القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مِهْيار الدَّيْلمِي الكل
المجموع : 8
ترنَّمتْ ترنُّم الأسيرِ
ترنَّمتْ ترنُّم الأسيرِ / وَرْقَاءُ فوقَ وَرَقٍ نضيرِ
تنطِقُ عن قلبٍ لها مكسورِ / كأنها تُخبِرُ عن ضميري
لبَّيكِ يا حزينةَ الصفيرِ / إِن استجرتِ فبمستجيرِ
مثلكِ في تبلُّدِ المهجورِ / قَصَّ جَناحي زمني فطيري
لكِ الخيارُ أنجدي أو غوري / وحيثما صار هواكِ صيري
وإن أردتِ الأمنَ أن تجوري / فيمِّمي بغدادَ ثمَّ سِيري
أو حَوِّمي بربعها المعمورِ / مذ غاب فيه قمري بالنورِ
عسى تقولين لأهل الحُورِ / وَاوَحْشتِي بعدك للسرورِ
بالغَور ما شاء المطايا والمطرْ
بالغَور ما شاء المطايا والمطرْ / بَقلٌ ثخينٌ ونميرٌ منهمِرْ
وسرحةٌ ضاحكةٌ وبانةٌ / غنَّى الربيعُ شأنَها قبلَ السَّحَرْ
وَأَثرٌ من ظاعنينَ أَحمدوا / من عيشهم على الأُثَيلاتِ الأَثَرْ
فَراخِ من حبالها وخلِّها / تأخذُ من هذا اللُّبَاخِ وتَذرْ
كم المنى تُرعَى له وكم تُرَى / يُمسِك من أرماقها رجعُ الجِرَرْ
أَمَا تُجَمُّ لمساقطٍ لها / يطرحُهنّ بالفلا طول السفَرْ
اللّهَ فيها إنها طُرْق العلا / وعُدَّةُ المرء لخيرٍ ولشرّْ
ظهورُها العزُّ وفي بطونها / كنزٌ لليل الطارقين مدَّخَرْ
نعم لقد طاولها مِطالُنا / وحان أن يُعقِبَها الصبرُ الظفَرْ
فالغورَ يا راكبها الغورَ إذنْ / إنْ صدق الرائدُ في هذا الخبرْ
لسًّا وخضماً أو يعودَ تامكاً / الغاربُ التامكُ والجنْب المُعَرْ
وإن حننتَ للحمى وروضِهِ / فبالغضا ماءٌ وروضاتٌ أُخَرْ
هل نجدُ إلا منزلٌ مفارَقٌ / ووطنٌ في غيره يُقضى الوطَرْ
وحاجةٌ كامنةٌ بين الحشا / والصدر إن ينبِضْ لها البرقُ تُنِرْ
يا دِين قلبي من صَباً نجديّةٍ / تجري بأنفاس العِشاءِ والسَّحَرْ
إذا نَسيتُ أو تناسيتُ جَنَتْ / عليَّ بالغور جناياتُ الذِّكَرْ
آهِ لتلك الأوجهِ البيضِ على / رامَة في تلك القُبَيْباتِ الحُمُرْ
ينزو بجنبيّ متى غنَّى بها / قلبٌ متى ما شربَ الذكرى سَكِرْ
كنّا وكانت والليالي رطبةٌ / بوصلنا والدهرُ مقبولُ الغِيَرْ
أيّام لا تُدفع في صدري يدٌ / ولا يُطاع بي أميرٌ إن أمَرْ
وعاطفُ العيون لي وشافعي / ذنبي إليها اليومَ من هذا الشَّعَرْ
وَسْماً رجعتُ مهمِلاً غَفلاتِه / إذا البهامُ نصَّعَتهنَّ الغُرَرْ
ما خِيلَ لي أن الدراري قبله / يُنكرها ساري الظلام المعتكِرْ
قالوا تجمَّلتَ بها غديرةً / مَردَعةً عن الخنا ومُزدَجَرْ
رُدُّوا سفاهي وخذوا وقارَها / بَيْعَ الرضا وندَماً لمن خَسِرْ
رحتُ بها بين البيوتِ أَزوراً / موارياً شخصِيَ من غيرِ خَفَرْ
أحملُ منها بقلةً ذاويةً / بالعيش كانت أمسِ ريحانَ العُمُرْ
يا قَصُرتْ يدُ الزمان شدَّ ما / تطول في ثَلْمي وفي نقضِ المِرَرْ
عَصاً شظايَا ومشيبٌ عَنِتٌ / ومنزلٌ نابٍ وأحبابٌ غُدُرْ
وصاحبٌ كالداء إن أبديتُهُ / عَوَّرَ وهو قاتل إذا أُسِرْ
أحملُه حَملَ الشَّغا نقيصةً / وقلَّةً ما زاد أَلّاً وكثُرْ
يُبرزه النفاقُ لي في حُلَّةٍ / حبيرةٍ من تحتها جِلدُ نَمِرْ
مبتسمٌ والشرُّ في حِملاقِهِ / خَفْ كيف شئت أرقماً إذا كَشرْ
لأنفضنَّ الناسَ عن ظهري كما / قَطَّرَ بالراكبِ مجلوبٌ عُقِرْ
فَرْداً شِعاري لا مساسَ بينهم / منفَرَدَ الليثِ وإن شئتَ القَمرْ
نفسي حبيبي وأخي تقنُّعي / وربّما طرَّفَتِ الدنيا بحُرّْ
إن يكُ يأسٌ فعسى غائبةٌ / تَظهرُ والنارُ كمينٌ في الحجرْ
قد بشَّرتني بكريم هَبَّةٌ / بمثلها ريحُ الجَنوبِ لم تَثُرْ
تقول لي بصوتها الأعلى ضُحىً / وبالنسيم في الدُّجى الحلوِ العَطِرْ
إنَّ فَتَى مَيسانَ دون دارهِ / قد بَقِيَ المجدُ وحيداً وغَبَرْ
يعرفُ ما قد أنكر الناسُ من ال / فضل ويُحيي في العلا ما قد دَثَرْ
وأنه جرى بخيرٍ ذكرُهُ / حنّ وقد عُرِّض باسمي وذُكِرْ
وعَلِقَتْ بقلبه ناشطةٌ / مرَّت عليه من بُنَيَّاتِ الفِكَرْ
فمن هو الراكبُ ملساءَ القَرا / مُصْمَتَة الظهر ببطنٍ منقعِرْ
رفِّعْ ذُناباها وخفِّضْ صدرَها / مُشرِفةَ الحاركِ وقَصاءَ القَصَرْ
تحدو بها أربعةٌ خاطفةٌ / تُنحى عليها أربعٌ منها أُخَرْ
إذا المطايا خِفنَ إِظماءَ السُرى / فربُّها من شَرَقٍ على حذَرْ
يعدُّ أبراجَ السماء عَنَقاً / في مثلها تصعُّداً ومنحدَرْ
يرفَعُ عنها حدَبَ الموج إذا اس / تنَّتْ صناعُ الرِّجْل في خوضِ الغَمَرْ
لو لم يلاطفها على اعتسافه / بخُدعةٍ من اللِّيان لم تسِرْ
اِسلَمْ وسِرْ وليس إلا سالماً / مَن راح في حاجةِ مثلي أو بَكَرْ
قُلْ لأبي القاسم يا أكرمَ مَنْ / طُوِي إليه دَرْجُ أرضٍ أو نُشِرْ
وخيرَ من مُوطِلَ جفنٌ بكرىً / في مدحه فلم يضِعْ فيه السَّهرْ
وابنَ الذي قيل إذا ولَّى عن ال / دنيا تولَّتْ بعده على الأثَرْ
واستشرفَ الملوكُ من عطائه / والخلفاءُ ما استعَزَّ واحتقرْ
ومَنْ تكونُ الكَرَجُ الدنيا بأن / أُوطنَها وعِجْلُ ساداتِ البَشَرْ
لو لم يكن إلا ابنُ عيسى لكُمُ / فخراً كفى ملء لسان المفتخِرْ
ساقِي العوالي من دمٍ ما رَوِيَتْ / وعاقرُ البُدْنِ وعاقِرُ البِدَرْ
ناصبتم الشمسَ بحدِّ سيفه / ودستُمُ بسيعه حدَّ القَمرْ
وصارت الشمسُ تُسمِّيكم به / أنجادَ عدنانَ وأجوادَ مُضَرْ
مضى وبقَّى سؤرة المجد لكم / ملآى إذ ما شرب الناس السُّؤَرْ
لكرماءَ التقموا طريقَهَ / وألَّقوا بينهُمُ تلك السِّيَرْ
وشغَلوا مكانَهُ من بَعده / كالشمس سدَّ جوَّها الشُّهبُ الزُّهُرْ
زكيَّة طينتُهم حديدة / شوكتُهم طاب حصاهم وكثُرْ
لا يتمشَّون الضَّرَاء غيلةً / لجارِهم ولا يدِبُّون الخَمَرْ
كلُّ غلام ذاهبٌ بنفسه / مع العَلاء إن بدا وإن حضَرْ
إمَّا زعيمُ فيلقٍ يطرحهم / في لَهَواتِ الظلم حتى ينتصرْ
مغامرٌ مسلَّطٌ بسيفه / على الردى منتصِفٌ من القَدَرْ
أو تاركٌ لفضله من دِينه / ما عزَّ من سلطانِهِ وما قَهَرْ
عفَّ عن الدنيا وقد تزخرفتْ / ممكنةً وعافها وقد قَدَرْ
محكَّمٌ في الناس يقضِي بينهم / بمُحكَم الآي ومنصوصِ السُّوَرْ
فكلّكم إمّا ابن عزٍّ حاضرٍ / بسبقه أو ابن عزٍّ مدَّخَرْ
وحسبُكم شهادةً لقاسمٍ / مجدُ أبي القاسم عيناً بأثَرْ
حدَّثَ عنه مثلَ ما تحدَّثتْ / عن كرم الأغصانِ حَلواءُ الثَّمرْ
مواهبٌ في هبةِ اللّه لكم / أوفَى بها على مناكم وأبَرّْ
يا مسلفي تبرُّعاً من ودِّه / سلافةَ الخمرِ ووسمِيَّ المطَرْ
ومُنزِلي من شُرُفاتِ رأيه / مكانَ ينحطُّ السُهَى وينحدِرْ
لبيّك قد أسمعتني وإن يغبْ / سمعِيَ عنك ففؤادي قد حضَرْ
عوائدٌ من الكرامِ عاد لي / ميِّتُهن بعلاك ونُشِرْ
كم فيّ من جُرحٍ قد التحمتَهُ / بها ومن كَسرٍ عَصَبتَ فُجبِرْ
ملكتَ رقِّي وهواي فاحتكِمْ / مِلكَ اليمين لم أَهَبْ ولم أُعِرْ
لَثمتُ ما خطَّت يدُ الكاتب مِن / وصفِكَ لي لثمَ المطيفين الحجَرْ
وقلتُ يا كامنَ شوقي ثُرْ ويا / قلبِيَ إمَّا واقعاً كنتَ فَطِرْ
ويا ظَمائي هذه شريعةٌ / يدعو إليها الواردين من صَدَرْ
فلو علِقتُ بجناحِ نهضةٍ / حوَّمَ بي عليك سعيٌ مبتدَرْ
ولرأيتَ معَ فرط حشمتي / وجهي عليك طالعاً قبلَ خَبَرْ
لكنَّها عزيمةٌ معقولةٌ / تئنُّ من ضغط الخطوبِ والغِيَرْ
وهمةٌ عاليةٌ يحطُّها / أسْرُ القضاء لا يفكُّ من أَسَرْ
وربّما تلتفتُ الأيّام عن / لجاجها أو يُقلعُ الدهرُ المُصِرّْ
وإن أُقمْ فسائراتٌ شرَّدٌ / يَزُرن عنّي أبداً من لم أَزُرْ
قواطعٌ إذا الجيادُ حَبَسَتْ / إليك أمراسَ الحبالِ والعُذرْ
كلُّ ركوبٍ رأسَها إلى المدى / لم تزجُر الطيرَ ولمَّا تستشِرْ
نهارُها مختلطٌ بليلها / ترمِي العشيّاتُ بها على البُكَرْ
تحمِلُ من مدحكُمُ بضائعاً / يمسي الغبينَ في سواها من تَجَرْ
كأنَّما حلَّ اليمانون بها / عِطارَ دارين وأفوافَ هَجَرْ
لم يمضِ من قبلي فمٌ لأُذُنٍ / بمثلهِنّ مُوعَباً ولم يَطِرْ
سلَّمها فحولُ هذا الشعر لي / ضرورةً ما سلَّموها عن خِيَرْ
شُهْدٌ لمن أحبَّكم وأَقِطٌ / وفي أعاديكم سِمامٌ وصَبِرْ
لتعلموا أن قد أصاب طَوْلَكم / مَن عرفَ النعمةَ فيه فَشَكرْ
ما ليلتي على أُقُرْ
ما ليلتي على أُقُرْ / إلا البكاءُ والسهرْ
بتُّ أظنّ الصبحَ بال / عادة مما ينسفرْ
أرقبُ من نجومها / زوالَ أمرٍ مستقِرّْ
رواكدٌ كأنما / أفلاكهنّ لم تدُرْ
وكلّما قلت انطوى / شطرٌ من الليل انتشرْ
أسألها أين الكرى / أينَ النهارُ المنتظَرْ
وكلُّ شيء عندَها / إلا الرقاد والسَّحَرْ
من مخبري فما أرى / هل دام ليلٌ فاستمَرّْ
وغابت الشمسُ نعم / فكيف خُلِّد القمرْ
أين الأُلى طرَّحهم / مَطارحَ البين الحذَرْ
غابوا وما غابت لهم / دارٌ ولا جَدَّ سَفَرْ
لكن عيون الكاشحي / نَ الشُّزْرُ منها والخُزُرْ
ما برِحتْ لا نَظَرتْ / تمنعنا حتى النظَرْ
تطلّعوا نارَ الجوى / في القلب كيف تستعرْ
وما الذي تبعثه / على الجوانح الذِّكَرْ
وأيّ نارٍ للفؤا / د فيهِمُ عند البصرْ
غنَّى بهيفاءَ الرِّفا / قُ والكؤوسُ لم تدُرْ
فكلّ صاحٍ انتشى / وكلّ نشوانَ سكِرْ
كأنما قلبي لها / في صدر كلّ من حضرْ
فظِلتُ أبكي مثلما / أشربُ أدمعاً حُمُرْ
كأنّ ماءَ قدحي / من بين جفنيَّ عُصِرْ
قال الرسولُ عتبتْ / هيفاءُ قلت ما الخبرْ
قال تقول ملَّنا / قلت الملولُ من غدَر
لا والذي لو شاء أن / يُنصِفني منها قَدَرْ
ما خُدِعتْ بغيرها / عيني على حُسن الصورْ
بَلَى ولا أُنكرهُ / وليس بالأمر النُّكُرْ
لقد رأيتُ البان من / ذي العلَمين والسَّمُرْ
تضربه ريحُ الصَّبا / فيستوي وينأطِرْ
فملتُ تشبيهاً بها / آخُذُ ضمّاً وأذَرْ
فإن رأت ذلك ذن / باً إنني لمعتذِرْ
يا يومَ دبَّ بيننا / أمرُ الفراق ما أمرّْ
ما كنتَ في الأيامِ إل / لا عارضاً يَنطُفُ شرّْ
قد عيَّفتك الطيرُ لي / لكنّ قلبي ما زجَرْ
ولائمٍ مُدّتْ له / حبائلُ اللوم فجرّْ
رأى هَناتٍ فنهى / غيرَ مطاع وأمرْ
قال فَرُدَّ صاغراً / أغزَلٌ مع الكِبَرْ
وأيُّما عَلاقةٍ / بين الغرامِ والعُمُرْ
وأين إطرابُ النفو / س مع أصابيغ الشَّعَرْ
رب شبابٍ ليلُهُ / يصبح تنعاه الأُزُرُ
وشَيبِ رأسٍ ذنبُه / في الحُظُوات مغتفَرْ
حلفتُ بالشُّعث الوفو / د زُمَراً على زُمَرْ
يَرَون ظَلْماً بارداً / بلثم ذلك الحجرْ
ومن دعا ومن سعى / واستنّ سبعاً وجَمَرْ
وسَوْقهم مثلَ الحصو / نِ مُرِّدت إلا المَدرْ
توامكاً ممطورةً / أعشابُها وقتَ المطرْ
جاءوا بها مجتهدي / ن تُفْتَلَى وتُختَبَرْ
لكلِّ مُهْدٍ نسكَهُ / أنفسَ ماليْه نَحَرْ
أن بني عبد الرحي / م نِعْمَ كنزُ المدَّخرْ
وخير من سُدّت به / يومَ الملمَّاتِ الثُّغَرْ
المطعمون الهَبْرَ وال / عامُ عبوسٌ مقشَعِرّْ
وصبيةُ الحيّ تُدا / ري الإبلَ عن فضل الجُزُرْ
والريحُ لا تلوي بأك / سار البيوت والجُدُرْ
وتحسب الفائز من / ها مُلقِمَ البطنِ الحجرْ
والمانعين الجار لو / زُحزِح عنهم لم يُجَرْ
حتى يعزّ فيهِمُ / عزَّ تميمٍ في مضَرْ
من بعد ما صاح به ال / موتُ استمت فلا وَزَرْ
والواهبون بُسِطَ ال / رزقُ عليهم أو قُدِرْ
لا يحسبون معطياً / أعطى إذا لم يفتقرْ
لهم حياض الجود وال / سودَدِ فَعْماً وغَزَرْ
تُخلَى لهم جُمّاتُها / وبعدُ للناس السُّؤرْ
أبناءُ مجدٍ نقلو / ه أثراً بعد أَثَرْ
رواية يُسندها / باقيهُمُ عمّن غَبرْ
يُنصَرُ عنها القولُ بال / فعلِ فيسلم الخبَرْ
طابوا حياةً مثلما / طابوا عِظاماً وحُفَرْ
تساهموا أُفْق العلا / تساهمَ الشهبِ الزُّهُرْ
كأنهم في أوجه ال / دنيا البهيمات غُرَرْ
فانتظموا نظمَ القنا / إلا الوصومَ والخَوَرْ
من هبة اللّه إلى / سابورَ فخرٌ مستمِرّْ
قِسْ خبري عنهم إلى / أبي المعالي واعتبِرْ
تر العروقَ الزاكيا / تِ من شُفَافاتِ الثَّمرْ
المشتري الحمدَ الربي / حَ لا يبالي ما خسِرْ
والطَّلْقُ حتى ما تبي / ن عُسرةٌ من اليُسُرْ
تكرع من أخلاقه / في سلسلٍ عذبِ الغُدُرْ
لم يُبقِ راووقُ الصبا / قذىً به ولا كدَرْ
ثمَّ فحلَّتْ أربعي / نَ عشرةٌ من العُمُرْ
وفاتَ أحلامَ الكهو / ل وهو في سنّ الغَمَرْ
وأبصر اليومَ غداً / فلم يَرِدْ إلا صدرْ
لا ضامه الخوفُ ولا / أطغاه في الأمن البَطَرْ
على نداه باعث / من نفسه لا يُقتسَرْ
إذا أحسَّ فترةً / لجَّ عليها ونفَرْ
لا يُخلفُ الظنَّ ولا / يَلقَى الحقوقَ بالعُذُرْ
علقتُ من ودّك بال / مُستحصِفِ المَثنى المِرَرْ
أملسَ لا تسحله / بالغدر كفُّ المنتسِرْ
وكنتَ من حيثَ اقتُرح / تَ وأبى قومٌ أُخَرْ
تُعطي على الخِفّة ما / يُعطُون والضَّرعُ دِرَرْ
والخير من مالك لي / وإن وَفَى وإن كثُرْ
محبة ما فَوَّزتْ / نفسيَ منها في غَرَرْ
فما أطيرُ بأخٍ / محلِّقاً ما لم تطِرْ
ولا يُنَزِّي كبدِي / إذا وصلتَ مَن هَجَرْ
فابق على وَغرْ الحسو / د نجوةً من الغِيَرْ
ترعاك عينُ اللّه لي / من شرّ أعين البشرْ
ما ذيَّل النيروزُ في / ثوبِ الرياض وخَطَرْ
وكرَّ عامٌ مقبلٌ / وابق إلى أن لا يَكُرّْ
واسمع لها تُهدِي إلى ال / عرِض الغنى وهو فُقُرْ
تضُوع في الناس بها / نوافجٌ لُسْنُ السُّرَرْ
سَلَّمَت الريحُ لها / شرطَ الرواح والبَكَرْ
كما تمطَّت بالخُزا / مَى لك أرواحُ السحَرْ
فهي بكم معقولةٌ / وهي شرودٌ لا تَقرّْ
إذا بناتُ شاعرٍ / أُنِّثنَ أو كُنَّ عُقُرْ
فكلُّ بنتٍ ولَدتْ / في مدحكم منّي ذَكَرْ
ترى حسودي حاضراً / يُنشِدُ وهو يحتضرْ
تعجيله عن نفسه / سابقةً أمرَ القدَرْ
يُصغِي لها وودُّه / لو كان من قبلُ وَقَرْ
تمُدُّ بالآذان والمناخِرِ
تمُدُّ بالآذان والمناخِرِ / لحاجرٍ ومَن لها بحاجرِ
تغرُّها منه أحاديثُ الصَّبا / ولامعاتٌ في السحابِ الباكرِ
وأعينٌ موكَّلاتٌ بالحمى / من مستقيم اللحظ أو مُخازرِ
تودّ لو أنَّ ثراه عوضٌ / من دمعها يُستافُ بالمحاجرِ
أرضٌ بها السابغ من ربيعها / وشوقُها المكنونُ في الضمائرِ
مَشاربٌ تُخرّ تحتَ سُوقِها / وعُشُبٌ يضفو على المَشافرِ
وحيثُ دبَّت ورَبَتْ فِصالُها / وبَرَكَتْ تَفحصُ بالكراكرِ
وأَمِنتْ ساربةً سروحُها / شَلَّةَ كلِّ طاردٍ مُغاوِرِ
تمنعُها سيوفُ بَكرٍ أن ترى / بؤساً وتحميها رماحُ عامرِ
فهل لها وهل لمن تحملهُ / من عائفٍ بحاجرٍ أو زاجرِ
سارت يميناً والغرامُ شأمةٌ / ياسِرْ بها ياابنَ رَواحٍ ياسرِ
فإنّها من حبّها نجداً ترى / بكُثُبِ الغور شِفارَ الجازِرِ
وبالحمى أفئدةٌ من شجوها / خاليةٌ سالمةُ الضمائرِ
وأعينٌ تحسبها قريرةً / نائمةً عن أعينٍ سواهرِ
يرمين كلَّ ساهرٍ بمزعجٍ / وكلَّ مجبورِ الحشا بكاسرِ
كفَّلَهنَّ السُّقْمُ بقلوبنا / فكلُّ قلبٍ في ضَمانِ ناظرِ
يا ليت شعري والمنى تعلَّةٌ / هل بِمنىً لعهدنا من ذاكرِ
أم هل على بعد النوى إلى التي / لها الهوى من راكبٍ مخاطرِ
لعلّه يحمل من سلامنا / نُخبةَ زادِ الرجُلِ المسافرِ
ألوكةً خفّت ومن ورائها / بلابِلٌ تُعقَرُ بالأباعرِ
إذا رأيتَ الشمسَ في أترابها / فاحبس وقُلْ عنِّيَ غيرَ صاغرِ
اللّهَ يا ذات اللمىَ في أدمعٍ / فوائرٍ وأدمع فواترِ
وفي عهودٍ كُتْبُها مبلولةٌ / وهي لديك في النسيِّ الداثِرِ
فإنّ من دينِكُمُ في يَعرُبٍ / أن تأنفوا من الذمام الفاجرِ
وفي الضيوفِ الغرباءِ عندكم / قلبٌ يضامُ ماله من ناصرِ
فقرِّبوا صحبتَه واحتفظوا / فيه بحقّ البائع المهاجرِ
إما قِرَى النادي الكريم أو فَرُد / دوه على أربابه بالخاطرِ
أكلّ كفٍّ ظفِرت لئيمةٌ / وكلُّ عقْدٍ في بنانِ غادرِ
من لك بالناس ولا ناسٌ همُ / إلا كلامُ المُحرِجِ المكاشِرِ
نفسَك صُنْ ليس أخوك غيرَها / فقالل الناسَ ولا تكاثِرِ
واعلم بأنّ عزَّها قُنوعُها / برزقها الميسورِ في المَعاسرِ
وإن وصلتَ أو سألتَ فأخاً / صَحَّ على التجريب والمَخابرِ
أخاً ترى لوجهه قبلَ الجدا / أسرّةً تلقاك بالبشائرِ
مثلَ ابن أيّوبَ وأين مثلهُ / مُثِّلَ للأشباهِ والنظائرِ
من طينة المجد التي فروعُها / تُنيبك عن طهارة العناصرِ
الطّيّبين أنفساً باقيةً / وأرمُساً في ظُلَم الحفائرِ
يدلّك المجدُ على الأوائل ال / ماضين منهم بعلا الأواخرِ
داسوا ثرى المجد القديم ومشَوا / خَطْراً على خدّ الزمان الغابرِ
وأنطقوا بالخُرسِ من أقلامهم / ألسنةَ الدسوتِ والمنابرِ
كلّ كريم لاسمه في مجدها / مالأسانيد الحديث السائرِ
ولابنه من بعده ما يرث ال / شُبولُ في الغاب عن القَساورِ
شهادةٌ صدَّقَها محمدٌ / صِدقَ الربى عن الغمام الماطرِ
قامَ فأدَّى ثم مرَّ زائداً / تجاوزَ الذراع شبرَ الشابرِ
قضَى له قاضي السماح والندَى / يومَ تحورُ حجَّةُ المفاخرِ
قضيَّةٌ شَقّت على الهضبة من / رضوَى وأزرت بالفُرات الزاخرِ
رأى الكمالَ حِلَّةً فاحتلَّها / وربعُها مقوٍ بغيرِ عامرِ
ونهض الفضلُ له في مَزلَقٍ / مُسَنَّمٍ يُكسَرُ بالعوابرِ
جرى ففاتَ والعلا من خلفِهِ / تقول قاصِرْ من خطاك قاصرِ
حتى أرانا العجز في قولِهِمُ / طالب شأوِ المجدِ غيرُ ظافرِ
للّه أنتَ من جَمالٍ ظاهرٍ / وَخُلُقٍ صافي الغدير طاهرِ
وعدّةٍ ليوم لا يُغني أخا ال / حاجة إلا أنفَسُ الذخائرِ
عهدٌ كَملْمومِ الصفاةِ مُتعِبٌ / جانبُها لن يُبتغَى لفاطرِ
وخُلَّةٌ لا يَهتَدِي لنَقْضِها / على الزمان ناقضُ المرائرِ
أحرزَ من كنتَ وراءَ ظهرِهِ / حِصْناً له من جولة الدوائرِ
يحسدك الناسُ وأيّ عاجزٍ / لم تُدوِهِ شَقاوةٌ بقادرِ
وإنني معْ بُغض كلِّ حاسدٍ / أقضي لحسّادِك بالمَعاذرِ
يَفديك كلُّ ساكتٍ مُدامجٍ / بُغلَّةٍ وبائحٍ مُظاهرِ
وشامتٍ إن رُفعت لعينه / صَيفِيَّةٌ من السحاب العابرِ
جهامةٌ يفتحُ فاهُ نحوَها / يحسبها جهلاً من المواطرِ
يسرّه العاجلُ من أظلالها / وهي غداً مهتوكةُ الستائرِ
وربّما عادت بذي حَواصِبٍ / عليه واجتاحت وذي صَراصرِ
كمن جنى البغيُ على أمثاله / من غامطٍ نعماءَكم وكافرِ
وأنتُمُ في معزِلٍ من شرِّها / وجانبٍ من النجاءِ وافرِ
عوائدٌ للّه فيكم ضَمِنَتْ / لَمَّ الشتيتِ وجُبورَ الكاسرِ
كم مثلها قد غَلِط الدهرُ بها / ثُمّتَ لاذَ منكُمُ بغافرِ
دَجَتْ ولكن أقشعتْ عن أنفُسٍ / سواكنٍ وأعينٍ قرائرِ
وكم تعيَّفتُ لكم سُفورَها / من قبل أن يبرُزَ وجهُ السافرِ
فَلم تُكَذَّبْ فيكُمُ زاجرَتي / قطُّ ولا خُيِّبَ يُمنُ طائري
فانتظِروها ويدي رهنٌ بها / فربّما كانت كرجعِ الناظرِ
بك استجابَ الدهرُ لي ودعوتي / تجولُ منه حولَ سمعٍ واقرِ
وأبصرَ الحظُّ الطريقَ فاهتدى / إليّ وهو أبلهُ البصائرِ
حصَّنتَ وجهي وحقَنتَ ماءَه / فليس مذ حقنتَه بقاطرِ
ولم تدَعْ لي منذ أَولَدتَ المنى / مَشقّةً إلى لِقاح العاقرِ
كم أربٍ كنت إليه سببي / فتلتَه بمُحصَد المرائرِ
وخَلَّةٍ أعضلني شفاؤها / شفيتني من دائها المخامرِ
ملَكْتَني مِلكَ الوفاءِ بيدٍ / تطلبُ بعضي فتحوزُ سائري
فصار يُرضيني بما ترضاه لي / منذ عرفتُ نافعي من ضائري
فلا تُخِفْ فيك الليالي جانبي / بقاصدِ السهمِ ولا بغائرِ
ولا يزلْ عزُّك لي ذخيرةً / لأوّلٍ من عيشتي وآخرِ
ما لاح صبح بضُحىً أضاء لي / وشوَّقَ الواردَ رِيُّ الصادرِ
وحَسَر النيروزُ من قناعه / طلعتَهُ على الربيع الناضرِ
وزاركم يرفلُ في وشائعٍ / من حُلَلِ الروضِ وفي حَبائرِ
بكلّ عذراءَ لها في خِدرِها / صرامةً ما للهصورِ الخادرِ
حاطمةٍ تُنحي على مَعاشرٍ / وتُحفةٍ تُهدَى إلى مَعاشرِ
إِقذاعُها على عِداكم ولكم / منها يدُ الراضي ولفظُ الشاكرِ
تَطرَبُ للحادي إذا غنَّى بها / فيكم وتستقصرُ ليلَ السامرِ
كأنهم لم يسمعوا من قبلكم / في ماجدٍ مقالةً من شاعرِ
هَوَّنَ في الليل عليها الغَرَرَا
هَوَّنَ في الليل عليها الغَرَرَا / أنّ العُلا مقيَّداتٌ بالسُّرى
فركِّبَتْ بسُوقِها رؤوسُها / حتى تخيَّلنا الحجولَ الغُرَرا
تحسبها عَجرفَةً ووَرَهاً / فيما ترى خابِطةً ليستْ تَرَى
تنضى النهارَ شَمْلةً جَونِيَّةً / وتَلبَسُ الليلَ رِداءً أخضرا
ترى بما تُجهِض من سِخالها / لحماً مَضيغاً ودماءً هَدَرا
علَّمها النومُ على رِباطِها / ذليلةً أن تَستطيبَ السَهرا
كلُّ ابن ذات أربعٍ تحسبه / ذاتَ جَناحين إذا تَمطَّرا
ينتشر الأرضَ فلا يَردَعُه / كيف طواها عَنَقاً أو حُضُرا
يرى الظلامَ بشهابَيْ قابسٍ / لا يستميحان النجومَ خَبَرا
تَكارَها شمسَ الضحى وأقسما / على الدجى لا يَصحَبان القمرا
إن غاب شخصُ مقلتيه أبصرتْ / أذْناه هل خُبِّرتَ سَمْعاً بَصَرا
يُلهِبُ قرعُ السوطِ منه مِرجلاً / يجيشُ صدراً ويجيشُ منخرا
يُعطِي الشكيمَ ساءه أو سَرَّه / لَحْياً أبيّاً أو عِذاراً أصعَرا
يَظْمَى فلا يَشرعُ مسبوقاً على / صافيةٍ ولو تكونُ الكوثرا
عاف البقايا أنه مُنتَتِجٌ / في معشر لا يشربون السُّؤرا
يأنف من ماء الرُكِيِّ أنّه / في الأرض أو تَسقي السماءُ المطرا
كالنجم في نهاره وليله / إما ارتفاعاً سار أو منحدِرا
ذلك دأبُ ربِّه ودأبُهُ / ما استقدما فشاورا التأخُّرا
إذا أصابا وطراً من العلا / فذاك أو فيبلغان العُذُرا
للّه مفطورٌ على سودَدِه / إذا رأى العجزَ غِماراً شمَّرا
يصرِفُ عن بيت الهوان وجهَهُ / وإن ضَفتْ أفياؤُهُ وخَضِرا
يريه صدرَ اليوم ما في غدِهِ / رأيٌ إذا الرأيُ أصرَّ أبصرا
يأوي إلى بديهةٍ من عزمه / تطلِعُه قبلَ الورود الصَّدَرا
تنصره الوثبةُ في أوانها / إذا الهوينى خانت المنتظَرا
لا يعلقُ الأعداء في اتّباعه / بعينه فيُعظِمون الأثرا
وكلُّ من قصّر عن عُدُوِّهِ / أعظمه ضرورةً لا خِيَرا
كالليث يُقلَى وهو يُطرَى أو كما / نافق أعداءٌ وزيرَ الوُزَرا
قادَحهم ففازهم أروعُ ما / قامرَ في العلياء إلّا قَمَرا
مقلِّبٌ جانبَه وحظَّه / من السعود سَفَراً أو حَضَرا
تواصت الأقدار أن تمضي على / تدبيره جاريةً كما جرى
وغيرُهُ والنقصُ حظُّ غيرِهِ / إن أحمَد الآراءَ ذمَّ القدَرا
عضَّ العدا أظافراً من بعده / تَدْمَى ولم تُرزق عليه الظفَرا
ولم يكن من شرفِ الدين لمن / يندمُ إلّا أن يَعضَّ الحجرا
ولا لدارٍ فاتها ودولةٍ / منه سوى أن أقويا وأقفرا
أبصرها بلهاءَ جاهليَّةً / ذاتَ فُسوقٍ لا تخاف النُّذُرا
مجنونةَ الوداد إما عاهدتْ / لم يك إلّا الغدرَ والتغيُّرا
أشهى خليليْها إليها خُلَّةً / من كان أدنى همّةً وأحقرا
تكيلُ بالجور إذا ناصفَها / وتُنبذ العُرفَ تراه منكرا
نافرةً من ذي اليمينين إذا / قوّدها حتى تُطيعَ الأبترا
فردَّها بالعتب ردَّ ناقدٍ / غالط فيها النفسَ حتى استبصرا
ألقَى على غاربِها حبالَها / من بعد ما متَّعها وأمهرا
على أوانَ شُوِّهَتْ وعُنِّسَتْ / وسُلبتْ جمالَها والخَفَرا
تناحلوها شَرَهاً وزاحموا / عَجْزاً شفيرَ جُرْفِها المُهوَّرا
فطُرِّفوا منها بِشلوٍ ميِّتٍ / وأكثروا فيه الجدالَ والمِرَا
مَرَّ وولّاهم رَذايا سَرِحها / يدبِّرون منه أمراً مدْبِرا
يا ليت شعرَ الملكِ مَن عَذيرُهُ / بعدَك مما جرَّ عجزُ السُّفَرا
ودولة أسلَمها عميدُها / كيف يُظَنُّ كسرُها أن يُجبرا
وهل لها أن تستوي قائمةً / ما لم تجدك الناعِمَ المقدِّرا
وكيف يُرجَى عند ذؤبانِ الغضا / في الغيل أن تحمى حمى أُسْدِ الشرى
خطَوتَها مستقدِماً أمامَها / لما رأيتَ خَطوَها إلى وَرَا
نجّاك منها أن تُرَى مُهتَصَراً / بغَمرةٍ حاشاك أو مُقتسَرا
يدٌ علت عن أن تكون فوقها / يدٌ ونفسٌ لا تُطيعُ الأُمَرا
ونخوةٌ سيماءُ فارسيَّةٍ / شمّاءَ لا تُعطي الخِزَام منخرا
أفدتَها كفايةً جامعةً / منها وظلاًّ فوقها منتشرا
فهي إذا ذُكِرتَ معْ خُطَّابها / تقول كلُّ الصيدِ في جوفِ الفَرا
غداً تَلظَّى تشتكي أوامَها / إلى الفراتِ وهي تُسقَى الكَدِرا
واضعةً جبينها لِمَنسِم ال / ذُلّ وخدَّيها جميعاً للثرى
قد غَمزَ الأغمارُ في صعدتها / فهي تَدَاعَى خَطَلاً وخَوَرا
حتى تلوذَ تستغيث ربَّها / منك وترجو ذنبَها أن يُغفَرا
ويأخذ الدهر بناصيتها / سَوْقاً فيأتيك بها معتذرا
قد أدَّبَتْهُ لكُمُ جَهْلاَتُهُ / فيكم وأَنْ جَرّبَ قوماً أُخَرا
جَرْياً على العادةِ في استصراخِهِ / بعفوكم إذا هفا أو عَثَرا
فاستقبلوا منها مَريراً قد حلا / لمجتنيكم وسقيماً قد بَرَا
أصلحتُمُ ببعدكم فسادَها / والجرحُ لا يَدْمَلُ حتى يُسْبَرا
وكلُّ محبوب إذا الوصلُ طغى / يوماً به فظُنَّهُ أن يَهْجُرا
وزارةٌ كم قد قَدحتُ زَندَها / فيكم وكم قمتُ بها مبشِّرا
فلم تُكَذَّبْ قطّ لي عائفةٌ / فيها ولا خُيِّبَ فَأْلٌ زجرا
قد ثَبَتَ المعجِزُ لي في صدقِها / من طول ما صحَّ وما تَكرَّرا
كالوحي لو أني خُلقتُ مَلَكاً / طرتُ به لكن خُلِقتُ بَشَرا
فانتظروها إنما مِيعادها / غدٌ ويا قربَ غدٍ منتظَرَا
فعندها يبرُد حرُّ أضلع / يوقد شوقي بينهن شررا
وعندها يحلو بعيني وفمي / ما قد أمرَّ الماءَ عذباً والكرى
ويَكمَدُ الحاسدُ والشامتُ بي / بفرطِ ما قد أكلاني أَشَرا
كاشفني بعدكُمُ بغلِّهِ / مَن كان يخشى جانبي مستتِرا
وكلُّ جِبْسٍ يدُه ووجهُهُ / من حَجرٍ يُلقَمُ منّي حَجَرا
واجَهَ بالعصيان فيَّ أمرَكم / والدهرُ لا يَعصيكُمُ لو أُمِرا
كنتُ له ذريعةً إليكُمُ / وكنتُمُ بالعِلْج منِّي أبصرا
فجنِّبوني عفوَكم عنه غداً / أكنْ لكم منه ولي منتصِرا
يا عُشبَ أرضي وسماءَ روضتي / ودارَ أمني يومَ أَرعَى الحذَرا
ومَن إذا عُرِّيَ من ظلِّهِمُ / ظهري فقد ألقيتُ شِلْواً بالعَرَا
قد أكلَتْنا بعدكم فاغرةٌ / أنيابَها قبلَ العِضاض جَزَرا
لم يَتَأَسَّ بنتاجٍ إذ أتت / ضيفٌ ولم تُوقَدْ لها نارُ القِرى
تَعترِقُ العظمَ كما تَسْتَرِطُ ال / لحم وجلّت أن تَحُصَّ الوَبَرا
فنظَراً وإن نأت دارُكُمُ / وأرشِدوا لمن يقول نظَرا
يا فرحةً يومَ أرى رايتكم / تلاوذُ الريح تؤمُّ العسكرا
ونشْرَ أيديكم وأعراضِكُمُ / بالزاب يلقاني وشاطِي عُكبَرا
والأمر فيكم لا يُطاعُ لقبٌ / زُورٌ ولا يُراقَبُ اسمٌ مفتَرَى
لا غرو إن كَفَيتَها مستوزَراً / بالأمس أن تكفِيَها مؤمَّرا
آملُها وكيفَ لا يأمُلُ أن / يراك شمساً مَن رآك قمرا
أنا الذي لو سجد النجمُ لكم / ما كنتُ مرتاباً ولا مستنكِرا
ولو مسحتم زحلاً ببُوعكم / رجوتُ بعدُ لعلاكم مَظهَرا
أقذيتُ أبصارَ العدا بمدحكم / فساوَروني أحْوصاً وأخزرا
ولم أراع فيكُمُ تقيَّةً / من كبِدٍ غيظت وصدرٍ أوغِرا
على سبيلي في مُوالاتِكُمُ / أمرّ فرداً لا أخاف الخطَرا
وقاطنات سائرات معكم / تتبعكم مَحَلَّةً وسَفَرا
تشتاق منكم عامري أوطانِها / ومَن ثوت فيهم فقضّتْ عُمُرا
لا تعدَمون رسمها مردَّداً / عليكُمُ وقسمها مُوَفَّرا
ماكرَّ يومُ المهرجان وطَرَا / وصامَ ذو شهادةٍ وأفطَرا
قلتُ فأغضبت الملوكَ فيكُمُ / وأنتُمُ بي تُغضبون الشُّعَرا
رقّ لبغداد القضاءُ والقدَرْ
رقّ لبغداد القضاءُ والقدَرْ / وعطف الدهرُ عليها وأمرْ
وامتعض المجد لها من طول ما / حاق بها الضيم فثار فانتصرْ
وضحك المزن إلى ربوعها / والعامُ قد قطَّب فيها وكشَرْ
فهي ومن يحمله ترابُها / عازبةٌ راحت ومُنهاضٌ جَبرْ
عاد الحيا إلى الثرى فَرَبَّه / وفَتَقَ الصبحُ الظلامَ ففُجِرْ
ونطقَتْ خُرسُ العلا فأبصرتْ / عمياؤها وسمعت وهي وَقَرْ
فليهنها ما أثمر الصبرُ لها / والصبرُ في إمراره حلو الثمرْ
قصرَكِ يا خابطةَ الليلِ بنا / لابدّ لليل الطويل من سَحرْ
تنفَّسي مبصرةً وانفرجي / فطالما غَمَّ دجاكِ واعتكرْ
هذا الوزير وأخوه فاسفري / قد رُدّت الشمسُ عليك والقمرْ
نجمان ما غابا لسعيٍ ماجدٍ / في الأفق إلّا طلعا مع الظفَرْ
وجاريان سابقٌ بنفسه / إلى المدى ولاحقٌ على الأثرْ
تشابها والكفُّ مثلُ أختها / والزَّندُ مثل الزند مَرْخاً وعُشَرْ
متى تَطُلْ من شرف الدين يدٌ / تجد كمالَ المُلك عن أخرى حَسَرْ
كلتا اليمينين قياسٌ للعلا / ذا ذَرَعَ الأفقَ بها وذا شَبَرْ
من ير ذا وِرْداً وذاكَ قَربَاً / له يقل ذا العشبُ من ذاك المطَرْ
دوحةُ مجدٍ صعُبتْ عيدانُها / على العدا أن تُخْتَلَى وتُهتَصَرْ
سقى الندى عبدُ الرحيم ساقَها / وحاط أيّوبُ عليها وحَظَرْ
وحَمَلتْ مثقَلَةً فأثمرتْ / مُذكِرَةً فولدتْ كلَّ ذكَرْ
قوم أقاموا الدهر وهو عاثرٌ / حتى مشى يختالُ عنهم وخَطَرْ
وأدركوا أيّامَهم بهيمةً / مُغْفَلَةً شِياتُها حُصَّ الشَّعَرْ
فاعتلقوا جباهَها وسُوقَها / وطلعوا فيها الحجولَ والغُرَرْ
كلّ غلام إن عفا وإن سطا / أمَّنَ بين الخافقين وذَعَرْ
أروعُ لا تجري الخطوبُ إن نهى / خوفاً ولا يقضي القضاءُ إن أمرْ
نال السماءَ مُدرَجاً في قُمْطِه / وفات كلَّ قارح وما اثّغَرْ
لم يأخذ السودَدَ حظّاً غلطاً / ولا العلا مغتصباً أو مقتسرْ
ما سار في كتيبةٍ إلا حَمَى / وما امتطى وسادةً إلا وزَرْ
قد صدعَ اللّهُ بكم مُعجزةً / في الأرض ليست في محالات البشرْ
فأرشدَ المستبصرين بكُمُ / لو كان يُغنِي القلبُ أو يُغنِي البصرْ
وأعلم المُلكَ المدارَ أنه / بغير قطبٍ منكُمُ لا يستقِرّْ
وأنه حبلٌ ولِيتُم فتلَه / فكيفما أبرمه الناسُ انتسرْ
أما كفاه إنْ كفاهُ واعظٌ / بيانُ ما جرَّبَ منكم واختبرْ
وكيف لُمَّتْ وهي في أيديكُمُ / طينتُه وانحلَّ في أيدٍ أُخَرْ
كم غارَ من بعد الغرورِ مدَّةً / بغيركم أما يَغارُ من يُغَرّْ
بلى على ذاك لقد بان له / فُرقانُ ما بين الرجال فظهرْ
ونَصَحَتْه نفسُه لنفسِهِ / فشاورَ الحزمَ وأحسنَ النظرْ
فقابلوا هفوتَه بحلمكم / فمثلُكم إن كان ذنبٌ مَن غَفَرْ
واستدركوا بسعيكم حفيظةً / من أمره ما شعَبَ العجزُ وجَرّْ
فهو الذي دَرَّ على أيمانِكم / قِدماً له خِلفُ الصلاح وغَزُرْ
وإن غنيتم لغنى أنفسكم / عن رغبةٍ فهو إليكم مفتقِرْ
إن العراقَ اليوم أنتم قطبُه / لولاكُمُ مدَبِّرين لم يَدُرْ
قد حُبِستْ عليكُمُ سُروجُه / من غاب من حُماتِكم ومن حضَرْ
أنتم إذا ضِيمَ سيوفُ نصره / وأنتُمُ ربيعه إذا اقشَعَرّْ
إذا قربتم ضحِكتْ عِراصُه / وابيضَّ وجهُ العدل فيها وسفَرْ
وإن نأيتم كان في انتظارِكم / كأنكم فيه الإمامُ المنتظَرْ
فعالجوا أداوءَه بطبِّكم / قد حُفِر الجرحُ الذي كان عقَرْ
لم يبقَ إلا رمقٌ فابتدروا / إمساكه والغوثَ إن لم يُبتَدَرْ
يا قاتلَ الجدب انتصرْ وقد بغى / بعدك عامُ المحل فينا وفَجَرْ
كم تُمطَر الشهباء عنك بالحيا / قد صرَّحتْ كَحْلٌ وقد صابَتْ بقُرّْ
امدد بيمناك على مجدٍ عفا / خِصباً وجدِّدْ رسمَ جُودٍ قد دَثَرْ
واقدم على السعد إلى الصدر الذي / أوحشتَه فانهض بِورْدٍ وصدَرْ
واضفُ على الدولة ظلاًّ سابغاً / تسحبه سَحْبَك هُدَّابَ الأُزُرْ
دعْ كَبَدَ الغيظِ على أعدائها / ودع لأوليائها حَزَّ الأُشَرْ
قد أكلتْ أكفَّها نواجذٌ / يومَ لك الأمرُ استقامَ واستقَرّْ
ودَوِيَتْ بما أَشرتَ وطَوَتْ / أفئدةً بالسوء فيك تأتمِرْ
فتَّهُمُ فربَعُوا من ظَلَعٍ / على رضاً بادٍ وسخطٍ مستسِرّْ
فلا يزل وأنت حيٌّ خالدٌ / نأيُهُمُ حتى يسدُّون الحُفَرْ
ولا تنلْ مُلكَكَ إلا شللاً / يدُ الزمان وتصاريفُ الغِيَرْ
اُذكُرْ وصِفْ كيف ترى بشائري / في مجدكم إنّ الكريم مَنْ ذَكَرْ
حدِّثْ بآياتي وقلْ بمعجزي / وخَبَرِي عن كلِّ غيبٍ مستترْ
هذا الذي جَرَتْ به عِيافتي / لكم وطيري ذو اليمين إذ زُجِرْ
وكيف لا تصدُقُ فيكم نُذُري / وأنا في مديحكم أبو النُّذُرْ
ومدَدُ العيشةِ لي من فضلكم / وحظُّكم حظِّيَ من خَيْرٍ وشرّْ
قد عَرَقَ الزمانُ لحمي بعدكم / ببعدكم وأحرق العظمَ وذَرّْ
ولم يدع لي غمزُهُ جارحةً / إلّا وفيها غمزُ نابٍ وظُفُرْ
تنبِذني في حبّكم نواظرٌ / وألسنٌ مَنبَذَةَ النِّضوِ المُعَرّْ
أرجو نداهم ضلَّةً وعطفَهم / كما رجت قحطانُ ودّاً في مُضرْ
أرجِعُ عن زيارتي في يُسرهم / إلى محلٍّ عامرٍ من العُسُرْ
فافتقِدوا شِلواً لكم بقاؤه / ومنكُمُ إن فاتَ أو مرَّ يَمُرّْ
لسانكم وكلُّ من يُنطِقُكم / سواه معقولُ اللسان أو مُجَرّْ
قد بلَغَ المفصلَ مني جازري / فاللّهَ فيّ أن يَحُزَّ ما جَزَرْ
لم تبق فيّ بعدكم بقيّةٌ / يُرجَى لها رفدُ غدٍ ويُنتظَرْ
فاقضوا ديونَ جودكم في خَلَّتي / فقد قضى شعريَ فيكم ما نَذَرْ
نفَّرها عن وِردها بحاجرِ
نفَّرها عن وِردها بحاجرِ / شوقٌ يعوقُ الماءَ في الحناجرِ
وردّها على الطَّوَى سواغباً / ذلُّ الغريب وحنينُ الزاجرِ
فطفِقتْ تُقنعُها جِرَّاتُها / من شِبَع دانٍ ورِيٍّ حاضرِ
يكسَعها الترابُ في أعطافها / تساند الأعضاد بالكراكرِ
ذاك على سكونِ من أقلقها / وأنها وافيةٌ لغادرِ
مغرورةُ الأعينِ من أحبابها / بخالبِ الإيماضِ غيرِ ماطرِ
تقابل المذمومَ من عهودهم / بكلّ قلبٍ ولسانٍ شاكرِ
وهي بأرماح الملال والقِلَى / مطرودةٌ منخوسةُ الدوابرِ
تشكو إليهم غدرَهم كما اشتكت / عقيرةٌ إلى شفارِ العاقرِ
قد وقَروا عنها وكانت مدّةً / تُسمِعُ منهم كلَّ سمعٍ واقرِ
وكلّما ليموا على جفائها / تواكلوا فيها إلى المعاذرِ
فليت شعرَ جدبها إذ صوّحوا / أين الخصيبُ الكَثُّ في المشافرِ
وهبهمُ عن السيول عَجَزوا / فأين بالقاطرِ بعد القاطرِ
كانت لها واسعةً ركابُهم / وكيلُهم في الحظّ كيلُ الخاسرِ
ففيم ضاقوا فتناسَوا حقَّها / والدهرُ يُعطيهم بسهمٍ وافرِ
كانت وهم في طيّ أغمادِهمُ / لم تتبرَّزهم يمينُ شاهرِ
وافرةً أقسامُها فما لها / لم تُقتضَب من هذه المناشرِ
هل ذَخَرتْهم دون من فوق الثرى / إلا ليومِ النفع بالذخائرِ
لو شاوروا مجدَ ابن أيوبَ لما / فاتتهُمُ حزَامةُ المشاورِ
إذن لقد تعلَّموا ولُقِّنوا / رعيَ الحقوقِ منه والأواصرِ
للّه راعٍ منهمُ مستيقظٌ / لم يتظلَّم طولَ ليلِ الساهرِ
يرى الصباحَ كلُّ من توقظه ال / عليا وما لليله من آخرِ
جرى إلى غايته فنالها / مخاطراً والسبقُ للمخاطرِ
ما برِحتْ تبعثُه همّتُه / في طلب الجسائم الكبائرِ
حتى أناف آخذاً بحقّه / من العلا أخذَ العزيز القادرِ
رَدّ عميدُ الرؤساء دارسَ ال / مجد وأحيا كلَّ فضلٍ داثرِ
حلَّق حتى اشتط في سمائه / بحاكمٍ في نفسه وآمرِ
وبَعدُ في الغيب له بقيَّةٌ / ناطقةُ الأنباءِ والبشائرِ
ولم يقصِّر قومُه عن سودَدٍ / يُخبَرُ عن أوّلهم بالآخرِ
ولا استنزلُّوا عن مقامِ شرفٍ / توارثوه كابراً عن كابر
لكنّه زاد بنفسٍ فَضَلَت / فضلَ يَدِ الذارعِ شبرَ الشابرِ
والشمسُ معْ أن النجومَ قومُها / تنسخُهنّ بالضياء الباهرِ
وخيرُ من كاثرك الفخرُ بهِ / شهادةُ الأنفُسِ للعناصرِ
هوَّنَ في الجود عليه فقرَه / أنّ المعالي إخوةُ المَفاقرِ
فالمال منه بين مُفْنٍ واهبٍ / والناسُ بين مقتنٍ وذاخرِ
ولن تُرى الكفُّ القليلُ وفرُها / في الناس إلا لابن عِرضٍ وافرِ
مَن راكبٌ تحمله وحاجةً / أمُّ الطريق من بناتِ داعرِ
ضامرة تركَّبتْ نِسبتُها / شطرين من ضامرةٍ وضامرِ
يَقطع عني مطرح العينين لا / أسومهُ مشقَّة المسافر
من أسهلتْ أو أحزنتْ رحلتُه / فحظُّه حظُّ المجيرِ العابرِ
بلِّغ على قرب المدَى وعَجَبٌ / قولِيَ بلِّغ حاضراً عن حاضرِ
نادِ بها الأوحدَ يا أكرمَ مَن / تُثْنَى عليه عُقَدُ الخناصرِ
لم تسُدِ الناسَ بحظٍّ غالطٍ / متّفقٍ ولا بحكمٍ جائرِ
ولا وزرتَ الخلفاءَ عَرَضاً / بل عن يقينٍ من عليم خابرِ
ما هزَّك القائمُ حتى اختَبَرتْ / بالجسِّ حدّيك يمينُ القادرِ
خليفتان اصطفياك بعد ما / تنخَّلا سريرةَ الضمائرِ
وجرَّبا قبلَك كلَّ ناكلٍ / فعرفا فضلَ الجُرازِ الباترِ
لم تكُ كالفاتل في حباله / والدِّينُ منه مُسحَلُ المرائرِ
يأكل مالَ اللّه غيرَ حَرِج ال / صدر بما جرَّ من الجرائرِ
فانعم بما أُعطيتَ من رأيهما / وكاثر المجدَ به وفاخرِ
واكتسِ ما أُلحفتَ في ظلَّيْهما / من رُدُنٍ زاكٍ وذيلٍ طاهرِ
فحسبُ أعدائك كَبْتاً وكفَى / كَبّاً على الجباهِ والمناخرِ
إن الذي ماتَ ففاتَ منهما / بقَّاك ذُخراً بعده للغابرِ
فابق على ما رغموا مُمَلَّكاً / أزِمَّةَ الدّسوتِ والمنابرِ
ما دامت المَروَة أختاً للصفا / والبيتُ بين ماسحٍ ودائرِ
واجلس لأيّام التهاني مالئاً / صدورَها بالمجدِ والمآثرِ
تَطلُع منها كلَّ يومٍ شارقٍ / بمهرجان وبعيدٍ زائرِ
لك الزكيّ البَرُّ من أيّامها / وللأعادي كلُّ يومٍ فاجرِ
واسمع أناديك بكلِّ غادةٍ / غريبةٍ لم تجْرِ في الخواطرِ
مؤيسةِ المرامِ في باطنِها / مُطمِعةٍ في نفسها بالظاهرِ
وهي على كثرةِ من يحبُّها / وحسنها قليلةُ الضرائرِ
تستولد الودادَ والأموالَ من / كلّ عقيم في الوِلادِ عاقرِ
فلستَ تدري فكرةٌ من شاعر / جاءت بها أو نفثةٌ من ساحرِ
ملَّكَكَ الودُّ عزيزَ رقِّها / وهي من الكرائم الحرائرِ
تُفضِل في وصفك ما تُفضلهُ / في الروض أسآرُ الغمامِ الباكرِ
لا تشتكيك والملالُ حظُّها / منك وأن ريعتْ بهجرِ الهاجرِ
في سالف الوصل وفي مستأنَف ال / جفاء بين شاكرٍ وعاذرِ
واعرف لها اعترافَها إذ أُنصِفَتْ / واعرف لها في الجَورِ فضلَ الصابرِ
أولى لها أن يَرعوي نفارُها
أولى لها أن يَرعوي نفارُها / وأن يقر بالهوى قرارها
وأن تُرى ميسورةً خبْطاتُها / من مَرَحٍ منشوطةً أسيارُها
تُرعى وتُروَى ما ضفا وما صفا / وللرُّعاة بعدَها أسآرُها
حتى تروحَ ضخمةً جُنوبُها / بخِصبها شاكرةً أوبارُها
وكيف لا وماء سَلع ماؤها / مقلوَّةً والعلَمان دارُها
ودونها من أسلاتِ عامرٍ / جمرةُ حربٍ لا تبوخُ نارُها
وذمّةٌ مرعيّةٌ أسندَها / إلى حفاظ غالبٍ نزارُها
لا شلّها ممّا تطورُ همَّةٌ / لطاردٍ فيه ولا عوّارُها
كأنّها بين بيوتِ قومها / نواظرٌ تمنعها أشفارُها
نعم سقى اللّه بيوتاً بالحمى / مسدلةً على الدُّمَى أستارُها
وأوجها يشفُّ من ألوانها / عنصرُها الكريمُ أو نِجارُها
سَواهِماً ما ضرّها شحوبُها / ومن صفاتِ حسنها استمرارُها
لم أر ليلاً في الحياة أبيضاً / إلا بأن تطلُعَ لي أقمارُها
كم زورةٍ على الغضا تأذَنُ لي / فيها بيوتٌ لم تصِلْ زُوّارُها
وليلةٍ سامحني رقيبُها / عمداً وأخلى مجلسي سمّارها
فبتّ أجني ثمر الوصلِ بها / من شجراتٍ حلوةٍ ثمارُها
وخلوةٍ كثيرةٍ لذّاتُها / قليلةٍ على الصِّبا أوزارُها
لم يتوصَّمْني بريبٍ سرُّها / صوناً ولم يُقدَر عليَّ عارُها
وأمّ خشف طيّبٍ حديثُها / بين الوشاة طاهرٍ إزارُها
باتت تعاطيني على شرط المنى / نخبةَ كأسٍ ريقُها عُقارُها
سَكرى وفي لِثَاتها خَمَّارها ال / ساقي وعَطرَى نشرُها عَطَّارُها
يعرفني بين البيوت ليلُها / بميسِمٍ يُنكِرُهُ نهارُها
الحبّ لا تملكُني فحشاؤه ال / قصوى ولا يُسمعُني أمَّارُها
وطُرُقُ العلياءلا تُعجِزني / سعياً ولا تُوحشني أخطارُها
وقولةٍ لا تُرتَقَى هضبتُها / ولا تخاضُ غزراً غِمارها
عوصاءَ للألسن عن طريقها / تَعتَعَةُ الزالق أوعثارُها
كنتُ إلى الفضل أبا عُذرتها / وللرجال القالةِ اعتذارها
قمتُ بها تمدّني من خلفها / دافعةٌ ما كُسعتْ أعيارُها
كأنني من فضل أيمانِ بني / عبد الرحيم واقفاً أمتارها
أرسلتُها محكمةً سيّارَةً / لا لغوها منها ولا عَوَارُها
وكيف لا وإنما آثارُهم / قُصَّتْ وعنهم رُوِيَتْ أخبارُها
سقى الحيَا ذكرَ ملوكٍ كلّما / ماتَ الندَى أَنشره تَذكارُها
وزاد عِزّاً أنفساً تحلَّقت / فوق السها وما انتهت أقدارُها
تزداد حرصاً كلّما زادت ندىً / ترى المعالي أنّه قُصارُها
وإن قست أيدي الغمام والتوتْ / فقيلَ في يمينها يسارُها
فعضَدَ اللّهُ أكفاً سَبْطَةً / تُفدَى ببوعِ غيرها أشبارُها
ما ضرَّ أرضاً تستميحُ صوبَها / أنَّ السماءَ لَحِزْت أمطارُها
دوحةُ مجدٍ بَسَقتْ غصونُها / من حيث طابَ وزكَى قرارُها
شَقَّ لها في فارس إماؤها / حُرَّ الترابِ وهُمُ أحرارُها
مطعِمةٌ مورِقةٌ لا ظلُّها / يضوَى ولا يُغبُّك استثمارُها
كلُّ زمانِ عامِها ربيعُها / لا جدبُ شهباء ولا إعصارُها
وحسبُها أنّ الوزيرَ فَلَقٌ / أبلجُ ممّا قدَحتْ أنوارُها
شُجِّرَ منها وهو في حكم العلا / قُطْبٌ على سعوده مدارُها
ما برِحت يبعثها استعلاؤها / على عِضاهِ المجدِ واشتهارُها
كأنها كانت تَرى مذ بدأتْ / أنَّ إليه ينتهي فخارُها
وللمعالي في الفتى أمارةٌ / واضحةٌ من قبلها منارُها
إلى عميد الدولة اشتطَّت بنا / موائرٌ لا تُقتفَى آثارُها
تنشرُ من أخفافها أجنحةً / وخيدُها على الثرى مَطارُها
كلُّ طريقٍ نفَضَتْ إلى العُلا / فهي وإن تطاولت مِضمارُها
لا تتوقَّى شوكة الأرض ولو / ذابَ على حَرِّ الظِّرابِ رارُها
تَسفِرُ في الحاجات وهي عدّة / على بلوغِ ما ابتغَى سُفَّارُها
تدلُّها في الشُّبهاتِ سُرُج / هنّ على جُرح الفلا مِسبارُها
لا تعرف العذرَ على غضّ السُّرى / إذا المطايا عُذِرت أبصارُها
تمضي حنايا ذُبَّلاً شخوصُها / سهامُها تُنفَضُ أو أوتارُها
حتى إذا شرعنَ في حياضه / خالفَ من إيرادها إصدارُها
تلقاه خِفّاً فإذا تروّحتْ / فكالهضاب فوقها أوقارُها
يصوّت الجودُ بها ألا كذا / عن الملوك فلْيَعُدْ زُوّارُها
على نداك شرفَ الدين ربَتْ / فِصالُها وبَزَلَتْ بِكارُها
وعندك الفاسحُ من أعطانها / والأمنُ إن أرهقها حِذارُها
موسمُ فضلٍ لا تبورُ سُوقُه / ودار عزٍّ لا يذلُّ جارُها
وأعطياتٌ وحلومٌ عجِبتْ / منها جبالُ الأرض أو بحارُها
قد دَرت الدنيا على جهلاتها / أنك خيرُ من حوت أقطارُها
الكوكبُ المفردُ من أبنائها / إن خُيِّرت لم يَعْدُك اختيارُها
تكثَّرتْ بواحدٍ منك كما / قلَّلها من الوَرَى إكثارُها
وأيقنتْ دولةُ آلِ باسلٍ / أنّك يومَ بطشِها جبَّارُها
وأن ما تنظِمُ من تدبيرها / مريرةٌ لغيرك انتسارُها
إذا قُرُبَت خافها أعداؤها / وإن نأيتَ خافها أنصارُها
غادرتَها منذ اعتزلتَ بيتَها / لها نبوُّ العين وازورارُها
يلاثُ قُبحاً لا عَفافاً وتقىً / على صفاحِ وجهها خِمارُها
مطروحةً للضيم لا يمنعها / قنا المحامين ولا شِفارُها
تمدّ للخطب يداً مقبوضةً / لا سيفُها فيها ولا سِوارُها
واجتمعتْ على تنافي بينها ال / أهواءُ فيك واستوتْ أقدارُها
واعترفتْ لك العدا اعترافَنا / بالحق إذ لم يُغنها إنكارُها
وآمنتْ أنّك فينا آيةٌ / باقيةٌ وحَسُنَ استبصارُها
ولو رأتْ وجهَ الجحودِ جَحَدت / وإنما ضرورة إقرارُها
يا من به استحليتُ طعمَ عيشتي / من بعد ما قَضَّ فمي إمرارُها
وردّ أيّامي على إصرارها / مُنيبةً يُخجلني اعتذارُها
ومن تحرَّمتُ به فلم يَضِعْ / ذمامُ آمالي ولا ذِمارُها
في كلّ يومٍ نعمةٌ غريبةٌ / أُوهَبُها كأنني أُعارُها
تأتي وما أنصبني تطاوُلٌ / لها ولا عذَّبني انتظارُها
محلِّياً من عَطَلي لَبوسُها / وراقعاً من خَللي نُضارُها
أقربُ ما يكون منّي وصلُها / إذا نأتْ أو بَعُدتْ ديارُها
فما يضرُّ حسنَ حظّي منكُمُ / تصاعُدُ العيس ولا انحدارُها
لكنَّ شوقاً حرُّه في أضلعي / جنايةٌ لا يُملَكُ اغتفارُها
ولوعة إذا تنفّستُ لها / عن كبدي حرّقني أُوارُها
فهل لهذا الداء من راقيةٍ / ينفِثُ في عُقدته سَحَّارُها
أم هل يكونُ من لطيف برِّكم / زيارةٌ تُقضَى بكم أوطارُها
وإنها على النوى لآيةٌ / معجزةٌ عندكم احتقارُها
لا قلَّصتْ عنكم ظلالَ مُلككم / نوائبُ الدهر ولا أقدارُها
ولا أحالَ من قشيب عزِّكم / مرورُ أيّامٍ ولا تَكرارُها
وحالفتكم نعمةٌ صحيحة / عهودُها طويلةٌ أعمارُها
وخَمَّرتْ أوجهَها عن غيركم / دولةُ دنيا لكُمُ إسفارُها
عمن يُعادى مجدكم زوالُها / وعندكم برغمه استقرارُها
وسائرات بالثناء لا يُرى / مستعفياً من دَأَبٍ سيّارُها
لا تخلُقُ الظلماءُ في بسطتها / قبضاً كأنّ ليلَها نهارُها
تطوي الفيافي لا خفارات لها / إلا الذي تضمنه أسطارُها
تشتاقها الأرض وبعدُ لم تصِلْ / لأنّها تسبِقُها أخبارُها
يخالها النادي إذا اجتازت به / لطيمةً مرَّ بها عَطّارُها
تحملُ آثاماً بمدح غيركم / حتى تُحَطَّ بكُمُ أوزارُها
تُهدِي لك الأعيادُ منها طُرَفاً / جواهراً تحت فمي بحارُها
مما توحدتُ به لم تُفتَرَعْ / لا عُونها قبلُ ولا أبكارُها
ودّت تميم وفحولُ وائلٍ / من قبلها لو أنّها أشعارُها

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025