اِنهَض فَهَذا النَجمُ في الغَربِ سَقَط
اِنهَض فَهَذا النَجمُ في الغَربِ سَقَط / وَالشَيبُ في فَودِ الظَلامِ قَد وَخَط
وَالصُبحُ قَد مَدَّ إِلى نَحرِ الدُجى / يَداً بِها دُرَّ النُجومِ تَلتَقِط
وَأَلهَبَ الإِصباحُ أَذيالَ الدُجى / بِشَمعَةٍ مِنَ الشُعاعِ لَم تُقَط
وَضَجَّتِ الأَوراقُ في أَوراقِها / لَمّا رَأَت سَيفَ الصَباحِ مُختَرَط
وَقامَ مِن فَوقِ الجِدارِ هاتِفٌ / مُتَوَّجُ الهامَةِ ذي فَرعٍ قَطَط
يُخَبِّرُ الراقِدَ أَنَّ نَومَهُ / عِندَ اِنتِباهِ جَدِّهِ مِنَ الغَلَط
وَالبَدرُ قَد صارَ هِلالاً ناحِلاً / في آخِرِ الشَهرِ وَبِالصُبحِ اِختَلَط
كَأَنَّهُ قَوسُ لُجَينٍ موتَر / وَاللَيلُ زِنجيٌّ عَليهِ قَد ضَبَط
وَفي يَديهِ لِلثُرَيّا نَدَبٌ / يَزيدُ فَرداً واحِداً عَنِ النَمَط
فَأَيُّ عُذرٍ لِلرُماةِ وَالدُجى / قَد عُدَّ في سِلكِ الرُماةِ وَاِنخَرَط
أَما تَرى الغَيمَ الجَديدَ مُقبِلاً / قَد مَدَّ في الأُفُقِ رِداهُ فَاِنبَسَط
كَأَنَّ أَيدي الزُنجِ في تَلفيقِهِ / قَد لَبَّدَت قُطناً عَلى ثَوبٍ شَمَط
يَلمَعُ ضَوءُ البَرقِ في حافاتِهِ / كَأَنَّ في الجَوِّ صِفاحاً تُختَرَط
وَأَظهَرَ الخَريفُ مِن أَزهارِهِ / أَضعافَ ما أَخفى الرَبيعُ إِذ شَحَط
وَلانَ عِطفُ الريحِ في هُبوبِها / وَالطَلُّ مِن بَعدِ الهَجيرِ قَد سَقَط
وَالشَمسُ في الميزانِ مَوزونٍ بِها / قِسطُ النَهارِ بَعدَ ما كانَ قَسَط
وَأَرسَلَت جِبالُ دَربِندَ لَنا / رُسلاً صَبا القَلبُ إِلَيها وَاِنبَسَط
مِنَ الكَراكي الحُزَرِيّاتِ الَّتي / تَقدَمُ وَالبَعضُ بِبَعضٍ مُرتَبِط
كَأَنَّها إِذ تابَعَت صَفوفَها / رَكائِبٌ عَنها الرِحالُ لَم تُحَطّ
إِذا قَفاها سَمعُ ذي صَبابَةٍ / مِثلي تَقاضاهُ الغَرامُ وَنَشَط
فَقُم بِنا نَرفُلُ في ثَوبِ الصِبى / إِنَّ الرِضى بِتَركِهِ عَينُ السَخَط
وَاِلتَقِطِ اللَذَّةَ حَيثُ أَمكَنَت / فَإِنَّما اللَذّاتُ في الدَهرِ لُقَط
إِنَّ الشَبابَ زائِرٌ مُوَدِّعٌ / لا يُستَطاعُ رَدُّهُ إِذا فَرَط
أَما تَرى الكَرَكِيَّ في الجَوِّ وَقَد / نَغَّمَ في أُفقِ السَماءِ وَلَغَط
أَنساهُ حُبُّ دِجلَةٍ وَطيبُها / مَواطِناً قَد زُقَّ فيها وَلَقَط
فَجاءَ يُهدي نَفسَهُ وَما دَرى / أَنَّ الرَدى قَرينُهُ حَيثُ سَقَط
فَابرِز قِسِيّاً مِن كَمَندِ أَتاتِها / إِنَّ الجِيادَ لِلحُروبِ تُرتَبَط
مِن كُلِّ سَبطٍ مِن هَدايا واسِطٍ / جَعدِ البَلاغِ مِنهُ في الكَعبِ نُقَط
أَصلَحَهُ صالِحٌ بِاِجتِهادِهِ / فَكُلُّ ذي لُبٍّ لَهُ فيهِ غِبَط
وَما أَضاعَ الحَزمَ عِندَ عَزمِها / بَل جاوَزَ القَيظَ وَلِلفَصلِ ضَبَط
حَتّى إِذا حَرُّ حُزَيرانَ خَبا / وَتَمَّ تَمّوزٌ وَآبٌ وَشَحَط
وَجاءَ أَيلولٌ بِحَرٍّ فاتِرٍ / في نُضجِ تَعديلِ الثِمارِ ما فَرَط
أَبرَزَ ما أَحرَزَ مِن آلاتِهِ / وَحَلَّ مِن ذاكَ المَتاعَ ما رَبَط
وَمَدَّ لِلصَنعَةِ كَفّاً أَوحَداً /
وَظَلَّ يَستَقري بَلاغَ عودِها / فَنَبَّرَ الأَطرافَ وَاِختارَ الوَسَط
وُجَوَّدَ التَدفيقَ في لِهحامِها / فَأَسقَطَ الكِرشاتِ مِنها وَالسَقَط
وَلَم يَزَل يُبلِغُها مَراتِباً / تَلزَمُ في صَنعَتِهِ وَتُشتَرَط
فَعِندَما أَفضَت إِلى تَطهيرِها / صَحَّحَ داراتِ البُيوتِ وَالنِقَط
حَتّى إِذا قَمَّصَها بِدُهنِها / جاءَت مِنَ الصِحَّةِ في أَحلى نَمَط
كَأَنَّها النُواناتُ في تَعريقِها / يُعرُجُ مِنها بُندُقٌ مِثلُ النَقَط
مِثلَ السُيورِ في يَدِ الرامي فَلو / شاءَ طَواها وَحَواها في سَفَط
لَو يَقذِفُ اليَمَّ بِها مالِكُها / ما اِنتَفَضَ العودُ وَلا الزَورُ اِنكَشَط
كَأَنَّما بِندُقُها تَنازَلا / أَو مِن يَدِ الرامي إِلى الطَيرِ خِطَط
مِن كُلِّ مَحنيِّ البُيوتِ مُدمَجٍ / ما أَخطَأَ الباري بِهِ وَلا فَرَط
كَأَنَّهُ لامٌ عَليهِ أَلفٌ / وَقالَ قَومٌ إِنَّها اللامُ فَقَط
فَاَجلِ قَذى عُيونِنا بِبَرزَةٍ / تَنفي عَنِ القَلبِ الهُمومَ وَالقَنَط
فَما رَأَت مِن بَعدِ هورِ بابِلٍ / وَمائِهِ التَيّارِ عَيشاً مُغتَبِط
وَنَحنُ في مُروجِهِ في نَشوَةٍ / عِندَ التَحَرّي في الوُقوفِ لِلخِطَط
مِن كُلِّ مَقبولِ المَقالِ صادِقٍ / قَد قَبَضَ القَوسَ وَلِلنَفسِ بَسَط
يُقدِمُنا فيها قَديمٌ حاذِقٌ / لا كَسَلٌ يَشينُهُ وَلا قَنَط
يُحكُمُ فينا حُكمَ داوُدَ فَلا / يَنظُرُ مِنّا خارِجاً عَمّا شَرَط
لا يَشتَكي الأَسباقَ مِن جَفَّتِهِ / وَلَم يَكُن مِثلَ القِرِلّى في النَمَط
إِذا رَأى الشَرَّ تَعَلّى وَإِذا / لاحَ لَهُ الخَيرُ تَدَلّى وَاِنخَبَط
ما نَغَمَ المِزهَرُ وَالدُفُّ إِذا / فَصَّلَ أَدوارَ الضُروبِ وَضَبَط
أَطيَبُ مِن تَدفدُفِ التَمِّ إِذا / دَقَّ عَلى القَبضِ الجَناحَ وَخَبَط
وَالطَيرُ شَتّى في نَواحيهِ فَذا / قَد اِكتَسى الرَيشَ وَهَذا قَد شَمَط
وَذاكَ يَرعى في شَواطيهِ وَذا / عَلى الرَوابي قَد تَحَصّى وَلَقَط
فَمِن جَليلٍ واجِبٍ تَعدادُهُ / وَمِن مَراعٍ عَدُّها لا يُشتَرَط
يَعرُجُ مِنّا نَحوَها بَنادِقٌ / لَم يَنجُ مِنها مَن تَعَلّى وَاِختَبَط
فَمِن كَسيرٍ في العُبابِ عائِمٍ / وَمِن ذَبيحٍ بِالدِماءِ يَغتَبِط