إِيّاكَ أَن تَستَخدمَ الجَليسا
إِيّاكَ أَن تَستَخدمَ الجَليسا / وَلَو تَكونُ السَيِّدَ الرَئيسا
فَإِنَّهُ لَيسَ مِن الآدابِ / مَهانَةُ الخُلّانِ وَالصِحابِ
إِذا أَرَدتَ أَن تَكونَ ماجِدا / فَكُن مَعَ الجَليسِ قَدراً واحِدا
إِيّاكَ أَن تَعلُوَه في الرُتبَه / فَإِنَّه يُخلِقُ حَبلَ الصُحبَه
وَرُبَّما يُذكى أوارَ الحِقدِ / وَرُبَّما يُغِيضُ ماءَ الوُدِّ
لا تَأمَنَنَّ صَفوَه أَن يَكدَرا / وَقَلبَه مِن الهَوى أَن يَصفِرا
وَلا أَرى أَجلَبَ لِلنُفورِ / مِثلَ اِستِباقِ القَومِ لِلصُدُورِ
كُن كامِلاً وَاجلس مَع الأَذنابِ / وَلا تَكُن صَدراً بِلا آدابِ
وَاِرغَب عَنِ التَصدير في المَجالِسِ / إِن كانَ في الصَدرِ اِستياءُ الجالِسِ
فَإِنَّما الوُدُّ بِصَدر الصاحِبِ / أَبقى مِن التَصدير في المَراتِبِ
فَلا يُغَرَّ بِالصُدورِ العاقِلُ / فَإِنَّما داءُ الصُدورِ قاتِلُ
وَاِعرف لِكُلٍّ حَقّه في المَجلِسِ / فَإِنَّ هَذا مِن فَعالِ الكَيِّسِ
وَاِجلس بِحَيثُ يَنبَغي لِمثلِكا / فَإِنَّ هَذا مِن سِماتِ فَضلِكا
إِيّاكَ أَن تَجلِسَ في مَقامِ / تُهانُ فيهِ بَعدُ بِالقِيامِ
وَاِحذَر مِنَ الإِكثارِ في التَسآلِ / وَغُضَّ مِن صَوتِكَ في المَقالِ
وَكُن طَريفَ القَولِ وَالمُحاضَرَه / وَكُن رَقيقاً حَسَن المسامَرَه
وَلا تَزُر مَن زُرتَ إِلّا غِبّا / تَزِد لَدَيهِ كَلَفاً وَحُبّا
مَن أَكثَر المَجيءَ وَالذهابا / إِلى الصِحابِ ضَيَّعَ الصِحابا
وَالناسُ مَن داناهُمو لا يُكرَمُ / فادنُ قَليلاً وَتَسلَّ عَنهمُو
وَلا تَكُن كَلّا عَلى الإِخوانِ / فَإِنَّهُ أَدعى إِلى الهِجرانِ
وَاِحذَر مِن الإِعجابِ وَالمِراء / وَاِتَّقِ ذكرَ الأَكلِ وَالنِساءِ
وَشارِك القَومَ إِذا ما طَرِبُوا / مِن مُطرِبٍ وَاعجَب إِذا ما عَجِبُوا
وَلا تَشذَّ عَنهمُو في مَذهَبِ / لَكن إِذا لَم تَرضَ شَيئاً فَاعزُبِ
وَوَدِّع القَومَ عَلى اِشتِياقِ / إِلَيهُمو إِن كُنتَ ذا أَخلاقِ
وَلا تُوَدِّعهم وَداعَ القالي / فَإِنَّهُ مِن خُلُقِ الأَرذالِ
وَلا تَكُن لَهُم ذَلُولَ المنكِبِ / وَحاذِرِ الإِبعادَ بِالتَجَنُّبِ
إِيّاكَ وَالإِمعان في المَتاعِ / فَإِنَّهُ مِن خُلُقِ الرِعاعِ
وَلا تَمُدَّ الطَرفَ لِلفِراشِ / وَلا إِلى الأَثاث وَالرِياشِ
وَلا تَقُل بِكم شَرَيتَ ذاكا / فَرُبَّما استُعِيرَ ما أَدراكا
إِيّاكَ وَالغِيبَةَ في المَحافِلِ / فَإِنَّها مَنقَصةٌ لِلفاضِلِ
فَإِنَّما أَنتَ إِذا فَعَلتَ / تُنبِئُ عَن ضَعفِكَ لَو عَقَلتَ
وَما رَأى العُجمُ وَلا الأَعرابُ / أَصغَرَ مِن نَفسِكَ يا مُغتابُ
وَإِنَّما السَيدُ مَن يُغتابُ / في بُعدِهِ وَلَو أَتى يُهابُ
حَذارِ مِن مَجالِسِ الأَوغادِ / فَإِنَّها صَخرٌ عَلى الفُؤادِ
وَفِرَّ مِن مَجالِسِ الفُسّاقِ / فَإِنَّها مَفسَدَةُ الأَخلاقِ
إِيّاكَ أَن تُجالِسَ الكَذّابا / وَلا مُفاخِراً وَلا صَخّابا
وَلا تُجالِس مُلحِداً في الدِينِ / فَإِنَّما الإِنسانُ بِالقَرينِ
وَاِعلَم بِأَنَّ عُزلَةً في دَيرِ / لِلمَرءِ خَيرٌ مِن جَليس ضَيرِ
قَد أَقفَرَ الناسُ مِنَ الأَخلاقِ / فَلا تَرُم في الناسِ ذا مِيثاقِ
خَيرُ جَليس لَهُم المُغتابُ / وَالصاحِبُ الأَوفى هُوَ الكَذّابُ
أَخلاقُهُم تُعدي فَمن لا يَهرُبُ / يُعدى كَما يُعدى السَليمَ الأَجرَبُ
مَجالِسٌ جَمَّعَها الفسادُ / وَعَمَّها الشقاقُ وَالعِنادُ
جَليسُهُم رَهينُ هَمٍّ ناصِبِ / فَكَيفَ بِالخَليطِ وَالمُصاحِبِ
فَاِجعَلهُمو كَالنارِ لِلضِياءِ / وَالدِفءِ لا لِلمَسِّ وَالصِلاءِ
لا تَأمَنَنَّ مِنهُمو إِنساناً / عَلى نَقيرٍ كائِناً مَن كانا
إِيّاكَ وَالتَحسينَ في الظُنونِ / فَإِنَّها مِن شُعَبِ الجُنونِ