المجموع : 10
خَرَجت مِن بَعض ضُروب البَصره
خَرَجت مِن بَعض ضُروب البَصره / في رفقة مِن عامر للعمره
حَتّى إِذا كُنا عَلى رَمل الحمى / وَقَد خَبطنا جَوف لَيل مظلما
في لَيلة باردة مطيره / رِياحها شَديدة كَثيرة
قالَ أَصيحابي اِنزلوا فعرسوا / فَاللَّيل داج وَالرِّفاق نعسوا
فَعرس القَوم بِواد ذي شَجر / وَلَم أَزَل أربؤهم إِلى السحر
في لَيلة ذات رِياح وَمَطر / لا نجم في سَمائِها وَلا قمر
حَتّى إِذا الفَجر بَدا للناظر / وَحانَ حينَ رحلة المُسافر
هَب أَصيحابي مِن الرّقاد / إِلى ظُهور الإبل وَالجِياد
وَثوروا وَانطلقوا خلست / وَقُلت لا ضير إِذا احتبسَت
فَظلت في أَصل كناس للحمر / وَقَد سكرت بِاللغوب وَالسهر
فَنمت للحين جَميع يَومي / ثَم اِنتَبَهت فَرقاً مِن نَومي
فَقُمت مَرعوباً مَع الأَصيل / جوعان عَطشان بِلا دَليل
اعتكر اللَّيل وَزادت حيرَتي / في جنحِهِ وَجوعَتي وَخيفَتي
وَلَم أَجد في الحَزم غَير المَكث / في مَوضِعي خَوف التوى وَاللبث
وَقُلت إِن سرت بِغَير هادي / ضَللت في أضواج هَذا الوادي
وَخِفت مِن سِباعه وَجنه / وَلَم أَبل مِن سَهلِهِ وَحُزنِهِ
ثَم هَجَمت في مَكاني جاثِماً / وَكُنتُ في ذاكَ الهُجوم حازِما
وَلَم أزَل انظُر في النَواحي / وَأرهب الجَرس مِن الرِّياح
حَتَّى بَدا شَخص فَحدقت النَّظَر / وَلَم أَكد أثبتهُ مِن الحَذَر
ثُم بَدا لي فَرَأيت رَجُلاً / شَيخاً يُناجي صاحِباً مكتهلا
قَد أَكثَرا الخِصام وَالجِدالا / وَأَعلَنا الشِّجار وَالمَقالا
وَافتخرا وَكَثرة المُفاخرة / تَدعو إِلى العِناد وَالمُشاجرة
فَكانَ قَول الشَّيخ قومي الهند / الحُكماء العُلماء اللد
لَهم علوم وَحلوم وَفطن / وَحكمة بالغة إِذ تمتحن
لَو لَم يَكُن من فضلِهم إِذ يختبر / فَضل الرِّجال منصف وَيعتبر
إِلا الَّذي أَبدوه في الشطرنج / لِلناس مِن علم سَديد النهج
جد عَظيم لَقبوه هَزلا / يَصير الرأي الأفين جزلا
فيهِ إِشارات إِلى مَواعِظِ / نافِعة لِكُل واع حافِظ
قَد رَسَموها لِلهُدى مِثالاً / أَن الحَكيم يَضرب الأَمثالا
يَعنون أن العَيش في التَدبير / وَلَيسَ بِالقسمة وَالتقدير
وَالمَرء لِلأَفعال مُستَطيع / مُحكم يحفَظ أَو يضيع
وَذَلِكَ العَدل بِلا خِلاف / لَو وفق الرِّجال لِلإنصاف
قالَ لَه الكَهل وَقَومي الفرسُ / الحُكماء ما بِذاكَ لَبس
لَهُم سِياسات وَتَدبير حسن / كَالشّرع عَدلاً في الفُروض وَالسنَن
وَملكهم معتضد بِالحكمه / كَأَنَّهُم قَد أيدوا بالعصمه
لا نَعبد الأَصنام وَالأَوثانا / وَلا نَرى الظُلم وَلا العُدوانا
وَالعَيش بِالرزق وَبِالتقدير / وَلَيسَ بِالرَأي وَلا التدبير
وَقَد وضَعنا النرد لِلمثال / لَو فطنت بَصائر الرِّجال
وَما قَصدنا بِالفصوص اللعبا / حاشا لَنا لَكن قَصَدنا الأَدَبا
وَإِنَّما سمى لعباً حيله / تَخفى بِهِ ما فيهِ مِن فَضيلَه
وَإِنَّما يَعشقه الرِّجال / لأَنَّهُ لَعب كَما يُقال
وَلَو دَروا أَن المُراد الأَدَبُ / بِوضعِهِ وَصُنعِهِ ما لَعبوا
فَالحَق قَد تعلمه ثَقيل / يأباه إِلا نَفَر قَليل
وَأَنما أَخفيت المَصالح / وَموه القَول الشَّفيق الناصح
وَدَلَستُ بِظاهر اللذات / كَم راحة تَكمن في أَذاة
كَمثلما رَكبت الأَلحان / وَوضعت للحكمة العيدانُ
يَظنها الجاهل لَهواً وَلَعب / وَلَو دَرى بِوضعِها ماذا طُلب
مِن راحة الروح وَبَسط النفس / وَهزها لطبعها بِالأنس
لَم يَستَمع قط الغناء وَنَفر / عَنهُ لان الحَق ما فيهِ وَطر
قالَ لَهُ الهندي هَذي حجَتي / سَلَكت فيما جئته مَحجتي
شَطرنجنا لمثل هَذا وَضعا / أَول فَن في العُلوم اِخترعا
وَفَضله باد بِغَير مين / ما أَوضَح الصُّبح لذي عَينين
وَإِن بُرهاني فيه ظاهِر / وَالحَق لا يَدفعه المكابِرُ
يَكفيك مِن شاهد ما ذكرته / أَمر بِعَيني هَذهِ نَظرته
أعدل قاض قَلد العيانُ / وَلَيسَ فَوقَ حُكمِهِ بُرهانُ
إِن الأَمير المزيديَّ صدقه / بِنَفسِهِ الفاضلة الموفقة
نالَ العُلا وَساسَ أَمر ملكه / حَتّى غَدا منتَظِماً في سلكه
وَلَيسَ شَيء غَيره يُساعده / بَل كُل شَيء في الوَرى يُعانده
الوَقت وَالقِران وَالرِّجال / وَهوَ بِلُطفِ رَأيهِ يَحتال
بِجده وَلطفه وَكَده / وَحذقه في كَيدِهِ لا جنده
فبان أَن الأَمر بِالمحاله / كَفى بِما ذَكَرتهُ دَلاله
أَول رَمز في اِعتِبار الطَّبَقه / لأَنَّها عِندَهُم محققه
لا يَلعَبنَّ أَبَداً مَع مُحسن / مجود فذاكَ فعل الأَرعن
كَذاكَ لا تُحارب القويا / مِن العَدو إِن تَكُن ذَكيا
فَإِن من حارب من لا يَقوى / بِحَربِهِ جَر عَلَيهِ البَلوى
وَحارب الأَكفاء وَالأَقرانا / فَالمَرء لا يُحارب السلطانا
وَإِن من رُموزِها لَو يعتبر / لاعبها بِأَمرِها وَيَفتَكر
يا أَيُّها الإِنسان كُن في الدنيا / كَلاعب الشطرنج وانحُ المَعنى
محترِزاً مِن العَدو مُحتَرس / تَنج وَتَسلم مِن أَذاه وَتكس
فَالحين في الأَهوان وَالتجوز / وَالحَزم كُل الحَزم في التحرز
وَانتهز الفُرصة إِن الفُرصة / تَعود إِن لَم تَنتهزها غَصه
وَاِسبق إِلى الأَجود سَبق ناقِد / فَسَبقك الخَصم مِن المكابد
كَسَبق أَهل الشام أَصحاب عَلى / كَيداً إِلى ماء الفُرات السلسل
فَلَم يَزَل أَهل العِراق هيما / حَتّى جَلوا دُجى الوَغى البَهيما
وَالشاه لا يخضر عِندَ الشاه / فَإِنَّها مِن أَعظَم الدَّواهي
وَقَد رَأينا أَمس في زَمانِنا / وَحَسبنا المُدرك في عياننا
لَما أَتى طغرلنكُ بَغذاذا / وَلَم يَجد مِنهُ امرؤ معاذا
جاءَ إِلَيهِ الملك الرحيم / مُستَقبلاً فَقالَ لا تريم
واستحضر الشطرنج للملاعبه / إِشارة مِنهُ إِلى المُحارَبه
حَتّى إِذا تَوَسطا في اللعبِ / جاءَ ابن ميكال بِأَمر عجب
صافح عَمداً شاهه بِشاهه / للطفه في الكَيد وَانتِباهه
فرد ذاكَ ابن بويه منكراً / فَلج طغرلنك حَتّى أَكثَرا
قالَ لَهُ وَغلط الرحيم / وَقَد لعمري يَغلط الحَكيم
ما جَرت العادة أن الشاها / يَدخل بيتَ الشاه قالَ آها
فَلم دخلت بَيتنا وَضحكا / أخطأ غرّ للرسوم تركا
ثُمَ أَشارَ أَن خذوه فاخذ / وَقامَ مِن بَين يَديهِ وَجبذ
فَكُن كَثير الحفظ وَالتوقى / وَسالِكاً فيهِ سَبيل الرفق
وَفتش الأُمور عَن أَسرارِها / كَم نكتَةٍ حتفك في إظهارها
لا تشرهن فَتَأخُذَن ما تَرَكا / وَانظر لِماذا ترك الرخ لكا
فَرُبَّما كانَت لَهُ مَكيده / في تَركِهِ عادته السديده
انظر وَفَكر أَبَداً في العاقبة / فَإنَّها عَن العُقول غائِبَه
لا تشرهن إِلى حطام عاجِل / كَم أكلةٍ أَودَت بِنَفس الآكل
وَبِئست العادة فاحذرها الشره / وَقس بِما رَأيته ما لَم تَره
وَاكرم الخيم العَفاف وَالظلف / وَالأُم الأَخلاق حرص وَصلف
وَاحذر فَكَم من سَكرة مَسمومه / حرص النُّفوس عادَةٌ مَذمومه
لا سِيما ما كانَ مِن عَدوّ / كَم صَبوَة جاءتكَ مِن سلو
لا تَفتح الدست وَلا الحَرب مَعاً / وَاِقنَع بسلم ما وَجَدت مقنعا
وَاِدفع اِساءات العِدى بِالحُسنى / وَلا تخل يُسراك مثل اليُمنى
وَاحفظ قَليل المال وَالكَثيرا / وَاحرس صَغير الجُند وَالكَبيرا
لا تحقرن راجِلاً في الفَيلَق / فَرُبَّما غلبته بِالبيذق
لا تَعطين شَيئاً بِغَير فائِدَه / فَإِنَّها مِن السَّجايا الفاسِدَه
لا تَيأَسَن مِن فَرج وَلُطف / وَقوة تَظهر بَعدَ ضَعف
فَرُبَّما جاءكَ بَعد الياس / روح بِلا كَد وَلا التِماس
فَإِن رَأَيت النَّصر قَد لاحَ لَكا / فَلا تَقصر وَاحتَرز أن تهلكا
وَالبَغي فَاحذره وَخيم المَرتع / وَالعُجب فَاتركه شَديد المَصرَع
عِند تَمام البَدر يَبدو نَقصه / ورُبَّما ضر الحَريص حِرصه
كَم بطرَ الغالب بَغيا فَتَرك / عَنهُ التوقي وَاِستَهانَ فَهلك
فرقع الخرق بلطف واجتهد / وَامكر إِذا لَم يَنفَع الصدق وَكَد
كَذاكَ في صَفين كانَ الأَمر / لَم ينج أَهل الشام إِلا المَكر
لَما رَموا بِالصيلم العَظيم / وَعَجِزوا دَعوا إِلى التَحكيم
وَاحرص لِتَأخذ بِالخداع ما له / وَلا تبق رجمة رِجاله
لا تحقرن مِنهم صَغيراً محتقر / فَرُبَّما أَسالَت النفس الأبر
أضعفهُ ما اِستَطَعت أن ضعفه / يدني وَإِن طالَ مَداه حتفه
وَأَبذل لَهُ نَفائس الأَموال / تَدفع بِها شَدائد الأَهوال
فَالمَرء يفدي نَفسه بِوَفره / عَساه أَن يَنجو بِهِ مِن أَسره
كَذاكَ في الشطرنج يَفدى الشاه / بِغَيرِهِ مِن فَرط ما يَغشاه
وَإِن أَتى في جَحفل عَظيم / مِن المَوالي وَمِن الصَّميم
فَإِن تَكُن كثرتهم مجتمعه / لطمع في النَّهب قَد جاوا مَعَه
فَاشغلهم بِالنهب عَنهُ واعكر / عَلَيهِ وَهوَ آمن لَم يَشعر
كَذاكَ قَيس بن زُهير فعلا / بِآل بَدر إِذ أَتوه جَحفَلا
لَما أَتى حُذيفة بن بَدر / في عَدَد سَد فجاج البر
قالَ الرَّبيع عِندَها لِقَيس / أَشر فَأَنتَ حُوَّلٌ ذو كَيس
فَقالَ قَيس ناصِحاً يا عَبس / الحَق باد لَيسَ فيهِ لَبس
ما فيهم ذو حَنق عَلَينا / وَما لَهُم مِن برةٍ لَدَينا
بَل كُلُّ مَن جاءَ لحرص وَطَمع / وَلَو حَوى شَيئاً مِن النهب رجع
وَلَم يُحارب عَن بَني ذبيان / مخاطراً بِالنفس وَالحصان
فخلَّفوا الأَموال وَالأَثقالا / وَغادَروها لَهُم أنفالا
فَكانَ ما دبَّر قَيس وَافترق / جَيش الفَزاري جَميعاً وَانطلق
وَجاءَهُم وَهُم عَلى الهباءة / فَساءَ قَيساً أعظم المساءة
وَرُبَّما ضرَّك بَعض مالكا / وَساءَكَ المحسن مِن رِجالكا
حَتّى تَود أنهُ لَم يَكُن / يَوم رَأَيت شَخصه في الزَّمَن
إِن اعتضاد الشاه بِالفرزان / مَوعِظَة في السر للسلطان
لِيتَقي في الخَطب بِالوَزير / مُفَوضاً إِلَيهِ في الأُمور
وَكُل إِنسان فَلا بُدَ لَه / مِن صاحب يَحمل ما أَثقَله
معاضد في رَأيهِ وَنصحه / موافق في حَربِهِ وَصُلحه
وَصاحب للسر ذي كتمان / مخالص في السر وَالإعلان
وَالشاه قَد يَحمل في الأَحيان / وَحربهُ أغيظ للأقران
وَذاكَ عِندَ شدة شَديده / وَشَوكة وَشيكة حَديده
سار ابن مَروان لِحَرب مصعب / وَقالَ إن سارَ سِواي يغلب
وَالحَزم كُل الحَزم في المُطاوَلَة / وَالصَّبر لا في سُرعة المُزاوَلَة
بِذاكَ شَيخ العَرَب المُهلبُ / في حَربِه الشراة كانَ يغلب
لا تحرج الخَصم فَفي إحراجِه / جَميع ما تكره مِن لجاجه
إِن عدياً إِذ تَعَدى الحَدّا / وَجاءَ في قَتل بَجير إِدَّا
واحرج الحرث لاقى شرا / وجر من إحراجه ما جرَّا
وَالعقد كَالخندَق في التّحصين / وَضَربه العَرضي كَالكَمين
فَإِنَّما الرِّجال بِالإخوان / وَاليَد بِالساعد وَالبَنان
كَذَلِكَ السُّلطان بِالرِّجال / وَالمال لا ملك بِغَير مال
لا تَطلب الغاية بِاللجاج / وَكُن إِذا كَوَيت ذا إنضاج
فَما أَتى القائم مِن أَهل اللعب / ذو قُوة ظاهرة إِلا غلب
وَقل ما يَلعَب بِالقَوائم / إِلا فَتى بِالحَرب غَير عالم
فَإِنَّهُ بَغى عَلى الرِّجال / وَذاكَ مِن دَقائِق الخلال
فَالبَغي داء ما له دَواء / لَيسَ لملك مَعهُ بقاءُ
لا تَغترر فيها بِفَضل قوتك / فَرُبَّما وَقَعت جوف هوتك
قَول زُهَير إِذ بَغى لِخالد / عَلى الَّذي أذكر مِنهُ شاهِدي
إقنع إِذا حارَبتَ بِالسلامة / وَاحذر فعالاً توجب الندامة
فَإن رَأَيت وَجه غَلب لائِحاً / فَكُن لأَقفال الدسوت فاتِحا
فَالتاجر الكَيس في التِّجارة / مَن خافَ في مَتجره الخَسارة
يَجهَد في تَحصيل رَأس ماله / ثُم يَروم الربح بِاحتياله
وَإِن هُوَ اِستَخفى عَن المُبارَزَه / فَأنتَ أَحظى مِنهُ بِالمناجزه
فَاخدعه كَي يَظهر لِلقاء / إِن الخِداع آية الدهاء
كَذلكَ المَنصور كادَ اِبنَي حسن / فَظَهَرا بَعد اختِفاء للمحن
مِن عقد الفيل أَو الفرزانا / أَو غَيرِهِ وَطَلب الأَمانا
فَكَيدُهُ حَتّى يَحل عقده / مفتتحاً بِيَده ما سَدَّه
هَذا قَليل مِن كَثير ما ذكر / بلعب الشطرنج فافهم وَاعتبر
قالَ لَهُ صاحِبه اسمع وافهم / فَإِنَّما العُلوم بالتعلم
في النرد أَيضاً حكمة عَظيمة / تدركها الخَواطر السليمة
في الناس من تسعده الأَقدار / وَفعله جَميعه إِدبار
فَلا يَزال بِقَبيح خُرقِة / يُفسد حال جَاهه وَرزقه
حَتّى تَرى سعوده نحوساً / وَيَنثَني ذاكَ النَّعيم بوسا
كمثل من تسعده الفُصوص / وَفعله مُزيف مغموص
كَما جَرى في نَوبة المخلوع / وَقصة الطائع وَالمُطيع
وَمِنهُم بِعكسه اللبيب / الجاهد الموفق الأَديب
إِن كاده الدَّهر بِسوء عنفه / قابل بَلواه بِحُسن لطفهِ
فَنالَ بالرفق وَبِالتَأَني / ما لَم يَنَل بالحرص وَالتعني
فَيَغتَدي وَهوَ الفَقير ذا نَشب / وَعقله وَلُطفه كانَ السَّبب
فَلا يَبين سوء فعل دَهره / عَلَيهِ مِن تَدبيره في أَمره
مثل عَليل يَلزم الدواء / فَيَقهر الأَمراض وَالأَدواء
فَذاكَ مثل مَن يَجور الفصُّ / عَليهِ فَهوَ بِالأَذى مُختَص
وَهوَ بِحُسن اللعب وَالتَدبير / يَسد خرق الفَص بِالتقدير
يَصلح إِفساد الفُصوص حذقه / وَيَرقع الخرق العَظيم رفقه
كَذَلِكَ المَأمون في تَدبيره / نالَ المُنى في البُعد مِن سَريره
وَمِنهُم مَن يَجمَع الحالين / فَيَغتَدي وَهوَ سَخين العَين
مثل بَني بويه لَما اِنقَضَت / أَيامهُم ما اِصطَلَحوا حَتى مَضَت
فَمثل ذاكَ الجاهل المَجدود / وَعَكس ذاكَ العاقل المَحدودُ
كمحسن في نَقلِهِ وَضَربِهِ / مثل معين جَدِّهِ بلبه
مثل ابن مَنصور وَلا مثل لَهُ / فَلا تشبه مَجده يا أَبلَه
أَورثه المَجد دَبيس جده / ثُم أَعانَ الإرث مِنهُ جده
فَقالَ سَيف الدَّولة المَسعود / كَأَنَّهُ في قَومِهِ مَعبود
بِرَأيهِ وَجوده وَبَأسِه / وَحكمه وَرفقه بِناسه
يَرتَبط الدَولة وَالسَعادة / وَيَقتَضي بِشُكرِها الزِيادة
فَهَذِهِ فيهِ رُموز أَربَعه / فَاغتاظَ مِنهُ خَصمهُ إِذ سَمِعَه
فَقالَ أَيضاً وَهوَ غَير آفك / في قَولِهِ وَالصدق دين الناسك
في مَدحِهِ النرد وَفيهِ حكمة / أُخرى لِمَن كانَ بَعيد الهمة
لأنهم حَكوا بِهِ أَمر الفلك / وَالجارِيات الزهر في ذات الحبك
يَطلب بَعضاً فَيَنال كلا / كَم مكثر عادَ بِهِ مقلا
فَبَعضهُم يَأنيه ما يُريد / فمثله في أَمرِهِ السعيد
وَبَعضهُم يَأتيه ضد ما رَجا / فَيَغتَدي مِنها مُغيظاً مُحرجا
وَبَعضهُم في مَوضع مُستأسر / كَأَنَّه معتقل محير
فُهوَ أَسير في يَدَيها عان / مُحتَرق القَلب لَما يُعاني
وَكُلما عاتبها وَسَبها / غَيظاً عصته وَأطاعت رَبها
كَذاكَ مَن يُنكر حُكم رَبه / وَلا يَكون راضِياً بِكسبه
وآخذاً ما جاءهُ بِشُكر / فَقَد أَتى في فعله بنكر
قالَ لَهُ الهندي وَهوَ صادق / لَكن لَنا فَضل عَلَيكُم سابق
تَصنيفنا كَليلة وَدمنة / يقضي لَنا بحكمة وَفطنة
كَم فيهِ مِن مَوعظَةٍ وَعلم / وَحكمة تعجب أَهل الفهم
قالَ لَهُ الفرسيُّ في سِواه / لَو كُنت ذا علم بِه معناه
قال وَما رَأَيتهُ قالَ أَجَل / ذاكَ لِنَقص فيك لَيسَ يحتمل
لَيسَ يضر البَدر في سَناه / أَنَّ الضَرير قَط لا يراه
كَم حكمة ضَجت بِها المَحافل / مَليحة وَأنتَ عَنها غافل
سَمعت بِاللَّه حَديث الناسك / إِذ راعَهُ اللَّيل بلص فاتك
فَقال لم أسمعه فاذكر أسمع / لا تَنفَع الأَخبار إِلا مَن يَعي
قُلت وَمَن ذاكَ فَقالَ تاجر
قُلت وَمَن ذاكَ فَقالَ تاجر / ذو ثَروة كانَت لَهُ جَواهِر
أَرادَ أَن يَبعهنَّ لملك / فعابَها لَديه دَلال إفك
لعله يكرهها في نَفسه / وَرُبَّما أرخصها بِوَكسه
فَقالَ فيها صفرة تَبين / وثمَّ تضريس لَها يَشين
فَردها مِن وَقتِها في سَفطه / وَقامَ مِن ساعته لغلطه
يَقول قَد رَأَيت في مَكتوب / إصلاح ما فيها مِن العُيوب
فَدَقَّها في هاون وَبلها / بِلَبن الكَلب يَريد حَلَّها
وَاعتمد الشَّمس بِها لعلها / تَحلها باويله ما أَبلَها
وَلَم يَزَل في مثل هَذِه الحالة / حَتَّى غَدَت مِن ذاكَ كَالسّحالة
فأَكل المسكين كَفيه ندم / كَذاكَ من باع الوجود بِالعَدَم
لأعملن حيلة لَطيفة / فَالرَأي زبد الهمم الشَّريفة
كَامرَأة الراعي فَقُلت من هِي / جئني مِن قصتها بِالكنه
فَقالَ كان أَسد بِالحاجر
فَقالَ كان أَسد بِالحاجر / فَظاً عَلى الأَصحاب وَالعَشائر
يَأكل ما يَصيده وَيطعمه / جَماعة مِن الكِلاب تخدمه
وَالنمر المسكين ثاوٍ جائع / وَكُل سادات السباع ضائِع
فَإِن شَكوا أَنكر ذاكَ قائِلاً / ما تَستَحقون عَليَّ طائِلاً
وَهُم يعضون البَنانَ عَضاً / وَيضمرون حَنقاً ممضاً
وَفي زرود شبل لَيث في أَجم / لا يَدفع الخصم إِذا الخَصم هَجَم
ماتَ أَبوه وَهوَ طِفل يَرضَع / لَكن لَهُ جُند قَليل طيع
كانَ أَبوه لَهُم يُراعي / وَالحفظ مِن مَكارم الطِباع
ثُم أَقامَت أُمهُ تُرضعه / وَتُطعم الجُند الَّذي يَتبعه
تَصطاد ما تصطاده بِعَجزِها / ثُم تَجيع نَفسها لِعزّها
تطوي فَلا تَذوقه وَتطعمه / جَميع مَن تَصحبه وَتلزمه
وَكبر الشبل وَشب وَنَهض / وَاصطاد ما عز وَدَق وَبَهض
وَعلمته أُمُه أَخلاقها / سَخاءها الطَّبعي أَو نِفاقها
فملك القُلوب بِالمحبه / وَالحب لا يخلص إِلا رَغبه
ثُم غَزاه ذَلِكَ الليث الَّذي / كانَ بِه الجُند زَماناً قَد أَذى
في جَحفَل مِن قَومِه جرار / يَقود كُل بَطل كرار
فَريع مِنه الشبل وَاستطيرا / لَما رَأى عَسكره الكَثيرا
وهم أَن يَهرب مِن مكانه / وَعَرض الرأَي عَلى أَعوانه
قالوا لَهُ عديدنا قَليل / لَكِننا غناؤُنا جَليل
وَواحِد يصدق في اللِّقاء / خَير مِن الأَلف بِلا عَناء
فَاِصبر لَهُ فَإِنَّنا سنهزمه / بِصدقنا وَجنده سيسلمه
حَتَّى إِذا ما زَحَفا وَاِصطَفا / أحجم عَنهُ جُندهُ وَكَفا
فَظَل بَين العَسكرين وَحده / كَذاكَ حال مَن يَضيع جُنده
لأَنَّهُم قَضوه ما أَسلَفَهُم / وَأخلَفوه الوَعد إِذ أَخلَفَهُم
وَفازَ بِالملك الشبيل وَغَلب / وَلَم يُطق ذاكَ الفرار وَالهَرب
وَجاءهُ في يَومِه جَماعه / فَأَوثَقوا في عُنقِهِ ذِراعه
وَحَمَلوه قربة إلَيه / وَأَوجَبوا الحَقَ بِهِ عَلَيه
كَذاكَ في نِزار حَق عامر / فَلَيسَ في أَصحابِهِ مِن شاكر
قالَ لَهُ القيل وَكانَ عاقِلا / أترك مَوجودي وَأَبغي باطِلا
وَعاجز من تَرك المَوجودا / حَماقة وَطَلب المَفقودا
فَيَغتَدي كَزَوجة البيطار
فَيَغتَدي كَزَوجة البيطار / إِذ كَلَفَت بِالتاجر المكثار
كانَ صَديق زَوجها فَزاره / فَأبصَرته فاشتهت جواره
قالَت فَتى ما إن بَدا عذاره / صورته يزينها يَساره
وَبَعلي البائِس شَيخ معدم / زوجته شَقية لا تنعم
فَسَألته الخلع بِالصداق / وَرَجَت الراحة بِالفِراق
وَراسَلَت ذاكَ الفَتى مذاكره / قالَ لَها ما أَنت إلا فاجره
لَو كُنت ذات كَرَم وَعفه / ما كُنت بِالصحبة مستخفه
أضعت حَق الشَّيخ وَالأَولاد / وَحُرمة الصُّحبة وَالوِداد
فرجعت تَطلب صُلح بعلها / فَلَم يردها لقبيح فعلها
فمكثت حائرة مذبذة / بهمها بينهما معذبه
فَلَم يَزَل يغره وَيخدعه / بِقَوله وَفي نزار يَطمعه
حَتّى غَزاهم في جُيوش لجبة / وَقادَ كُل سلهب وَسلهبه
وَعامر يظهر عَنهُ الغفله / كَأَنَّهُ مِن أَمرِهِ في مهله
وَالحَي قَد لاموه كُل اللوم / قالوا أبحت أرضنا للقوم
وَأَنتَ رب قينة وزق / وَلَست للملك بمستحق
حَتَّى إِذا قيل غَداً يَلقاكا / انظر فَهَذا هُو قَد أَتاكا
قال غَداً ألقاه ثُم نادى / جاراً لَهُ يَسأله الإِسعادا
قال لَهُ إِنك في دِياري / سنين لَم تذمم بِها جواري
وَإِن تَكُن في يعرب منتَسِباً / تَدعو كَما يَدعون قَحطان أَبا
فَأَنتَ في نِزار رَأياً وَهَوى / لَم تَر في جوارِها ما يَجتوي
وَإِنَّ في قَومي مِن الرِّجال / مَن يَرتَضي لِمثل هَذي الحال
لَكِنَّني اخترتك دون قَومي / لدفع خَطب قَد أَطارَ نَومي
فامضِ إِلى ابن عمنا بسطام / فَهوَ صَميم العرب الكِرام
وَاِدفع إِلَيهِ هَذهِ الصحيفة / فَإِنَّها صَغيرة لطيفة
وَقُل لَهُ جزيت عَني خَيراً / وَلا زَجَرت للنحوس طَيراً
فَقَد تَوصلت إِلى مُرادي / وَجئتَني بزمر الأضداد
أخرجتهم بِالكَيد مِن حصونِهم / وَسقتهم عُنفاً إِلى منونهم
وَلَو أَرَدت غَزوَهُم لَم أقدر / إِلا بإتعاب الجِياد الضمر
لبعدهم عَني وَامتِناعهم / فَإنهم كَالعصم في قِلاعهم
وَقَد لَقوا هَذا الشقاءَ وَالنصب / وَحسرت خيولهم مِن التعَب
وَنَحنُ في البيوت وادعونا / لَم نتعب المقربة الصفونا
فاقتل نِساء القَوم وَالأَولادا / وَخرب الحُصون وَالبِلادا
ثُم فإنا ههنا لا نبقى / فأنت ذو تيقظ وَحذق
وَكانَ بسطام أَقام لمرض / خامره لَما غَزا فَما نَهَض
إياك يا زياد أَن تخونا / فَما فتئت ثقة مَأمونا
لا تؤثرن قَومك للحميه / وَنسبة في الأَصل يعربيه
وَلا تَقُل إِني قَحطاني / وَعامر أجنب عَدناني
فَتنثَني إِلَيهم بسري / فَيحذرون حيلَتي وَمَكري
وَهَذِهِ مِن خالص العين بدر / خُذها وَبادر في الأُمور تبتدر
فَسارَ عَنهُ قاصِداً بسطاما / حَتَّى إِذا ما عاين الهماما
في قَومِهِ مِن يَعرُب تحيرا / في رَأيهِ وَعادَ قَد تَغَيرا
وَقالَ مَن يعذرني في العرب / كَيفَ أَبيع طائِعاً بَني أَبي
أَخاف أَن تقتلهم عَدنان / فَيَمكث الناس وَلا قَحطان
أَصلي أولى بي مِن الديار / وَأُسرَتي لازمة الجوار
فَجاءَ مِن ساعَتِهِ ذايزن / قالَ أبيت اللعن رب اليمن
أَنا زِياد بن عنان بن رَسَن / مِن خَير بَيت فاعلمنه في اليَمن
أَخرَجني مِنها دم أصبته / وَمُغرم في سيرَتي كسبته
ثُم نَزَلت في بِلاد عامر / مِن ذَلك الزَّمان كَالمُجاور
وَشَرح القصة شَرحاً واضِحاً / وسلم الكِتاب مِنهُ ناصِحاً
فَفَرقوا إِذ قَرَأوا الصحيفه / وَاِنصَرَفوا مِن البِلاد خيفه
وَخَلفوا الأَموال وَالأَثقالا / فَأَصبَحَت لِعامر أَنفالا
وَلَم يَزَل يأسرهم وَيقتل / مُبادِراً بِقَتلهم لا يمهل
حَتَّى إِذا ما وَصَلوا دِيارَهُم / وَلَم يخل عامر معاشرهم
وَأَمنوا وَقَتَلوا بسطاما / وَنالَ مِنهُم عامر ما راما
كَذَلِكَ الكيد وَمَن يَكيد / يَنَل مِن الأُمور ما يُريد
فَإِن مَن يَغدر غَير ناظر / في أَمرِهِ مثل جابر
قالَ سَمعتُ أن ذئباً أَبصرا
قالَ سَمعتُ أن ذئباً أَبصرا / غَزالة ترضع خَشفاً أَحوَرَا
لَكنها مَريضة هَزيلة / وَساقَها مَكسورة عَليله
قَد مَسها الضر فَعادَت نضوا / يَحسبها الراؤون مِنها شلوا
فَقالَ إِن أَكلَتها لَم أَشبع / وَلَيسَ لَحم مثلها بمقنع
وَالرَأي أَن أَعلفها أَياما / فَإِنَّها لا تَجد الطعاما
لَعَلَها تسمن ثُم أَعمد / يَومئذ لَها وَذاك أَرشَد
فَجاءَها مُسلما فَقالا / وَالذئب لا يُصادق الغَزالا
إِلا لِكَيد كامن وَمَكر / جزّ قَصير أَنفه لأَمر
يا أُخت ما حالك قالَت شر / وَغَرها وَالشهم لا يغتَر
وَأظهر اللطف لَها وَالرفقا / فَقَد رأَتهُ للشقاء حَقا
وَشَكَت الجُوع إَلَيهِ فَبَكى / وَأظهر الخُشوع وَالتنَسكا
وَقالَ إِني تُبت مِن عداوتي / للوحش حَتّى انكسرَت ضَراوَتي
حَلفتُ لا آكل جهدَ حلف / إِلا الَّذي يَموت حتف الأَنف
فَبئست الطبيعة القَساوة / وَالفَتك بِالنُفوس وَالضراوة
إِن لَم يَكُن جنسَهُم كَجنسي / فَإِنَّما نُفوسهُم كَنَفسي
وَإِن إِفسادي كَون صوره / لِشَهوة تعرض أَو ضَروره
ظُلم وَجَهل لَيسَ فيهِ شَك / وَلَستُ مِن إثم بِهِ أنفك
حَتّى مَتى تَبكي العُيون فَتكى / كَم مُقلة مِن سوء فعلي تَبكي
وَكَبد أَحرَقتها بالثكل / وَولد أيتمته بِالأَكل
وَقَد عَلمت وَاللبيب يَعلم / بالطبع لا يَرحم مَن لا يرحَم
فَتُبت مِن قَساوَتي وَصبوتي / وَقُلت أمحو حَوبَتي بِتَوبَتي
وَمَر مِن ساعَتِهِ فَجاءَها / بعلف حشت بِهِ أَحشاءَها
وَلَم يَزَل يعلفها وَيَجتَهد / كَيداً وَمَن يَعجَز عَن الأَمر يكد
وَلَم تَزَل تَدعو لَهُ وَتشكره / مُذ صدقت مِن نسكهِ ما يذكره
لَم تَدرِ كَيفَ قصد أَن يكيدَها / أَضحى يقوتها لِكي يَقودَها
حَتّى إِذا ما رَجعت كَالتولب / وَأَصبَحَت مِن شحمها كَالشوقب
عافصها بوثبة شَديده / محكماً أَنيابه الحَديده
وَهَكَذا لَو تَفهَمون الأنس / يبركم أَرفقهم لِيَقسو
وَأَنتُم لِقلة الأفهام / وَسفه العُقول وَالأَحلام
تَرون سوء فعلهم عَيانا / وَلا تَرونَ ذالِكُم عُدوانا
إن أَقل مَن تَرى أَذهانا / من حسب الإِساءة الإِحسانا
قالَ أَبو أَيوب في جَوابه / قَد يغلب المَرء عَلى صَوابه
إِنكَ ما أنصفت في المَقال / وَلا عَدَوت زُخرف المحال
لزمت للجهل قَبيح الظاهر / وَما نَظَرت حسن السَرائر
وَذاكَ فاعلم عادة الجهال / وَسنة الأَغمار وَالأرذال
إن يَقصدوا ظَواهر الأَقوال / بِالطعن وَالتَزييف بِالجدال
وَيَغفَلون عَن خَفيِّ الحكمه / وَلَو رَأوها لأَزالوا النهمه
كَم حسن ظاهر قَبيح / وَسمج عُنوانهُ مَليح
وَحكمة خافية وَمصلحه / للناس في مَعارض مُستقبحه
تخفى عَلى الجهال وَالأَغمار / لجهلهم بحكمة الجبار
من عَرَفَ اللَّه أَزال التهمه / وَقال كُل فعله للحكمه
قَد تَضرب الأُم الرؤوم طِفلَها / فَهَل يَذم ذو رَشاد فعلها
لعلمهم بِأَنَّها شَفيقه / عَلى بَنيها وَبِهم رَفيقه
وَإِنَّما تَضربه لنفعه / وَزَجره عَن غَيهِ وَمَنعه
لأَنَّها أَعلَم بِالمصالح / مِنهُ وَأَهدى للسبيل الواضِح
وَإِن مَن يَقصد قَلعَ ضرسه / لَم يَعتمد إِلا صَلاحَ نَفسه
وَقَد تَرى شَيخاً كَبيراً فانياً / عاش عَقيماً يَرهب المواليا
وَيَسأَلُ اللَّه تَعالى وَلَدا / حَتَّى إِذا رزقه ما نَشَدا
وَجاءهُ ابن ذكر مثل القَمَر / وَالشيخ ذو مال كَثير وَبَدر
أسلمه لِقسوة المعلم / ولَم يَكُن عَلَيهِ ذا ترحم
يَقتل في المَكتَب بِالهراجر / وَيَقطَع الليل بجفن ساهر
حَتّى إِذا ما أتقن الآدابا / ألزمه الدكان وَالعَذابا
وَرُبَّما خاطر في البَحر بِهِ / مِن بَعدِ ما قاساه في مَكتبه
فَهَل يَقول قائل قَد خرف / وإنَّهُ بِفعله ما أنصَفا
إِذ هُو ذو مال كَثير العَدد / وَما أَتاهُ غَير هَذا الوَلَد
فلِم بِأَصناف الأَذى يعذبه / المال يَكفيهِ فَلَم يهذبه
لِمَ لا يَكون وادِعاً في أَهله / مقتَنِعاً بِماله وَجَهله
وَهَكَذا الطبيب إِذ يُداوي / بِالقَطع وَالمسهل وَالمكاوى
وَحقنة وَكية وَقَطع / وَمنضج صَعب شَديد اللذع
وَرَبنا قَد خَلَق السِّباعا / وَحَشَرات خبثت طِباعا
وَفي الجَميع حكمة خَفيه / لِلَّهِ بَل ظاهِرة جَليه
إِن الَّذي في خَلقِهِ اِستَوَينا / هُوَ الَّذي فَضلهم عَلَينا
وَلَيسَ ذاكَ مِنهُم بِظلم / لأَنَّهُم يَأتونه عَن علم
فَقالَت العَنقاء إِن الموقا / ظَن الفَتى عَدوه صَدوقا
إِن الجَهول بَينَنا نعلمه / هُوَ الَّذي ينصف من يَظلمه
فَما تَقول الخَيل فيما قَد جَرى / قُلنَ صَواب كُل ما قَد ذَكَرا
لأَنَّهُم ملاكنا والمالك / لَيسَ لَهُ في أَمرِهِ مُشارك
يَفعَل ما شاءَ بِلا اِستثناء / مُختَبِراً للعبد بِالبَلاء
يَصبر للقَضاء أَم لا يَصبر / وَهوَ بِهِ من قَبل ذاكَ يخبر
قالَ لَهُ لَقَد جَمَعت كذبا / وَسَفهاً وَقَد أَتَيت عَجبا
زَعمت أن الإِنس ملاكٌ لَكُم / وَمحسنون في الَّذي جاءوا بِكُم
وَإِن رَب العَرش قَد سَلطَهُم / عَلَيكُم حَقاً وَقَد بَسطهم
مِن أَين قُلت ذاكَ يا مَسكين / ابن لي الحَق فَما يَبين
أَي دَليل لَكَ في ذي الدعوى / لِتَجعل الشُكر مَكان الشكوى
إِن قُلت قالوا قُلت دَعوى مِنهُم / مثلك يَرويها لمثلي عَنهُم
وَأَن تَقل بِالرأي وَالعُقول / فَإِنَّهُ مُشتَرك الدليل
لَو كانَ مَعقولاً فَهمناه مَعاً / إِذ اِستَوَينا في العُقول أَجمَعا
إِن كانَت القُدرة حَقاً فَكَذا / حق عَلَيهم ما لَقوا مِن الأَذى
وَكُل ما يَجري عَلَيهم حَق / وَكُل ما يُقال فيهم صدق
وَلَيسَ في العالم ظلم جار / إِذ كل ما يَجري بِإذن الباري
وَإِن يَكونوا مَلَكوا أَفهاما / وَفطنةً ساسوا بِها الأَناما
فَذاكَ يَنهاهم عَن العُدوان / أَجَل وَيَدعوهم إِلى الإِحسان
وَلَيسَ مِن عَقل الفَتى وَكَرَمه / إِفساد شَخص كامل لقرمه
وَكانَ في الخَيل حصان أَشقَر / لَهُ رواء حسن وَمَنظَر
يُدعى الصبا لرفقه وَسرعته / في جريه وَشده وَخفته
فَقالَت العَنقاء قَول منكر / لِقَوله ما أَنتَ إِلا مفتر
مُكابِرٌ مُعاند محرف / وَفي الجِدال ظالم لا تنصف
هَذا جحود ظاهر للصانع / وَقَصده بِالحَق وِالشرائع
قالَ وَما فيهِ مِن الجحود / وَالكُفر بِالرسل وَبِالمَعبود
قالَت أَما علمت أَن الصانِعا / أَجرى القَضاء مُعطياً وَمانِعا
وَموجد الخَلق عَلى النظام / قَصداً إِلى مَصالح الأَنام
مِن أَجلِهم أَوجد كُل شَيء / وَكُل رُشد في الوَرى وَغى
وَالأَرض دار لَهُم وَالفلك / سَقف لَهُم وَجوه وَالحبك
وَكُل ما في الأَرض مِن موجود / لَهُم بِلُطف الصانع المَعبود
لَما اِرتَضى الإِنسان بِالتكليف / حَباهُ بِالإِكرام وَالتشريف
وَاختَصهُ بِالسر وَالمُعامله / فَضلاً وَنَفساً للعلوم قابله
وَالوَحي وَالثَواب وَالعِقاب / وَالوَعظ وَالعِتاب وَالحِساب
وَالعَقل وَالنطف وَحُسن السيره / وَالفَهم وَالنية وَالسريره
فكانَ أَعلى العالمين رتبه / وَخَيرهم مَنزِلَة وَقربه
وَلَم يَكُن مَقصوده بِالخلق / إِلا بَني آدم فَاِسمَع صدقي
لِيَعبُدوه وَيوحدوه / وَيَشكروه وَيُمَجِدوه
فَكانَ كُل الخَلق عَبداً لَهُم / وَلَستُ في مَقالتَي أتهم
وَكُل ما يَظهَر مِنهُم عَدل / لَيسَ عَلَيهم سبة وَعَذل
جباههم مِن أَثر السجود / مَوسومة في خدمة المَعبود
قَد نَحلوا بِالصوم وَالعِباده / وَرَفضوا اللذات للزهاده
قُلوبهُم مَعادن الإِيمان / صُدورهم خَزائن القُرآن
وَفيهم الإِيثار وَالسخاء / وَالصبر وَالوَفاء وَالصفاء
كَم دَعوات لَهُم مُجابَه / تَستَنزل القطر مِن السحابه
وَمِنهُم مَن يَترُك الحَلالا / تَورعا لربِهِ تَعالى
وَمِنهُم من يُنفق الأَموالا / لوجهِهِ وَيلطف السُؤالا
وَمِنهُم مُجاهد بِنَفسِه / هادِئَةً في الروع مثل تُرسه
وَمَن يُذيب نَفسه للحج / مِن كُل فَج شاسع وَنَهج
وَالأَنبياء مِنهُم وَالرسل / وَالمال وَالسلطان وَهوَ ظل
وَفيهم حَزم وَعَزم وَصلف / وَلَيسَ بَعدَ العَقل وَالنطق شَرَف
وَلَهُم اللذات في المَطاعم / وَلبس كُل رائق وَناعم
لَولا بَنو آدم بَينَ العالم / ما بانَ لِلعُقول فَضل العالم
وَلَم تَبن هَذي المَعالي الفاخره / فَإِنَّما الدنيا لَهُم وَالآخره
أَنسابهم مَحفوظة مَعروفه / في صُحف مَصونة مَكنوفه
أَسرارهم خافية لا تظهر / مَستورة عَن الوَرى لا تنظر
وَفيهم العُلوم وَالآداب / وَلَهُم الأَحلام وَالأَلباب
قَد خلقوا في أَحسَن التقويم / وَفضلوا بِالقَدر وَالجسوم
وَإِنَّما أَجسامهُم عَلى قَدر / لا صغرٌ يَشينها وَلا كبر
وَقامة سَوية مَنصوبه / وَصورة مَقبولة مَحبوبه
ثُم الصغير مِنهُم بِعَقله / يَقود أَلفاً مِنكُم بِحبله
وَيَقهر الفيل العَظيم وَالأَسَد / بِكَيده حَتّى يَعود كَالفَهَد
وَيَرصد النجوم في أَفلاكِها / وَيَحفَظ الجُسوم مِن هلاكِها
بِالطب وَالتدبير وَالمُعالجه / مِن الشكايا وَالبَلايا الهائِجَه
وَإِنَّما أَنتُم بِكُفر فَضلِهم / وَذم ما لَم تَعرِفوا مِن فعلهم
كَاِمرَأة التاجر ضعف عَقلها / وَالجَهل أَغراها بِعَيب بعلها
عابثة بِالفَضل وَالمَحاسن / لجهلها بِزائن وَشائن
فَقال من هَذي وَكَيفَ القصه / وَلم بِنا أَمثالها مُختَصه
قالوا فَما ذاك فَقال ذكروا
قالوا فَما ذاك فَقال ذكروا / وَهوَ حَديث شائع مُشتهر
إِن أَميراً كانَ بِالأَهواز / وَملكه بِالشام وَالحِجاز
لَهُ مِن القِلاع وَالدساكر / وَالمال وَالجُنود وَالعَساكر
ما لَيسَ في كُل الملوك لأَحد / وَكانَ مَع ذَلِكَ لَم يُرزق وَلد
حَتَّى إِذا ما صارَ شَيخاً فانياً / جاءتهُ بِنت تَستَحق الرائيا
مَليحَةٌ فشغفته حُبا / وَلَم تَزَل في حجره تربى
وَهوَ عَلَيها حذر شَفيق / ببرها وَحفظِها حَقيق
وَقالَ لا أنكحها فَلا أَرى / كفوءاً لها مؤازيا بَينَ الوَرى
وَكُل مَن يخطبها من ملك / يجيبه بِسَطوة المنتهك
فَدخل الحَمام يَوماً فاحتجم / وَحَولهُ جَماعة مِن الخَدَم
فَقالَ في الحال لَهُ الحجام / لي حاجة يا أَيُّها الهمام
فَغضب السلطان لَما كلمه / وَلامَ فيما قَد جَناه خدمه
قالَ لَهُم أَيحسن الكَلام / عِندي من ذا العلج يا طغام
فَإِن يَكُن شَيخاً قَديم الخدمه / لَه حُقوقٌ جَمة وَحرمه
وَهوَ رَبيب نعمَتي وَقصري / وَهوَ غَذيُّ دَولَتي وَبري
فَإِنَّهُ لَيسَ لَهُ أَن يَنطِقا / بِحَضرَتي وَإِنَّهُ ما وفقا
وَسَكَن الطيش وَثابَ حُلمه / وَقالَ ردوه لما يهمه
فَحينَ عادَ ثُم قامَ يحجمه / عادَ إِلى عادته يُكلمه
لي حاجة قالَ وَما حاجتكا / اذكر وَأوضح ذاكَ قالَ ابنتكا
أريدها لابني نجاح فَعجب / لِقَوله وَجَهله وَما غَضب
لأن ما كانَ مِن الأَمر عَجَب / لا يَقتَضي في حكمة العَقل الغَضب
قالَ أَعد ما قُلتهُ فظَنه / مُختَبِلاً قَد اعترته جنه
فَعادَ لِلقَول فَقالَ جَنا / لا شَك هَذا البائس المعنى
قالَ لَهُ شَيخ مِن الخدام / قَد لَجَ في ذا القَول وَالكَلام
وَلَيسَ مَجنوناً وَلا سَكرانا / إِن لَهُ لقصة وَشانا
فَفَكروا في أَمرِهِ وَقالوا / أَنطقه بِما سَمعنا المال
فَتحته كَنز بِغَير شَك / هُوَ الَّذي أَنطقه بِالإفك
فَحَفَروا الحَمام تَحتَ رجله / فَوَجَدوا ما قَد بَغى لأَجله
خَزائن الجَبابر العاديه / كانَت بِها متينة قَويه
وَسألوه بَعدها عَن حاجَتِه / فَحجد السالف مِن لجاجته
وَقالَ ما قُلت وَلا لي علم / بِما جَرى مني وَلا لي جُرم
قالوا صَدَقت المال قالَ ذَلِكا / لَولاه ما كُنت لرشدٍ تارِكا
وَهَكَذا صبيح يا رِجال / أنهضه إِلى العَلاء المال
لَو كانَ مهتماً بِقوت أَهلِه / ما كانَ مَشغولاً بِغَير شُغله
لَكنه مِن هَمه تَفَرغا / فَتاه بِالمال عَلَينا وَطَغى
فَقالَ شَيخ ما الَّذي يَمنعه / مِن خطبة الملك وَما يَدفعه
مِن أَهل بَيت الملك وَالإِماره / وَخَلفه عَساكر جَراره
وثم أَموال وَفَضل وَأَدَب / وَمَنصب ذاكَ وَبَيت وَحَسَب
فَقالَ شَيخ مِنهُم هَذا كَذب / ما هو مِمَن لِلمحال يَضطَرب
وَقالَ بَعض القَوم مثل ذَلِكا / وَانَّهُ لا يعرف التماسُكا
وَإِنَّما قالوا الَّذي قالوه / وَالمَقصد الحيلة وَالتمويه
لِيَسمَعوا جَماعة هنالِكا / كَأَنَّهُم لَم يَعمَدوا لِذالِكا
فَيظهر القَول وَيمضي شائِعا / بَينَ الرجال سائِراً وَذائِعا
فَكانَ مِن ذَلِكَ ما أَرادوا / وَبَلغوا من نكبتي ما كادوا
وَهكَذا الحازم إِذ يَكيدُ / يبلغ في الأعداء ما يريدُ
وهوَ بريء مِنهُم في الظاهِر / وغَيرهُ مختضب الأَظافِر
كَقصة القادر وَالخَباز / وَالكَيد داء ما له مُؤاز
كانَ بِمصر بَدر
كانَ بِمصر بَدر / لَه عَلَيها أَمر
يَقتل كُل ساعة / مِن أَهلِها جَماعه
وَيهرق الدِّماء / حَتَّى تخال ماء
أصلحها بِسَيفه / وَجوره وَحيفه
جَزاء كُل فعل / لَديه سوء القَتل
لَما عَصاه وَلَده / وَبانَ مِنهُ أنكده
أَرداه حالاً بيده / ثَمَّ رَمى بِجَسَده
فَغضِب المنتصر / وَقالَ هذا منكر
فَقالَ لَو عَصاني / قَلبي في جُثماني
نزعته مِن صَدري / وَلَم يَكُن يُنكر
ثُمَّ غَزا ولاته / إِذ ظَنَّهم عداته
فَحين قيد الأَسرى / قالَ اقتلوهم طرّا
عِشرين أَلفاً كانوا / حَتَّى جَرى الميدان
في النيل مِن دِمائهم / وَلج في أَفنائهم
وَهوَ عَلى ظَهر الفَرَس / كَضيغم إِذا اِفتَرَس
وَماتَ حَتف أنفه / لَم يَعتسف بِعَسفه
إِذا ابتليت فَاِصبر
إِذا ابتليت فَاِصبر / الدَّهر مثل المعبر
لَيسَ يَدوم حال / شَحم المنى هزال
ما لليالي ذَنب / وَلا عَلَيها عَتب
الدَّهر ذو اِغتِيال / وَالمَرء ذو احتِيال
قَد تَفتك الليالي / بِحيلة المُحتال
لَيسَ احتِمال العار / مِن شيَم الأَحرار
احمل إِذا احتمَلتا / تمم إِذا فَعلتا
انجز إِذا وَعَدتا / ابرم إِذا عَقدتا
تَغاب فَالتغابي / دين ذَوي الأَلباب
عَلَيكَ بِالتغافل / للكيد وَالتَّجاهل
الحيلة الخفيه / كَالصعدة الخَطيه
في الحَرب لا بَل أَمضى / العمر دين يقضى
لا تُكثر الدلالا / فَتورث الملالا
وَكَثرة التَّحلي / تَدعو إِلى التَّسلي
شَرُّ الرِّجال الغادر
شَرُّ الرِّجال الغادر / بِصَحبه المماكر
أَصعب ما تكابد / صُحبة مَن يُعاند
يجهد في مَساءتك / للأمن مِن إِساءتك
يَرضى بشر غَيركا / تَسخطاً بِخَيركا
وَيحقر الإِكراما / وَيكفر الأَنعاما
ترضيه وَهوَ ساخِط / تُدنيه وَهوَ شاحِط
قاس عَلَيك فَظ / ما لَكَ منهُ حَظ
كَالشَّمع في كُلِّ يَد / يَدور مثل المرود
وَهوَ عَلَيك صَخره / قاسية بَل زُبرَه
فَاِرتابَت الغَزاله / مِنها بِذي المَقاله
تَقول من عَنيت / بِقُبح ما حَكيت
قالَت عَنيت بعلي / لأن قَلبي يغلي
وَشرهن الفاجره
وَشرهن الفاجره / الفَظة المجاهره
تُقاتل الأحماء / تُخاصم النِساء
دائِمَة الخُصومه / لَوامة مَلومه
لِسانها طَويل / وَخَيرها قَليل
وَضحكها عَويل / يُؤذى بِها الخَليل
دائِمَة البكاه / كالحية الرَّقطاء
لا تعرف المُوافَقَه / وَلا تَرى المُطابقه
قَليلة المُساعَده / كَثيرة المكايدة
بَذيئة اللسان / للبعل وَالجيران
وَبَيتها مُضاع / وَشَرها مُشاع
تغضَب مِن غَير غَضَب / تَضحَك مِن غَير سَبب
أَولادها جِياع / وَسرها مُذاع
يَضجرها الحَديث / أَطيبها خَبيث
سَيئة الأَخلاق / زائِدَة النِّفاق
لَيسَ لَها أَبوه / همتها الصبوه
طَلاقها مروه / وَتَركها فتوه