المجموع : 39
أبعد الدهر في الفضاء مكرّه
أبعد الدهر في الفضاء مكرّه / عالقاً في مكرّه بالمجرةّ
إن أم النجوم بنت زمانٍ / لم تزل حادثاته مستمرةّ
في فضاء لو سافر البرق فيه / ألف قرن لما أتى مستقرةّ
ولو الشمس ضوعفت ألف ضعف / لم تكن في أثيره غير ذرةّ
ولو الفكر غاص فيه مغذّاً / لم يكن بالغاً يدّ الدهر قعره
سعة تحسب المجرة فيها / حَلْقةً ألقيت بصحراء قفره
يقف الفكر دونها مكوئداً / مقشعرّاً وتأخذ العقل حيره
لو أضفنا إلى الفضاء فضاءُ / مثله لم يزد ولا قيد شعره
إن تكن هذه المجرة نهراً / مستفيضاً فشمسنا منه قطره
أو تكن أرضنا من الشمس جزءاً / فهي سقط من جمرة مستحرّه
إن تسائل عنّا فنحن هباءٌ / ذُرّ من صنعة القوى بِمِذَرّه
صادفتنا أشعة من حياة / فظهرنا وهل لأول مرّة
كل من جاوز الأشعة منّا / فهو هاوٍ في ظلمة مكفهرّه
فعلام الحقود يضمر حقداً / وعلام الجهول يظهر كبره
نحن من أرضنا على منطاد
نحن من أرضنا على منطاد / جائلٍ في شواسع الأبعاد
طائرٍ في الفضاء عرضاً وطولاً / بجناح من القوى غير باد
أيها الأرض سرتِ سيرك مثنى / ذا نتاجين في زمان أحاد
فتقلبت في نهار وليل / ذا مضلٌ وذاك للناس هاد
في بلاد يكون سيرك تأوي / باً على أنه سرىً في بلاد
فيك دفع وفيك يا أرض جذب / لكِ ذا سائق وذا لك حاد
فلك دائر على الشمس طوراً / في اقتراب وتارة في ابتعاد
ليت شعري وما حصلت من الآ / راء إلاّ على خلاف السداد
لبقاءٍ تقلنا الأرض في تس / يارها أم تقلنا لنفاد
نحن في عالم تقصف فيه / عارض النائبات بالإرعاد
شأننا العجز فيه توجد أنّى / قذفتنا يد الخطوب الشداد
ضاع جذر الحياةعنا فخلنا / أنها كالأصمّ في الاعداد
شغلتنا الدنيا بلهوٍ ولعبٍ / فغفلنا والموت بالمرصاد
ضلّ من رام راحةً في حياة / نحن منها في معرك وجلاد
إنما هذه الحياة جروحٌ / أثخنتنا والموت مثل الضِماد
كل أسر يهون إن أطلقت أر / واحنا الموثقات بالأجساد
لا تملني إذا جزعت فإني / ما ملكت الخيار في إيجادي
طال عتبي على عدات الليالي / مثلما طال مطلها بمرادي
كدّرت عيشي الحوادثُ حتى / لا أرى الصفو غير وقت الرقاد
صاح ما دلّ في الأمور على الأش / كال إلا تفحّص الأضداد
فاعتبر بالسفيه تمس حليماً / وتعرف بالغي طرق الرشاد
واللبيب الذي تعلَّم إتيا / ن المعالي من خسّة الأوغاد
أيها الغِرّ لا تغرّك دنيا / ك بكون مصيره لفساد
خفّ من غاص في الغرور كما في / لجّة الماء حفّ ثقل الجماد
يا خليليّ والخليل المواسي / منكما من يقوم في أسعادي
خاب قوم أتوا وغى العيش عزلاً / من سلاحي تعاون واتحاد
قد جَفتَنا الدنيا فهلاّ اعتصمنا / من جفاء الدنيا بحبل وِداد
لو عقلنا لما اختشى قط محسو / دون وقع الأذاة من حسّاد
فمتاع الحياة أحقر من أن / يستفزّ القلوب بالأحقاد
أنا والله لا أريد بأن أو / قع شراً ولو على من يعادي
أن لي أن سمعت أنّة محزو / نٍ أنيناً مرجّعاً في فؤادي
إن نفسي عن همّها ذات شغلٍ / بهموم العباد كلّ العباد
لا أحبّ النسيم إلا إذا هب / ب على كل حاضر أو بادي
أيها الناس إن ذا العصر عصر ال / علم والجد في العلا والجهاد
عصر حكم البخار والكهربائي / ة والماكنات والمنطاد
بُنيت فيه للعلوم المباني / واقيمت للبحث فيها النوادي
فاض فيض العلوم بالرغم ممّن / ضربوا دونهنّ بالأسداد
إن للعلم في الممالك سيراُ / مثل سير الضياء في الأبعاد
أطلع الغربُ شمسَه فحبا الشر / قَ اقتباساً من نورها الوقاد
إن للعلم دولةً خضعت دو / ن علاها عوالم الأضداد
ما استفاد الفتى وإن ملك الأر / ض بأعلى من علمه المستفاد
لا تسابق في حلبة العزّ ذا العل / م فما للهجين شأو الجواد
إن أموات أمة العلم أحيا / ءٌ حياة الأرواح والأجساد
وكأيّن في الناس من ذي خمول / صار بالعلم كعبة القُصّاد
ربّ يوم وردت دجلة فيه / مَورداً خالياً عن الوراد
حيث ينصبّ في سكوتٍ عميق / ماؤها لاثماً ضغاف الوادي
وهبوب النسيم يكتب في الما / ء سطوراً مهتزّة في إطراد
ينمحي بعضها ويظهر بعضٌ / فهي تنساب بين خاف وباد
وتئنّ المياه لي بخرير / كأنين السقيم للعُوّاد
قمت في وجهها اردّد طرفي / ساكتاً والضمير منّي ينادي
واقفاً تحت سرحةٍ ناح فيها / طائر فوق غصنها الميّاد
منشداُ في النواح شعراً غَرِيز / ياًحزيناً كأنه إنشادي
جاوبته أفنانها بأنين / من حفيف الأوراق والأعواد
أيها الطائر المُرَجّع فوق الغص / ن هل أنت نائح أم شاد
بين ماءٍ جارٍ ولحن شجيّ / منك يا طائر استطير فؤادي
يا مياهاً جرت بدجلة تجتا / ز مروراً بجانبي بغداد
إن نفسي إلى الحقيقة عطشى / أفتشفين غلّةً من صاد
كنت تجرين والرُصافة والكر / خ خلاءٌ من رائح أو غاد
أيها الماء أين تجري ضياعاً / وحواليك قاحلات البوادي
فمتى تفطن النفوس فتحيا / بك سقياً موات هذي البلاد
لو زرعنا بك البقاع حبوباً / لحصدنا النضار يوم الحصاد
أنت والله عسجد ولجين / لو أتينا الأمور باستعداد
فاجرِ يا ماء إن جربتَ رويداً / بأناةٍ ومهلةٍ واتئاد
علّنا نستفيق من رقدة الفق / ر فنَغنَى بفيضك المزداد
سلكتك السما ينابيع في الأر / ض أمدتك أيّما امداد
فتفجرت في السفوح عيوناً / نبعت من مخازن الأطواد
وإذا ما انتهيت في جريان / عدت للبدء في متون الغوادي
هكذا دار دائر الكون من حي / ث انتهى عاد راجعاً للمبادي
قل لنجلا نجلا أبي اللمع إني
قل لنجلا نجلا أبي اللمع إني / عاشقٌ نور فجرها الوضاح
هو للعلم خير فجر تجلَى / مستنيراً بأشهرِ الأوضاع
وسرير الأقلام في الطرس منه / كصياح الديوك في الأصباح
كم تصفّحت فيه من صفحات / عطّرتني بنشرها الفياح
فكأني في النفس والطرس منها / ناظر في بنفسج وأقاحي
ثم إني قرأت فيه لأسما / كلمات بديعة الأفصاح
أيقظتنا بها إلى أن في النو / م ارتياحاً لنا وأيّ ارتياح
صدقتْ في الذي تقول ففحَوى / قولها في غِنىّ عن الإيضاح
حبّذا النوم فهو للروُح رَوْحٌ / من عناء الهموم والأتراح
وهو تجديد قوةٍ ونشاطٍ / لجسوم روازح أطلاح
حبّذا النوم ترتقي النفس فيه / عالماً فوق عالم الأشباح
تلفون به إلى الغيب نُصغي / وتلسكوبنا إلى الأرواح
حبذا النوم إنه شَركٌ يمتد / في الجسم لاصطياد ارتياح
فهو للنفس من مراقي المعالي / وهو للجسم من دواعي الصلاح
حبّذا النوم فهو كالزيت للروّ / ح به تستضيء كالمصباح
وهو معِراجنا إلى أفْق غيبٍ / لن تناهي أبعاده والنواحي
حبّذا النوم وأصلاً بين حيٍّ / ذي ثواءٍ ومّيت ذي براح
حبذا النوم جامعاً بين معشو / ق مقيم وعاشق ذي انتزاح
إن للنوم لذةً هي في الأنفس / أشهى من لذّة الأفراح
أدركتها النفوس بالفعل واستغ / نت بإدراكها عن الإيضاح
أيها القوم إن للنوم سلطا / ناً قوياً لا يُتّقى بسلاح
نافذَ الحكم والقضاء على الإنسا / ن في خزنه وفي الأفراح
وعلى الأسد وهي في الغاب تدأى / وعلى الطير وهي في الأدواح
أيّ خطب دها ربوع الشام
أيّ خطب دها ربوع الشام / يوم أمست تبكي بطرف دام
وبأي الأسى رمتها الليالي / فاكتست للحداد ثوب ظلام
إن تكن افجعت بشهم بني العظ / م فأعظم بخطبها المترامي
ذلك الماجد الذي أدرك المج / د بأيدٍ إلى العلاء سوام
سل دمشقاً تجبك عن شيم في / ه تعالت عن أن تزنّ بذام
قد بكته شجواً يسبع عيون / في رباها تجود بالتسجام
ورثته بألسن من معالي / ه حداد تفلّ حدّ الحسام
فقدت من محمد خير ندب / ذائد عن حياضها ومحام
وغدت تشتكي إلى بَرَداها / من أحرّ الأسى أحرّ الأوام
لهف نفسي عليه ساعة أودى / من كريم غمر الرداء همام
إن قلبي قد استطير بمنعا / ه اختطافاً بمنسر الآلام
فكأن الناعي لدى النعي أهوى / نحو قلبي بمرهف صمصام
قد فقدنا منه خلائق تحكي / زهر الروض غبّ صوب الغمام
يا أبا خالد وما هذه الدن / يا بدار معدّة لمقام
إن تكن هالكاً فكم لك ذكر / في العلا خالد مدى الأيام
خطفت عمرك المنون اختلاساً / كاختلاس المنى يد الأوهام
فكأنّ المنون خافت على تل / ك المعالي ذبولها بالسقام
فلذا أحرزتك غضاً طرياً / وكذا كم يكون موت الكرام
فسقى الله تربةً أنت فيها / صوب وطفاء من غوادٍ هوام
أدهق الدهر بالمنيّة كاسه
أدهق الدهر بالمنيّة كاسه / من قديم وطاف يسقي أناسه
كيف يرجى طول البقاء لحّيٍ / جعل الله عمره أنفاسه
تعست هذه الحياة وإن كا / نت لعمري خلابةً حسّاسه
قصّرتها يد الحوادث لكن / قد اطالت بها على الحيّ باسه
غير أن السعيد من بان عنها / وهو مستثمر بها أغراسه
والذي عاش مؤنساً وحشة النا / س ممدّاً بفضله إيناسه
مثل ذاك الشيخ الذي مذ فقدنا / ه فقدنا به النهى والكياسه
نعي الخالصي فارتجّت الأن / فس حزناً مضرّجاً بحماسه
هو ذاك المهديّ أحرز سبقاً / حين أجرى إلى الهدى أفراسه
هو ذاك الحبر الذي كان للشر / ع مقيماً دليله وقياسه
كان في الدين آية الله أفنى ال / عمر فيه رعايةً وحراسه
أفق العلم قد بد مكفهرّاً / عندما أطفا الردى نبراسه
إن بكاه الدين الحنيفي شجواً / فلأن كان ركنه وأساسه
كان ردءاً للحق مرتدي التق / وى فكانت طول الحياة لباسه
ولقد كان في العلوم إماماً / حيث فيها انتهت إليه الرياسه
أنا أبكي عليه من جهة العل / م واغضي عن خوضه في السياسه
لا لأني أراه فيها ملوماً / بل لأني أعيب فعل الساسة
ليس في هذه الهنات السياس / يات إلا ما ينجلي عن خساسه
قد أبت هذه السياسة إلاّ / أن تكون الغشّاشة الدسّاسه
وأبت أن تصافح الناس إلا / بيدٍ من خديعة فراسه
كلّما مسّت الأمور بكفٍ / لوّثتها بما بها من نجاسه
إن في هذه السياسة سهماً / جعل الله باطلاً قرطاسه
ما تعاطى غير الخداع غلاد س / تون فيها كلا ولا دلكْاسه
إن أحسّت بقوةٍ من خصيم / كانت الظبي لم يزايل كناسه
وهي إن آنست من الخصم ضعفاً / كانت الليث مبرزاً أضراسه
لو أردنا إفاضة في هجاها / لكتبنا لكم به كرّاسه
فلهذا أجلّ عنها رجالا / شغلتهم علومهم بالدراسه
رحم الله شيخنا إنه كا / ن بعيداً عمّا تريد السياسه
ليت تلك العلوم قد شغلته / عن أمور لا تشتري بنحاسه
أنتجت بعده فأوحش أرضاً / في العراقين عوّدت إيناسه
فقضى بعد نأيه عن إناس / طلبوا علمه وراموا اقتباسه
أيها القوم إن هذا لرأيي / في فقيدٍ لم تشهدوا إرماسه
فإذا كنت قد أصبت وإلا / فانبذوا ما أقوله في الكناسه
لست بالشاعر الذي يرسل اللف / ظ جزافاً لكي يصيب جناسه
أنا لا أبتغي من اللفظ إلاّ / ما جرى في سهولةٍ وسلاسه
إنما غايتي من الشعر معنىً / واضح يأمن اللبيب التباسه
هي دنيا بقاؤها مستحيل
هي دنيا بقاؤها مستحيل / فليقف عند حدّه التأميل
ليس يغني فيها عن المرء شيئاً / شرف باذخ ومجد أثيل
إنما الراحة المرجّاة فيها / تعب والهدى بها تضليل
كل شيء في أهلها مستعار / من سواه وكل حال تحول
ليس ما قد جتى علينا بها إلا ق / قار أدهى مما جنى التمويل
رتّلت ألسن اللذائذ آي ال / عيش فيها فغرّنا الترتيل
فرجونا طول البقاء وإن كنّا / علمنا بأننا سنزول
وطلبنا تعلّة لنفوس / ليس يشفي عليلها التعليل
قد قتلت الحياة خبراً ولكن / أنا منها بحيرتي مقتول
كل ما قيل في الحياة ظنون / جرّها في افتكارنا التخييل
قد وهمنا في البدء منها وأما / منتهاها فستره مسدول
إن يك العقل في دجى الشك نجماً / فخفيٌّ مثل السها وضيئل
ويك إن المعقول ما صحّ عندي / فمتى صحّ عندك المنقول
كلنا خابطون في ظلمات / حائر بائر بهنّ الدليل
إن حبّ الحياة أوهم أن ال / موت نوم تحت الثرى لا يطول
إنما هذه الجسوم مبانٍ / قد بناها من الزمان عمول
نزلتها الأرواح حيناً فأضحت / عامراتٍ ما دام فيها النزول
ثم لابدّ أن ترحّل عنها / فيسّمى بالموت ذاك الرحيل
إنما هذه الجسوم رسوم / موحشات بعد الردى وطلول
ما بسقط اللوى مثلن ولكن / بسقوط البلى لهنّ مثول
ليس يسلي الفتى عن الموت إلاّ / خلف صالح وذكر جميل
مثلما مات شيخنا النائب الحب / ر فسالت من الدموع سيول
إن عبد الوهاب عاش جليل ال / قدر فرداً ومات وهو جليل
وقضى عادم المثيل فأمسى / ما لمنعاه في الخطوب مثيل
حادث أظلمت به الأرض واستو / حش منها حزونها والسهول
إن أسينا أسىً عليه كثيراً / فكثير الأسى عليه قليل
كان فحل الفحول علماً وفضلاً / فلهذا بكت عليه الفحول
كيف لا تجزع العلوم لمنعى / رجل باعه بهنّ طويل
قد بكته مدارس عامرات / هو فيها المدّرس المسؤول
وبكاه الكتاب ذو الذكر شجواً / وعلوم إلى الكتاب تؤول
وبكته آيٌ به محكمات / وبكاه التفسير والتأويل
وبكته أرامل ويتامى / جذّ عنها بموته التنويل
إن يكن أغمد الردى منه في القب / ر حساماً فذكره مسلول
أو رمى حدهّ الردى بفلول / فمعاليه ما بهنّ فلول
أو خلت منه دوره مُوحشاتٍ / فذراها بفضله مأهول
كيف لا هؤلاء أبناؤه الغرّ / شهود بما أقول عدول
كلهم في العلاء مثل أبيه / حسن الخلق فاضل بهلول
هل تطيب الفروع في الناس إلاّ / حيث طابت فيهم لهنّ أصول
عذرةً يا أبا الحسين بماذا / نصف الرز وهو رزء جليل
وإذا طاشت الحلوم بيوم / فيه فارقتنا فماذا نقول
اخرس الشعر يوم منعاك لكن / ناب عنه تأوّه وعويل
وإذا أسكت المقاويل حزنٌ / ترجمت عنهم دموع تسيل
فصلتك المنون عنّا ولكن / أنت بالحمد والثنا موصول
لك في العلم رتبة لن تسامى / فاضل القوم عندها مفضول
ومحياً صلت الجبين طليقٌ / يتلالا كأنه قنديل
ويد يجمع الشفاه عليها / كلما قد ومددتها التقبيل
إنما قد ذكرت بعض مزايا / ك وإلاّ فشرحهن يطول
وإذا القول لم يفده اختصار / لم يفده الاطناب والتفصيل
ليس من غاية الحياة البقاء
ليس من غاية الحياة البقاء / فلذا خاب في الخلود الرجاء
غير أن الحياة بالعزّ عند الر / جل الحرّ غاية غرّاء
أيّ فخر للناعمين بعيش / لم تجلّله عزّة قعساء
حسب من رام في الحياة خلوداً / أنه بعد موته علواء
وكفى المرء بعد موت حياةً / أن ذكراه حلوة حسناء
قد قضى الكاظمي وهو جدير / أن تعزّى في موته الشعراء
عاش منسيّ عارفيه ولما / مات فاضت بنعيه الأنباء
ذكرته نعاته بنعوت / قبله حاز مثلها العظماء
فلئن كان ما يقولون حقاً / إنهم بالذي نسوا لؤماء
كيف ينسون في الحياة أديباً / عبقرياً عنت له الأدباء
أفينسى حياً ويذكر ميتاً / إن هذا ما تنكر العقلاء
إن هذا أمر يتيه ضلالاً / في بوادي تفسيره الحكماء
ضحكوا منه في الحياة ومذ ما / ت تعالى نحيبهم والبكاء
أيها النادبون غيريَ غرّوا / برح اليوم للبيب الخفاء
يكرم الميت بالثناء وتحيا / عندكم في المهانة الأحياء
غري الناس بالهوى فضلال / كل ما يفعلونه أو رياء
كلّ من يخبر الأناسي خبري / لا يبالي أأحسنوا أم أساءوا
أنا جرّبتهم إلى أن تساوى ال / يوم عندي سبابهم والثناء
أيها الكاظمي نم مستريحاً / حيث لا مبغض ولا إيذاء
عشت في مصر باحترام يؤدّي / ه إليك الأماثل الفضلاء
إن للنيل من جرائك شكراً / ستؤدّيه دجلة اللسناء
لم تعش عيشة الرفاه ولكن / لك في العيش عزّة وعلاء
أيّ حرّ في الشرق عاش سعيداً / لم تشُب صفو عيشه الأقذاء
وهنيئاً أن لم تعش في العراقين / مضاعاً تنتابك الأرزاء
من شقاء العراق أن ذوي الن / عمة فيه أجانب غرباء
إن جفتنا بلادنا فهي حبّ / ومن الحب يستلذّ الجفاء
لم نحُل عن عهودنا مذ جفتنا / بل لها الودّ عندنا والوفاء
قد بكينا شجواً عليها ومنها / وعنانا سقامها والشفاء
كم أردنا سخطاً عليها ولكن / غلب السخط في القلوب الرضاء
إنما هذه المواطن أم / مستحق لها علينا الولاء
إن خدمنا فلا تريد جزاء / ومن الأم هل يراد جزاء
إنما نحن مصلحون وما إن / غاية الامصلحين إلاّ الرفاء
نحن كالشمع حين ذاب اشتعالاً / فهدى المظلمين منه الضياء
حُقّ للدمع أن يكون نشيدا
حُقّ للدمع أن يكون نشيدا / في بكائي أبا أمين رشيدا
ألمعيّ تبوّع المجد حتى / حاز منه قريبه والبعيدا
وتعالى إلى أعاليه حتى / نال منه قديمة والجديدا
أنجبته أصول نخلة حتى / أطلعته للمجد طلعاً نضيدا
فنما في بواسق المجد فرداً / مستظلاً منهنّ ظلاَّ مديدا
كان شهماً إن جئته في الملمّا / ت وَقيذاً أوَيْت ركناً شديدا
شجاعاَ إن جئته يوم هج / تلق في الهيج بهمة صنديدا
وكريماً زكت سجاياه حتى / كان بدعاً في المكرمات فريدا
وفصيحاً إن أنشد القوم شعراً / كان في الشعر مفلقاً ومجيدا
إن شدا بالقريض لم تبصر السا / مع إلا مستحسناً مستعيدا
كان إطروفة الزمان ظريفاً / طربِاً شادياً رقيقاً سديدا
رقة فاقت النسيم إلى شدّ / ة بأس تفتّت الجلمودا
ساد في الناس يافعاً ثم كهلاً / ثم شيخاً في التجربات عميدا
جبلت نفسه على الخير حتى / لم تجده إلا لخير مريدا
بلغ المنتهى من المجد حتى / ليس في المستطاع أن تستزيدا
يا سليل الفقيد أعظم بمجدٍ / قد رزئناه في أبيك مجيدا
أنا شاطرتك الأسى بدموع / كنّ للحزن في الفؤاد وقودا
وتأملت منك حرّاً كريماً / خلفاً للفقيد ضاهى الفقدا
فلهذا أقول قول معز / لك يرجو عمراً طويلاً سعيدا
يا أمين الرشيد أودعك الرا / حل مجداً في الوارثين تليدا
كيف لا نرتجى وأنت أمين / أن تعيد المجد القديم جديدا
أن يكن مبدئين آباؤك الغرّ / فكن أنت يا أمين معيدا
أيّها الأنجم التي قد رأينا
أيّها الأنجم التي قد رأينا / عبراً في أفولها كالشموس
إن هذا الأفول كان شروقاً / في دياجير طالع منحوس
وسيأتي منه الزمان بسعد / تنجلي منه داجيات النحوس
شنقوكم ليلاً على غير مهل / ثمّ دسّوا جسومكم في الرموس
أفكانوا في ظلمة الليل تجراً / هربّوا المال من جباة المكوس
هكذا الجائف المريب يواري / فَعلة السوء منه بالتغليس
شنقوكم لأنكم قد جعلتم / علّم الجيش غير ما منكوس
شنقوكم لأنكم قد أبيتم / أن تكونوا في ربقة الأنكليس
فاستحقوا اللعن الذي كررّته / خاليات القرون في إبليس
سيديم الزمان لعناً عليهم / شائع الذكر في بطون الطروس
أيها الأنجم التي تركتنا / في أسىً من مصابها محسوس
في سبيل الأوطان متّم ففزتم / بأجلّ التحميد والتقديس
وستبقى الذكرى لكم ذات رمز / هو تعظيمكم بخفض الرءوس
وسيجري احترامكم في مجاري / شرف خالد لكم قد موس
إن يوماً به نعيتم إلينا / يوم بؤس كيوم حرب البسوس
قد حكاها طولاً وشؤماً وبغياً / وتلظّى بحرّ نار المجوس
فيه أبدت منّا الوجوه كلوحاً / في شحوبٍ وغبرةٍ وعبوس
إذ سكنّا وفي القلوب ارتجاج / مثل تيّار لجّة القاموس
وأطلنا عن الكلام سكوتاً / معرباً عن نشيجنا المهموس
ووجمنا حزناً وربّ وجوم / يتأتي من صاخبات النفوس
برئت ذمّة المروءة منّا / إن نُبسي يوم شنقكم أو تُنُوسي
وضح الحق واستاقم السبيل
وضح الحق واستاقم السبيل / بعظيم هو النبيّ الرسول
قام بدعو إلى الهُدى بكتاب / عربيّ قرآنه ترتيل
طالباً غاية من المجد قُصوى / صدّه عن بُلوغها مستحيل
ووصولاً إلى مقام رفيع / عَزّ من قبله إليه الوُصول
همّة دونها الكواكب نوراً / واعتلاءً يَعلو بها ويطول
جرّد اللّه منه للحقّ سيفاً / كان ضدَّين حدّه والفلول
فيه عزم للمهلكات قَحُوم / واصطبار للنائبات حَمُول
ودهاء لو ما كرته دواهي الدّ / هر طُرّاً لاغتالها منه غول
تدلهِمّ الخُطوب والرأي منه / في دُجاها كأنّه قِنديل
كل أوصافه الجليلة بِدعٌ / فهو من عبقريّة مَجبول
أطلق الناسِ من تقاليد جهل / كل فرد منهم بها مغلول
وشفاهم بهَديهِ من ضلال / كل فرد منهم به مَعلول
أنهض القوم للعلاء وكانت / في دُنى القوم رقدة وخُمول
فاستقلّت به على الدهر يقظى / هِمم يعرُبيّة وعقول
تلك في الدين نهضة هي للعق / ل انتباه وللهدى تأثيل
نهضة عالميّة في وغَاها / من أمام البعير فرّ الفيل
هي كالبرق سرعة والتماعاً / كل أفق بفضلها مشمول
خضعت فارس لها عن صَغار / وتداعة إيوانها المستطيل
وإلى اليوم قام في الهند منها / أثَر مثل طَودها لا يزول
يعرف النيل فضلها وعلاها / من قديم ويشهد الدردنيل
وبها الأرض والسموات ترضى / وتُقِرّ التوراة والإنجيل
غير أنا عن نَهجها اليوم حِدنا / واستحَلْنا وكل حال تحول
حيث عُدنا وفي النهوض قعود / ورجعنا وفي الصعود نزول
واختلفنا في الدين حتى افترقنا / فِرَقاً لا يُسيغها المعقول
والتزمنا الفروع منه فضاعت / بالتزام الفروع منه الأصول
كل حزب بما لديه فَخور / ولمَن هم مخالفوه خَذول
بِدَع في حياتنا مُنكرات / غضب اللّه فوقها مسدول
حالة ساءت الرسول وساءت / كلَّ آيٍ بها أتانا الرسول
لو رآنا والشر فينا كثير / مستفيض والخير نزر قليل
وثغور الضلال مبتسمات / ووجوه الهدى عليها مُحول
والدعاوى في الحق منّا كبار / طال فيها التزمير والتطبيل
نعبُد اللّه والعبادة لحن / عند بعضٍ وعند بعض عويل
ونحِجّ القبور كالبيت حجّاً / يكثُر المسح فيه والتقبيل
ونَعُدّ الركوع للقبر حِلاًّ / وهو في الدين ما له تحليل
ونُزَحّي إلى القبور نذوراً / فضحايا مسوقةٌ وحُمول
ونقول التوحيد قولاً وكلٌّ / هو للشرك عامد وفَعُول
قال مستنكراً لما نحن فيه / ما بهذا قد جاءني جبريل
أين دين التوحيد منكم وأين ال / أوْب اللّه وحده والقُفول
أنا حرّمت كل ما كان فيه / شَبَه للأصنام أو تمثيل
كل مَن قال منكم أن هذا / هو دين الإسلام فهو جَهول
لمَ لم تحفَظوا أخوّة دين / جاءكم ناطقاً بها التنزيل
كان حبل الإخاء فيكم وثيقاً / كيف أمسى وعَقده محلول
لست منكم بيائس بل نُهوض / منكم بعد فترة مأمول
فاجمعوا الشمل ناهضين فإنّ ال / كُفر في الدين عجزكم والخمول
أيّ مُضنَى يَمُدّها بالكتئاب
أيّ مُضنَى يَمُدّها بالكتئاب / أنّةً تترك الحشا في التهاب
يتشكّى والليلَ وحْف الاهاب / ضمن بيت جثا على الأعقاب
صفقته فمال كفّ الخراب /
تسمع الأُذن منه صوتاً حزيناً / راجفاً في حشا الظلام كمينا
يملأ الليل بالدعاء أنينا / ربّ كن لي على الحياة معينا
ربّ أن الحياة أصل عذابي /
وجع في مفاصلي دقّ عظمي / ودهاني ولم يَرِقّ لعُدمي
عاقني عن تكسُّبي قوت يومي / ربّ فارحم فقري بصحة جسمي
أن فقري أشدّ من أوصابي /
يا طبيباً وأين مني الطبيب / حال دون الطبيب فقر عصيب
لا أصاب الفقيرَ داءٌ مصيب / أن سُقم الفقير شئ عجيب
بطلت فيه حكمة الأسباب /
رجل معُسِر يسمى بشيرا / كان يسعى طول النهار أجيرا
كاسباً قُوته زهيداً يسيرا / مالكاً في المَعاش قلباً شكورا
راجياً في المَعاد حسُن المآب /
عال أختاً حَكَته خُلْقاً نزيها / عانساً جاوز الزواج سِنِيها
لزِمت بيت أمها وأبيها / مع أخيها تعيش عند أخيها
مثله في طعامه والشراب /
كلَّ يوم له ذهاب ومَأتَي / في معاش من كدّه يتأتّى
هكذا دأبه مَصيفاً ومَشتَى / فاعتراه داء المفاصل حتى
عاقه عن تعيّش واكتساب /
بينما كان في قواه صحيحا / ساعياً في ارتزاقه مستميحا
إذ عراه الضَنَى فعاد طَليحا / ورمته يد السقام طريحا
جسمه من سقامه في اضطراب /
بات يبكي إذا له الليل آوى / بعُيون من السهاد نَشاوى
فترى وهو بالبكا يتداوى / قطراتٍ من عينه تتهاوى
كشهاب يَنقضّ أثر شهاب /
أن سُقما به وعدماً ألمّا / تركاه يذوب يوماً فيوما
فهو حيناً يشكو إلى السقم عُدما / وهو يشكو حيناً إلى العدم سقما
باكياً من كليهما بانتحاب /
ظلّ يشكو للأخت ضَعفا وعَجزا / إذ تُعزّيه وهو لا يتعزّى
أيها الأخت عزّ صبريَ عزّا / أنّ للداء في المفاصل وخزا
مثل طعن القنا ووخز الحراب /
قد تمادى به السقام وطالا / وتراءى له الشفاء مُحالا
إذ قُلاباً به السقام استحالا / كان هَيْناً فصار داءً عُضالا
ناشباً في الفؤاد كالنُشّاب /
ظلّ مُلقىً وأعوزته المطاعم / مُوثَقاً من سقامه بالأداهم
مُنفِقاً عند ذاك بعض دراهم / رَبِحَتها من غزلها الأخت فاطم
قبل أن يُبتَلى بهذا المُصاب /
قال والأخت أخبرته بأن قد / كَرَبت عندها الدراهم تَنْفَد
أخبري السقم علّه يتبعّد / أيها السقم خلِّ عيشي المُنَكّد
لا تعُقني في عيشتي عن طلابي /
مرّضيني شقيقتيِ مرّضيني / وعلى الكسب في غد حَرِّضيني
وإذا مَسَّك الطَوىَ فارفُضيني / أو على الناس للمبيع اعرِضيني
علّهم يشترونني مما بي /
رام خبزاً والجوع أذكى الاُوارا / في حشاه فعلَّلَته انتظارا
ثم جاءت بالماء تُبدي اعتذارا / وهل الماء وهو يُطفئ نارا
يطفئ الجوع ذاكياً في التْهاب /
خرجت فاطم إلى جارتَيْها / ويه تُذري الدموع من مُقلتيها
فأبانت برِقّة حالتيها / من سقام ومن سُعاد لديها
وشَكَت بعدَ ذا خُلُوّ الوِطاب /
فانثنَت وهي بين ذُلّ وعزّ / تحمل التمر في يدٍ فوق خبز
وبأخرى سَمناً وبعض أرُزّ / منحوها به وذو العرش يَجزى
مَن أعان الفقير حسن الثواب /
ليلةٌ تَنْشُر العواصفُ ذُعرا / في دجاها حيث السحاب اكْفَهَرّا
ذا هَزِيم يَمُجّ في الأذن وقرا / حين تُبدي صوالجَ البرق تترى
كهربائيةٌ سَرَت في السحاب /
مدّ فيها ذاك المريض الأكُفّا / في فراش به على الموت أوفى
طرفه كالسُها يَبين ويَخْفَى / حيث يُغضي طرفاً ويفتح طرفا
عاجزاً عن تكلُّم وخطاب /
فدَعَتْه والعين تُذري الدموعا / اخته وهي قلبها قد ريعا
يا أخي أنت ساكت أفجوعا / ساكت أنت يا أخي أم هُجَوعا
فاشْفِني يا أخي برَجْع الجواب /
فرأت منه أنه لا يُجيب / فتدانت والدمع منها صَبيب
ثم أصغت وفي الفؤاد وَجيب / ثم هابت والموت شىءٌ مَهيب
ثم قامت بخشيةٍ وارتياب /
خرجت فاطم من البيت ليلا / حيثِ أرخَى الظلام سدلا فسدلا
وهي تبكي والغَيث يهطل هطلا / مثلَ دمع من مقلتَيْها استَهَلا
أو كماءٍ جرى من الميزاب /
ربّ أدرك باللطف منك شقيقي / وامنع الغيث ربّ عن تعويقي
ومُرِ البرق أن يُضيء طريقي / بريقٍ يُبديه أثر بريق
فعسى أهتدي به في ذهابي /
قَرعت في الظلام باب الجار / وهي تبكي الأسى بدمع جار
ثم تادت برقّة وانْكسار / أم سلمى ألا بحق الجِوار
فافتحي أنني أنا في الباب /
فأتتها سُعدى وقد عرَفتها / وعن الخَطْب في الدجى سألتها
ثم سارت من بعدما أعلمتها / تقتفيها وبنتها تَبِعَتها
فتخطَّيْن في الدجى بانسياب /
جِئن والسحب أقْلَعت عن حَياها / وكذلك الرعود قلّ رُغاها
حيث يأتي شِبه الأنين صداها / غير أن البروق كان ضياها
مومِضاً في السماء بين الرَباب /
فدخَلْن المحلّ وهو مُخيف / حيث انّ السكوت فيه كثيف
وضياء السراح نَزْرٌ ضعيف / وبه في الفراش شخص نَحيف
دبّ منه الحِمام في الأعصاب /
قالت الأخت أم سلمى انْظُريه / ثُكلت روح أمه وأبيه
فرأت منه إذ دنت نحو فيه / نَفَساً مبُطيء التردُّد فيه
ثم قد غالَه الرَدى باقتضاب /
وجَمَت حَيْرةً وبعد قليل / رمَقَت فاطماً بطرف كَلِيل
فيه حَمْل على العزاء الجميل / فعَلا صوت فاطم بالعويل
وبكت طول ليلها بانتِحاب /
فاستمرّت حتى الصباح تُوالي / زفارت بنارها القلب صال
فأتاها ودمعها في انْهمال / بعض جاراتها وبعض رجال
من صعاليك أهل ذاك الجَناب /
وقفوا موقفاً به الفقر ألْقى / منه ثِقْلاً به المعيشة تَشقى
فرأوا دمع فاطم ليس يرقا / وأخوها مَيْت على الأرض مُلقى
مُدرَجٌ في رثائث الثواب /
فغدت فاطم ترن رنينا / ببكاءٍ أبكت به الواقفينا
ثم قالت لهم مَقالاً حزينا / أيها الواقفون هل ترحمونا
من مُصاب دها وأيّ مصاب /
أيها الواقفون لا تُهملوه / دونكم أدمُعي بها فاغْسِلوه
ثم الثوب ضافياً كفِّنوه / وادفُنوه لكن بقلبي ادفنوه
لا تُواروا جبينه بالتراب /
بعد أن ظلّ لافتِقاد المال / وهْو مُلقىً إلى أوان الزوال
جاد شخص عليه بعد سؤال / بريال وزاد نصف ريال
رجل حاضر من الأنجاب /
كفَّنوه من بعد ما تمّ غسلا / وتمشَّوا به إلى القبر حَملا
فترى نعشه غداة استقلا / نعش من كان في الحياة مُقِلا
دون ستر مكسّرَ الأجناب /
ناحت الأخت حين سار وصاحت / اختك اليوم لو قَضَت لاستراحت
ثم سارت مدهوشة ثم طاحت / ثم قامت ترنو له ثم راحت
تسكبُ الدمع أيَّما تَسكاب /
أيها الحاملوه لا مشيَ رَكض / أن هذا يوم الفراق المُمِضّ
فاسألوه عن قصد أين يَمضي / أنه قد قضى ولم يكُ يَقضي
واجبات الصبا وشرخ الشباب /
أن قلبي على كريم السجايا / طاح والله من أساه شظايا
قاتل الله يا ابن أمّي المنايا / أنا من قبلُ مذ حسبت الرزايا
لم يكنُ رزء موتكم في حسابي /
أن ليلي ولست من راقديه / كلما جاءني وذكّرنيه
قلت والدمع قائل لي أيه / يا فقيداً اعاتب الموت فيه
ببُكائي وهل يُفيد عتابي /
رُحت يوماً وقد مضت سنتان / أتمشى بشارع الميدان
مَشيَ حيران خَطوُه مُتدان / أثقَلَته الحياة بالأحزان
وسقَتْه كأساً كطعم الصاب /
بينما كنت هكذا أتمشّى / عَرَضَتْ نظرة فأبصرت نعشا
بادياً للعيون غير مُغَشّى / نقش الفقر فيه للحزن نَقْشا
فبدا لوح أبْؤسٍ واكتئاب /
قلت سرّاً والنعش يقرُب منّي / أيّها النعش أنت أنعشتَ حزني
للأسَى فيك حالة ناسبتني / أن بدا اليوم فيك حزن فإني
أنا للحزن دائماً ذو انْتساب /
رحت أسعَى وراء مذ تعدّى / مسرعاً في خطايَ لم آل جهدا
مع رجال كأنجم النعش عدا / هم به ائرون سيراً مُجدّاً
فتراه يمرّ مرّ السحاب /
مذ لحدنا ذاك الدفين وعُدنا / قلت والدمع بلَّ منّي ردنا
أن هذا هو الذي قدُ وعِدنا / فأبينوا من الذي قد لحَدْنا
فتصّدَى منهم فتىً لجوابي /
قال أن الدفين أخت بشير / أخت ذاك المسكين ذاك الفقير
بَقِيَت بعده بعيش عسير / وبطرف باك وقلب كسير
وقضت مثله بداء القُلاب /
قلت أقصر عن الكلام فحَسْبي / منك هذا فقد تزلزل قلبي
ثم ناجيت والضراعة ثوبي / ربّ رُحماك ربّ رحماك ربي
ربّ رشداً إلى طريق الصواب /
ربّ إن العباد أضعف أن لا / يجدوا منك ربّ عفواً وفضلاً
فاعفُ عن أخذهم وأن كان عَدْلاً / أنت يا ربّ أنت بالعفو أولى
منك بالأخذ والجزا والعقاب /
قد وردنا والأرض للعيش حَوْض / واحد كلنا لنا فيه خَوض
فلماذا به مَشُوب ومَحْض / عَظُمت حكمة الاله فبَعْض
في نعيموبعضنا في عذاب /
أيها الأغنياء كم قد ظَلَمْتم / نِعَم الله حيث ما إن رحِمْتم
سهِر البائسون جوعاً ونِمتم / بهناءٍ من بعد ما قد طَعِمْتم
من طعام مُنَّوع وشراب /
كم بذلتم أموالكم في الملاهي / وركبتم بها مُتون السَفاه
وبخِلتم منها بحق الله / أيها المُوسِرون بعض انتباه
أفتدرون أنكم في تَباب /
أن من حاز في العلوم إجازه
أن من حاز في العلوم إجازه / لجدير برتبة ممتازه
وخليق بعيشة مُرتضاة / وافتخار بفضل ما قد حازه
إنما هذه الأجازة صك / بيد المرء ضامن اعزازه
وهي تَعوِيذة له من عيون / بالمَساوي هَمّازة غَمّازه
فهنيئاً لمن اجيز وشكراً / للذي في علومه قد أجازه
معهد العلم وهو حِرزٌ يفوق ال / أبلقَ الفرد مَنعةً وحرازه
تلجأ الناس في الحياة إليه / هَرَباً من جهالة وخّازه
حبّذا العلم يُكسِب المرء عزّاً / ويَقيه في عيشه أعوازه
في نفوس الذين لم يُرزَقوه / حسرات وفي القلوب حزازه
إنما العلم من معاجز عيسى / كم جهول أحياه وهو جنازه
صاحب العلم يَركب المْجد طِرفاً / جاعلاً غاية العلا مِهمازه
ويهُزّ الدنيا رجاء وخوفاً / بيدٍ من دِراية هزّازه
نحن سَفْرٌ وما الرواحل والزا / دُ سوى العلم والحياة مفازه
كل من لم يُعِدّه لاجتياز / لم تُيسّر يد النجاح اجتيازه
إن عقل الفتى ليصبح بالعل / م رزيناً بكفّ من قد رازه
والطباع العرجاء في كل شخص / تقتضي من ثقافة عُكازه
ألغز الدهر في الحقائق لكن / أفهم العلمُ أهلَه الغازه
وإذا الأمر قد غشته الغواشي / ضمن العلم للورى ابرازه
كان للعلم في القديم طريق / غير رحب يَشُقّ أن نجتازه
فجرى اليوم في طريق جديد / جُعل الشك واليقين طرازه
هو صيد ولم يَعُد يجعل المُص / طادُ منه غير التجاريب بازه
قد عرفنا حقيقة القول فيه / وتركنا للغافلين مجازه
وبحثنا عن جوهر الحق فيه / فبلغنا دفينه وركازه
بله أطناب شرحه بقياس / أن في تجرباته أيجازه
هو في الناس قدره متعالٍ / لم يَطُل صرح إيفلٍ أنشازه
وإذا المُلك لم يؤيده علم / فارتقِب سلبه ورَجّ ابتزازه
وإذا العلم فاه يوماً بوعد / ذهب اليأس آملاً أنجازه
وإذا أنشط الجبان لحرب / صال يرغو حماسة وحمازه
قلم المرء في بلوغ المعالي / فائق في وغي الحروب جُرازه
صاحب العلم في الأمور أمير / قد غدا كل حادث جلوازه
يبصر الخطب من هواديه حتى / ينتهي فيه مبصراً أعجازه
فلهذا نعم لهذا أهنّي / كل من حاز في العلوم أجازه
نعمت الدار للنفيّض دارا
نعمت الدار للنفيّض دارا / قد أقيمت للطالبين منارا
هي دارٌ يَنْتابها ولُد قوم / جعلوا العلم للحياة مَدرارا
نحن قوم نرى المفاخر إلاّ / من طريق العلوم ثوباً مُعارا
ما قصَدْنا بسَلِّنا السيف إلاّ / رَدَّ ليل الجهل المُمِيت نهارا
هل شددنا الرحال في الأرض للأس / فار إلا لنكتُب الأسفارا
كم طَوَينا من قبلُ في طلب العل / م فجاجاً وكم شَقَقْنا بحارا
واقتحمنا لأجله كل هَوْل / وركِبنا لأجله الأخطارا
إنما تصغُر الخُطوب لدى القو / م إذا كانت النفوس كبارا
ولقد هانت النوائب فيه / إذ لبسنا الصبر الجميل شعارا
سل بنا العلم والفنون جميعاً / هل ملكنا بغيرها الأقطارا
سل بنا العدل في جميع الرعايا / هل عَمَرْنا بغيره الأمصارا
سل بنا الغُرّ من كبار المساعي / هل طلبنا بغيرهنّ فَخارا
سل بنا هذه الدماء الدوامي / هل غسلنا بغيرهنّ العِمارا
سل بنا هذه النجوم الدَراري / هل رضينا تحت النجوم قرارا
كم رفعنا للعلم في الأرض بُرجاً / وبنَيْنا له كغُمدان دارا
لا يكن منك في الذي قلت شكٌ / وإذا شئت فانظر الآثارا
يعلم اللّه ذو الجلالة أنا / لسوى اللّه ما رجونا وقارا
إنما هذه المدارس روض / يُنبت المجد والعلا والفَخارا
تَتغذى بها النفوس غِذاء / هو يُنْمي العقول والأفكارا
جلَ فعلاً اكسيرها المتعالي / كيف يَجْلو القلوب والأبصارا
يدخل الناشئون فيها من النا / س نحاساً ويخرجون نُضارا
ربّ نفس كدرهم قد جلاها ال / علم حتى أعادها دينارا
نضُرت هذه المدارس روضاً / من بني القوم مُنبتاً أزهارا
تمنح العاجز الضعيف اقتداراً / موشكاً أن يغالب الأقدار
كانت الناس في القديم عبيداً / وبها اليوم أصبحوا أحرارا
فعليكم فيها بتحصيل علم / يُرغد العيش يُسعِد الأعمارا
أخْصِ في العلم إن أردت كمالاً
أخْصِ في العلم إن أردت كمالاً / ووصولاً إلى الفَخار الأتمّ
وإذا رُمت في التعلُّم حذفاً / فاتركِ النفس والذي هي ترمي
واجتنب قَسرها على ما أبَتْه / أن قسر الطباع أكبر ظلم
إنّما المّيل في الغرائز تَيّا / رٌ ومَن ذا يَرُدّ تيّار يَمّ
أطعِم العقل ما اشتهاه من العل / م وإلا اسْتقَأت من سوء هَضم
ليس في أرؤس الرجال دماغ / هاضم في ذكائه كل علم
فمِن النقص أن تحاوِل أن تض / رب في كل ذي العلوم بسهم
حُسن فهم الأخصّ أكثر نفعاً / لذويه من قبح فهم الأعمّ
وبُغاة العلوم مثل رُماة الصيَ / د فاعلم وليس مُنْمٍ كمُصمْ
وإذا ما اشتغلت بالجِدّ ساعا / ت فهازل سُويعةً واستجم
وتَرَفّقِ إذا جهدت فإن الر / فق يُذكي الفؤاد والعُنف يُعمي
ولقد يَبلغ العجول مَداه / بالتأني بلوغ خَضم بقَضم
كل مَن كانت العلوم لديه / جَمّةً كان نفعه غير جم
أيّ فضل لعالم غير بدع / ليس في العلمُ يرتجي للمهمّ
سارَ شوطاً لكلّ علم ولَكن / لم يَنَل فيه غاية المستَتمّ
هَبْه أبدى من العلوم نُجوماً / في ليال من المَشاكل دُهْم
أو ليس البدر التمام وإن كا / ن وحيداً يربو على ألف نجم
كن قوياً في كل ما تَدّعيه / إنما الفَوز للقويٍّ المِلَمّ
أيها العاجز الضعيف رُوَيداً / أقْرَن الضأن فاتك بالاجمّ
كل ما في البلاد من أموال
كل ما في البلاد من أموال / ليس إلاّ نتيجة الأعمال
أن يطِب في حياتنا الأجتما / عيّة عيش فالفضل للعمّال
وإذا كان في البلاد ثراء / فبفضل الأنتاج والأبدال
نحن خَلق المُقدَّرات وفيها / لا حياة للعاطل المكسال
عندنا اليوم للحياة نظام / قد حوى كل باطلٍ ومُحال
حيث يسعى الفقير سعي أجير / لغنيّ مستأثر بالغلال
فترى المُكثرين في طيب عيش / أرغدته لهم يد الأقلال
وترى الغائصين في البحر أمسى / لسواهم ما أخرجوا من لآل
وترى المُعسرين في كل أرض / كعبيد والموسِرين موالي
أكثر الناس يكدحون لقوم / قعدوا في قصورهم والعَلالي
واحد في النعيم يلهو وألف / في شقاء وأبؤس واعتلال
حالة في معاشنا أسلكتنا / طُرُقات المخاتل المحتال
فترانا بعضاً لبعض لبِسنا / من خياناتنا مُسوك الثعالي
تلك عادٌ مستهجنات ورثنا / ها قديماً من العصور الخوالي
فإلى كم نشقى وحتام نبقى / هكذا في عَماية وضلال
إنما الحق مذهب الأشترا / كيّة فيما يختصّ بالأموال
مذهب قد نحا إليه أبو ذرٍّ / قديماً في غابر الأجيال
ليس فرض الزكاة في الشرع إلا / خُطوة نحو مبتغاه العالي
مبدأ ذو مقاصد ضامنات / ما لأهل الحياة من آمال
موصلات إلى السعادة في العي / ش هوادٍ إلى طريق التعالي
ليس للمرء أن يعيش بلا كدٍّ / وإن كان من عظام الرجال
كل مجدُ يبنى على غير سعيٍ / فهو مجد مهدّد بالزوال
ليس قدر الفتى من العيش إلاّ / قدر انتاج سعيه المتوالي
ما رءوس الأموال إلا أداة / للمساعي كالحبل للأحمال
مثل شدّ الأحمال شدّ المساعي / ودنانيرنا لها كالحبال
صاح ماذا تُجدي الدنانير لولا / همم الدائبين في الأشغال
أفتأتي من الطعام بديلاً / أفتُغنى عن كسوة ونعال
حاجة المرء أكلةٌ وكساء / وسوى ذاك بسطة في الكمال
أن للعيش حَومة في وغاها / لا تحق الحياة للبطّال
أنها مثل حومة الحرب ما دا / رت رَحاها إلاّ على الأبطال
وسوى الحِذق ما بها من سلاح / وسوى الكدّ ما بها من قتال
بطل الحرب مثله بطل السع / يِ ومنه الأعمال مثل الصيال
ونشاط منه لبيض المساعي / مثل أشراعه لسمر العوالي
أيها العاملون أن أتحاداً / بينكم مرخص لكم كل غال
ما لعيش تشكون منه سَقاماً / بسوى الأتحاد من ابلال
فليكن بعضكم لبعض نصيراً / ومُعيناً له على كل حال
وإذا قلت أنكم أنتم النا / س جميعاً فلا أكون المُغالي
فأعلموا دائبين غير كسالى / وأرقُبوا ما به ستأتي الليالي
ثم قولوا معي مقالاً رفيع الصَ / وْت فلتحي زمرة العُمّال
أيَّ قدس يضُمَ هذا البناء
أيَّ قدس يضُمَ هذا البناء / حسدت أرضه عليه السماء
أن يكن فوق هذه الأرض شيء / فيه قدسيّةٌ فهذا البناء
هو من هذه البَنيّات لكن / شرُفت بالمقاصد الأشياء
كلما جئته مُلمّاً تجلّت / لي من تحت أسّه العلياء
هو بِكر في ذي البلاد وللأط / فال فيه حماية عذراء
لم نكن قبل ذا نُفكّر فيما / فكّرت فيه قبلنا الرُحماء
كان للبُؤس في المواطن لفح / من سَموم تذوي به الرضعاء
ربّ طفل أودت به قِلّة الدَرّ / على أن أمّه ثَدياء
أمّه من أبيه آمت فأمست / ينهك البؤس جسمها والشقاء
فحكى شخصها الخَيالة إذ لا / ح ذبول بجسمها وأرتخاء
وأرتمى ثديها وفيه جَفاف / لم يكن للرضيع فيهِ غذاء
فهو أن لم يعِش فموت مُريح / وهو أن عاش عاش فيه الداء
هكذا كانت المواليد تحيا / ولها من حياتها افناء
ومن اللؤم أن نرى عندنا الأط / فال تفنى لأنهم فقراء
لا غذاء في جَوفهم لا كساء / لا غطاء من فوقهم لا ِوطاء
علّ ميتاً لو عاش منهم لأضحى / فيه للناس مأمل ورجاء
ربّ من مات منهِم مات معه / شرف باذخ لنا وعَلاء
ليس موت الأطفال هيناً فقد ين / بُغ منهم نوابغٌ أذكياء
إنما هم كمثل أصداف بحر / لست تدري دُرّ بها أم خلاء
فلعلّ الطفل الذي مات منهم / مات عقل بموته ودهاء
أنه مثل وردة قطفتها / قبل ما فتحها يدٌ عسراء
جلّ هذا البناء حسناً وقدراً / فهو فيه فخامة ورُواء
وعلا في معارج الحمد حتى / لم تُطاوله في العُلا الجوزاء
كلّما جال في مبانيه طرفي / لمعت لي من جُدره العلياء
ولقد دلّ أنّ مَن شيّدوه / سادة في طباعهم كُرَماء
شكر اللّه سعيهم من كرام / بلغوا من فَخارهم ما شاءوا
سوف يبقى لهم على الدهر ذكر / فيه حمد لهم وفيه ثناء
فاز مَن شيّدوه بالحمد وأسوَدّ / ت وجوهاً بخزيها البخلاء
لا تُرَع أيها البناء المُعلّى / فلمرضى الأطفال فيك شفاء
ولهم فيك مرضعات حوانٍ / ولهم فيك طبّهم والدواء
ولهم فيك مأمن وملاذ / ولهم فيك صحّة ونماء
في عَلاليك من فنون المعالي / ما بفحواه عَيَّت الشعراء
كلّمتنا منك المباني كلاماً / فيه منها فصاحة خرساء
إنما أنت غرّة الدهر تُتلى / فيك منّي قصيدة غرّاء
كلّ شيء من عالم الذرّات
كلّ شيء من عالم الذرّات / كل شيء في كونه كالنبات
كل شيء في بدئه من صغير / ثم ينمو في ذاته والصفات
هكذا تكبُر الصغار وتقوى / في نواميس حادثات الحياة
هكذا ترسل الأصول فروعاً / عاليات يأتين بالثمرات
أن للفَلس في الثراء محّلاً / كمحلّ الجذور في الدوحات
أن أصل الثراء فلس هل سا / لت سيول إلاّ من القطرات
هو في قدره حقير ولكن / جمعه مُوصل إلى العظمات
يتساوى السخيّ فيه وذو البخ / ل وربّ الأقلال والمَثْراة
هو هَيْن على الذي قال هاكم / حين يعطيه للذي قال هات
أن تُرِدْ غرس نخلة من ثراء / فسوى المفلس مالها من نواة
فأقتصد في موارد العيش فلساً / كل يوم من طائل النفقات
وأجعل الفلس فوق فلس تجِدْه / بعد حين عوناً علىالأزَمات
وأدّخره ليوم نَحْس تجده / مسعداً مسعفاً على الخيرات
وأقصد الخير في أقتصادك حتى / لا يؤول الثراء للأعنات
ليس حسن الأعمال في الناس إلاّ / حسن ما يُضمرون من نيّات
فدع الفعل كيف كان حميداً / أو ذميماً وأنظر إلى الغايات
حسنات الأنام إن لم تكن ذا / ت عموم ضرب من السيّئات
يا شباب العراق هُبّوا إليه / وتوخَوْا بجمعه البركات
إن تكونوا اعتزمتم الأمر فيه / فالبدار البدار قبل الفوات
هم يُعَدُّون بالمئات ذكوراً
هم يُعَدُّون بالمئات ذكوراً / وإناثاً لهم قصور مُشاله
ولهم أعبُد بها وإماءٌ / ونعيم ورِفعة وجلاله
تركوا السعي والتكسُّب في الدن / يا وعاشوا على الرعّية عاله
يتجلّى النعيم فيهم فتبكي / أعين السعي من نعيم البَطاله
يأكلون الُباب من كدِّ قوم / أعوزتهم سخينة من نُخاله
فكأن الأنام يَشقَوْن كدّاً / كيْ تنال النعيمَ تلك السُلاله
وكأن الإله قد خلق النا / س لمحيا آل السلاطين آله
نعِموا في غضارة الملك عيشاً / وحملنا من دونهم أثقاله
فإذا ما صال العدوّ خرجنا / دونهم للوغى نردّ صياله
وإذا هم جرُّوا الجرائر يوماً / فعلينا تكون فيها الحَماله
وإذا ما استهل فيهم وليد / فعلينا رَضاعه والكفاله
قد رضِينا بذاك لولا عُتُوٌّ / أظهروه لنا على كلّ حاله
ما بهم ما يَميزهم عن بني السُو / قة إلاّ رسوخهم في الجهاله
هم من الناس حيث لو غُربل النا / س لكانوا نُفاية وحُثاله
ومن الجهل حيث لو صُوِّر الجه / ل لكانوا بين الورى تمثاله
حمّلونا من عيشهم كل عبءٍ / ثمّ زادوا أصهارهم والكلاله
فكَفَيْنا أصهارهم مؤنة العي / ش فكانوا ضِغثاً على إبّاله
فكأنا نُعطيهم أجرة البَض / ع كما أُعطي الأجير العماله
تلك والله حالة يقشعِر ال / حقُّ منها وتشمئز العداله
هي منهم دناءة وشَنار / وهي منا حماقة وضلاله
ليس هذا في مذهب الاش / تراكية إلا من الأمور المحاله
وهو في الملّة الحنيفية البي / ضاء كفرٌ بربنا ذي الجلاله
قال قولاً به استحقّ احتراماً
قال قولاً به استحقّ احتراماً / وتهدّاه فاستحق ملاما
رجل قد تنكّب الحق قوساً / ومن البُطل ظلّ يرمي سِهاما
كان منه المقال نوراً فلما / حان الفَعال كان ظلاما
خاض حرب العِدى بمِقول حرّ / فاق فيها المهنّد الصمصاما
وبذا عرّف الورى أنّ قول ال / مرء في الحرب قد يَفوق الحُساما
إذ غدا ناطقاً بمرقد واشن / طون نطقاً شفى به الأسقاما
معرباً عن مباديء محكمات / ساميات تُحرّر الأقواما
قال حرية الأنام هي الغا / ية لي في الوغى فغَرَّ الأناما
فاشرَأبَ الورى إليه وظنَوا / أنهم سوف يَبلغون المراما
واطمأنّت له القلوب بفَوْز / يغتدي في فم الزمان ابتساما
شام منه الورى بوارقِ غَيم / من وراء البحر المحيط تَرامى
فتصدّى لغَيثه كل قوم / قد شكَوْا غُلّةً بهم وأُواما
ثم خابت ظنونهم فيه لَما / مرّ في الجوّ خُلَّباً وجَهاما
مَدَّ ولسون في السياسة حَبلاً / جمع النقض فيه والأبراما
فلبعض الأنام كان عِصاماً / ولبعض الأنام كان خِصاما
ملأ الدهر في فيومة فخراً / وبازمير أخجل الأيّاما
إن إزمير صيّرت ما لولسو / ن من الخر في فيومة ذاما
فهل الحق عنده في سوى الغَر / ب حقير أقلّ من أن يُحامى
أو هل الشرق وحده في الأقالي / م مباح أن يُستبى ويضاما
أو هل القوم عاهدوا الله في أن / لا يراعوا للمسلمين ذِماما
مالهم أرهقوا بني الشرق ظلماً / وعلى الترك أْشَلُوا الأرواما
فاستباحوا حريم إزمير مهباً / واستحلُّوا من الدماء حراما
حيث جاسوا خلالها بجنودٍ / ركِبت في عُتُوّها الآثاما
أيها المجلس الرباعيّ مهلاً / فلقد جُرت في الأمور احتكاما
أنت سكران خمرةِ النصر فاحذَر / حين تصحو ندامة ولِواما
لك عين ترى السها في الدياجي / وعن الشمس في الضحا تتعامى
أوَ لم تَدرِ أن للدهر عيناً / إن تَنَمْ عين أهله لن تناما
لا تكن تابعاً هوى النفس فيما / أنت فيه تقرّر الأحكاما
فهوى النفس قد يُضِلّ ذويه / فيَطيشون في الورى أحلاما
ويرون الجُسام أمراً صغيراً / ويرون الصغير أمراً جساما
لا يغُرَّنّك الزمان إذا ما / لك أبدى بشاشة وابتساما
كم أشال الزمان أعلام قوم / في الذُرا ثم نكّس الأعلاما
مثلما دار للفرنج على الجَرْ / مَن حرباً فأدركُوا الإنتقاما
أيها المسلمون لستم من الغَر / ب بحال تستَوْجِبون احترما
إنما أنتم لدى الغرب قومٌ / خُلِقُوا عن سوى الشرور نياما
فإذا ما وسِعتم الناس حلماً / عدّه الغرب شِرّةً وعُراما
وإذا ما ملأتم الأرض عَدلاً / عُدّ جَوراً أو مفخراً عدّ ذاما
وإذا ما فعلتم الخير يوماً / حسبوه جناية وإثاما
وإذا زَلَّةً لكم دَفَن الده / رُ أملّوا بنَبْشِها الأقلاما
وإذا ما افترى عليكم عدوّ / أيدوه وصدّقوا الأوهاما
وإذا ما جنى عليكم إناس / سكتوا عنهم ومرّوا كراما
كم بأرض البلقان منكم قتيِل / وأيامي مضاعة ويتامى
نثر الظالمون في الأرض منهم / جُثَثاً تملأ الفضاء وهاما
لو أتَينا تلك البلاد رأينا ال / يوم منهم جَماجماً وعظاما
ما نضا في الدفاع عنهم بنو الغر / بِ حساماً ولا أحاروا كلاما
إن تكن هذه السياسة عدلاً / فإلى الظلم نشتكي الآلاما
رحم الله أمةً أصبح الغر / بُ يرى كل ذنبها الإسلاما
أيها القوم مالكم في جمود
أيها القوم مالكم في جمود / أو ما يَستفِزّكم تَفنيدي
كلما قد هززتكم لنُهوض / عدت منكم بقَسوة الجُلمود
طال عَتبي على الحوادث فيكم / مثلما طال مطلها بالوُعود
فمتى سعيُكم وماذا التَواني / وإلى كم أُحثّكم بالنشيد
أنا غِرِّشد شاردات القوافي / أفَلم يُشجكم بها تغريدي
كنت قبلاً أُثني عليكم لأني / أبتغي الحَثَّ بالثناء الحميد
فاتّقوا اليوم صَولةً من يراع / واقفٍ في مواقف التنديد
أيها القوم نحن في عصر علم / جعل الحرب في طراز جديد
جعل الحرب تُدرس اليوم فَنّاً / مُغنياً عن شجاعة الصِنديد
إن للعم في حروب بني العص / ر لَيأساً يفوق بأس الحديد
إذ بدا بأسه الأشدّ فأنسى / كل بأس من الحديد شديد
أيها القوم فادخلوا المعهد الحر / بيّ طوعاً وانضوا ثياب الجمود
واستِدّوا لردِّ كل عدوّ / أنكر الحق ناقضاً للعهود
وأعِزّوا المُلك الذي نبتغيه / بجنود مبثوثة في الحدود
قد دعتكم أوطانكم فأجيبوا / دعوة الآمرين بالتجنيد
نحن لا نقصد الحروب ولكن / نبتغي الذَود عن تُراث الجدود
أرأيتم مُلكاً بغير جنود / إنما الملك قائم بالجنود
فاجمعوا الجيش في العراق ليرعى / ما به من طَريفكم والتَليد
ويردَّ العدوّ عنكم ويحمي / عيشكم من شوائب التنكيد
لا تقرّوا على الهوان وأنتم / عرب من بني الأُباة الصِيد
يكرهون الحياة إلاّ حياةً / ذات عزّ ببأسهم صَيهود
أشرف الموت عندهم هو موت / في صُها الخيل تحت خفق البُنود
وأعزّ الأعمار عمر قصير / تحت ظلّ من السيوف مديد
وأذلّ الحياة عندي حياةٌ / قد أهينت حقوقها بجُحود