المجموع : 14
رَوِّحِ النفسَ لا تَرِدْها المتاعبْ
رَوِّحِ النفسَ لا تَرِدْها المتاعبْ / مَا كذا يا أخيَّ تُحَدَّى الرَّكائِبْ
لا تَرِدها العِراكَ فالماء صَفْو / بازدحام النِّياقِ تَعْفُو المَشارب
أَو فَذَرْها سَوائماً لا تَرُعْها / غُفُلاً أَوْ خِطامُها فِي الغَوارب
أَوْ تَسَنَّم مَطِيَّ السَّراحِين منها / إنْ تكنْ تبتغي بلوغَ المَطالب
لَيْسَ مَن يَقطع المَهامِهَ سَعْياً / مثلَ مَن يمتطي ظهورَ النَّجائب
ذَاكَ فِي السير يقطع البِيد عَسْفاً / لَمْ يَكد يسلك الطريق المصاحِبْ
هَمُّه البيدُ لا سواها وهذا / هَيَّج الوجدُ قلبَه لا السَّباسِب
هاجَه الشوقُ منذ مَا شام برقاً / يَمَّم الأرضَ شرقَها والمَغارب
كلما سار فُسحةً طار شوقاً / حَثْحث العِيس كي يغالَ الرغائب
إن تَراءى علائمُ الرَّبْعِ حَنَّت / عِيسُه ترتجي ديارَ الحبائب
تَجذب النِّسْعَ لَمْ يَؤُدْها كَلال / جَذْبَةَ الشوقِ للحبيبِ المقارب
أَوْ تدانَى نحو المواقيتِ هاجتْ / لوعةُ الحبِّ من خلال المَضارب
هكذا الشوقُ يجذب الصَّبَّ حَتَّى / لَمْ يُطِق دفع عاملاتِ الجَواذِب
صاحِ دعْنِي أُفتِّت الصخرَ مما / هاج بالقلبِ من بديع الغرائب
لم أقل ذا الفتوحُ لما تَسَنَّى / سيدي ذا الفتوح إحدى العجائب
قد أدارتْ يدُ التهاني علينا / خَمرةً تَغْبَقُ السَّما والكواكب
من فتوحٍ بخمره قَدْ سكرْنا / لَمْ تجد فِي الحِمى فتى غيرَ شارب
ساجعاتُ الهَنا تغرِّد شَجْواً / فيْصَلٌ يمتطِي النجومَ الثَّواقب
هَمُّه كسبُ عالياتِ المَساعي / يَا لَسَعْي ويا لَنِعْمَ المَكاسب
سيدٌ فاضلٌ إما هُمام / عادِل مُحسِن رفيع المراتب
قد أُهنِّي بالفتح لكنْ / حقُّ أهلِ البلاد شكرُ المَواهب
أُخرِجوا من عذابهم فِي نعيم / كخروجِ العُصاة عند المذاهب
سَمدُ اليومِ أنت فِي مَلَك السع / دِ فتِيهي عَلَى ذوات المَناصب
انْعَمى بعد مَا أُهنتِ قديماً / وأَمْسِكي الطَّوْدَ بعد نسجِ العناكب
إن أعلى البيوتِ مَا قَدْ يُبنَّى / بانسكاب الدِّما وسَحْب القَواضب
عادَةُ اللهِ للأميرِ المفدَّى / قَمْعُ باغٍ وقهرُ كلِّ محارب
لا ألوم العُداة لما تولَّوا / يسألوا العفوَ كلما سار راكب
أيقَنوا أن مُلْكَهم يبلَى / هل يُرَدُّ القضاءُ والله ضارب
يَا لَطود الوفاءِ والحلم صَفْحاً / لَيْسَ عَفْوُ الملوك عنك بعازِب
إنما النصر فِي يديك فَخَفَّفْ / وَطْأَةَ القتلِ أنك اليوم غالب
وادخِرْ هؤلاء جُنداً فما هم / غير سعفٍ بساعديك ضَوارِب
لا تَقِسْ جُرْمَهم بإحسانِ من قَدْ / أَكْمَنَ الحقدَ مُظْهِراً زِيَّ صاحب
كامِنُ الحقدِ فِي النفوس وأَنَّى / يذهبُ الضِّغْنُ من فؤادِ المُناصِب
إِن تَشِم بارقَ الصداقةِ منه / لَمْ تجدْ غير بارقاتٍ كواذِب
كم مُشيحٍ بسَيْرِه بات يَطْوِي / مَهْمهاً طولَ سيرِه الدهرَ ساغب
شام بالبعد نار ضيفٍ فلما / صار بالقُربِ شام نار الحُباحِب
أسكرتْني شَمولُ فضلِك حَتَّى / لستُ أخشَى من العدو المُراقب
إن تكن لي من الزمان وحيداً / أيُّ شيءٍ من الزمان أُراقب
لستُ أَلوِي عَلَى سواك عِناني / أنت للمجد والعُلى خير خاطِب
صَبِّر العقلَ للنفوسِ زِماماً
صَبِّر العقلَ للنفوسِ زِماماً / واعقِلِ النفس لا تَذَرْها سَواما
إن سَوْمَ النفوسِ للمرءِ داءٌ / فاعتقِِلْها عن المَراعي نِظاما
لا تذَرْها بمَعْرَكِ الجهل تزهُو / إن جهلَ النفوسِ أدهى سَقاما
فهْي شيطانُك الغَوِيُّ فصُنها / إن صونَ النفوسِ أعلى مقاما
إِنْ تذَرْها لدى الجهالةِ هامتْ / أَوْ تَرِدْها التُّقَى تَحِنُّ هُياما
تخبِط الأرضَ بالمَناسمِ جهلاً / لَيْسَ تدرِي مَاذَا يكون أَماما
شامتِ البرقَ مَوْهِناً فاستطارتْ / لَيْسَ كلُّ العروق تهمِي رِهاما
عَرَّها زِبْرِج الغرورِ فَهشَّتْ / إن كيد النفوسِ كَانَ غَراما
تأنفُ الوِرْدَ والفُرات بِفيها / وتَحُزُّ المقالَ تبغِي جَهاما
هَوِّني السعيَ لا تُراعِي بدَهشٍ / ليس لمعُ السرابِ يَشْفِي أُواما
واذْرِفي الدمعَ بالتَّعقل واهْمِي / ماءَ حزنٍ بوجنتَيكِ انسِجاما
وأَميطِي قَذاءَ عينيك من بَيْ / نِ زواياهُ تُدرِكيه رُكاما
دُونَكِ الجِدُّ فافرِغي الجهدَ فِيهِ / لَيْسَ ذا الهَزْل للنفوس قَواما
أنت بالغورِ ترزمين اشْتِياقاً / واشتِياقي بشِعْب وادي تِهاما
تَنْدُبِين اللِّوَى وأَندبُ نَجْداً / كلُّ عينٍ تبكي لشَجْوٍ غَراما
مَا شَجاني ذِكْرُ المَرابعِ لكنْ / رَشقتني يدُ الزمانِ سِهاما
كلما قوَّم الإلهُ قَناةً / جَرَّد الدهر للقناة حُساما
وَيْكَ يَا دهرُ أَقْصِر الخَطْوَ عني / إنّ من قَوّمَ الإلهُ اسْتقاما
واتقِ الله إن لله خَلْقاً / إِنْ يمرّوا باللَّغْوِ مَرّوا كِراما
هكذا الدهرُ بعكسِ الأمر شَرْعاً / كيْفَ نرجو من الزمان إماما
مَنْ لِغِرٍّ يَسُومه الدهرُ خَسْفاً / يَقْدَح الماءَ كي يَشُبّ الضِّراما
يَفْتِلنَّ مَنْسَج العَناكِب حَبْلاً / يَتَّخذْ منه للزمان خِطاما
أَيُّهَا المُنْكِحُ الثُّريّا سُهَيلاً / تَجمعُ الشرقَ بالمغيبِ ازدحاما
عَمْرَك اللهَ لَوْ رَقيتَ الثريا / لَمْ تجدْ غيرَ فيصلٍ عنك حامى
يبذُل النفسَ والنَّفيس إذَا مَا / نَسْرُ بَغْيٍ عَلَى الرعية حاما
مَلكٌ شَبَّ فِي السياسةِ طفلاً / وامتطى غاربَ العُلى والسَّناما
حِلية الدهرِ حَمْية الدين هَذَا / واهبُ الجَزْل بل ثِمال اليتامى
يَألف السُّهْدَ يُكرم الوَفْد يحمى / بيضةَ الدِّين خيفةً أن تُساما
قَرَّه الله للخلافة رِدْءاً / سَدُّ يأجوجَ دونَه إِنْ تَسامَى
جامعُ الفكرِ شاسع الذِّكْر يَقْظا / ن إذَا الفَسل بالجهالةِ ناما
قَدْ تسامتْ براحتيهِ المَعالي / واطمأنتْ لَهُ الليالي احتراما
واختمته قناصل الرومِ لما / أنْ رأت معجزاتِه لم تُراما
يسبق النطقَ حَدْسُه إن تراءى / أَلْسَنُ القومِ فِي المَلا قَدْ ترامى
يحسب الجاهلون لما رأوه / أَسْفَر الوجهَ للنزيل احتِشاما
إِنما البشرُ للنصارى حَرام / لَيْسَ بشرُ الوجوهِ يُدْعَى حراما
فالأَفاعي أشدُّ لِيناً وأَدْهَى / صاحبُ الغدرِ من يُريك ابتساما
إن ليلَ الشبابِ أَهْنا صَباحاً / وبياضُ المَشيب أدهَى ظلاما
لو ترقتْ عقولُهم فَهْمَ مَا قَدْ / أَنكر الجاهلون قالوا سلاما
لَوْ علمنا بعالَم الغيب مَاذَا / مَا ركبْنا مَدى الحياةِ أثاما
يُنكر العقلُ فِعْلَ مَا عَزَّ عنه / فهمُه أَوْ يكون غِرٌّ تَعامَى
لَيْسَ من حَقَّق التجاربَ طفلاً / مثلَ من يحسب الدَّبور نُعامَى
إن رأى مَا يَسرُّه كَانَ لَيْثاً / أَوْ دَهتْه الخطوبُ صار نعاما
يَرفع الفعلَ بالنواصبِ عَسْفاً / عنده نصدرُ القُعودِ قِياما
يحسب العارِضَ الهَتون إذَا مَا / ثارتِ الريحُ بالفَلاة قتاما
سَلِّم الأمرَ إِنْ خَفِي عنك واصْمت / تجدِ الصمتَ للنفوسِ زِماما
كلُّ من لَمْ ير الهلالَ عِياناً / سَلَّم الأمر للبَصيرِ اعْتِصاما
أَيْنَ أهلُ العقولِ من أهل نعما / ن ومن لَمْ يخشَ فِي الإله مَلاما
راقِبوا الله وأحْسِنوا الأمرَ فيما / بَيْنكم والمليكِ تبقُوا كِراما
واعلموا أنه الوحيد المُرَجَّى / آخرَ الدهرِ للملوك خِتاما
كم دهَتْه من النصارى خطوبٌ / صرتُ أخشَى تكونُ منهم لِزاما
فتجلَّى لكَشْفِها فاضْمحلَّتْ / تَقْرَع السِّنَّ إذ تولت عَلَى مَا
كلُّ من رام كيدَه أَوْ أَذاه / أَوْبقتْه يدُ الزمان اخْتِراما
لَيْسَ فِي الدهرِ من يُدانيه عقلاً / أَوْ فَعالاً ونائِلاً أَوْ كلاما
لَيْسَ فِي الدهرِ من يُشار إِلَيْهِ / إن دَجَا الخَطْبُ يكشفنَّ اللِّثاما
فاحمَدوا اللهَ أهلَ نعمان طُرّاً / واشكروه كما كَفاكم ضِماما
لا تكونوا كخابطِ الشوكِ يَجْنِي / ثَمراً يانِعاً فيُلفي حُطاما
رَبِّ أَيِّدْ مليكَنا الفَرْمَ وأظْهِر / شِرْعَة الدينِ واحمِها أن تُضاما
واسبلِ السِّتْر يَا إلهي عَلَى من / قام فِي الدين ناصحاً واستقاما
ربِّ واشدد عُرا المحقِّين واقطع / شَأْفَة البُطْل هَلْكة وانتقاما
واحمِ سلطانَنا إلهي وصُنْه / مَا عَلَى الدين بالحماية قاما
ثُمَّ صَلِّ عَلَى رسولِك مَا قَدْ / حَنَّتِ النوقُ بالحُمول رِزاما
أَوْ تَغنَّى وُرْق الحمائمِ وَهْناً / يندب الإِلْفَ والِهاً مستَهاما
وعلى الآلِ والصحابةِ جَمْعاً / كلما حَرّك النسيمُ الخُزامى
مَا عسَى النفسُ أن تَنِي مَا عساها
مَا عسَى النفسُ أن تَنِي مَا عساها / لَيْسَ للنفس رادعٌ عن هَواها
تُورد المرءَ فِي المهالك عَسْفاً / عِيسُها الجهلُ والغُرور مُناها
بُسطتْ نعمةُ الإله عَلَيْهَا / فاستُفوتْ مدهوشةً فِي عُلاها
راقَها رونقُ الغرورِ فظنتْ / ملكَها الأرضَ والسماءَ سماها
هَذِهِ النفسُ دأبُها الظلم شَرْعاً / يَا لَنفسٍ مَا نَهاها نُهاها
هَذِهِ النفس إن تكن ذات وُسْعٍ / جَهِلت أن يكون ربٌّ سواها
هَذِهِ النفس فِي المهالك تلقى / مَا دَهاها سوى عظيم دَهاها
ما ثناها زجرُ الحوادثِ دهراً / مَا ثناها عن غَيِّها مَا ثناها
ويكِ يَا نفسُ فالليالي عِشار / كم عجيبٍ تَدُسُّه فِي خِباها
ويك يَا نفس والمنايا سِهام / فِي يد الدهر للنفوس خِباها
ويك يَا نفسُ لا يغرنّك زهوٌ / مثل مَا غَرَّ حِمْيراً فِي ذُراها
إن يكن بالعُلى رِيامٌ تعدَّت / فقَديماً فَخارُها لا يباهَى
حميرٌ ذِروة السَّنام من المج / د وأعلى الأَنام قَدْراً وجاها
شَيَّدت ركنَ مجدِها واطمأنتْ / فِي حِماها المنيعِ يَا لَحِماها
قِممٌ للعُلى بناها رِام / زادها حِمْيرٌ فأَعْلى بِناها
أَسَّس المجدُ ساسَها فاستقلتْ / بسَنا العزِّ والعُلى قدماها
فتوالتْ من الليالي عَلَيْهَا / حِقَبٌ تنقضي فعَزَّ بَقاها
حين عاثتْ بنو ريام فظلتْ / تخضب الأرضَ بالدماء يداها
لم تول تقطع المَسالك بَغْياً / كم نفوسٍ تسعى أراقت دماها
كم لُجينٍ وعَسْجَدٍ نهبتْه / حَلَّلت كل مَا يَحُلّ فِناها
كم نساءٍ حرائر الجيب بِيعتْ / كم يتيمٍ حُرٍّ يُباع شَقاها
ظل يدعو ويستغيث وكم قَدْ / بات من ظلمه يَعَضّ شِقاها
مُلئَ الصاع يَا ريام فهل فِي / وُسعِك اليوم مَا يرد قَضاها
هَذِهِ نُصرةُ الإله بكف ال / مَلك القَرْم قَدْ أُديرت رَحاها
حكّمته يدُ المقادير فيما / شاء يقضِي من الأمور قَضاها
ملكٌ لو يشاء للكون قَهْراً / مَلَّكته الملا جميعَ قُواها
سالمتْه يدُ الليالي وألقت / أبدعُ الكائناتِ طوعاً عَصاها
هو سِرُّ الإله فِي الخلق حتماً / هو عينُ الوجود نور سَناها
أخذتْه حَميةُ الدين لما / أَن طغت حميرٌ بشحم كُلاها
فأتتْهم عصائبُ الله تَتْرَى / بأمير يشَب حسَّ لَظاها
تنهبُ الأرض تهتِك العِرض / من أديم الجِبال صُمَّ حَصاها
فاستعدتْ بنو ريام وظنت / أنما الدهرُ لا يَفُلُّ قَناها
من لكِ اليومَ يَا ريام فهذِي / عُصبة الله والنفوسُ غِذاها
عصبةٌ سيفُ نقمةِ الله فِيهَا / رَكْبُها النصر والسيوف حِذاها
وعَد الله نصرَ كلَّ من قَدْ / نصر اللهَ نصرةً لا تضاهَى
فدَنا الرَّكْب ودَجا الخطْب وودتْ / كلُّ نفس تدنو لقهرِ عِداها
واستدارتْ رحى الحروب وولتْ / هرباً حمير تَدوس رِداها
وأَسود الشَّراةِ تزأر فِيهَا / مثلَما تزأر الليوثُ جِداها
والأميرُ المُطاع فِيهَا سليما / نُ بِهِ تَعقِد المعالي لِواها
ذلَّلت صعبَ كلِّ أَرْعَن منه / همةٌ ينطح النجومَ سَناها
فرأت منه مَا رأتْه نزار / لَمْ تُطِق دفعَ بأسِه عن قُراها
قَدْ غدتْ بعد بأسِها ذاتَ ذل / تطلب السِّلْم لا يَردُّ صَداها
كم تراها بالرغم تطلب عفواً / كم تنادِي فلا يُحاب نِداها
وأتته بنو سليم بذلٍ / تطلب العفوَ مذ رأت مَا غَشاها
كلُّ نفسٍ بِنَا تُقدِّم دهراً / سوف تُجزَى بما جنتْه يداها
ولَنِعْم الأمير حمدان لولا / إنما الظلم للنفوس بَلاها
غَصَب المالَ مالكيه وأضحى / يمنع المسلمين قهراً عَطاها
فأدارت رحى الخطوب عَلَيْهِ / كي تريه الخطوبُ مَا قَدْ أراها
نزعتْ ملكَه الحوادث قَسْراً / وسقته بالذل كأسَ طِلاها
وأتاه البِلى ببيت سليط / كَانَ فِي عزة فَحَلَّ عُراها
سَلَّم البيت عنوةً ثُمَّ ولَّى / يَعثر الذيل من أمور أتاها
هكذا الدهرُ يُمهل المرءَ عُذراً / ثُمَّ يُبدى عجائباً قَدْ طَواها
فجديرٌ بطاعة الله من قَدْ / وَليَ الفصل في أمور نَواها
أصبح الدهرُ فِي يديه زِماماً / لو أراد السماءَ سَكْناً رَقاها
فانعمِ البالَ مَا بقيت ودُم فِي / عزة أنت شمسُها وضُحاها
ما حَدا الركبُ فِي الفيافي وحَنَّت / رازماتُ الحُدا لنيل سناها
أو تنفست حمائم الجود منوقا / فيصل أنت للوفود غناها
لا تَحول الأخلاقُ إِلاَّ ببطءِ
لا تَحول الأخلاقُ إِلاَّ ببطءِ / إنها من موارثِ الأمواتِ
هَذِهِ خطتي وتلك صِفاتي / فاسمعوها وإقرأوها صَفَحاتِي
أنا والناسُ فِي المَذَاهب شَتّى / فِرَقاً تنتحِي جميعَ الجِهاتِ
أنا أَنْحُو لكلِّ عذراءَ بِكْرٍ / وفلان ينحو إِلَى الثَّيِّبات
وسِوانا لمُهْرةٍ وحِصان / ولهذا رُكوبه اليَعْملات
ولذاك الفتى مَحبَّةُ هِرٍّ / وسواه مَحبَّةُ النابِحات
وتراه إِلَى الملاعب يلهو / وأخوه يسعى إِلَى الطَّيِّبات
أنا فِي السَّتر للحصينةِ حُبي / لست أهوى تبرج المُحْصَنات
طمحَ العقلُ بالزهاويِّ حَتَّى / كبَّه فِي مهامه المُهلكات
كلُّ ساعٍ فللطبِيعةِ يَقْفو / مِحْوراً فِي تطور المُنشَئات
فلعكس الطباعِ فِي الكون سرٌّ / ترك الخلقَ عقلُهم فِي شَتاتِ
حكمةٌ تترك العقولَ حَيارَى / صَبَّرنا بَهائماً سائمات
مركزُ الطبعِ فِي النفوس عَريقٌ / كجبالٍ كثيفةٍ راسياتِ
خلقٌ فِي الطباع قَدْ صار خَلْقاً / لَيْسَ تمحوه قوةُ المُعصِرات
لا تحول الأخلاقُ إِلاَّ ببطء / إنها من مَوارثِ الأمواتِ
أمن الظُّعْنِ حين هَمَّ نُفوراً
أمن الظُّعْنِ حين هَمَّ نُفوراً / كتب الدمعُ فِي الخدود سطورا
هاج بالقلبِ واستطار فلما / زُمَّت العِيسُ كَانَ يوماً خَطيرا
خَلتِ الهوسُ بوتُ من كل ريمٍ / كاعباتٍ يُخجلن بدراً مُنيرا
يَسْتلبن العقولَ من غَمْز لحظٍ / صار منه الشجاعُ قَهْراً أسيرا
كلُّ أرضٍ بالقلب سوف تُنَسَّى / غيرَ قلبٍ إذَا رأى كشميرا
قيدتْ فكرتي فصرتُ لديها / دونَ قومي متيَّماً مأمورا
هل تُرَى يَا عزيزةَ النفسِ يأتي / نا زمانٌ ننال فِيهِ سرورا
إِن عندي لمُقبِل الدهرِ خيراً / إن يكن قلبُك العجولُ صَبورا
قَدْ سقتْني عيناك كأسَ غرامٍ / صَبَّرتْني مُعربِداً سِكِّيرا
رِشتِ قلبي بسهمِ عينيك لما / كنتُ ضيفاً بدارِكم مَحبورا
أتُحسين مَا أحسّ بقلبي / أشعلَ الشوقُ فِي حَشاي سَعيرا
فدَع العاذلين تَهلِك غيظاً / لَمْ أجد فِي الحَشا سواك سَميرا
نلتُ من دهريَ امتيازَ رِضاك / دون خلقٍ وَلَمْ أكن مغرورا
ليت أني أُطلق الأعنة ممن / عَذلوني عَلَى هواك غرورا
فثِقي بالعهود فِي الحب مني / إنني لَمْ أزل وفياً قديرا
لستُ أَنساكِ والبواخرُ تجري / حين أزمعتِ للرحيل مَسيرا
ذَاكَ يوماً يكاد ينطِق جَهْراً / إن يومَ الفراق كَانَ عسيرا
فعسى الدهرُ أن يَمُنَّ بجَمْع / يملأ الكونَ بهجة وسرورا
تضحك الأرضُ منه شوقاً وتبكي / مطراً أَعيُنُ السماءِ سرورا
وتهبُّ الرياح بِشْراً ويُضحى / كلُّ روضٍ من السرورِ مَطيرا
ويعود الزمانُ غُصْناً رَطيباً / ننشَق الوصلَ من شَذاه عَبيرا
ليت شعري متى يعود التَّداني / نَقْطف الأُنسَ منه غَضّاً نَضيرا
نَجْتَني البِشْر من وجوه الأماني / ونسوغ الوصالَ عذباً نَميرا
يا رعَى اللهُ ذَاكَ يومَ التَّهاني / إذ غدَا الطَّرفُ بالوصال قَريرا
طاب ذاك اللقا وطبنا نفوسنا / جعل الله ذا الفراق قصيرا
ذَاكَ يومٌ سينطق الدهرُ فِيهِ / بُدِّلوا اليومَ جَنَّةً وحريرا
بِتُّ والقلبُ للهموم مُخامِرْ
بِتُّ والقلبُ للهموم مُخامِرْ / ساهرَ الطَّرفِ للنجوم مُسامِرْ
كلما أَمَّ طارقٌ حارَ فكرِي / يَا لَفكرٍ بطارقٍ ظلّ حائر
ومتى شِمتُ بالمَهامِه رَكْباً / صرتُ أهوى أنني أفنى فِي الركب صائر
همتي أقطع السَّباسِبَ دهراً / عند ركبٍ بظهر خُفٍّ وحافر
أركب الصَّعْبَ والذّلولَ وأمشى / لا أُبالي بأيِّ نفسٍ أُخاطر
صحبتي للعلى ظهورُ المَطايا / فِي ليالٍ أَبيت فِيهِنّ ساهر
خاليَ الهمِّ لا أرى غير مُهْرٍ / أَوْ شجاع عَلَى المهمات صابر
بَيْنَ ركب ورفقةٍ تَتعاطَى / كأسَ صفوٍ لا كؤوسَ المُخامر
نأكل الدَّسْمَ والغَريضَ ونسقي / أَكرمَ القوم مَحْض دَرِّ وخاثر
نُطعَم الوحشَ أهنأَ العيشِ طمعاً / وسط قَفْرٍ وذابلاتِ الحوافر
هكذا أطلب الليالي بحرصٍ / مَا تَغنّى بدوحةِ المجد طائر
رفقتي والعُلى وحافرُ مُهْرِي / واجتنابُ الفَلا وضمُّ العساكر
هنّ أحلى من التّرفُّه عندي / أيُّ يوم أكنْ بهاتيك ظافر
فَوْقَ دُهم مُطهَّمات كرام / تَعلك اللُّجْمَ عادياتٍ نَوافر
صامداً أجتلِي وجوه الأماني / بسَنا النّصل والسيوف البَواتر
ذَاكَ مَا كنت أرقب الدهرَ فِيهِ / إِنْ يكُ الدهرُ للمحبِّ مُؤازرْ
إنّ يومَ النفيرِ فَرَّج همي / فرج الله همَّ كل مسافر
خَلِّ نفسَ اللِّقا تبلُّ صَداها
خَلِّ نفسَ اللِّقا تبلُّ صَداها / كم لَهَا بالنوى تُقاسي ظَماها
خَلِّها بالسرور تَنْزِف دمعاً / إنما هَيَّجَ السرورُ بُكاها
خَلِّها تسكُب الدموعَ دِقاقاً / مِيسمُ الشوقِ باللِّقا قَدْ كَواها
خَلِّها إِنْ بعينِها لن نُبَقِّي / دمعةً تسفحُ الدِّما مُقلتاها
ذاك طبعُ المَشوقِ إِن هِيجَ شوقاً / يَمترِي العينَ كي تَصبَّ دماها
هي نفسٌ وللنفوسِ اشتياقٌ / وحنينٌ إِلَى بُلوغ مُناها
لا يَلُمْني العذولُ إِنْ بنفسي / قَبساً بالفؤاد شَبَّ لَظاها
منذ بانوا عن الديار فإني / لَمْ تكن لي مَثابةٌ فِي حِماها
لا تقوم النفوسُ إِلاَّ بنفس / يَعْبقُ الجودُ من شَميم شَذاها
ليتني كنتُ للأحبة عبداً / بِظلالِ الحُمول أَقْفو ثَراها
نَكَص الحظُّ والحظوظُ هَدايا / يَا رعَى الله مدةً قَدْ قَضاها
إِن أمتْ فيهم ففيهم غرامي / فغرامُ النفوس أَدْهَى بَلاها
فالهَوى هُوّةُ وللنفسِ داءٌ / إن آفة النفوسِ هَواها
أيُّ شيءٍ بِهِ أُعلِّل نفسي / مَا أُراها عن حبِّهم تتَناهَى
سَلبوها فلم تزل فِي هَواهم / تقطع الوَعْرَ غدوُةً ومَساها
لو سَلَوْها بقربهم لَتَسلَّتْ / لكِ نارُ الفراقِ أَصْلت شَواها
شَفع اللهُ ذا البعادِ بقربٍ / ودنا للنَّوى بَعيدُ مَداها
أَيُّها الركبُ حَثْحِثوا السيرَ واحْدُوا / فنَوادي السرور يعلو صَداها
وسما الملك للنواظرِ تزهو / فرحةُ الوصلِ من مَليك سَماها
ما ترى الدهرَ بالتهاني تَغنَّى / وبوصلِ المليكِ تيمورَ باهَى
رجع المجدُ والممالك قَرَّتْ / شرفاً عينُها وزادَ تهاها
طلعةٌ أشرقَ الوجودُ بَهاءً / من ضِياها وضوءِ نورِ سَناها
حرس اللهُ ذاتَها وشَفاها / من سَقامٍ وَقَدْ أزال عَناها
صانَها من بَواعثِ السُّقْمِ دهراً / وحَماها من الأذى ورعاها
هي ذاتٌ سرُّ الوجودِ من الل / هِ وشمسٌ قَدْ اهْتُدِي بِضياها
صحةُ الكونِ رحمةُ الله فِي الأر / ضِ بَلَى أنتَ شمسُها وضُحاها
جئت للعالمين غوثاً وغيثاً / يَا مليك الأنام أنتَ هُداها
فانعَمِ البالَ لا تزال بعزٍّ / قبسٌ للعُلى ونورُ سَناها
وصل اللهُ ذي الحياةَ بوصلٍ / مدةَ الدهر لَمْ تزل بحِماها
قَدْ تجلّى نور شعبانَ منه / يومَ عشرٍ وتسعةٍ من دُجاها
قام فِي الملكِ بالسُّعود فأرَّخ / هِمماً تحسد النجومُ عُلاها
إن تيمورَ عدلُه اليومَ أضحى / يَطِس الأرضَ وَهْدَها ورُباها
سائلِ الدمعَ فِي الهوى كَيْفَ يَنْهَرْ
سائلِ الدمعَ فِي الهوى كَيْفَ يَنْهَرْ / ويقيمَ الجمالِ فيما إِذَا يُقْهَر
إِن شوقي بِهِ من الشمس أَشْهَر / أعشقُ الحُسنَ والملاحةَ والظَّرْ
فَ وأهوى محاسن الأخلاقِ /
لَمْ أزلْ فِي الهوى سميعاً مُجيباً / وافيَ العهدِ للمحبِّ قريبا
إِن شكا الهجرَ كنت عنه طبيباً / لَمْ أَخُنْ قط فِي الوداد حبيبا
لو ينادي عليَّ فِي الأسواقِ /
أنا عذبُ المَذاقِ فِعلي ونطقي / صُحبتي فِي الغرامِ صحبة صدقِ
منهجي فِي الهوى مَنوطٌ برفق / شِيمَتي شيمتي وخُلْقيَ خُلْقي
ولوَ أتى أموتُ مما أُلاقي /
بهرتْ بالجمالِ لما تَجلَّتْ
بهرتْ بالجمالِ لما تَجلَّتْ / ودَنتْ خوطَ بانةٍ فَتدلَّتْ
وثَنَتْ عِطْفَها فلما تولَّتْ / وعدتْ أن تزور ليلاً فأَلْوت
وأتت بالنهارِ تسحب ذيلا /
برزتْ بالضحى قطوفٌ فمالتْ / أخلفتْ وعدَ وصلِها واستحالتْ
فَتدانيتُ نحوها فاستقالتْ / قلت هَلاّ صدقتِ فِي الوعدِ قالت
كَيْفَ صدقي وهل تُرى الشمسُ ليلا /
كنتُ فِي الأُفق حافظاً تركوني
كنتُ فِي الأُفق حافظاً تركوني / إِن تَرَوني بالأرض لا تُنكروني
إن أهلي عَلَى الثرى نبَذوني / أنا درٌّ من السما نَثَروني
يوم تزويجِ والدِ السِّبْطَيْنِ /
كنت أقوى من النجومِ انقِضاضاً / عَوَّضوني فِي الأرضِ عنه انقِباضا
وسقَوني من الدماء حِياضاً / كنت أصفَى من اللُّجين بياضا
صبغتني دماءُ نحرِ الحسينِ /
قَدْ أَتتْني الدُّنا بما لست أدرِي
قَدْ أَتتْني الدُّنا بما لست أدرِي / جَرَّعتْني كأسَ صابٍ ومُرِّ
حار فِيهَا بعدَ التجاربِ فكري / فتفكرتُ فِي عواقب أمري
فرأيت النَّجا ارتكابَ العظائمْ /
حادِيَ العيسِ هل مررتَ برَكْبِ
حادِيَ العيسِ هل مررتَ برَكْبِ / تَرك القلبَ فِي همومٍ وكَرْبِ
يَا لوُدي ويا أُهَيلِي وصحبي / إن يوم النَّفيرِ أحزن قلبي
ليتني فِي النفير كنت مُسافِرْ /
تركوا الشوقَ لازماً لا مُعَدَّى / حين جَدُّوا والرَّكائبُ تُحْدَى
لا تلوموا إِذَا غرامي جَدّا / كَيْفَ أسلو عن المليك المفدَّى
بهجةِ الدهرِ قُرَّةِ النواظرْ /
لا تُعنِّف بقرفةٍ للمُحبِّ
لا تُعنِّف بقرفةٍ للمُحبِّ / ين وَقَدْ كنتَ قُطْبَ رَحاها
لمتَني بالأنين يَا فارغَ القل / بِ وهل تعلم النفوسُ سِواها
قَدْ شربنا كأسَ المَلالةِ والهج / رِ كلانا يَذوق حَرَّ لَظاها
بك مَا بي من الصَّبابة والوج / د فدَعْنا نُبدِي الأَنين شِفاها
أرِقتْ مُقْلتي وَقَدْ طال ليلِي
أرِقتْ مُقْلتي وَقَدْ طال ليلِي / ومن النوم لن أفوزَ بنَيْلِ
ليت شِعري مَا المَنامُ بحَولِي / نمتُ ملءُ الجفونِ لكن حولي
زَفَراتٍ الأنينِ يَدْوِي صَداها /
ملأ الهَمُّ مقلتيّ احترافاً / كَيْفَ جفنايَ بالمنامِ تَلاقَى
قَرَّح السهدُ من عيوني الحِداقا / أترى عاشقاً يئنّ اشتياقا
عن عيون أطار جزناً كَراها /