أَشِعَّةٌ من مُقلَتَيكَ مُلهِبَه
أَشِعَّةٌ من مُقلَتَيكَ مُلهِبَه / يا أَلَمي تَجعَلُ نَفسي طَرِبَه
أَشرِق عَلى قَلبي بِهيّاً نيِّرا / فَيورِقَ الشَوكُ بِهِ وَيُزهِرا
يا هَيكَلا كُهّانُهُ القلوبُ / بَخورُهُ الأَدمُعُ وَالشُحوبُ
أَسمَعُ أَجراسَكَ من بَعيد / فَهي تُناديني إِلى السُجودِ
وَدَقَّ نِصفُ اللَيلِ في السُكونِ / فَاِختَلَجَ الشاعِرُ كَالظُنونِ
وَقالَ إِنَّ تَعَبَ الضَميرِ / يَصعَدُ من مَجاهِلِ القُبورِ
يا لَيلُ يا مَسارِبَ الفَواجِعِ / يا قِرَبَ الدِماءِ وَالمَدامِعِ
كَم من خِلِيٍّ فيكَ يَستَريحُ / وَكَم شَقِيٍّ بائِسٍ يَنوحُ
أُرقُد قَريرَ العَينِ يا خِلِيُّ / وَانتَ فَاِشقَ أَيُّها الشَقِيُّ
فَاللَيلُ مِلكُ المُترفِ السَعيدِ / وَمِلكُ كُلذِ تَعِسٍ شَريدا
غَلواءُ يا نِبراسَ قَلبي البائِسِ / يا أَمَلّا في ظُلُماتِ اليائِسِ
يا مَرهَماً لِقَلبِيَ المَوجوعِ / يا مَلَكاً يَطوفُ في دُموعي
أُحبُّ فيكِ صورَةً عَذراءَ / وَإِن تَكُن أَصباغُها شَوهاء
يا صورَةً تَجري بِها السَعادَه / أَلحبُّ فيها دونَهُ العِبادَه
يا أَرَجَ المُروج وَالأَكهامِ / يا وَتَراً أَسمَعَني أَنغامي
مَجَّدتُ آلامَكِ في الزُهورِ / في وَهَجِ الأَنوارِ في الطُيورِ
في بَسَمات الصُبحِ في الأَصائِل / في القَمحِ في تَمَوُّجِ السَنابِل
في أَدمُعِ الأَيِّمِ وَاليَتيمِ / في صَرخَةِ البَريءِ وَالمَظلومِ
يا زَهرَةً تائِبَةً مقدَّسَه / يا خُبر قُربانةِ نَفسي التَعِسَه
أَحمَدُكِ اليَومَ كامسِ وَغَدا / وَكُلّما غابَ النَهارُ وَبَدا
وَكُلَّما بَلَّلتُ بِالدُموعِ / شِعراً شَقِيّاً قُدَّ من ضُلوعي
وَقد أَحَسَّت فَترَةً بِروحِها / تَطَّرِحُ الأَوهام من جُروحِها
وَرَفَعَت اليهِ عيناً ذائِبَه / كَأَنَّها صورَةُ نَفسٍ تائِبَه
لكِنَّها عادَت إِلى جُنونِها / وَثارَت النيرانُ في عُيونِها
وَكانَ قَد أَوشَكَ أَن يُقَبِّلا / جَبينَها المُضطَربَ المُشتَعِلا
حينَ اِستَحالَت جَمرَةً مُلتَهِبَه / تَراجَعَت عَنهُ خُطىً مُضطَرِبَه
وَبعد فِكرٍ قالَتِ الحَياةُ / عَقارِبٌ من جَسَدي تَقتاتُ
دَعني فَلا أَبرَحُ يا حَبيبي / أَعيشُ في ماضِيَّ في ذَنوبي
في حَمأَةِ الضَميرِ في اوجاعي / في بُؤرَةِ الديدانِ وَالأَفاعي
أَيَستَطيعُ الطيبُ في القارورَه / أَن يَغسِلَ الأَوساخَ في القاذورَه
دَعني وَخلِّ نَفسَكَ العَذراءَ / عَذراءَ لا تَرجِسُ في غَلواءَ
وَاِستَرجِعِ القُبلاتِ من خَدَّيّا / مَغفِرَةٌ ثَقيلَةٌ عَليّا
فَقالَ إِنَّ دَمعَةً تَطَهَّرَت / تَكفي لِغَسلِ النَفس مَهما قَذِرَت
فَأَدمُعُ التَوبَةِ وَالغُفرانِ / أَقدَسُ يا غَلواءَ من القُربانِ
فهي خَميرُ الأَلَمِ المَعجونِ / وَفَلذَةُ القُلوبِ في العُيون
وَسُبحَةُ النُفوسِ في العَذابِ / تُجمَعُ في سِلكٍ من الأَهدابِ
وَهي عَصيرٌ من لُبانٍ طاهِر / تَعقُدُهُ الآلامُ في المَحاجِر
وَلُؤلوءٌ في قَعرِ بَحرٍ خاطي / يَقذِفُهُ الموجُ إِلى الشَواطىء
مَرَّت ثَوانٍ كُلُّها أَحلامُ / لَم يَتَخَلَّل سُكرَها كَلامُ
كان بِها الاِثنانِ يُصغِيانِ / إِلأى نَزاع الأَلَمِ السَكرانِ
إِذا بِهِ يَقولُ يا غَلواءُ / هذا الشَقا تَبارَكَ الشَقاء
هذا الشَقا يا غَلوَ يا حَبيبَتي / يا أُختِ يا عَروسس يا رَفيقَتي
هذا الشَقا في مَطهَرِ التَكفيرِ / آخِرُ حدٍّ لِشَقا الضَمير
غَلواءُ فِردوسُ الحَياةِ ههنا / فَأَنتِ لم تَزني بل الوَهمُ زِنى
إِحتَفِظي بِقُدسِ تَذكارِ الشَقا / فَهو طَريقٌ لِلعَفافِ وَالتُقى
إِنَّ الشَقاء سُلَّمٌ إِلى السَما / فَعَدنُ ميراثٌ لِمَن تَأَلَّما
وَثَمَنُ السَعادَةِ الخَلّابَه / لَيسَ يُوازي ثَمَنَ الكَآبَه
وَشُفيت غَلواءُ من أَوهامِها / لكِنَّها لَم تُشفَ من آلامِها