المجموع : 5
أَرى القَطا أَسرابا
أَرى القَطا أَسرابا / فَاطَّلِبِ الأَصحابا
إِن الصِحابَ عُدَّه / ذَخيرَةٌ في الشِدَّه
هُم زينَةُ الإِنسانِ / وَسَلوَةُ الأَحزانِ
هُم حِليَةُ المُعطَّلِ / وَهُم سِلاحُ الأَعزَلِ
إِن نابَكَ الزَمانُ / فَإِنَّهُم أَعوانُ
فَتىً بِلا إِخوانِ / عَينٌ بِلا إِنسانِ
هُم نِعمَةٌ لا تُكفَرُ / وَمِنَّةٌ لا تُنكَرُ
فَضنّ بِالإِخوانِ / وَاِحرِص عَلى الخُلانِ
وَكُن نَصوح الجَيبِ / وَكُن أَمين الغَيبِ
كُن لِلصَديقِ عِزّا / وَاِبذُل لَهُ ما عَزّا
وَأَغنِهِ إِن يفتَقر / وَعَفّ عَنهُ إِن قَدَر
وَجُد وَلا تَستَجدي / تَكُن أَثيلَ المَجدِ
وَلا تَكُن مَنّانا / تُكدِّرِ الإِحسانا
فَالمَنُّ بِالإِنعامِ / خَليقَةُ اللِئامِ
إِذا أَتاكَ يَشكُرُ / فَقُل لَهُ لا أَذكُرُ
تَسُود كُلَّ الناسِ / إِن قُلتَ إِنّي ناسي
أَكرم بِها مِن خلَّه / تُعزّ بَعدَ ذِلَّه
دَليلُ حُسنِ الخِيم / وَآيَةُ التَكريم
إِيّاكَ وَالمُنازَعَه / فَإِنَّها مُقاطَعَه
إِن تُحسن المُعامَلَه / فَأَقلِل المُجادَله
دَعِ الصَوابَ جانِبا / إِن كانَ يُؤذي الصَاحبا
فَإِنَّ هَذا أَدَبُ / إِن لَم يَضرّ الكذبُ
وَلا تَقُل ذا غَلَطُ / إِن كانَ فيهِ سَخَطُ
دَع رَأيَه لا تَنبِس / لا سيَّما في المَجلسِ
إِيّاكَ وَالجَفاءَ / إِن تُخلص الوَفاءَ
وَلا تُطِل حَبل النَوى / إِن كُنتَ صادِقَ الهَوى
وَاِعلَم بِأَنّ العُمرا / لَيسَ يُطيقُ الهَجرا
إِن الزَمانَ قُلَّبُ / وَالمَوتُ مِنكَ أَقرَبُ
ما أَقصَر الأَيّاما / وَأَسرَع الحِماما
فَاِغتَنمِ الزَمانا / وَواصِل الإِخوانا
إِذا أَرَدتَ أَن يَدومَ الحُبُّ
إِذا أَرَدتَ أَن يَدومَ الحُبُّ / فَلا تَكُن صِهراً لِمَن تُحِب
فَإِنَّ هَذا يُذهِبُ الوِفاقا / وَيَجلِبُ العِنادَ وَالشقاقا
وَلا تُبايِعهُ لأَجل الكَسبِ / فَإِنَّهُ مَذهَبةٌ لِلحُبِّ
إِني رَأَيتُ أَكثَرَ العِداءِ / يَكونُ في البَيعِ وَفي الشِراءِ
وَلَيسَ مِن مُروءةِ الإِنسانِ / أَن يَكسِبَ المالَ مِنَ الإِخوانِ
لا تَنقُل الشتمَ عَن السَفيهِ / إِلى الصَديقِ إِنَّهُ مُؤذيهِ
وَاِكتُمهُ عَنهُ إِنَّ ذاكَ شَرُّ / وَجَهلُهُ بِالشَر لا يَضرُّ
إِذا أَرَدتَ أَن تَكونَ كامِلا / فَلا تَكُن لما يُسيءُ ناقِلا
فَإِنَّهُ داعِيَةُ النفورِ / وَباعِثُ الأَحقادِ في الصُدور
إِنّي أَرى مَن دِينُهُ التَفريقُ / لَيسَ لَهُ بَينَ الوَرى صَديقُ
يَفرُّ مِنهُ الأَهلُ وَالأَصحابُ / فَإِنَّهُ نارٌ وَهُم أَحطابُ
مَن نَمَّ لي بِما يَقولُ القائِلُ / فَإِنَّهُ عَنّي كَذاكَ ناقِلُ
فَلا يَظنّ أَنَّني أُصفِيهِ / بِالود لَكِنِّيَ أتَّقيهِ
فَإِنَّ في صُحبَتِهِ المَلامَه / وَإِنَّ في اِتِّقائِهِ السَلامَه
إِنَّ زَخاريفَ الوُشاةِ تَخدَعُ / فَالعاقِلُ العاقِلُ مَن لا يَسمَعُ
وَإِنَّما السَيِّدُ وَالهُمامُ / مَن لا يَنالُ سَمعَهُ نَمّامُ
وَإِن يُبلِّغَكَ الوُشاةُ سَبّا / وَإِن تَكُن صِدقاً فَلا تَسُبّا
فَإِنَّهُ لَيسَ مِنَ الآدابِ / أَن تَجزيَ السِّبابَ بِالسِّبابِ
إِيّاكَ أَن تُشاتِمَ الطَغاما / وَإِن تُسَأ مِنهُم فَقُل سَلاما
وَاِجعَلهُ كَاللَغوِ مِن الكَلام / فَإِنَّهُ مِن خُلُقِ الكِرامِ
مَن يَتغابى عَن سماعِ شَتمِه / فَإِنَّ هَذا سَيِّدٌ في قَومِه
مَن كانَ مَرفوعَ الذُرى في الناسِ / فَلا يَرى في شَتمِهِ مِن باسِ
فَإِنَّهُ لا يُسقِطُ الأَقدارا / وَلا أَراهُ يَهدِمُ الفَخارا
وَمِثلُهُ مَدحُكَ للأَرذالِ / وَوَصفُكَ الناقِصَ بِالكَمالِ
فَإِنَّ مَن يُمدَحُ مِن غَيرِ عُلا / كَالكَلبِ قَد طَوَّقتَه مِن الحِلى
كُن لِلصَديقِ حِصنَهُ الحَصينا / وَكُن عَلى أَسرارِهِ أَمينا
وَلا تَسَلهُ بَذلَ ما لا تَبذُلُ / وَلا تُحمِّلهُ سِوى ما تَحمِلُ
فَإِنَّهُ داعِيَةُ النَفارِ / وَإِنَّهُ آيَةُ الاستِئثارِ
لا تَطوِ عَنهُ ما يَضُرُّ جَهلُه / فَإِن هَذا لا يُذَمُّ نَقلُه
وَاِنصح لَهُ إِن كُنتَ ذا وَفاءِ / فَإِنَّ هَذا واجِبُ الإِخاءِ
إِيّاكَ أَن تَنصَحَه تَصريحا / لِكَي يَراكَ صادِقاً نَصيحا
عَليكَ بِالتَعريضِ فيما تَنصَحُ / فَإِنَّما الحازِمُ لا يُصرِّحُ
وَلا يَكُن نُصحُكَ إِلّا لَينا / إِني أَرى التَشديدَ خرقاً بَيِّنا
مِمّا حَفِظناهُ مِنَ الآثارِ / الماء قَد يُطفِئُ حَرَّ النارِ
إِنَّ الصَديقَ لَومُهُ تَأديبُ / وَلَومُ مَن عادَيتَهُ تَأنيبُ
إِيّاكَ أَن تَنصَحَه جِهارا / فَإِنَّهُ يَزيدُهُ ضِرارا
لا تَنصَح الناس بِما لا تَفعَلُ / فَإِنَّها نَصيحَةٌ لا تقبَلُ
إِني أَرى نَصيحَةَ الأَفعالِ / أَبلَغ مِن نَصيحَة الأَقوالِ
لا تَترُكِ العَتبَ لِمَن تُصاحِبُه
لا تَترُكِ العَتبَ لِمَن تُصاحِبُه / إِنَّكَ تَستَبقي الَّذي تُعاتِبُه
إِيّاكَ أَن تُعاتِبَ اللَئِيما / إِنّي أَرى العَتَب لَهُ تَكريما
وَمَن يَرى الإِخوانَ دُونَ رُتبَتِه / فَذاكَ لا يُحمَدُ غِبُّ صُحبَتِهِ
فَلا تُعاتِبهُ إِذا أَساء / فَإِنَّهُ يَزيدُهُ اِستِعلاء
حَذارِ مِن مَعتبةِ الأَسافِلِ / فَإِنَّها مَنقَصَةٌ لِلكامِلِ
وَإِنَّهُ قَد دَنَّسَ العِتابا / مَن جَعَلَ العَتبَ لَهُم جَوابا
فَإِنَّهُم أَشبَهُ بِالكِلابِ / لا يَعرِفُونَ قِيمَةَ العِتابِ
وَلَيسَ لِلسفلةِ مِن تَأدِيبِ / إِذا أَساءُوكَ سِوى التَعذِيبِ
وَإِن غَدَوتَ صاحِبَ السُلطانِ / فَلا تَكُن مِنهُ عَلى أَمانِ
وَلا تُعاتِبهُ عَلى ما يَصنَعُ / فَإِنَّهُ عَن العِتابِ أَرفَعُ
إِيّاكَ أَن تَدنُوَ مِمَّن يَبعُدُ / عَنكَ وَأَن تَرغَبَ فيمَن يَزهَدُ
فَإِنَّما الرَغبَةُ ذُلُّ نَفس / فَكَيفَ بِالرَغبَةِ في ذِي يَأسِ
مَن طَلَب الماءَ مِن السَرابِ / يَرضَى مِن المَغنَمِ بِالإِيابِ
إِيّاكَ أَن تَزهَد فيمَن يَرغَبُ / فيكَ وَأَن تَبعُدَ عَمَّن يَقرُبُ
فَإِنَّهُ ظُلمٌ وَأَيُّ ظُلمِ / تركُكَ صاحِباً بِغَيرِ جُرمِ
وَآيَةُ الآدابِ في الإِنسانِ / أَن يَجزيَ الإِحسانَ بِالإِحسانِ
لا تَأمَن الغَدرَ مِن الإِخوانِ / فَإِنَّما الإِخوانُ كَالزَمانِ
وَإِنَّ مَن عَهِدتُهُ مُصاحِباً / سَرعان ما أَلفَيتهُ مُناصِبا
يَخدَعُني بِالبِشرِ وَالوِدادِ / وَالحِقدُ قَد بَرَّحَ بِالفُؤادِ
كَم مِن فَتىً يُظهِرُ لي صَفاءً / في حَضرَتي وَيُضمِرُ الشَحناء
يُؤَجِّجُ الغَيظُ بِهِ ضِراما / لَم يَرعَ لي عَهداً وَلا ذِماما
فَكَم دَنَوتُ وَهوَ عَنّى يَنفِرُ / وَكَم أَفي وَهوَ بِعَهدي يَغدرُ
وَهَكذا مَن أَمِنَ الأَصحابا / مِثلُ الشِياهِ تَأمَنُ الذِئابا
ما حِيلَتي أَدنُو لَهُ وَيَصرِمُ / وَأَبتَني الودَّ لَهُ وَيَهدِمُ
فَمِثلُهُ لا خَيرَ في عِتابِهِ / كُلُّ امرئٍ يَجري على آدابِهِ
حاسِنهُ لا تَبغِ الذي يَبغيهِ / كُلُّ إِناءٍ ناضِحٌ ما فيهِ
وَالطَبعُ في اللَئيمِ لَيسَ يُغلَبُ / وَالسُمُّ في العَقرَبِ لَيسَ يَعذُبُ
مِمّا حَفِظناهُ مِن العِظاتِ / وَما رَوَيناهُ عَنِ الثِقاتِ
إِنَّ العَصا مِن هَذِهِ العُصيَّه / هَل تَلِدُ الحَيَّةُ إِلا حَيَّه
لا تُفشِ سِرّاً أَنتَ مِنهُ مُشفِقُ / لا يَأمَنُ الإِخوانَ إِلّا أَحمَقُ
فَإِن غَدا صَدرُكَ وَهوَ ضَيِّقُ / فَصَدرُ مَن تُفشي إِلَيهِ أَضيَقُ
وَما رَأَيتُ حافِظاً لِسِرِّهِ / في الناسِ إِلّا مالِكاً لأمرِهِ
وَمَن طَوى عَنكَ الَّذي يَعنيكا / مِن سرِّهِ فَإِنَّهُ شانِيكا
فَذاكَ شَرٌّ مِن مُذيعِ سِرِّك / لِأَنَّهُ مُبالِغٌ في ضُرِّك
وَإِن أَتيتَ مَجلِسَ الإِخوانِ / فَلا تُجالِسهُم بِلا اِستِئذانِ
خَشيَةَ أَن يَمَسَّكَ اِحتِقارُ / وَأَن يَكونَ بَينَهُم أَسرارُ
فَإِن دُعِيتَ لِلدُخولِ فادخُلِ / وَإِن أَبوا فاتركهُمُ لا تُثقِلِ
إِن عَزَّتِ الأَصحابُ
إِن عَزَّتِ الأَصحابُ / وَقلَّتِ الأَحبابُ
وَأَعوز النَصيرُ / وَأَبطَأَ المُجيرُ
وَكَثُر اللئامُ / وَقَلَّت الكِرامُ
وَغاضَ ماءُ الوُدِّ / وفاضَ نَكثُ العَهدِ
حَتّى ذَوى الإِخاءُ / وَأَمحَل الوَفاءُ
فَلا تَرى صَفِيّا / وَلا أَخاً وَفيّا
عَوناً عَلى الزَمانِ / وَمَعقِلَ الإِخوانِ
إِن تَدعُه لَم يَأتَلِ / لَيسَ بِنكسٍ ذُمَّلِ
فَاتَّركِ الأَصحابا / وَاِصطَحب الكِتابا
فَهوَ الجَليسُ الصالِحُ / وَهوَ الصَديقُ الناصِحُ
وداده لا يخلقُ / وَحُبّهُ لا يُمزَقُ
وَحَبلُهُ مَوصولُ / إِن قاطَعَ الوصُولُ
لَيسَ يُرائي صاحِبا / وَلا يَرُدُّ طالِبا
يَزيدُ في نَوالِهِ / ما زِدتَ في سُؤالِهِ
يُجزِلُ في الإِحسانِ / وَلَيسَ بِالمَنّان
لا يَستَعيدُ سائِلا / وَلا تَراهُ ماطِلا
مُؤدِّبٌ لا يُصغِرُك / وَمُحسِنٌ لا يَحقِرك
إِن تَدعه لِمُعضِلِ / لَباكَ غَير مُؤتَلِ
ذاكَ الصَديقُ الأَطوَعُ / وَهوَ الرَفيقُ الأَخضَعُ
لَم أَرَ كَالكِتابِ / أَحفَظَ للآدابِ
أَبعَدَ عَن مُشاغَبَه / أَزهَد في مُعاتَبَه
أَرغَبَ عَن جِدالِ / أَكَفَّ عَن قِتالِ
أَجمَعَ للأَخبارِ / وَطَيِّبِ الآثارِ
وَحَسن الصِفاتِ / وَأَبلَغِ العِظاتِ
تَرَى بِهِ سَخيفاً / وَجَيِّداً طَرِيفا
وَالغَثَّ وَالسَمينا / وَشِدّةً وَلينا
أَما تَراهُ ناسِكا / ثُم تَراهُ فاتِكا
أَمنَعُ لِلأَحرارِ / مِن صُحبَةِ الأَشرارِ
أَوعَظُ للإِنسانِ / مِن غِيَرِ الزَمانِ
خَيرُ جَليسٍ في الدُنا / وَشاغِلٌ عَنِ المُنى
إِن المُنى ضَلالُ / قُصُورُها أَطلالُ
وَماؤُها سَرابُ / وَبَرقُها خَلّابُ
يَقنَعُ بِالدَنِيَّه / مَن أَكثَرَ الأُمنيَّه
فَإِنَّها أَحلام / أَصحابُها نِيامُ
لَيسَ بِها عَلاءُ / فَإِنَّها هَباءُ
سَرعانَ ما تَزُولُ / وَحالُها يَحُولُ
أَحبالُها رِمامُ / وَسُحبُها جَهامُ
وَإِنَّما الأَماني / تَعِلَّةُ الجَبانِ
إِن فاتَهُ ما يَطلُبُ / أَو نالَهُ ما يَرهَبُ
أَكثَرَ في التَمني / وَقَولِهِ لَو أَنِّي
إِيّاكَ أَن يَفتِنَكَ الشَبابُ
إِيّاكَ أَن يَفتِنَكَ الشَبابُ / وَأَن يَغُرَّ عَينَكَ السَرابُ
فَإِنَّما الشَبابُ ظِلٌّ زائِلُ / وَبَدرُهُ لا بُدَّ يَوماً آفِلُ
وَزَهرَةٌ تُذبِلُها اللَيالي / وَلَيسَ وَصلُهُ سِوى خَيالِ
سَرعانَ ما يَنقَشِعُ الجَهامُ / مِن سُحبِهِ وَيُسفِرُ الإِظلامُ
بادِرهُ ما اسطَعتَ بِما يَزينُ / وَلا تُدَنِّسهُ بِما يَشينُ
وَاِغتَنِم الشَبابَ قَبلَ الهَرَمِ / وَقَبلَ أَن تَصلى أُوارَ النَدَمِ
وَاِبخَل بِهِ إِلّا عَلى ما يَنفَعُك / وَجُد بِهِ فيما تَراهُ يَرفَعُك
فَإِنَّما أَيّامُهُ لَآلي / فَابخَل بِها إِلّا عَلى المَعالي
لا تُفنِها في لَذَّةِ المُدامِ / فَلَذَّةُ الكَأسِ إِلى آلامِ
لا يَسبِكَ الدَلُّ مِن الحِسانِ / وَاحذَر مِن التَشبيبِ بِالغَواني
وَاِطَّلبِ العَلياءَ فَهيَ أَطيَبُ / وَإِنَّ وَصلَ الغيدِ بَرقٌ خُلَّبُ
إِيّاكَ أَن تَجلِسَ في سَبيلِ / تَنظُر ذاتَ مَنظر جَميلِ
تَرشُقُها بَأَسهُمِ الأَلحاظِ / وَساقِطِ الأَقوالِ وَالأَلفاظِ
إِنّي أَرى عَجائِباً في مِصرِ / لا سِيَّما فِتيانُ ذاكَ العَصرِ
تَجَرَّدُوا مِن حِلية التَدَيُّنِ / فَلَم يَعُد إِيمانُهُم في مَأمَنِ
يَقضِي الجَهولُ ناضِرَ الشِهابِ / في لَعِبِ النَردِ مَعَ الأَصحابِ
تُنذِرهُ الساعاتُ وَهوَ سادِرُ / وَكَم هَداهُ الدَهرُ وَهوَ حائِرُ
يَقُولُ بادِر لَذَّةَ الحَياةِ / فَكُلُّ لَذّاتٍ إِلى فَواتِ
مِما حَفِظناهُ مِن العِظاتِ / وَما رَوَيناهُ عَنِ الهُداةِ
أَوّاهُ لَو كانَ الشبابُ يُبصِرُ / وَآهِ لَو كانَ المَشيبُ يَقدِرُ
لا تَزدَهيكَ عِزَّةُ المَناصِبِ / فَعِزَّةُ الدُنيا كَبَرق خالِبِ
عَمّا قَليلٍ شَمسُها تُغَيَّبُ / ما فَخرُ ذِي العَقلِ بِمَجدٍ يَذهَبُ
لا عِزَّةٌ بِمَنصِبٍ وَجاه / وَإِنَّما العزُّ بِتَقوى اللَهِ
فَحَسبُكَ التَقوى عُلاً وَعزاً / وَعُدَّةً لِمَن أَرادَ بَزّا
لا تَفتَخِر بِمَنصَبٍ وَمالِ / إِن كُنتَ ذا عَقلٍ وذا كَمالِ
دَع ما اِستَطَعتَ الفَخرَ بِالأُصُولِ / فَذاكَ فَخرُ العاجِزِ الكَسُولِ
وَإِن تَكُن بَينَ الوَرى شَريفاً / فَاضمُم إِلى تَلِيدِهم طَرِيفا
لا يُرفَعُ المَرءُ بِمَجد الوالِدِ / فَكُلُّنا فرعٌ لأَصلٍ واحِدِ
لا فَضلَ لامرِئٍ عَلى أَخيهِ / إلا بِذِكرٍ طَيِّبٍ يُبقيهِ
مِمَّا حَفِظناهُ مِنَ الآثارِ / وَما سَمِعناهُ مِن الأَخبارِ
أَنَّ امرَأً أَتى إِلى مُحَمَّدِ / يَسأَلُه عَن دينهِ وَيَهتَدي
فَأَدرَكَتهُ رِعدةٌ وَهَيبَه / لَمّا رَأى مُحَمَّداً وَصَحبَه
فَإِنَّهُ كانَ مَهِيبَ المَحضَرِ / إِن تَلقَه كَأَنَّهُ في عَسكَرِ
قالَ لَهُ النَبيُّ ماذا تَرهَبُ / مِنّا وَقَد جِئتَ إِلَينا تَرغَبُ
هَوِّن عَلَيكَ ما أَنا جَبّارُ / وَلا أَنا بَينَ الوَرى قَهّارُ
أُمّي كانَت تَأكُلُ القدِيدا / أَكرم بِهَذا خُلُقاً حَمِيدا
وَهَكذا كُلُّ عَظيم القَدرِ / دانٍ إِلى الناسِ قَليلُ الفَخرِ
وَمَن تَكُن بُغيَتُه العَلياءُ / فَقَدرُهُ في نَفسِهِ هَباءُ
يَسعى إِلى المَجدِ وَلَيسَ يَقنَعُ / وَمَن يَذُق طَعمَ العُلا لا يَشبَعُ
أَمّا قَصِيرُ الباعِ في المَعالي / فَإِنَّهُ يَقنَعُ بالآمالِ
مَهما تَكُن رُتبَتهُ صَغِيره / فَإِنَّها في ظَنِّهِ كَبيرَه
حَسبُكَ ما قَد جاءَ في الأَمثالِ / وَالكَلِمِ النَفائِسِ الغَوالي
إِن الأُسُودَ فَخرُها زَئيرُ / وَبِالنَهيقِ تَفخَرُ الحَميرُ
لا تُزهَ بِالطَريفِ وَالتلادِ / فَكُلُّ ما تَرى إِلى نَفادِ
أَوّاهُ لَو يَعرِفُ كُنهَ قَدرِهِ / في الناسِ مَن أَسقَطَهُ بِكبرهِ
لَو يَنظرُ الإِنسانُ مِمّا صُوِّرا / وَما يَؤُولُ أَمرُهُ ما اِستَكبَرا
إِن كُنتَ ذا عُلاً وَذا اِرتِفاعِ / في الناسِ فَاِحفَظهُ بِالاتِّضاعِ
وَكُن شَبيهَ البَدرِ في السَماءِ / وَنُورُهُ يَلُوحُ فَوقَ الماءِ
إِنَّ الفَتى مَن لَم يقُل أَنا أَنا / كَالغُصنِ إِن أَثمَرَ مالَ وَاِنثَنى
وَإِن يُصِب أَخُوكَ فَضلَ مَنصِبِ / فَلا تَزِد في الوُدِّ وَالتَحَبُّبِ
فَإِنَّهُ ضَربٌ مِنَ النِفاقِ / وَإِنَّهُ مِن سَيِّئِ الأَخلاقِ
وَإِن تَكُن ذا أَدَبٍ وَكيسِ / فَكُن كَما كُنتَ لَهُ بِالأَمسِ
وَزِدهُ في التَبجِيلِ وَالتَعظِيمِ / وَلا تَزد في وُدِّكَ القَديمِ
وَإِن تَزُرهُ وَهوَ في دِيوانِهِ / فَلا تُداعِبهُ لَدى إِخوانِهِ
تريدُ أَن يَفهَم مِنكَ الكُلُّ / أَنَّكَ أَنتَ الصاحِبُ المُدِلُّ
دَع ذَلِكَ الخُلقَ فَإِنّ فيهِ / غَيظاً لِمَن آخَيتَه يُؤذِيهِ
لا تَحسَبَنَّ خُلقَه ما تَفهَمُ / قَبلُ وَلا طِباعَه ما تَعلَمُ
فَإِنَّما الأَخلاقُ قَد تُبدَّلُ / وَالطَبعُ بِالعِزَّةِ قَد يُحَوِّلُ