مَن مُبلِغٌ نَجداً وَمَن بِنَجد
مَن مُبلِغٌ نَجداً وَمَن بِنَجد / سَلامَ مَيتِ الصَبرِ حَيِّ الوَجدِ
يَبكي مَتَى شامَ بَريقاً بِالحِمى / وَقَلَّ ما يُغني البُكا أَو يُجدي
يُلصِقُ بِالصَعيدِ قَلباً خافِقاً / ظَمآنَ طالَ عَهدُهُ بِالوِردِ
يَنشُرُهُ الشَوقُ وَيَطويهِ كَما / يُعيدُهُ غَرامُهُ وَيُبدي
ذابَ مِنَ الشَوقِ فَلَو فُتِّشَ عَن / هُ بردُه لَم يُرَ غَيرُ البُردِ
تَقرفُ أَظفارُ الأَسى قُروحَهُ / بِقَلبِهِ لا لَحمِهِ وَالجِلدِ
أَفدي عريباً بِالحِمى عِندَهُمُ / قَلبي وَتَبريحُ الغَرامِ عِندي
تَكادُ تُلقي كَبِدي أَفلاذها / مِن لَهَفي عَلى الكَثيبِ الفَردِ
فَاِعجَب لِحُرٍّ ذلَّ بَعدَ عِزَّةٍ / فَاِقتادَهُ الهَوى اِقتِيادَ العَبدِ
دَعنِي وَنعمانَ الأَراكِ أَبكِهِ / فَكَم زَجَرتُ فيهِ طَيرَ سَعدي
أَيام غُصني مُثمِرٌ وَلمَّتي / مُسوَدَّةٌ وَالبيضُ تَرعى عَهدي
وَفي الشِفاهِ خَمرَتي وَفي العيو / نِ نَرجِسي وَفي الخُدودِ وَردي
أَيام كنتُ وَالَّذي أُحِبُّهُ / لا فَرقَ بَينَ خَدِّهِ وَخَدّي
حينَ شَبابي ما هُريقَ ماؤُهُ / وَلا كَبا عِندَ الحِسانِ زَندي
وَالآنَ بي مِن زَمَني ضَمانَةٌ / ضامِنَةٌ لِلكاشِحينَ فَقدي
إِن لَم تَدارَكني أَيادي الملكِ ال / ظاهِرِ خَيرُ مُنجِدٍ وَمُعدي
فَها أَنا الآنَ عَلى دَهري إِلى / مَعروفِهِ وَعَدلِهِ أَستَعدي
مَلكٌ مِنَ الدَهرِ يُجيرُ ناسَهُ / وَلا يُجارُ مِنهُ غُلبُ الأسدِ
لَو كانَ يَومَ الدارِ غازي شاهِداً / عُثمانَ رَدَّ عَنهُ كُلَّ حَدِّ
وَلَم يَكُن جَرى الَّذي قَبلُ جَرى / بَينَ أَبي السبطَينِ وَاِبنِ هِندِ
مَلكٌ إِذا نارُ الهياجِ اِحتَدَمَت / في مَأزِقِ الحَربِ الشَديدِ الوَقدِ
يَوماً تَرى فيهِ القَنا رَواعِفاً / وَالخَيلُ تَردي وَالكُماةُ تُردي
وَالنَّقعُ فيهِ كَالغَمامِ وَالظُّبى / بُروقُهُ وَالرَّكضُ صَوتُ الرَعدِ
هُناكَ يُلفى سَيفُهُ بِكَفِّهِ / صَلتاً وَمِن دَمِ العِدا في غِمدِ
يَركَعُ في الهامِ فَتَهوي سُجَّداً / مِن كُلِّ مَن لَم يَتلُ آيَ الحَمدِ
فَمن هُناكَ عَنتَرٌ وَعامِرٌ / لَدَيهِ في الإِقدامِ وَاِبنُ مَعدِي
هَيبَتُهُ تَكادُ تَغنيهِ لَدى ال / رَوعِ عَنِ اِستِظهارِهِ بِالجُندِ
كَأَنَّما المُلوكُ عِقدٌ وَهوَ في / جِيدِ العُلى واسِطَةٌ لِلعِقدِ
يَضرَعُ خَدُّ كُلّ جَبّارٍ لَهُ / وَيصرَعُ الهَزلَ بِجِدِّ الجِدِّ
أَكسَبَهُ فِعالُهُ بَينَ الوَرى / أَجَدَّ مَدحٍ وَأَجَلَّ حَمدِ
تَقاعَسَ المُلوكُ دونَ شَأوِهِ / عَن غايَتَي سُؤدَدِهِ وَالمَجدِ
يُسَرُّ بِالوَفدِ مَتى ما أَمَّهُ / فَهوَ بِبَذلِ الرِّفدِ مُغني الوَفدِ
ما أَمَّهُ في دَهرِنا مِن قاصِدٍ / فَشَدَّ عَنساً بَعدَها لِقَصدِ
فاقَ المُلوكَ في المَعالي مِثلَ ما / فاقَت أَياديهِ اِنحِصارَ العَدِّ
كَأَنَّما صِفاتُهُ في العَدلِ وَال / إِحسانِ وَالفَضلِ صِفاتُ المَهدي
يا أَيُّها المَلكُ الَّذي يَهتَزُّ لِل / مَدحِ اِهتِزازَ السَيفِ ذي الفِرِندِ
خُذ مِدحَةً وافَتكَ مِن مُفَوَّهٍ / بِالأَفوَهِ الأَودِيِّ جاءَت تُودي
رَدَّت لَبيداً كَالبَليدِ وَاِنثَنى / عَنها عَبيدٌ في ثِيابِ عَبدِ
لا يَكنِدُ الكِندِيُّ فَضلَ مِثلِها / أَعني اِمرَأَ القَيسِ بنَ حُجرِ الكِندي
أَهدَيتُها عَذراءَ غَيرَ فارِكٍ / لَكِنَّها مَسرورَةٌ بِالقَصدِ
كَفيئَةً تُهدى لِأَكفى مَلِكٍ / حازَ العُلى بِمَهرِها وَالنَقدِ
لا بَرِحَ الظاهِرُ مَلكاً ظاهِراً / عَلى الأَعادي بِعُلُوِّ الجَدِّ
ما هَبَّ مُعتَلُّ النَسيمِ سحرَةً / وَما شَدَت حَمائِمٌ في الرَّندِ