هلَّ هلال المجد من أفق العلا
هلَّ هلال المجد من أفق العلا / فاقتبست شمس الضحى منه السنا
وأشرق الكون لدى استهلاله / فاختالت الدنيا بجلباب الضيا
وأنجم الجوزاء قد قلدنه / تمائما تزهر منه بالبها
ومهد العرش المجيد لوحه / مهدا تهزه به أيدي الهدى
وحيثما امتطى على ذروته / نلن ارتفاعا منه أفلاك السما
وحنكته بالحياء ظئره / وأرضعته من أفاويق الندى
ورتلت آيات نعت جدَّه / فاهتز مرتاحا إلى أن قد غفا
واتخذت من سندس الفخر له / أبهى قماط قد من تلك العبا
وقد بدا في غرَّة تحسبها / طرَّة صبح تحت أذيال الدجا
يبزغ بدر السعد عن طرته / والنجم من غرَّته إذا بدا
والليل من لئلائه لاح على / أرجائه ضوء صباح فانجلى
إذا نظرت في محيا وجهه / قلت سنا أو مض أو برق خفا
فيا له من ولد به ارتضى / من كان ذا سخط على صرف القضا
ينمي إلى مجد أثيل لاح من / عقاب لوح الجو أعلى منتمى
من معشر يتلو لسان فخرهم / بفي امرىء فاخركم عفر الثرى
راحاتهم على التوالي لم تزل / هامية لمن عرى أو اعتفى
وكم مرَّت صعادهم لمعتد / أفاوق الضيم ممرَّات الحسى
وكم على العجز صدورا قعدوا / وقوَّموا من صعر ومن صغا
وأدلجوا سيوفهم يوم الوغى / في ظلم الاكباد سبلا لا ترى
أطواد مجد قد رست أحلامهم / والناس إذ خال سواهم وهوى
والكل يروي فضله عن جعفر / والناس ضحضاح ثغاب أوضا
حبي لهم ذخيرة يوم اللقا / أعددته فلينأ عني من نأى
وكل من لم يرفضا حبهم / كان العمى أولى به من الهدى
وما انبرى لناظري من بعدهم / شيء يروق العين من هذا الورى
لهم أياد جمة كم أسبلت / عليَّ ظلا من نعيم وغنى
كم ورَّقوا لي منهلا أمره / صرف الزمان فاستساغ وحلا
وكم سقوني الودق من خلالهم / فاهتز غصني بعدما كان ذوي
وكم أقرُّوا أعيني بودهم / من بعد أغضائي على وخز القذا
وكم منار رفعوا لي شأوه / من بعد ما قد كنت كالشيء اللقى
وشيدوا لي بعد يأس دارسا / من الرجاء كان قدما قد عفى
ومهدوا لي للمعالي سبلا / أشفين بي منها على سبل الهدى
هم آل طه والانام كلهم / يطفون بالآل إذا الآل طفا
إني وحق جدَّهم لغيرهم / ما زاغ قلبي عنهمو ولا هفا
أنعم بأبناء لهم قد أثمرت / مآثر الآباء في فرع العلا
فمن أرد أن يداني مجدهم / تقاصرت عنه فسيحات الخطى
إن أمحلت أرض الرجا فإنهم / قوم همو للأرض غيث وجدي
أو طفحت أكفهم بوكفها / تملأ ما بين الرجا إلى الرجا
وإن تعاصت أزمة أتى بها / مخضوضعا منها الذي كان طغى
قد طبقوا كالغيث في قطر الندى / جميع أقطار البلاد والقرى
هل يطبيهم عرض الدنيا وهم / من جوهر منه النبي المصطفى
وهل يميلهم إليها طمع / إذا استمال طمع أو اطبى
وكلُّ قرم منهمو بصبره / يساور الهول إذا الهول علا
يرتضُّ رضوى بثبات جأشهم / إذا رياح الطيش طارت بالحبى
ومن كسوه بحلى أنظارهم / كان الغنى قرينه حيث التوى
لو كان غير الله أغنى منهمو / شاركهم فيما أفاد واحتوى
ولاءهم أحسن شيء يقتني / وأنفس الاذخار من بعد التقى
وبغضهم هيهات لا يختاره / لنفسه ذو أرب ولا حجى
اني بنسبتي إلى أعتابهم / أصون عرضا لم يدنسه الطخا
كم لي قيام بفناء بابهم / وموقف بين ارتجاء ومنى
لم آل جهدا في الثنا عليهمو / حتى أوارى بين ثنا الجثى
فمن تقضى عمره بنعتهم / أحرز أجرا وقلى هجر اللغى
لو قرنوا شكري على إِفضالهم / بشكل أهل الأرض طرَّا ما وفى
ما ذلَّ من لذله ولائهم / وعز فيه جانباها فاحتمى
لا سيما الروح الامين من به / إلى طريق المكرمات يقتدى
ذاك الذي قد قرنت أقواله / بفعله حتى علا فوق العلا
بحر علوم كل بحر طامع / من غمره في جرعة تشفى الصدى
ما جاء صاد نحوه وعينه / يشكو أوارى عيم إلا ارتوى
مدَّ إلى زهر المعالي كفه / فاحتط منها كل عالي المستمى
وما ومى لمطمح الا رنت / إليه عين العز من حيث رنا
وفي النهى أراش سهم حدسه / حتى رمى أبعد شأو المرتمى
من لك يا من تبتغي شأواه في / مستصعب المسلك وعر المرتقى
يمم جاه واكتفى عن غيره / تلق أمر احاز الكمال فاكتفى
فما بغير جوده وجوده / ترى أخا الاقتار يوما قد نما
إن سجاياه إذا ما نشرت / كانت كنشر الروض غاداه الحيا
ومن مزاياه الحسان للهدى / تتقادك البيض اقتياد المهتدى
حلو الفكاهات بثغر الذوق إن / ذقت جناه انساغ عذبا في اللهى
تراه من رقته وبأسه / لدنا شديدا غمزه لمن عسى
فمن تحلى بحلى أخلاقه / لم يستلبه الشيب هاتيك الحلى
فسيح بيت المجد مهما جئته / ما ضاق بي جنابه ولا نبا
تبدو المعاني الغرُّ من ألفاظه / ثاقبة البرقع عن عيني طلا
يبتهج المنبر في خطبته / مرتجلا أو منشدا وإن شدا
ويفخر الكرسي والعرش بما / راح به الواعظ يوما أو غدا
فهو الذي شرَّف كرسي العلا / وجده شرَّف عرش الاستوا
أبي نفس في العلا محكم / ترضى الذي يرضى وتأبى ما أبى
يبقى الثنا عليَّ مدحي بعده / والمرء يبقى بعده حسن الثنا
ويجلب المعنى لفكري نعته / من حيث لا يدري ومن حيث درى
أما ترى قريحتي بصوبها / أصبت أخا الحلم ولما يصطبى
ومن غرائب المعاني نارها / يدعو العفاة ضوؤها إلى القرى
فكيف لا ألهج في مدح فتى / لم يجد الذم إليه مرتقى
وحيث أرضاني بمحض ودِّه / أصفيته الود بخلق مرتضى
هيهات أن أبلغ حدَّ وصفه / وكل شيء جاوز الحد انتهى
نفسي له ولابنه الفدا ومن / تحت السماء لأميري الفدا
في مهد الاعداء مني لا تسل / عن ول يورى به ويشتوى
يشتعل الغيظ بقلب ضدَّه / مثل اشتعال النار في جزل الغضا
أضاء في نادي الامين أرِّخوا / المصطفى مصباح مشكوة النهى