القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ناصِحُ الدين الأَرَّجاني الكل
المجموع : 3
سَرى كما يَسري القَمَرْ
سَرى كما يَسري القَمَرْ / والليّلُ مُسوَدُّ الطُّرَرْ
زَوْرٌ سرَى على خَفَر / طوَى الفلا وما شعَر
بدْرٌ دُجاهُ مِن شَعَر / عَجِبتُ والليّلُ اعتكَر
مَعْ نورهِ كيف استَتر / أَوجُهُه حينَ سفَر
بسِحْرِ طَرْفٍ ذي حَوَر / لأعينِ النّاسِ سَحَر
فجاء كالبَدْرِ ومَر / ولم يَرَوا منه أثَر
أما أنا لمّا حضَر / كأنّه إحدَى الصُّور
خَبأْتُه من الحَذَر / في ناظري عنِ البَشَر
يا زائراً لم يُستَزَر / أحلَلْتُهُ منّي البَصَر
فَعَوَّضَ العينَ السّهَر / لمّا رأَى أُنْسي نَفَر
ولم يَصِلْ حتّى هَجَر / وزوَّد الصّبَّ الذِّكَر
فقُمتُ والدّمعُ درَر / أَكُفُّ منه ما بَدَر
وأكتُمُ الصَّحبَ الخَبَر / ونحن أبناءُ سَفَر
من وطَنٍ إلى وَطَر / إلى بَعيرٍ قد ضَمُر
رَعى بأعْلى ذي نَفر / بينَ رياضٍ وزَهَر
كأنّها نَشْرُ الحِبَر / يأخُذُ نَبْتاً ويَذَر
في أُنُفٍ منَ الخُضَر / ونُطَفٍ فيها خَصَر
حتّى أتَى مِلْءَ الضُّفُر / يُلاعِبُ الظِّلَّ أَشر
فمَرّ كالسَّيلِ انحدَر / يَقسِمُ عينَيْه حَذَر
بينَ الطّريقِ المُبتَدَر / ووَقْعِ مَفْتولِ المرَر
بعِطْفِه عنه زَوَر / حتّى إذا الحادي نَعَر
طوَى بلاداً ونَشَر / إلى ذُرا مَلْكٍ أَغَر
إليه للخَلْقِ المَفَر / تَجْري يَداهُ بالبِدَر
جَرْيَ القضاء والقَدَر / وزيرُ صِدْقٍ مُذ وَزَر
أصبحَ للمُلْكِ وَزَر / نَهَى مُطاعاً وأَمَر
وساء مَن شاء وسَر / ونَفع النّاسَ وضَر
ذو سيرةٍ من السِّيَر / تُتلَى كما تُتلى السُّورَ
إن وتَر الدّهرُ ثأر / أو نُسِيَ العَهدُ ذَكَر
أو عَظُمَ الذَّنْبُ غَفَر / أو جَمَد النّوْءُ مَطَر
أو خفَّتِ الخَيلُ وقَر / مهما رأى الشّرَّ فَغَر
قام كريماً وصَبَر / وقال أمْرٌ قد قُدِر
وأرسَلَ الخَيلَ زُمَر / عَوابِساً معَ الغُرَر
نوافِضاً فيها العُذَر / تَصلَى إذا النّبْعُ انْأطَر
ناراً لها النَّبْلُ شَرَر / حتّى ثنَى البِيضَ كِسَر
وقَصَّرَ الضَّرْبُ قَصَر / بخَطْفِها المُلْكُ اسَتقَر
ورُبَّ نَفْعٍ في ضَرَر / يا مالكاً قدِ اقتَدَر
إليك منك الدَّهرُ فَرّ / فكُنْ مُقيلاً إن عَثَر
دهْرٌ جنَى ثُمَّ اعتَذَر / مُحَكَّماً فيما شَجَر
وماكِراً بمَنْ مكَر / لم يَبْقَ والبَغيُ غَرَر
باغٍ على البَغْيِ أصَر / أعلَن ذاكَ أو أسَر
إلاّ له اللهُ كَسَر / ولم يُغادِرْ مَن غَدَر
وفي الزّمانِ مُعتَبَر / إن كان فينا مُصطَبَر
فاصنَعْ صنيعَ مَن شكَر / مَن كفَر النُّعمَى كفَر
حاشا بَقاكَ المُختَبَر / يا بدْرَ مُلْكٍ لا استَسَر
ونجمَ عَدْلٍ لا انكَدَر / محا منَ الجَوْرِ الأَثَر
تَصحيفُها مِمّا استَمر / وكان فيها مُفتَخَر
على المَمالِكِ الأُخَر / فَصفّها منَ الكَدَر
وعُمَّ هاتيكَ الكُوَر / عَدْلاً إذا عَمَّ عَمَر
كم قائلٍ وما افتَكر / رَبُّ العبادِ ما فَطَر
في طَبْعِ نَوشَروانَ شَر / ولو مِنَ اسْمِهِ قَدَر
الشِّينَ والرّاءَ ستَر / عنِ الورَى إذا سطَر
قلتُ بِذا لا يُغْتَرَر / فهْو بعيد المُسْتَمَر
مُحْلٍ إذا شاءَ أَمَر / كالطّودِ ما لم يُستَثَر
واللّيثِ ما شاء خَدَر / غامدَ نابٍ وظُفُر
ثمّ إذا عادَى جَهَر / ولا يماشِيكَ الخَمَر
فلا قَرارٌ إن زَأَر / ولا بقاءٌ إن هَصَر
يا مُخجِلَ العَضْبِ الذَّكَر / من صَدْرِه رَأيٌ صَدَر
أطمعْتَ في الدَّهْرِ الظَّفَر / فلا تَعلّلْ بالعِذَر
ولا تَبِتْ على وَغَر / فلو وخَزْتَ بالإبَر
صارتْ رماحاً في الثُّغَر / يا حادِيَ العِيسِ أَثِر
أَسْرِ على السّعْدِ وسِر / إن مَسّك الدَّهْرُ بِضُر
فكَعبةَ الآمالِ زُر / فهْو مَطافُ كلِّ حُر
فاحجُجْ ذُراهُ واعتَمِر / بشَرفِ الدّينِ استَجِر
من حادثِ الدَّهْرِ يُجِر / مَولىً على النَّجمِ أَبَر
بفَضْلِه كلٌّ أَقَر / من آلِ كسْرَى في نَفَر
مثْلَ النّبِيِّ في مُضَر / نَمَوْهُ من أَزْكَى شَجَر
فطابَ فَرْعاً وطَهُر / آثارُه لِمَنْ أَثَر
كأنّها المِسْكُ ذَفَر / فَداهُ إنْ دَهْرٌ كَشَر
عن نابِ خَطْبٍ قد فَطَر / نِكْسٌ له القَلْبُ انفَطَر
مِن نُورِه الّذي بَهَر / وهل يُباري إنْ فَخَر
شمسَ الضُّحَى نجْمُ السّحر / سيفُ أَبي نَصْرٍ نَصَر
دينَ الهدى حتّى انتصَر / وللعدا طُرّاً قَهَر
سيفٌ له اللهُ شَهَر / دَمُ العدا به هَدَر
فاسلَمْ لنا من الغِير / في ظِلِّ عيشٍ لا انْحَسر
بَعيدِ وِردٍ مِنْ صَدَر / مَصونِ صَفْوٍ من كَدَر
يا مَن به العَدْلُ انتشَر / ومَن له الفَضْلُ اشْتَهَر
مادِحُه إذا نظَر / يُفرغُ في غَمْرٍ غُمَر
وعندَه الحظُّ وفَر / من كلِّ عِلمٍ يُستَطَر
نادى إليه وحشَر / آدِبُ فَضْلٍ ما انتقَر
عش ما بدا بَدْرٌ زهَر / وما به الليّلُ اعتَجَر
من غَيْثِ جُودٍ انهمَر / ولَيثِ بأسٍ استَعر
مُعطِي عطاءٍ قد غَمَر / أَصبح أَدناهُ البِدَر
مُبِرُّ رِفْدِ مَن شَعَر / وغاص فيه بالفِكَر
ثُمَّ سخا وما اقتَصَر / في كُلِّ بَدْوٍ وحَضَر
فكان كالبَحْرِ زَخَر / فَعَمَّ كُلاً بالمَطَر
وخَصَّ قوماً بالدُّرَر / ياجُودُ قَولاً مُعتَبَر
حقيقةً لم تُسَتعر / مِثْلُك ما كان ظَهَر
الجودُ في شَخْصِ بَشَر / يَمْلأُ عَيْنَيْ مَن نَظَر
واللّهُ مُبِدعُ الفِطَر / يا مُغْنِياً مَنِ افتقَر
وجابِراً مَنِ انكَسَر / عَصْرُك نِعمَ المُعْتَصَر
لَديك آمالي أُخَر / ولي معاشٌ مُحتَقَر
لو كان دَمْعاً ما قَطَر / فَضُمَّ من أَمري النّشَر
وازْجُرْ زماناً بي أَضَر / فلو زجرتَ لا نْزجَر
هل بعدَ هذا منتظَر / أم آن أن يُجنَى ثَمَر
من غَرْسِ وُدٍّ مُدَّخَر / هذا المَسيرُ يُبتَدَر
فهل لنا من مُدَّكَر / كُلٌّ بأُهْبَةِ السَّفَر
أضحَى كَفُوقٍ في وَتَر / وليس لي من مُقْتَدَر
لمَرْجِعٍ ولا مَمَر / فخاطِري على خَطَر
من خَوفِ ما فيه خَطَر / بالحِجْرِ منّي والحَجَر
يَمينُ بِرٍّ ما فَجَر / لو مُلِّكَتْ نَفْسي الخِيَر
كان ذُراكَ لي مَقَر / وكان للعَينِ أَقَر
فكن أحَقَّ مَن عَذَر / عبداً لعَهْدٍ ما خَفَر
سوى هواكَ ما ذَخَر / وغيرَ عَوْدٍ ما نَذَر
فمُرْ بأمْرٍ يُؤتَمَر / أَعِدْ إلى أَمْرِي نَظَر
وهاكَ من قَولي فِقَر / كأنّها الدُّرُّ انتثَر
من كُلِّ معنىً مُبتكَر / في كلِّ بَيتٍ مُختَصَر
كأنّه على القَدَر / يومُ السُّرورِ في العُمُر
حُسْناً وطِيباً وقِصَر / كعُمْرِ سِيدِ من مُضَر
لمّا شَكا قلبي هَوَى نَوارِ
لمّا شَكا قلبي هَوَى نَوارِ / وعارِضي كالصُّبحِ في الإسفارِ
والشَّعْرُ منها أَسودُ الشِّعار / كجُنْحِ ليلٍ جَدّ في اعْتِكار
مالتْ من الإنْسِ إلى النِّفار / وأصبحَتْ قاطعةَ المَزار
ولم تكد تَقرُبُ من دِياري / إلاّ طُروقاً بخيالٍ سار
وزادَهَمَّ قلبِها المُطار / إعسارُ شَيخٍ رافعِ الأستار
والجمْعُ بينَ الشّيبِ والإعسار / عند الدُّمَى ذَنْبٌ بلا اغْتِفار
ولا له يُصْغَي إلى اعتِذار / فكلّما لَطّفْتُ لاسْتِهْتاري
عُذْري غدَتْ تومي إلى عِذاري / فعندَ ذاك عَظُمَ افتِكاري
وشَبَّ في قلبي شُواظُ نار / وغلَبتْ حَيْرتِي اصْطِباري
لكنْ لمكْتومٍ منَ الأسْرار / وقَدَرٍ سَعْدٍ منَ الأقْدار
أقبلَ وفْدُ المِهْرجانِ الطّاري / مُعدِّلاً عند ذوي الأبصار
للَّيل والنّهارِ في المِقْدار / فَتَّم صُلْحٌ لا على إنكار
ما بين خَصَمْينِ ذَوَيْ أشجار / من ظُلَمٍ تَجْنى على أنوار
وحَكَم النّاسُ على استبْصار / أنّ استواءَ اللّيلِ والنّهار
قد كانَ بَعدَ ذلك الضِرّار / يَطرَحُ كَفَّ الفَلَكِ الدَّوّار
للشّمسِ في الميزانِ كالدّيِنار / فنَبّهتْني نظرةُ اعْتِبار
وعلَّمتْني شيمةَ المُدار / وهل فتىً في زمَنِ اضْطِرار
بعَجْزِه يَجْرِي ولا يُداري / إلى رُجوعِ زمَنِ اخْتِيار
فقُمْتُ مثلَ الأسَدِ المُثار / ولم أَزلْ بكَثْرةِ التَّدوار
والطّوفِ في الأنجادِ والأغْوار / والقَطْعِ للمَهامِهِ القِفار
مُستَبْضِعاً غُرّاً منَ الأشعار / وحامِلاً دُرّاً إلى بِحار
من خلفاء اللّهِ في الأمصار / أو السّلاطينِ ذَوي الأقطار
أو صاحبٍ قُدّمَ لاسْتِيزار / من كُلِّ نَهّاء الوَرى أمّار
حتّى رجَعْتُ ظاهرَ اليَسار / مُمتِليءَ اليمينِ واليَسار
فكم غَدوتُ وازِنَ النُّضار / ورُحْتُ منه قاضيَ الأوطار
ونلتُ وَصْلَ الكاعِبِ المِعطار / ومَفْرِقي منَ السّوادِ عار
والذّهَبُ المُذهِبُ للأفكار / فالحمدُ للهِ العزيزِ الجار
مُبدّلِ الإقلالِ بالأكثار / ثُمّ الصّلاةُ دائمُ الأدوار
منّا على نَبيِّه المُختار / مُحمدٍّ وآلِه الأخيار
هذا حديثُ قَطْعِيَ البراري / وجَرْيِ أحوالي على المَجاري
حتّى حطَطْتُ الفَقْرَ عن فَقاري / وسفَرتْ عنِ الغِنى أسفاري
فَكَرّ صَرْفُ دَهْريَ الكَرّار / وصار طَعْمُ العيشِ ذي الأطوار
من بَعْدِ إحلاءٍ إلى إمراء / ظِلُّ غنىً آذَنَ بانحسار
فاليوم عاد عائدُ الإقْتار / وما أظُنُّ جابِرَ انكساري
بعد رجائي نَفحاتِ الباري / سوى كريمِ النفْسِ والنِّجار
حَلاّلُ أعلَى قُلَلِ الفَخار / بَنانُه كالدّيمةِ المِدْرار
وشأنُه مَعونةُ الأحرار / مثْلُ رشيدِ الدّين في الكِبار
وقولُ مِثْلُ مُوجِبُ استِغْفاري / فما لَه مِثْلٌ ولا مُجار
وما لَهُ في فَضْلِه مُمار / طَوْدٌ من الأطوادِ ذو وَقار
مُسدَّدُ الإيرادِ والأصدار / عَزْمَتُه كالصّارمِ البَتّار
ورأْيُه زَنْدُ النّجاحِ الواري / إذا انتدَى للحَمِدِ في أيسار
يَضْرِبُ بالسَهْمَيْنِ في الأعشار / أخبارُه عظيمةُ الإكبار
وخَيْرُه مُصغَّر الأخبار / فبَحْرُهُ مُلتَطِمُ التّيّار
وقَطْرُه ما انفَكَّ في انْهِمار / قد زارَنا نَفْديهِ مِن زَوّار
وما قَرأْنا قَطُّ في الأسفار / وما سَمِعْنا قَطُّ في الأسمار
بكعبةٍ سارَتْ إلى الزُّوّار / ولم يَشُدّوا العِيسَ بالأكوار
يا مُحسِناً حمايةَ الذِّمار / اُذكُرْ مقُامي وهْو ذو اشْتِهار
يا غيْرَ محتاج إلى الإذْكار / بمِدَحِ جلَوْتُها أبكار
في مِعصَمْ العلياء كالسِّوار / كَدُرَرٍ يُصَنَّ أو دَرار
فقلْ لعاً إن ذلَّ ذو عِثار / ظامٍ يَعافُ الوِرْدَ للإسْآر
كم ذا أُواري هكذا أُواري / وأَطلُبُ الصّفْوَ منَ الأكدار
في قُرْبِ شَرٍّ طائرِ الشَّرار / وتُرْبِ أرضٍ مُنْبِتِ الأشرار
شُكْري لبَحْرِ جُودِكَ الزَخّار / إذ لا يزالُ طافِحَ الغِمار
وَقْفاً على الغُيّابِ والحُضّار / فأَجْرِ إدْراريَ وهْو جار
مادام حُسْنُ الرّأيِ منكَ جار / واسْمَعْ بديعَ مَدْحِيَ السّيّار
فالدُّرُّ منّى ثَمَنُ الإدرار / أَرْبِحْ بها من صَفْقةٍ للشّاري
يا طالعاً سَعْداً على الدِّيار / طُلوعَ غيثٍ مُسْبِلِ القِطار
قِطارُه تَهمى على الأقطار / وساعياً للنّفع لا الإضرار
وبَثُّ عَدْلٍ عامرُ الأمصار / عيونُها إليه في انتِظار
لا زلتَ نجماً عاليَ التَّسيار / وَحْدتُه تُغْنِي بلا أنصار
غَناءَ ألفِ عسكرٍ جَرّار / يَغدو غُدُوَّ الضّيغَم الهصّار
ما غاب عن غابٍ طَلوبُ ثار / إلاّ وعادَ ظافرَ الأظفار
عشْتَ لمُلْكٍ ثابتٍ القَرار / طويلَ عُمْرٍ طالَ في اقْتِدار
قصيرِ أيّامٍ مِن استِبشار / حتّى تَرى عُمْرَك في الأعمار
يُسمونَهُ الطّويلَ بالقِصار / دُمتَ تَزينُ المُلكَ بالآثار
ما زِينَتِ الرّياضُ بالأزهار /
أهكذا يَسْري القَمَرْ
أهكذا يَسْري القَمَرْ / واللّيلُ مُسوَدُّ الطُّرَرْ
لم يَجْلُ منه ما اعتكَر / ولم يَرَ النّاسُ أَثَر
لا بل هو الطّيْفُ عَبَر / مُنتقِباً وما سَفَر
فيتْرُكَ اللّيلَ أَغَرّ / ويَشْفيَ العينَ نَظَر
يا زائراً ولم يُزَر / دَلّس بُخْلاً بخفَر
ولم يَصِلْ حتّى هَجَر / وسبَقَ الوِرْدَ الصَّدر
وكان ظِلاًّ فانحَسَر / إلاّ بقايا مِن ذِكَر
تكْحَلُ عَيناً بسَهَر / فقُمْتُ والدَّمعُ درَر
أَكُفُّ منه ما بَدَر / وأكتُمُ الصّحْبَ الخَبر
ودوننا خافي الأثر / وليلُه إذا افتقَر
يَسوفُ أنفاسَ العُفُر / إلى شديدِ المُضْطَمر
مِن المَطيِّ المُدَّخَر / مُلِّكتُه مِلْكَ الظّفَر
فيه معَ العِتْقِ أَشَر / رعَى بأعلى ذي عُثَر
بين رياضٍ وغُدُر / أَوديةً حُوَّ السُّرَر
بها كَتَوشيع الحِبَر / أَوّلُ ما فاحَ الزَّهَر
فخاضَها على غَرَر / من القَنا بمُشتَجَر
يأخذُ نَبتاً ويَذَر / معَ الجواري بالخُضَر
عن نُطَفٍ فيها خَصَر / حتّى أتى وقد أَشِر
يَملأُ عينَيْ مَن نظَر / فيه على العيسِ الخِيَر
يَبعُدُ عنه في الحُضَر / بعدَ تماحٍ من أَثر
فإن نَشِطْنَ وفَتَر / بين صَفاءٍ وكَدَر
كألِفٍ بَيْنٍ سَطَر / فمَرّ كالظّبْيِ نَفر
أو لا فكالسّيلِ انحدَر / أو لا فكالنّجمِ انكَدَر
أو لا فكالوَهْمِ خَطَر / من وَقْعِ مَجْدولِ المِرَر
بعِطْفِه عنه زَوَر / حتّى إذا الحادي نَعر
وطالَ بالرَّكْبِ السّفَر / وجالَ بالنَّسْعِ الضُّمُر
ومال بالنَّفْسِ البَهَر / طَوى البلادَ ونَشَر
حتّى طرقْنا عن عَفَر / فِناءَ عزٍّ مُحْتَضَر
عند مليكٍ مقتَدِر / يَجْري نَداهُ في البَشَر
جَرْيَ القضاء والقَدَر / سامي العُلا عالي السُّرُر
نَزْرُ البُرَى جَمُّ القُدُر / إن وتَرَ الدَّهرُ ثَأَر
أو كُسِرَ العَظْمُ جَبَر / أو جمَدَ النَّوءُ مَطَر
أو خَفَّتِ الخيلُ وَقَر / لمّا رأى الإمْرَ احْتَضر
وأصبحَ العُسْرُ فَغَر / صابَرَ فيهِ وصَبَر
في قلّةٍ مِمّنْ نَصَر / حتّى ثنَى البِيضَ كِسَر
وحَلَّ هاماً ونثَر / وأَرسَلَ الخَيلَ زُمَر
عَوابِساً مَعَ الغُرَر / وهُنَّ ينفُضْنَ الغُدَر
صوابِراً تحت صُبُر / تَصلَى إذا الرَّوعُ استَعَر
ناراً لها النَّبْلُ شَرَر / يومٌ أَغرُّ مُشتَهر
ألّفَ للمَلْكِ الأغَرّ / بينَ المُرادِ والظّفَر
يا سَيفَهُ إذا انتصَر / وغَوْثَه إذا اعتَصر
ومجْدَه إذا افتخَر / أنت الوزيرُ والوَزَر
ومَن سِواكَ مُحتقَر / وهل يُداني في الخَطَر
شمسَ ضُحىً نَجْمُ سَحَر / ما للعدُوِّ لا نُصِر
يَرُدُّ أمراً قد قُدِر / كما يَلُحُّ من قُمِر
تَعْساً له إذا استَمر / ولا لَعاً إذا عَثَر
مُرِ الزّمانَ يأتَمِر / ولا تُضِعْ فيه الغُرَر
وأنتَ مَيمونٌ ظَفَر / فلو وخَزْتَ بالإبَر
صارتْ رماحاً في الثُّغَر / فنَلْ بها القومَ الغُدُر
فهنّ يَنزَعْنَ الوَحَر / من كلِّ صَدْرٍ قد وَغَر
يا مَن إذا شاءَ قَدَر / ومَن إذا أعطَى ابتَدَر
حتّى إذا سِيلَ اعتَذَر / حتّى إذا زادَ شَكَر
ليس النّدى وإنْ غَمُر / وكان أَدناهُ بِدَر
بمُعْقِبٍ حُسْنَ أَثَر / ما لم يكُنْ إذا انهَمَر
أَنْفَسُه لِمَنْ شَعَر / وغاصَ فيه بالفِكَر
وقِسْمُه الأَدنَى خَطَر / نَصْباً لكلِّ مَن حَضَر
أما تَرى البحرَ زَخَر / فعَمَّ كلاً بالمَطَر
وخَصَّ قَوماً بالدُّرَر / مُؤيَّدُ المُلْكِ وَزَر
فما عدا هذا هَذَر / مِمّا جنَى دَهْرٌ غِرَر
كلُّ الذّنوبِ تُغتفَر / إذا بعلياهُ اعتَذر
أبدَع في حُسْنِ السِّيَر / فيما نهَى وما أَمَر
فقيلَ قولٌ قد ذُكِر / فاقَ أبو بَكْرٍ عُمَر
إن لم يَفُقْهُ لم يُضَر / فقد تَساوَى المُختَبر
يا مَن إذا الفَحْلُ هَدَر / مِن يَمَنٍ أو مِن مُضَر
إلاّ النّبيَّ والعِتَر / أَقبلَ لا يَمْشي الخَمَر
فطالَ فَخْرُ مَن فَخَر / وطاب عند مَن خَبَر
طبْعاً ونَفْساً ونَفَر / هَناكَ ما شِئتَ العُمُر
ودُمتَ ما حَنَّ الوَتَر / ونلْتَ في العِزِّ الوَطَر
أَنطْتَ مُلْكاً فَطَهُر / من بَينِ أحشاءِ الغِيَر
بجِدِّ بِيضٍ وسُمُر / فكن رَبيطَ المُصطَبَر
إن طَرقَتْ فيه فِكَر / كُلُّ قَليبٍ مُحتَفَر
أَوّلُه كان كَدَر / ثُمّ صفا على الأَثَر
كفاكَ مِن قَوْلي فِقَر / من كُلِّ معنىً مُبتكَر
في كلِّ بيتٍ مُخْتَصَر / كأنّه على القَدَر
يومٌ سُرورٍ من عُمُر / حُسْناً وطِيباً وقِصَر

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025