أَسفَرَ عَن بَهجَتِهِ الدَهرُ الأَغَرْ
أَسفَرَ عَن بَهجَتِهِ الدَهرُ الأَغَرْ / وَاِبتَسَمَ الرَوضُ لَنا عَنِ الزَهَرْ
أَبدى لَنا فَصلُ الرَبيعِ مَنظَراً / بِمِثلِهِ تُفتَنُ أَلبابُ البَشَرْ
وَشياً وَلكِن حاكَهُ صانِعُهُ / لا لِاِبتِذالِ اللُبسِ لكِن لِلنَظَرْ
عايَنَهُ طَرفُ السَماءِ فَاِنثَنى / عِشقاً لَهُ يَبكي بِأَجفانِ المَطَرْ
فَالأَرضُ في زِيِّ عَروسٍ فَوقَها / مِن أَدمُعِ القَطرِ نِثارٌ مِن دُرَرْ
وَشيٌ طَواهُ في الثَرى صِوانُهُ / حَتّى إِذا مَلَّ مِنَ الطَيِّ نَشَرْ
أَما تَرى الوَردَ كَخَدّيْ كاعِبٍ / راوَدَها فَاِمتَنَعَت مِنهُ ذَكَرْ
كَأَنَّما الخَمرُ عَلَيهِ نَفَضَت / صِباغَها أَو هِيَ مِنهُ تُعتَصَرْ
أَخجَلَهُ النَرجِسُ إِذ جادَلَهُ / فَاِحمَرَّ مِن فَرطِ حَياءٍ وَخَفَرْ
قالَ لَهُ العَينُ وَما الخَدُّ لَها / مُوازِناً في عُظمِ قَدرٍ وَخَطَرْ
ماذا الَّذي يُرجى لِخَدٍّ بَهيجٍ / مُستَحسَنٍ صاحِبُهُ أَعمى البَصَرْ
فَاِحمَرَّ مِن حُجَّتِهِ إِذ ظَهَرَت / وَالحَقُّ لا يُدفَعُ يَوماً إِن ظَهَرْ
وَاِنظُرْ إِلى النارَنجِ في بَهجَتِهِ / يَلوحُ في أَفنانِ هاتيكَ الشَجَرْ
مَثَلَ دَنانيرِ نُضارٍ أَحمَرٍ / أَو كَعَقيقٍ خُرِطَتْ مِنهُ أُكَرْ
وَاِنظُرْ إِلى المَنثورِ في مَيدانِهِ / يَرنو إِلى الناظِرِ مِن حَيثُ نَظَرْ
كَجَوهَرٍ مُختَلِفٍ أَلوانُهُ / أَسلَمَهُ سِلكُ نَظامٍ فَاِنتَثَرْ
كَأَنَّ نَورَ الباقِلاءِ إِذ بَدا / لِناظِريهِ أَعيُنٌ فيها حَوَرْ
كَمِثلِ أَلحاظِ اليَعافيرِ إِذا / رَوَّعَها مِن قانِصٍ فَرطُ الحَذَرْ
كَأَنَّهُ مَداهِنٌ مِن فِضَّةٍ / أَوساطُها بِها مِنَ المِسكِ أَثَرْ
كَأَنَّها سَوالِفٌ مِن خُرَّدٍ / قَد زَيَّنَت بَياضَها سودُ الطُرَرْ
وَاِنظُر إِلى الأَطيارِ في أَرجائِهِ / إِذا دَعا الثاكِلُ مِنها وَصَفَرْ
كَأَنَّها تَصفِرُ في رِياضِها / سِربُ قِيانٍ فَوقَ بُسطٍ مِن حِبَرْ
فَاِنهَض إِلى اللَهوِ وَلَذّاتِ الصِبا / لامَكَ مَن يَعذِلُ فيها أَو عَذَرْ
فَقَلَّما يُغنيكَ مَن يَعذِلُ في / ما تَشتَهي حَتّى تُواريكَ الحُفَرْ
فَكَيفَ هِجرانُ اللَذاذاتِ وَلَم / يَبدُ نَهارُ الشَيبِ في لَيلِ الشَعَرْ
وَالنُسكُ في عَصرِ الصِبا كَأَنَّهُ / مِن قُبحِهِ خَلعُ عِذارٍ في الكِبَرْ
يا لائِماً يَعذِلُني في طَرَبي / حَسبُكَ قَد أَكثَرتَ مِن هذا الهَذَرْ
أَعرِفُ فَضلَ العَقلِ إِلّا أَنَّهُ / لِعَيشِ مَن آثَرَهُ عَينُ الكَدَرْ
الجَهلُ يَنبوعُ مَسَرّاتِ الفَتى / وَالعَقلُ يَنبوعُ الهُمومِ وَالفِكرْ
فَاِجسُر عَلى ما تَشتَهي جَهالَةً / ما فازَ بِاللَذاتِ إِلّا مَن جَسَرْ
وَاِشرَب عُقاراً لَو أَصابَت حَجَراً / لَطارَ مِن خِفَّتِهِ ذاكَ الحَجَرْ
عَدُوَّةَ الحُزنِ الَّذي ما ظَفَرَت / قَطُّ بِهِ إِلّا أَساءَت في الظَفَرْ
لَو رامَ أَن يُجيرَهُ مِن كَيدِها / صَرفُ الزَمانِ الحَتمُ يَوماً ما قَدَرْ
أَرَقَّها الدَهرُ إِلى أَن شاكَلَت / مِن رِقَّةٍ شِعرَ جَميلٍ وَعُمَرْ
خَفِيَّةَ الحيلَةِ في جِسمِ الفَتى / تُحدِثُ في الجِسمِ دَبيباً وَخَدَرْ
كَأَنَّما الأَوطارُ فيها جُمِّعَت / فَلَيسَ في العَيشِ لَجافيها وَطَرْ
لا سِيِّما مِن كَفِّ ظَبيٍ لَم يُشَن / بِفَرطِ طولٍ لا وَلا فَرطِ قِصَرْ
لَهُ سِهامٌ مِن لِحاظٍ صُيَّبٍ / كَأَنَّما يَرمينَ عَن قَوسِ القَدَرْ
مُزَنَّرٍ شَكَّكَني في دينِهِ / حَتّى أَحَلتُ الكُفرَ فيمَن قَد كَفَرْ
لِأَنَّهُ كَالحورِ في تَصويرِهِ / وَالحورُ لا يُسكِنُها اللَهُ سَقَرْ
لَو لَم يَكُن زُنّارُهُ في وَسطِهِ / يُمسِكُ ضَعفَ الخَصرِ مِنهُ لَاِنبَتَرْ
وَبانَ مِنهُ نِصفُهُ عَن نِصفِهِ / لكِنَّهُ جاءَ لَهُ عَلى قَدَرْ
إِن قُلتُ يَحكي قَمَراً عَنَّفَني / عَقلٌ لَهُ أَعدَمَهُ عِندَ القَمَرْ
أَنّى يُوازيهِ وَهذا ناطِقٌ / وَذاكَ إِن خوطِبَ لَم يَنطِق حَصَرْ
يا لَكَ مِنهُ مَنظَراً أَشهى إِلى / قَلبِيَ مِن جَنَّةِ عَدنٍ أَو أَسَرّْ
يا طيبَ ذي الدُنيا لَنا مَنزِلَةً / لَو لَم نَكُن نُزعَجُ مِنها بِسَفَرْ