المجموع : 3
الحَمدُ للَّه على آلائهِ
الحَمدُ للَّه على آلائهِ / حمدَ اِمرئٍ أخلصَ في آدائهِ
أَحمدهُ والحمدُ من نعمائهِ / أَن خصّنا بخيرِ أنبيائهِ
محمّدٍ سيّد كلّ عبدِ /
أَشهدُ أنّ اللَّه فردٌ يعبدُ / وأنَّ خيرَ خلقهِ محمّدُ
رَسولهُ المُتمّمُ المجدّدُ / وَكُلُّ مَن صدَّقهُ مُخلّدُ
بِغيرِ شكٍّ في جنانِ الخلدِ /
صلَّى عليهِ ربُّهُ وسلَّما / وآلهِ ومَن إِليهمُ اِنتمى
وَصحبهِ الهداةِ أنجمِ السَما / وَتابِعيهم وَجَميعِ العُلما
وكلِّ هادٍ في الوَرى ومهدي /
وَبعدُ فاِسمَع أيّها السعيدُ / وَمَن أنارَ قلبَه التوحيدُ
عقدَ بيانٍ درّه نضيدُ / أُسلوبهُ في نظمه فريدُ
بذكرِ طهَ جاءَ خير عقدِ /
نظّمتهُ بأنملِ الأفكارِ / مِن درِّ بحرِ المُصطفى المختارِ
خيرِ البَرايا صفوة الأخيارِ / وسيّدِ العبيدِ والأحرارِ
وَكلِّ جمعٍ في الوَرى وفردِ /
لخّصتُ فيهِ مولدَ الدرديرِ / وَزدتُ من مواهب البشيرِ
أَرجو بهِ الزلفى من الغفورِ / وَأَن يكونَ المُصطفى نصيري
وَدعوةً صالحةً مِن بعدي /
وَاِعلم بِأنّ مَن أحبَّ أَحمدا / لا بدَّ أَن يهوى اِسمه مردّدا
لذاكَ أهلُ العلمِ سنّوا المولدا / مِن بعدهِ فكانَ أمراً رشدا
أَرضى الوَرى إلّا غواة نجدِ /
وَلَم يَزل في أمّةِ المختارِ / مِن نحوِ خمسةٍ أعصارِ
مُستَحسناً في سائرِ الأمصارِ / يَجمعُ كلّ عالمٍ وقاري
وكلَّ سالكٍ سبيلَ رُشدِ /
كَم جمّعوا في حبّهِ الجموعا / وفرّقوا في حبّهِ المَجموعا
وَزيَّنوا الديارَ وَالربوعا / وَأَكثروا الأضواءَ والشُموعا
وَطيّبوا الكلّ بعرفِ الندِّ /
وفَرِحوا بذكرهِ وطرِبوا / وَأَكلوا على اِسمهِ وشرِبوا
وَاِبتَهلوا لربِّهم وطلبوا / وَاِستَشفعوا لهُ بهِ واِنتَسبوا
مُعتَقدينَ نيلَ كلِّ قصدِ /
كَم عمَّر اللَه به الدِيارا / وَيسَّرَ السرورَ واليسارا
إِذ بَذلوا الدرهمَ وَالدينارا / وَذَكروا الرَحمن والمُختارا
بينَ صلاةٍ ودعا وحمدِ /
يا هَل تُرى هذا يسوءُ أَحمدا / أَم هَل تراهُ ليسَ يُرضي الصَمَدا
فَدتكَ نَفسي اِعمل وَلا تخشَ الرَدى / وَكرِّر المولِدَ ثمَّ المولدا
تَعِش سَعيداً وتمُت في سعدِ /
لكنّما الأعمالُ بالنيّاتِ / وَيشرطُ الإخلاصُ للنجاةِ
إنّ الرِيا يُحوّل الحالاتِ / وَيقلبُ الطاعات سيّئاتِ
وَيجعلُ التقريبَ عينَ البعدِ /
وَلينفِقِ الأموالَ من حلال / فَذاك شرطُ صالحِ الأعمالِ
إِن لَم يكُن إلّا حرامُ المالِ / فَأجرهُ يَكون للأهالي
وَهو لهُ في النارِ شرُّ قيدِ /
وَخِلطةُ النساءِ بالرجالِ / في شَرعِنا مِن أقبح الخصالِ
وَسمةُ الفسّاقِ والجهّالِ / في كلِّ وَقتٍ وبكلِّ حالِ
وَمِن أجلِّ موجِبات الطردِ /
فاِحذَر جميعَ ما مَضى في المولدِ / وَكلَّ إيذاءٍ بفمٍّ أو يدِ
وَاِرفض سَماع كلّ غرٍّ منشد / بوصفِ حسناءَ ووصف أمردِ
واِهرُب تَفز مِن صوتِ هذا الوغدِ /
وَمَن أرادَ هَهنا الإنشادا / فَليخترِ الرَشادَ لا الفسادا
كَذِكرهِ الخلّاقَ والمَعادا / وَمدحهِ النبيَّ والأولادا
وَصحبَه الأسدَ وأيّ أسدِ /
أَكثِر منَ الصلاةِ والسلامِ / عَلى النبيّ المُصطفى التهامي
خيرِ البَرايا سيّد الأنامِ / مشرِّع الحلالِ والحرامِ
وَأصلِ كلِّ سؤددٍ ومجدِ /
فَكلُّ مَن صلّى عليه مرّةً / صلّى بِها اللَه عليه عشرةً
قَد صحَّ في الحديثِ هذا جهرةً / رَواه مسلمٌ فنالَ شهرةً
وَكانَ حقّاً سالماً من نقدِ /
وَلَو يصلِّي اللَّه ربّي واحده / لَعَدلت آلافَ ألفٍ زائده
فَاِنظر إذاً كم ذا بِها مِن فائده / وَكَم بها أنوارُ أجرٍ صاعِده
فَاِحرص عليها إِن تَكُن ذا رشدِ /
أوّلُ خلقِ اللَّه نورُ أحمد / أَصل الوَرى سيّدِ كلِّ سيّدِ
قِدماً تنبّا قبل طينِ الجسدِ / فهوَ أبٌ لوالدٍ وولدِ
مِن قبلِ خلقِ آدمٍ وبعدِ /
أوّلَ خلقِ اللّهِ كان نورهُ / منهُ الوَرى بطونهُ ظهورهُ
فكانَ قبل عرشهِ بحورهُ / وقلمٌ من بعده مسطورهُ
مِن كلّ موجودٍ بدون حدِّ /
قَد كانَ مِن نورِ النبيِّ الكلُّ / العلوُ منه خلقه والسفلُ
فالكونُ فرعٌ والنبيُّ أصل / ليسَ لهُ في العالمين مثلُ
لَولاهُ ما اِنفكَّ الوَرى في قيدِ /
ثمَّ بَرا الخلّاقُ خلقَ آدم / مِن طينةٍ من بعدِ خلقِ العالمِ
وخصَّه بِالنورِ نورِ الهاشمي / محمّدِ الهادي أبي العوالمِ
فَاِعجب لهُ من والدٍ للجدِّ /
وَخلقَ اللَّه له حوّاءَ / فَمالَ شوقاً نحوها وشاءِ
فَأَظهرت مِن قربهِ الإباءَ / فَقيلَ أدّ مَهرها سواءَ
صلِّ عَلى محمّدٍ ذي الحمدِ /
وَسَكنا في جنّة الرحمنِ / قَد نَعِما بالحسنِ والإحسانِ
حتّى أَتى إبليسُ بالبهتانِ / فَأَكلا فأُهبطَ الإثنانِ
فَوَقعا في الأرضِ أرض الهندِ /
فَوَلدت لآدمٍ بَنينا / وكانَ شيثٌ خيرَهم يَقينا
لِذا حَباهُ نورَه المَصونا / قالَ لهُ كُن حافِظاً أمينا
وَأَوصِ مِن بعدُ وبعدَ البعدِ /
وَشيثُ قَد أَوصى به الأبناءَ / أَن يَصطفوا لأجلهِ النساءَ
وَينكحوا الكرائمَ الأكفاءَ / مِن كلِّ ذاتِ نسبةٍ علياءَ
شَريفة الجدّين ذات مجدِ /
وَهَكذا أبناءُ شيثٍ بعدهُ / أَوصوا بَنيهم لازمينَ حدّهُ
مِن بَعدهم جاؤوا فَأجروا قصدهُ / كلُّ اِمرئٍ يَمضي فيوصي ولدهُ
قَد حَفِظوا النورَ منَ التعدّي /
تَزوَّجوا بِخالصِ النكاحِ / بِكلِّ ذاتِ نسبٍ وضّاحِ
ما اِجتَمَعوا قطّ عَلى سفاحِ / وَكانَ مِنهم سادةُ البطاحِ
أُسدُ الوَغا أكرِم بِهم من أسدِ /
وَكلُّ فردٍ منهمُ في فخرهِ / مُنفردٌ قَد سادَ أهل عصرهِ
ما مثلهُ في مجدهِ وبرّهِ / موحّدٌ لربّهِ بسرّهِ
فَالكلُّ مِنهم في جنانِ الخلدِ /
حتَّى أَتى خيرُ الورى مُهذّباً / أَصفى الأنام نَسَباً وَحَسبا
مِن خيرِ كلّ شُعبةٍ تشعّبا / أَعلاهمُ جَدّاً وأمّاً وأبا
يجلُّ مجدُ ذاتهِ عن حدِّ /
وَلَم يَزل نورُ النبيِّ الأكملُ / مِن سيّدٍ لسيّدٍ ينتقلُ
كأنَّهُ فوقَ الجبينِ مشعل / يَراهُ مَن يعقلُ من لا يعقلُ
ككوكبٍ قَد حلَّ برجَ سعدِ /
حتَّى اِستَقلَّ في جبينِ الماجدِ / مَن كانَ لِلمُختارِ خيرَ والدِ
مَولايَ عبدَ اللَّه ذي المحامدِ / لَم يُروَ عنهُ قطّ وصفُ جاحدِ
وَأُمُّهُ تنزَّهت عَن جحدِ /
أَليسَ إِيمانُهما بِلازمِ / وَمِنهُما قَد جاءَ هديُ العالمِ
كيفَ يكونُ رحمة العوالمِ / لِوالديهِ هوَ غير راحمِ
فَاِقطع لسانَ قائلٍ بالضدِّ /
رَوى لِساني ودَرى جَناني / أَنَّهُما في الخلدِ خالدانِ
قَد حَييا بِقدرَةِ الرحمنِ / وَآمَنا باِبنِهِما العدناني
فَخرِ مَعدٍّ وبني معدِّ /
يا حَسرَتا قَد قَضيا في يُتمهِ / والدهُ قَد ماتَ قبلَ أمِّهِ
وَاِغتمَّ أَملاكُ السما لغمِّهِ / واِبتَهلوا لربِّهم في حكمهِ
قالَ دَعوا لي صَفوتي وَعبدي /
كِلاهُما ما جاوزَ العِشرينا / وَلَم يُخلّف غيرهُ بَنينا
لَو بَقِيا قرّا بهِ عُيونا / وَرضيا دُنيا بهِ وَدينا
وَأَحرَزا كلَّ صنوف السعدِ /
لَكن أَراد ربّه اِنفرادهُ / بِحبِّه فَلم يَدَع أولادهُ
لَم يُعطهِ مِن أبويه زادهُ / وَقَد تَولّى وحدهُ إرشادهُ
كَي لا يَكون منّةٌ لعبدِ /
وَسخَّرَ الخلقَ لهُ جَميعا / كلُّهمُ كانَ لهُ مُطيعا
فَلَم يَكُن لعبدهِ مُضيعا / لا مُعطشاً يوماً ولا مُجيعا
روحي فداهُ وأَبي وجدّي /
سَيّدُنا محمَّدٌ خيرُ نَبي / فاقَ الوَرى في حَسبٍ ونسبِ
هو اِبنُ عبدِ اللَّه نجلِ النجبِ / جاءَ لهُ مِن قبلهِ في العربِ
عِشرونَ جَدّاً بصحيح العدِّ /
هُم سادةُ البطحاءِ عبد المطّلِب / وهاشمٌ عبد منافٍ الأرِب
قُصَيّهم كِلابُ مرّةٌ كَعِب / لؤيُّ غالبٌ قريشٌ تَنتَسِب
لِفهر بن مالكٍ ذي المجدِ /
نضرٌ كنانةٌ خزيمةُ السري / مدركةٌ إلياسُ بنُ مضرِ
نِزارُهم معدٌّ الليثُ الجري / أَبوه عدنان أَتى في الخبرِ
وَقفُ النبيِّ عندَ هذا الجدِّ /
أَكرِم بِهذا النسبِ المعظَّمِ / أَكرِم بِهذا الحسب المسلّمِ
أَكرِم بِهذا الجوهَرِ المنظّمِ / أَكرِم بِهذا الشمسِ هذي الأنجمِ
شَمسُ سعادةٍ نجومُ سعدِ /
أَجدادهُ كلٌّ لديه شَرف / ما مثلهُ في عصره مشرّفُ
وَكلُّهم بنورهِ قَد شرفوا / فإنَّه الدرُّ وكلٌّ صدفُ
وَالكلُّ نَحلٌ وهوَ عينُ الشهدِ /
لَمّا أَتى النورُ إلى أبيهِ / خيرِ الكرامِ الماجدِ النبيهِ
بِالبدرِ أمسى كاملَ التشبيهِ / وَشمسُ نورِ المصطفى تعطيهِ
فهوَ لهُ مِنها أجلُّ مدِّ /
رَغبه الناسُ فكلٌّ طلبا / لمّا رَأوه الكاملَ المهذّبا
أَعلى قريشٍ حَسباً ونَسبا / وَأجملَ الناس بهاءً ونبا
وَالنورُ في جَبينهِ ذو وقدِ /
زوّجهُ أبوهُ خيرَ حرّةٍ / آمنةَ الحصان أَبهى درّةٍ
لعينِ وهبٍ هيَ خيرُ قرّةٍ / عبدُ منافٍ جدّها ابن زهرةٍ
يَجمعُها كلابُ جدُّ الجدِّ /
أَكرِم بِها عَقيلةً ومجّدِ / أكرِم بذاكَ الفحلِ زاكي المحتدِ
ما مثلهُ ما مثلها من أحدٍ / حازا جميعَ المجدِ كلَّ السؤددِ
بِخيرِ مَن سادَ الورى في المهدِ /
تَزَيّنا بِزينة المناقبِ / وَظَهرا ببهجةِ الكواكبِ
وَاِصطَحبا بِصحبةِ الحبائبِ / وَاِقتَرنا بالشِعبِ شعبِ طالبِ
أَكرِم بِهذا مِن قرانِ سعدِ /
فَحَمَلت آمنةُ الأمينه / بِالدرّةِ الفَريدةِ المَكنونه
أَعلى اللآلي قيمةً وَزينه / وهيَ بِها ما بَرِحت ضَنينه
تَحفَظُها مِن كلِّ شيءٍ يُردي /
فَحَمَلت بِالمُصطَفى فخرِ الورى / خيرِ البَرايا خَبراً ومَخبرا
مَن ذِكرهُ يفوحُ مِسكاً أذفرا / وَطيبُ ريّاه يفوقُ العَنبرا
وَيُخجلُ الوردَ وَعطرَ الوردِ /
فَحَملت بخيرِ خلق اللَّه / حبيبهِ خليلهِ الأوّاهِ
مَن خَصَّهُ اللَّه بأعلى جاهِ / فَاِمتازَ بِالفضلِ على الأشباهِ
وَكانَ بعدَ الفردِ خير فردِ /
فَحَملت بِالكاملِ المُكمّلِ / خيرِ النبيّين الختامِ الأوّلِ
شمسِ الهُدى أفضلِ كلّ أفضلِ / مِن جندهِ كلُّ نبيٍّ مرسلِ
وَهُم لعمر اللَّه خيرُ جندِ /
فَحَملت بِمن بهِ توسّلوا / لربّهم فَبَلغوا ما أمّلوا
وَأَخذ العهدَ عليهم أوّلُ / أَن يُؤمنوا وينصروا فقَبِلوا
وَلَم يُخلّوا بِشروطِ العهدِ /
لَو كانَ موسى منهمُ وعيسى / في وقتهِ كانَ لَهُم رئيسا
وَكسّروا الأبواقَ وَالناقوسا / وَقدَّسوا أذانهُ تَقديسا
فَهو نبيّهم بغيرِ ردِّ /
فَحَملت بصاحبِ الآياتِ / أَكثرِ رسلِ اللَّه معجزاتِ
أَفضلهم في سائرِ الحالاتِ / وكلِّ خيرٍ سالفٍ وآتي
وكلُّهم تحتَ لواءِ الحمدِ /
فَحَمَلت بالشافعِ المشفّعِ / يومَ الجَزا في هولِ ذاك المجمعِ
إِذ أَغرقَ الناسَ بحارُ الأدمعِ / وَاِستَشفَعوا الرسلَ فلمّا تشفعِ
فَقالَ للخلقِ رِضاكم عندي /
وَراحَ تحتَ العرشِ خيرَ ساجدِ / وَحامِداً بأكملِ المحامدِ
يَشفَع لِلقُربى وللأباعدِ / شأنُ الفَتى الحرِّ الكريم الماجدِ
فَقالَ مَولاهُ له اِشفع عبدي /
فَحَملت بالسيّدِ المسعودِ / الحامدِ المحمّدِ المحمودِ
أَحمدِ خلقِ اللَّه للحميدِ / وَخيرِهم طرّاً بلا تقييدِ
في عهدهِ السامي وكلِّ عهدِ /
اِسمَع صفاتِ حَملها بالنورِ
اِسمَع صفاتِ حَملها بالنورِ / نورِ النبيِّ المُصطفى البشيرِ
زينِ البَرايا شرفِ العصورِ / هادي الوَرى لدينهِ المبرورِ
وَشرعهُ ما زالَ فيهم يَهدي /
قَد أَظهرَ اللَّه لهُ بفضلهِ / عَجائِباً لأمّه في حملهِ
تَدلُّها عَلى عظيمِ نبلهِ / وَأنَّه للَّه خيرُ رسلهِ
وَصفوةُ الصفوةِ من معدِّ /
في ليلةِ الحملِ سَرى النداءُ / وَسَمعتهُ الأرضُ والسماءُ
صارَ لنورِ المُصطفى ثواءُ / في بَطنِها وهيَ له وعاءُ
طُوبى لَها طوبى لها من خودِ /
وَلَطفَ اللَه بهِ في الرحمِ / إِذ نورهُ في وسطِ تلك الظلَمِ
وَأمُّه لم تَشكُ أَدنى ألمِ / وَلَم تَجد بهِ أقلَّ وحمِ
مَع حتمهِ لكلِّ ذاتِ نهدِ /
وَخفَّ مَعنىً حَملُهُ إِذ حُملا / وَلَم تَجِد كالناسِ فيه ثِقَلا
وَأَنكَرت عادةَ حيضٍ بُدّلا / فَشكّكت ثمّ مَضى لن يحصلا
فَاِستَيقَنت حَملاً بغير جهدِ /
أَتى لَها آتٍ بأوفى النعمِ / بَشّرها مِن عندِ باري النسَمِ
بِحملِ سيّدٍ لخيرِ الأممِ / سيّد كلّ عَرَبٍ وعجمِ
مِن هذهِ الأمّة ذات الرُشدِ /
ثمَّ أَتاها بعدُ آتٍ آخرُ / وَطرفُها لا نائمٌ لا ساهرُ
قالَ شَعرتِ واللبيبُ شاعرُ / أَن قد حَملتِ ولك البشائرُ
بِسيّدِ الأنام خيرِ عبدِ /
ثمَّ أَتى لَها أبرّ عائدِ / قالَ مَتى جئتِ بذاك الماجدِ
قولي لهُ أعيذهُ بالواحدِ / مِن شرِّ كلِّ طارقٍ وحاسدِ
سمّي محمّداً يَفُز بالحمدِ /
كانَت قريشٌ قبل حملِ أحمد / في شِدِّةٍ مِن ضيقِ عيشٍ أنكدِ
إِن زَرَعت في أرضِها لم تحصدِ / أَو بَذَلت أَموالها لم تجدِ
قَد أيسَت مِن رَحمةٍ ورفدِ /
فَنَزَلت بحملهِ الأمطارُ / وَاِخضرّت الزروعُ والأشجارُ
وَكثُر الحبوبُ والثمارُ / وَجاءَهم مِن بعدها التجّارُ
فَاِنحطّ سعرُ صاعِهم والمدِّ /
سَمّوهُ عامَ الإِبتهاجِ والفَرح / إِذ فَرِحوا وَزال عنهمُ الترَح
وَسمحَ اللَّه لهُم بما سَمح / بِيُمنِ مَن بِحملهِ الكون اِنشَرح
وَزالَ شؤمُ نحسهِ بالسعدِ /
أصبَحَ كلّ صَنمٍ مَنكوسا / كلُّ سَريرِ ملكٍ مَعكوسا
فَسرّ ذاكَ الملكَ القدّوسا / وساءَ شيخَ كُفرهم إِبليسا
أَعني بهِ الشيخَ اللعينَ النجدي /
وَبشّرت دوابُّهم بحملهِ / وَنَطقَت ليلتهُ بفضلهِ
إِمامُ دُنيانا عديم مثلهِ / وَهو سِراجُ أهلِها وأهلهِ
أَنطَقها اللّه المُعيد المُبدي /
وَالوحشُ في الشرقِ هو الخبيرُ / فهوَ لوحشِ المغرب البشيرُ
هَذي البراري وكَذا البحورُ / حيتانُها لِبَعضها بشيرُ
لأنّه رحمةُ كلّ فردِ /
في الأرضِ بالشهرِ له نداءُ / مُستَمعٌ ومثلُها السماءُ
أَن أَبشِروا فقَد دنا الهناءُ / يَأتي الكريمُ القاسمُ المعطاءُ
مُباركاً لكلّ خيرٍ يسدي /
وَجادَ ربّي للنسا سُرورا / أَن حَمَلَت في عامهِ ذُكورا
كَرامةً لِمَن أَتى بشيراً / لِلمُهتدي والمُعتدي نذيرا
فَكانَ عامَ فرحٍ ممتدِّ /
لَم يبقَ في ليلةِ حملٍ دارُ / ما أَشرَقت وعمَّها الأنوارُ
وَهَكذا الشمسُ لَها إِسفارُ / مَتى دَنت واِقترب المزارُ
وَلم تؤثّر في العيونِ الرمدُ /
قالوا وحَملُها بفخرِ العربِ / ليلةَ جُمعةٍ بشهرِ رجبِ
وَقيل يا رضوانُ أَسرع أجبِ / قُم واِفتحِ الفردوسَ حبّاً بالنبي
قد اِستقرّ الآنَ نورُ عبدي /
وَوقتُ حملهِ زمانٌ فاضلُ / وَهو شهورٌ تسعةٌ كواملُ
فَنعمَ مَحمولاً ونعم الحاملُ / ما وَجَدت ما وجدَ الحواملُ
مِن مَغَصٍ ووجَعٍ ووجدِ /
وَكانَ مِن آياتهِ في حملهِ / عصيانُ فيلٍ وهلاكُ أهلهِ
أَبرهةٍ بخيلهِ ورجلهِ / طيرٌ أبابيلٌ أتت لقتلهِ
وَقتلهم تردُّهم وتُردي /
صِف ليلةَ المَولدِ وَصفاً حسنا / ما ليلةُ القدرِ سِواها عندنا
قَد أَشرَقَت فاِبتَهجت مِنها الدُنا / وَاِعتَدَلت فَلَم يكُن فيها عَنا
ما بينَ حرّ وصفُها وبردِ /
مِن ليلةِ القدرِ نَراها أَحسنا / قَد جَمَعت أَفراحَنا وأُنسنا
وَأَوسَعَتنا نِعماً وَمننا / وَبلّغَتنا كلّ قَصدٍ ومنى
وَكلَّ مَطلوبٍ بغيرِ عدِّ /
اللَّه قد سرّ بِها الإيمانا / أَغاضَ ماءَ الفُرسِ والنيرانا
أَخمدَها وشقّق الإِيوانا / وَقَد رَأى موبذُ موبِذانا
رُؤيا أَرَتهم مُلكهم في فقدِ /
وَالجنُّ كانوا يَقعُدونَ مَقعدا / للسمعِ فاِنذادوا وكلٌّ طردا
مَن يَستَمِع يَجِد شِهاباً رصدا / كَالسهمِ يَأتي نحوهُ مسدّدا
لَهُ بهِ في النارِ شرّ وقدِ /
وَكَم أَتت مِن هاتفٍ أخبارُ / صَدَّقها الكهّانُ والأحبارُ
كلٌّ يُنادي قد دَنا المختارُ / وَاِقتربَ التوحيدُ والأنوارُ
فَالشركُ بعدَ اليوم ليسَ يُجدي /
وَحَضَرت ولادةُ المختارِ / فَأَشرقَ العالمُ بالأنوارِ
وَنَزَلت مِن أُفقِها الدراري / مثلَ المصابيحِ لدى النظَّارِ
قَد عُلِّقت لزينةٍ عن عمدِ /
وَفتحَت ملائكُ الرحمنِ / بِأمرهِ الأبوابَ للجنانِ
وَغَلّقوا الأبوابَ للنيرانِ / وَفَرحوا كالحورِ والولدانِ
إِذ أَصلُهم مِن نورهِ الممدِّ /
وَعمَّ فيهِم سائرَ الأرجاءِ / سُرورهم بخيرِ الأنبياءِ
وَفَتحوا الأبوابَ للسماءِ / وَاِكتَستِ الشمسُ من البهاءِ
أَحسنَ حلّةٍ وأبهى بردِ /
وَأَخبَرت آمنةُ السعيده / وهيَ بكلِّ أَمرها رَشيده
قالَت أَتاني طلقهُ وحيده / عَن كلِّ مَن يُؤنِسني بَعيده
في مَنزِلي أَجلسُ فيه وحدي /
وَما دَرى بي أحدٌ فيقترب / مِن كلِّ جارٍ لي وكلِّ مُنتسب
وكانَ في الطوافِ عبدُ المطّلب / فَحرتُ في أَمري وقلبي قد رُعِب
لَكن وعيتُ لم أغِب عَن رُشدي /
فَبَينما أَنا كذا في مَنزلي / سَمعتُ وَجبةً وأمراً مُذهلي
ثمَّ كأنَّ طائراً يمسحُ لي / عَلى فُؤادي بجناحٍ مسبلِ
فَزالَ رُعبي وَجعي ووجدي /
ثمَّ رأيتُ شربةً لا تجهلُ / بيضاءَ فيها لبنٌ وعسلُ
شَربتُها فجاءَ نورٌ من عل / يُؤنِسني في وَحشتي إذ يحصلُ
خيرُ شرابٍ لبنٍ وشهدِ /
ثمَّ رأيتُ نِسوةً عوائدي / كَالنخلِ في طولِ القوام المائدِ
كَأنَّهنَّ مِن بناتِ الماجدِ / عبدِ منافٍ والد الأماجدِ
أَكرِم بهم من والدٍ ووُلدِ /
فَجِئنَ نَحو مَجلسي أحدقنَ بي / فَنالَني منهنّ كلّ العجبِ
وَقلتُ مِن أينَ تُرى علمنَ بي / عالَجنَني وقلنَ لي لا تَعجبي
آسيةٌ مريمُ حور الخلدِ /
وَمُدَّ بينَ الأرضِ والسماءِ / أَبيضُ ديباجٍ من البهاءِ
وَقائلاً أعلنَ بالنداءِ / خُذوهُ عَن أعين كلّ رائي
سَمعتهُ فَلم أَفُه بردِّ /
وَقَد رأيتُ في الهوا رجالاً / قَد وَقفوا لَم يَتركوا مَجالا
رَأيتُ في أيديهمُ أَشكالا / هيَ الأباريقُ بَدت تلَالا
مِن فضّةٍ صيغت بلا تعدّي /
وَأَقبلَت قطعةُ طيرٍ غطّتِ / كلَّ مَكاني وجميعَ حُجرتي
مِنقارُها زمرُّدٌ ذو بهجة / وَقد بدا الياقوتُ بالأجنحةِ
يجلُّ حسنُ ذاتها عن حدِّ /
عَن بَصَري ربّي أزالَ الحُجبا / فَأبصَرت عينايَ شيئاً عَجَبا
وَقد رأيتُ مَشرقاً ومَغربا / وَلَم أجِد ممّا ألمّ تَعَبا
وَزادَ قُربي حينَ زالَ بُعدي /
عَيني رَأت ثلاثةً أَعلاما / اِثنين في شرقٍ وغربٍ قاما
كأنَّما قَد بشّرا الأناما / وَالفَردُ فوقَ الكَعبةِ اِستَقاما
عَلّامةً لِنصرهِ والمجدِ /
وَبعدَ أَن كنتُ كَذا على هُدى / أَخَذني المخاضُ والنورُ بدا
وَلَم يَزَل مُخفّفاً مُشدّدا / حتّى وضعتُ وَلدي محمّدا
أَسعدَ مَولودٍ فتمّ سَعدي /
قَد وَلَدتهُ أمّه فَأسفرا / مُنظّفاً مطيّباً معطّرا
لَم ترَ فيه وَسخاً وقذرا / مُكمّلاً مختتناً مطهّرا
مَقطوعَ سرّةٍ بغير حدِّ /
وَقَد رَأت نوراً بهِ مُصطحباً / مِنها بَدا ولَم يَزل مُلتَهِبا
حتّى أضاءَ مَشرقاً ومَغرباً / رَأت قصورَ الشامِ منه والرُبا
رَأت بِعينَي رأسِها من بعدِ /
قالَت وكانَ ساجِداً إذ نزلا / وَخاضِعاً لربّه مُبتهلا
ثمّ منَ السماءِ نَحوي أقبلا / سحابةٌ فغيّبت خيرَ الملا
وَقائلاً طوفوا بخيرِ عبدِ /
طوفوا بهِ كي يعلَموا الأخبارا / مَشارقاً مَغارباً بِحارا
لِيَعرفوهُ السيّدَ المُختارا / باِسمٍ وصورةٍ ونعتٍ سارا
يُمحى بهِ الشركُ وكلّ جحدِ /
وَاِنكَشَفت عنهُ سَريعاً فبدا / وَعادَ لي كَما مَضى مؤيّدا
عَلى يديهِ حينَ وَضعي اِعتَمدا / ثمَّ مَلا بتربةِ الأرضِ اليدا
إِشارةً لِمُلكِها من بعدِ /
وَرَفَع الرأسَ إِلى السماءِ / مُلتَفتاً لعالم البهاءِ
إِذ خلقهُ مِن نورِ هذا الرائي / أَصل الأصولُ وأبي الآباءِ
والكلُّ عندهُ بحكمِ الولدِ /
في ليلةِ الإثنينِ لاِثني عَشرا / قُبيلَ فَجرٍ من ربيعٍ ظهرا
فَأَشرقَ الكونُ بهِ إِذ أسفرا / وَأَخجلَ الشمسَ وفاقَ القَمرا
وَالبدرُ قَد كلّمه في المهدِ /
وَأَرضَعته ذاتُ حظٍّ وافر / حَليمةٌ مِن غُررِ العشائرِ
كانَ لَديها القوتُ غير ياسر / فأصبَحت أيسرَ أَهلِ الحاضرِ
سَعيدةٌ قد سَعدت من سعدِ /
يا رَبّنا بجاههِ لديكا / إِنّا توسّلنا بهِ إليكا
مُعتَمدين ربّنا عليكا / وَطالبينَ الخيرَ مِن يَديكا
فَألهمِ الكلَّ سبيل الرشدِ /
يا ربّنا بِجاههِ اِستجب لنا / وَأَعطِنا ومَن نحبُّ سُؤلنا
وَاِقبل إِلهي قَولنا وفِعلَنا / وَأصلِحن نُفوسَنا وأهلنا
وَاِحفظهمُ مِن كلِّ شيءٍ يُردي /
يا ربَّنا واِغفِر لَنا الذنوبا / يا رَبَّنا واِستُر لَنا العُيوبا
يا ربَّنا ويسّر المَرغوبا / يا رَبَّنا وَعسّرِ المَرهوبا
وَأبعدِ المَكروهَ كلَّ البعدِ /
يا ربَّنا واِغفِر لِوالدينا / أَشياخِنا إخوانِنا بَنينا
أَصلِح لهُم دُنياهمُ والدينا / وَأَسكنِ الجميعَ علّيينا
وَنحنُ فيهم في جنانِ الخلدِ /
يا ربَّنا واِحفَظ لنا السُلطانا / ضاعِف لنا ضاعِف لهُ الإِحسانا
وَاِنصُره يا ربِّ على أَعدانا / وَاِحفَظ إِلهي ديننا دنيانا
بهِ وَعمّالٍ له وجندِ /
أَصلِح لهُ يا ربَّنا عمّاله / أَصلِح رَعاياهُ وجمّل حالَهُ
بلّغهُ ممّا تَرتضي آمالهُ / وَاِجعَل لَنا أقواله أفعالهُ
مَحمودةً تُنطِقنا بالحمدِ /
يا ربِّ واِرحَم أمّة المختارِ / في كلّ عصرٍ وبكلِّ دارِ
وَاِحرسهمُ مِن سلطةِ الأغيارِ / في سائرِ البلادِ والأقطارِ
في كلِّ غورٍ وبكلِّ نجدِ /
بهِ اِستَجب يا ربّنا دَعواتنا / آمِن بهِ يا ربّنا روعاتنا
حَسّن بهِ يا ربّنا حالاتنا / وَبدّلن بالحسنِ سيّئاتنا
وَنجّنا مِن حَسدٍ وحقدِ /
صلّ عليهِ يا إِلهي عددا / لَيسَ يحدّ أَزلاً وأبدا
وَالآلِ والصحبِ نجومِ الاهتدا / لمَن بِهم من أمّة الهادي اِقتَدى
وَعكسُ هَذا هُم لأهلِ الطردِ /
وَاِرضَ عَن الخليفةِ المُقدّمِ / صاحبهِ صديقهِ المعظّمِ
أَعطاهُ مالهُ وخير الحُرَمِ / ثمَّ غَزا الرومَ وأرضَ العجمِ
وَردَّ كلَّ جاهلٍ مرتدِّ /
وَاِرضَ عنِ الفاروقِ أفضل الورى / بعدَ أَبي بكر الإمامِ عُمرا
كاسرِ كِسرى ومبيدِ قَيصرا / ليثِ الوغا قائدِ آسادِ الشرى
أَعني أبا حفصٍ شقيق زيدِ /
واِرضَ عنِ الصهرِ الكريم الأفضلِ / زوجِ اِبنتَي خير نبيٍ مرسلِ
عُثمان ذي النورينِ والفضلِ الجلي / مجهّزِ الجيشِ لخير الرسلِ
جهّزهُ بإبلٍ ونقدِ /
واِرضَ عنِ المولى الإمام حيدر / زوجِ البتولِ أصلِ خيرِ عُنصرِ
بابِ النبي حاملِ باب خيبرِ / فاتِحها مِن بعدِ عجزِ العسكرِ
قاتلِ مرحبٍ وعمرِو ودِّ /
واِرضَ إِلهي عن تمامِ العشرَه / وَكلِّ بدريٍّ وَأَهل الشجَرَه
وَأُحدٍ وكلّ مَن قَد نظَرَه / فَكلّهم قومٍ عدولٌ بَرَرَه
وَاِختم لَنا بِجاههم بالرشدِ /
وَالحمدُ للَّه فقد تمّ الخبَر / عَن مولدِ المُختارِ سيّد البَشَر
أَلفٌ ثلاثمائةٍ واِثنا عشَر / تاريخُ نظمِ عقدِ هذهِ الدرَر
في شهرهِ قَد تمّ خير عقدِ /
الحمدُ للَّهِ على آلائهِ
الحمدُ للَّهِ على آلائهِ / حمدَ اِمرئٍ أخلص في أدائهِ
أحمدهُ والحمد من نعمائهِ / أَن خصّنا بخير أنبيائهِ
محمّدٍ سيّد كلّ عبدِ /
أَشهدُ أنّ اللَّه فردٌ يعبدُ / وأنّ خيرَ خلقه محمّدُ
رسولهُ المتمّمُ المجدّدُ / وَكلُّ من صدّقه مخلّدُ
بغيرِ شكٍّ في جنان الخلدِ /
صلّى عليهِ ربّهُ وسلّما / وَآلهِ ومَن إِليهم اِنتمى
وصحبهِ الهداةِ أَنجمِ السَما / وَتابِعيهم وجميعِ العُلَما
وكلِّ هادٍ في الوَرى ومهتدي /
وَبعدُ فاِسمَع أيّها السعيدُ / ومَن أنارَ قلبه التوحيدُ
عقدَ بيانٍ درّه نضيدُ / أُسلوبهُ في نظمه فريدُ
بذكرِ طهَ جاءَ خير عقدِ /
نظّمتهُ بأنملِ الأفكارِ / مِن درِّ بحرِ المصطفى المختارِ
خيرِ البَرايا صفوة الأخيارِ / وسيّدِ العبيدِ والأحرارِ
وَكلِّ جمعٍ في الورى وفردِ /
لَخّصتُ فيه مولدَ الدرديرِ / وَزدتُ من مواهب البشيرِ
أَرجو به الزلفى من الغفورِ / وأَن يكونَ المُصطفى نصيري
وَدعوةً صالحةً من بعدي /
وَاِعلَم بأنّ من أحبَّ أحمدا / لا بدَّ أَن يَهوى اِسمه مردّدا
لِذاكَ أهلُ العلمِ سنّوا المولدا / مِن بعدهِ فَكان أمراً رشدا
أَرضى الوَرى إلّا غواةَ نجدِ /
ولَم يزَل في أمّةِ المختارِ / مِن بعدِ نحو خمسةٍ أعصارِ
مُستَحسناً في سائرِ الأمصارِ / يجمعُ كلّ عالمٍ وقاري
وكلَّ سالكٍ سبيلَ رشدِ /
كَم جمّعوا في حبّهِ الجُموعا / وَفرّقوا في حبّهِ المَجموعا
وَزيّنوا الديارَ والربوعا / وأَكثروا الأضواءَ والشموعا
وَطيّبوا الكلّ بعرفِ الندِّ /
وَفَرحوا بذكرهِ وطرِبوا / وَأَكلوا على اِسمهِ وشربوا
وَاِبتَهلوا لربّهم وَطلبوا / وَاِستَشفعوا له بهِ واِنتَسبوا
مُعتقدينَ نيلَ كلّ قصدِ /
كَم عمّرَ اللَّه بهِ الديارا / وَيسّر السرورَ واليسارا
إِذ بَذلوا الدرهمَ والدينارا / وَذكَروا الرحمنَ والمُختارا
بينَ صَلاةٍ ودعا وحمدِ /
يا هَل تُرى هذا يسوءُ أحمَدا / أَم هَل تراهُ ليس يُرضي الصمَدا
فدتكَ نَفسي اِعمل وَلا تخشَ الردى / وكرّر المولدَ ثمّ المولدا
تعِش سَعيداً وتمُت في سعدِ /
لكنّما الأعمالُ بالنيّاتِ / وَيشرطُ الإخلاصُ للنجاةِ
إنّ الرِيا يحوّلُ الحالاتِ / ويقلبُ الطاعاتِ سيّئاتِ
وَيجعلُ التقريبَ عين البعدِ /
وَلينفقِ الأموالَ من حلالِ / فَذاكَ شرطُ صالح الأعمالِ
إِن لَم يَكن إلّا حرامُ المالِ / فَأجرهُ يكونُ للأهالي
وَهوَ لهُ في النارِ شرُّ قيدِ /
وَخلطةُ النساءِ بالرجالِ / في شَرعنا من أقبحِ الخصالِ
وَسمةُ الفسّاق والجهّالِ / في كلّ وقتٍ وبكلّ حالِ
وَمن أجلّ موجباتِ الطردِ /
فَاِحذر جميعَ ما مضى في المولدِ / وكلَّ إيذاءٍ بفمٍ أو يدِ
وَاِرفُض سماعَ كلّ غرّ منشدِ / بوصفِ حسناءَ ووصف أمردِ
وَاِهرُب تفُز مِن صوت هذا الوغدِ /
وَمَن أرادَ هَهنا الإنشادا / فَليخترِ الرشادَ لا الفسادا
كذكرهِ الخلّاقَ والمعادا / وَمدحهِ النبيَّ والأولادا
وَصحبهِ الأسدَ وأيّ أسدِ /
أَكثِر منَ الصلاةِ والسلامِ / عَلى النبيِّ المُصطفى التهامي
خيرِ البَرايا سيّد الأنامِ / مشرّعِ الحلالِ والحرامِ
وَأصلِ كلّ سؤددٍ ومجدِ /
فكلُّ مَن صلّى عليه مرّةً / صلّى بها اللَّه عليه عشرة
قَد صحّ في الحديث هذا جهرةً / رَواه مسلمٌ فنال شهرة
وَكانَ حقّاً سالماً من نقدِ /
وَلَو يصلّي اللَّهُ ربّي واحده / لَعَدَلت آلاف ألفٍ زائدَه
فَاِنظر إِذاً كَم ذا بها من فائده / وَكَم بِها أنوار أجرٍ صاعدَه
فاِحرص عَليها إن تكن ذا رشدِ /
أوّل خلقِ اللَّه نور أحمدِ / أصلِ الورى سيّد كلّ سيّدِ
قِدماً تنبّا قبل طينِ الجسدِ / فهوَ أبٌ لوالدٍ وولدِ
مِن قبلِ خلق آدمٍ وبعدِ /
أوّلَ خلقِ اللَّه كان نورهُ / منهُ الورى بطونه ظهورهُ
فكانَ قبلَ عرشهِ بحوره / وقلمٌ مِن بعده مسطورهُ
مِن كلِّ مَوجودٍ بدون حدِّ /
قَد كانَ مِن نورِ النبيّ الكلُّ / العلوُ منه خلقه والسفلُ
فَالكونُ فَرعٌ والنبيُّ أصلُ / ليسَ له في العالمين مثلُ
لولاهُ ما اِنفكَّ الورى في قيدِ /
ثمّ بَرا الخلّاقُ خلقَ آدم / مِن طينةٍ مِن بعد خلق العالمِ
وخصّهُ بالنورِ نور الهاشمي / محمّد الهادي أبي العوالمِ
فَاِعجَب لهُ من والدٍ للجدِّ /
وخلَقَ اللَّه له حوّاءَ / فَمالَ شَوقاً نحوها وشاءَ
فَأَظهرت من قربهِ الإباءَ / فقيل أدِّ مهرها سواءَ
صلّي على محمّدٍ ذي الحمدِ /
وَسكَنا في جنّة الرحمنِ / قَد نعِما بالحسن والإحسانِ
حتّى أَتى إبليسُ بالبهتانِ / فَأكلا فأُهبط الإثنانِ
فَوقَعا في الأرضِ أرض الهندِ /
فَولَدت لآدمٍ بَنينا / وكانَ شيثٌ خيرهم يقينا
لِذا حباهُ نوره المصونا / قال لهُ كُن حافظاً أمينا
وَأوصِ مِن بعدُ وبعد البعدِ /
وَشيثُ قَد أَوصى به الأبناءَ / أَن يَصطفوا لأجله النساءَ
وَينكحوا الكرائم الأكفاءَ / مِن كلِّ ذات نسبةٍ علياءَ
شَريفة الجدّين ذات مجدِ /
وَهَكذا أبناءُ شيثٍ بعدهُ / أَوصوا بَنيهم لازمين حدّهُ
مَن بعدُهم جاؤوا فَأجروا قصدهُ / كلّ اِمرئٍ يمضي فيوصي ولدهُ
قَد حَفظوا النورَ من التعدّي /
تَزوّجوا بخالصِ النكاحِ / بِكلِّ ذاتِ نسبٍ وضّاحِ
ما اِجتَمعوا قطُّ على سفاحِ / وَكانَ مِنهم سادة البطاحِ
أُسدُ الوغا أكرم بهم من أسدِ /
وَكلُّ فَردٍ منهمُ في فخرهِ / مُنفردٌ قد ساد أهل عصرهِ
ما مثلهُ في مجدهِ وبرّهِ / مُوحّدٌ لربّه بسرّهِ
فالكلُّ مِنهم في جنانِ الخلدِ /
حتّى أَتى خيرُ الورى مُهذّبا / أَصفى الأنام نَسباً وحسبا
مِن خيرِ كلِّ شعبةٍ تشعّبا / أَعلاهمُ جدّاً وأمّاً وأبا
يجلّ مجدُ ذاته عن حدِّ /
وَلَم يَزل نورُ النبيِّ الأكملُ / مِن سيّدٍ لسيّدٍ ينتقلُ
كأنّه فوقَ الجبين مشعلُ / يراهُ من يعقل من لا يعقلُ
ككوكبٍ قد حلَّ برجَ سعدِ /
حتّى اِستقرّ في جبين الماجدِ / مَن كانَ للمختار خير والدِ
مَولاي عبد اللَّه ذي المحامدِ / لَم يُروَ عنه قطّ وصف جاحدِ
وَأمُه تنزّهت عن جحدِ /
أَليسَ إِيمانُهما بلازمِ / وَمِنهما قد جاء هديُ العالمِ
كيفَ يكونُ رحمة العوالمِ / لِوالديهِ هو غير راحمِ
فِاقطَع لسان قائل بالضدِّ /
رَوى لِساني ودَرى جناني / أنّهما في الخلد خالدانِ
قد حييا بِقدرة الرحمنِ / وآمَنا باِبنِهما العدناني
فَخرِ مَعدٍّ وبني معدِّ /
يا حَسرَتا قَد قَضيا في يتمهِ / والدهُ قَد مات قبل أمّهِ
وَاِغتمّ أملاك السما لغمّهِ / وَاِبتهلوا لربّهم في حكمهِ
قالَ دَعوا لي صَفوتي وعبدي /
كِلاهُما ما جاوَزَ العِشرينا / وَلَم يخلّف غيرهُ بنينا
لَو بَقيا قرّا بهِ عُيونا / وَرضِيا دُنيا به ودينا
وأَحرَزا كلّ صنوفِ السعدِ /
لَكن أرادَ ربّهُ اِنفرادهُ / بِحبِّه فلم يدع أولادهُ
لَم يُعطهِ مِن أبويه زادهُ / وَقَد تولّى وحده إرشادهُ
كَي لا يكون منّة لعبدِ /
وَسخّرَ الخلقَ له جميعاً / كلّهمُ كان له مُطيعا
فَلَم يكُن لعبدهِ مُضيعا / لا مُعطشاً يوماً ولا مُجيعا
روحي فِداه وأبي وجدّي /
سيّدُنا محمّدٌ خيرُ نبي / فاقَ الوَرى في حسبٍ ونسبِ
هو اِبنُ عبد اللّه نجل النجُبِ / جاءَ له من قبله في العربِ
عشرونَ جدّاً بصحيح العدِّ /
هُم سادةُ البطحاءِ عبد المطّلب / وهاشمٌ عبد منافٍ الأرِب
قصيُّهم كلاب مرّةٌ كَعِب / لؤيُّ غالبٌ قريشٌ تنتسب
لِفهرٍ بن مالكٍ ذي المجدِ /
نَضرٌ كنانةٌ خزيمةُ السَري / مُدركةٌ إلياسُ ابن مضرِ
نِزارُهم معدٌّ الليثُ الجري / أبوهُ عدنان أتى في الخبرِ
وَقفُ النبيّ عند هذا الجدِّ /
أكرِم بِهذا النسبِ المعظّمِ / أَكرِم بهذا الحسبِ المسلّمِ
أَكرِم بِهذا الجوهرِ المنظّمِ / أكرِم بِهذا الشمسِ هذي الأنجمِ
شمسُ سعادةٍ نجوم سعدِ /
أَجدادهُ كلٌّ لديه شرفُ / ما مثلُهُ في عصرهِ مشرّفُ
وَكلُّهم بنورهِ قد شَرُفوا / فإنّهُ الدرّ وكلٌّ صدفُ
وَالكلُّ نَحلٌ وهو عينُ الشهدِ /
لمّا أَتى النورُ إلى أبيهِ / خيرِ الكرامِ الماجد النبيهِ
بالبدرِ أَمسى كاملَ التشبيهِ / وشمسُ نورِ المُصطفى تعطيهِ
فهوَ لهُ مِنها أجلُّ مدِّ /
رَغِبهُ الناسُ فكلٌّ طَلبا / لمّا رَأوه الكاملَ المهذّبا
أَعلى قريشٍ حَسباً ونَسبا / وَأجملَ الناسِ بهاءاً ونبا
وَالنورُ في جَبينه ذو وقدِ /
زوّجهُ أبوهُ خير حرّةٍ / آمنةَ الحصانَ أبهي درّةٍ
لِعينِ وَهبٍ هيَ خيرُ قرّةٍ / عبدُ منافٍ جدّها اِبنُ زهرةٍ
يَجمعها كلاب جدّ الجدِّ /
أَكرِم بها عقيلةً ومجّدِ / أَكرِم بذاك الفحل زاكي المحتدِ
ما مثلُهُ ما مثلها من أحدِ / حازَ جميعَ المجد كلّ السؤددِ
بِخيرِ مَن ساد الورى في المهدِ /
تزيّنا بزينةِ المناقبِ / وَظَهرا ببهجةِ الكواكبِ
وَاِصطَحبا بِصحبةِ الحبائبِ / وَاِقتَرنا بالشِعبِ شعبِ طالبِ
أَكرِم بِهذا من قرانِ سعدِ /
فَحَملت آمنةُ الأمينَه / بِالدرّةِ الفَريدَةِ المَكنونه
أَعلى اللآلي قيمَةً وزينه / وَهيَ بِها ما بَرِحَت ضَنينه
تَحفظُها مِن كلِّ شيءٍ يُردي /
فَحَملت بالمُصطَفى فخرِ الورى / خيرِ البَرايا خَبراً ومخبرا
مَن ذكرهُ يَفوحُ مِسكاً أَذفرا / وَطيبُ ريّاهُ يَفوقُ العنبرا
وَيُخجلَ الوردَ وَعطرَ الوردِ /
فَحَمَلت بخيرِ خلقِ اللّهِ / حَبيبهِ خليلهِ الأوّاهِ
مَن خصّه اللَّه بأعلى جاهِ / فَاِمتازَ بِالفضلِ على الأشباهِ
وَكان بعدَ الفردِ خير فردِ /
فَحَمَلت بالكاملِ المكمّلِ / خيرِ النبيّين الختام الأوّلِ
شمسِ الهُدى أفضلِ كلّ أفضلِ / مِن جندهِ كلّ نبيٍّ مرسلِ
وَهُم لعمر اللَّه خير جندِ /
فَحَمَلت بمَن به توسّلوا / لِربّهم فَبلَغوا ما أمّلوا
وَأَخذ العهدَ عليهم أوّلُ / أَن يُؤمِنوا ويَنصروا فقَبلوا
وَلَم يخلّوا بِشروط العهدِ /
لَو كانَ موسى منهمُ وَعيسى / في وقتهِ كانَ لَهم رَئيسا
وَكسّروا الأبواقَ والناقوسا / وَقدّسوا أذانهُ تَقديسا
فَهو نبيّهم بغير ردِّ /
فَحَمَلت بِصاحبِ الآياتِ / أكثرِ رسلِ اللَّه معجزاتِ
أَفضَلهم في سائرِ الحالاتِ / وَكلِّ خير سالفٍ وآتي
وَكلُّهم تحتَ لواء الحمدِ /
فَحَمَلت بِالشافعِ المشفّع / يومَ الجزا في هولِ ذاك المجمعِ
إِذ أغرقَ الناسَ بحارُ الأدمعِ / وَاِستَشفعوا الرسلَ فلمّا تشفعِ
فَقال للخلقِ رضاكم عندي /
وَراحَ تحتَ العرشِ خير ساجدِ / وَحامدٍ بأكمل المحامدِ
يَشفعُ لِلقربى وللأباعدِ / شَأنَ الفَتى الحرِّ الكريم الماجدِ
فَقال مَولاه له اِشفع عبدي /
فَحَمَلت بالسيّد المسعودِ / الحامدِ المحمّد المحمودِ
أَحمدِ خلق اللّه لِلحميدِ / وَخيرِهم طرّاً بلا تقييدِ
في عهدهِ السامي وكلّ عهدِ /
اِسمع صِفات حَملها بالنورِ / نورِ النبيّ المصطفى البشيرِ
زينِ البَرايا شرفِ العصورِ / هادي الوَرى لدينه المبرورِ
وَشرعهُ ما زال فيهم يهدي /
قَد أظهرَ اللّهُ له بفضلهِ / عَجائباً لأمّه في حملهِ
تدلُّها عَلى عظيمِ نبلهِ / وَأنّه للَّه خير رسلهِ
وَصفوة الصفوة من معدِّ /
في ليلةِ الحملِ سرى النداءُ / وسَمِعتهُ الأرض والسماءُ
صارَ لنورِ المصطفى ثواءُ / في بَطنِها وهيَ له وعاءُ
طوبى لَها طوبى لها من خودِ /
وَلَطفَ اللَّه به في الرحمِ / إِذ نورهُ في وسطِ تلك الظلمِ
وَأمُّهُ لَم تشكُ أدنى ألمِ / وَلَم تَجِد به أقلّ وحمِ
مَع حتمهِ لكلّ ذات نهدِ /
وَخفّ مَعنىً حَملهُ إذ حُمِلا / ولَم نَجِد كالناسِ فيه ثقلا
وَأنكَرت عادة حيضٍ بُدّلا / فَشكّكت ثمّ مضى لن يحصلا
فَاِستَيقَنت حملاً بغير جهدِ /
أَتى لَها آتٍ بأوفى النعمِ / بشّرها مِن عند باري النسمِ
بحملِ سيّدٍ لخير الأممِ / سيّدِ كلّ عربٍ وعجمِ
مِن هذهِ الأمّة ذات الرشدِ /
ثمَّ أَتاها بعد آتٍ آخرُ / وَطرفُها لا نائمٌ لا ساهرُ
قالَ شعرتِ واللبيبُ شاعرُ / أَن قَد حملتِ ولك البشائرُ
بِسيّد الأنامِ خير عبدِ /
ثمّ أَتى لَها أبرّ عائدِ / قالَ مَتى جَنت بذاك الماجدِ
قولي لهُ أُعيذهُ بالواحدِ / مِن شرّ كلّ طارقٍ وحاسدِ
سمّي محمّداً يفز بالحمدِ /
كانَت قريشٌ قبلَ حمل أحمد / في شدّةٍ من ضيق عيشٍ أنكدِ
إِن زَرَعت في أرضِها لم تحصدِ / أَو بَذَلت أموالها لم تجدِ
قَد أيسَت مِن رحمةٍ ورفدِ /
فَنَزَلت بحملهِ الأمطارُ / واِخضرّتِ الزورع والأشجارُ
وَكثرَ الحبوبُ والثمارُ / وَجاءَهم من بعدها التجّارُ
فَاِنحطّ سعرُ صاعهم والمدُّ /
سمّوهُ عامَ الاِبتهاج والفرح / إِذ فَرِحوا وزال عنهم الترَح
وَسمحَ اللّهُ لهم بما سمَح / بيمنِ مَن بحمله الكون اِنشَرح
وَزالَ شؤمُ نَحسهِ بالسعدِ /
أَصبحَ كلُّ صنَمٍ مَنكوسا / كلُّ سرير ملكٍ معكوسا
فَسرّ ذاك الملكَ القدّوسا / وَساء شيخَ كفرهم إبليسا
أَعني به الشيخَ اللعين النجدي /
وَبشّرت دوابُّهم بِحملهِ / وَنَطقت ليلتُه بِفضلهِ
إِمامُ دُنيانا عديم مثلهِ / وَهوَ سراجُ أهلها وأهلهِ
أَنطقَها اللَّه المعيدُ المبدي /
وَالوحشُ في الشرقِ هو الخبيرُ / فهوَ لوحشِ المغرب البشيرُ
هَذي البراري وكذا البحورُ / حيتانُها لبعضها بشيرُ
لأنّهُ رحمةُ كلّ فردِ /
في الأرضِ بالشهر له نداءُ / مُستمعٌ ومثلُها السماءُ
أَن أبشِروا فَقد دنا الهناءُ / يَأتي الكريم القاسم المعطاءُ
مُباركاً لكلّ خيرٍ يُسدي /
وَجادَ ربّي للنِسا سُرورا / أَن حَمَلَت في عامهِ ذُكورا
كَرامةً لِمَن أَتى بَشيرا / لِلمُهتدي وَالمُعتدي نَذيرا
فَكانَ عامَ فرحٍ ممتدِّ /
لَم يبقَ في ليلةِ حملٍ دارُ / ما أَشرقَت وعمّها الأنوارُ
وَهَكذا الشمسُ لَها إِسفارُ / مَتى دنَت واِقترب المزارُ
وَلَم تؤثّر في العيونِ الرمدِ /
قالوا وَحملُها بفخرِ العربِ / ليلةَ جمعةٍ بشهر رجبِ
وَقيل يا رضوانُ أسرع أجبِ / قُم واِفتحِ الفردوسَ حبّاً بالنبي
قدِ اِستقرّ الآن نورُ عبدي /
وَوقتُ حملهِ زمانٌ فاضلُ / وَهو شهورٌ تسعةٌ كواملُ
فنعمَ مَحمولاً ونعم الحاملُ / ما وَجَدت ما وجد الحواملُ
مِن مَغَصٍ ووجعٍ ووجدِ /
وَكانَ مِن آياتهِ في حملهِ / عصيانُ فيلٍ وهلاكُ أهلهِ
أَبرهةٍ بخيلهِ ورجلهِ / طيرٌ أبابيلٌ أتت لقتلهِ
وَقتلِهم تردُّهُم وتُردي /
صِف ليلةَ المولدِ وصفاً حسنا / ما ليلةُ القدرِ سِواها عندنا
قَد أشرَقت فاِبتَهجت منها الدُنا / واِعتدَلت فلَم يكُن فيها عنا
ما بينَ حرٍّ وصفُها وبردِ /
مِن ليلةِ القدرِ نَراها أحسَنا / قَد جَمَعَت أَفراحَنا وأُنسَنا
وَأَوسَعتنا نِعَماً ومِنَنا / وَبلّغتنا كلّ قَصدٍ ومُنى
وَكلّ مَطلوبٍ بغير حدِّ /
اللَّه قَد سرّ بِها الإيمانا / أَغاضَ ماءَ الفرسِ والنيرانا
أَخمدَها وشقّق الإيوانا / وَقَد رأى موبذُ موبَذانا
رُؤيا أرَتهم مُلكَهم في فقدِ /
وَالجنُّ كانوا يقعدونَ مَقعدا / للسمعِ فاِنذادوا وكلٌّ طُرِدا
مَن يَستَمع يجِد شِهاباً رصَدا / كالسهمِ يَأتي نحوهُ مسدَّدا
لهُ بهِ في النار شرُّ وقدِ /
وَكَم أتَت من هاتفٍ أخبارُ / صدّقَها الكهّانُ والأحبارُ
كلٌّ يُنادي قد دنا المختارُ / وَاِقتربَ التوحيد والأنوارُ
فالشركُ بعدَ اليوم ليسَ يُجدي /
وَحَضَرت ولادةُ المختارِ / فَأشرقَ العالمُ بالأنوارِ
وَنَزَلت مِن أفقِها الدراري / مثلَ المصابيح لدى النظّارُ
قد عُلِّقَت لزينةٍ عن عمدِ /
وَفَتحت ملائكُ الرحمنِ / بِأمرهِ الأبواب للجنانِ
وَغلّقوا الأبوابَ للنيرانِ / وَفَرِحوا كالحور والولدانِ
إِذ أصلُهم من نوره الممدِّ /
وَعمَّ فيهم سائرَ الأرجاءِ / سرورهم بِخيرِ الاِنبياءِ
وَفَتَحوا الأبوابَ للسماءِ / وَاِكتستِ الشمس من البهاءِ
أَحسنَ حلّةٍ وأبهى بُردِ /
وَأَخبَرت آمنةُ السعيدَه / وَهيَ بكلِّ أمرِها رَشيدَه
قالَت أَتاني طلقهُ وَحيدَه / عَن كلِّ مَن يُؤنِسُني بعيدَه
في مَنزِلي أجلسُ فيه وَحدي /
وَما دَرى بي أحَدٌ فيقترب / مِن كلِّ جارٍ لي وكلِّ مُنتسِب
وَكانَ في الطوّافِ عبدُ المطلب / فحرتُ في أَمري وقلبي قَد رُعِب
لَكن وعيتُ لَم أغِب عَن رُشدي /
فَبَينما أَنا كذا في منزلي / سمعتُ وجبةً وأمراً مُذهلي
ثمّ كأنّ طائراً يمسحُ لي / عَلى فُؤادي بجناحٍ مسبلِ
فَزالَ رُعبي وَجعي وَوجدي /
ثمَّ رأيتُ شربَةً لا تُجهلُ / بيضاءَ فيها لبَنٌ وعسلُ
شَرِبتُها فجاءَ نورٌ من علُ / يُؤنِسُني في وحشتي إذ يحصلُ
خيرُ شَرابٍ لبنٍ وشهدِ /
ثمَّ رأيتُ نِسوةً عَوائدي / كالنخلِ في طولِ القوام المائدِ
كأنَّهنَّ مِن بناتِ الماجدِ / عبدِ منافٍ والد الأماجدِ
أَكرِم بهِم مِن والدٍ وولدِ /
فَجِئنَ نحوَ مَجلسي أحدقنَ بي / فَنالَني منهنَّ كلّ العجبِ
وقلتُ مِن أينَ تُرى علمنَ بي / عالَجنَني وقلنَ لي لا تَعجبي
آسيَةٌ مريمُ حورُ الخلدِ /
وَمُدَّ بينَ الأرضِ والسماءِ / أبيضُ ديباجٍ من البهاءِ
وَقائلاً أعلنَ بالنداءِ / خُذوهُ عن أعين كلِّ رائي
سَمِعتهُ فلَم أفُه بردِّ /
وَقَد رأيتُ في الهوا رِجالا / قَد وَقَفوا لَم يَتركوا مَجالا
رَأيتُ في أيديهمُ أَشكالا / هيَ الأباريقُ بَدَت تِلالا
مِن فضّةٍ صيغَت بلا تعدّي /
وَأَقبَلت قطعةُ طيرٍ غطّتِ / كلَّ مَكاني وجميع حجرتي
مِنقارُها زمرّدٌ ذو بهجةِ / وَقَد بدا الياقوت بالأجنحةِ
يجلُّ حسنُ ذاتها عن حدِّ /
عَن بَصَري ربّي أزالَ الحُجبا / فأبصَرت عينايَ شيئاً عجبا
وَقَد رأيتُ مَشرقاً ومغربا / ولَم أجِد ممّا ألمّ تَعَبا
وَزادَ قُربي حينَ زالَ بُعدي /
عَيني رَأَت ثلاثةً أعلاما / اِثنين في شرقٍ وغربٍ قاما
كأنّما قَد بشّرا الأناما / والفردُ فوقَ الكعبةِ اِستقاما
علامةً لنصرهِ والمجدِ /
وَبعدَ أَن كنتُ كذا على هدى / أَخَذَني المخاضُ والنور بدا
وَلَم يَزَل مخفّفاً مشدّدا / حتّى وضعتُ ولدي مُحمّدا
أَسعد مولودٍ فتمّ سعدي /
قَد ولدَتهُ أمُّه فَأسفَرا / منظّفاً مطيّباً مُعطّرا
لَم تَر فيه وسَخاً وقذَرا / مُكمّلاً مُختتناً مطهّرا
مَقطوعَ سرّةٍ بغير حدِّ /
وَقَد رَأت نوراً بهِ مُصطحبا / مِنها بَدا ولم يزَل مُلتهبا
حتّى أضاءَ مَشرقاً ومَغربا / رَأت قصورَ الشامِ منه والربا
رَأت بعينَي رأسِها من بعدِ /
قالَت وكانَ ساجداً إذ نزلا / وخاضِعاً لربِّهِ مُبتَهلا
ثمَّ منَ السماءِ نَحوي أقبلا / سَحابةٌ فغيّبت خيرَ الملا
وَقائلاً طوفوا بخيرِ عبدِ /
طوفوا بهِ كَي يعلَموا الأخبارا / مَشارقاً مَغارباً بِحارا
لِيعرفوهُ السيّدَ المُختارا / باِسمٍ وصورةٍ ونعتٍ سارا
يُمحى بهِ الشركُ وكلُّ جحدِ /
وَاِنكشَفت عنهُ سَريعاً فبدا / وَعادَ لي كَما مَضى مؤيّدا
عَلى يديهِ حينَ وضعي اِعتَمدا / ثمَّ مَلا بتربةِ الأرضِ اليَدا
إِشارةً لِملكها من بعدِ /
وَرَفعَ الرأسَ إلى السماءِ / مُلتفتاً لعالم البهاءِ
إِذ خلقهُ مِن نورِ هذا الرائي / أصل الأصول وأبي الآباءِ
وَالكلُّ عندهُ بحكم الولدِ /
في ليلةِ الإِثنين لاِثني عَشرا / قُبيل فَجرٍ من ربيع ظهرا
فَأشرقَ الكونُ بهِ إذ أسفرا / وَأخجلَ الشمسَ وفاقَ القَمرا
وَالبدرُ قَد كلّمه في المهدِ /
وَأرضَعته ذات حظٍّ وافرِ / حليمةٌ من غرر العشائرِ
كانَ لَديها القوتُ غير ياسرِ / فأصبَحت أيسرَ أهل الحاضرِ
سَعيدةٌ قد سَعدَت من سعدِ /
يا ربّنا بجاههِ لديكا / إنّا توسّلنا به إليكا
مُعتَمدين ربّنا عليكا / وَطالبينَ الخيرَ من يديكا
فَألهمِ الكلّ سبيل الرشدِ /
يا ربّنا بجاههِ اِستجب لنا / وَأَعطِنا ومَن نُحبّ سُؤلنا
وَاِقبل إِلهي قَولنا وَفِعلنا / وَأَصلِحَن نُفوسنا وأهلنا
وَاِحفَظهمُ مِن كلِّ شيءٍ يُردي /
يا ربّنا واِغفِر لنا الذُنوبا / يا ربّنا واِستُر لَنا العُيوبا
يا ربَّنا ويسّر المَرغوبا / يا ربَّنا وعسّرِ المَرهوبا
وَأبعدِ المكروهَ كلّ البعدِ /
يا ربَّنا واِغفر لِوالدينا / أَشياخِنا إِخواننا بنينا
أَصلِح لهُم دُنياهمُ والدينا / وَأسكنِ الجميعَ علّيّينا
وَنحنُ فيهِم في جنان الخلدِ /
يا ربّنا واِحفظ لَنا السُلطانا / ضاعِف لَنا ضاعِف له الإِحسانا
وَاِنصُره يا ربِّ عَلى أَعدانا / وَاِحفَظ إِلهي دينَنا دُنيانا
بهِ وعمّالٍ له وجندِ /
أصلِح لهُ يا ربّنا عمّاله / أَصلِح رَعاياه وجمّل حالهُ
بلّغهُ ممّا ترتضي آماله / واِجعَل لنا أقواله أفعالهُ
مَحمودةً تُنطقنا بالحمدِ /
يا ربِّ واِرحَم أمّة المختارِ / في كلِّ عَصرٍ وبكلِّ دارِ
وَاِحرُسهمُ مِن سُلطةِ الأغيارِ / في سائرِ البلاد والأقطارِ
في كلِّ غَورٍ وبكلّ نجدِ /
بهِ اِستَجِب يا ربّنا دَعواتنا / آمِن بهِ يا ربّنا روعاتِنا
حسّن بهِ يا ربّنا حالاتِنا / وَبدّلن بالحسنِ سيّئاتنا
وَنجّنا مِن حسدٍ وحقدِ /
صلّ عليهِ يا إلهي عددا / ليسَ يحدُّ أَزلاً وأبدا
وَالآلِ والصحبِ نجومِ الإهتدا / لمَن بِهم من أمّة الهادي اِقتدى
وَعكسُ هذا هُم لأهلِ الطردِ /
وَاِرضَ عنِ الخليفةِ المقدّمِ / صاحبهِ صديقه المعظّمِ
أَعطاه مالهُ وخير الحرمِ / ثمَّ غَزا الروم وأرض العجمِ
وَردّ كلّ جاهلٍ مرتدِّ /
وَاِرضَ عنِ الفاروقِ أفضل الورى / بعدَ أَبي بكر الإمام عُمرا
كاسرِ كِسرى ومبيدِ قيصرا / ليثِ الوغا قائدِ آساد الشرى
أَعني أبا حفصٍ شقيق زيدِ /
وَاِرض عنِ الصهرِ الكريم الأفضلِ / زوجِ اِبنتي خير نبيٍّ مرسلِ
عثمانَ ذي النورين والفضل الجلي / مجهّز الجيش لخير الرسلِ
جهّزهُ بإبلٍ ونقدِ /
وَاِرضَ عنِ المولى الإمام حيدرِ / زوجِ البتول أصل خير عنصرِ
بابِ النبي حامل باب خيبرِ / فاتِحها من بعدِ عجز العسكرِ
قاتل مرحبٍ وعمرو ودِّ /
واِرضَ إلهي عن تمام العشرَه / وكلّ بدريّ وأهل الشجره
وأُحدٍ وكلّ من قد نظره / فكلّهم قومٌ عدولٌ بررَه
وَاِختم لنا بجاههم بالرشدِ /
وَالحمدُ للّه فَقد تمَّ الخبر / عَن مولدِ المُختار سيد البشر
ألفٌ ثلاثمائةٍ واِثنا عشر / تاريخُ نظم عقد هذه الدرَر
في شهرهِ قَد تمّ خير عقدِ /