المجموع : 3
قُم فَاِسقِني صافِيَةً
قُم فَاِسقِني صافِيَةً / تَسلُبُ قَلبي فِكرَهْ
في رَوضَةٍ كَأَنَّها / خَريدَةٌ في حِبرَهْ
كَأَنَّ آذَريونَها / أَسوَدَه وَأَحمَرُهْ
سَحيقُ مِسكٍ مودَعٍ / في خِرَقٍ مُعصفَرَهْ
أَخَذتُ مِن كَفِّ الغَزالِ الأَحوَرِ
أَخَذتُ مِن كَفِّ الغَزالِ الأَحوَرِ / غُصناً مِنَ البَسباسِ مَمطوراً طَرَي
كَأَنَّهُ في عَينِ كُلِّ مُبصِرِ / مِذَبَّةٌ مِنَ الحَريرِ الأَخضَرِ
يا سائِلي عَن أَطيَبِ الدُهورِ
يا سائِلي عَن أَطيَبِ الدُهورِ / وَقَعتَ في ذاكَ عَلى الخَبيرِ
سَأَلتَني أَيُّ الزَمانِ أَحلى / وَأَيُّهُ بِالقَصفِ عِندي أَولى
عِندِيَ في وَصفِ الفُصولِ الأَربَعَهْ / مَقالَةٌ تُغني اللَبيبَ مُقنِعَهْ
أَمّا المَصيفُ فَاِستَمِع ما فيهِ / مِن فَطِنٍ يُفهِمُ سامِعيهِ
فَصلٌ مِنَ الدَهرِ إِذا قيلَ حَضَرْ / أَذكَرَنا بِحَرِّهِ نارَ سَقَرْ
تُبصِرُ فيهِ النَبتَ مُقشَعِرّا / وَالأَرضَ تَشكو حَرَّهُ المُضِرّا
نَهارُهُ مُقَسَّمٌ بَينَ قِسَمْ / جَميعُها يُعابُ عِندي وَيُذَمُّ
أَوَّلُهُ فيهِ نَدىً مُبَغِّضُ / كَأَنَّهُ عَلى القُلوبِ يَقبِضُ
يَلصَقُ مِنهُ الجِسمُ بِالثِيابِ / وَتَعلَقُ الأَذيالُ بِالتُرابِ
حَتّى تَراها مِثلَ مِنديلِ الغَمَرْ / فيهِنَّ تَخطيطٌ كَتَخطيطِ الحِبَرْ
حَتّى إِذا ما طَرَدَتهُ الشَمسُ / وَفَرِحَت بِأَن يَزولَ النَفَسُ
فَتَّحَتِ النارُ لَهُ أَبوابَها / وَشَبَّ فيها مالِكٌ شِهابَها
حَرٌّ يُحيلُ الأَوجُهَ الغُرّانا / حَتّى تَرى الرومُ بِهِ حُبشانا
يَعلو بِهِ الكَربُ وَيَشتَدُّ القَلَقْ / وَتَنضُحُ الأَبدانُ مِنهُ بِالعَرَقْ
تُبصِرُهُ فَوقَ القَميصِ قَد عَلا / حَتّى تَرى مُبيَضَّهُ مُصَندَلا
إِن كانَ رَثّاً زادَ في تَمزيقِهِ / أَو مُستَجَدّاً حَلَّ حَبلَ زيقِهِ
ثُمَّ يُعيدُ الماءَ ناراً حامِيَهْ / يَزيدُ في كَربِ القُلوبِ الصادِيَهْ
شارِبُهُ يَكرَعُ في حَميمِ / كَأَنَّه مِن ساكِني الجَحيمِ
يُنسيهِ ما يَلقى مِنَ التَهابِهِ / أَن يَحمدَ اللَهَ عَلى شَرابِهِ
حَتّى إِذا عَنّا اِنقَضى نَهارُهُ / وَأُرخِيَت مِن لَيلِهِ أَستارُهُ
تَحَرَّكَت في جُنحِهِ دَواهي / سارِيَةٌ وَأَنتَ عَنها ساهي
مِن عَقرَبٍ يَسعى كَسَعيِ اللِصِّ / سِلاحُها في إِبَرٍ كَالشِّصِّ
وَحَيَّةٍ تَنفُثُ سُمّا قاتِلا / تُزَوِّدُ المَلدوغَ حَتفاً عاجِلا
تُبصِرُ ما في جِلدِها مِنَ الرَقَشْ / كَوَجنَةٍ مُصفَرَّةٍ فيها نَمَشْ
لَو نَهَشَت بِالنابِ مِنها الخَضرا / لَبَتَرَت مِنهُ الحَياةَ بَترا
فَإِن أَرَدتَ الشُربَ في إِبانِهِ / عَلى الَّذي وَصَفتُهُ مِن شانِهِ
أَبشِر بِما شِئتَ مِنَ الصِراعِ / فَضلاً عَنِ التَهويسِ وَالصُداعِ
وَعِلَلٍ تُعجِزُ إِحصاءَ العَدَدْ / مِن جَرَبٍ وَمِن دُوارٍ وَرَمَدْ
وَبَعدُ حُمّى الكِبْدِ لا تَنساهُ / لِأَنَّهُ أَوَّلُ ما تَلقاهُ
وَلا تَقُل إِن جاءَ يَوماً أَهلا / فَلَعنَةُ اللَهِ عَلَيهِ فَصلا
حَتّى إِذا زالَ أَتى الخَريفُ / فَصلٌ بِكُلِّ سَوءَةٍ مَعروفُ
أَهوِيَةٌ تُسرِعُ في كُلِّ الجَسَدْ / وَهُوَ كَطَبعِ المَوتِ يُبساً وَبَرَدْ
يُخشى عَلى الأَجسامِ مِن آفاتِهِ / فَأَرضُهُ قَرعاءُ مِن نَباتِهِ
لا يُمكِنُ الناسَ اِتِّقاءُ شَرِّهِ / مِن اِختِلافِ بَردِهِ وَحَرِّهِ
تُبصِرُهُ مِثلَ الصَبِيِّ الأَرعَنِ / في كَثرَةِ التَغييرِ وَالتَلَوُّنِ
فَإِن أَرَدتَ الشُربَ لِلعُقارِ / في حينِهِ بِاللَيلِ وَالنَهارِ
فَأَنتَ مِنهُ خائِفٌ عَلى حَذَرْ / لِأَنَّهُ يَمزُجُ بِالصَفوِ الكَدَرْ
أَحسَن ما يُهدي لَكَ النَسيما / يَقلِبُهُ في ساعَةٍ سَموما
وَهُوَ عَلى المَعدودِ مِن ذُنوبِهِ / خَيرٌ مِنَ الصَيفِ عَلى عُيوبِهِ
حَتّى إِذا ما أَقبَلَ الشِتاءُ / جاءَتكَ مِنهُ غُمَّةٌ غَمّاءُ
أَقبَلَ مِنهُ أَسَدٌ مَزيرُ / لَهُ وَعيدٌ وَلَهُ تَحذيرُ
لَو أَنَّهُ روحٌ لَكانَ فَدما / أَو أَنَّهُ شَخصٌ لَكانَ جَهما
يَأتيكَ في إِبّانِهِ رِياحُ / لَيسَ عَلى لاعِنِها جُناحُ
حَراكُها لَيسَ إِلى سُكونِ / تَضُرُّ بِالأَسماعِ وَالعُيونِ
يَحدُثُ مِن أَفعالِها الزُكامُ / هذا إِذا ما فاتَكَ الصِدامُ
ثُمَّ يَليها مَطَرٌ مُداوِمُ / كَأَنَّهُ خَصمٌ لَنا مُلازِمُ
يَقطَعُنا بُغضاً عَنِ الطَريقِ / وَعَن قَضاءِ الحَقِّ لِلصَّديقِ
وَرُبَّما خَرَّ عَلَيكَ السَقفُ / وَإِن عَفا عَنكَ أَتاكَ الوَكفُ
هذا وَكَم فيهِ مِنَ المَغارِمِ / وَكَثرَةُ الإِنفاقِ لِلدَّراهِمِ
في مَلبَسٍ يَدفَعُ شَرَّ بَردِهِ / يَكُفُّ مِنهُ غَربَ حَدِّهِ
مَلابِسٌ تُعيي الجَليدَ حَملا / كَأَنَّما يَحمِلُ مِنها ثِقلا
يَحكي بِها المَنحوفُ أَصحابَ السِمَنْ / لكِن تَراهُ سِمَناً غَيَرَ حَسَنْ
فَإِن أَرَدتَ بِالنَهارِ الشُربا / فيهِ فَقَد قاسَيتَ خَطباً صَعبا
وَاِحتَجتَ أَن توقِدَ فيهِ النارا / تُطيرُ نَحوَ الحَدَقِ الشَرارا
تَترُكُ مُبيَضَّ الثِيابِ أَرقَطا / تَحكي السَعيدِيَّ لَكَ المُنَقَّطا
وَبَعدَ ذا تُسَدِّدُ النِّقابا / مِن خَوفِهِ وَتُغلِقُ الأَبوابا
نَعَم وَتُرخي نَحوَهُ السُتورا / حَتّى تَرى صَباحَهُ دَيجورا
فَحُسنُ لَونِ الراحِ فيهِ لا يُرى / لِأَنَّهُ صارَ سَواءً وَالدُجى
تَشرَبُ فيهِ إِن شَرِبتَ الخَمرا / لَيسَ لِأَن تَلهُوَ أَو تُسَرّا
لكِن لِتَحمي خَصَرَ الأَعضاءِ / فَشُربُها ضَربٌ مِنَ الدَواءِ
وَإِن أَرَدتَ الشُربَ في الظَلامِ / عاقَكَ عَن تَناوُلِ المُدامِ
حَسبُكَ أَن تَندَسَّ في اللِحافِ / مِن خِشيَةِ البَردِ عَلى الأَطرافِ
وَرِعدَةٍ تَشغَلُ عَن كُلِّ عَمَلْ / وَتُؤثِرُ النَومَ وَتَستَحلي الكَسَلْ
حَتّى إِذا مِلتَ إِلى الرُقادِ / نِمتَ عَلى فَرشٍ مِنَ القَتادِ
إِنَّ البَراغيثَ عَذابٌ مُزعِجُ / لِكُلِّ ما قَلبٍ وَجِلدٍ تُنضِجُ
لا يُستَلَذُّ جَنبُهُ المَضاجِعا / كَأَنَّما أَفرَشتَهُ مَباضِعا
قُبِّحَ فَصلا فَوقَ ما ذَمَمتُهُ / لَو أَنَّهُ يَظهَرُ لي قَتَلتُهُ
حَتّى إِذا ما هُوَ عَنّا بانا / وَزالَ عَنّا بَعضُهُ لا كانا
جاءَ إِلَينا زَمَنُ الرَبيعِ / فَجاءَ فَصلٌ حَسَنٌ الجَميعِ
لِبَردِهِ وَحَرِّهِ مِقدارُ / لَم يَكتَنِف حَدَّهُما الإِكثارُ
عُدِّلَ في أَوزانِهِ حَتّى اِعتَدَلْ / وَحُمِدَ التَفصيلُ مِنهُ وَالجُمَلْ
نَهارُهُ مِن أَحسَنِ النَهارِ / في غايَةِ الإِشراقِ وَالإِسفارِ
تَضحَكُ فيهِ الشَمسُ مِن غَيرِ عَجَبْ / كَأَنَّها في الأُفْقِ جامٌ مِن ذَهَبْ
وَلَيلُهُ مُستَلطَفُ النَسيمِ / مُقَوَّمٌ في أَحسَنِ التَقويمِ
لِبَدرِهِ فَضلٌ عَلى البُدورِ / في حُسنِ إِشراقٍ وَفَرطِ نورِ
كَجامَةِ البَلّورِ في صَفائِها / أَو غَرَّةِ الحَسناءِ في نَقائِها
كَأَنَّها إِذا دَنَت مِن نَجرِهِ / جَوزاؤُهُ قَبلَ طُلوعِ فَجرِهِ
رومِيَّةٌ حُلَّتُها زَرقاءُ / في الجيدِ مِنها دُرَّةٌ بَيضاءُ
هذا وَكَم يَجمَعُ مِن أُمورِ / إِسرافُ مُطريها مِنَ التَقصيرِ
فيهِ تَظَلُّ الطَيرُ في تَرَنُّمِ / حاذِقَةً بِاللَحنِ لَم تُعَلَّمِ
غِناؤُها ذو عُجمَةٍ لا يَفهَمُهْ / سامِعُهُ وَهوَ عَلى ذا يُغرَمُهْ
مِن كُلِّ دُبسِيٍّ لَهُ رَنينُ / وَكُلُّ قُمرِيٍّ لَهُ حَنينُ
في قُرطَقٍ أُعجِلُ أَن يُوَرَّدا / خاطَ لَهُ الخِياطُ طَوقاً أَسوَدا
تُبصِرُهُ مِنهُ عَلى الحَيزومِ / كَمِثلِ عِقدِ سَبَجٍ مَنظومِ
هذا وَفيهِ لِلرِّياضِ مَنظَرُ / يُفشي الثَرى مِن سِرَّها ما يُضمِرُ
سِرّ نَباتٍ حُسنُهُ إِعلانُه / إِذا سِواهُ زانَهُ كِتمانُهُ
فيهِ ضُروبٌ لِلنَّباتِ الغَضِّ / يَحكي لِباسَ الجُندِ يَومَ العَرضِ
مِن نَرجَسٍ أَبيَضَ كَالثَغورِ / كَأَنَّهُ مَخانِقُ الكافورِ
وَرَوضَةٍ تُزهِرُ مِن بَنَفسَجِ / كَأَنَّها أَرضٌ مِنَ الفَيروزَجِ
قَد لَبِسَت غِلالَةً زَرقاءَ / فَكايَدَت بِلَونِها السَماءَ
تُبصِرُها كُثاكِلٍ أَولادَها / قَد لَبِسَت مِن حَزَنٍ حِدادَها
يَضحَكُ فيها زَهَرُ الشَقيقِ / كَأَنَّهُ مَداهِنُ العَقيقِ
مُضَمَّناتٍ قِطَعَاً مِنَ السَبَجْ / فَأَشرَقَت بَينَ اِحمِرارٍ وَدَعَجْ
كَأَنَّما المُحَمَرُّ في المُسوَدِّ / مِنهُ إِذا لاحَ عُيونُ الرُمدِ
أَما تَرى أَترُجَّهُ ما أَحسَنَهْ / يَختالُ في غَلائِلٍ مُبَيِّنَهْ
وَاِنظُر إِلى الخَشخاشِ إِن نَظَرتا / يَحكي كُراتٍ ظُوِهرَت كَيمَختا
وَاِرمِ بِعَينَيكَ إِلى البَهارِ / فَإِنَّهُ مِن أَحسَنِ الأَنوارِ
كَأَنَّهُ مَداهِنٌ مِن عَسجَدِ / قَد سُمِّرَت في قُضُبِ الزَبَرجَدِ
فَاِنهَض إِلى اللَهوِ وَلا تَخَلَّفِ / فَلَستَ في ذلِكَ بِالمُعَنَّفِ
وَاِشرَب عُقاراً طالَ فينا كَونُها / يَصفَرُّ مِن خَوفِ المِزاجِ لَونُها
مِن كَفِّ ظَبيٍ مِن بَني النَصارى / أَلبابُنا في حُسنَهِ حَيارى
إِذا بَدا جَمالُهُ لِذي النَظَرْ / قالَ تَعالى اللَهُ ما هذا بَشَرْ
يُبدي جَمالاً جَلَّ عَن أَن يوصَفا / لَو أَنَّهُ رِزقُ حَريصٍ لَاِكتَفى
تَزينُهُ أَحشاءُ كَشحٍ طاوِيَهْ / وَسُرَّةٌ مَحشُوَّةٌ بِالغالِيَهْ
لا سِيَّما مَع مُسمِعٍ وَزامِرِ / قَد سَلِما مِن وَحشَةِ التَنافُرِ
دونَكَ هذي صِفَةُ الزَمانِ / مَشروحَةً في أَحسَنِ التِبيانِ
فَأَصغِ نَحوَ شَرحِها كَي تَسمَعا / وَلا تَكُن لِحَقِّها مُضَيِّعا
وَاِرضَ بِتَقليديَ فيما قُلتُهُ / فَإِنَّني أَدري بِما وَصَفتُهُ
وَلا تُعارِضنِيَ في هذا العَمَلْ / فَإِنَّني شَيخُ المَلاهي وَالغَزَلْ