المجموع : 5
دارَت عَلى الدَوحِ سُلافُ القَطرِ
دارَت عَلى الدَوحِ سُلافُ القَطرِ / فَرَنَّحَت أَعطافَهُ بِالسُكرِ
وَنَبَّهَ الوُرقَ نَسيمُ الفَجرِ / فَغَرَّدَت فَوقَ الغُصونِ الخُضرِ
تُغني عَنِ العودِ وَصَوتِ الزَمرِ /
تَبَسَّمَت مَباسِمُ الأَزهارِ / وَأَشرَقَ النَوّارُ بِالأَنوارِ
وَظَلَّ عِقدُ الطَلَّ في نِثارِ / وَباكَرَتها دِيَمُ الأَمطارِ
فَكَلَّلَت تيجانِها بِالدُرِّ /
قَد أَقبَلَت طَلائِعُ الغُيومِ / إِذ أَذِنَ الشِتاءُ بِالقُدومِ
فَمُذ حَداها سائِقُ النَسيمِ / عَفَّت رُبى العَقيقِ وَالغَميمِ
وَباكَرَت أَرضَ دِيارِ بَكرِ /
أَما تَرى الغَيمَ الجَديدَ قَد أَتى / مُبَشِّراً بِالقُربِ مِن فَصلِ الشِتا
فَاِعقُر هُمومي بِالعُقارِ يا فَتى / فَتَركُ أَيّامِ الهَنا إِلى مَتى
فَإِنَّها مَحسوبَةٌ مِن عُمري /
فَاِنهَض لِنَهبِ فُرصَةِ الزَمانِ / فَلَستَ مِن فَجواهُ في أَمانِ
وَاِشرَب عَلى الناياتِ وَالمَثاني / إِنَّ الخَريفَ لَرَبيعٌ ثانِ
فَاِتمِم حُلاهُ بِكُؤوسِ الخَمرِ /
فَصلٌ لَنا في طَيِّهِ سُعودُ / بِعَودِهِ أَفراحُنا تَعودُ
يَقدِمُ فيهِ الطَائِرُ البَعيدُ / في كُلِّ يَومٍ لِلرُماةِ عيدُ
كَأَنَّهُ بِالصَرعِ عيدُ النَحرِ /
هَذي الكَراكي نَحوَنا قَد قَدِمَت / فاقِدَةً لِإِلفِها قَد عَدِمَت
لَو عَلِمَت بِما تُلاقي نَدِمَت / فَاِنظُر إِلى أَخياطِها قَد نُظِمَت
شِبهَ حُروفٍ نُظِمَت في سَطرِ /
تَذَكَّرَت مَرتَعِها فَشاقَها / فَأَقبَلَت حامِلَةً أَشواقَها
تُجيلُ في مَطارِها أَحداقَها / تَمُدُّ مِن حَنينِها أَعناقَها
لَم تَدرِ أَنَّ مَدَّها لِلجَزرِ /
يا سَعدُ كُن في حُبِّها مُساعِدي / فَإِنَّهُ مُذ عِشتُ مِن عَوائِدي
وَلا تَلُم مَن باتَ فيها حاسِدي / فَلَو تَرى طَيرَ عِذارِ خالِدِ
أَقَمتَ في حُبِّ العِذارِ عُذري /
طَيرٌ بِقَدرِ أَنجُمِ السَماءِ / مُختَلِفُ الأَشكالِ وَالأَسماءِ
إِذا جَلا الصُبحُ دُجى الظُلماءِ / يَلوحُ مِن فَوقِ طَفيحِ الماءِ
شِبهَ نُقوشٍ خُيّلَت في سِترِ /
في لُجَّةِ الأَطيارِ كَالعَساكِرِ / فَهُنَّ بَينَ وارِدٍ وَصادِرِ
جَليلُها ناءٍ عَنِ الأَصغارِ / مَحدودَةٌ مِنذُ عُهودِ الناصِرِ
مَعدودَةٌ في أَربَعٍ وَعَشرِ /
شُبَيطَرٌ وَمِرزَمٌ وَكُركي / وَصِنفُ تَمٍّ مَعَ إِوَزٍّ تُركي
وَلَغلَغٌ يُشبِهُ لَونَ المِسكِ / وَالكَيُّ وَالعَنّازُ يا ذا الشَكِّ
ثُمَّ العُقابُ مُلحَقٌ بِالنِسرِ /
وَيَتبَعُ الأَرنوقَ صِنفٌ مُبدِعُ / أَنيسَةٌ إِنسِيَّةٌ إِذ تُصرَعُ
وَالضَوُّ وَالحِبرَجُ فَهيَ أَجمَعُ / خَمسٌ وَخَمسٌ كَمُلَت وَأَربَعُ
كَأَنَّها أَيّامُ عُمرِ البَدرِ /
فَاِبكُر إِلى دِجلَةَ وَالأَقطاعِ / فَإِنَّها مِن أَحمَدِ المَساعي
وَاِعجَب لِما فيها مِنَ الأَنواعِ / مِن سائِرِ الجَليلِ وَالمَراعي
وَضَجَّةِ الشيقِ وَصَوتِ الحُضِر /
ما بَينَ تَمٍّ ناهِضٍ وَواضِعِ / وَبَينَ نَسرٍ طائِرٍ وَواقِعِ
وَبَينَ كَيٍّ خارِجٍ وَراجِعِ / وَنَهضَةِ الطَيرِ مِنَ المَراتِعِ
كَأَنَّها أَقطاعُ غَيمٍ تَسري /
أَما تَرى الرُماةَ قَد تَرَسَّموا / وَلِاِرتَقابِ الطَيرِ قَد تَقَسَّموا
بِالجِفتِ قَد تَدَرَّعوا وَعَمَّمواَ / لَمّا عَلى سَفكِ دِماها صَمَّموا
جاؤوا إِلَيها في ثِيابٍ حُمرِ /
قَد فَزِعوا عَن كُلِّ عُربٍ وَعَجَم / وَأَصبَحوا بَينَ الطِرافِ وَالأَجَم
مِن كُلِّ نَجمٍ بِالسُعودِ قَد نَجَم / وَكُلِّ بَدرٍ بِالشَهابِ قَد رَجَم
عَن كُلِّ مَحنيٍّ شَديدِ الظَهرِ /
مَحنِيَّةٌ في رَفعِها قَد أُدمِجَت / أَدرَكَها التَثقيفُ لَمّا عوِّجَت
قَد كُبِسَت بُيوتُها وَسُرِّجَت / كَأَنَّها أَهِلَّةٌ قَد أُخرِجَت
بَنادِقاً مِثلَ النُجومِ الزُهرِ /
قَد جَوَّدَت أَربابُها مَتاعَها / وَأَتعَبَت في حَزمِها صُنّاعَها
وَهَذَّبَت رُماتُها طِباعَها / إِذا لَمَسَت خابِراً أَقطاعَها
حَسِبتَها مَطبوعَةً مِن صَخرِ /
إِذا سَمِعتُ صَرخَةَ الجَوارِحِ / تَصبوا إِلى أَصواتِها جَوارِحي
وَإِن رَأَيتُ أَجَمَ البَطائِحِ / وَلَم أَكُن ما بَينَها بِطائِحِ
يَضيقُ عَن حَملِ الهُمومِ صَدري /
مَن لي بِأَنّي لا أَزالُ سائِحا / بَينَ المَرامي غادِياً وَرائِحا
لَو كانَ لي دَهري بِذاكَ سامِحا / فَالقُربُ عِندي أَن أَبيتَ نازِحا
أَقطَعُ في البَيداءِ كُلَّ قَفزِ /
نَذَرتُ لِلنَفسِ إِذا تَمَّ الهَنا / وَزُمَّتِ العيسُ لِإِدراكِ المُنى
أَن أَقرِنَ العِزَّ لَدَيها بِالغِنى / حَتّى رَأَت أَنَّ الرَحيلَ قَد دَنا
فَطالَبَتني بِوَفاءِ نَذري /
تَقولُ لي لَمّا جَفاني غُمضي / وَأَنكَرَت طولَ مَقامي أَرضي
وَعاقَني صَرفُ الرَدى عَن نَهضي / ما لِلَّيالي أولِعَت بِخَفضي
كَأَنَّها بَعضُ حُروفِ الجَرِّ /
فَاِنهَض رِكابَ العَزمِ في البَيداءِ / وَاِزوَرَّ بِالعيسِ عَنِ الزَوراءِ
وَلا تُقِم بِالمَوصِلِ الحَدباءِ / إِنَّ شِهابَ القَلعَةِ الشَهباءِ
يَحرُقُ شَيطانَ صُروفِ الدَهرِ /
نَجمٌ بِهِ الأَنامُ تَستَدِلُّ / مَن عَزَّ في حِماهُ لا يَذِلُّ
في القَرِّ شَمسٌ وَالمَصيفِ ظِلُّ / وَبلٌ عَلى العُفاةِ مُستَهِلُّ
أَغنى الأَنامَ عَن هُتونِ القَطرِ /
لَو قابَلَ الأَعمى غَدا بَصيرا / وَلَو رَأى مَيتاً غَدا مَنشورا
وَلَو يَشا الظَلامَ كانَ نورا / وَلو أَتاهُ اللَيلُ مُستَجيرا
أَمَّنَهُ مِن سَطَواتِ الفَجرِ /
لُذ بِرُبوعِ المَلِكِ المَنصورِ / مُحيي الأَنامِ قَبلَ نَفخِ الصورِ
باني العُلا قَبلَ بِنا القُصورِ / قاتِلَ كُلِّ أَسَدٍ هَصورِ
مَلَّكَهُ اللَهُ زِمامَ النَصِرِ /
مَلكٌ كَأَنَّ المالَ مِن عُداتِهِ / يَرى حَياةَ الذِكرِ في مَماتِهِ
قَد ظَهَرَ العِزُّ عَلى أَوقاتِهِ / وَأَشرَقَ النورُ عَلى لَيلاتِهِ
كَأَنَّها بَعضُ لَيالي القَدرِ /
أَصبَحَ في الأَرضِ لَنا خَليفَهُ / نَعِزُّ في أَربُعِهِ المَألوفَه
قَد سَمَحَت أَكُفُّهُ الشَريفَه / وَأُلهِمَت عَزمَتُهُ المُنيفَه
بِكَسرِ جَبّارٍ وَجَبرِ كَسرِ /
يَخضَعُ هامُ الدَهرِ فَوقَ بابِهِ / وَتَسجُدُ المُلوكَ في أَعتابِه
وَتَخدُمُ الأَقدارُ في رِكابِه / تَرومُ فَضلَ العِزِّ مِن جَنابِه
وَتَستَمِدُّ اليُسرَ بَعدَ العُسرِ /
مُحَكَّمٌ ناءٍ عَنِ الأَغراضِ / وَجَوهَرٌ خالٍ مِنَ الأَعراضِ
يُهابُ كَالساخِطِ وَهوَ راضِ / قَد مَهَّدَت آرائُهُ الأَراضي
وَأَهلَكَت كَفّاهُ جَيشَ الفَقرِ /
لَمّا رَأى أَيّامَهُ جُنودا / وَالناسَ في أَعتابِهِ سُجودا
أَرادَ في دَولَتِهِ مَزيدا / فَأَعتَقَت أَكَفُّهُ العَبيدا
وَاِستَعبَدَت بِالجودِ كُلِّ حُرِّ /
يا مَلِكاً تَحسُدُهُ الأَملاكُ / وَتَقتَدي بِعَزمِهِ الأَفلاكُ
يَهابُهُ الأَعرابُ وَالأَتراكُ / لَهُ بِما تُضمِرُهُ إِدراكُ
كَأَنَّهُ مُوَكَّلٌ بِالسِرِّ /
قُربي إِلَيكُم لا العَطاءُ سولي / وَوُدُّكُم لا غَيرَهُ مَأمولي
إِذا جَلَيتُ كاعَبَ الفُصولِ / لا أَبتَغي مَهراً سِوى القَبولِ
إِنَّ القَبولَ لا لِأَجلِ مَهرِ /
لا بَرِحَت أَفراحُكُم مُجَدَّدَه / وَأَنفُسُ الضَدَّ بِكُم مُهَدَّدَه
وَأَربُعُ المَجدِ بِكُم مُشَيَّدَه / وَالأَرضُ مِن آرائِكُم مُمَهَّدَه
وَالدَهرُ بِالأَمنِ ضَحوكُ الثَغرِ /
قُم بي فَقَد ساعَدَنا صَرفُ القَدَر
قُم بي فَقَد ساعَدَنا صَرفُ القَدَر / وَجاءَ طيبُ عَيشِنا عَلى قَدَر
فَكَم عَلا قَدرُ اِمرِىءٍ وَما قَدَر / فَاِرضَع بِنا دَرَّ الهَنا إِن تَلقَ دَرّ
فَالشَهمُ مَن حازَ السُرورَ إِن قَدَر /
وَقَد صَفا الزَمانُ وَالأَمانُ / وَأَسعَدَ المَكانُ وَالإِمكانُ
وَأَنجَدَ الإِخوانُ وَالأَعوانُ / وَقَد وَفَت بِعَهدِها الأَزمانُ
وَالدَهرُ تابَ مِن خَطاهُ وَاِعتَذَر /
يا سَعدُ فَاِترُك ذِكرَ بِانِ لَعلَعِ / وَعَيشَةً وَلَّت بِوادي الأَجرَعِ
وَإِن تَكُن تَسمَعُ قَولي وَتَعي / فَاِجلُ صَدا قَلبي وَأَطرِب مَسمِعي
بِرَشقَةِ الأَوتارِ لا جَسَّ الوَتَر /
وَدَع طَوالاً عُرِفَت بِوَسمِها / وَأَربُعاً لَم يَبقَ غَيرُ رَسمِها
وَاِجعَل سُرورَ النَفسِ أَسنى قَسمَها / وَاِدخُل بِنا في بَحثِ إِنَّ وَاِسمِها
وَخَلَّني مِن ذِكرِ كانَ وَالخَبَر /
أَما تَرى الأَطيارَ في تِشرينِ / مُقبِلَةً بادِيَةَ الحَنينِ
فَريقُها نابَ عَنِ الأَنينِ / إِذا رَنَت نَحوَ المِياهِ الجونِ
يَأمُرُها الشَوقُ وَيَنهاها الحَذَر /
هَذي الكَراكي حائِماتٌ في الضُحى / مَنظومَةٌ أَو دائِراتٌ كَالرَحى
إِذا رَأَت في القَيضِ ماءً طَفَحا / تَفرَقُ في حالِ الوُرودِ مَرَحا
وَما دَرَت أَنَّ المَنايا في الصَدَر /
يا حُسنَها قادِمَةً في وَقتِها / تُغري الرُماةَ بِجَميلِ نَعتِها
إِذا اِستَوَت طائِرَةً في سَمتِها / تَرشُقُها بِبُندُقٍ مِن تَحتِها
لَو أَنَّهُ مِن فَوقِها قيلَ مَطَر /
فَلَو تَرانا بَينَ إِخوانِ الصَفا / حَولَ قَديمٍ مِن قَذاهُ قَد صَفا
مُشتَهِرٍ بِالصِدقِ مَخبورِ الوَفا / لَم يُغضِ في الحَقِّ لِخَلٍّ إِن هَفا
وَلَم يَقُل يَوماً هَبوا لي ما شَجَر /
مِن كُلِّ رامٍ شَبِقِ اليَدينِ / بِمُدمَجٍ مِثلِ الهِلالِ زَينِ
جَعدِ البَلاغِ نافِرِ الكَعبَينِ / لَو كَفَّ حَتّى مُلتَقى القُرصَينِ
ما اِنتَقَضَ الشاخُ وَلا العودُ إِنكَسَر /
فَاِبرُز بِنا نَحوَ مَرامي فامِيَه / بَينَ مُروجٍ وَمِياهٍ طامِيَه
تِلكَ المَرامي لَم نَزَل مَرامِيَه / فَاِسمُ بِنا نَحوَ رُباها السامِيَه
وَخَلَّني مِن بَلدَةٍ فيها زَوَر /
وَاِنظُر إِلى الأَطيارِ في مَطارِها / وَاِعتَبِرِ الجَفَّةَ كَاِعتِبارِها
إِذ لا تَطيرُ مَعَ سِوى أَنظارِها / فَلا تَضَع نَفسَكَ عَن مِقدارِها
مَع غَيرِ ذي الجِنسِ وَكُن عَلى حَذَر /
أَو مِل إِلى العُمقِ بِعَزمٍ ثاقِبِ / فَإِنَّها مِن أَحسَنِ المَناقِبِ
فَاِعجَب لِما فيهِ مِنَ الغَرائِبِ / مِنَ المَراعي وَجَليلٍ واجِبِ
أَصنافُهُ مَعدودَةٌ لا تُحتَضَر /
وَقائِلٍ صِفها بِرَمزٍ واضِحِ / فَإِنَّها مِن أَكبَرِ المَصالِحِ
وَالباقِياتِ بَعدَكَ الصَوالِحِ / قُلتُ تَمَنَّع وَاِعصِ كُلَّ كاشِحِ
فَهَذِهِ عِدَّتُها إِذ تُعتَبَر /
وَإِن تُرِد إِيضاحَها لِلسائِلِ / بِغَيرِ رَمزٍ لِلضَميرِ شاغِلِ
وَحَصرَ أَسماها بِعَدٍّ كامِلِ / فَهيَ كَشَطرِ عُدَّةِ المَنازِلِ
أَو ما عَدا المَحذورِ مِن عِدِّ السُوَر /
كَركي وَعَنّازٌ وَأَرنوقٌ وَتَمَّ / وَالوَزُّ وَاللَغلَغُ وَالكَيُّ الهَرَم
وَمَرزَمٌ وَشَبطَرٌ إِذا سَلِم / وَحَبرَجٌ وَبِالأَنيسَةِ اِنتَظَم
صوغٌ وَنَسرٌ وَعُقابٌ قَد كَسَر /
فَسِتَّةٌ مَحمَلُهُنَّ الأَرجُلُ / ثُمَّ ثَمانٍ بِالجَناحِ تُحمَلُ
وَلا اِعتَدادٌ بِسِوى ما يَحصَلُ / وَصِحَّةُ الأَعضاءِ شَرطٌ يَشمُلُ
كيلا يُرى في الطَيَرانِ ذو قَصَر /
شَرُعٌ صَحيحٌ لِلإِمامِ الناصِرِ / قيسَ عَلى الشَرعِ الشَريفِ الطاهِرِ
حَرَّرَهُ كُلُّ فَقيهٍ ما هِرِ / فَجاءَ كَالبَيتِ الشَريفِ العامِرِ
أَساسُهُ الصِدقُ وَرِكناهُ النَظِر /
يَحرِمُ فيهِ الرَميَ بِالسِهامِ / وَالشَربِ في البَرزَةِ لِلمُدامِ
وَبَيعَ شَيءٍ مِن صُروعِ الرامي / وَالسَبقِ لِلصُحبِ إِلى المَقامِ
وَالشَرطُ وَالتَرخيصَ فَهوَ وَالهَدَر /
وَقائِلٍ فيهِ لَعَلَّ تَسلَمُ / وَمِثلُها في غَيرِ شَيءٍ يَلزَمُ
أَو ذا عَلى الوَجهِ الصَحيحِ يُفهَمُ / ثَلاثَةٌ مِنَ الهِتارِ تَعصِمُ
سُفُنُ النَجاةِ لِإِمرِئٍ خافَ الضَرَر /
فَاِنظُر إِلى زَهرِ الرِياضِ المُقبِلِ / إِذ جادَهُ دَمعُ السَحابِ المُسبِلِ
يَضوعُ مِن شَذاهُ عَرفُ المَندِلِ / كَأَنَّهُ ذِكرُ المَليكِ الأَفضَلِ
إِذا طَواهُ الوَفدُ في الأَرضِ اِنتَشَر /
وَاِرثُ عَلِمِ المَلِكِ المُؤَيَّدِ / إِرثاً صَحيحاً سَيِّداً عَنِ سَيِّدِ
أَطلَقَ جَريَ نُطقِيَ المُقَيَّدِ / فَإِن أَفُه فيهِ بِنَظمٍ جَيِّدِ
كُنتُ كَمُهدٍ تَمرَهُ إِلى هَجَر /
نَجلُ بَني أَيّوبَ أَعلامَ الهُدى / وَالأَنجُمِ الزُهرِ إِذا اللَيلُ هَدا
وَالسابِقينَ بِالنَدى قَبلَ النِدا / كُلُّ فَتىً ساسَ البِلادَ فَاِغتَدى
في الحُكمِ لُقمانَ وَفي العَدلِ عُمَر /
المُغمِدو بيضِ الظُبى في الهامِ / وَالمُشبِعو وَحشِ الفَلا وَالهامِ
وَمُرسِلو غَيثِ السَماحِ الهامي / فَفَضلُهُم بِالإِرثِ وَالإِلهامِ
لا كَاِمرِىءٍ ضَنَّ وَبِالأَصلِ اِفتَخر /
يا اِبنَ الَّذي قَد كانَ في العِلمِ عَلَم / وَاِستِخدَمَ السَيفَ جَديراً وَالقَلَم
لِغَيرِ بَيتِ المالِ يَوماً ما ظَلَم / مَناقِباً مِثلَ النُجومِ في الظُلَم
أَضحَت حُجولاً لِلزَمانِ وَغُرَر /
أَكرَمَ مَثوايَ وَأَعلى ذِكري / حَتّى نَسيتُ عَطَني وَوِكري
وَإِن أَجَلتُ في عُلاهُ فِكري / مالي جَزاءٌ غَيرَ طيبِ الشُكرِ
وَقَد جُزي خَيرَ الجَزاءِ مِن شَكَر /
يا حامِلَ الأَثقالِ وَالأَهوالِ / وَمُتلِفَ الأَعداءِ وَالأَموالِ
وَصادِقَ الوُعودِ وَالأَقوالِ / أَبدَيتَ في شَدائِدِ الأَحوالِ
صَبراً فَكانَ الصَبرُ عُقباهُ الظَفَر /
أَنَلتَ باغي الجودِ فَوقَ ما بَغى / وَعَجَّلَت كَفّاكَ هَطفَ مَن بَغى
فَقَد سَمَوتَ في النَدى وَفي الوَغى / حَتّى إِذا مارَدُ مُلكٍ نَزَغا
أَخَذتَهُ أَخذَ عَزيزٍ مُقتَدِر /
إِنّي وَإِن شِدتُ لَكُم بَينَ المَلا / طيبَ ثَناءٍ لِلفَضاءِ قَد مَلا
لَم أَبغِ بِالمَدحِ سِوى الوُدِّ وَلا / إِن مِتُّ يَوماً بِسِوى صِدقِ الوَلا
وَحُسنِ نَظمِ فيكَ إِن غِبتَ حَضَر /
فَاِسعَد بِعيدِ فِطرِكَ السَعيدِ / مُمَتَّعاً بِعَيشِكَ الرَغيدِ
في الصَومِ وَالإِفطارِ وَالتَعييدِ / لِلناسِ في العامِ اِنتِظارُ عيدِ
وَأَنتَ عيدٌ دائِمٌ لا يُنتَظَر /
يا طيبَ يَومٍ بِالمُروجِ الخُضرِ
يا طيبَ يَومٍ بِالمُروجِ الخُضرِ / سَرَقتُهُ مُختَلِساً مِن عُمري
وَالطَلَّ قَد كَلَّلَ هامَ الزَهرِ / فَعَطَّرَ الأَرجاءَ طيبُ النَشرِ
باكَرتُها بَعدَ اِنبِلاجِ الفَجرِ / عِندَ اِنبِساطِ الشَفَقِ المُحَمَرِّ
وَالطَيرُ في لُجِّ المِياهِ تَسري / كَأَنَّها سَفائِنٌ في بَحرِ
حَتّى إِذا لاذَت بِشاطي النَهرِ / دَعَوتُ عَبدي فَأَتى بِصَقري
مِنَ الغَطاريفِ الثِقالِ الحُمرِ / مُستَبعِدُ الوَحشَةِ جَمُّ الصَبرِ
مُعتَدِلُ الشُلوِ شَديدُ الأَزرِ / مُنفَسِحُ الزَورِ رَحيبُ الصَدرِ
مُتَّسِعُ العَينِ عَريضُ الظَهرِ / بِأَعيُنٍ مُسوَدَّةٍ كَالحِبرِ
وَهامَةٍ عَظيمَةٍ كَالفِهرِ / كَأَنَّ فَوقَ صَدرِهِ وَالنَحرِ
هامَةِ هَيقٍ في صِماخَي نَسرِ / طَويلِ أَرياشِ الجَناحِ العَشرِ
قَصيرِ ريشِ الذَنبِ المُحمَرِّ / قَصيرِ عَظمِ الساقِ تامِ الظَفرِ
فَظَلَّ يَتلوها عَظيمَ المَكرِ / يُغري بِها هِمَّتَهُ وَنَصري
كَأَنَّهُ يَطلُبُها بِوِترِ / فَجاءَنا مِنها بِكُلِّ عَفرِ
فَبِتُّ وَالصَحبَ بِها في بِشرِ / كَأَنَّنا في يَومِ عيدِ النَحرِ
نَأكُلُ مِن لُحومِها وَنَقري /
مِن عاشِقٍ ناءٍ هَواهُ دانِ
مِن عاشِقٍ ناءٍ هَواهُ دانِ / ناطِقِ دَمعٍ صامِتِ اللِسانِ
مَوثَقِ قَلبٍ مُطلَقِ الجُثمانِ / مُعَذَّبٍ بِالصَدِّ وَالهِجرانِ
طَليقِ دَمعٍ قَلبُهُ في أَسرِ /
مِن غَيرِ ذَنبٍ كَسَبَت يَداهُ / غَيرَ هَوىً نَمَّت بِهِ عَيناهُ
شَوقاً إِلى رُؤيَةِ مَن أَشقاهُ / كَأَنَّما عافاهُ مَن أَبلاهُ
إِذ كانَ أَصلُ نَفعِهِ وَالضِرِّ /
يا وَيحَهُ مِن عاشِقٍ ما يَلقي / مِن أَدمُعٍ مَنهَلَّةٍ ما تَرقا
ذابَ إِلى أَن كادَ يَفنى عِشقا / وَعَن دَقيقِ الفِكرِ عَنهُ دَقّا
فَكادَ يَخفى عَن دَقيقِ الفِكرِ /
لَم يَبقَ مِنهُ غَيرَ طَرفٍ يَبكي / بِأَدمُعٍ مِثلِ نِظامِ السِلكِ
يُخمِدُ نيرانَ الهَوى وَيُذكي / كَأَنَّها قَطرَ السَماءِ تَحكي
هَيهاتَ هَل قيسَ دَمٌ بِقَطرِ /
إِلى غَزالٍ مِن بَني النَصارى / فَضَّلَ بِالحُسنِ عَلى العَذارى
كُلُّ الوَرى مِنذُ نَشا حَيارى / في رِبقَةِ الحُبِّ لَهُ أَسارى
يُنشِدُ قَولَ مُدرِكٍ في عَمرِو /
يا عَمرُو ناشَدتُكَ بِالمَسيحِ / أَلّا سَمِعتَ القَولَ مِن نَصيحِ
يُعرِبُ عَن قَلبٍ لَهُ جَريحِ / لَيسَ مِنَ الحُبِّ بِمُستَريحِ
كَسيرِ قَلبٍ ما لَهُ مِن جَبرِ /
يا عَمرُو بِالحَقِّ مِنَ اللاهوتِ / وَالروحِ روحِ القُدسِ وَالناسوتِ
ذاكَ الَّذي خَصَّ مِنَ النِعوتِ / بِالنُطقِ في المَهدِ وَبِالسِكوتِ
وَأَنشَرَ المَيتَ بِبَطنِ القَبرِ /
بِحَقِّ ناسوتٍ بِبَطنِ مَريَمِ / حَلَّ مَحَلَّ الروحِ مِنها في الفَمِ
ثُمَّ اِستَحالَ في القَنومِ الأَقدَمِ / يُكَلِّمُ الناسَ وَلَمّا يُفطَمِ
مُصَرِّحاً عَن أُمِّهِ بِالعُذرِ /
بِحَقِّ مَن بَعدَ المَماتِ قُمَّصا / ثَوباً عَلى مِقدارِهِ ما قُصِّصا
وَكانَ لِلَّهِ تَقِياً مُخلِصاً / وَمُبرِئاً مِن أَكمِهِ وَأَبرَصا
بِما لَديهِ مِن خَفِيَّ السِرِّ /
بِحَقِّ مُحيِي صورَةِ الطُيورِ / بِالنَفخِ في المَوتى وَفي القُبورِ
وَمَن إِلَيهِ مَرجِعُ الأُمورِ / يَعلَمُ ما في البَرِّ وَالبُحورِ
وَما بِهِ صَرفُ القَضاءِ يَجري /
بِحَقِّ مَن في شامِخِ الصَوامِعِ / مِن ساجِدٍ لِرَبِّهِ وَراكِعِ
يَبكي إِذا ما نامَ كُلِّ هاجِعِ / خوفاً مِنَ اللَهِ بِدَمعٍ هامِعِ
وَيَهجُرُ اللَذّاتِ طولَ العُمرِ /
بِحَقِّ قَومٍ حَلَقوا الرُؤوسا / وَعالَجوا طولَ الحَياةِ بوسا
وَقَرَعوا في البَيعَةِ الناقوسا / مُشَمعِلينَ يَعبُدونَ عيسى
قَد أَخلَصوا في سِرِّهِم وَالجَهرِ /
بِحَقِّ ماري مَريَمٍ وَبولُسِ / بِحَقِّ شَمعونَ الصَفا وَبُطرُسِ
بِحَقِّ دانيلٍ وَحَقِّ يونُسِ / بِحَقِّ حَزقيلَ وَبَيتِ المَقدِسِ
وَكُلَّ أَوّابٍ رَحيبِ الصَدرِ /
وَنينَوى إِذ قامَ يَدعو رَبَّهُ / مُطَهِّراً مِن كُلِّ ذَنبٍ قَلبَهُ
وَمُستَقيلٍ فَأُقيلَ ذَنبُهُ / وَنالَ مِن أَبيهِ ما أَحَبَّهُ
إِذ رامَ مِن مَولاهُ شَدَّ الأَزرِ /
بِحَقِّ ما في قُلَّةِ المَيرونِ / مِن نافِعِ الأَدواءِ لِلجُنونِ
بِحَقِّ ما يُؤثَرُ عَن شَمعونِ / مِن بَرَكاتِ النَخلِ وَالزَيتونِ
خِصبِ البِلادِ في السِنينَ الغُبرِ /
بِحَقِّ أَعيادِ الصَليبِ الزُهرِ / وَعيدِ مارِيّا الرَفيعِ الذِكرِ
وَعيدِ أَشموني وَعيدِ الفِطرِ / وَبِالشَعانينِ الجَليلِ القَدرِ
مَواسِمٌ تَمنَعُ حَملَ الإِصرِ /
وَعيدِ اَشَعيا وَبِالهَياكِلِ / وَالدُخَنِ اللاتي لِوَضعِ الحامِلِ
يَشفى بِها مِن كُلِّ خَبلٍ خابِلِ / وَمِن دَخيلِ السُمِّ في المَفاصِلِ
لِكَونِها مِن كُلِّ داءٍ تَبري /
بِحَقِّ سَبعينَ مِنَ العِبادِ / قاموا بِدينِ اللَهِ في البِلادِ
وَأَرشَدوا الناسَ إِلى الرَشادِ / حَتّى اِهتَدى مَن لَم يَكُن بِالهادي
وَحَقَّقَ الحَقُّ بِكَشفِ السَترِ /
بِحَقِّ الإِثني عَشَرَ مِنَ الأُمَمِ / ساروا إِلى الرَحمَنِ يَتلونَ الحِكَم
حَتّى إِذا صُبَحُ الهُدى جَلّا الظُلَم / صاروا إِلى اللَهِ فَفازوا بِالنِعَم
ثُمَّ اِستَداموها بِفَرطِ الشُكرِ /
بِحَقِّ ما في مُحكَمِ الإِنجيلِ / مِن مُنزَلِ التَحريمِ وَالتَحليلِ
وَبِالبَتولِ وَالأَبِ الهَيولي / بِحَقِّ جيلٍ قَد مَضى وَجيلِ
يُسنَدُ زَيدٌ عِلمَهُ عَن عَمرِو /
بِحَقِّ مارعَبدا التَقِيَّ الصالِحِ / بِحَقِّ لوقا بِالحَكيمِ الراجِحِ
وَالشُهَداءِ بِالفَلا الصَحاصِحِ / مِن كُلِّ غادٍ مِنهُمُ وَرائِحِ
مُعتَبِرٌ في صَومِهِ وَالفِطرِ /
بِحَقِّ مَعمودِيَّةِ الأَرواحِ / وَالمَذبَحِ المَعمورِ في النَواحي
وَمَن بِهِ مِن لابِسِ الأَمساحِ / مِن راهِبٍ باكٍ وَمِن نَوّاحِ
يَذرِفُ لَيلاً دَمعَهُ وَيُذري /
بِحَقِّ تَقريبِكَ في الآحادِ / وَشُربِكَ القَهوَةَ كَالفِرصادِ
وَما بِعَينَيكَ مِنَ السَوادِ / بِطولِ تَقطيعِكَ لِلأَكبادِ
وَسَلبِكَ العُشّاقَ حَسنَ الصَبرِ /
بِحَقِّ شَمعونَ وَما يَرويهِ / بِالحَمدِ لِلَّهِ وَبِالتَنزيهِ
وَكُلِّ ناموسٍ لَهُ فَقيهِ / مُؤتَمَنٍ في دينِهِ وَجيهِ
مُتَّبَعٍ في نَهيِهِ وَالأَمرِ /
شَيخَينِ كانا مِن شُيوخِ العِلمِ / وَبَعضِ أَركانِ التُقى وَالحِلمِ
لَم يَنطِقا قَطُّ بِغَيرِ الفَهمِ / مَوتُهُما كانَ حَياةَ الخَصمِ
وَعَنهُما أَخبَرَ كُلَّ حِبرِ /
بِحُرمَةِ الأُسقُفِّ بِالمُطرانِ / وَالجاثِليقِ العالِمِ الرَبّاني
وَالقِسِّ وَالشَمّاسِ وَالغُفرانِ / وَالبَطرَكِ الأَكبَرِ وَالرَهبانِ
وَالمُقرَبانِ ذي الخِصالِ الزُهرِ /
بِحُرمَةِ المَحبوسِ في أَعلى الجَبَل / بِحَقِّ لوقا حينَ صَلّى وَاِبتَهَل
وَبِالمَسيحِ المُرتَضى وَما فَعَل / وَبِالكَنيساتِ القَديماتِ الأُوَل
وَبِالَّذي يُتلى بِها مِن ذِكرِ /
بِكُلِّ ناموسٍ لَهُ مُقَدَّمِ / يُعَلِّمُ الناسَ وَلَما يَعلَمِ
بِحُرمَةِ الصَومِ الكَبيرِ الأَعظَمِ / وَما حَوى الميلادُ لِاِبنِ مَريَمِ
مِن شَرَقٍ سامٍ عَظيمِ الفَخرِ /
بِحَقِّ يَومِ الذَبحِ في الإِشراقِ / وَلَيلَةِ الميلادِ وَالسُلاقِ
بِالذَهَبِ الإِبريزِ لا الأَوراقِ / بِالفِصحِ يا مُهَذَّبَ الأَخلاقِ
وَكُلِّ ميقاتٍ جَليلِ القَدرِ /
أَلّا سَعَيتَ في رِضى أَديبِ / باعَدَهُ الحُبُّ عَنِ الحَبيبِ
فَذابَهُ شَوقاً إِلى المُذيبِ / أَعلى مُناهُ أَيسَرُ القَريبِ
مِن بَسطِ أَخلاقٍ وَحُسنِ بِشرِ /
وَاِنظُر أَميري في صَلاحِ أَمري / مُحتَسِباً فَيَّ عَظيمَ الأَجرِ
مُكتَسِباً مِنّي جَميلَ الشُكرِ / في نَظمِ أَلفاظِ وَنَظمِ شِعرِ
فَفيكَ نَظمي أَبَداً وَنَثري /
قَد أَقعَدَتني عَنكُمُ مَفاصِلٌ
قَد أَقعَدَتني عَنكُمُ مَفاصِلٌ / وَإِن أَقامَت في اِنقِطاعي عُذري
فَصِرتُ مِن بَعدِ الحَراكِ ساكِناً / كَالياءِ في القاضي وَفي المُستَشري