المجموع : 25
أَيُّها الحُبُّ أنتَ سِرُّ بَلائِي
أَيُّها الحُبُّ أنتَ سِرُّ بَلائِي / وهُمُومي وَرَوْعَتي وعَنَائي
ونُحُولي وأَدْمُعي وعَذَابي / وسُقَامي وَلَوْعَتي وشَقَائي
أَيُّها الحُبُّ أَنتَ سِرُّ وُجُودي / وحَيَاتي وعِزَّتي وإبَائي
وشُعاعِي ما بينَ دَيْجُورِ دَهْري / وأَليفي وقُرَّتي وَرَجَائي
يا سُلافَ الفُؤادِ يا سُمَّ نَفْسي / في حَيَاتي يا شِدَّتي يا رَخَائي
أَلَهيبٌ يثورُ في روضَةِ النَّفْسِ / فَيَطْغى أَمْ أَنتَ نُورُ السَّماءِ
أَيُّها الحُبُّ قَدْ جَرَعْتُ بِكَ الحُزْ / نَ كُؤُوساً وما اقْتَنَصْتُ ابْتِغَائي
فبِحَقِّ الجَمَال يا أَيُّها الحُ / بُّ حَنَانَيْكَ بي وَهَوِّن بَلائي
لَيْتَ شِعْرِي يا أَيُّها الحُبُّ قُلْ لي / مِنْ ظَلامٍ خُلِقَت أَمْ من ضِياءِ
يَا شِعْرُ أَنْتَ فَمُ الشُّعُورِ / وصَرْخَةُ الرُّوحِ الكَئيبْ
يَا شِعْرُ أَنْتَ صَدَى نحيبِ / القَلْبِ والصَّبِّ الغَرِيبْ
يَا شِعْرُ أَنْتَ مَدَامعٌ / عَلِقَتْ بأَهْدَابِ الحَيَاةْ
يَا شِعْرُ أَنْتَ دَمٌ / تَفَجَّرَ مِنْ كُلُومِ الكائِناتِ
يَا شِعْرُ قَلْبي مِثْلما / تدري شَقِيٌّ مُظْلَمُ
فِيهِ الجِراحُ النُّجْلُ يَقْطُرُ / مِنْ مَغَاوِرِها الدَّمُ
جَمَدَتْ على شَفَتَيهِ / أَرْزاءُ الحَياةِ العَابِسهْ
فهوَ التَّعيسُ يُذيبُهُ / نَوْحُ القُلُوبِ البَائِسَهْ
أبداً يَنوحُ بحُرْقَةٍ / بَيْنَ الأَماني الهَاوِيهْ
كالبُلْبُلِ الغِرِّيدِ ما / بَيْنَ الزُّهورِ الذَّاوِيهْ
كمْ قَدْ نَضَحْتُ لهُ بأنْ / يَسْلو وكَمْ عَزَّيْتُهُ
فأَبى وما أصغَى إلى / قَوْلي فما أجْديتُهُ
كَمْ قلتُ صبراً يا فُؤادُ / أَلا تَكُفُّ عنِ النَّحِيبْ
فإذا تَجَلَّدَتِ الحِياةُ / تبدَّدَتْ شُعَلُ اللَّهيبْ
يَا قَلْبُ لا تجزعْ أمامَ / تَصَلُّبِ الدَّهرِ الهَصُورْ
فإذا صَرَخْتَ توجُّعاً / هَزَأَتْ بصَرْخَتِكَ الدُّهُورْ
يَا قَلْبُ لا تَسْخُطْ على / الأيَّامِ فالزَّهْرُ البَديعْ
يُصْغي لضَجَّاتِ العَوَاصِفِ / قَبْلَ أَنغامِ الرَّبيعْ
يَا قَلْبُ لا تَقْنَعْ بشَوْكِ / اليَأْسِ مِنْ بينِ الزُّهُورْ
فَوَراءَ أَوْجاعِ الحَياةِ / عُذُوبَةُ الأَملِ الجَسُورْ
يَا قَلْبُ لا تَسْكُبْ دُمُوعكَ / بالفَضَاءِ فَتَنْدَمِ
فعَلَى ابتساماتِ الفَضَاءِ / قَسَاوَةُ المُتَهَكِّمِ
لكِنَّ قَلْبي وهوَ / مُخْضَلُّ الجوانبِ بالدُّمُوعْ
جَاشَتْ بهِ الأَحْزانُ إذْ / طَفَحَتْ بِها تِلْكَ الصُّدوعْ
يَبْكي على الحُلْمِ البَعيدِ / بلَوْعَةٍ لا تَنْجَلي
غَرِداً كَصَدَّاحِ الهَوَاتِفِ / في الفَلا ويَقُول لي
طَهِّرْ كُلُومَكَ بالدُّمُوع / وخَلِّها وسَبِيلَهَا
إنَّ المَدامِعَ لا تَضِيعُ / حَقيرَهَا وجَليلَهَا
فَمِنَ المَدَامِعِ ما تَدَفَّعَ / جارِفاً حَسَكَ الحَياهْ
يرْمِي لِهاوِيَةِ الوُجُودِ / بكلِّ ما يبني الطُّغاهْ
ومنَ المَدَامِعِ ما تأَلَّقَ / في الغَيَاهِبِ كالنُّجُومْ
ومنَ المَدَامِعِ ما أَراحَ / النَّفْسَ مِنْ عبءِ الهُمُومْ
فارْحَمْ تَعَاسَتَهُ ونُحْ / مَعَهُ على أَحْلامِهِ
فلَقَدْ قَضَى الحُلْمُ البَديعُ / عَلى لَظَى آلامِهِ
يَا شِعْرُ يا وحْيَ الوُجود / الحيِّ يا لُغَةَ المَلايِكْ
غَرِّدْ فأَيَّامي أنا تبْكِي / عَلى إيقَاعِ نايكْ
رَدِّدْ على سَمْعِ الدُّجَى / أَنَّاتِ قَلْبي الواهِيَهْ
واسْكُبْ بأَجْفانِ الزُّهورِ / دُمُوعَ قلبي الدَّاميهْ
فلَعَلَّ قَلْبَ اللَّيل / أَرْحَمُ بالقُلُوبِ البَاكيهْ
ولَعَلَّ جَفْنَ الزهرِ / أَحْفَظُ للدُّمُوعِ الجَاريهْ
كمْ حَرَّكَتْ كفُّ الأَسى / أَوْتارَ ذَيَّاكَ الحَنينْ
فَتَهَامَلَتْ أَحْزانُ قلبي / في أَغاريدِ الأَنِينْ
فَلَكَمْ أَرَقْتُ مَدَامِعِي / حتَّى تَقَرَّحَتِ الجُفُونْ
ثمَّ التَفَتُّ فَلَمْ أجدْ / قلباً يُقاسِمُني الشُّجُونْ
فَعَسَى يَكونُ اللَّيلُ أَرْحَمُ / فهوَ مِثْلِي يندُبُ
وعَسَى يَصونُ الزَّهْرُ دَمْعِي / فهوَ مِثْلِي يَسكُبُ
قدْ قَنَّعَتْ كَفُّ المَساءِ / الموتَ بالصَّمْتِ الرَّهيبْ
فَغَدا كأَعْماقِ الكُهُوفِ / بِلا ضَجيجٍ أَو وَجِيبْ
يَأتي بأَجْنِحَةِ السُّكُونِ / كأنَّهُ اللَّيلُ البَهيمْ
لكنَّ طَيْفُ الموتِ قاسٍ / والدُّجى طَيفٌ رَحيمْ
ما للمَنِيَّةِ لا تَرِقُّ / على الحَياةِ النَّائِحَهْ
سِيَّانِ أَفئدةٌ تَئِنُّ / أَوِ القُلُوبُ الصَّادِحَهْ
يَا شِعْرُ هلْ خُلِقَ المَنونُ / بلا شعورٍ كالجَمَادْ
لا رَعْشَةٌ تَعْرُو يديْهِ / إِذا تملَّقَهُ الفُؤَادْ
أَرأَيْتَ أَزْهارَ الرَّبيعِ / وقدْ ذَوَتْ أَوراقُها
فَهَرَتْ إلى صَدْرِ التُّرابِ / وقدْ قَضَتْ أَشْواقُهَا
أَرأَيْتَ شُحْرورَ الفَلا / مُتَرَنِّماً بَيْنَ الغُصُونْ
جَمَدَ النَّشيدُ بصَدْرِهِ / لمَّا رأَى طَيْفَ المَنُونْ
فَقَضَى وقدْ غَاضَتْ / أَغاريدُ الحَياةِ الطَّاهِرَهْ
وهَوَى منَ الأَغْصانِ / ما بَيْنَ الزُّهورِ البَاسِرَهْ
أَرأَيْتَ أُمّ الطِّفْلِ تَبْكي / ذلكَ الطِّفْلَ الوَحيدْ
لمَّا تَنَاوَلَهُ بعُنْفٍ / ساعِدُ المَوتِ الشَّديدْ
أَسَمِعْتَ نَوْحَ العاشِقِ الوَلْهانِ / مَا بَيْنَ القُبُورْ
يَبْكي حَبيبَتَهُ فيا / لِمَصَارعِ الموتِ الجَسُورْ
طَفَحَتْ بأَعْماقِ الوُجُودِ / سَكِينَةُ الصَّبْرِ الجَلِيدْ
لمَّا رأَى عَدْلَ الحَياةِ / يَضُمُّهُ اللَّحْدُ الكَنُودْ
فَتَدَفَّقَتْ لَحْناً يُرَدِّدُهُ / على سَمْعِ الدُّهُورْ
صَوتُ الحياةِ بضَجَّةٍ / تَسْعَى على شَفَةِ البُحُورْ
يا شِعْرُ أَنْتَ نَشيدُ / أَمْواجِ الخِضَمِّ السَّاحِرَهْ
النَّاصِعاتِ الباسِماتِ / الرَّاقِصاتِ الطَّاهِرَهْ
السَّافِراتِ الصَّادِحاتِ / معَ الحياةِ إلى الأبدْ
كَعَرائسِ الأَمَلِ الضَّحُوكِ / يَمِسْنَ ما طالَ الأَمَدْ
ها إنَّ أَزْهارَ الرَّبيعِ / تَبَسَّمَتْ أَكمامُها
تَرنُو إلى الشَّفقِ البَعيدِ / تغُرُّها أَحْلامُها
في صَدْرِها أملٌ / يحدِّقُ نحوَ هاتيك النُّجومْ
لكنَّه أملٌ سَتُلْحِدُه / جَبَابرةُ الوُجُومْ
فَلَسَوْفَ تُغْمِضُ جَفْنَهَا / عنْ كلِّ أَضواءِ الحياةْ
حيثُ الظَّلامُ مخَيِّمٌ / في جوِّ ذَيَّاكَ السُّبَاتْ
ها إنَّها هَمَسَتْ / بِآذانِ الحياةِ غَرِيدَهَا
قَتَلَتْ عَصافيرُ الصَّبَاحِ / صُداحَهَا ونَشِيدَهَا
يَا شِعْرُ أَنْتَ نَشِيدُ / هاتيكَ الزُّهُورِ الباسِمَهْ
يا لَيْتَني مِثْلُ الزُّهُورِ / بلا حَياةٍ واجِمهْ
إنَّ الحَياةَ كئيبةٌ / مَغْمورةٌ بِدُمُوعِها
والشَّمسُ أضْجَرَها الأَسى / في صَحْوِها وهُجُوعِهَا
فَتَجَرَّعَتْ كَأساً دِهاقاً / مِنْ مُشَعْشَعَةِ الشَّفَقْ
فَتَمَايَلَتْ سَكْرَى إلى / كَهْفِ الحَياةِ ولَمْ تُفِقْ
يَا شِعْرُ أَنْتَ نَحيبُها / لمَّا هَوَتْ لسُباتِها
يَا شِعْرُ أَنْتَ صُدَاحُها / في مَوْتِها وحَيَاتِها
انْظُرْ إلى شَفَقِ السَّماءِ / يَفيضُ عَنْ تِلْكَ الجِبَالْ
بشُعَاعِهِ الخَلاّبِ يَغْمُرُها / بِبَسْماتِ الجَمَالْ
فَيُثِيرُ في النَّفْسِ الكَئيبةِ / عَاصِفاً لا يَرْكُدُ
ويُؤَجِّجُ القلبَ المُعَذَّبَ / شُعْلَةً لا تَخْمُدُ
يَا شِعْرُ أنتَ جمالُ / أَضْواءِ الغُرُوبِ السَّاحِرَهْ
يا هَمْسَ أَمْواجِ المَسَاءِ / البَاسِماتِ الحَائرَهْ
يا نَايَ أَحْلامِي الحَبيبةِ / يا رَفيقَ صَبَابَتِي
لولاكَ مُتُّ بلَوْعَتِي / وبِشَقْوَتي وكَآبَتِي
فيكَ انْطَوَتْ نَفْسي وفيكَ / نَفَخْتُ كلَّ مَشَاعِرِي
فاصْدَحْ على قِمَمِ الحَياةِ / بِلَوْعَتي يا طَائِرِي
أَيُّها الليلُ يا أبا البؤسِ والهَوْ
أَيُّها الليلُ يا أبا البؤسِ والهَوْ / لِ يا هيكلَ الحَياةِ الرهيبِ
فيكَ تَجْثو عرائسُ الأمَلِ العذْ / بِ تُصَلِّي بِصَوتهِ المحبوبِ
فَيُثيرُ النَّشيدُ ذكرى حياةٍ / حَجَبَتْها غُيومُ دَهْرٍ كئيبِ
وتَرُفُّ الشُّجونُ من حول قلبي / بسُكونٍ وَهَيْبَةٍ وقُطوبُ
أَنْتَ يا ليلُ أَنْتَ ذرّةٌ صَعَدَتْ لل / كون من مَوْطِئ الجحيمِ الغَضوبِ
أَيُّها الليلُ أَنْتَ نَغْمٌ شَجيٌّ / في شفاهِ الدُّهورِ بَيْنَ النَّحيبِ
إنَّ أُنشودة السُّكونِ التي ترتجّ / في صَدْرِكَ الرَّكودِ الرَّحيبِ
تُسْمِعُ النَّفْسَ في هدوء الأماني / رَنّةَ الحَقِّ والجمال الخَلوبِ
فَتَصوغُ القلوبُ منها أغاريداً / تَهُزُّ الحياةَ هزَّ الخُطوبِ
تتلوّى الحياةُ من ألَم البؤْ / س فتبكي بِلَوْعَةٍ ونَحيبِ
وعلى مَسْمَعيكَ تَنْهلُّ نوحاً / وعويلاً مُرًّا شجونُ القُلوبِ
فأرى بُرْقُعاً شفيفاً من الأو / جاعِ يُلقي عليكَ شجوَ الكَئيبِ
وأرى في السُّكونِ أجنحة الجبَّ / ار مُخْضَلّةً بِدَمعٍ حبيبِ
فَلَكَ الله من فؤادٍ رَحيمٍ / ولكَ الله من فؤادٍ كئيبِ
يَهْجَعُ الكَونُ في طمأنينةِ العُصْ / فورِ طِفْلاً بِصَدرِكَ الغِرِّيبِ
وبأحْضانكَ الرَّحيمةِ يستيقظُ في / نضرة الضَّحوكِ الطَّروبِ
شادياً كالطُّيوبِ بالأملِ العَذْ / بِ جميلاً كَبَهْجَةِ الشُّؤْبوبِ
يا ظلامَ الحياةِ يا رَوْعة الحُزْ / نِ ويا مِعْزَفَ التَّعيسِ الغَريبِ
وبقيثارةِ السَّكينةِ في ك / فَّيْكَ تَنْهَلُّ رَنَّةُ المَكْروبِ
فيكَ تنمو زَنابقُ الحُلُمِ العذْ / بِ وتَذوي لَدى لَهيبِ الخُطوبِ
خَلْفَ أعماقكَ الكئيبةِ تَنْسا / بُ ظِلالُ الدُّهورِ ذاتَ قُطوبِ
وبِفَوْديكَ في ضَفائِرِكَ / السُّودِ تَدُبُّ الأيَّامُ أيَّ دَبيبِ
صاحِ إنَّ الحياةَ أنشودةُ الحُزْ / نِ فَرَتِّلْ على الحياةِ نَحيبي
إنّ كأسَ الحياةِ مُتْرَعةٌ بالدَّ / مْعِ فاسكُبْ على الصَّباحِ حَبيبي
إنّ وادي الظَّلامِ يَطْفَحُ بالهَوْ / لِ فما أبْعَدَ ابتسامَ القُلوبِ
لا يَغُرَّنَّكَ ابتسامُ بَني الأرْ / ضِ فَخَلْفَ الشُّعاعِ لَذْعُ اللَّهيبِ
أَنْتَ تدري أنَّ الحياةَ قُطو / بٌ وخُطوبٌ فما حياةُ القُطوبِ
إنَّ في غيبةِ الدُّهورِ تِباعاً / لِخَطيبٍ يَمُرُّ إثرَ خَطيبِ
سَدَّدَتْ في سكينة الكون للأعما / قِ نفسي لَحْظاً بعيدَ الرُّسوبِ
نَظْرةٌ مَزَّقَتْ شِعافَ اللَّيالي / فَرأتْ مُهْجَةَ الظَّلامِ الهَيوبِ
ورأتْ في صميمَها لَوْعَةَ الحُز / نِ وأصْغَتْ إلى صُراخِ القُلوبِ
لا تُحاوِلْ أنْ تنكرَ الشَّجْوَ إنّي / قَدْ خَبِرتُ الحياةَ خُبْرَ لَبيبِ
فتبرّمتُ بالسَّكينةِ والضَّجَّةِ / بل قَدْ كَرِهْتُ فيها نصيبي
كُنْ كَما شاءتِ السَّماءُ كَئيباً / أيُّ شيءٍ يَسُرُّ نفسَ الأريبِ
أنُفوسُ تموتُ شاخِصةً بالهو / لِ في ظُلمةِ القُنوط العَصيبِ
أمْ قُلوبٌ مُحِطَّاتٌ على سا / حلِ لُجِّ الأسى بِمَوجِ الخُطوبِ
إنَّما النّاسُ في الحياةِ طيورُ / قَدْ رَماها القَضا بِوادٍ رَهيبِ
يَعْصُفُ الهولُ في جوانبه السو / دِ فَيَقْضي على صَدى العَنْدَليبِ
قَدْ سألتُ الحياةَ عن نغمةِ الفَجْ / رِ وعن وَجْمة المساء القَطوبِ
فَسمِعْتُ الحياة في هيكل الأحزا / نِ تشدو بِلَحْنِها المحبوبِ
ما سُكوتُ السَّماءِ إلاَّ وُجومٌ / ما نشيدُ الصَّباحِ غيرُ نحيبِ
ليسَ في الدَّهرِ طائرٌ يتغنّى / في ضِفافِ الحياةِ غَيرَ كَئيبِ
خَضَّبَ الاكتئابُ أجنحَة الأيّا / مِ بالدَّمْعِ والدَّم المَسْكوبِ
وعَجيبٌ أن يفرحَ النْاسُ في كَهْ / فِ اللَّيالي بِحُزْنِها المَشْبوبِ
كنتُ أرنو إلى الحياةِ بِلَحْظٍ / باسِمٍ والرَّجاءُ دون لُغوبِ
ذاكَ عَهْدٌ حَسِبْتُهُ بَسْمَةَ ال / فَجْرِ ولكنّهُ شُعاعُ الغُروبِ
ذاكَ عَهْدٌ كأنَّهُ رَنَّةُ الأفرا / حِ تَنْسابُ من فَمِ العَنْدَليبِ
خُفِّفَتْ رَيْثَما أصَخْتُ لها بالقَلْ / بِ حيناً وبُدِّلَتْ بِنَحيبِ
إنَّ خَمْرَ الحياةِ وَرْدِيَّةُ اللَّو / نِ ولكنَّها سِمامُ القُلوبِ
جَرَفتْ من قَرارةِ القَلْبِ أحلا / مي إلى اللَّحْدِ جائِراتُ الخُطوبِ
فَتلاشَتْ على تُخومِ الليالي / وتَهاوتْ إلى الجَحيمِ الغَضوبِ
وثَوى في دُجُنَّةِ النَّفْس وَمْضٌ / لم يَزَل بَيْنَ جيئَةٍ وذُهوبِ
ذُكْرياتٌ تَميسُ في ظُلْمَةِ النَّفْ / سِ ضِئالاً كَرائعاتِ المَشيبِ
يا لِقَلْبٍ تَجَرّعَ اللَّوعةَ المُرَّ / ةَ من جدولِ الزَّمانِ الرَّهيبِ
ومَضَتْ في صَميمِهِ شُعْلَةُ الحُزْ / نِ فَعَشَّتْهُ من شُعاعِ اللَّهيبِ
سِرْ مَعَ الدَّهْرِ لا تَصُدَّنَّكَ
سِرْ مَعَ الدَّهْرِ لا تَصُدَّنَّكَ / الأَهوالُ أَو تُفْزِعَنَّكَ الأَحداثُ
سِرْ مَعَ الدَّهْرِ كيفما شاءتِ / الدُّنيا ولا يخدعنَّكَ النَّفَّاثُ
فالذي يُرْهِبُ الحياةَ شقيٌّ / سَخِرَتْ من مصيرهِ الأَجْداثُ
عذبة أنت كالطفولة كالأح
عذبة أنت كالطفولة كالأح / لام كالحن كالصباح الجديد
كالسَّماء الضَّحُوكِ كاللَّيلَةِ القمراءِ / كالوردِ كابتسامِ الوليدِ
يا لها مِنْ وَداعةٍ وجمالٍ / وشَبابٍ مُنعَّمٍ أُمْلُودِ
يا لها من طهارةٍ تبعثُ التَّقدي / سَ في مهجَةِ الشَّقيِّ العنيدِ
يا لها رقَّةً تَكادُ يَرفُّ الوَرْ / دُ منها في الصَّخْرَةِ الجُلْمودِ
أَيُّ شيءٍ تُراكِ هلْ أَنْتِ فينيسُ / تَهادتْ بَيْنَ الوَرَى مِنْ جديدِ
لتُعيدَ الشَّبابَ والفرحَ المعس / ولَ للعالمِ التَّعيسِ العميدِ
أَم ملاكُ الفردوس جاءَ إلى الأَر / ضِ ليُحيي روحَ السَّلامِ العهيدِ
أَنتِ مَا أَنتِ أَنْتِ رسمٌ جميلٌ / عبقريٌّ من فنِّ هذا الوُجُودِ
فيكِ مَا فيهِ من غموضٍ وعُمْقٍ / وجَمَالٍ مقَدَّسٍ معبودِ
أنتِ مَا أنتِ أَنتِ فجرٌ من السّحرِ / تجلَّى لقلبيَ المعمودِ
فأراه الحَيَاةَ في مُونِقِ الحُسْنِ / وجلّى له خفايا الخلودِ
أَنتِ روحُ الرَّبيعِ تختالُ ف / ي الدُّنيا فتهتزُّ رائعاتُ الورودِ
وتهبُّ الحَيَاة سَكرى من العِط / رِ ويدْوي الوُجُودُ بالتَّغريدِ
كلَّما أَبْصَرَتْكِ عينايَ تمشينَ / بخطوٍ موقَّعٍ كالنَّشيدِ
خَفَقَ القلبَ للحياة ورفَّ الزَّه / رُ في حقلِ عمريَ المجرودِ
وانتشتْ روحيَ الكئيبَةُ بالحبِّ / وغنَّتْ كالبلبلِ الغِرِّيدِ
أَنتِ تُحيينَ في فؤاديَ مَا قدْ / ماتَ في أَمسيَ السَّعيدِ الفقيدِ
وَتُشِيدينَ في خرائبِ روحي / مَا تلاشَى في عهديَ المجدودِ
مِنْ طموحٍ إلى الجمالِ إلى الفنِّ / إلى ذلك الفضاءِ البعيدِ
وتَبُثِّينَ رقَّةَ الشوقِ والأَحلامِ / والشَّدوِ والهوى في نشيدي
بعد أنْ عانقتْ كآبَةُ أَيَّامي / فؤادي وأَلجمتْ تغريدي
أَنتِ أُنشودَةُ الأَناشيدِ غنَّاكِ / إِلهُ الغناءِ ربُّ القصيدِ
فيكِ شبَّ الشَّبابُ وشَّحهُ السّحْرُ / وشدوُ الهَوَى وعِطْرُ الورودِ
وتراءى الجمالُ يَرْقُصَ رقصاً / قُدُسيًّا على أَغاني الوُجُودِ
وتهادتْ في أُفْق روحِكِ أَوْزانُ / الأَغاني ورِقَّةُ التَّغريدِ
فتَمَايلتِ في الوُجُودِ كلحنٍ / عبقريِّ الخيالِ حلوِ النَّشيدِ
خطواتٌ سكرانةٌ بالأَناشيد / وصوتٌ كَرَجْعِ نايٍ بعيدِ
وقَوامٌ يَكادُ يَنْطُقُ بالأَلحانِ / في كلِّ وقفةٍ وقعودِ
كلُّ شيءٍ موقَّعٌ فيكِ حتَّى / لَفْحَةُ الجيدِ واهتزازُ النّهودِ
أَنتِ أَنتِ الحَيَاةُ في قدْسها السَّا / مي وفي سِحْرها الشَّجيِّ الفريدِ
أَنتِ أَنتِ الحَيَاةُ في رِقَّةِ ال / فجر في رونق الرَّبيعِ الوليدِ
أَنتِ أَنتِ الحَيَاةُ كلَّ أَوانٍ / في رُواءٍ من الشَّبابِ جديدِ
أَنتِ أَنتِ الحَيَاةُ فيكِ وفي / عَيْنَيْكِ آياتُ سحرها الممدودِ
أَنتِ دنيا من الأَناشيدِ والأَحلامِ / والسِّحْرِ والخيال المديدِ
أَنتِ فوقَ الخيالِ والشِّعرِ والفنِّ / وفوقَ النُّهى وفوقَ الحُدودِ
أَنتِ قُدْسي ومعبدي وصباحي / وربيعي ونَشْوتي وخُلودي
يا ابنةَ النُّورِ إنَّني أنا وحدي / من رأى فيكِ رَوْعَةَ المَعْبودِ
فدعيني أَعيشُ في ظِلِّكِ العذْبِ / وفي قُرْبِ حُسنكِ المَشْهودِ
عيشةً للجمالِ والفنِّ والإِلهامِ / والطُّهْرِ والسَّنى والسُّجودِ
عيشَةَ النَّاسكِ البتُولِ يُناجي الرَّ / بَّ في نشوَةِ الذُّهول الشَّدِيدِ
وامنحيني السَّلامَ والفرحَ الرُّو / حيَّ يا ضوءَ فجريَ المنشودِ
وارحميني فقد تهدَّمتُ في كو / نٍ من اليأْسِ والظَّلامِ مَشيدِ
أنقذيني من الأَسى فلقدْ أَمْسَ / يْتُ لا أستطيعُ حملَ وجودي
في شِعَابِ الزَّمان والموت أَمشي / تحتَ عبءِ الحَيَاة جَمَّ القيودِ
وأُماشي الوَرَى ونفسيَ كالقب / رِ وقلبي كالعالم المهدُودِ
ظُلْمَةٌ مَا لها ختامٌ وهولٌ / شائعٌ في سكونها الممدودِ
وإذا مَا استخفَّني عَبَثُ النَّاسِ / تبسَّمتُ في أَسًى وجُمُودِ
بَسْمَةٌ مرَّةٌ كأنَّني أَستلُّ / من الشَّوكِ ذابلاتِ الورودِ
وانْفخي في مَشاعِري مَرَحَ الدُّنيا / وشُدِّي مِنْ عزميَ المجهودِ
وابعثي في دمي الحَرارَةَ عَلِّي / أَتغنَّى مع المنى مِنْ جَديدِ
وأَبثُّ الوُجُودَ أَنغامَ قلبٍ / بُلْبُليٍّ مُكَبَّلٍ بالحديدِ
فالصَّباحُ الجميلُ يُنْعِشُ بالدِّفءِ / حياةَ المُحَطَّمِ المكدودِ
أنْقذيني فقد سئمتُ ظلامي / أنقذيني فقدْ مَلِلْتُ ركودي
آه يا زهرتي الجميلةَ لو تدرينَ / مَا جدَّ في فؤادي الوحيدِ
في فؤادي الغريبِ تُخْلَقُ أَكوانٌ / من السّحرِ ذاتُ حُسْنٍ فريدِ
وشموسٌ وضَّاءةٌ ونُجومٌ / تَنْثُرُ النُّورَ في فَضاءٍ مديدِ
وربيعٌ كأنَّهُ حُلُمُ الشَّاعرِ / في سَكرة الشَّباب السَّعيدِ
ورياضٌ لا تعرف الحَلَك الدَّاجي / ولا ثورَةَ الخريفِ العتيدِ
وطيورٌ سِحْرِيَّةٌ تتناغَى / بأَناشيدَ حلوةِ التَّغريدِ
وقصورٌ كأنَّها الشَّفَقُ المخضُوبُ / أَو طلعَةُ الصَّباحِ الوليدِ
وغيومٌ رقيقةٌ تتهادَى / كأَباديدَ من نُثارِ الورودِ
وحياةٌ شِعْرِيَّةٌ هي عندي / صُورةٌ من حَياةِ أَهْل الخلودِ
كلُّ هذا يَشيدُهُ سِحْرُ عينيكِ / وإِلهامُ حُسْنِكِ المعبودِ
وحرامٌ عليكِ أَنْ تهدمي مَا / شادهُ الحُسْنُ في الفؤادِ العميدِ
وحرامٌ عليكِ أَنْ تسْحَقي آم / الَ نفسٍ تصبو لعيشٍ رغيدِ
منكِ ترجو سَعادَةً لم تجدْهَا / في حياةِ الوَرَى وسِحْرِ الوُجُودِ
فالإِلهُ العظيمُ لا يَرْجُمُ العَبْدَ / إِذا كانَ في جَلالِ السُّجودِ
أنتَ يا شِعْرُ فلذةٌ مِنْ فؤادي
أنتَ يا شِعْرُ فلذةٌ مِنْ فؤادي / تَتَغَنَّى وقِطْعةٌ مِنْ وُجُودي
فيكَ مَا في جوانحي مِنْ حنينٍ / أبديٍّ إلى صميمِ الوُجُودِ
فيكَ مَا في خواطري مِنْ بكاءٍ / فيكَ مَا في عواطفي مِنْ نشيدِ
فيكَ مَا في مَشَاعري مِنْ وُجُومٍ / لا يُغَنِّي ومِنْ سُرورٍ عَهيدِ
فيكَ مَا في عَوَالمي مِنْ ظلامٍ / سَرْمديٍّ ومِنْ صباحٍ وَليدِ
فيكَ مَا في عَوَالمي مِنْ ضبابٍ / وسرابٍ ويقظةٍ وهُجُودِ
فيكَ مَا في طفولتي مِنْ سلامٍ / وابتسامٍ وغبطةٍ وسُعودِ
فيكَ مَا في شبيبتي مِنْ حنينٍ / وشجونٍ وبَهْجةٍ وجُمودِ
فيكَ إن عانقَ الرَّبيعُ فؤادي / تتثنَّى سَنَابِلي وَوُرُودي
ويغنِّي الصَّباحُ أُنشودَةَ الحبِّ / على مَسْمَعِ الشَّبابِ السَّعيدِ
ثُمَّ أَجْني في صيفِ أَحلاميَ / السَّاحِرِ مَا لَذَّ من ثمارِ الخُلودِ
فيكَ يبدو خريفُ نَفْسي مَلُولاً / شاحِبَ اللَّوْنِ عاريَ الأُمْلودِ
حَلَّلته الحَيَاةُ بالحَزَنِ الدَّا / مي وغَشَّتْهُ بالغيومِ السُّودِ
فيكَ يمشي شتاءُ أَيَّاميَ البا / كي وتُرغي صَوَاعقي ورُعُودي
وتَجِفُّ الزُّهورُ في قلبيَ الدَّا / جي وتهوي إلى قرارٍ بعيدِ
أَنْتَ يا شِعْرُ قصَّةٌ عن حياتي / أَنْتَ يا شِعْرُ صورةٌ مِنْ وُجودي
أَنْتَ يا شِعْرُ إنْ فَرِحْتُ أغاريدي / وإنْ غنَّتِ الكآبَةُ عُودي
أَنْتَ يا شِعْرُ كأسُ خمرٍ عجيبٍ / أَتلهَّى به خلالَ اللُّحودِ
أتحسَّاهُ في الصبَّاحِ لأنسى / مَا تقضَّى في أمسيَ المَفْقودِ
وأُناجيه في المساءِ ليُلْهِيني / مَرْآهُ عن الصَّباحِ السَّعيدِ
أَنْتَ مَا نلتُ من كهوفِ اللَّيالي / وتصفَّحتُ مِنْ كتابِ الخلودِ
فيكَ مَا في الوُجُودِ مِنْ حَلَكٍ دا / جٍ وما فيه مِنْ ضياءٍ بعيدِ
فيكَ مَا في الوُجُودِ مِنْ نَغَمٍ / حُلْوٍ وما فيه من ضجيجٍ شَديدِ
فيكَ مَا في الوُجُودِ مِنْ جَبَلٍ وَعْ / رٍ وما فيه مِنْ حَضيضٍ وهِيدِ
فيكَ مَا في الوُجُودِ مِنْ حَسَكٍ يُدْ / مِي وما فيه مِنْ غَضيضِ الوُرودِ
فيكَ مَا في الوُجُودِ حَبَّ بنو الأَر / ضِ قصيدي أَمْ لَمْ يُحبُّوا قَصيدي
فسواءٌ على الطُّيورِ إِذا غنَّ / تْ هُتافُ السَّؤُوم والمُسْتَعيدِ
وسواءٌ على النُّجومِ إِذا لاحتْ / سكونُ الدُّجى وقَصْفُ الرُّعودِ
وسواءٌ على النَّسيمِ أَفي القف / رِ تُغَنِّي أَمْ بَيْنَ غَضِّ الوُرودِ
وسواءٌ على الوُرودِ أَفي الغيرانِ / فاحَتْ أَمْ بَيْنَ نَهْدٍ وَجِيدِ
يا عَذَارى الجمالِ والحُبِّ والأحلامِ
يا عَذَارى الجمالِ والحُبِّ والأحلامِ / بَلْ يا بَهاءَ هذا الوجودِ
خُلِقَ البُلبلُ الجَميلُ ليشدو / وخُلِقْتُنَّ للغرامِ السَّعيدِ
والوُجودُ الرحيبُ كالقَبْرِ لولا / مَا تُجَلِّينَ من قُطوبِ الوُجودِ
والحياةُ التي تخرُّ لها الأحْلامُ / موتٌ مُثَقَّلٌ كالقُيودِ
والشَّبابُ الحبيبُ شيخوخةٌ تسعى / إلى الموتِ في طريق كَؤودِ
والرَّبيعُ الجميلُ في هاته الدُّنيا / خريفٌ يُذْوي رفيفَ الوُرودِ
والوُرودُ العِذابُ في ضفّة الجَدول / شَوْكٌ مُصَفَّحٌ بالحديدِ
والطُّيورُ التي تُغنِّي وتقضي / عيْشَها في ترنُّمٍ وغَريدِ
إنَّها في الوجودِ تشكو إلى الأيام / عِبءَ الحَياةِ بالتَّغريدِ
والأناشيدُ إنَّها شَهَقاتٌ / تَتَشَظّى من كُلّ قَلْبِ عَميدِ
صورَةٌ للوجودِ شوهاءُ لولا / شفقُ الحُسْنِ فوقَ تِلْكَ الخُدودِ
يا زهورَ الحياةِ للحبِّ أنتنَّ / ولكنَّهُ مخيفُ الورودِ
فَسَبيلُ الغرامِ جَمُّ المهاوي / وافرُ الهولِ مُسْتَرابُ الصَّعيدِ
رُغمَ مَا فيه من جمالٍ وفنٍّ / عبقريٍّ مَا إن لهُ من مَزيدِ
وأناشيدَ تُسْكِرُ الملأَ الأعلى / وتُشْجي جَوانحَ الجلمودِ
وأريجٍ يَكادُ يَذْهَبُ بالألبابِ / مَا بَيْنَ غامضٍ وشديدِ
وسَبيلُ الحياةِ رحْبٌ وأنتنّ / اللواتي تَفْرُشْنَهُ بالوُرودِ
أنْ أرَدتُنَّ أن يكون بهيجاً / رائعَ السِّحْر ذا جمالٍ فريدِ
أو بشوكٍ يُدمي الفَضيلةَ والحُبَّ / ويقضي على بهاءِ الوُجودِ
إن أردتُنَّ أنْ يكونَ شنيعاً / مُظْلِمَ الأُفْقِ ميِّتَ التَّغريدِ
يا عَذارى الجمال والحُبِّ والأحلامِ
يا عَذارى الجمال والحُبِّ والأحلامِ / بَلْ يا بَهاءَ هذا الوُجودِ
قَدْ رأيْنا الشُّعورَ مُنْسَدِلاتٍ / كلّلَتْ حُسْنَها صباحُ الورودِ
ورَأينا الجفونَ تَبْسِمُ أو تَحْلُمُ / بالنُّورِ بالهوى بالنّشيدِ
ورَأينا الخُدودَ ضرّجَها السِّحْرُ / فآهاً من سِحْرِ تِلْكَ الخُدودِ
ورأينا الشِّفاهَ تَبْسِمُ عن دنْيا / من الوَردِ غَضّةٍ أُمْلودِ
ورأينا النُّهودَ تَهْتَزُّ كالأزهارِ / في نَشْوَة الشَّبابِ السَّعيدِ
فتنةٌ توقِظُ الغَرامَ وتُذْكيهِ / ولكنْ ماذا وراءَ النُّهودِ
مَا الَّذي خَلْفَ سِحْرِها الحالمِ السَّكرانِ / في ذلك القرار البعيدِ
أنُفوسٌ جميلةٌ كطيورِ الغابِ / تَشْدو بِساحِرِ التَغْريدِ
طاهراتٌ كأنَّها أرَجُ الأزهارِ / في مَوْلدِ الرَّبيعِ الجَديدِ
وقلوبٌ مضيئةٌ كنُجومِ اللّيلِ / ضَوّاعَةٌ كَغَضِّ الوُرودِ
أو ظَلامٌ كأنَّهُ قِطَعُ اللّيلِ / وهَوْلٌ يُشيبُ قلبَ الوليدِ
وخِضَمُّ يَموج بالإثمِ والنَّكْرِ / والشَّرِّ والظِّلالِ المَديدِ
لستُ أدري فرُبَّ زهرٍ شديِّ / قاتلٌ رُغْمَ حُسْنِهِ المَشْهودِ
صانَكُنَّ الإلهُ من ظُلْمةِ الرُّوحِ / ومن ضَلّة الضّميرِ المُريدِ
إنَّ لَيلَ النُّفوسِ ليلٌ مريعٌ / سَرْمَديُّ الأسى شنيعُ الخُلودِ
يرزَحُ القَلْبُ فيه بالألَم المرّ / ويَشقى بعيشِهِ المَنْكودِ
ورَبيعُ الشَّبابِ يُذبِلُهُ الدّهْرُ / ويمضي بِحُسِنهِ المَعْبودِ
غيرُ باقٍ في الكونِ إلاَّ جمالُ / الرُّوح غضًّا على الزَّمانِ الأبيدِ
ليتَ لي أنْ أعيشَ في هذه الدُّنيا
ليتَ لي أنْ أعيشَ في هذه الدُّنيا / سَعيداً بِوَحْدتي وانفرادي
أصرِفُ العُمْرَ في الجبالِ وفي الغاباتِ / بَيْنَ الصّنوبرِ الميَّادِ
لَيْسَ لي من شواغلِ العيشِ مَا يصرف / نَفْسي عنِ استماع فؤادي
أرْقُبُ الموتَ والحياةَ وأصغي / لحديثِ الآزالِ والآبادِ
وأغنِّي مع البلابلِ في الغابِ / وأُصْغي إلى خريرِ الوادي
وأُناجي النُّجومَ والفجرَ والأطيارَ / والنَّهرَ والضّياءَ الهادي
عيشةً للجمال والفنّ أبغيها / بعيداً عنْ أمَّتي وبلادي
لا أُعَنِّي نفسي بأحْزانِ شعبي / فَهْوَ حيٌّ يعيش عيشَ الجمادِ
وبحسبي من الأسى مَا بنفسي / من طَريفٍ مسْتَحْدَثٍ وتَلاد
وبعيداً عن المَدينةِ والنّاسِ / بعيداً عن لَغْوِ تِلْكَ النّوادي
فهوَ من مَعْدَنِ السَّخافةِ والإفْكِ / ومن ذلك الهُراء العادي
أينَ هوَ من خريرِ ساقية الوادي / وخفْقِ الصَّدى وشدوِ الشَّادي
وحفيفِ الغصونِ نمَّقها الطَّلُّ / وهَمْسِ النَّسيمِ للأولادِ
هذه عيشةٌ تقدِّسُها نفسي / وأدعو لمجدها وأنادي
أنتِ كالزهرةِ الجميلةِ في الغابِ
أنتِ كالزهرةِ الجميلةِ في الغابِ / ولكنْ مَا بَيْنَ شَوكٍ ودودِ
والرياحينُ تَحْسَبُ الحسَكَ الشِّرِّيرَ / والدُّودَ من صُنوفِ الورودِ
فَافْهِمي النَّاسَ إنَّما النَّاسُ خَلْقٌ / مُفْسِدٌ في الوجودِ غيرُ رشيدِ
والسَّعيدُ السَّعيدُ من عاشَ كاللَّيل / غريباً في أهلِ هذا الوجودِ
ودَعيهِمْ يَحْيَوْنَ في ظُلْمةِ الإثْمِ / وعيشي في طُهْرِكِ المحمودِ
كالملاك البريءِ كالوردة البيضاءِ / كالموجِ في الخِضَمِّ البَعيدِ
كأغاني الطُّيور كالشَّفَقِ السَّاحِرِ / كالكوكبِ البعيدِ السَّعيدِ
كَثُلوجِ الجبال يغمرُها النُّورُ / وتَسمو على غُبارِ الصَّعيدِ
أنتِ تحتَ السَّماءِ روحٌ جميلٌ / صاغَهُ الله من عَبيرِ الوُرودِ
وبنو الأرضِ كالقُرودِ وما أضْيَ / عَ عِطرَ الورودِ بَيْنَ القرودِ
أنتِ من ريشة الإله فلا تُلْقي / بفنِّ السّما لِجَهْلِ العبيدِ
أنتِ لم تُخْلَقي ليقْرُبَكِ النَّاسُ / ولكنْ لتُعْبَدي من بعيدِ
في جبالِ الهمومِ أنْبتُّ أغصاني
في جبالِ الهمومِ أنْبتُّ أغصاني / فَرَفّتْ بَيْنَ الصُّخورِ بِجُهْدِ
وتَغَشَّانيَ الضَّبابُ فأورقتُ / وأزْهَرتُ للعَواصفِ وَحْدي
وتمايلتُ في الظَّلامِ وعَطّرتُ / فَضاءَ الأسى بأنفاسِ وَردي
وبمجدِ الحياةِ والشوقِ غنَّيْتُ / فلم تفهمِ الأعاصيرُ قَصْدي
ورَمَتْ للوهادِ أفنانيَ الخضْرَ / وظلّتْ في الثَّلْجِ تحفر لَحْدي
ومَضتْ بالشَّذى فَقُلتُ ستبني / في مروجِ السَّماءِ بالعِطر مَجْدي
وتَغَزلْتُ بالرَّبيعِ وبالفجرِ / فماذا ستفعلُ الرّيحُ بعدي
لَيْتَ شِعْرِي
لَيْتَ شِعْرِي /
أَيُّ طَيْرْ /
يَسْمَعُ الأَحْزانَ تَبْكي / بَيْنَ أَعْماقِ القُلُوبْ
ثمَّ لا يَهْتِفُ في الفَجْرِ / برَنَّاتِ النَّحِيبْ
بخُشُوعٍ واكتِئَابْ /
لَسْتُ لأدري /
أَيُّ أَمْرْ /
أَخْرَسَ العُصْفورُ عنِّي / أَتُرى ماتَ الشُّعُورْ
في جَميعِ الكَوْنِ حتَّى / في حُشَاشَاتِ الطُّيورْ
أَمْ بَكَى خَلْفَ السَّحَابْ /
في الدَّيَاجِي /
كَمْ أُنَاجِي /
مَسْمَعَ القَبْرِ بغَصَّاتِ / نَحِيبي وشُجُوني
ثُمَّ أُصْغِي عَلَّنِي / أُسمعُ ترديدَ أَنِيني
فأَرَى صَوْتِي فَريدْ /
فأُنَادي /
يا فُؤَادي /
ماتَ مَنْ تَهْوَى وهذا / اللَّحْدُ قَدْ ضمَّ الحَبيبْ
فَابْكِ يا قلبُ بما فيكَ / مِنَ الحُزْنِ المُذِيبْ
إبكِ يا قَلْبُ وَحِيدْ /
ذُلَّ قَلْبي /
مَاتَ حُبِّي /
فَاذْرُفي يا مُقْلَةَ اللَّيلِ / الدَّراري عَبَرَاتْ
حَوْلَ حِبِّي فهوَ قدْ / وَدَّعَ آفَاقَ الحَيَاة
بَعْدَ أَنْ ذَاقَ اللَّهيبْ /
وَانْدُبيهْ /
وَاغْسِليهْ /
بِدُمُوعِ الفَجْرِ مِنْ / أَكوابِ زَهْرِ الزَّنْبَقِ
وَادْفُنِيهِ بجَلالٍ في / ضِفَافِ الشَّفَقِ
لِيَرى رُوحَ الحَبيبْ /
أَيُّها الشَّعْبُ ليتني كنتُ حطَّاباً
أَيُّها الشَّعْبُ ليتني كنتُ حطَّاباً / فأهوي على الجذوعِ بفأسي
ليتني كنتُ كالسُّيولِ إِذا سالتْ / تَهُدُّ القبورَ رمساً برمسِ
ليتني كنتُ كالرِّياحِ فأطوي / كلَّ مَا يخنقُ الزُّهُورَ بنحسي
ليتني كنتُ كالشِّتاءِ أُغَشِّي / كلّ مَا أَذْبَلَ الخريفُ بقرسي
ليتَ لي قوَّةَ العواصفِ يا شعبي / فأَلقي إليكَ ثَوْرَةَ نفسي
ليتَ لي قوَّةَ الأَعاصيرِ إنْ ضجَّتْ / فأدعوكَ للحياةِ بنبسي
ليتَ لي قوَّةَ الأَعاصير لكن / أَنْتَ حيٌّ يقضي الحَيَاة برمسِ
أَنْتَ روحٌ غَبِيَّةٌ تكره النُّور / وتقضي الدُّهُور في ليل مَلْسِ
أَنْتَ لا تدركُ الحقائقَ إن طافتْ / حواليكَ دون مسٍّ وجَبَّسِ
في صباحِ الحَيَاةِ ضَمَّخْتُ أَكوابي / وأَترعتُها بخمرَةِ نفسي
ثمَّ قَدَّمْتُها إليكَ فأَهرقْتَ / رحيقي ودُستَ يا شعبُ كأسي
فتأَلَّمتُ ثمَّ أسْكَتُّ آلامي / وكَفْكَفْتُ من شعوري وحسّي
ثمَّ نَضَّدْتُ من أَزاهيرِ قلبي / باقةً لمْ يمسَّها أيُّ إنْسِي
ثمَّ قَدَّْمتُها إليكَ فمزَّقْتَ / ورودي ودُسْتَهَا أَيَّ دَوْسِ
ثمَّ أَلبسْتَني منَ الحُزْنِ ثوباً / وبِشَوكِ الجبالِ تَوَّجْتَ رأسي
إنَّني ذاهبٌ إلى الغابِ يا شعبي / لأقضي الحَيَاةَ وحدي بيأسِ
إنَّني ذاهبٌ إلى الغابِ علِّي / في صميم الغاباتِ أَدفنُ بؤسي
ثم أنساك ما استطعت فما أنت / بأهل لخمرتي ولكأسي
سوف أَتلو على الطُّيور أَناشيدي / وأُفضِي لها بأشواقِ نفسي
فَهْي تدري معنى الحَيَاة وتدري / أنَّ مجدَ النُّفوسِ يَقْظَةُ حِسِّ
ثمَّ أقضي هناكَ في ظلمةِ اللَّيل / وأُلقي إلى الوُجُودِ بيأسي
ثمَّ تحتَ الصّنَوْبَر النَّاضر الحلو / تَخُطُّ السَّيولُ حُفْرَةَ رمسي
وتظَلُّ الطُّيورُ تلغو على قَبْرِيَ / ويشدو النَّسيمُ فوقي بهمسِ
وتظلُّ الفُصولُ تمشي حوالَيَّ / كما كُنَّ في غَضَارَةِ أَمسي
أَيُّها الشَّعْبُ أَنْتَ طِفْلٌ صغيرٌ / لاعبٌ بالتُّرابِ والليلُ مُغْسِ
أَنْتَ في الكونِ قوَّةً لو تَسُسْها / فكرةٌ عبقريَّةٌ ذاتُ بأسِ
أَنْتَ في الكونِ قوَّةً كبَّلتْها / ظُلُماتُ العُصور مِنْ أمس أمسِ
والشقيُّ الشقيُّ من كانَ مثلي / في حَسَاسِيَّتي ورقَّةِ نفسي
هكذا قالَ شاعرٌ ناولَ النَّاسَ / رحيقَ الحَيَاةِ في خيرِ كأسِ
فأَشاحوا عنها ومرُّوا غضاباً / واستخفُّوا به وقالوا بيأْسِ
قَدْ أَضاعَ الرَّشادَ في ملعبِ الجِنِّ / فيا بؤسَهُ أُصيبَ بمَسِّ
طالما خاطَبَ العواطفَ في اللَّيلِ / وناجى الأَمواتَ مِنْ كلِّ جِنْسِ
طالما رافق الظلام إلى الغاب / ونادى الأرواح من كل جنس
طالما حدَّثَ الشياطين في الوادي / وغنَّى مع الرِّياح بجَرْسِ
إنَّه ساحرٌ تُعَلِّمُهُ السِّحْرُ / الشياطينُ كلَّ مَطْلعِ شَمْسِ
فابعِدوا الكافرَ الخبيثَ عن الهيكلِ / إنَّ الخَبيثَ منبعُ رِجْسِ
اطردوه ولا تُصيخوا إليه / فهو روحٌ شريرةٌ ذاتُ نحْسِ
هكذا قالَ شاعرٌ فيلسوفٌ / عاشَ في شعبهِ الغبيِّ بتَعْسِ
جَهِلَ النَّاسُ روحَهُ وأغانيها / فَسَاموا شعورَهُ سوْمَ بَخْسِ
فهو في مذهبِ الحَيَاةِ نبيٌّ / وهو في شعبِهِ مُصابٌ بمسِّ
هكذا قالَ ثمَّ سارَ إلى الغابِ / ليحيا حياةَ شِعْرٍ وقُدْسِ
وبعيداً هناكَ في معبد الغاب / الَّذي لا يُظِلُّهُ أَيُّ بؤْسِ
في ظلال الصَّنَوْبَرِ الحلوِ والزَّيتونِ / يقضي الحياة حَرْساً بحرْسِ
في الصَّباحِ الجميل يشدو مع الطَّيرِ / ويَمْشي في نشوةِ المُتَحَسِّي
نافخاً نايَهُ حواليْهِ تهتزُّ / ورودُ الرَّبيعِ مِنْ كلِّ قنْسِ
شَعْرُهُ مُرْسَلٌ تُداعِبُهُ الرِّيحُ / على منكبيْه مثلَ الدُّمُقْسِ
والطُّيورُ الطِّرابُ تشدو حواليه / وتلغو في الدَّوحِ مِنْ كلِّ جنْسِ
وتراهُ عند الأصيلِ لدى الجدول / يرنو للطَّائرِ المتحسِّي
أَو يغنِّي بَيْنَ الصَّنَوْبَرِ أَو يرنو / إلى سُدْفَةِ الظَّلامِ المُمَسِّي
فإذا أَقْبَلَ الظَّلامُ وأَمستْ / ظلماتُ الوُجُود في الأَرضِ تُغسي
كانَ في كوخه الجميل مقيماً / يَسْأَلُ الكونَ في خشوعٍ وهَمْسِ
عن مصبِّ الحَيَاةِ أَيْنَ مَداهُ / وصميمِ الوُجُودِ أَيَّان يُرسي
وأَريجِ الورودِ في كلِّ وادٍ / ونَشيدِ الطُّيورِ حين تمسِّي
وهزيمِ الرِّياح في كلِّ فَجٍّ / ورُسُومِ الحَيَاةِ من أمس أمْسِ
وأغاني الرُّعاة أَيْنَ يُواريها / سُكُونُ الفَضا وأَيَّانَ تُمْسي
هكذا يَصْرِفُ الحَيَاةَ ويُفْني / حَلَقَاتِ السِّنينِ حَرْساً بحَرْسِ
يا لها مِنْ معيشةٍ في صميمِ الغابِ / تُضْحي بَيْنَ الطُّيورِ وتُمْسي
يا لها مِنْ معيشةٍ لم تُدَنّسْهَا / نفوسُ الوَرَى بخُبْثٍ ورِجْسِ
يا لها مِنْ معيشةٍ هيَ في الكونِ / حياةٌ غريبةٌ ذاتُ قُدْسِ
ينقَضي العَيْشُ بَيْنَ شَوْقٍ ويأْسِ
ينقَضي العَيْشُ بَيْنَ شَوْقٍ ويأْسِ / والمُنَى بَيْنَ لَوْعَةٍ وتَأَسِّ
هذِهِ سُنَّةُ الحَيَاةِ ونَفْسي / لا تَوَدُّ الرَّحيقَ في كأسِ رِجْسِ
مُلِئَ الدَّهْرُ بالخداعِ فكمْ قَدْ / ضَلَّلَ النَّاسَ مِنْ لإمامٍ وقسِّ
كلَّما أَسأَلُ الحَيَاةَ عن الحقِّ / تَكُفُّ الحَيَاةُ عن كلِّ هَمْسِ
لمْ أجدْ في الحَيَاةِ لحناً بديعاً / يَسْتَبيني سِوى سَكينَةِ نَفْسي
فَسَئِمْتُ الحياةَ إلاَّ غِراراً / تتلاشى بهِ أَناشيدُ يَأْسي
ناولتني الحَيَاةُ كأساً دِهاقاً / بالأَماني فما تناولْتُ كأْسي
وسَقَتْني من التَّعاسَةِ أَكْواباً / تَجَرَّعْتُها فيَا شدَّ تَعْسي
إنَّ في روضَةِ الحَيَاةِ لأَشْواكاً / بها مُزِّقَتْ زَنابِقُ نفسي
ضاعَ أَمسي وأَينَ منِّي أَمسي / وقَضَى الدَّهْرُ أَنْ أَعيشَ بيَأْسي
وقَضَى الحبُّ في سُكونٍ مُريعٍ / ساعَةَ الموتِ بَيْنَ سُخْطٍ وبُؤْسِ
لمْ تُخَلِّفْ ليَ الحَيَاةُ من الأَمسِ / سِوى لوعَةٍ تَهُبُّ وتُرْسي
تَتَهادَى مَا بَيْنَ غَصَّاتِ قلبي / بسُكُونٍ وبينَ أَوجاعِ نَفْسي
كَخيالٍ من عالَمِ الموتِ يَنْسابُ / بصَمْتٍ مَا بَيْنَ رَمْسٍ وَرَمْسِ
تِلْكَ أَوجاعُ مهجةٍ عَذَّبتها / في جحيمِ الحَيَاةِ أَطْيَافُ نَحْسِ
عجباً لي أَوَدُّ أنْ أَفهمَ الكَوْنَ
عجباً لي أَوَدُّ أنْ أَفهمَ الكَوْنَ / ونفسي لمْ تستطعْ فَهْمَ نفسِي
لم أُفِدْ من حَقائقِ الكونِ إلاَّ / أَنَّني في الوُجُودِ مُرْتَادُ رَمْسِ
كُلُّ دَهْرٍ يَمُرُّ يفجعُ قلبي / ليتَ شعري أَيْنَ الزَّمان المؤَسِّي
في ظلامِ الكُهوفِ أَشباحُ شؤمٍ / وبهذا الفَضَاءِ أَطيافُ نَحْسِ
وخِلالَ القُصور أَنَّاتُ حُزْنٍ / وبتلكَ الأَكواخ أَنْضاءُ بؤْسِ
والقَضَاءُ الأَصَمُّ يَعْتَسِفُ النَّاسَ / ويقضي مَا بَيْنَ سَيْفٍ وقَوْسِ
هذه صورةُ الحَيَاةِ وهذا / لونُها في الوُجُودِ مِنْ أَمسِ أَمسِ
صورةٌ للشَّقاءِ دامِعَةُ الطَّرْفِ / ولونٌ يَسُودُ في كلِّ طَرْسِ
بَذَرَ الحُبُّ بَذْرَهُ
بَذَرَ الحُبُّ بَذْرَهُ / في فُؤادي فَأوْرَقا
بِلِحاظٍ نَوافِثٍ / فَجَنَى حَظِّيَ الشَّقا
وسَعَى فيهِ مُهْرَهُ / عَادِياً ثمَّ أعْنَقا
رُبَّ ظَبْيٍ عَلِقْتُهُ / بالبَها قَدْ تَقَرْطَقا
ثمَّ من وَصْلِهِ الجَمي / لِ غَدا القَلْبُ مُمْلِقا
سَحَرَ اللُّبَّ طَرْفُهُ / مَا دَها الرِّيقَ لو رَقى
أوْصَبَ الصَّبَّ صَدُّهُ / والشَّقا لَوْ تَرَفَّقا
صارَ مُلْقًى بِحُبِّهِ / موثَقاً لَيْسَ مُطْلَقا
صارَ ذا جِنَّةٍ بِهِ / ذا عَذابٍ مُؤَرّقا
يَرْقُبُ البَدْرَ جَفْنُهُ / لِيُناجيهِ مَا لَقى
هامَ في العَيْنِ غَرْبُهُ / وهَمَى ثمَّ أغْدَقا
وهَمَى صَوْبُ هَمِّهِ / فَاسْتَقَى منهُ مَا اسْتَقى
كَمْ قُلوبٍ تَفَطَّرَتْ / ودَمٍ صار مُهْرَقا
ودُموعٍ تَسَلْسَلَتْ / مثلَ غَيْمٍ تَدَفَّقا
دونَ أنْ تَبْلَعَ النُّفو / سُ رُضاباً مُرَوَّقا
وشَقيقٍ بِخَدِّهِ / مُهَجَ الخَلْقِ شَقَّقَ
ثَغْرُهُ من عُقودِهِ / ودُموعي تَنَسَّقا
خَصْرُهُ من نَحافَتي / وَنُحولي تَمَنْطَقا
مَرْشَفاهُ بِخَدِّه / ودِمائي تخلَّقا
مِن لَظَى جَمرِ خَدِّهِ / كَبِدي قَدْ تَحَرَّقا
قَدُّهُ فَوْقَ رِدْفِه / غُصْنُ بانِ على نَقا
جيدُهُ تَحْتَ فَرْعِهِ / بَرْقُ غَيْمٍ تَألَّقا
نَسَبي في غَرامِهِ / نَسَباً صارَ مُعْرِقا
قَدْ سَكِرْنا بحُبِّنا واكتفينا
قَدْ سَكِرْنا بحُبِّنا واكتفينا / يا مُدِيرَ الكؤُوس فاصرفْ كؤُوسكْ
واسكبِ الخمرَ للعَصَافيرِ والنَّحْلِ / وخَلِّ الثَّرى يَضُمُّ عروسَكْ
مَا لنا والكؤوس نَطْلُبُ منها / نشوةً والغَرامُ سِحْرٌ وسُكْرُ
خَلِّنا منكَ فالرَّبيعُ لنا ساقٍ / وهذا الفضاءُ كأسٌ وخمرُ
نحن نحيا كالطَّيرِ في الأُفُق السَّاجي / وكالنَّحْلِ فوقَ غضِّ الزُّهُورِ
نحنُ نلهو تَحْتَ الظِّلالِ كطفلين / سعيدين في غُرورِ الطُّفولَةْ
وعلى الصَّخْرَةِ الجميلَةِ في الوادي / وبينَ المَخاوفِ المَجْهُولةْ
نحنُ نغدو بَيْنَ المروجِ ونُمسي / ونغنِّي مع النَّسيمِ المغنِّي
ونُناجي روحَ الطَّبيعَةُ في الكونِ / ونُصغي لقلبِها المتغنِّي
نحنُ مثل الرَّبيعِ نمشي على أَرضٍ / مِنَ الزًّهْرِ والرُّؤى والخَيالِ
فوقها يرقُصُ الغَرامُ ويلهو / ويغنِّي في نشوةٍ ودَلالِ
نحنُ نحيا في جنَّةٍ مِنْ جِنانِ السِّحْرِ / في عالمٍ بعيدٍ بعيدِ
نحنُ في عُشِّنا الموَرَّدِ نتلو / سُوَرَ الحبِّ للشَّبابِ السَّعيدِ
قَدْ تركنا الوُجُودَ للنَّاسِ / فَلْيُقَضُّوا الحَيَاةَ كيفَ أَرادوا
وذهبنا بَلُبِّهِ وهو رُوحٌ / وَتَركنا القُشُورَ وهيَ جَمادُ
قَدْ سكرنا بحبِّنا واكتفينا / طَفَحَ الكَأْسُ فاذهبوا يا سُقاةُ
نحنُ نحيا فلا نريدُ مزيداً / حَسْبُنا مَا مَنَحْتِنا يا حياةُ
حَسْبُنا زهرُنا الَّذي نَتَنَشَّى / حَسْبُنا كأسُنا التي نترشَّفْ
إنَّ في ثَغْرِنا رحيقاً سماوِيًّا / وفي قلبنا ربيعاً مُفَوَّفْ
أَيُّها الدَّهْرُ أَيُّها الزَّمَنُ الجاري / إلى غيرِ وُجهةٍ وقرارِ
أَيُّها الكونُ أَيُّها القَدَرُ الأَعمى / قِفُوا حيثُ أَنتُمُ أَو فسيرُوا
ودَعُونا هنا تُغنِّي لنا الأَحلامُ / والحبُّ والوُجُودُ الكبيرُ
وإذا مَا أَبَيْتُمُ فاحْمِلُونا / ولهيبُ الغَرامِ في شَفَتَيْنا
وزهورُ الحَيَاةِ تعبقُ بالعِطْرِ / وبالسِّحْرِ والصِّبا في يديْنَا
يا صَميمَ الحَيَاةِ إنِّي وَحيدٌ
يا صَميمَ الحَيَاةِ إنِّي وَحيدٌ / مُدْلجٌ تائِهٌ فأَينَ شُرُوقُكْ
يا صَميمَ الحَيَاةِ إنِّي فؤادٌ / ضائعٌ ظامئٌ فأَينَ رَحيقُكْ
يا صَميمَ الحَيَاةِ قَدْ وَجَمَ النَّايُ / وغام الفضا فأَينَ بُرُوقُكْ
يا صَميمَ الحَيَاةِ أَيْنَ أَغانيكَ / فَتَحْتَ النُّجومِ يُصْغي مَشُوقُكْ
كنتُ في فجركَ الموشَّحِ بالأَح / لامِ عِطْراً يَرِفُّ فوقَ وُرودِكْ
حالماً يَنْهَلُ الضِّياءَ ويُصغي / لكَ في نشوةٍ بوحيِ نَشيدِكْ
ثمَّ جاء الدُّجى فأَمسيتُ أَور / اقاً بِدَاداً من ذابلاتِ الورودِ
وضَباباً مِنَ الشَّذى يتلاشى / بَيْنَ هولِ الدُّجى وصمتِ الوُجودِ
كنتُ في فجركَ المغلَّفِ بالسِّحْرِ / فضَاءً مِنَ النَّشيدِ الهادي
وسَحَاباً مِنَ الرُّؤى يتهادى / في ضميرِ الآزالِ والآبادِ
وضِياءً يعانِقُ العالَمَ الرَّحْبَ / ويَسْري في كلِّ خافٍ وبَادِ
وانقضى الفجرُ فانحدرتُ منَ / الأُفْقِ تراباً إلى صميمِ الوادي
يا صَميمَ الحَيَاةِ كم أَنا في الدُّنيا / غَريبٌ أَشقى بغُرْبَةِ نفسي
بَيْنَ قومٍ لا يَفْهَمونَ أَناشيدَ / فؤادي ولا معانيَ بؤسي
في وجودٍ مُكَبَّلٍ بقيودٍ / تائهٍ في ظلامِ شَكٍّ ونحسِ
فاحتضِنِّي وضُمَّني لكَ كالما / ضي فهذا الوُجُودُ عِلَّةُ يأسي
لم أجد في الوُجُودِ إلاَّ شقاءً / سَرْمَديًّا ولذَّةً مُضْمَحِلَّةْ
وأَمانيَّ يُغرِقُ الدَّمعُ أَحلاها / ويُفني يَمُّ الزَّمانِ صَداها
وأَناشيدَ يأكُلُ اللَّهَبُ الدَّا / مي مَسَرَّاتِها ويُبقي أَساها
ووُروداً تموت في قبضَةِ الأَشْ / واكِ مَا هذه الحَيَاةُ المملَّةْ
سَأَمُ هذه الحَيَاةُ معَادٌ / وصباحٌ يكرُّ في إثرِ ليلِ
ليتني لم أفدْ إلى هذه الدُّنيا / ولم تَسْبَحِ الكواكبُ حولي
ليتني لم يعانقِ الفجْرُ أَحلامي / ولمْ يَلْثُمِ الضِّياءُ جفوني
ليتني لم أزلْ كما كنتُ ضوءاً / شائعاً في الوُجُودِ غيرَ سَجينِ
قَدَّْسَ اللهُ ذِكْرَهُ مِنْ صَبَاحٍ
قَدَّْسَ اللهُ ذِكْرَهُ مِنْ صَبَاحٍ / ساحرٍ في ظِلالِ غابٍ جميلِ
كانَ فيه النَّسيمُ يرقُصُ سَكْراناً / على الوردِ والنَّباتِ البَليلِ
وضَبابُ الجبالِ يَنْسابُ في رفقٍ / بديعٍ على مُروج السُّهولِ
وأَغاني الرُّعاةِ تخفُقُ في الأَغوارِ / والسَّهْلِ والرُّبى والتُّلولِ
ورحابُ الفضاءِ تعبُقُ بالأَلحانِ / والعِطْرِ والضِّياءِ الجَميلِ
والملاكُ الجميلُ مَا بَيْنَ ريحانٍ / وعُشْبٍ وسِنديانٍ ظَليلِ
يتغنَّى مع العَصافيرِ في الغابِ / ويرنو إلى الضَّبابِ الكَسُولِ
وشعورُ الملاكِ ترقُصُ بالأَزهارِ / والضوءِ والنَّسيمِ العَليلِ
حُلُمٌ ساحرٌ به حَلُمَ الغابُ / فَوَاهاً لحُلْمِهِ المَعْسولِ
مِثْلُ رؤيا تَلوحُ للشَّاعرِ الفنَّانِ / في نشوَةِ الخيالِ الجَليلِ
قَدْ تَمَلَّيْتُ سحرَهُ في أناةٍ / وحنانٍ ولَذَّةٍ وذُهولِ
ثُمَّ ناديتُ حينما طفحَ السِّحْرُ / بأَرجاءِ قلبيَ المبتولِ
يا شُعورٌ تميدُ في الغابِ بالرَّ / يحانِ والنّورِ والنَّسيمِ البَليلِ
كَبِّليني بهاتِهِ الخِصَلِ المرخَاةِ / في فتنَةِ الدَّلالِ المَلُولِ
كبِّلي يا سَلاسلَ الحبِّ أفكا / ري وأحلامَ قلبيَ الضَّلِّيلِ
كبِّليني بكلِّ مَا فيكِ من عِطْرٍ / وسحرٍ مُقَدَّسٍ مَجْهولِ
كبِّليني فإنَّما يُصْبِحُ الفنَّان / حرًّا في مِثْلِ هذي الكُبولِ
ليت شعري كم بَيْنَ أمواجِكِ السُّو / دِ وطيَّاتِ ليلِكِ المسدولِ
مِنْ غرامٍ مذَهَّبِ التَّاجِ ميْتٍ / وفؤادٍ مصفَّدٍ مغلولِ
وزهورٍ من الأَمانيِّ تذوي / في شُحُوبٍ وخيبةٍ وخمولِ
أنتِ لا تعلمين واللَّيْلُ لا يعلَمُ / كم في ظلامِهِ مِنْ قَتيلِ
أَنتِ أُرْجوحَةُ النَّسيمِ فميلي / بالنَّسيمِ السَّعيدِ كلَّ مَمِيلِ
ودَعي الشَّمسَ والسَّماءَ تُسَوِّي / لكِ تاجاً من الضِّياءِ الجميلِ
ودَعي مُزْهِرَ الغُصُونِ يُغَشِّي / كِ بأَوراقِ وَردهِ المطلولِ
للشُّعاعِ الجميلِ أنتِ وللأنسا / مِ والزَّهر فالْعَبي وأَطيلي
يا عروسَ الجبالِ يا وردَةَ الآ / مالِ يا فتنةَ الوُجُودِ الجليلِ
ليتني كنتُ زَهْرَةً تتثنَّى / بَيْنَ طيَّاتِ شَعْرِكِ المصقولِ
أَو فَراشاً أَحومُ حولكِ مسحوراً / غريقاً في نشوتي وذُهُولي
أَو غصوناً أَحنو عليكِ بأَوراقي / حُنُوَّ المدَلَّهِ المتبولِ
أَو نسيماً أَضمُّ صدركِ في رِفقٍ / إلى صدريَ الخفوقِ النَّحيلِ
آهِ كم يُسْعِدُ الجمالُ ويُشْقي / مِنْ قلوبٍ شِعْرِيَّةٍ وعقولِ
أَيْنَ يا شعبُ قلبُكَ الخافقُ الحسَّاسُ
أَيْنَ يا شعبُ قلبُكَ الخافقُ الحسَّاسُ / أَيْنَ الطُّموحُ والأَحْلامُ
أَيْنَ يا شعبُ رُوحُك الشَّاعرُ الفنَّانُ / أَيْنَ الخيالُ والإِلهامُ
أَيْنَ يا شعبُ فنُّكَ السَّاحرُ الخلاّقُ / أَيْنَ الرُّسومُ والأَنغامُ
أَيْنَ يمَّ الحَيَاةِ يَدْوي حوالَيْكَ / فأَينَ المُغامِرُ المِقْدامُ
أَيْنَ عَزْمُ الحَيَاةِ لا شيءَ إلاَّ / الموتُ والصَّمْتُ والأَسى والظَّلامُ
عُمُرٌ مَيِّتٌ وقلبٌ خَواءٌ / ودمٌ لا تُثيرُهُ الآلامُ
وحياةٌ تَنامُ في ظُلْمة الوادي / وتنمو في فوقها الأَوهامُ
أَيُّ عيشٍ هذا وأَيُّ حياةٍ / رُبَّ عيشٍ أَخَفُّ منه الحِمَامُ
قَدْ مشتْ حولكَ الفُصولُ وغَنَّتْكَ / فلمْ تبتهج ولمْ تترنَّمْ
ودَوَتْ فوقكَ العَواصفُ والأَنواءُ / حتَّى أَوْشَكَتْ أن تتحطَّمْ
وأَطافَتْ بكَ الوُحوشُ وناشتْكَ / فلم تَضْطَرِبْ ولم تتألَّمْ
يا إِلهي أما تحسُّ أَما تشدو / أَما تشتكي أَما تتكلَّمْ
ملَّ نهرُ الزَّمانِ أَيَّامكَ الموتى / وأَنقاضَ عُمرِكَ المتهدِّمْ
أَنْتَ لا ميِّتٌ فيبلَى ولا حيٌّ / فيمشي بل كائنٌ لَيْسَ يُفْهَمْ
أَبداً يرمقُ الفراغَ بطرفٍ / جامدٍ لا يرى العوالِمَ مُظْلِمْ
أَيُّ سِحْرٍ دهاكَ هل أَنْتَ مسحورٌ / شقيٌّ أَو ماردٌ يَتَهكَّمْ
آه بل أَنْتَ في الشُّعوبِ عجوزٌ / فيلسوفٌ محطَّمٌ في إهابِهْ
ماتَ شوقُ الشَّبابِ في قلبِهِ الذَّاوي / وعزمُ الحَيَاة في أَعصابِهْ
فمضى يَنْشُدُ السَّلامَ بعيداً / في قبورِ الزَّمانِ خَلْفَ هضابِهْ
وهناكَ اصطفى البقاءَ مع الأَموات / في قبرِ أَمسِهِ غيرَ آبِهْ
وارتضى القبرَ مسكناً تتلاشى / فيه أيَّامُ عُمرِهِ المتشابِهْ
وتناسى الحَيَاةَ والزَّمنَ الدَّاوي / وما كانَ مِنْ قديمِ رِغَابِهْ
فالْزَمِ القبر فهوَ بيتٌ شبيهٌ بكَ / في صَمْتِ قلبِه وخرابِهْ
واعبدِ الأَمسَ وادَّكِرْ صُوَرَ الماضي / فدُنْيا العجوزِ ذِكرى شبابِهْ
وإذا مرَّتِ الحَيَاةُ حوالَيْكَ / جَميلاً كالزَّهْرِ غضًّا صِباها
تتغنَّى الحَيَاةُ بالشَّوقِ والعزمِ / فيُحْيي قلبَ الجمادِ غِنَاها
والرَّبيعُ الجميلُ يرقُصُ فَوْقَ / الوردِ والعُشْبِ منْشِداً تيَّاها
ومشى النَّاسُ خلفَهَا يتَمَلَّوْنَ / جمالَ الوُجُودِ في مرآها
فاحذرِ السِّحْرَ أَيُّها النَّاسكُ القِدِّيسُ / إنَّ الحَيَاةَ يُغوي بَهاها
والرَّبيعُ الفنَّانُ شاعِرُها المفتونُ / يُغْري بحبِّها وهواها
وتَمَلَّ الجمالَ في رِممِ الموتَى / بعيداً عَنْ سِحْرِها وصَداها
وتَغَزَّلْ بسِحْرِ أَيَّامِكَ الأولى / وخَلِّ الحَيَاةَ تخطو خطاها
وإذا هبَّتِ الطُّيورُ مع الفجرِ / تُغنِّي بَيْنَ المروجِ الجميلهْ
وتُحَيِّي الحَيَاةَ والعالَمَ الحيَّ / بصَوْتِ المحبَّةِ المعسولهْ
والفَراشُ الجميلُ رَفْرَفَ في الرَّوْضِ / يناجي زهورَهُ المطلولهْ
وأَفاقَ الوُجُودُ للعملِ المجْدِي / وللسَّعيِ والمعاني الجليلهْ
ومَشَى النَّاسُ في الشِّعابِ وفي الغابِ / وفوقَ المسالكِ المجهولهْ
يَنْشُدُونَ الجمالَ والنُّورَ والأَفراحَ / والمجدَ والحَيَاةَ النبيلهْ
فاغضُضِ الطَّرفَ في الظَّلامِ وحاذِرْ / فتنَةَ النُّورِ فهيَ رُؤْيا مَهُولهْ
وصَباحُ الحَيَاةِ لا يُوقِظُ الموْتَى / ولا يَرْحَمُ الجفونَ الكليلهْ
كلُّ شيءٍ يُعاطِفُ العالَم الحيَّ / ويُذكِي حياته ويُفيدُهْ
والذي لا يُجاوِبُ الكونَ بالإِحساسِ / عِبْءٌ على الوُجُودِ وُجُودُهْ
كلُّ شيءٍ يُسايِرُ الزَّمنَ الماشي / بعزمٍ حتَّى التُّرابُ ودُودُهْ
كلُّ شيءٍ إِلاّكَ حَيٌّ عَطوفٌ / يُؤْنِسُ الكونَ شَوْقُهُ ونَشيدُهْ
فلماذا تعيش في الكونِ يا صاحِ / وما فيكَ من جنًى يستفيدُهْ
لستَ يا شيخُ للحياةِ بأَهْلٍ / أَنْتَ داءٌ يُبيدُها وتُبيدُهْ
أَنْتَ قَفْرٌ جهنَّميٌّ لَعِينٌ / مُظْلِمٌ قاحلٌ مريعٌ جمودُهْ
لا ترفُّ الحَيَاةُ فيهِ فلا طيرَ / يغنِّي ولا سَحَابَ يجودُهْ
أَنْتَ يا كاهِنَ الظَّلامِ حياةٌ / تعبدُ الموتَ أَنْتَ روحٌ شقيُّ
كافرٌ بالحَيَاةِ والنُّورِ لا يُصغي / إلى الكونِ قلبُه الحجريُّ
أَنْتَ قلبٌ لا شوقَ فيه ولا عزمٌ / وهذا داءُ الحَيَاةِ الدّويُّ
أَنْتَ دُنيا يُظلُّها أُفُقُ الماضي / وليلُ الكآبَةِ الأَبديُّ
ماتَ فيها الزَّمانُ والكونُ إلاَّ / أَمسُها الغابرُ القديمُ القَصِيُّ
والشقيُّ الشقيُّ في الأَرضِ قلبٌ / يومُهُ ميِّتٌ ومَاضيهِ حَيُّ
أَنْتَ لا شيءَ في الوُجُودِ فغادِرْهُ / إلى الموتِ فهوَ عنكَ غَنِيُّ
إنَّ هذي الحَيَاةَ قيثارَةُ اللهِ
إنَّ هذي الحَيَاةَ قيثارَةُ اللهِ / وأَهْلُ الحَيَاةِ مِثْلُ اللًّحُونِ
نَغَمٌ يَسْتَبي المَشاعِرَ كالسِّحْرِ / وصَوْتٌ يُخِلُّ بالتَّلْحينِ
واللَّيالي مَغَاوِرٌ تُلْحِدُ اللَّحْنَ / وتَقْضي على الصَّدى المِسْكِينِ