المجموع : 35
قاضي القضاة حبَّذا تكرمة
قاضي القضاة حبَّذا تكرمة / تنزِّه المملوك في صنوفها
دراهم عن كلماتٍ عدّدت / فأقبلت تجري على حروفها
يا تاركين للمحب أدمعاً
يا تاركين للمحب أدمعاً / قد وقع الحزن له إطلاقها
والذاريات من دموعي خلفةً / ما نقضت أيدي النوى ميثاقها
لو حنّت الورق حنيني نحوكم / لمزقت من أسفٍ أطواقها
ولو غدت تملي على الأغصان ما / في كبدي لأحرقت أوراقها
يا ويحَ من أصبح محت
يا ويحَ من أصبح محت / اجاً لنوع الصَدَقَهْ
يثقل منه عند من / يرجوه حتَّى الورَقَا
أفدي الذي أرسل نحوي طبقاً
أفدي الذي أرسل نحوي طبقاً / مع البدور حسنه في نسق
يا طرق الشكر عليه قسما / لتركبنَّ طبقاً عن طبق
شكراً لها كنافة من بعدها
شكراً لها كنافة من بعدها / قطافٌ جاء بقطرٍ مغدق
يا جود مهديها إذا قلنا انْتهى / ركبت فيها طبقاً عن طبق
يا حبَّذا يومي بوادِي جلّقٍ
يا حبَّذا يومي بوادِي جلّقٍ / وفرجتي مع الغزال الحالي
من أول الجبهة قد قبَّلته / مرتشفاً لآخر الخلخال
وغادةٍ أنحل جسمي خصرها
وغادةٍ أنحل جسمي خصرها / وكانَ جسمي قبل مرآها نحيل
وطولت همل بطول شعرها / فقلتُ ذا يا شعرها همّ طويل
أفدِي مليحاً أسوداً فاح شذا
أفدِي مليحاً أسوداً فاح شذا / مسكٍ لنا فقَّاعه وشكله
كأنه نادى على حليته / فقال فقاعي مسك كله
لا رأيَ لي في الشامِ بعد ما دعى
لا رأيَ لي في الشامِ بعد ما دعى / أحبَّتي وسادتي الرحيل
وكيف أختار المقام في حمىً / لا صاحبٌ فيه ولا خليل
أفدي التي ساقَ إليها مهجتي
أفدي التي ساقَ إليها مهجتي / فرعٌ طويلٌ فوق حسن طائل
قلبي بصدغيها على طاعتِها / يساق للجنَّة بالسلاسل
أشكو إليكَ حالة قد أوقعت
أشكو إليكَ حالة قد أوقعت / محسوب هذا العمر في طول العنا
يتطَّلب المال ولا يناله / لا راحة الفقر ولا عيش الغنى
لي سيد رقى إلى
لي سيد رقى إلى / أفق المعالي فعلا
أقسم لا ينسى الندَى / إلا إذا ما فعلا
سألت قلبي عن ذوي العشق وعنْ
سألت قلبي عن ذوي العشق وعنْ / ما أوْتيته منْ فنون الحسن ميْ
فقالَ لي إنِّي وجدتُ امرأة / تملكهم وأوتِيت منْ كلِّ شيْ
صرفت فعلي في الأسى وقولي
صرفت فعلي في الأسى وقولي / بحمدِ ذي الطُّول الشديد والحول
يا لائماً ملامه يطول / إسمع هديت الرشد ما أقول
كلامك الفاسد لست أتَّبع / حدّ الكلام ما أفاد المستمع
أفدي غزالاً مثلوا جماله / في مثل قد أقبلت الغزاله
ما قالَ مذ ملَّك قلبي واسترقّ / كقولهم ربَّ غلامٍ لي أبق
للقمرين وجهه مطالع / فهي ثلاث ما لهنَّ رابع
لأحرف الحسن على خدّيهِ خط / وقال قول إنَّها اللام فقط
داني المزار يحذر الضنين / عليهِ مثل بان أو يبين
كتمته والحسن ليسَ يجتلى / والاسم لا يدخله من وإلى
منفرد بالحبِّ في دار الهنا / مثاله الدار وزيد وأنا
لا يختشي ملاعب الظنون / والأمر مبنيٌّ على السكون
في خدِّه التبريّ هانَ نشبي / وقيمة الفضَّة دون الذهب
فاصْرف عليها ثروةً تستام / فما على صارفِها ملام
وانْفق له دينار من ضنٍّ وشح / ولا تبل أخفّ وزناً أم رجح
وإن رأيت قدّه العالي فصف / وقف على المنصوبِ منه بالألف
والعارض النونيّ ما أنصفته / وإن تكن باللام قد عرفته
في مثله انظم إن نظمت محسناً / وإن ذكرت فاعلاً منوَّنا
واهاً لها بحرفِ نونٍ قد عرف / كمثل ما تكتبه لا يختلف
يأتي بنقطِ الخال في إعجام / وتارةً يأتي بمعنى اللام
دونكَ إن عشقتهُ بين الورَى / معظماً لقدره مكبرا
وإن ترد وجنته المنيرة / فصغر النار على نويره
كم ومتى جادلت فيه من عذلٍ / ولا حتَّى ثم أو وأم وبل
حتَّى تولَّت أوجه العذَّال / وأقبلَ الغلام كالغزال
للحظهِ المسكر فعل يطرب / مفعولهُ مثل سقى ويشرب
فلا تلم عويشقاً فيه تلف / ولا سكيران الذي لا ينصرف
لا تلح قلبي في الهوى فتتعبا / وما عليكَ عتبهُ فتعتبا
جسمي وذاكَ الخصر والجفن الدنف / هنَّ حروف الاعتدال المكتنف
بجفنِهِ نادى الهوى يا للشجي / وكلُّ ياءٍ بعد مكسورٍ تجي
يا جفنهُ الناصب فيه فكري / ونصبهُ وجرُّه بالكسر
إن قيل للظبيِ هنا إلمام / فاكْسر وقل ليقم الغلام
ويا مليحاً عنهُ أخّرت القمر / إمَّا لتهوان وإمَّا لصغر
كرِّر فما أحلى لسمعي السامي / قولك يا غلام يا غلامي
وارْفق بمضناك فما سوى اسمه / ولا لغير ما بقى من رسمه
فقد حكى العداة بالوقوف / فاعْطف على سائلك الضعيف
أفقرت في الحسنِ الغواني مثلما / قالوا حذامي وقطامي في الدما
فافْخر بمعنى لحظكَ المعشوق / في كلِّ ما تأنيثهُ حقيقي
يا لكَ لحظاً بسعاد أزرى / وجاءَ في الوزنِ مثال سكرى
حتَّى اسمه منتقص لمنْ وعى / كما يقال في سُعاد يا سُعا
يا واصفاً أوصاف ذيَّاك الصّبا / تمَّ الكلام عنده فلينصبا
هيهات بلْ دع عنكَ ما أضنى وما / وعاص سبَّاب الهوى لتسلما
وحبر الأمداح في عليّ / قاضي القضاة الطاهر التقيّ
بكلِّ معنى قد تناها واسْتوى / في كلمٍ شتى رواها من روى
باكر إلى ذاكَ الحما العالي وصفْ / إذا درجت قائلاً ولم تقفْ
دونكَ والمدح ذكيًّا معجبا / نحو لقيت القاضيَ المهذَّبا
ذو الجود والعلم عليه أرسى / وهكذا أصبحَ ثمَّ أمسى
فاضْرع إلى قارٍ لقاء نافع / واقْرع إلى حامي حماه المانع
يقول للضيفِ نداه حب وهل / ومثله ادْخل وانْبسط واشْرب وكل
إذا ظفرت عندهُ بموعدٍ / يقول كم مال أفادته يدي
له يراع كم له في خطرهِ / حماية منظومة مع درَّه
في الجود والبأس وفي العلمِ وفي / ذلكَ منسوب إليه فاعْرف
فقولهم أبيض في الهبات / كقولهم أحمر في الصفات
شم حدّه يوم الندَى والبأس / فإنَّه ماضٍ بغير لبس
لله ما أليَنهُ عند العطا / وما أحدّ سيفه حين السطا
يهزّه ذو الرفع في العلاء / والجزم في الفعلِ بلا امْتراء
حبر له يثني الثناء قصدهُ / وخلفهُ وإثرهُ وعنده
إن قالَ قولاً بين الغرائبا / وقام قسّ في عكاظ خاطبا
وإن سخا أتى على ذي العددِ / والكيل والوزن ومذروع اليدِ
معطَّل السمع من العذَّال / فحالهُ مغير بحال
الفضل جنس بيته المهنى / ونوعه الذي عليه يبنى
سامَ بهِ أهل العلا جميعاً / وادْفع ولا ردًّا ولا تفريعا
وإن ذكرت أفق بيتٍ قد نما / فانْصب وقل كم كوكباً يحوي السما
بين نظيم المجد والعلاء / عند جميع العرَبِ العرباء
يقرُّ من يأتي له أو اقْترب / وكل منسوب إلى اسمٍ في العرب
تقول مصر في علاه الواجبه / كقول سكَّان الحجاز قاطبَه
أبنية الأنصار طلاَّع الفنن / وزادَ مبنى حسنه أبو الحسن
جار إذا ما امْتدَّت الأيادِي / تقول هذا طلحة الجواد
إذا اجْتليت في العطا جبينهُ / أو اسْتشرت للرجا يمينه
تقول قد خلتُ عنه تولى راحل / وواقف بالبابِ أضحى السائل
فياض سيب في الورَى فلم يقل / في هبةٍ يا هب مَن هذا الرجل
قال لهُ الشرع امْض ما تحاوله / وأقْض قضاء لا يردّ قائله
وأنتَ يا قاصدهُ سرْ في جددْ / واسع إلى الخيرات لقّيت الرّشد
إن تكتحل سناه تلقى الرشدا / وأين ما تذهب تلاق سعدَا
فافْخر به سحب الحيا إن صابا / واسْتوتْ المياه والأخشابا
ولا تقل كانَ غماماً ورحل / كانَ وما انْفكَّ الفتى ولم يزل
باب سواه اهْجر عداك عيب / وصغِّر الباب فقل بويب
هذا الذي يفعل فينا الطولا / فقدم الفاعل فهو أولى
جود به أنسى أحاديثَ المطر / فليسَ يحتاج لها إلى خبر
مثل الهبا فيه كلام العذَّل / والريح تلقاء الحيا المنهل
وبحر شعر خضتهُ لذكرهِ / وغصت في البحرِ ابْتغاء درِّه
حتَّى ملا عيني نداه عينا / وطبتُ نفساً إذ قضيتُ دينا
دونكها معسولة الآداب / ممزوجة بملحةِ الإعراب
مضى بها الليل مضيِّ الأنجم / وبات زيدٌ ساهراً لم ينم
فافْتح لها باب قبول يجتلى / وإن تجد عيباً فسدّ الخللا
لا زلتَ مسموع الثنا ذا مننِ / جائِلة دائرة في الألسن
ما لعداك راية تقام / وليس غير الكسر والسلام
أثنى شذا الروض على فضلِ السحب
أثنى شذا الروض على فضلِ السحب / واشْتملت بالوشي أرداف الكُثب
ما بين نورٍ مسفر اللثام / وزهر يضحك في الأكمام
إن كانت الأرض لها ذخائر / فهيَ لعمري هذهِ الأزاهر
قد بسطتها راحة الغمائم / بسط الدنانير على الدراهم
أحسن بوجه الزمن الوسيم / تعرف فيهِ نضرة النعيم
وحبَّذا وادِي حماة الرَّحب / حيثُ زهى العيش بهِ والعشب
أرض السناء والهناء والمرح / والأمن واليُمن ورايات الفرح
ذات النواعير سقاة التربِ / وأمَّهات عصفه والأبّ
تعلَّمت نوح الحمام الهتَّف / أيام كانت ذات فرعٍ أهيفِ
فكلّها من الحنينِ قلبُ / لا سيَّما والماء فيها صب
لله ذاكَ السفح والوادِي الغرد / والماء معسول الرضاب مطَّرد
يصبو لها الرائي ويهفو السامع / ويحمد العاصي فكيفَ الطائع
إذ نظرت للربى والنهر / فارْوِ عن الربيع أو عن جعفرِ
محاسن تلهي العيون والفكر / ربيع روضات وشحرور صفر
أمام كلّ منزلٍ بستان / وبين كل قرية ميدان
أما رأيت الوُرق في الأوراق / جاذبة القلوب بالأطواق
فبادر اللذَّة يا فلان / واغْنم متى أمكنك الزَّمان
ولا تقل مشتى ولا مصيفُ / فكل وقتٍ للهنا شريف
كلّ زمانٍ يتقضَّى بالجذلْ / زمان عيش كيفما دارَ اعْتدلْ
أحسن ما أذكر من أوقاتِهِ / وخير ما أبعث من لذَّاته
برُوزنا للصيدِ فيهِ والقنص / وحورنا من مرِّه أحلى الفُرَصْ
وأخذنا الوحشَ من المسارب / وفعلنا بالطيرِ فوقَ الواجب
لما دنَا زمان رمي البندق / سرنا على وجهِ السُّرور المشرق
في عصبة عادلة في الحكم / وغلمة مثل بدور التمّ
من كلِّ مبعوثٍ إلى الأطيارِ / تظله غمامة الغبارِ
وكلّ معسول الشباب أغيد / منعطف عطف القضيب الأملد
قد حمدَ القوم بهِ عقبى السفر / عند اقْتران القوس منهُ بالقمر
لولا حذار القوس في يديهِ / لغنَّت الورق على عطفيه
في كفِّه محنيَّة الأوصال / قاطعة الأعمار كالهلال
زهراء خضراء الإهاب معجبه / ممَّا ثوت بين الرياض المعشبه
فاغرة الأفواه للأطيار / طالبة لهنَّ بالأوتار
كأنَّها حولَ المياه نون / أو حاجب بما تشا مقرون
لها نبات بالمنى مغدوقة / من طيبةٍ واحدة مخلوقة
سامعة لما تشير الأمّ / مع أنَّها مثل الحجار صمّ
واهاً لها من شهب تخطف / شاهرة بالعزمِ وهي تقذف
كأنَّها والطيرُ منها هارب / خلفَ الشياطين شهاب ثاقب
حتَّى نزلنا بمكانٍ مونق / إخوان صدقٍ أحدق بالملّق
فيا لهُ في الحسنِ من محلٍّ / مراد جدّ ومراد هزل
للطيرِ في مياههِ مواقع / كأنَّها من فوقه فواقع
فلم نزل في منزل كريم / نروي حديث الرمي عن قديم
حتَّى طوى الأفق رداء الورس / والْتقمَ المغرب قرص الشمس
وذرّ مسك الليل من فرقِ الأفق / واتَّشحت خود السماء بالنطق
وابْتدرَ القومُ إلى المراصد / من ساهرِ الليل التَّمام ساهد
بينا الطيور في مداها سائره / إذا هم من عينه بالساهره
كالليث يسطو كفه بأرقم / والبدر يرمي في الدجى بأنجم
وأقبلت مواكبُ الطيور / على طروسِ الجوِّ كالسطور
فحبَّذا السطور في المهارق / منقوطة الأحرف بالبنادق
من كلِّ تمّ حقّ أن يسمي / ضياؤه المشرق بدر التمّ
تخالهُ من تحتِ عنقٍ قد سجا / طرَّة الصبح تحتَ أذيال الدجى
وكلّ حيّ حسن الوسامه / كأنَّه في أفقهِ غمامه
تتبعه أوزَّة دكناء / من دونها لفلفة غرَّاء
تقدّمها أنيسة ملوَّنه / تابعة من كلّ وصفٍ أحسنه
يجني بها الآكل خير ما جنى / وأحسن المأكول ما تلوَّنا
ورُبَّما مرَّ لديها حبرج / كأنَّه على نضارٍ يدرج
وانْقضَّ من بعض الجبال النّسر / له بأبراج النجوم وكرُ
مغبرُّ الخلق شديد الأيدي / يبني على الكسرِ حروف الصيدِ
وكلّ كركيّ عجيب السير / كأنَّه طيف خيال الطير
ما بينَ أحشاء الظلام يسري / من أرضِ بغداد لأرض مصرِ
يحثّ مسراه عقاب كاسره / خافضة لحظ الطيور ناصبه
إذا مضت جملتها المعترضه / تواصلت خيوطها المنقرضه
وأبيض الغيم يسمَّى مرزما / كم بات مثل نوئه منسجما
يحثُّ غرنوقاً شهيّ المجتلى / مقدَّماً على الغرانيق العلى
وكلُّ صوع مبهت المفاجي / كالبرقِ يخطو فوقَ ليلٍ داجي
وأبيض مثل الغمام يسجم / وكيف لا يسجم وهو مرزمُ
يحفُّه شبيطرٌ قويّ / في ملَّة الأطيار موسويّ
هذا وكم ذي نظر ممتاز / ينعت في الواجب بالعُنَّاز
أسوده ذو غرَّة في الصدر / كأنه نور الهدى في الكفرِ
فلم تزل قسينا الضَّواري / تصيبها بأعين النظَّارِ
حتَّى غدت دامية النحور / ساقطة منها على الخبيرِ
كأنها وهي لدينا وقّع / لدى محاريب القيسّ ركَّعُ
وأصبحت أطيارنا قد حصّلت / قلا تسل بأيّ ذنبٍ قتلت
مُستتبعاً وجه العشا وجه السحر / وكلّ وجه منهما وجه أغَر
يا لك من صيدٍ مقرّ العين / يرضي الصحاب وهو ذو وجهين
لم نرضَ ما وفى من الأماني / حتَّى شفعناه بصيدٍ ثاني
صيد الملوك الصيد بالكواسر / والخيل في وجهِ الصباح السافرِ
ذاك الذي تصبو له الجوارح / فهي إلى طلاّبه طوامح
واثقة بالرزق حيث كانا / تغدو خماصاً وتجي بطانا
سرنا على اسم الله والمناجح / نعومُ في الأقطارِ بالسوابح
خيل تحاذي الصيد حيث مالا / كأنها أضحت له ظِلالا
تسعى لها قوائم لا تتبع / وكيف لا وهي الرياح الأربع
رائقة المنظر زهراء الغرر / كأنها الروضات حيّت بالزهر
من أحمر للبرق عنه خبر / يشهدُ أن الحسن حقًّا أحمرُ
وأصفر الجلدة كالدينار / يسرُّ كفّ الصائد الممتار
وأشهب كالسهم في انْقضاضه / وصفحة الطرس في ابْيضاضه
ماضي السباق أظهر اللباس / ناهيك من سهمٍ ومن قرطاس
وأخضر مثل سنا العيش النضر / يطوي الفلا وكيف لا وهو الخضر
وأدههمٌ سادَ على الجيادِ / وهكذا السواد في السواد
تحفُّنا من فوقها غلمان / كأنهم لدوحِها أغصان
تركٌ تريك في سناء الملبس / كواكباً طالعة في الأطلسِ
منظومة الأوساط بالسلاحِ / من كلِّ سهمٍ رجل النجاح
وكلّ عضب ذرب المقاطع / يحرّف الهام عن المواضع
على يدِ الزائر منهم زاده / من كلِّ باز قرم فؤاده
قد كتبت في شكلِهِ حروف / تقري بما يقرى به الضيوف
فالمنسر الأشفى بحال جيما / والعين تجلى بالنضارِ ميما
دان لمن يتلوه خير جمّ / سهم إذا حبرته أو شهم
وكلُّ شاهينٍ شهيِّ المرتمى / كبارقٍ طار وصوب قد همى
بينا تراهُ ذاهباً لصيده / معتصماً بأيده وكيده
حتَّى تراهُ عائداً من أفقِهِ / ملتزماً طائره في عنقِه
أفلحَ من كانَ على يسراه / حتى غدت حاسدة يمناه
تلك يدٌ لا تعرف الإعسارا / لأجل ذا قد سمِّيت يسارَا
وكلُّ صقر مسبل الجناح / مواصل الغدوّ والرَّواح
ذو مقلةٍ لها ضرام واقد / تكادُ تشوي ما يصيد الصائدُ
كأنما المخلب منه منجل / لحصدِ أعمار الطيور مرسل
عيش ذوي الصيد به عيش رخيّ / يصلحُ أن يدعى وكيل المطبخ
يا حبَّذا طيور جدّ ولعبْ / تهوي إلى الأرضِ وللأفق تثبْ
من سنقر عالي المدا والشانْ / معظم الأخبار والعيانْ
كأنه خليفة قد أقدما / يفسد في الأرضِ ويسفكُ الدما
يصعدُ خلفَ الرزق ليس بمهله / كأنه من السما يستعجله
ومن عقابٍ بأسها مروّع / كأنها للطيرِ جنٌّ تفزع
كم جلبت لطائرٍ من همن / وكم وكم قد أهلكت من قرن
وحبَّذا كواسر الكواهي / عديمة الأنظار والأشباه
مخصوصة بالطرد القويم / حدباً كظهر الذنب الركيم
ذاك لعمري حدبٌ للرائي / يعدل ملك القلعة الحدباء
هذا وقد تجهَّزت أعدادٌ / تجمعها الكلاب والفهاد
من كلِّ فهدٍ عنتريّ الحمله / إذا رأى شخص مهاة عَبله
مبارك الإقبال والإعراض / مستقبل الحال بنابٍ ماض
كأنه من حدِّه كنابه / قد أحرق الأنجم في إهابه
له على مسائل الجفون / خطّ لبعض الألفات الجون
ما أبصر المبصر خطًّا مثله / وكيف لا والخطّ لابن مقله
وكلُّ منسوب إلى سلوق / أهرت وثَّاب الخطا مشوق
طاوي الفؤاد ناشر الأظافر / يا عجباً منه لطاوٍ ناشرِ
يعضُّ بالبيض ويخطو بالقنا / ويسبق الوهم لإدراك المنى
كالقوس إلاَّ أنه كالسهم / والغيم يجلو عن شهاب رجم
إذا ترآى بقر الوحش انْدفع / كأنه المرِّيخ في الثور طلع
قاصرة عن طرفِ يداه / مشروطة برجلِهِ أذناه
لو أمكن الشمس التي تجلى له / ما سمِّيت من خوفها غزاله
يشفعه بكلِّ غورٍ غار / مغالب الصيد على الأوكار
يكاد يبغي سلَّماً إلى السما / أو نفقاً في الأرضِ حيثُ يمَّما
واهاً لها من أكلُبٍ طوارد / معربة عن مضمر المصائد
قد بالغت من طمعٍ في كسبها / ففتَّشت عن أنفسٍ لم تخبها
حتَّى إذا تمَّت بها الأمور / حفَّت بنا لصيدِها الطيور
ما بين روضات صمدنا نحوها / ودور آفاق ملكنا جوّها
واسْتقبلت أطيارها البزاة / معلمة كأنها عزاة
فلم تزل تسطو سطا الحجَّاج / على الكراكيّ أو الدرَّاج
إذا نحت سائرة محلِّقة / عادت بها كمضغة مخلّقه
حتى غدت تلك الضواري صرعى / مجموعة لدى التراب جمْعا
كأن أقطار الفلاة مجزره / أو روضة من الدماءِ مزهره
كأنَّ صرعى وحشها كفار / الموت عقبى أمرها والنار
للمرء فيها منظرٌ أحبّه / يملأ من لحمٍ وشحمٍ قلبه
لله ذاكَ المنظر المهنى / إنّ معان عن ذراه عدنا
قد ملئت من ظفر أيدينا / وقد شكرنا الفضل ما حيينا
نشير حول الملك المنصور / كالشهب حول القمر المنير
محمدٌ ناصر دين أحمد / الملك ابن الملك المؤيد
قالَ الأنام حظّه جليّ / قلتُ نعم وجدُّه عليّ
ذاكَ الذي ساما العلى صبيًّا / وجاءه من مهده مهديا
ناش على الحرِّ وتقليب المنن / كأنما مزجته من اللَّبن
بين حجور العلم والأعلام / تكنفه لواحظ الأقلام
محكم السطوة سحَّاح الديم / يأخذ بالسيفِ ويعطي بالقلم
لو لمس الصخر لفاض نهرا / أو صحب النجم لعاد بدرا
تختمت بيُمنه المكارمُ / فهو على كلِّ الوجوه حاتمُ
لا ظلم تلقى في حماه العالي / إلاَّ على الأعداء والأموال
أما ترى بالصيدِ فرط حبّه / تمرنا على اعتياد حربه
أما ترى الدينار منه خائفا / أصفر في كفِّ العفاة ناشفا
يا قاطعاً عرض الفلا وواصلاً / وقادماً يبغي العلا وراحلا
إذا تأمَّلت المقام الناصريّ / فاعْقد عليهِ أكرم الخناصر
ملك إذا حققته قلت ملك / قاضية بسعدِهِ أيدِي الفلك
كالبدر في سنائِهِ وتمِّهِ / والطود في وقاره وحلمه
تسجد إن لاحَ رؤوس العالم / وراثة قد حازها من آدم
ما ضرَّ من خيَّم في جنابه / أن لا يكون الشهد من أطنابه
مرأى يشفُّ عن فخارِ الأهل / ونسخة قد قوبلت بالأصل
جنابه عن جاره لا ينكب / وباب نجح للمنى مجرَّب
غنِيتُ في ظلالِهِ عن الورى / غنى نزيل المزن عن قصد القرى
ورحت عن نعماه بالتواتر / أروي أحاديث عطا وجابر
معتصماً بالكرمِ المؤيد / مصلي الحمد على محمد
قديم قصد وثناء أو هوى / ما ضلَّ سعيٌ فيهما ولا غوى
يزيد لفظي بهجةً ورونقاً / كأنه الخمرة إذ تُعتقا
حسبكَ منِّي في الثناءِ شاعرا / وحسب شعري قوَّة وناصرا