أيّ نعيمٍ في الصِّبَا والمُقْتَرَحْ
أيّ نعيمٍ في الصِّبَا والمُقْتَرَحْ / وشغلُ كفّيّ بكوبٍ وقَدَحْ
فَلا تَلُمني إنّني مُغْتَنِمٌ / مِنَ السّرورِ في زَمَاني ما مَنَحْ
فإنّهُ مُسْتَرْجِعٌ هِبَاتِهِ / وباخلٌ مِن الصِّبا بما سَمَح
وَسَقِّني من قهوَةٍ كاساتُها / تُسْرِجُ في الأيدي مصابيحَ الصّبح
لو شمَّها صاحٍ عَسيرٌ سُكْرُهُ / تحتَ لثامٍ في فدامٍ لَطَفَحْ
ولا تسوّفْني إلى ترويقها / لا يَشْتَوي اللّيثُ إذا اللّيثُ ذَبَحْ
حتى أقولَ زاحفاً من نشوَتي / يَحْسُنُ بالتزحيفِ بيتُ المنسرح
ومالئٍ زقّاً وكاهُ مردياً / سمَّ الأسَى منهُ بدُرْياقِ الفَرَح
وجاثمٍ بين النّدامَى تَرْتَوي / أشباحُهُمْ منه بما يَرْوَى شَبَح
كأنّما رَدّتْ عليه روحَهُ / سُلافَةُ الرّاح فإن مُسّ رمح
غضّ الصّبا كأنّما حديثهُ / يمازجُ النّفسَ بأنفاسِ الملح
حلّ وكاءً شدّهُ عن مُدْمَجٍ / طَلّ دم العنقودِ منه وسفح
حتى إذا ما صبّ منه رَيّقاً / سدّ على ذَوْبِ العَقيقِ مَا فتح
ترَى نجيعَ الزقّ منهُ راشحاً / كأنّهُ من وَدَجِ اللّيلِ رَشَح
مُدامَةٌ للرّوحِ أُخْتٌ بَرّةٌ / يَنْأى بها سُرورُنا عنِ التَرَح
قد عَلِمَتْ مزاجَهُ فَشُرْبُها / يَجْرَحُهُ ثُمّتَ يَأسُو ما جَرَح
وتجعلُ القارَ الذي باشَرَها / في الدنّ مسكاً للعرانينِ نفح
يحجب جسمُ الكاسِ من سعيرِها / نفحاً عن الكاسِ ولولاه نفح
والشّمْسُ منها في نقابِ غَيمِها / مخافةً من نورها أن تُفْتَضَحْ
يومٌ كأنّ القَطْرَ فيهِ لؤلؤٌ / يَنْظِمُ للرّوضِ عُقُوداً وَوُشَح
يَقدحُ ناراً من زنادِ بَرْقِهِ / ويطفئُ الغيثُ سريعاً ما قَدَح
لمّا جَرَتْ فيهِ الصَّبا عَليلةً / رقّ الهواءُ فيهِ للنّفسِ وصَح
كأنّما الكافورُ نَثْرُ ثَلْجِناْ / أو نَدَفَ البُرْسَ لنا قوسُ قزح
حتى علا الجوَّ دجىً لم يَغْتَبِقْ / فيه الثّرَى من الحيا كما اصطَبَح
غرابُ ليل فوقنا مُحَلّقٌ / يَقْبِضُ عنّا ظلّه إذا جنح
وقد محا صبغَ الدّياجي قَمَرٌ / دينارُهُ في كَفّةِ الغَرْبِ رَجَح
حتى إذا ردّ حُدا عدوّهِمْ / من كان في وادي الرّقادِ قد سرَح
نَبّهَ ذا هَذا وكلٌّ طَرْفُهُ / يلمحُ طرْفَ الشكرِ من حيثُ لمح
يسألُ في تقويمِ جيدٍ مائلٍ / لو لم يسامحْ في الحميّا لسَمَح
أضاربٌ كفّيه يَشدو سَحَراً / أم نافضٌ سقطيه فيه قد صَدَح
نبّهَ للقهوَةِ كلّ طافح / في مصرَعِ السكر قتيلاً مُطّرَح
من كلّ جذلان كأنّ رُوحَهُ / عن جسمه من شدّةِ السكرِ نَزَح
إنّ الّذي شَحَّ على إيقاظِهِ / سامَحَ في الشُّهْبِ نداماهُ فشَح
وجاءنا السّاقي بصَحنٍ مُفْعَمٍ / لو شاءَ أنْ يَسْبَحَ فيه لسَبَح
يا لائمي في الراح كم سيئةٍ / تجاوَزَ الغَفّارُ عنها وصَفَح
ماذا تُريدُ من سَبُوقٍ كُلّما / رُمْتَ وقوفاً منه باللّومِ جَمَح
أغشُّ خلقِ اللَّه عند ذي هوى / من عَرَضَ الرشدَ عليه ونصح
حتى إذا فكّرَ عَنْ بَصيرَةٍ / ذمّ من الأفعالِ ما كان مَدَح