رِسالَةٌ مِن كَلِفٍ عَميدِ
رِسالَةٌ مِن كَلِفٍ عَميدِ / حَياتُهُ في قَبضَةِ الصُدودِ
بَلّغَهُ الشَوقُ مَدى المَجهودِ / ما فَوقَ ما يَلقاهُ مِن مَزيدِ
جارَ عَلَيهِ حاكِمُ الغَرامِ / فَدَقَّ أَن يُدرَكَ بِالأَوهامِ
فَلَو أَتاهُ طارِقُ الحِمامِ / لَم يَرَهُ مِن شِدَّةِ السَقامِ
لَهُ اِهتِزازٌ وَاِرتِياحٌ وَطَرَبْ / لِوَجهِ مَن أَورَثَهُ طولَ الكُرَبْ
فَهَل سَمِعتُم في أَحاديثِ العَجَبْ / بِمَن مُناهُ قُربُ مَن مِنهُ العَطَبْ
ما غابَ عَنهُ الحَزمُ في الأُمورِ / لكِنَّ مِقدارَ الهَوى ضَروري
صاحِبُهُ يَخبِطُ في دَيجورِ / مُنفَسِدَ التَقديرِ بِالمَقدورِ
إِذا اِلتَقى في مِسمَعَيهِ العَذلُ / وَقيلَ مِن دونِ المُرادِ القَتلُ
قالَ لَهُم لَومُ المُحِبِّ جَهلُ / إِنَّ الهَوى يُغلَبُ فيهِ العَقلُ
ما العُذرُ في السَلوَةِ عَن غَزالِ / مُنقَطِعِ الأَقرانِ وَالأَشكالِ
تَستَخلِفُ الشَمسُ لَدى الزَوالِ / ضَياءَ خَدَّيهِ عَلى اللَيالي
بِخِفَّةِ الروحِ اِحتَوى صَلاحي / فَصِرتُ لا أَرغَبُ في الفَلاحِ
وَالشَكلُ وَالخِفَّةُ في الأَرواحِ / أَملَحُ ما يُعشَقُ في المِلاحِ
مَن عَشِقَ الفَدمَ وَإِن راقَ البَصَرْ / فَليَقصِدِ البَيعَةَ وَليَهوَ الصُوَرْ
مَن كانَ يَهوى مَنظَراً بِلا خَبَرْ / فَما لَهُ أَوفَقُ مِن عِشقِ القَمَرْ
ظَبيٌ سُلُوّي عَنهُ مِثلُ جودِهِ / خَيالُهُ أَكذَبُ مِن مَوعودِهِ
أَجفانُهُ أَسقَمُ مِن عُهودِهِ / أُردافُهُ أَثقَلُ مِن صُدودِهِ
يا وَصلَهُ صِل مِثلَ وَصلِ صَدِّهِ / يا حُكمَهُ كُن في اِعتِدالِ قَدِّهِ
يا قَلبَهُ كُن رِقَّةً كَخَدِّهِ / يا خَصرَهُ كُن مِثلَ ضَعفِ عَهدِهِ
أَما وَخَصرٍ ضعفُهُ كَصَبري / لَهُ وَوَجهٍ حُسنُهُ كَشِعري
لَهُ عِذارٌ قامَ لي بِعُذري / لا تُبْتُ مِن شَوقي إِلَيهِ دَهري
أَضحى لِإِبليسَ بِهِ اِستِقدارُ / عَلى بَني آدَمَ وَاِستِبشارُ
وَقالَ في ذا تُستَطابُ النارُ / ما لَهُمُ عَن مِثلِ ذا اِصطِبارُ
تَمَّت لِيَ الحيلَةُ في العِبادِ / أَدرَكتُ مِن صالِحِهِم مُرادي
بِمِثلِ ذا أَمكَنَني إِفسادي / لِأَنفُسِ العِبّادِ وَالزُهّادِ
وَاِلهفَتي مِن خَدِّهِ الأَسيلِ / إِذا اِنجَلى عَن صَفحَتَي صَقيلِ
وَاحَرَبي مِن طَرفِهِ الكَحيلِ / مَن مُنصِفي مِنهُ وَمَن مُديلي
مِن مُقلَةٍ كَالصارِمِ البَتّارِ / أَلحاظُها أَمضى مِنَ المِقدارِ
تَحكُمُ في لُبّى وَفي اِصطِباري / نَظيرَ حُكمِ الدَهرِ في الأَحرارِ
حَلَّ قُوايَ العَقدُ مِن زُنّارِهِ / أَلهَبَ قَلبي خَدُّهُ بِنارِهِ
عَذَّرَ صَبري مُبتَدا عِذارِهِ / حَيَّرَني بِالطَرفِ وَاِحوِرارِهِ
جاءَ بِوَجهٍ حُسنُهُ مَحبوبُ / تَطيبُ في أَمثالِهِ الذُنوبُ
وَقامَةٍ ذَلَّ لَها القَضيبُ / وَالقَلبُ تَنقَدُّ بِهِ القُلوبُ
هَفا بِقَلبي مِنهُ إِفراطُ الهَيَفْ / فَقُلتُ لَمّا أَن تَثَنّى وَاِنعَطَفْ
يا سَيِّدي مِن دونِ ذا المَيلِ التَلَفْ / وَشَرطُ مَن كانَ ظَريفاً في القَطَفْ
ما قِصَرُ القامَةِ مِثلُ الطولِ / وَلا البَدينُ الجِسمِ كَالمَهزولِ
عِشقُ الرَشيقِ الأَهيَفِ المَجدولِ / شَأنُ ذَوي الأَفهامِ وَالعُقولِ
لا يَعشَقُ الضَخمَ الغَليظَ الجِسمِ / غَيرُ غَليظِ الطَبعِ جافٍ فَدمِ
مُكَدَّرِ الحِسِّ رَكودِ الفَهمِ / يَقولُ في الحُسنِ بِغَيرِ عِلم
قَد صِحتُ لَمّا خِفتُ مِنهُ القَتلا / وَكِدتُ مِن فَرطِ السَقامِ أَبلى
يا حاكِماً جانِبَ فِيَّ العَدلا / مِهلاً بِمَن يَهواكَ مَهلاً مَهلا
يا ظالِماً يَقتُلُني مُجاهَرَهْ / قَد مَنَعَ الوَجدُ مِنَ المُساتَرَهْ
هَلُمَّ إِن شِئتَ إِلى المُناظَرَهْ / وَاِستَعمِلِ الإِنصافَ لا المُكابَرَهْ
في أَيِّ دينٍ حَلَّ قتلُ الروحِ / وَهَل لِما تَفعَلُ مِن مُبيحِ
إِن قُلتَ ذا جاءَ عَنِ المَسيحِ / فَلَيسَ ما تَزعُمُ بِالصَحيحِ
مُرقُسُ ما أَخبَرَنا بِذا الخَبَر / عَنهُ وَلا لوقا حُكاهُ في الأَثَر
وَقَد نَهى عَن ذا يُحَنّا وَزَجَر / وَلا اِرتَضى مَتّى بِهِ وَلا أَمَر
أَربَعَةٌ لَيسَ لَهُم عَديلُ / وَلا لَهُم في أَمرِهِم كَفيلُ
ما فيهِمُ مَن قالَ ما تَقولُ / فَهَل سَوى إِنجيلِهِم إِنجيلُ
فَإِن زَعَمتَ أَن ذا مَوجودُ / في زُبُرٍ جاءَ بِها داودُ
فَما الزَبورُ بَينَنا مَفقودُ / فَكَيفَ لَم تَعلَم بِهِ اليَهودُ
وَلَم يُخَبِّرُ أَحَدٌ سِواكا / مِنَ النَصارى كُلَّهُم بِذاكا
لا تَتَقَوَّلْ غَيرَ ما أَتاكا / وَغَلَّبِ الحَقَّ عَلى هَواكا
سَفكُ دَمي يُحظَرُ في الأَديانِ / فَدَع حِجاباً ظاهِرَ البُطلانِ
لا تَجمَعِ الإِثمَ مَعَ البُهتانِ / وَكُن عَلى خَوفٍ مِنَ العُدوانِ
وَاِعلَم بِأَنّي إِن تَمادى بي الهَوى / وَخِفتُ أَن أَتلَفَ مِن فَرطِ الضَنى
وَدُمتُ في هَجرِكَ لي كَما أَرى / وَلَم أَجِد مِنكَ لِما بي مُشتَكى
شَكَوتُ ما تَلقاهُ نَفسي البائِسَهْ / مِن خَطَراتٍ لِلهُمومِ هاجِسَهْ
عَفَت رُسومُ الصَبرِ فَهيَ دارِسَهْ / إِلى جَميعِ عُصبَةِ الشَمامِسَهْ
فَإِن هُمُ لَم يَرحَموا أَنيني / وَخَيَّبوا في قَصدِهِم ظُنوني
وَلَم أَجِد في القَومِ مِن مُعينِ / يُنصِفُني مِنكَ وَلا يُعديني
شَكَوتُ ما يَلقى مِنَ الأَحزانِ / قَلبي إِلى مَشيخَةِ الرُهبانِ
عَساكَ تَستَحي مِنَ الشِّيخانِ / وَإِن تَهاوَنتَ بِهِم في شاني
فَلا أَراكَ مُغضَبا عَبوسا / إِذا أَتَيتَ أَسأَلُ القِسّيسا
مَعونَةً أَرجو لَها التَنفيسا / عَن مُهجَةٍ قارَبَت النَسيسا
وَاِعلَم بِأَنّي إِن رَدَدتَ شافِعي / هذا وَلَم يَرجِع بِأَمرٍ نافِعي
فَلَيسَ ذا بِحاسِمٍ مَطامِعي / كَم طالَبٍ جَدَّ بِجِدِّ المانِعِ
لَو كُنتَ مَبذولاً لَنا لَم تُطلَبِ / وَإِنَّما نَرغَبُ إِذ لَم تَرغَبِ
وَكَلَفُ النَفسِ بِتَركِ الأَقرَبِ / وَشِدَّةُ الحِرصِ عَلى المُستَصعَبِ
وَإِن تَمادَيتَ عَلى جَفائِكا / وَدُمتَ بِالقِلَّةِ مِن حِبائِكا
في هَجرِنا عَلى قَبيحِ رَأيِكا / وَاِستَيأَسَ الرُهبانُ مِن إِصفائِكا
فَلا تَلُمني إِن قَصَدتُ الأَسقُفا / مَن بَرَّحَ السُقمُ بِهِ رامَ الشِفا
فَلا تَقُل أَبدَيتَ مَكنونَ الخَفا / أَنتَ الَّذي أَحوَجتَني أَن أَكشِفا
سَوفَ إِلى المُطرانِ أُنهى قِصَّتي / إِن دامَ ما تُؤثِرُهُ مِن هِجرتِي
فَإِن رَثَي لي طالِباً مَعونَتي / وَلَم تُشَفِّعْهُ بِكَشفِ كُربَتي
شَكَوتُ ما يَلقاهُ مِن فَرطِ السَقَمْ / قَلبي إِلى البَطرَكِ وَالحَبرِ العَلَمْ
عَساكَ إِن خالَفتَهُ فيما حَكَمْ / يُدخِلُكَ الحِرْمَ فَوَيلُ مَن حَرَمْ
هُناكَ تَأتي مُستَقيلاً ظُلمي / تَسأَلُني عَطفَ الرِضا بِالرَغمِ
تَرضى بِما يُنفِذُ فيكَ حُكمي / إِذا بِكَ اِشتَدَّ عَذابُ الحِرمِ
دَع ذا فَهذا كُلُّهُ تَهديدُ / أَرجو بِهِ قُربَكَ يا بَعيدُ
هَيهاتَ سِرّي أَبَداً جَحودُ / فيكَ وَقَولي كُلُّ ما تُريدُ
مَولايَ قَد ضاقَت بيَ الأُمورُ / فَقُلتُ ما قُلتُ وَقَولي زورُ
قَلبِيَ إِلّا في الهَوى جَسورُ / فَلا تَلُم أَن يَنفُثَ المَصدورُ
مَولايَ بِالرَحمنِ أَحيِ مُغرَما / يَخافُ أَن تَغضَبَ إِن تَظَلَّما
إِلَيكَ أَشكو فَعَسى أَن تُنعِما / مَهلاً قَليلاً قَد قَتَلتَ المُسلِما
يا جَرجَسُ اِرفُق بِفُؤادٍ هائِمِ / يا سَيِّدي خَف سوءَ عُقبى الظالِمِ
وَقَد رَضينا بِكَ في التَحاكُمِ / وَالجَورُ لا يُشبِهُ فِعلَ الحاكِمِ
أَقصى رَجائي مِنكَ نَيلُ الوُدِّ / وَقُبلَةٌ تَشفي غَليلَ الوَجدِ
يا جائِراً أَفرَطَ في التَعَدّي / مِنكَ إِلَيكَ في الهَوى أَستَعدي