَاصدق إِذا حَدثتَني في الكُل
فَحينَ أَوضَحت جَميع أَمري / نَحا إِليَّ جاهِداً بالنقر
يَضرِبُني ضَرب مغيظ محنق / إِن الشقاء نازِل عَلى الشقي
وَقالَ شلت يَده لم تَرَكك / تَباً لَهُ ما بالهُ ما أَهلكك
فَالقَتل عِندي بَعض ما تستَوجب / تركك يا فاسق لا يَستصوب
وَالآن قَد جئت إِلى حريمي / أَخرج إِلى العَذاب وَالجَحيم
وَجر رجلي بَعدَ ما أَوجَعَني / ضَرباً وَمَكروه الأَذى أسمَعني
فَقمت لا أَعرف أَين أَذهب / حَيران في مَقاصِدي مذبذب
ثُم لَقيت في طَريقي ثَعلَبا / فَحدت عَن طَريقه لأهربا
فَمَن لي مِن خَلفي اِبن آوى / وَأكلب ضارية تعاوى
فَقُلتُ مَن لي بِالخَلاص وَالهَرَب / ثُم دَعَوت اللَّه كَشاف الكرب
فَهوَ لَطيف بِالوَرى مُجيب / عِندَ القُنوط الفَرج القَريب
فَقَصَدت أَخذي وَشدت كلها / وَلطف رَبي وَحده يغلها
حَتَّى إِذا يَئست مِن حَياتي / وَلَم يَبن لي سَبب النجاة
فَاِختَصَمت في أَيُّها يَصيدني / وَقَد أَتَت وَكُلها تريدني
فَاِنسبتُ لَما شُغلوا في أجمه / حُلَفاؤُها مطبقة مُرتَكمه
وَظلت فيها مُدة حَتّى نبت / ريش جَناحي بَعدَ ما كانَ انسلت
فَذاكَ مِن كُل عَجيب أَعجَب / وَلَيسَ في الأَيام ما يستَغرب
فَهات حدثني عَن أَموركا / وَاظهر المَكنون مِن تاموركا
فَقالَ لي سرحت أَبغي الرعيا / وَلَم أَكُن بِمَطلَب لأَعيا
فَاِضطرني الليل إِلى ناووس / فبت ضَيف البوم ذي النحوس
فَقدم الطعام وَالشرابا / وَأظهر الإكرام وَالإعجابا
وَقصَّ ما لاقى مِن العَظائم / وَقالَ حدثني غَير آثم
حَتّى إِذا نامَ وَقَد أَسكَرتهُ / قَتلت فرخيه وَما شَكرته
وَما علمت أنَّهُ يريدني / بِذَلك القَول وَلا يَكيدني
وَنمت سُكراً وَالعَجوز قائله / لا تَرقُدن قُلت اسكتي يا جاهله
قالَت قَبيح نَوم رَب المَوضع / وَضيفه مُستَيقظ لَم يهجَع
وَغَلب السكر فنمت فوثب / إِلى فِراخي فَلَقوا مِنهُ العطب
قالَ لَهُ الطاووس بئس ما صَنَع / وَإِن ما حَكيته مِن البَدع
وَلَيسَ ذا مِن عادة الكِرام / الغَدر بَعدَ الود وَالطعام
وَما عَرَفنا مثله في جنسنا / عُقولنا أَولى بِنا مِن حسنا
لَعله صاحب يَوماً صاحِباً / علمه الفسوق وَالمعايبا
فَصحبة الأَشرار داء يعدي / مثل السجايا عَن أَب وَجد
فَسمه وَانسبه إِن عَرفته / لعله يَعرف إِن وَصفته
فَقالَ سمى نَفسه صَبيحا / وَقالَ يُدعى وَالدي مَليحا
وَكانَ يُكنى بِأَبي قماش / مؤتمن الطير عَلى الأَعشاش
وَمَنزلي جَزيرة الصقالبه / مَشهورة في بَلَد المَغارِبَه
فَكُنتُ رَب نعمة وَمال / وَثَروة جار عَلَيها الوَالي
لأَن حُسادي إِلَيها دَبوا / وَالمال عندَ الفُقَراء ذَنب
فَاِجتَهَدوا جَميعهُم في قَلعِها / فَبَلغوا ما طَلَبوا مِن نَزعِها
وَكانَ حُسادي بِها صنفين / كِلاهُما مُجتَهد في حيني
وَبَعضهُم أَفسَده الإكرام / وَبِالجَميل تُفسد اللئام
لأَنني قَدمتهُم لِجَهلي / لِشَهوَةٍ وَشُبهَةٍ بَدَت لي
آثرتهُم عَلى جَميع الطير / حَتَّى إِذا خَصصتهم بِالخَير
بَغوا وَظَنوا ذاكَ بَعض حَقهم / وَإِنّهُ فَرض لَهم بِرزقهم
لأَحمد لي فيهِ عَليهم يَجب / إِذ هُو رزق للأنام يغلب
كَذاكَ مَن يَصطَنع الجهالا / وَيُؤثر الأَرذال وَالأنذالا
وَبَعضهُم أَقصيته بِالظن / وَكَثرَة الإِفساد بِالتجني
لأَن طَبعي كانَ يَنبو عَنهُم / سَجية وَيَشمَئز مِنهُم
وَلَم أَكُن أحبهُم بِالطبع / فَلَم أَزَل أَخصهم بِالمَنع
وَمِنهُم أفاضل كِرام / لَهُم عُقول وَلَهُم أَحلام
فَاحفَظتهم جَفوَتي فَغَضِبوا / إِن الجَفاء لِلتعادي سَبب
لا سِيما وَقَد رَأوا تَقريبي / من لَيسَ بِالحر وَلا الأَديب
فَإِنَّهُ لَن يُفسد الأَحوالا / وَيوحش الأَحرار وَالرِّجالا
شَيء كَتَفضيل الدنيء الناقص / وَالبر للشهوة لا الخَصائص
وَإِن من يَمنعُ الغَريبا / وَيَحفظُ البعيدَ والقَريبا
يَستَوجب التعنيف وَالملامة / وَفعله مثل أَبي نعامه
ما كُل قَول يُسمَع
ما كُل قَول يُسمَع / ما كُل نصح ينجع
ما كل عذر يقبل / ما كل ذل يُحمل
ما كل ظَن يصدق / ما كُل غَرس يورق
ما كُلُ ماء يغرق / ما كُل نار تُحرق
ما كل غَيم يمطر / ما كل غصن يثمر
ما كل سَعي ينجح / ما كل زند يقدح
ما كل والٍ يعدل / ما كل داء يقتل
ما كل ماء يشرَب / ما كل ظَهر يركَب
ما كل جان يعذر / ما كلُ ذَنب يغفر
ما كل سَيف يقطَع / ما كل جُهدٍ يَنفع
ما كل جد يسعد / ما كل ساع يفسد
ما كل سهم ينفذ / ما كل كَيد ينقذ
ما كل حصن يَمتنع / ما كل حَبل ينقطع
ما كل بَرق يَتبع / ما كل رَأيٍ يخدع
ما كُل أَنفٍ يجدع / ما كل أَرض تزرع
ما كل مَرعى يحمد / ما كل باب يقصد
ما كل خَصم يحذر / ما كل راج يظفر
ما كل مَيت يبكي / ما كل جان يَشكي
ما كل ولدٍ رامه / ما كل خال شامه
ما كل غاز قيس / ما كل زاد حيس
ما كل شهم عنتره / ما كل حلو سكره
ما كل موتور عدى / ما كل ممطور هدى
ما كل وصل حَبا / ما كل باك صَبا
ما كل يَوم عيد / ما كل عاو سيد
ما كل فعل يجزى / ما كل جان يخزى
ما كل عام صائِفا / ما كل جرح جائِفا
ما كل لَيل مقمر / ما كُل غاز ينصر
ما كل ذل يحسن / ما كل شَيء يمكن
ما كل صَب يعذل / ما كل ثقل يحمل
ما كُل مَن سادَ نفس / ما كل مَن ذل تعس
ما كُلُّ محبوب حسن / ما كل محلوب لَبَن
ما كلُ يَوم تقدر / ما كل وَقت تظفر
ما كُلُ غاز يَسلم / ما كُل ساع يَغنَم
ما كُل باغ يُدرك / ما كُل ناع يَهلك
ما كُل خَد ناب / ما كُلُ جد كاب
ما كل صَيد يُؤكل / ما كُلُ شَيء يفعل
ما كل ماء لجه / ما كل عذر حجه
ما كل خود علوه / ما كل هجر سلوه
ما كل وَصل صَبوه / ما كل كَأس قَهوه
ما كل شَيء يُذكر / ما كل بر يُشكر
ما كلُ كاو يَنضج / ما كُلُ نجح يَنهج
ما كُل عرق يكوى / ما كُلُ بَرد يُطوى
ما كُلُ عَهد يخفر / ما كل فعل يفقر
ما كلُ عود صعده / ما كل وردٍ جَعده
ما كُل دَوح سمره / ما كُل زَهر ثمره
ما كُلَّ مطل بخلا / ما كُل نَبت نَخلا
ما كُل بَذل جودا / ما كُل عود عودا
ما كُلُ خَد يلطم / ما كُل ثَغر يلثم
ما كُل عَرض يهجى / ما كُل برّ يُرجى
ما كُلُ ضَب يحرش / ما كل وال ينجش
ما كل قَول يؤثر / ما كل صَول يحذر
ما كل شعر ينشد / ما كل غاو يرشد
ما كُل مَن جَد وَجَد / ما كُلُ مَن جادَ مجد
ما كُل من ماتَ فَقَد / ما كُلُّ مَن أَعطى حَمد
ما كل ثَغر أشنبا / ما كل بَرق خلبا
ما كُل عَهد يُرعى / ما كُل مَيت يَنعى
ما كل وَعد يمطل / ما كل سَعي يبطل
ما كل كسر يُجبر / ما كل برد ينشر
ما كل ثَوب يلبس / ما كل ثَغر يحرس
ما كل ظل يقلص / ما كل ود يخلص
لكل جَنب مضجع
لكل جَنب مضجع / لكل حي مَصرَعُ
لِكُل شَيء غايه / لكل غاز رايه
لكل حي نار / لكل قوم دار
لكل ناس دولة / لكل غاو صولة
لكل شَمس مغرب / لكل قَوم مذهب
لكل شَيء سَبب / لكل حي أَرب
لكل نَفس شَهوة / لكل حلم هَفوه
لكل عَيب طالب / لكل حسن عائب
لكل أَمر آخر / لكل حال ذاكر
من آثر الحَق سلم / مَن قَمع النَفس غنم
من تبع الحَق نَجا / مَن خَف نال ما رجا
لكل ستر هاتك / لكل عَصر مالك
لكل عَبد رَب / لكل جسم قَلب
لكل ذنب عذر / لكل طي نَشر
لكل رَعي راع / لكل أَمر داع
لكل ماء وارد / لكل عَيش حاسد
لكل مال وارث / لكل شَر باعث
لِكُل شَيء وَقت / لكل عَبد بَخت
لكل جرح آس / لكل كَأس حاس
لكل شَيء حَد / لكل قَوم جَد
لكل عظم عارق / لكل فتق راتق
لكل شُغلٍ صانع / لكل خَرق راقع
لكل عَصر قَوم / لكل قَوم يَوم
لكل ذَنب مُنكر / لكل وَرد مَصدَر
لكل إِنسان عَمَل / لكل إِحسان زَلل
لكل حزنٍ سَهل / لكل عقد حَل
لكل دار ساكن / لكل فَضل دافن
لِكُل مَيدان فَرَس / لكل إِنسان هَوس
لِكُل ثَغر حارس / لكل ثَوب لابس
لكل بَرق شائِم / لكل علم عالم
لكل داع تابع / لكل قَول سامع
لكل زَرع حاصد / لكل غصن عاضد
لكل قَلب منيه / عَن كُل شَيء غنيه
لكل نَفس صَبوه / لكل مهر كَبوه
لكل عز ذل / لكل وال عَزل
نعم الوَزير العَقل / نعم القَرين الفَضل
ما المَوت فاعلمه التَلف / لكنه سوء الخَلف
لا تَقنعن بِالعلف / وَكيل سوء وَحَشف
العَقل زين وَشَرَف / الجَهل شين وَتَلَف
العلم نور وَهُدى / الجَهل غَي وَردي
فَقالَت المُطَوقه / وَهيَ لَها مُصَدقه
نعم المَقال قُلت / عَلى الهُدى مازلت
في كفِّه من اليَرا
في كفِّه من اليَرا / عِ ذابلٌ مزَعزَعُ
رُوعُ الزمانِ أبداً / من وقعِهِ مُرَوَّعُ
إذا انبرى لحادثٍ / فهوَ سِنانٌ مُشرَعُ
لَينُ المَجَسِّ قاتِلٌ / والصِلُّ لَينٌ يلسعُ
أخرسُ إلا أنَّهُ / في إصبَعَيهِ مِصقَعُ
فكم لسانٍ ناطقٍ / أفصحُ منهُ إصبَعُ
يعلِّمُ الورقاءَ في ال / أغصانِ كيف تَسجَعُ
يبيتُ في كفِّها تشمرخُه
يبيتُ في كفِّها تشمرخُه / تحطُّه تارةً وترفعهُ
كالطفلِ في حجرِها تُرقِّصُهُ / تَشبرُهُ تارةً وتَذرعُهُ
لكنَّهُ الُمرداكُ يُرضِعُها ال / دَّرَّ وأُمُّ الصبيّ تُرضِعُهُ
في كفّه من اليرا
في كفّه من اليرا / ع ذابلٌ مزعزِعُ
روعُ الزّمان أبداً / من وقعه مروّعُ
إذا انبرى لحادثٍ / فهْوَ سنانٌ مشْرَعُ
ليْنُ المجسِّ قاتلٌ / والصِّلُّ ليْنٌ يلسعُ
أخرسُ إلا أنّه / في إصبعَيْهِ مصقَعُ
فكم لسانٍ ناطقٍ / أفصحُ منه إصبَعُ
يعلمُ الورْقاءَ في ال / أغصان كيف تسجَعُ