المجموع : 50
لَمّا غَدا الثَعلَبُ في اِعتِدائِهِ
لَمّا غَدا الثَعلَبُ في اِعتِدائِهِ / وَالأَجَلُ المَقدورُ مِن وَرائِهِ
صَبَّ عَلَيهِ اللَهُ مِن أَعدائِهِ / سوطَ عَذابٍ صُبَّ مِن سَمائِهِ
مُبارَكاً يُكثِرُ مِن نَعمائِهِ / تَرى لِمَولاهُ عَلى جِرائِهِ
تَحَدُّبَ الشَيخِ عَلى أَبنائِهِ / يُكِنُّهُ بِاللَيلِ في غِطائِهِ
يوسِعُهُ ضَمّاً إِلى أَحشائِهِ / وَإِن عَرى جَلَّلَ في رِدائِهِ
مِن خَشيَةِ الطَلِّ وَمِن أَندائِهِ / يَضُنُّ بِالأَرذَلِ مِن أَطلائِهِ
ضَنَّ أَخي عُكلٍ عَلى عَطائِهِ / يَبيعُ بِاِسمِ اللَهِ في أَشلائِهِ
تَكبيرُهُ وَالحَمدُ مِن دُعائِهِ / حَتّى إِذا ما اِنشامَ في مَلائِهِ
وَصارَ لَحياهُ عَلى أَنسائِهِ / وَلَيسَ يُنجيهِ عَلى دِهائِهِ
تَنَسَّمُ الأَرواحِ في اِنبِرائِهِ / خَضخَضَ طُبيَيهِ عَلى أَمعائِهِ
وَشَدَّ نابَيهِ عَلى عِلبائِهِ / كَدَجِّكَ القِفلَ عَلى أَشبائِهِ
كَأَنَّما يَطلُبُ في عِفائِهِ / دَيناً لَهُ لا بُدَّ مِن قَضائِهِ
فَفَحَصَ الثَعلَبُ في دِمائِهِ / يا لَكَ مِن عادٍ إِلى حَوبائِهِ
وارِفَةٌ لِلطَيرِ في أَرجائِها
وارِفَةٌ لِلطَيرِ في أَرجائِها / كَلَغَطِ الكُتّابِ في اِستِملائِها
أَشرَفتُها وَالشَمسُ في خِرشائِها / لَم يَبرُزِ المَقرورُ لِاِصطِلائِها
بِشِقَّةٍ طَولُكَ في إِبقائِها / إِذا اِنتَحى النازِعُ في اِنتِحائِها
لَم يَرهَبِ الفُطورَ مِن سِبائِها / يُعزى اِبنُ عُصفورٍ إِلى بُرائِها
حَتّى تَأَنّاها إِلى اِنتِهائِها / وَاِستَوسَقَ القِشرُ عَلى لِحائِها
وَشُمِّسَت فَيَبِسَت مِن مائِها / فَالحُسنُ وَالجودَةُ مِن أَسمائِها
ثُمَّ اِبتَدَرنا الطَيرَ في اِعتِلائِها / بَنادِقاً تُعجِبُ لِاِستِوائِها
مِن طينَةٍ لَم تَدنُ مِن غَضرائِها / وَلَم يُخالِطها نَقا مَيثائِها
لا تُحوِجُ الرامي إِلى اِنتِقائِها / فَهيَ تُراقي الطَيرَ في اِرتِقائِها
مِثلَ تَلَظّي النارِ في اِلتِظائِها / مِن سودِ أَعجازٍ وَمِن رَهائِها
وَمِن شُروقاها وَمِن صَبغائِها / كُلَّ حَبَنطاةٍ عَلى اِحبِنطائِها
طَرّاحَةٌ لِلحوتِ مِن جَربائِها / مَرثومَةُ الخَطمِ بِطينِ مائِها
تَرفُلُ في نَعلَينِ مِن أَمعائِها / يَحُطُّها لِلأَرضِ مِن سَمائِها
وَجاهِلٍ طالَ بِهِ عَنائي
وَجاهِلٍ طالَ بِهِ عَنائي / لازَمَني وَذاكَ مِن شَقائي
كَأَنَّهُ الأَشهَرُ مِن أَسمائي / أَخرَقُ ذو بَصيرَةٍ عَمياءِ
لا يَعرِفُ المَدحَ مِنَ الهِجاءِ / أَفعالُهُ الكُلُّ عَلى اِستِواءِ
أَقبَحُ مِن وَعدٍ بِلا وَفاءِ / وَمَن زَوالِ النِعمَةِ الحَسناءِ
أَبغَضُ لِلعَينِ مِنَ الأَقذاءِ / أَثقَلُ مِن شَماتَةِ الأَعداءِ
فَهوَ إِذا رَأَتهُ عَينُ الرائي / أَبو مُعاذٍ أَو أَخو الخَنساءِ
تَجري عَلى أَحسابِهِم
تَجري عَلى أَحسابِهِم / وَالعودُ يَنبُتُ في لِحائِه
لَمّا تَفَرّى الأُفقُ بِالضِياءِ
لَمّا تَفَرّى الأُفقُ بِالضِياءِ / مِثلَ اِبتِسامِ الشَفَّةِ اللَمياءِ
وَشَمَطَت ذَوائِبُ الظَلماءِ / وَهَمَّ نَجمُ اللَيلِ بِالإِغفاءِ
قُدنا لِعَينِ الوَحشِ وَالظِباءِ / داهِيَةً مَحذورَةَ اللِقاءِ
شائِلَةً كَالعَقرَبِ السَمراءِ / مُرهَفَةً مُطلَقَةَ الأَحشاءِ
كَمَدَّةٍ مِن قالَمٍ سَواءِ / أَو هُدبَةٍ مِن طَرَفِ الرِداءِ
تَحمِلُها أَجنِحَةُ الهَواءِ / تَستَلِبُ الخَطوَ بِلا إِبطاءِ
وَمُخطَفاً مُوَثَّقَ الأَعضاءِ / خالَفَها بِجَلدَةٍ بَيضاءِ
كَأَثَرِ الشِهابِ في السَماءِ / وَيَعرِفُ الزَجرَ مِنَ الدُعاءِ
بِأُذُنٍ ساقِطَةِ الأَرجاءِ / كَوَردَةِ السَوسَنَةِ الشَهلاءِ
ذا بُرثُنٍ كَمِثقَبِ الحِذاءِ / وَمُقلَةٍ قَليلَةِ الأَقذاءِ
صافِيَةٍ كَقَطرَةٍ مِن ماءِ / تَنسابُ بَينَ أَكَمِ الصَحراءِ
مِثلَ اِنسِيابِ حَيَّةٍ رَقطاءِ / آنَسَ بَينَ السَفحِ وَالفَضاءِ
سِربَ ظِباءٍ رُتَّعِ الأَطلاءِ / في عازِبٍ مُنَوِّرٍ خَلاءِ
أَحوى كَبَطنِ الحَيَّةِ الخَضراءِ / فيهِ كَنَقشِ الحَيَّةِ الرَقشاءِ
كَأَنَّها ضَفائِرُ الشَمطاءِ / يَصطادُ قَبلَ الأَينِ وَالعَناءِ
خَمسينَ لا تَنقُصُ في الإِحصاءِ / وَباعَنا اللُحومَ بِالدِماءِ
يا ناصِرَ اليَأسِ عَلى الرَجاءِ / رَمَيتَ بِالأَرضِ إِلى السَماءِ
وَلَم تُصِب شَيئاً إِلى الهَواءِ / فَحَسبُنا مِن كَثرَةِ العَناءِ
هَناكَ هَذا الرَميُ بِاِبنِ الماءِ /
لِلَّهِ ما يَشاءُ
لِلَّهِ ما يَشاءُ / قَد سَبَقَ القَضاءُ
مَعَ التُرابِ حَيٌّ / لَيسَ لَهُ بَقاءُ
تَأكُلُهُ الرَزايا / وَالصُبحُ وَالمَساءُ
ضاقَ عَلَيكَ حَتماً / وَاِتَّسَعَ الفَضاءُ
شِفاءُ ما لَيسَ لَهُ شِفاءُ
شِفاءُ ما لَيسَ لَهُ شِفاءُ /
عَذراءُ تَختالُ بِها عَذراءُ /
حَتّى إِذا ما كُشِفَ الغِطاءُ /
وَمَلَكَت أَحلامَنا الصَهباءُ /
وَخَطبَ الريحَ إِلَينا الماءُ /
جَرى لَنا الدَهرُ بِما نَشاءُ /
وَبَرَكَةٍ مُترَعَةَ الأَرجاءِ
وَبَرَكَةٍ مُترَعَةَ الأَرجاءِ / فارِغَةً مِن سُبُلِ الأَنواءِ
يَغسِلُ فيها حُلَّةَ الظُلَماءِ / أَقامَت النارَ مَقامَ الماءِ
نارٌ كَوَجهِ غادَةٍ حَسناءَ / تَرقُصُ في مَبدَعَةٍ صَفراءِ
وَالجَمرُ في حُلَّتِهِ الحَمراءُ / مِثلَ بَنانٍ عُلَّ بِالحِنّاءِ
وَأَسهُمٌ تُصبَغُ بِالدِماءِ / فَهاكَها رَيحانَةَ الشِتاءِ
وَإِشرَب عَلَيها حَلَبَ الصَهباءَ / فَشُربِ صَهباءَ عَلى صَفراءِ
يَطرُفُ عَينُ البُؤسِ وَالضِراءِ /
أَلا تَرى ما أَصدَقَ الأَنواءَ
أَلا تَرى ما أَصدَقَ الأَنواءَ / قَد أَفنَتِ الحَجرَةَ وَاللَأواءَ
فَلَو عَصَرتَ الصَخرَ صارَ ماءَ / مِن لَيلَةٍ بِتنا بِها لَيلاءَ
إِن هِيَ عادَت لَيلَةً عِداءا / أَصبَحَتِ الأَرضُ إِذَن سَماءَ
ظَلَّت بِذاكَ القَهر مِن سوائِها
ظَلَّت بِذاكَ القَهر مِن سوائِها / بَينَ أُقَيبَين إِلى رَنقائِها
فيما أَقَرَّ العَينَ مِن أَكلائِها / مِن عُشُب الأَرضِ وَمن ثَمرائِها
حَتّى إِذا ما تَمَّ مِن أَظمائِها / وَعَتَكُ البَولُ عَلى أَنسائِها
وَحازَها الأَضعَفُ مِن رِعائِها / حَوزَ الكعابِ الثَني مِن رِدائِها
تَذكَّرت تَقتُدَ بردَ مائِها / وَالقَصَبَ العادِيَّ مِن أَطوائِها
فَبَذَّتِ العاجِزَ مِن رِعائِها / وَصَبَّحت أَشعَث مِن إِبلائِها
يُبارِكُ النَزعُ عَلى ظِمائِها / طِلحاً يَبيتُ اللَيلَ في ذرائِها
كَأَنَّها إِذ حَضَرَت لِمائِها / كَتيبَةٌ فاءَت إلى لِوائِها
قَد هَزَّها الأَعداءُ مِن لِقائِها / تَكادُ في الزَحمِ وَفي اِعتِدائِها
تُقَطِّر الجَلعَدَ مِن أَثنائِها / إِذا عَوى الصَيفِيُّ مِن غِذائِها
قَد حَيَّرَتهُ جِنُّ سَلمى وَأَجَأ
قَد حَيَّرَتهُ جِنُّ سَلمى وَأَجَأ /
في يَومِ قَيظٍ رَكَدَت جَوزاؤُهُ
في يَومِ قَيظٍ رَكَدَت جَوزاؤُهُ /
وَظَلَّ مِنهُ هَرِجاً حِرباؤُهُ /
وَمَنهَلٍ أَقفَرَ مِن أَلقائِهِ
وَمَنهَلٍ أَقفَرَ مِن أَلقائِهِ /
وَرَدتُهُ وَاللَيلُ في غِشائِهِ /
لَم يُبقِ هَذا الدَهرُ مِن آيائِهِ /
سِوى أَثافيهِ وَأَرمِدائِهِ /
وَالمَروُ يُلقيهِ إِلى أَمعائِهِ /
في سَرطَمٍ مادٍ عَلى اِلتِوائِهِ /
يَمورُ في الحَلقِ عَلى عِلبائِهِ /
تَمَعُّجُ الحَيَّةِ في غِشائِهِ /
هادٍ وَلَو جازَ بِحوَصِلائِهِ /
يَبدو خِواءَ الأَرضِ مِن خَوائِهِ /
هاوٍ يَظَلُّ المُخُّ في هَوائِهِ /
يَنفي ضُباعَ القُفِّ مِن حَفائِهِ /
وَمَرَّةً بِالحَدِّ مِن مَجذائِهِ /
عَن ذِبَّحِ التَلعِ وَعُنصُلائِهِ /
أَلصَقَ مِن ريشٍ عَلى غِرائِهِ /
وَالطِمُّ كَالسامي إِلى اِرتِقائِهِ /
يَقرَعَهُ بِالزَجرِ أَو إِشلائِهِ /
يَحفِرُ بِالمِنسَمِ عَن فَرقائِهِ /
عَن يابِسِ التُربِ وَعَن ثَريائِهِ /
إِذا لَوى الأَخدَعَ مِن صَمعائِهِ /
صاحَ بِهِ عُشرونَ مِن رِعائِهِ /
في بَرقٍ يَأكُلُ مِن حِذَّائِهِ /
جَونٌ تَلوذُ الطَيرُ مِن حُدائِهِ /
يَفيضُ عَنهُ الرَبو مِن وَحائِهِ /
يَعشى إِذا أَظلَمَ عَن عَشائِهِ /
ثُمَّ غَدا يَجمَعُ مِن غَدائِهِ /
وَالشَيخُ تَهديِهِ إِلى طَحمائِهِ /
فَالرَوضُ قَد نَوَّرَ في عَزّائِهِ /
مُختَلِفَ الأَلوانِ في أَسمائِهِ /
نَوراً تَخالُ الشَمسَ في حَمرائِهِ /
مُكَلَّلاً بِالوَردِ مِن صَفرائِهِ /
يُجاوِبُ المُكّاءَ مِن مُكّائِهِ /
صَوتُ ذُبابِ العُشبِ في دَرمائِهِ /
يَدعو كَأَنَّ العَقبَ مِن دُعائِهِ /
صَوتُ مُغَنٍّ مَدَّ في غِنائِهِ /
فَكَبَّهُ بِالرُمحِ في دِمائِهِ /
كَالحَفضِ المَصروعِ في كِفائِهِ /
ظَبيٌ رَأى صورَتَهُ في الماءِ
ظَبيٌ رَأى صورَتَهُ في الماءِ / فَرَفَعَ الرَأسَ إِلى السَماءِ
وَقالَ يا خالِقَ هَذا الجيدِ / زِنهُ بِعِقدِ اللُؤلُؤِ النَضيدِ
فَسَمِعَ الماءَ يَقولُ مُفصِحا / طَلَبتَ يا ذا الظَبيُ ما لَن تُمنَحا
إِنَّ الَّذي أَعطاكَ هَذا الجيدا / لَم يُبقِ في الحُسنِ لَهُ مَزيدا
لَو أَنَّ حُسنَهُ عَلى النُحورِ / لَم يُخرِجِ الدُرَّ مِنَ البُحور
فَاِفتَتَنَ الظَبيُ بِذي المَقالِ / وَزادَهُ شَوقاً إِلى اللآلي
وَلَم يَنَلهُ فَمُهُ السَقيمُ / فَعاشَ دَهراً في الفَلا يَهيمُ
حَتّى تَقَضّى العُمرُ في الهُيامِ / وَهَجرِ طيبِ النَومِ وَالطَعامِ
فَسارَ نَحوَ الماءِ ذاتَ مَرَّه / يَشكو إِلَيهِ نَفعَهُ وَضَرَّه
وَبَينَما الجارانِ في الكَلام / أَقبَلَ راعي الدَيرِ في الظَلام
يَتبَعُهُ حَيثُ مَشى خِنزيرُ / في جيدِهِ قِلادَةٌ تُنيرُ
فَاِندَفَعَ الظَبيُ لِذاكَ يَبكي / وَقالَ مِن بَعدِ اِنجِلاءِ الشَك
ما آفَةُ السَعيِ سِوى الضَلالِ / ما آفَةُ العُمرِ سِوى الآمالِ
لَولا قَضاءُ الملِكِ القَدير / لَما سَعى العِقدُ إِلى الخِنزير
فَاِلتَفَتَ الماءُ إِلى الغَزالِ / وَقالَ حالُ الشَيخِ شَرُّ حالِ
لا عَجَبٌ إِنَّ السِنينَ موقِظَه / حَفِظتَ عُمراً لَو حَفِظتَ مَوعِظَه
كانَ لِبَعضِ الناسِ بَبَّغاءُ
كانَ لِبَعضِ الناسِ بَبَّغاءُ / ما مَلَّ يَوماً نُطقَها الإِصغاءُ
رَفيعَةُ القَدرِ لَدى مَولاها / وَكُلُّ مَن في بَيتِهِ يَهواها
وَكانَ في المَنزِلِ كَلبٌ عالي / أَرخَصَهُ وُجودُ هَذا الغالي
كَذا القَليلُ بِالكَثيرِ يَنقُصُ / وَالفَضلُ بَعضُهُ لِبَعضٍ مُرخِصُ
فَجاءَها يَوماً عَلى غِرارِ / وَقَلبُهُ مِن بُغضِها في نارِ
وَقالَ يا مَليكَةَ الطُيورِ / وَيا حَياةَ الأُنسِ وَالسُرورِ
بِحُسنِ نُطقِكِ الَّذي قَد أَصبى / إِلّا أَرَيتِني اللِسانَ العَذبا
لِأَنَّني قَد حِرتُ في التَفَكُّرِ / لَمّا سَمِعتُ أَنَّهُ مِن سُكَّرِ
فَأَخرَجَت مِن طَيشِها لِسانَها / فَعَضَّهُ بِنابِهِ فَشانَها
ثُمَّ مَضى مِن فَورِهِ يَصيحُ / قَطَعتُهُ لِأَنَّهُ فَصيحُ
وَما لَها عِندِيَ مِن ثَأرٍ يُعَدُّ / غَيرَ الَّذي سَمَّوهُ قِدماً بِالحَسَد
سَلَّمَهُ الرَّبُّ من الأسْواءِ
سَلَّمَهُ الرَّبُّ من الأسْواءِ / مُيَسَّراً للحَمْد والثناء
وأسأل التيسيرَ في رؤيته / بالمصطفى الهادي وآل بيتهِ
وبعد فالشوق الكثير الزائد / منِّي إليك طارف وتالد
أشتاقكم شوق المشيب للصِّبا / والصبّ يشتاق لأرواح الصَّبا
والمغرم العاشق من يهواه / إذا دعاه للمنى هواه
لا سيما لمَّا أتى كتابكم / ولذّ لي في طيِّه خطابكم
كأنَّه ترجم عن أشواقي / وعن صَبابتي وعن أعلاقي
خَبَّرَ عن قلبٍ عميدٍ وامقِ / بصاحبٍ بل بصديق صادق
إنْ نظم الكلام يوماً أو نثرْ / فإنَّه يقذِفُ من فيه الدُّرر
بفكرةٍ ثاقبةٍ وقّادة / وفطنةٍ عارفةٍ نقّادة
أقوالُه في المجد أو أفعاله / يَقصرُ عن أمثالها أمثاله
لله درّ ناظم وناقد / جواهراً في بحر فَضل زائد
جاءََ به مبتكراً نظاماً / قد أبهرَ الأفكار والأفهاما
وزَيّنَتْ أقلامُه الطروسا / فأنْعَشَ الأرواح والنفوسا
وهزَّ كلّ سامعٍ من طرب / فكان عندي من أجلّ الكتب
كأنَّه من حسنه حيّاه / يهزّنا الشوق إلى لقياه
يجري النسيم في حواشي لفظه / ويَصدَع الصخرَ بفأس وعظه
فيا جزاك الله خير ما جَزى / مادَح أصحاب العبا مرتجزا
فكانَ ما قال على فؤادي / كالماء إذا بَلَّ غليلَ الصادي
جاءت به تحمِلُه الرسائل / وترتَضيه العرب الأفاضل
يُتلى فتهتزُّ له المحافل / من طربٍ منه فكلٌّ قائل
أحْسَنْتَ أحْسَنْتَ وأَنْتَ المحسنُ / وكلُّ شيء هو منكم حسنُ
بلَّغَكَ الله الكريمُ الأربا / بالخمسة الذين هم أهل العبا
العترة اللائي من البتول / طيّبة الفروع والأصول
والسادة الغرّ الميامين الأوَلْ / ومَن بهم نصّ الكتاب قد نزل
هذا وإنِّي غير خالي البال / مشوّش الأفكار والأحوال
حرَّرْتُ ما حَرَّرْتُ من سطور / معتذراً إليكَ من قصوري
واعذر أخاك إنَّه معذورُ / إذا جرى في ردّه تأخير
ودُمْتَ بالأمن وبالإيمان / مُوَفَّقاً في سائر الأزمان
يا مَرْحَباهُ بِحمارِ عفراءْ
يا مَرْحَباهُ بِحمارِ عفراءْ /
إذا أتى قَرَّبْتُهُ لما شاءْ /
من الشَّعيرِ والحشيشِ والماءْ /
أَولى بَني حَوّاءِ
أَولى بَني حَوّاءِ / بِالمَدحِ وَالثَناءِ
مَن قَولُهُ مَعرُوفُ / وَالآلِفُ المَألُوفُ
فَطَيّب المُعامَلَه / وَأَحسنَ المُجامَلَه
وَادَّرَعَ المُصانَعه / لِيَأمَنَ المُقاطَعَه
وَبَذَلَ العَطاءَ / لا يَبتَغي ثَناءَ
أَحسِن تَكُن أَمِيرا / وَاِزهَد تَكُن نَظيرا
لَم أَرَ كَالسَخاءِ / أَدعى إِلى صَفاءِ
وَلَيسَ كَالأَيادي / أَجلبَ لِلودادِ
قَد جادَ بِالمَعالي / مَن ضَنَّ بِالنَوالِ
وَلَيسَ لِلبَخيل / في الناسِ مِن خَليل
فَإِنَّما هُم سِربُ / وَأَينَ أَينَ الحَبُّ
لا تَبغِ بِالإِحسانِ / شُكراً مِن الإِنسانِ
وَاِبتَغ شُكرَ القادِرِ / فَاللَهُ خَيرُ شاكِرِ
عَلَّ رَبيبَ نِعمَتِك / كانَ دَليلَ نِقمَتِك
أَعرِض عَن المَثالِبِ / تَسلَم مِن المَعاطِبِ
وَاِنظُر إِلى ما فِيكَ / فَإِنَّهُ يَكفِيكَ
لَيسَ مِن التَهذيبِ / حِفظُكَ لِلعُيوبِ
وَمَن يَرى رَذائِلَه / وَلا يَرى فَضائِلَه
فَذاكَ عِندي الكامِلُ / وَهوَ البَصيرُ العاقِلُ
وَمَن يُريني عَيبي / فَذاكَ خَيرُ صَحبي
أَفدِيهِ بِالحَياةِ / لِأَنَّهُ مِرآتي
أَرى بِها القَبيحا / مِنّيَ وَالمَليحا
شَرٌّ مِن المُكاشِحِ / مَن زانَ لي قَبائِحي
فَرُبَّما يَضُرُّ / لأَنَّهُ يَغُرُّ
ذاكَ الشَفيقُ الغافِلُ / وَهوَ الصَديقُ الجاهِلُ
وَلا أُريدُ حَمدي / بِالشَيءِ لَيسَ عِندي
أَأَلبَسُ المُعارا / وَأعجَبُ اِفتِخارا
فَمادِحي بِالمَينِ / مُبالغٌ في شَيني
مَن ذَمَّني بِحَقِّ / وَعابَني بِصِدقِ
أَنصحُ عِندَ العاقِلِ / مِن مادِحٍ بِالباطِلِ
سالِم جَميعَ الناسِ / تَسلَم مِن الوُسواسِ
وَطَوِّلِ العِنانا / وَقَصِّر السِنانا
هُم حَربُ مَن يُقارِبُ / فَكَيفَ مَن يُحارِبُ
إِيّاكَ وَالمُنافَرَه / وَأَحسَن المُعاشَرَه
فَحُسنُها يَزينُ / وَسُوءُها يَشِينُ
تُقَرِّبُ الغَريبا / وَتَجمَعُ القُلُوبا
كُن لَيِّنَ الخِلالِ / في القَولِ وَالفِعالِ
سَهلاً بِغَيرِ ذُلِّ / تُحمَدُ عِندَ الكُلِّ
مَن طابَ مِثلَ الزَهرِ / يُحمَلُ فَوقَ الصَدرِ
لَكنَّما الثَقيلُ / في قَومِهِ مَرذُولُ
يُلقى عَنِ الكَواهِلِ / فَالأَرضُ أَقوى حامِلِ
وَكُن سَليمَ الجانِبِ / وَاِنظُر إِلى العَواقِبِ
لَيسَ مِن العَلاءِ / وَصفُكَ بِالدَهاءِ
يَفرُّ مِنكَ الكُلُّ / وَيَتَّقيكَ الأَهلُ
مَن ذا الَّذي لا يَهرُبُ / مِنكَ وَأَنتَ عَقربُ
يَخشاكَ مَن يُجانِبُك / فَكَيفَ مَن يُقارِبُك
فَأَنتَ كَالصَيادِ / وَالناسُ كَالجَرادِ
مَن ضَمَّه الشراكُ / فَما لَهُ فَكاكُ
تِلكَ سَجايا عالِيَه / وَذِي عِظاتٌ غالِيَه
جَمعتُها في شِعري / كَلُؤلُؤٍ في نَحرِ
ظَلِلتُ فيها مُدَّه / تِسعينَ يَوماً عِدَّه
بَينَ نَهارٍ جاهِدِ / وَبَينَ لَيلٍ ساهِدِ
مُقرَّحَ الجُفونِ / مُفَرَّقَ الشؤُونِ
وَالسُقمُ منّي بادِ / وَالهَمُّ في وِسادي
وَالفِكرُ في شَتاتِ / مِن نَكَدِ الحَياةِ
في حِين أَنَّ الأَدَبا / في أَرضِ مِصر نَضَبا
فَلا أَرى مَن يُنصِفُ / وَلا أَرى مَن يَعرِفُ
وَلا أَرى تَشجيعا / لَكِن أَرى تَشنيعا
بَينَ مَقال حاقِدِ / أَو اِنتِقاد حاسِدِ
تِجارَةُ الأَخلاقِ / أَبعَدُ عَن نَفاقِ
وَباذِلُ الآدابِ / كَباذِلِ التُرابِ
فَكِدتُ عَنها أَنكُلُ / لَولا الإِمامُ الأَفضَلُ
عَلامَةُ الزَمانِ / وَمَهبِطُ العِرفانِ
هَذا فَريدُ العَصرِ / وَغُرَّةٌ في مِصرِ
وَذُو العُلا وَالمَجدِ / فيها فَريدُ وَجدي
ذاكَ الذَكيُّ الأَروَعُ / شَمسُ هُداه تَسطَعُ
مَكانُهُ لا يُجهَلُ / بَينَ الرِجالِ أَوَّلُ
أَشباهُهُ قَليلُ / وَرَأيُهُ جَميلُ
حَبَّبَ لي الإِقداما / وَثَبَّتَ الأَقداما
تِلكَ يَدٌ لا تُكفَرُ / وَمِنَّةٌ لا تُنكَرُ
فَهَذِهِ حَوراءُ / وَمَهرُها الدُعاءُ
لا أَبتَغي جَزاء / بِها وَلا ثَناء
وَالحَمدُ لِلّهِ كَما / أَولى الجَميلَ مُنعِما
ثُمَّ الصَلاةُ أَبَدا / عَلى النَبيِّ أَحمَدا
في لَيلَةٍ تَنَهَّت غَلواءُ
في لَيلَةٍ تَنَهَّت غَلواءُ / وَالبَدرُ في مَخدعِها إِتاءُ
تَسيلُ مِنهُ فِضَّةٌ بَيضاءُ /
فَأَرهَفَت مِسمَعَها المَطروقا / فَسَمِعَت تَنَهُّداً عَميقا
يَصدُر عَمّا يَنهَشُ العُروقا /
وَأَرسَلَت نَظرَةَ بَرٍّ طاهِرِ / فَها لَها في المَخدِع المُجاوِر
فَاِجرةٌ عَلى ذِراعِ فاجِرِ /
ما أَنتِ يا وَردَةُ تِلكَ الوَرده / بَل انتِ من أَشواكها مُسَوَّدَه
أَميرَةَ الشَهوَةِ أَنتِ عَبدَه /
أَيُّ خَيالٍ حَلَّ في غَلواءَ / أَيُّ رَوّى مُحرِقَةٍ سَوداءَ
تَعَلَّقَت أَجفانَها العَذراءَ /
فَهرَّبت الى ضِفافِ البَحرِ / وَطَوَّفت بَين بَقايا الدَهر
من خِربَةٍ لرجمةٍ لِقَبرِ /
وَكانَت المِياهُ وَالصُخورُ / قائِمَةً ما بَينَها القُبورُ
حَتّى السُكونُ حَولَها مَسحورُ /
وَالمَوجُ بَعدَ الموجِ كَيفَ ذابا / مُستَسلِما عَلى الحَصى مُنسابا
يقبِّلُ القُبورَ وَالتُرابا /
كَأَنَّهُ جَمعٌ من العَذارى / أَو ذِكرَياتُ عاشِق تَوارى
تَهمِسُ في أُذنِ الرَدى أَسرارا /
وَلِلمِياهِ زَبدٌ كَثيفُ / يُنسَجُ مِنه كَفَنٌ خَفيفُ
عَلَيهِ من نور الدُجى حُروفُ /
وَسَمِعَت غَلواءُ طَيرَ البومِ / يَنعَقُ كالشُؤمِ عَلى الرُسومِ
مُدَنِّساً نَقاوَةَ النَسيمِ /
وَاِستَيقظت في نَفسِها المَحمومَه / من وَردَةَ الحَبيبَةِ الأَثيمَه
صارِخَةً أخيِلةُ الجَريمَه /
وَدبَّ في أَعضائِها النَحيفَه / قَفقَفَةٌ وَرِجفَةٌ عَنيفَه
حُمّى سَرَت في جِسمِها خَفيفَه /
وَاِستَفحَلَت كَالشَرِّ حينَ يَبدَأ / فَهوَ صَغيرٌ إِنَّما لا يَفتَأ
حَتّى يَصيرَ نَقمَةً لا تَبرَأ /
وَمَرَّت الأَيّامُ وَاللَيالي / سَوداءَ بِالفِتنَةِ وَالجَمالِ
فَأَصبَحت غَلواء كَالخَيالِ /
وَبَرَزَت عِظامُها في الجِسمِ / مُصطَفَّةً عَظماً إِزاءَ عَظمِ
كَأَنَّها أَقلامُ الاِعتِلالِ / تَكتُبُ في صَحيفَة الآجالِ
وَسالَ في وَجنَتِها الذُبولُ / كَنِجمَةٍ هَمَّ بِها الأُفولُ
وَاِمتقَعَ الجَبينُ بِاِصفِرارِ / كَأَنَّهُ أَواخِرُ النَهارِ
في لَيلَةٍ شَديدَة الغُسوقِ / تَذكَّرت حَياتها في الزوقِ
وَذَكَرَت مَواكِبَ الضَبابِ / تَمتَدُّ كَالحُلمِ عَلى الهِضابِ
وَالشَجَرَ الأَخضَرَ وَالسَنابِلا / تَبسُطُ لِلطَبيعَةِ الأَنامِلا
وَذَكرت أَخيَلَة المساءِ / وَرَنَّةَ الأَجراسِ في الهَواءِ
وَدَوحَةَ الكَنيسَةِ الحَقيرَه / وَبابَها الصَغيرَ وَالفَقيره
وَصُفرَةَ الشَمسِ عَلى الجِبالِ / وَلِعِبَ الاطفالِ في الظِلالِ
وَاِحتَشَدت أَخيلَةُ التِذكارِ / تَطوفُ أَسرابا عَلى الجِدار
وَجَحَظَت في صَدرِها الآلامُ / كَجِفنِها المَحمومِ لا تَنامُ
وَحَبَكَت في مُقلَتَيها الحُمّى / بِقَلبِها العَفيفِ ذاكَ الإِثما
وَاِنتَقَل الإِثمُ بِها اِنتِقالَه / أَجرَت عَلى خَيالَها خَيالَه
فَعَظُمَ الوَهمُ وِفي الأَوهامِ / أَفتَكُ بِالعَقلِ من السِرسامِ
وَقامَ في أَحلامِها المُعَذَّبَه / رُؤيا كَأَنَّما هيَ المُرتَكِبَه
ما النقطة الجليلة البناء
ما النقطة الجليلة البناء / ضمن مداد مبدأ الأشياء
وذلك الحبل الجليل القدر / مبدأ كل أول من أمر
والعقدة اللطيفة الختميه / لنقش رمز النقطة البدئيه
أجب أمير الفضلاء العلما / يسئل عن رمز خفى من علما