القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : علي الجارم الكل
المجموع : 34
صوّرَ اللّه فيكِ معنى الخُلُودِ
صوّرَ اللّه فيكِ معنى الخُلُودِ / فابلُغي ما أردتِه ثمَّ زيدِي
أنتِ يا مِصْرُ جَنَّةُ اللّهِ في الأرْ / ضِ وعَيْنُ العُلاَ وَوَاوُ الوجودِ
أنتِ أمُّ المَجْدَيْنِ بَيْنَ طَرِيفٍ / يتَحَدَّى الوَرَى وبَيْنَ تَلِيدِ
كم جديدٍ عليه نُبْلُ قديمٍ / وقديمٍ عليه حُسْنُ جديدِ
قد رآك الدهرُ العَتِيُّ فَتاةً / وهو طِفلٌ يلهو بِطَوْقِ الوليدِ
شابَ من حَوْلِكِ الزمانُ ومَا زلْتِ / كغُصْنِ الرَّيْحَانَةِ الأُمْلُودِ
أنتِ يا مِصْرُ بَسْمةٌ في فم الْحُسْن / ودمعُ الْحَنانِ فوقَ الْخُدُودِ
أنتِ في القَفْرِ وَرْدَةٌ حَوْلَهَا الشَّوْ / كُ وفي الشوك عِزَّةٌ لِلْوُرُودِ
يَلْثِمُ البحرُ مِنْكِ طِيبَ ثغُورٍ / بَيْنَ عَذْبِ اللَّمَى وبَيْنَ بَرُودِ
يَابْنَة النيلِ أنتِ أحْلَى مِنَ الْحُبِّ / وأَزْهَى من ضاحِكاتِ الوُعُودِ
نَثَرَ النيلُ فيك تِبراً وأوْهَى / لِينُهُ من قسَاوةِ الْجُلمودِ
فَتَنَ الأَوَّلِينَ حَتَّى أشارُوا / نحو قُدْسِيِّ مائهِ بالسُّجُودِ
وَوَشَى للرِّيَاضِ ثوباً وَحَلَّى / كلَّ جِيدٍ من الرُّبَا بعُقُودِ
أنتِ للاّجِئينَ أُمٌّ وَوِرْدٌ / لِظِماءِ القلوبِ عَذْبُ الورودِ
قَدْ حَمَلْتِ السِّراجَ للنَّاسِ وَالكَوْ / نُ غريقٌ في ظلْمَةٍ وخُمُودِ
لا نَرى فيك غيرَ عهدٍ مَجيدٍ / قَرَنتْهُ العُلاَ بعهدٍ مَجيدِ
وجُهودٍ تمثَّلَتْ في صُخُورٍ / وصخورٍ تشَبَّهتْ بجُهُودِ
عِظَمٌ يَبْهَرُ السَّمَاءَ وشَأْوٌ / عَاقَ ذات الْجَناحِ دُونَ الصُّعُودِ
أنتِ يا مِصْرُ صَفْحَةٌ مِنْ نُضَارٍ / لَمَعَتْ بَيْنَ سَالِفَاتِ العُهُودِ
أَيْنَ رَمْسِيسُ والكُمَاةُ حَوَالَيْهِ / مُشاةٌ في الموْكِب المشْهُودِ
مَلأَ الأرضَ والسماءَ فَهذِي / بجنودٍ وهذِهِ بِبُنُودِ
وجُموعُ الكُهَّانِ تهتِفُ بالنَّصْرِ / وتتلو النّشيدَ إثْرَ النَّشيدِ
وبناتُ الوادِي يَمِسْنَ اخْتِيالاً / ويُحييّن بين دُفٍ وَعُودِ
أين عَمْروٌ فتى العُرُوبة والإِقْدامِ / أَوْفَى مُجَاهدٍ بالعقودِ
شَمَريٌّ يُحَطِّمُ السَّيفَ بالسَّيْفِ / ويرمِي الصِّنديدَ بالصِّنديدِ
لَمْ يكن جَيْشُه لدَى الزَّحْف إِلاَّ / قُوَّةَ العَزْمِ صُوِّرتْ في جُنودِ
قِلَّةٌ دَكَّتْ الْحُصون وبَثَّتْ / رِعْدَةَ الرُّعبِ في الْخِضَمِّ العَديِدِ
ذُعِرَ الموت أنَّهم لَمْ يَخافُو / هُ ولم يَرْهَبوا لِقاءَ الحديدِ
ينظرون الفِرْدَوْسَ في ساحةِ الْحَرْ / بِ فيستعجلون أجْرَ الشَّهيدِ
صَعِدُوا للعُلاَ بريشِ نُسورٍ / ومَضَوْا للرَّدَى بِعَزْمِ أسُودِ
أيْنمَا رَكَّزُوا الرِّماحَ تَرى العَدْ / لَ مقيماً في ظلِّها المَمْدودِ
وتَرى المُلْكَ أَرْيحِيَّاً عَلَيْهِ / نَضْرةٌ من سَمَاحَةِ التَّوحيدِ
وترَى العزمَ عابِساً لوُثُوبٍ / وتَرى السيف ضاحكاً في الغُمُودِ
وترى العِلْمَ يلتقي بهُدَى الدّ / ين على مَنْهَجٍ سَوِيٍ سديدِ
ملكُوا الأرضَ لم يسيئوا إِلى شَعْبٍ / ولم يحكموه حُكْمَ العبيدِ
هُمْ جُدُودِي وَأينَ مِثْلُ جُدودي / إِن تَصَدَّى مُفاخرٌ بالجُدودِ
فَسَحُوا صَدْرَهُم لحِكْمِة يُونَا / نَ وآدابِ فارسٍ والهُنُودِ
وأصاروا بالتَّرجَماتِ علومَ الرُّو / مِ وِرْداً للنّاهلِ المستفيدِ
حَذَقوا الطِبَّ والزمانُ عُلاَمٌ / والثقافاتُ رُضَّعٌ في المُهُودِ
وَشُعوبُ الدنيا تُعالِجُ بالسِّ / حْرِ وحَرْق البَخُورِ والتَّعقيدِ
هَلْ ترى لابن قُرَّةٍ من مثيلٍ / أو تَرَى لابن صاعدٍ من نديد
والطبيبُ الكِنْدِيُّ لم يُبْقِ في الطِّ / بِّ مَزِيداً لحاجةِ المسْتَزِيدِ
أَين أين الرَّازيُّ أين بَنُو زُهْ / رٍ دُعاةُ النُّهُوضِ والتَّجْدِيدِ
وابنُ سِينا وأينَ كابنِ نَفيسٍ / عَجَزَ الوَهْمُ عن مداه المَديدِ
هذه أُمَّةٌ من الصَّخرِ كانت / في قِفَارٍ من الحياة وَبِيدِ
تأكُلُ القَدَّ والدُّعَاعَ من الجُو / عِ وتَهْفُو شوقاً لِحَبِّ الْهَبِيدِ
وتُثِيرُ الحروبَ شَعْواءَ جهْلاً / وتدُسُّ الوَئيدَ إِثْرَ الوَئيدِ
نَبعَ النورُ بالنُّبُوَّةِ فِيهَا / فطَوَى صفحةَ اللَّيَالي السُّودِ
ومضَى يملأُ الممالكَ عَدْلاً / بَاسِمَ الوعْدِ مُكفَهِرَّ الوَعيدِ
أَطْلَقَ العقلَ من سَلاَسِلهِ الدُّهْ / مِ ونحّاه عن صَلَيلِ القُيُودِ
بَلغَتْ مِصْرُ في التَّآليفِ أوْجاً / فات طَوْقَ المُنَى بمَرْمىً بَعِيدِ
فاسأل الفاطِميَّ كَمْ من كتابٍ / زَان تاريخَهُ وسِفْرٍ فرِيدِ
والصَّلاحِيُّ والمماليكُ كانوا / مَوْئِلَ العِلْمِ في عُصورِ الرُّكُودِ
تلك آثارُهُمْ شُهُوداً عَلَى المَجْدِ / ومَا هُمْ بحاجَةٍ لشُهُودِ
اتَّئِدْ أيّها القَصِيدُ قَليلاً / أنا أرتاحُ لاتِّئاد القَصيدِ
وإِذا ما ذكرتَ نَهْضَةَ مِصْرٍ / فامْلأ الْخَافِقَيْنِ بالتَّغْرِيدِ
ثم مَجِّدْ مُحمَّداً جَدَّ إسْمَا / عيلَ واصْعَدْ ما شئتَ في التَّمْجيدِ
جاءَ والنَّاسُ في ظَلامٍ من الظُّلْمِ / وعَصْفٍ من الخُطُوبِ شَديدِ
حَسَراتٌ للذُّلِّ في كل وَجهٍ / وسِمَاتٌ للغُلِّ في كلِّ جِيدِ
فَأَزَاحَ الغِطاءَ عنهم فقاموا / في ذُهُولٍ وأقْبَلُوا في سُمُودِ
وهَدَاهُمْ إلى الحياةِ فَسَارُوا / في حِمىً من لِوَائِهِ المَعْقُودِ
كَمْ بُعُوثٍ للغَرْبِ بَعْدَ بُعُوثٍ / وَوُفُودٍ للشرقِ بَعْدَ وُفودِ
غَرَسَ الطبَّ في ثَرَى مُلْكِهِ الخِصْبِ / ورَوَّى من دَوْحِهِ كُلَّ عُودِ
وأَتَى بَعْدَهُ المجدِّدُ إسْمَا / عِيلُ ذُخرُ المُنَى ثِمَالُ الْجُودِ
وَ فُؤَادٌ تعيشُ ذِكرَى فُؤَادٍ / في نعيمٍ من رَحْمةٍ وخُلُودَِ
رَدَّ مَجْداً لِمِصْرَ لَوْلاَ نَدَاهُ / وَحِجَاهُ ما كانَ بالمَرْدُودِ
كلَّ يوْم لَهُ بناءٌ مَشِيدٌ / للمعالي إِلى بِناءٍ مَشِيدِ
ما اعْتَلَى الطِبُّ قِمَّةَ النَّجْمِ إلاَّ / بجِنَاحٍ من سَعْيه المَحْمُودِ
سَعِدَتْ مِصر بالْجَهابِذِ في الطِبِّ / فَكَمْ مِنْ مُحاضِرٍ ومُعِيدِ
وَعَلَى رَأْسِهِمْ أبو الحسن الْجرَّا / ح مَنْ كالرَّئِيس أوْ كالْعَمِيدِ
أيُّها الوَافِدُونَ من أمَمِ الشَّرْ / قِ وأشْبَاله الأُبَاةِ الصِّيدِ
اِهْبطُوا مِصرَ كَمْ بِهَا مِن قلوبٍ / شَفَّها حبكم وكَم من كُبُود
قَدْ رَأيْنَا في قُرْبِكُمْ يَوْمَ عِيدٍ / قَرَنَتْهُ المُنَى إِلَى يَوْمِ عِيدِ
إنَّ مِصراً لكم بلادٌ وأهْلٌ / لَيْسَ في الْحُبِّ بَيْنَنَا من حُدُودِ
جَمَعتْنَا الفُصْحَى فما من وِهَادٍ / فَرَّقَتْ بَيْنَنَا ولا من نُجُودِ
يَصِلُ الحبُّ حَيْثُ لا تَصِلُ الشَّمْس / ويجْتازُ شَامِخاتِ السُّدودِ
أُمَّةَ العُرْبِ آنَ أنْ يَنْهَضَ النِّسْرُ / فَقَدْ طَالَ عَهْدُهُ بالرُّقُودِ
صَفِّقِي بالْجَناحِ في أُذُنِ النَّجْمِ / ومُدِّي فَضْلَ العِنانِ وسُودِي
وأعِيدِي حَضَارةً زانَتْ الدُّنْيَا فكم / وَدَّتِ المُنَى أَنْ تُعِيدِي
إنَّمَا المَجْدُ أَنْ تُرِيدِي وَتَمْضِي / ثُم تَمْضِي سَبَّاقَةً وتُريدِي
لا يَنَالُ العُلاَ سِوَى عَبْقَريٍ / راسِخِ العَزْمِ كالصَّفَاةِ جَلِيدِ
قَدْ أَعَدْنَا عهْد العُرُوبَةِ فِي مِصْرَ / وذِكْرَى فِرْدَوْسِهَا المفْقُودِ
وَبَدأْنَا عَصْراً أغَرَّ سَعِيداً / بِمَليكٍ مَاضٍ أَغَرَّ سَعِيدِ
قَدْ حَبَاه الشبابُ رأياً وعَزْماً / عَلَوِيَّ المَضاءِ والتَّسدِيدِ
قام بالأَمْرِ أَرْيحيّاً رَشِيداً / فَذَكَرْنَا بِهِ عُهُودَ الرَّشِيدِ
إنَّ حُبَّ الفَارُوقِ وَهْوَ وَحِيدٌ / في مَكانٍ منَ القلوب وَحِيدِ
أَلْسُنُ العُرْبِ كلُّهَا دَعَوَاتٌ / ضَارِعَاتٌ بالنَّصْرِ والتَّأْيِيدِ
أبْصَرُوا في السَّماءِ مُلْكاً عَزِيزاً / رافعِ الرَّأْس فَوْقَ صَخْرٍ وَطِيدِ
وَرَأوْا عَاهِلاً يَفِيضُ جَلالاً / مِنْ هُدَى ربِّه العَزِيزِ الْحَمِيدِ
عَاشَ لِلْمُلْكِ وَالعُروُبَةِ ذُخْراً / في نعيمٍ مِنَ الْحَيَاةِ رَغِيدِ
داعِبِ الشرقَ باسماً وسعيدا
داعِبِ الشرقَ باسماً وسعيدا / وائتلِقْ يا صباحُ للناسِ عِيدا
نَسِيَتْ لحنَها الطيورُ فصوِّرْ / لبناتِ الغُصُونِ لحناً جديدا
فزَّعتْها عن الرياضِ خَفافي / شٌ تَسُدُّ الفضاءَ غُبْراً وسُودا
ألِفَتْ مُوحِشَ الظلامِ فودَّتْ / أن تبيدَ الدنيا وألاّ يَبيدا
فاسجَعي يا حمامةَ السلْمِ للكو / نِ وهُزِّي أعطافَه تغريدا
غرِّدي فالدموعُ طاح بها البِشْ / رُ وأضحى نَوْحُ الثَكالَى نشيدا
واسمَعي إنّ في السماء لحُونا / أسمعتِ الترتيل والترديدا
كلّما اهتزَّ للملائكِ صَوتٌ / رجّعْته أنفاسُنا تحميدا
رنَّةُ النصر في السماواتِ والأر / ضِ أعادتْ إلى الوجودِ الوجودا
مَوْلِدٌ للزمان ثانٍ شهدْنا / هُ فيا مَنْ رأى الزمانَ وليدا
سكنَ السيفُ غِمْدَه بعد أنْ صا / ل عنيفاً مُناجزاً عِرْبيدا
ما احمرارُ الأصيلِ إلا دماءٌ / بقيتْ في يَدِ السماء شُهودا
طائراتٌ ترمي الصواعقَ لا تخْ / شى إلاهاً ولا تخافُ عبيدا
أجهدتْ في السرى خوافقَ عِزْري / لَ فرفّتْ من خَلْفهِنَّ وئيدا
كلّما حلّقت بأُفْقِ مكانٍ / تركتْ فيه كلَّ شيءٍ حصيدا
كم سمِعْنا عَزيفَها من قريبٍ / فغدا الرأْيُ والسدادُ بعيدا
يلفَحُ الشيخَ والغلامَ لَظاها / ويُصيبُ الشجاعَ والرِعْديدا
كم وحيدٍ بين الرجامِ بكى أمّ / اً وأمٍ بكتْ فتاها الوحيدا
مُدُنٌ كنَّ كالمحاريبِ أمْناً / ترك الْخَسْفُ دُورَهنَّ سُجودا
وقُصورٌ كانت ملاعبَ أُنْسٍ / أصبحتْ بعد زَهوهِنَّ لُحودا
لَهْف نفسي عَلَى دماءٍ زكيّا / تٍ كَقْطرِ الغمامِ طُهْراً وجُودا
سِلْنَ من خَدِّ كلِّ سيفٍ نُضارا / بعد ما حَطَّم الحديدُ الحديدا
لَهفَ نفسِي عَلَى شبابٍ تحدَّى / عَذَباتٍ الفِرْدَوْسِ زَهْراً وعُودا
لَهفَ نفسِي والنارُ تعصِفُ بالجيْ / شِ فتلقاه في الرياح بَديدا
ذكّرتْنا جَهنّماً كلَّما أُلْ / قِيَ فَوْجٌ صاحتْ تُريدُ المَزيدا
كالبراكينِ إنْ تمشَّتْ وكالب / حر إذا جاشَ بالْحَميم صَهُودا
وإذا الماءُ كان ناراً فَمَنْ يَرْ / جو لنارٍ إذا استطارتْ خُمودا
أُمَمٌ تلتَقي صباحاً على المو / تِ لتستقبلَ المساءَ هُمودا
وفريقٌ للفتك يلقى فريقاً / وحُشودٌ للهَوْلِ تلقى حُشودا
كم حُطامٍ في الأرضِ كان عقولاً / ورَمادٍ في الْجَوّ كان جُهودا
وأمانٍ ونَشْوةٍ وشَبابٍ / ذهبتْ مثلَ أَمسها لن تَعودا
قُبُلاتُ الحسانِ ما زلن في الخَ / دِّ فهل عفَّرَ الترابُ الْخُدودا
ووعودُ الغرامِ ماذا عراها / أغدتْ في الثَرَى الْخضيبِ وعيدا
كم دُموعٍ وكم دماءٍ وكم هَوْ / لٍ وكم أنَّةٍ تفُتُّ الكُبودا
إنَّما الحربُ لعنةُ اللّهِ في الأر / ضِ وشَرٌّ بمَنْ عليها أريدا
صَدَّقَتْ ما رأى الملائكُ من قَبْ / لُ وما كان قولهم تفنيدا
إن الله حكمة دونها العق / ل فَخَلِّ المِراءَ والترديدا
كيف نصفو ونحن من عُنْصِر الط / ينِ فساداً وظلمةً وجُمودا
ذَهَبَ الموتُ بالْحُقودِ فماذا / لو محوتم قبلَ المماتِ الْحُقودا
شهواتٌ تدمِّرُ الأرضَ كي تح / يا وتجتاحُ أهلَها لتسودا
وجنونٌ بالمُلْكِ يعصِفُ بالدن / يا لكي يملِكَ القُبورَ سعيدا
يذبح الطفلَ أعْصَلَ النابِ شيطا / ناً ويحسو دَمَ النساء مَرِيدا
ويُسَوِّي جَماجمَ الناسِ أَبْرا / جا ليبغي إلى السماءِ صُعودا
قد رأينا الأُسودَ تقنَعُ بالقُو / تِ فليتَ الرجالَ كانت أسودا
قُتِلَ العلمُ كيف دبّر للفَتْ / كِ عَتَاداً وللدّمارِ جنودا
فهو كالخمر تَنْشُرُ الشرَّ والإثْ / مَ وإنْ كان أصلُها عُنقودا
أبدعَ المهلكاتِ ثم توارَى / خلفَها يملأُ الوَرى تهديدا
مادتِ الراسياتُ ذُعْراً وخَفَّتْ / مِنْ أفانينِ كَيْدهِ أنْ تميدا
وقلوبُ النجوم ترجُفُ أن يج / تازَ يوماً إلى مَداها الْحُدودا
مُحْدَثاتٌ عزّتْ على عقلِ إبلي / سَ فعَضَّ البنانَ فَدْماً بليدا
عالِمٌ في مكانِه ينسِفُ الأر / ضَ وثانٍ يحُزُّ منها الوَريدا
حَسْرَتا للحياةِ ماذا دهاها / أصبح الناسُ قاتلاً وشهيدا
أصحيحٌ عاد السلامُ إلى الكو / ن وأضحى ظِلاً به ممدودا
ورنينُ الأجْراسِ يصدَحُ بالنص / ر فيا بِشْرَهُ صباحاً مَجيدا
سايَرتْها قلوبُنا ثم زِدْنا / فأضَفْنا لشَدْوِهنّ القصيدا
رَدِّدي ردِّدي ترانيمَ إسحا / قَ وهُزِّي الحسانَ عِطْفاً وجِيدا
أنتِ صُورُ الحياةِ قد بَعَثَ النا / سَ وكانوا جماجماً وجُلودا
قد سئِمنا بالأمسِ صَفَّارةَ الإنْ / ذارِ والوَيْلَ والعذابَ الشديدا
ردِّدي صوتَكِ الحنونَ طويلاً / وابعَثيِ لحنَك الطروبَ مديدا
واهتِفي يا مآذِنَ الشرقِ باللَّ / ه ثناءً وباسمِه تمجيدا
واسطَعي أيها المصابيحُ زُهْراً / واجعَلي شوقَنا إليك وَقودا
قرَّتِ النفسُ واطمأنَّتْ وكانت / أملاً حائرَ الطريقِ شَريدا
ليت شعري ماذا سنجني من النص / رِ وهل تصدُقُ الليالي الوُعودا
وهل الأربعُ الروائعُ كانت / حُلُماً أو مواثِقاً وعُهودا
وهل انقادتِ الممالكُ للعد / لِ فلا سيِّداً تَرى أو مَسُودا
وهل الحقُّ صار بالسلمِ حقّاً / وأذابَتْ لظَى الحروبِ القُيودا
وهل العُرْبُ تستردُّ حماها / وتناجي فِرْدَوْسها المفقودا
وَترى في السلامِ مجداً طريفاً / جاء يُحْيى بالأَمسِ مجداً تَليدا
بذَلتْ مصرُ فوق ما يبذُلُ الطَّوْ / قُ وقد يُسْعِفُ النديدُ النديدا
في فيافيِ صَحْرائِها لَمَعَ النص / رُ وولَّى رُوميلُ يعْدو طريدا
فهي إذْ تنثُرُ الورودَ تُناغي / أملاً ضاحكاً يفوقُ الورودا
وهي ترجو لا بل تريدُ وأَجْدِرْ / بابنةِ النيلِ وَحْدها أنْ تُريدا
جدّدي يا رشيدُ للحبِّ عَهْدَا
جدّدي يا رشيدُ للحبِّ عَهْدَا / حَسْبُنا حسبُنا مِطالاً وصدَّا
جدّدي يا مدينةَ السحرِ أحلا / ماً وعْيشاً طَلْقَ الأسارير رَغْدا
جدّدي لمحةً مضتْ من شبابٍ / مثل زهر الربا يرِفُّ ويندَى
وابعثي صَحْوةً أغار عليها الش / يْبُ حتَّى غدتْ عَناءً وسُهدا
وتعالَيْ نعيشُ في جَنَّةِ الما / ضي إذا لم نجِدْ من العيشِ بُدّا
ذِكْرياتٌ لو كان للدهرِ عِقْدٌ / كنّ في جِيدِ سالفِ الدهر عِقدا
ذِكْرياتٌ مضتْ كأحلام وصلٍ / وسُدىً نستطيعُ للحُلْمِ رَدَّا
قد رشفنا محتومهنَّ سُلافاً / وشممْنا رَيّا شذاهُنّ نَدّا
والهَوى أمْرَدُ المحيَّا يناغي / فِتْيةً تُشبهُ الدنانير مُرْدَا
عبِثوا سادرين فالْجِدُّ هزلٌ / ثمّ جدّوا فصيَّروا الهزلَ جِدّا
ويح نفسي أفدي الشبابَ بنفسي / وجديرٌ بمثلهِ أن يُفَدَّى
إنْ عددنا ليومِه حسناتٍ / شغلتْنا مساوىءُ الشيْبِ عَدّا
جذوةٌ للشبابِ كانت نعيماً / وسلاماً على الفؤادِ وبَرْدا
قد بكيْناه حينَ زال لأنّا / قد جهِلْنا من حَقّه ما يُؤَدّى
وقتلناه بالوقارِ ضلالاً / وهو ما جار مرّةً أو تعدَّى
ما عليهم إن هام عمرٌو بهندٍ / أو شدا شاعرٌ بأيامٍ سُعدى
شُغِفَ الناسُ بالفضُولِ وبالْحِقْ / دِ فإنْ تلقَ نعمةً تلَقَ حِقدا
أرشيدٌ وأنت جنَّةُ خُلْدٍ / لو أتاح الإلهُ في الأرضِ خُلدا
حين سَمّوْكِ وردةً زُهِيَ الحس / نُ وودّ الخدودُ لو كنّ وَرْدا
توّجتْ رأسَكِ الرمالُ بتبرٍ / وجرَى النيلُ تحت رِجْليْك شهدا
وأحاطت بكِ الخمائلُ زُهْراً / كلُّ قَدٍ فيها يعانقُ قَدّا
والنخيلُ النخيلُ أرخت شعوراً / مُرسَلاَتٍ ومدَّت الظلَّ مدّا
كالعذارَى يدنو بها الشوقُ قُرْباً / ثم تنأَى مخافةَ اللّومِ بُعْدَا
حول أجيادِها عقودُ عقيقٍ / ونُضارٍن صفاؤه ليس يصدأ
يا ابنةَ اليمِّ لا تُراعي فإنّي / قد رأيتُ الأمورَ جَزْراً ومدّا
قد يعودُ الزمانُ صفواً كما كا / نَ ويُمسي وعيدُه المُرُّ وعدا
كنتِ مذ كنتِ والليالي جواري / كِ وكان الزمانُ حولَك عبدا
كلّما هامت الظنونُ بماضي / كِ رأتْ عَزْمَةً وأبصرن مجدا
بكِ أهلي وفيكِ مَلْهَى شبابي / ولَكَمْ فيكِ لي مَراحٌ ومَغْدَى
لو أصابتكِ مسّةُ الريحِ ثارت / بفؤادي عواصفٌ ليس تَهْدا
أنا من تُرْبِك النقي وشعري / نفحاتٌ من وَحْيِ قُدْسِك تُهْدى
كنتُ أشدو به مع الناس طفلاً / فتسامَى فصرتُ في الناسِ فَرْدا
من رزايا النبوغِ أنّكِ لا تلْ / قَ أنيساً ولا تَرَى لكَ نِدّا
قد جَزيْناكِ بالحنانِ حَناناً / وجزينا عن خالصِ الوُدِّ وُدّا
ليتَ لي بعد عودتي فيك قبراً / مثلما كنتِ مَنْبِتاً لي ومَهْدا
أصحيحٌ أن الخطوبَ أصابت / كِ وأنّ الأمراضَ هَدَّتْكِ هدّا
وغدا الفيلُ فيكِ داءً وبيلاً / نافثاً سُمَّه مُغيراً مُجِدَّا
كم رأينا من عاملٍ هدَّه الدّا / ءُ وأرداه وَقْعُه فتردَّى
كان يسعَى وراءَ لُقْمةِ خُبْزٍ / ولَكَمْ جدَّ في الحياةِ وكدّا
فغدا كالصريع يلتمسُ الْجُهْ / دَ ليحيا به فلم يَلْقَ جُهدا
إن مشى يمشِ بائساً مستكيناً / كأسيرٍ يجرُّ في الرجْلِ قِدّا
خلفه من بَنيه أتضاءُ جوعٍ / وهو لا يستطيع للجوعِ سَدّا
كلّما مدّ كفَّه لسؤالٍ / أشبعتها اللئامُ نَهْراً وطَرْدا
أمن الحق أن نعيش بِطاناً / ويجوعَ العَليلُ فينا ويصْدَى
وَلكَمْ تلمَحُ العيونُ فتاةً / مثل بدرِ السماءِ لمَّا تبدّى
هي من نَغْمَةِ البشائرِ أحلَى / وهي من نَضْرةِ الأزاهرِ أندَى
تتمنَّى الغُصُونُ لو كنَّ قدّاً / حينَ ماستْ والوردُ لو كان خدَّا
حوّمتْ حولَها القلوبُ فَراشاً / ومشت خلفَها الصواحبُ جُنْدا
وارتدت بالْخِمارِ فاختبأ الحس / نُ يُثير الشجونَ لما تردّى
لعِبتْ بالنهَى فأصبح غَيَّا / كلُّ رُشْدٍ وأصبح الغَيُّ رُشدا
حسَدَ الدهرُ حسنَها فرماها / بسهامٍ من الكوارثِ عَمْدا
طرقتها الحمَّى الخبيثةُ ترمى / بشُواظٍن يزيده الليلُ وَقْدا
روضةٌ من محاسنٍ غالها الإعْ / صارُ حتى غَدَتْ خمائلَ جُرْدَا
حلّ داءُ الفيل العُضالُ برِجْلَيْ / ها وألقَى أثقالَه واستبدّا
كم بكتْ أُمُّها عليها فما أغْ / نَى نُواحٌ ولا التحسُّرُ أجْدَى
ويحَها أين سِحْرها أين صارت / أين ولَّى جمالُها أين نَدّا
أين أين ابتسامُها ذهب الأنُ / سُ ومال الزمانُ عنها وصَدّا
أين فَتْكُ العيونِ لم يترك الدهْ / رُ سيوفاً لها ولم يُبْقِ غِمْدا
أين خلْخالها لقد خلعتْه / وهي تبكي أسىً وتنفُثُ صَهْدا
طار خُطّابُها فلم يَبْقَ فردٌ / وتولَّى حَشْدٌ يحذِّرُ حشدا
لسعتها بعوضةٌ سكنت بِئْ / راً وقد كان جسمُها مستعدّا
إن هذا البعوضَ أهلك نُمْرو / ذَ وأفنَى ما لم يُعَدُّ وأعْدَى
فاحذروه فإنّه شرُّ خَصْمٍ / وتصدَّوْا لحربِه إنْ تصدَّى
جَرِّدوا حَمْلةً على الفيلِ أنجا / داً كراماً ومزِّقوا الفيلَ أُسْدا
أرشيدٌ دونَ المدائنِ تبقَى / مُسْتراضاً لكلِّ داءٍ ووِرْدا
يفتِكُ السم في بَنيها فلا تر / فَعُ كَفّاً ولا تحرِّكُ زَندا
ثم تُلْقي السلاحَ إلقاءَ ذلٍ / والجراثيمُ حولَها تتحدَّى
يا لَعاري فليت لي بين قومي / بطلاً يكشِفُ الشدائدَ جَلْدا
ظَمِىءَ الشْعرُ للثناءِ فهل آ / نَ له أن يفيضَ شكراً وحمدا
مَنْ مُجيرِي مِنْ حالِكات اللّيالي
مَنْ مُجيرِي مِنْ حالِكات اللّيالي / نُوَبَ الدَّهْرِ مالكُن وماليِ
قد طَواني الظلامُ حتّى كأنِّي / في دَيَاجي الوجودِ طَيفُ خَيَالِ
كلُّ ليلٍ لهُ زَوالٌ ولَيْلي / دقَّ أطنابَهُ لِغَيرِ زَوَال
كلُّ ليل له نجومٌ ولكنْ / أينَ أمثالهُنَّ من أمثالي
تَثِبُ الشّمسُ في السماءِ وشَمْسي / عُقِلَتْ دُونَها بألْفِ عِقَالِ
لا أرَى حِينما أرَى غَيرُ حَظِّي / حَالِكَ اللَّونِ عَابِسَ الآمالِ
هو جُبُّ أعِيشُ فيه حزيناً / كاسِفَ النَّفسِ دائمَ الْبَلْبَالِ
ما رأتْ بَسْمةَ الشُّموسِ زَوَايا / هُ ولا دَاعَبتْ شُعَاعَ الْهِلال
فإذا نِمْتُ فالظلاَّمُ أمامِي / أَوْ تيقَّظْتُ فالسَّوادُ حِيالي
أتَقَرَّى الطّريقَ فيه بِكَفِّي / بين شَكٍ وحَيْرَةٍ وضَلال
وأُحِسُّ الهواءَ فهْوَ دَلِيليِ / عن يَميني أَسِيرُ أوْ عَنِ شِمالي
كُلّما رُمْتُ منه يَوْماً خَلاصاً / عَجَزتْ حِيلَتي ورَثَّتْ حِبالي
عَبَثاً أُرْسِلُ الأنِينَ مِن الْجُبِّ إلى / سَاكِني القُصُورِ العَوالي
مَنْ لسَارٍ بِلَيْلةٍ طولُها العُمْرُ / يَجُوبُ الأَوْجالَ لِلأَوْجالِ
مُتَردٍ في هَاوياتِ وِهادٍ / لاهِثٍ فوقَ شامِخَاتِ جِبال
عند صَحْراءَ للأعاصيرَ فيِها / ضَحِكُ الْجِنِّ أو نَحيبُ السَّعالي
لم يَزُرْها وشْيُ الرّبيع ولكنْ / لك ما شئْتَ من نسيجِ الرِّمال
لَيْس للطيرِ فوقَها من مَطارٍ / أو بَنِي الإِنْسِ حَوْلَها من مَجال
خَلَقَ اللّه قَفْرَها ثم سَوَّى / من ثَراهُ أنامِلَ البُخَّالِ
رَهْبةٌ تَملأُ الْجَوانِحَ رُعْباً / وأَدِيمٌ وَعْرٌ كحدِّ النِّصَالِ
وامتدادٌ كأنَّه الأمَلُ الطَّا / ئشُ مَا ضاقَ ذَرْعُهُ بمُحَالِ
سارَ فيها الأعمَى وَحِيداً شريداً / حائراً بينَ وَقْفَةٍ وارْتِحالِ
في هَجِيرٍ ما خَفَّ حَرُّ لَظَاه / بِنَسيمٍ ولا ببرْدِ ظِلاَلِ
مَلَّ عُكّازُه من الضَّرْبِ في الأر / ضِ على خَيْبةٍ ورِقَّةِ حال
يَرْفَعُ الصّوْتَ لا يَرَى مِنْ مُجِيبٍ / أَقْفَرَ الكَوْنُ من قُلُوبِ الرّجال
مَنْ لِهَاوٍ في لُجَّةٍ هِيَ دُنْيا / هُ وأَيَّامُ بُؤسِه المُتَوَالي
ظُلَمٌ بَعضُها يُزاحِمُ بعْضاً / كَلَيالٍ كرَرْنَ إِثْرَ لَيالي
يَفْتَحُ المَوْجُ ماضِغَيْهِ فَيَهْوِي / ثمّ يطْفُو مُحطَّمَ الأوْصال
لا تَرَى منه غيرَ كَفٍ تُنادِي / حينما عَقَّه لسانُ المَقَالِ
والرِّياحُ الرِّياحُ تَعْصِفُ بِالْمِسِكينِ / عَصْفَ الأيّامِ بالآجالِ
يَسْمَعُ السُّفْنَ حَوْلَه ماخِراتٍ / مَنْ يُبَالِي بمِثْلهِ مَنْ يُبالِي
يسمعُ الرَّقْصَ والأهَازيج تَشْدُو / بَيْنَ وَصْلِ الْهَوَى وهَجْرِ الدَّلالِ
شُغِلَ الْقوْمُ عنه بالقَصْفِ واللَّهْوِ / وهامُوا بِحُبِّ بِنْتِ الدَّوَالي
ما لَهُمْ والصَّريعَ في غَمْرةِ اللُّجِّ / يَصُدُّ الأهْوَالَ بالأهْوَالِ
لا يُريدُون أنْ يُشَابَ لهم صَفْوٌ / بِنَوْحٍ للبُؤْسِ أو إِعْوَالِ
هكذا تُمْحلُ القُلوبُ وأَنْكَآ / أن تُباهَى بذلكَ الإِمْحال
هكَذا تُقْبَرُ المُروءةُ في النّا / س ويُقْضَى على كَرِيمِ الْخِلال
مَنْ لهذا الأعْمى يَمُدُّ عصَاه / عاصِبَ البَطْنِ لم يَبُحْ بسُؤَالِ
مَنْ رآهُ يَرَى خَليطاً من البُؤ / سِ هَزيلاً يَسِيرُ في أسْمَالِ
هو في مَيْعَةِ الصِّبا وتَراهُ / مُطْرِقَ الرَّأسِ في خُشُوعِ الكِهَالِ
ساكناً كالظَّلاَمِ يَحْسَبُهُ الرَّا / ءُونَ معْنىً لليأسِ في تِمْثَالِ
فَقَد الضَّوْءَ والحياةَ وهل بَعْد / ضِياءِ العَيْنَيْن سَلْوَى لِسالِ
مَطَلَتْهُ الأيّامُ والناسُ حَقا / فَقَضَى عَيْشَه شَهِيدَ المِطَال
ما رَأَى الرَّوْضَ في مَآزِرِهِ الْخُضْرِ / يُبَاهِي بحُسْنِها ويُغَالي
ما رَأى صفْحةَ السماءِ وَمَا رُكِّبَ / فيها مِنْ باهِرَاتِ الّلآلي
ما رَأى النِّيلُ في الْخمائلِ يَخْتَا / لُ بأذيالِهِ العِراضِ الطِوالِ
ما رَأى فِضَّةَ الضُّحَى في سَنَاها / أوْ تَمَلَّى بعَسْجَدِ الآصالِ
فدعوه يَشْهَدْ جَمَالاً من الإحْسَانِ / إنْ فائه شُهُودُ الْجَمالِ
ودعوه يُبْصِرْ ذُبَالاً من الرَّحْمَةِ / إنْ عَقَّه ضِياءُ الذُّبَالِ
قد خَبَرْتُ الدُّنيا فلم أرَ أَزْكَى / مِنْ يَمينٍ تفتَّحتْ عَنْ نَوال
أيُّها الوَادِعُون يَمْشُون زَهْواً / بَيْنَ جَبْرِيّةٍ وبَيْنَ اخْتِيالِ
يُنْفقُون القِنْطارَ في تَرَفِ العَيْشِ / ولا يُحْسنون بالمِثْقالِ
ويَروْنَ الأَمْوالَ تُنْثَرُ في اللّهْوِ / فلا يَجْزَعون لِلأَمْوَالِ
إِن في بَلْدَةِ المُعِزِّ جُحُوراً / مُتْرَعاتٍ بأدْمُعِ الأَطْفالِ
كلُّ جُحْرٍ بالبُؤْسِ والفَقْرِ مملو / ءٌ ولكنّه من الزَّادِ خالي
بَسَقَتْ فيه للجَرَاثيمِ أفْنا / نٌ تدلَّتْ بكلِّ داءٍ عُضَالِ
لوْ رأيتَ الأشباحَ مِنْ ساكنيه / لرَأيْتَ الأطْلالَ في الأطْلالِ
يَرْهَبُ النُّورُ أنْ يمرَّ به مَرَّا / وتَخْشَى أذَاهُ ريحُ الشَّمَالِ
تَحْسِبُ الطفلَ فِيه في كَفَنِ الموْ / تَى وقَدْ ضمَّه الرِّدَاء البالي
أيّها الأغنياءُ أين نَداكُمْ / بَلَغ السّيْلُ عالياتِ القِلالِ
هُمْ عِيالُ الرَّحمنِ ماذا رأيتُمْ / أَو صَنَعْتُم لهؤلاءِ العِيالِ
رُب أعْمَى له بصيرةُ كَشْفٍ / نَفدَتْ من غَيَاهِبِ الأَسْدالِ
أَخذ اللّه مِنهُ شيئاً وأَعْطَى / وأعَاضَ المِكْيالَ بالْمِكْيالِ
يَلْمَحُ الْخطْرةَ الْخفِيَّةَ للنَّفْ / سِ لها في الصُّدورِ دَبُّ النمَالِ
ويَرَى الحقَّ في جَلالةِ معنا / هُ فيحيا في ضَوْءِ هذا الْجَلالِ
كان شَيْخُ المَعَرَّةِ الكَوْكَبَ السَّا / طِعَ في ظُلْمةِ القُرُونِ الْخَوالي
فأتى وهْوَ آخِرٌ مِثلَما قا / لَ بما نَدَّ عَنْ عُقُولِ الأَوالي
أنقِذُوا العَاجزَ الفَقيرَ وصُونُوا / وَجْهَهُ عن مَذلَّةٍ وابْتِذَالِ
علِّموهُ يَطْرُقْ مِنَ العَيْشِ باباً / وامْنَحُوه مَفَاتِحَ الأَقْفَالِ
لا تضُمُّوا إلى أَسَاهُ عَمَى الْجَهْ / لِ فيلْقَى النكَالَ بَعْد النكَالِ
كُلُّ شيءٍ يُطَاقُ مِنَ نُوَبِ الأَيَّامِ / إِلاَّ عَمَايةَ الْجُهّالِ
علِّموه فالعِلْمُ مِصْباحُ دُنْيا / هُ ولا تكْتفُوا بصُنْعِ السِّلالِ
إِنْ جَفَاهُ الزّمانُ والآلُ والصَحْ / بُ فكونوا لِمِثْله خيرَ آلِ
نزلَ الوَحْيُ في التَّرَفُّقِ بالأع / مَى وبسْطِ اليديْنِ للسُّؤَالِ
سوف تتلو الأجيالُ تاريخَ مِصْرٍ / فأعِدُّوا التاريخَ لِلأَجْيالِ
بالأيادِي الحِسانِ يُمْحَى دُجَى البؤ / سِ وتَسْمُو الشعوبُ نَحوَ الكَمالِ
يَذْهبُ الفقرُ والثَّراءُ ويَبْقى / ما بَنَى الخيِّرونَ من أَعْمالِ
صادِحَ الشَّرْقِ قَدْ سَكَتَّ طَويلاَ
صادِحَ الشَّرْقِ قَدْ سَكَتَّ طَويلاَ / وَعَزِيزٌ عَلَيْهِ أَلا تَقُولاَ
أَيْنَ ذَاكَ الشعْرُ الذي كُنْتَ تزْجِيهِ / فَيَسْرِي في الأرضِ عَرْضاً وطُولا
قَدْ سَمِعْنَاهُ في الْمَزاهِرِ لَحناً / وَسَمِعْنَاهُ في الْحَمامِ هَديلا
وَشَمِمْنَاهُ فِي الْكَمائمِ زَهْراً / وَشَرِبْنَاهُ فِي الكُؤُوسِ شَمُولا
تَنْهَبُ الدُرَّ مِنْ عُقودِ الغَوَانِي / ثُمَّ تَدْعُوهُ فاعِلاتُنْ فَعُولاَ
خَطَرَاتٌ تَسِيرُ سَيْرَ الدَرَارِي / آبِيَاتٍ عَلَى الزمانِ أُفُولاَ
تَخْدَعُ الْجَامِحَ الشمُوسَ مِنَ الْقَوْ / لِ فَيُلْقِي الْعِنانَ سَهْلاً ذَلُولا
غَزَلٌ كالشبَابِ أَسْجَحُ رَيَّا / نُ يُذِيبُ الْقَاسي ويُدْنِي الْمَلُولا
وَنَسِيبٌ يَكادُ يَبْعَثُ فِينَا / مِنْ جَديدٍ كُثَيِّراً وَجَمِيلاَ
وَقَوافٍ سَالَتْ مِنَ اللُّطْفِ حتَّى / لَحَسِبْنَا الْمُجْتَثَّ مِنْهَا طَويلاَ
نَقَدَتْ جَيِّدَ الْكلامِ وَخَلَّت / سَقَطاً مِنْ وَرائِها وفُضُولاَ
عَبِئَتْ بالْوَلِيدِ ثُمَّ أَرَتْهُ / مِنْهُ أَنْقَى مَعْنىً وَأَقْوَمَ قِيلاَ
لَوْ وَعَاهَا مَا اهْتَزَّ يُنْشِدُ يَوْماً / ذَاكَ وادِي الأَرَاكِ فَاحْبِسْ قَلِيلاَ
قِفْ مَشُوقاً أَوْ مُسْعِداً أَوْ حَزيناً / أَوْ مُعِيناً أَوْ عَاذِراً أَوْ عَذولاَ
بَرَزَتْ نَفْسُهُ بِها فَرَأينَا / هُ نَبِيلاً يَنُثُّ قَوْلاً نَبِيلاَ
هَبَطَتْ حِكمَةُ الْبَيانِ عَلَيْهِ / فَاذكُروا في الْكِتابِ إِسْمَاعِيلاَ
لَو شَهِدْتَ الردَى يَحُومُ عَلَيْهِ / وَالْمنَايَا تَرْمِي لَهُ الأُحْبُولاَ
لَرَأَيْتَ الطَّوْدَ الأَشَمَّ الَّذِي كَا / نَ مَنِيعَ الذرَا كَثِيباً مَهِيلاَ
وَرَأَيْتَ الصمْصامَ لاَ يَقْطَعُ الضِغْثَ / وَقَدْ كَانَ صَارِماً مَصْقُولاَ
وَرَأَيْتَ الرُّوحَ الْخفِيفَةَ حَيْرَى / إِنَّ عِبءَ السقَامِ كَانَ ثَقيلاَ
شَيَّعَ الدَّمْعُ يَوْمَ شَيَّعَ صَبْرِي / دَوْلَةً فَخْمَةً وَعَصْراً حَفِيلا
خُلقٌ لَوْ يَمَسُّ هَاجِرَةَ الْقَيْظِ / لأَمْسَتْ عَلَى الأَنَامِ أَصِيلاَ
وَخِلالٌ مِثْلُ النَسِيمِ وَقَدْ مَرَّ / بِزَهْرِ الربَا عَلِيلاً بَلِيلاَ
وَحَديِثٌ حُلْوُ الْفُكَاهَةِ عَذبٌ / لَمْ يَكُنْ آسِناً ولاَ مَمْلُولاَ
يُذْهِلُ الصَبَّ عَنْ أَحادِيثِ لَيْلاَ / هُ وَيُنْسِيهِ حَوْمَلاً وَالدخُولاَ
يقصُرُ اللَّيْلُ حِينَ يَسْمُرُ صَبْرِي / بَعْدَ أَنْ كَانَ نَابِغيّاً طَوِيلاَ
يَوْمَ صَبْرِي هَدَمْتَ لِلْمَجْدِ رُكْناً / وتَرْكْتَ الْعَلْياءَ أُمّاً ثَكُولاَ
يَوْمَ صَبْرِي أَغْمَدْتَ في التُرْبِ سَيفاً / حِينَ جَرَّدْتَ سَيْفَكَ الْمَسْلولاَ
إِنَّمَا نَحْنُ فِي الْحياةِ إِلَى / حِينٍ شَبَاباً وَفِتْيَةً وَكُهُولاَ
نَتَمنَّى الْحَياةَ جِدَّ تَمَنٍ / وَهْيَ لَيْسَتْ إِلاَّ مَتَاعاً قَلِيلاَ
وَقَفَ الطِبُّ حَائراً وَالْمَنَايَا / ساخِرَاتٍ يَغْتَلْنَ جِيلاً فَجِيلاَ
دَوْرَةُ الأَرْضِ كَمْ أَمَدَّتْ قَبِيلاً / بِحَياةٍ وَكَمْ أَبَادَتْ قَبِيلاَ
نَضْرَةٌ فِي أَزَاهِرِ الصُبْحِ تُمْسِي / بَعْدَ لأْيٍ تَصَوُّحاً وذُبُولاَ
رُبَّ قَصْرٍ قَدْ كانَ مَلْعَبَ أُنْسٍ / صَيَّرَتْهُ الأَيَّامُ رَبْعاً مُحِيلاَ
وَفَتاةٍ طَوَى مَحاسِنَهَا الدَهْرُ / بَنَاناً غَضّاً وَخَدّاً أَسِيلاَ
نَأْكلُ الأَرْضَ ثُمَّ تَأْكُلُنَا / الأَرْضُ دَوَالَيْكَ أفْرُعاً وَأُصُولاَ
يا مَلِيكَ الْبَيَانِ دَعْوَةَ خِلٍ / وَجَد الصَبْرَ بَعْدَكُمْ مُسْتَحِيلاَ
أَنا أَرْثِيكَ شاعِراً وأَديباً / ثُمَّ أَبْكِيكَ صَاحِباً وخَلِيلاَ
قلْ لِحَسَّانَ إِنْ مَرَرْتَ عَلَيْهِ / فِي ظِلالِ الْفِرْدَوْسِ يُطْري الرَّسُولاَ
إِنَّ مِصْراً أَحْيَتْ مَوَاتَ الْقَوَافِي / وَأَقَامَتْ عَمُودَهَا أَنْ يَميلاَ
وَأَعَادَتْ إِلَى سَلِيلَةِ عَدْنَا / نَ شَبَاباً غَضّاً وَمَجْداً أَثِيلا
قُلْ لَهُ غَيْرَ فاخِرٍ إنَّ صَبْرِي / بَعْدَ سَامِي هَدَى إِلَيْها السَبِيلاَ
وَيْكَ يا قَبْرُ صِرْتَ لِلْفَضْل مَثْوىً / لا يُسَامَى ولِلنُّبُوغِ مَقِيلاَ
فِيكَ كَنْزٌ لَمْ تَحْوِ أَرْضُ الْفَرَاعِينِ / لَهُ بَيْنَ لاَبَتَيْهَا مَثيلاَ
فِيكَ سِرٌّ الْجَلالِ وَالْخطْبُ فِيهِ / كَانَ يَا قَبْرُ لَوْ عَلِمْتَ جَليلاَ
ضُمَّهُ ضَمَّةَ الْكَمِيِّ حُسَاماً / تَركَ النَّصْرُ حَدَّهُ مَفْلُولاَ
لَهْفَ نَفْسي عَلَيْهِ يَفْتَرِشُ التُرْ / بَ وَقَدْ كَانَ لِلسماكِ رَسِيلاَ
لَهْفَ نَفْسي عَلَيْهِ لَوْ كَانَ يُجْدِي / لَهْفَ نَفْسِي أَوْ كَانَ يُغْنِي فَتِيلاَ
كُنْ عَلَيْهِ يا قَبْرُ رُوحاً وَرَيْحَا / ناً ومَثوىً رَحْباً وَظِلاً ظَلِيلاَ
لَمْ يَمُتْ مَنْ يَزُولُ مِنْ عَالَمِ الْحِسِّ / وَتَأبَى آثارُهُ أَنْ تَزُولاَ
يا ابنةَ السابقين من قَحْطانِ
يا ابنةَ السابقين من قَحْطانِ / وتُراثَ الأمجادِ من عَدْنانِ
أنتِ علّمْتنِي البيان فما لي / كلّما لُحْتِ حار فيكِ بياني
رُبَّ حُسْنٍ يعوق عن وَصْفِ حُسْنٍ / وَجَمالٍ يُنْسي جَمالَ المَعَاني
كنْتُ أشْدو بَيْنَ الطُّيورِ بِذِكْرا / كِ فتعلو أَلْحانَها ألحاني
وأصوغُ الشِّعرَ الذي يَفْرَعُ النَّجْمَ / وتُصْغِي لِجَرْسِه الشِّعْرَيانِ
يا ابنةَ الضادِ أنتِ سرُّ من الْحُسْنِ / تَجلَّى عَلَى بَنِي الإِنسانِ
كنتِ في الْقَفْرِ جَنَّةً ظلَّلَتْها / حالِياتٌ من الْغُصونِ دَواني
لغةُ الفنِّ أنتِ والسحْرِ والشِّعْرِ / ونُورُ الْحِجَا وَوَحْيُ الْجَنانِ
رُبَّ جَيْشٍ من الْحَديدِ تَوَلَّى / واجِفَ القلبِ مِن حَديدِ اللِّسانِ
وبيَانٍ بَنَى لِصاحِبهِ الْخُلْدَ مُطِلاً / مِنْ قِمَّةِ الأزْمانِ
وقصِيدٍ قد خَفَّ حتَّى عَجِبْنا / كَيفَ نالَتْهُ كِفَّةُ الأوْزانِ
بلغ العُرْبُ بالبلاغَةِ والإِسلامِ / أَوْجاً أعْيَا عَلَى كَيْوانِ
لَبِسوا شَمْسَ دَوْلةِ الفُرْسِ تاجاً / ومَضَوْا ف مَغافِرِ الرومان
وجَرَوْا يَنْشرون في الأرْضِ هَدْياً / مِنْ سَنا العِلْمِ أو سَنا القُرآنِ
لا تَضِلُّ الشُعُوبُ مِصْباحُها العِلْمُ / يُؤاخِيهِ راسِخُ الإيمانِ
فإِذا أُطْفِىء السِّراجُ فَمَيْنٌ / وضَلالٌ ما تُبْصِرُ العَينانِ
أَينَ آلُ العبّاسِ رَيْحانَةُ الدهْرِ / وأينَ الكِرامُ مِنْ مَرْوانِ
خَفَتَ الصَوْتُ لا البِلادُ بِلادٌ / يَوْمَ بانوا ولا المغَانِي مَغَانِي
أزهرتْ في حِماهمُ الضادُ حِيناً / وذَوَتْ بَعْدَهُمْ لِغَيْرِ أَوانِ
إِنْ أصاخَتْ فالقَوْلُ غيرُ فَصِيحٍ / أَوْرَنَتْ فالوُجوهُ غيرُ حِسانِ
فمضتْ نحوَ مِصرَ مَثْلَ قَطاةٍ / فَزَّعَتْها كَوَاسِرُ العِقْبانِ
يكدُرُ العَيْشُ مرةً ثم يَصْفو / كَمْ لِهَذِي الْحَياةِ مِنْ أَلْوانِ
ثم هَبَّت زَعازِعٌ تَرَكَتْها / بَيْنَ مُرِّ الأسَى وذُلِّ الهَوانِ
وإِذا نَهْضَةٌ تَدِبُّ بِمِصْرٍ / كَدَبيِبِ الْحَياةِ في الأبْدانِ
وإِذا اليَوْمُ باسمٌ والليالي / مُشِرِقَاتٌ والدَهْرُ مَلْقى العِنانِ
وإذا الضَادُ تَسْتَعِيدُ جَمالاً / كادَ يَقْضِي عَلَيْه رَيْبُ الزَمانِ
نزلتْ في حِمَى فُؤادٍ فأضْحَتْ / مِنْ أَياديه في أعزِّ مَكانِ
مَلِكٌ شادَ لِلْكنانةِ مَجْداً / فَسَمَتْ باسْمِهِ عَلَى البُلدانِ
كُلَّ يَوْمٍ يَمُدُّ لِلْعِلْمِ كفاً / خُلِقَتْ للْوفاءِ والإِحْسانِ
إنّ دارَ العُلُومِ بِنْيَةَ إِسما / عِيلَ تُزْهَى بِه عَلَى كلِّ بانِ
مَنْ يُسامِي أبا المواهِبِ وَالأشْبالِ / في فَيْضِ جُودِهِ أو يُداني
هي في مِصْرَ كَعْبَةٌ بَعَثَ الشَرْ / قُ إليْها طوائِفَ الرُّكْبانِ
قد أَعادتْ عَهْدَ الأعارِيبِ في مِصْرَ / إلى ناعمٍ من العَيْشِ هاني
وأظلَّتْ بِنْتَ الفَدافِدِ والبِيدِ / بأَفْياءِ دَوْحِها الفَيْنانِ
دَرَجَتْ بَيْنَ فِتْيَةٍ وشُيوخٍِ / كلُّهُمْ يَنْتَمِي إلَى سَحْبانِ
وأَطَلّتْ من الخِباءِ عَلَيْهِمْ / فَسَبتْهُمْ بِسِحْرِها الفَتّانِ
فُتِنوا بالعُذَيْبِ والسَّفْحِ والجِزْ / عِ ووادِي العَقيقِ والصمَّانِ
يتلقَّوْنَ وَحْيَها كُلَّ حِينٍ / ويناجُون طَيْفها كُلَّ آنِ
ويُغَنُّونَ باسمِها مثلَ ما غَنَّى / زُهَيْرٌ بِسِيرَةِ ابْنِ سِنانِ
نثرتْ دُرَّها الفَريدَ فكانوا / أسْرعَ الناسِ في الْتِقاطِ الجُمانِ
رُبَّ شَيْخٍ أفنَى سَوادَ الليالي / ساهِدَ العَيْنِ جاهِداً غَيْرَ واني
مِنْ بُحُوثٍ إلَى كتابةِ نَقْدٍ / ثُمَّ مِنْ مُعْجَمٍ إلَى دِيوانِ
يَقْنِصُ الآبِداتِ عَزَّتْ عَلىَ الصيَّدِ / فماسَتْ بَيْنَ الرُّبا والرِّعانِ
سارحاتٍ كأنّها قِطَعُ الوَشْيِ / يُطَرِّزْنَ سُنْدُسَ القِيعانِ
إِنْ تسمَّعْنَ نَبْأَةً غِبْنَ في الرِيحِ / كَسِرٍ يُصانُ بالكتِمانِ
فإِذا ما أَمِنَّ يَحْرجْن أَرْسا / لاً كَخْيلٍ نَشِطْن من أرْسانِ
كلُّ جُزْءٍ في جِسْمِهِنَّ له عَيْنٌ / على الشرِّ أو له أُذُنانِ
لم يَزَلْ صاحبي يُعالِجُ مِنْهُنَّ نِفارا / مُسْتَعْصِياًن ويُعانِي
في فَلاةٍ لا تَحْمِلُ الرِيحُ فيها / غَيْرَ رَنَّاتِ قَوْسِهِ المِرْنانِ
كلّما طارَ خَلفَهُنَّ تَسَرَّبْنَ / هَباءً في غَيْهَبِ النسْيانِ
فتراهُ حِيناً كما وَثبَ اللَّيْثُ / وحِيناً يَنْسابُ كالأُفْعُوانِ
وهي تلهو به فآناً تُجافِيهِ / وآناً تُمْلِي له فَتُداني
مرةً في مدَى يَدَيْهِ وأُخْرَى / ما له باقْتِناصِهِنَّ يَدانِ
لم يَقِفْ نادِماً يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ / فَعالَ الْمُجَوَّفِ الْحَيْرانِ
ثم كانتْ عَواقِبُ الصَبْرِ أَنْ ذَلَّتْ / له الشَارِداتُ بَعْدَ الحِرانِ
مَلَّكَتْهُ أعْناقَها في خُضوعٍ / وَحَبَتْه قِيادَها في لَيانِ
رُبَّ شِعْرٍ لَه يُرَدِّدُه الدهْرُ / فتُصْغِي مَسامِعُ الأكوانِ
يَتَمنََّى الربيعُ لو تَخِذَتْ مِنْهُ / حُلاها ذَوائِبُ الأغْصانِ
من بَناتِ الخيالِ لو كان يُسْقَى / لَعَدَدْناه من بَناتِ الدِّنانِ
ردّدَتْه القِيانُ يُكْسِبْنَهُ حُسْناً / فأرْبَى عَلَى جَمالِ القِيانِ
قد أثارَ الغُبارَ في وَجْهِ مَيْمُو / نٍ وَعَفَّى عَلَى فَتَى ذُبْيانِ
شيِخَةَ الدارِ أنْتُمُ خَدَمُ الفُصْحَى / وحُرَّاسُ ذلكَ البُنْيانِ
لَبِسَتْ جِدَّةَ الصِّبا في ذراكُمُ / وغَدَتْ من حُلاه في رَيْعانِ
غَيْرَ أنَّ الحياةَ تَعْدُو ولا يُدْ / رِكُ فيها طِلاَبَهُ الْمُتوانِي
سابِقوها بالدِينِ والْخُلُقِ السَّمْحِ / وصِدْقِ الوَفاءِ للإِخْوانِ
سابقوها بالْجِدِّ فالْجِدُّ والمَجْدُ / كما شاءتْ العُلا تَوْأمانِ
ذلِّلُوا للشَبابِ مُسْتَعْصِيَ الفُصْحَى / فإِنَّ الرَجَاءَ في الشبّانِ
وانثُرُوها قلائداً وعُقُوداً / تتَحدى قَلائدَ العِقْيانِ
بَسَم الدهرُ أَنْ رآكم بِناءً / عَبْقَرِيّاً مُوَطَّدَ الأركانِ
كم رَجا الدهْرُ أَنْ يُشاهدَ يَوْماً / جَمْعكم سالماً من الشَنَآنِ
إِنّما الكَفُّ بالبَنانِ ولا تُجْدِي / فَتِيلاً كَف بغير بَنانِ
جَمعتْكُمْ أَواصِرٌ وصِلاتٌ / طَهُرتْ من دخَائلِ الأضْغانِ
فاسلُكوا المَهْيعَ القَويمَ وسِيروا / في شُعاعِ الْمُنى وظِلِّ الأَماني
واشكُروا للوزير بِيضَ أيادِيهِ / ومِدْرارَ فَيْضِهِ الهَتّانِ
يَبذُلُ الْخيْرَ فِطْرَةً ليس يَثْنيه / عن الْخَيْر والصَنيعَةِ ثاني
هو ذخْرُ الطُلاّبِ كم وجدوا / فيهِ أَماناً من طَارِقِ الْحَدثانِ
يبْعَثُ الغَيْثَ والرجاءَ لقاصٍ / ويَمُدُّ اليَمينَ بِرّاً لِداني
كم له مِنَّةٌ عَلَى الضَادِ هَزَّتْ / كُلَّ لَفْظٍ فيها إلَى الشكْرانِ
سَعِدَ العِلْمَ واسْتَعَزَّ بِحلْمِي / وغَدَا دَوْحُهُ قريبَ المَجاني
سار مُسترشداً بِهدْيِ مَلِيكٍ / ما لَهُ في أصَالةِ الرَأي ثاني
مَلِكٌ تَسْعَدُ البِلادُ بِنُعْما / هُ ويُزْهَى بنورِه القَمَرانِ
عاشَ للدِينِ والمَكارِمِ / والنُّبْلِ وَبَثِّ الْحَياةِ والعِرْفانِ
ولْيَعِشْ للبِلادِ فاروقُ مِصْرٍ / قُدْوَةَ الناهِضِينَ رَمْزَ الأمَاني
ذاكَ لأْلاؤُهُ وهذا رُواؤُه
ذاكَ لأْلاؤُهُ وهذا رُواؤُه / والضِّياءُ الذِي تَرَوْن ضِياؤُهْ
وبَهاءُ الرِّياضِ كَللَها الغَيْثُ / فتَاهَتْ بنَوْرِهنّ بَهاؤُهْ
والنَّسِيمُ الذِي جَرَى طَيِّبَ النَّشْرِ / جَرَى ذِكْرُهُ به وثَناؤه
ذاك وَجْهُ المَلِيكِ وَجْهُ أَبي الفا / رُوقِ هذَا سَنَاهُ هذَا سَنَاؤه
ظَهَر الرَّكْبُ والقُلُوبُ حَوَالَيْهِ / تُرَجِّيهِ والنُّفوسُ فِدَاؤُه
تَجْتَلِيِه العُيُونُ مُسْتَبْشراتٍ / وبَرِيقُ السُّرور فيها وماؤُه
وهُتَافُ الإِخْلاَصِ يَخترِق الْجوَّ / فتُمْليه واضِحاً أَصْداؤه
وَدَّتِ النَّيِّراتُ لو هَبَطَتْ فِيهِ / فزَاد ازْدِهاءَهُنَّ ازْدهاؤُه
مَوْكِبٌ لم يَنَلْهُ رَمْسِيسُ ذو التَّا / جَيْن في عَصْرِهِ ولا خُلَفاؤه
حَكَموا شَعْبَهمْ ولم يَملكُوهُ / مِقْوَدُ الشَّعْبِ حُبُّهُ ووَلاؤُه
عَاد للقُطْرِ ربُّهُ مثلمَا عا / دَ إِلى المِدْنَفِ العَلِيل شفاؤُه
وَبَدا كالصَّبَاحِ فانْهَزَمَ اللَّيْلُ / وَوَلَّتْ مَذْعُورةً ظَلْماؤه
مَلِكٌ شَادَ لِلْكنَانةِ مَجْداً / أَحْكَمَتْ وَضْعَ أُسِّهِ آباؤُهْ
كُلُّهمْ كانَ لِلْمَحامِدِ بَنّا / ءً أبيّاً عَلَى الزَّمَانِ بِناؤه
هِمَّةٌ تَفْرَعُ السمَاءَ وعَزْمٌ / لَيْس للسَّيْفِ حَدُّهُ وَمَضَاؤه
ونَفَاذٌ في المُعْضِلاتِ برَأْيٍ / ثَاقِبٍ يَكْشِفُ الغُيوبَ ذَكاؤه
ومُحَيّاً فيِه مِنَ اللّه سِرٌّ / كادَ يُغْشِيهِ نُورُهُ وحَيَاؤُه
صَفْحَةٌ خطَّها الإِلهُ ففيها / أَلِفُ النُّبْل لو قَرَأْتَ وياؤُه
بَهَرَ الغَرْبَ طَلْعَةٌ مِنْك كادَتْ / تَتَمَشَّى شَوْقاً لها أَرْجَاؤه
لَمَحُوا عِزَّةً وشَامُوا بِكَفَّيْك / غَمَاماً هَتَّانةً أَنْدَاؤه
وبَدَا للْعيُونِ والدُكَ المِسْمَاحُ / تُحْيِيهِ ثانياً أَبْناؤه
فِيكَ منهُ الْجَبينُ والْخُلُقُ الرَحْبُ / وبُعْدُ المَدَى وفِيكَ إِبَاؤه
لُحْتَ فيهم فأدْرَكُوا صَوْلَةَ الشَّرْ / قِ ومَرَّتْ بِذِكْرِهم أَنْبِياؤه
ورَأوْا في الْجَلالِ تُوتَنْخَموناً / صاعِداً جَدُّه رَفِيعاً لِواؤُه
أَيْنما سَارَ فالْعُيونُ نِطَاقٌ / وقُلوبُ المُجَاهِدينَ وِقَاؤُه
تَتَمَشَّى في رَكْبِه الشَّمْسُ إِكْبَا / راً ويَنْشَقُّ عَنْ سَنَاها رِدَاؤُه
أَنْتَ أعْلَى كَعْباً وأبْقَى عَلَى الدَّهْرِ / وإِنْ زَاحمَ الْخُلُودَ بَقاؤُه
لَو وَزَنَا بما أَقَمْتَ من الدُّسْتُورِ / آلاءَه اخْتَفَتْ آلاؤه
عَجَز الدَّهْرُ أَنْ يُحِيطَ بمَعْنا / كَ وأَلْقَتْ قِيادَها شُعَراؤُه
إنَّ مَنْ رامَ لِلْكَواكِبِ عَدّاً / يَتَساوَى ابتداؤُهُ وانْتهاؤه
أَخْرَجَ الرَّوضُ أَطْيبَ الثمراتِ
أَخْرَجَ الرَّوضُ أَطْيبَ الثمراتِ / هَاتِ ما شِئتَ من قَرِيِضكَ هَاتِ
زَهَراتٌ تَتِيهُ بالغُصْنِ زَهْواً / وغُصونٌ تَتِيهُ بالزَّهَراتِ
صَيَّرتْ صَفْحَةَ الرِّياضِ سماءً / وَتَجنَّتْ فيها عَلَى النَّيِّراتِ
لم تُفَارِقْ كِمَامَها وشذَاها / يَنْشُرُ الطِّيبَ في جَمِيع الْجِهاتِ
تَرْهبُ الرِّيحُ أن تَخدَّ لَهَا / خَدّاً فَتَجْرِي في خَشْيةٍ وَأَنَاةِ
مُصْغياتٌ إِذا الْحمَائمُ رَنَّتْ / بين تلكَ الْخمائِلِ النَّضِرَاتِ
ضاحِكاتٌ إِذا بَكَى عابسُ الغَيْثِ / وفاضتْ عَيْناه بالعَبَرَاتِ
وإِذا ما جَرَى الغَدِيرُ تدَانتْ / لتُحَيِّي الغَدِيرَ بالقُبُلاتِ
إِنَّ للرَّوْضِ في مَعانِيه حُسْناً / فَوْقَ حُسْنِ المَلاَمِحِ الفاتِنَاتِ
كَمْ مِنَ الزَّهْرِ فيه مِنْ سِحْرِ عَيْنٍ / ومِن النَّبْتِ فيه مِنْ قَسَمَاتِ
فانظْرِ الرَّوضَ لا ترَى غَيْرَ تِبْرٍ / من تُرَابٍ ودُرةٍ مِن حَصَاةِ
حَبَّةٌ أَنْبَتتْ سنابلَ سَبْعاً / ثُمَّ مِلءَ الفَضَاءِ من سُنْبُلاتِ
ونَواةٌ جادتْ بنَخْلٍ ونَحْلٍ / وَارِفِ الظِّلِّ دائمِ الثَّمَرَاتِ
يُرْسِلُ الطَّيْرُ في مَداه نَشِيداً / مُوْصِليَّ الأدَاءِ والنَّبَراتِ
يَمْلِكُ النَّفْسَ أينَما نَظَرَتْه / فَهْوَ قَيْدُ النُّفُوسِ والنَّظَرَاتِ
كم تَهادَى مع النَّسِيمِ اخْتِيالاً / كالعَذَارَى يَمِسْنَ في الْحِبَرَاتِ
تَتَناءَى به الظِّلالُ لِجَمْعٍ / ثم تَدْنُو مُدِلَّةً لِشَتَاتِ
مِثْلَ كفِّ الرسَّامِ جاءتْ ورَاحتْ / بَيْن قِرْطَاسِه وَبَيْنَ الدَّوَاةِ
أو كوَجْهِ الحَسْناءِ يَبْدُو ويَخفَى / بين مَيْل الهَوَى وخَوْفِ الوُشَاةِ
كلّما رُمْتَ منه قَطْفَ جَنَاةٍ / سَبقَتْ راحتَيْك ألْفُ جَنَاةِ
وإِذا بارَك الإِلَهُ بأرْضٍ / جَعَل التِّبْرَ في مَكانِ النَّبَاتِ
وحَبَاها خِصْباً إِذا مَسَّ صَخْراً / تَرك الضخرَ جَنَّةَ الجَنّاتِ
رُبّ أَرْضٍ للغَافِلين مَوَاتٌ / وهْيَ لِلْعامِلينَ غَيْرُ مَوَاتِ
إِنْ تَطَلَّعْتَ للرَّغائِبِ فابذُلْ / تِلْك في الدَّهْرِ سُنَّةُ الكَائِناتِ
لَكَ كَفّانِ تلك تُعْطي وهَذِي / تَتَلقّى مَثُوبةَ الْحَسَناتِ
تَرْتَجيِ الْحَصْدَ ثمَّ تقعُدُ في الشَّمْسِ / لك اللّه يا أَخا التُّرَهَاتِ
ضِلَّةً تَطلُبُ الزُّلالَ من النَا / رِ وتَبْغِي غَضارةً من فَلاَةِ
ليس يجْني من السُّبَاتِ سِوى الأحْلاَمِ / فانهَضْ وُقِيتَ شَرَّ السُّباتِ
قَدْ غَرَسْناهُ رَوْضَ عِلْمٍ فأزْرَى / حُسْنهُ بالْحَدَائقِ الباسِقاتِ
وَبذَرْنا به القُلوبَ صِغاراً / وكِرَامَ النُّفُوسِ والمُهَجَاتِ
وسَقَيْنا ثَرَاهُ مَاءً مِنَ الأَذْ / هانِ أَحْلَى مِنْ كُلّ ماءٍ فُرَاتِ
وَغَذَوْنَاه طَيِّباً بجُهودٍ / ضاعَفَتْ مِن ثِمَارِهِ الطَّيِّباتِ
وَحَميْناهُ أن تَعِيثَ به الأَيْدِي / وتَجْنِي عَلَيْه كَفُّ الجُنَاةِ
وجَعَلْنا له مِنَ الْخُلُقِ العَا / لِي سِيَاجاً مُوَثَّق اللَّبِناتِ
وحَفِظْنا من الرِّيَاحِ جَنَاهُ / وَوَقَيْناه شِرَّة الْحَشَراتِ
إِيهِ يا رَوْضَةَ المَعارِف لا زِلْتِ / مَثَابَ الْخيْراتِ والْبَركَاتِ
أَنت أنبَتِّ في ثَرَى النِّيلِ شَعْباً / نافِذَ الرَّأْي طاهِرَ النَّزَعاتِ
أَعْجَز الغَرْبَ هِمَّةً وذَكاءً / وكذَا الشَّرْقُ مَوْطِنُ المُعْجِزاتِ
خُطُواتٌ نَحْوَ المعَالي فِسَاحٌ / لا عَدَاها السَّدادُ مِن خُطُواتِ
سَلكَتْ أوْسطَ الطَّريقِ وجَازَتْ / كُلَّ ما في الطَّرِيقِ من عَقَباتِ
وجُهُودٌ تَمْضِي وتَأتِي جُهُودٌ / مُحْكَماتٌ مَوصُولةُ الْحَلَقَاتِ
نَسَجتْ من جِهَادها لبَنِي مِصْرَ / دُرُوعاً حَصِينةٌ سابِغَاتِ
إِنَّا مَوْلِدُ المَعَارِفِ في مِصْرَ / دَبِيبُ الْحَياةِ بين الرُّفَاتِ
جَلّ رَبِّي آمنتُ باللّه ربي / فالقِ الْحَبِّ باعِثِ الأمْواتِ
أرْسَل اللّه للكِنَانةِ نَدْباً / هِبْرِزيَّ الاعْرَاقِ والعَزَمَاتِ
فأَتاها مُحمَّدٌ جدُّ إِسْما / عيلَ بالْخِصبِ مُورِقاً والْحَياةِ
هلْ رأيتَ النَّجْمَ الذي يَبْهَرُ / العَيْنَ ويَمْحُو دَيَاجِرَ الظُّلماتِ
هل رأيتَ الغَديِرَ يَنْسَابُ في / القَفْرِ فَيهْتَزُّ مُخْصِبَ الْجَنَبَاتِ
هل رأيتَ الْحَياة تَسْرِي إِلى الجِسْمِ / فتُحْيِي عِظَامَه النَّخِرَاتِ
هل رأيتَ الآمالَ بَعْد نِفَارٍ / واقْتبالَ الشَّبَابِ بَعْدَ فَواتِ
لَقِيتْ مصرُ قَبْلَه ما يُلاقِي / غَرَضٌ جَاء في اتجاهِ الرُّمَاةِ
جَهِلوا دَاءَها الدَّفِينَ وشَرٌّ / مِنْ دَفِينِ الأدْواءِ جَهْلُ الأُسَاةِ
نكَثُوا جُرْحَها فسالتْ دِمَاهَا / قَطَرَاتٍ تَجْرِي إِلى قَطَرَاتِ
لا تَرَى في الظَّلامِ للعِلْم إِلاّ / مُقْفِراتٍ من دُورِهِ دارِساتِ
يَكْرهُ الظُّلْمُ كلَّ شيءٍ من الضَّوْ / ءِ ولو كانَ في ابتسامِ الفَتَاةِ
لم يَكُنِْ منْهُ غَيْرُ وَمْضٍ منَ الأزْ / هَرِ يَبْدُو مُفَزَّعَ اللَّمَحَاتِ
كَذُبَالِ المِشْكاةِ قَدْ جَفّ إلاّ / أَثَراً من بُلاَلةِ المِشْكَاةِ
فَأتى مُنْقِذُ البِلادِ فَأَحْيَا / ها بِرَأْيٍ وَعَزْمَةٍ وثَبَاتِ
لو دَعا أَنْجُمَ السَّماءِ لَلبَّتْ / مُهْطِعاتٍ لأمْرِهِ صاغِرَاتِ
شادَ في مِصْرَ للمعَارِفِ دِيوا / ناً مَنِيعَ الأعلامِ والشُّرُفَاتِ
وبَنَى للعُلُومِ خَيْرَ بِنَاءٍ / عَلَوِي فكانَ خَيْرَ البُناةِ
نَهضتْ مِصْرُ بَعدَه نَهَضَاتٍ / تَسْتَحِثُّ الْخُطَا إِلى نَهَضَاتِ
أَرْسَلَ العِلْمُ نورَه فَسَرَى الرَّكْبُ / يقُودُ المُنَى إِلَى الغَايَاتِ
وَرأَيْنا بكُلِّ أَرْض رِياضاً / دانياتٍ قُطُوفُها زَاهِيَاتِ
كلَّ يوم عند الصَّباحِ تَرَى جَيْشاً / مِنَ النَّشءِ صادِقَ الوَثَبَاتِ
جعلو كُتْبَهُم مكانَ المواضِي / ويَراعَاتِهم مكانَ القَنَاةِ
طَلَعوا أَوَّل الغَداةِ فزَانُوا / بِسَنا ضَوْئهمْ جَمَالَ الغَدَاةِ
مِثْلَ سِرْبٍ للطَّيْر هَمَّت خِفَافاً / ثم راحتْ لوَكْرِها مُثْقَلاتِ
نَثَرُوا جَمْعَهم فأبْصَرْتُ فِيهم / أنجُماً في الفَضَاءِ مُنْتَثِرَاتِ
ورأيتُ الفلِذَاتِ تَمْشي على الأرْ / ض فَخلُّوا الطَّرِيقَ للفلْذَاتِ
هُمْ أَمانيُّ مِصْرَ هم مُرْتجاها / هُمْ حَنايا ضُلوعِها الْخافِقَاتِ
مِائةٌ من سِنِي المعارف مَرَّتْ / زَاهياتٍ بما حَوَتْ حافِلاتِ
بَلَغَتْ مِصْرُ في مَداهُنَّ شَأْواً / فوقَ شَأْوِ الكَواكبِ السّابِحاتِ
وغدَا مَجْدُها الْحِديثُ وقد شا / عَ شذَا عِطْره حديثَ الرُّوَاةِ
أصبحتْ كَعْبَةً يَحُجّ إليها الشَّرْ / قُ بين الْخُشُوعِ والإِقْناتِ
تَتَهادَى وحَقَّ أنْ تَتَهادَى / بين ماضٍ زاهي الْجَبينِ وآتي
كلُّ تاريخها كتابٌ منَ الَمْجدِ / كريمٌ مُطَرَّزُ الصَّفَحَاتِ
بَعَثتْ دارِسَ الفُنُونِ وأحْيَتْ / بعد يأسِ الزَّمان أُمَّ اللُّغاتِ
وأعادَتْ إِلَى العُلوم مَنَاراً / كان صُبْحَ الدُّجَى وهَدْىَ السُّرَاةِ
أَنجَبتْ للْبِلادِ أبطالَ عَزْمٍ / هُمْ دُرُوعُ البِلادِ في الأَزَمَاتِ
دَعَوُا الشَّعْبَ للعُلاَ فَرَأَيْنا / خَيْرَ شَعْبٍ أَجابَ خَيْرَ الدُّعَاةِ
أَنْجبَتْ كلَّ عالمٍ بَهَرَ الكَوْ / نَ بآياتِ عِلمِهِ البَيِّناتِ
أَنْجَبتْ كلَّ شاعرٍ عَبْقَريٍ / صادِقِ الْحِسِّ بارعِ اللَّفَتَاتِ
تَتَمنَّى الأزْهارُ لو كنَّ يَوماً / في قَوافِيه مَوضِعَ الكَلِمَاتِ
أنْجبتْ كُلَّ كاتِبٍ يَمْلِكُ السَّمْعَ / بآثارِ فَنِّهِ الْخالِداتِ
أنْجبتْ كُلَّ مِدْرَهٍ وخَطِيبٍ / سَاحِرِ القَوْلِ صَادِقِ الحَمَلاتِ
وَحَمتْ شِرْعة الخلائِقِ أنْ يَعْبَرَّ / صَافي نَميرِها بقَذَاةِ
قد وَلَجْنا الْحَياةَ من كلِّ بَابٍ / فَرَأيْنا الأخْلاقَ بابَ النَّجَاةِ
أصْبحتْ مِصْرُ مَعْهداً لشَبابِ الشَّرْقِ / يَسْعَونَ نَحْوَها بالمِئَاتِ
عَقَدَتْ بَيْننا اللَّيالي صِلاَتٍ / مُحْكَماتٍ أَحْبِبْ بها مِن صِلاَتِ
إِنّ عِيدَ المعَارِفِ اليومَ عِيدٌ / للنُّهَى والْجُهُودِ والذِّكْرَياتِ
عِيدُ يُمْنٍ لمِصْرَ فالدَّهْرُ دانٍ / خاضِعُ الرَّأسِ والزّمانُ مُوَاتي
بَلَغتْ مِصْرُ ما تُرَجِّي وفَازَتْ / بَعْد طُولِ الأَسَى وذُلِّ الشَّكَاةِ
وأطَاحتْ قُيُودَها فَاستقلّتْ / وامْحَى ما تَرَكْنَ مِنْ نَدَبَاتِ
واسْتَعزّتْ بِطلْعةِ المَلِكِ الفَا / رُوقِن زَيْنِ الحِمَى وَفخْرِ الحُمَاةِ
يُشْرِقُ المُلْكُ بالمَلِيكِ ويُزْهَى / بمَجَالي آلائِهِ المُشْرِقَاتِ
تَجْتَلِيه العُيونُ بَدْراً وتفْدِيهِ / عُيونُ الزَّمانِ بالحَدَقاتِ
عَهْدُه في العُهُود أَنْضَرُ عَهْدٍ / كجمَالِ الرَّبِيعِ في الأَوْقَاتِ
بَهَرَ الشِّعْرَ أن يُحيط بمَعْنىً / مِن مَعانِي صِفاتِه الباهِراتِ
عاشَ للعِلْمِ والبلادِ هُماماً / أرْيَحيّاً وعاشَ للمَكْرُمَاتِ
يَابَنْتِي إِنْ أردْتِ آيةَ حُسْنٍ
يَابَنْتِي إِنْ أردْتِ آيةَ حُسْنٍ / وجَمالاً يَزِينُ جِسْماً وعَقْلاَ
فانْبِذِي عادةَ التَّبرجِ نَبْذاً / فجمالُ النُّفوسِ أسْمَى وأعْلَى
يَصْنَع الصّانِعُون وَرْداً ولَكِنْ / وَرْدَةُ الرَّوض لا تُضَارَعُ شَكْلا
صِبْغَةُ اللّهِ صِبْغَةٌ تَبْهَر النَّفْ / سَ تعالى الإلَهُ عَزّ وجَلاّ
ثمَّ كُوني كالشَّمس تَسْطَع لِلنَّا / سِ سَواءً مَْ عَزّ مِنْهُم وَذلاّ
فامْنَحِي المُثْرِيَاتِ لِيناً ولُطْفاً / وامْنَحِي البائساتِ بِرّاً وفَضْلا
زِينَةُ الوَجْه أَن تَرَى العَيْنُ فيه / شَرَفاً يَسْحَرُ العُيُونَ ونُبْلا
واجعَلِي شيِمةَ الْحَيَاءِ خِماراً / فَهْوَ بِالْغَادة الكَريمةِ أَوْلَى
ليس لِلْبِنْت في السَّعادة حَظُّ / إن تَنَاءَى الحياءُ عَنْها ووَلَّى
والْبَسِي مِنْ عَفَاف نَفْسِكِ ثوْباً / كلُّ ثَوْب سِوَاه يَفْنَى ويَبْلَى
وإذا ما رأَيتَ بُؤْساً فَجُودِي / بدُموع الإِحْسَان يَهْطِلْن هَطْلا
فدُمُوع الإِحسان أَنْضَر في الْخدّ / وأَبَهى من اللآلِي وأَغْلَى
وانظُرِي في الضَّمير إِن شِئْتِ مرآ / ةً ففيه تبدُو النفوسُ وتُجْلَى
ذاكَ نُصْحِي إلى فتَاتِي وسُؤْلي / وابْنَتَي لا ترُدّ للأَب سُؤْلا
مَلَّ مِنْ وَجْدِهِ وَمِنْ فَرْطِ مَا بِهْ
مَلَّ مِنْ وَجْدِهِ وَمِنْ فَرْطِ مَا بِهْ / وَأرَاقَ الشَّرَابَ مِنْ أَكْوَابِهْ
وَإذَا الْقَلْبُ أَظْمَأَتْهُ الأَمَانِيُّ / فَمَاذَا يُرِيدُهُ مِنْ شَرَابِهْ
وَإِذَا النَّفْسُ لَمْ تَكُنْ مَنْبِتَ الأُنسِ / تَنَاءَى الْقرِيبُ مِنْ أَسْبَابِهْ
وَأَشَدُّ الآلاَمِ أَنْ تُلْزِمَ الثَّغْرَ ابتسَاماً / والْقَلْبُ رَهْنُ اكتِئَابِهْ
كُلَّما اخْتَالَ فِي الزَّمانِ شَبَابٌ / عَصفَتْ رِيحُهُ بِلَدْنِ شَبَابِهْ
وَالنُّبُوغُ النُّبُوغُ يَمْضِي وَتَمْضِي / كلُّ آمَالِ قَوْمِهِ فِي رِكَابِهْ
غَرِدٌ مَا يكَادُ يَصْدَحُ حَتَّى / يُسْكِتَ الدَّهْرُ صَوْتَهُ بِنُعَابِهْ
وَحَبَابٌ إِذَا عَلاَ الْمَاءَ وَلَّى / فَاسْأَلِ الْمَاءَ هَلْ دَرَى بِحَبَابِهْ
وَسَفِينٌ مَا شَارَفَ الشَّطَّ حَتَّى / مزَّقَ الْيَمُّ دُسْرَهُ بِعُبَابِهْ
بَخِلَ الدَّهْرُ أَنْ يُطَوِّلَ لِلْعَقْلِ / فَيَجْرِي إلَى مَدَى آرَابِهْ
كلَّمَا سَارَ خُطْوَةً وَقَفَ الْمَوْ / تُ فَسَدَّ الطَّرِيقَ عَنْ طُلاَّبِهْ
وَابْتِدَاءُ الْكَمَالِ في عَمَلِ الْعَا / مِلِ بَدْءُ الشَّكاةِ مِنْ أَوْصَابِهْ
ضِلَّةً نَكْتُمُ الْمَشِيبَ فَيَبْدُو / ضَاحِكاً سَاخِراً خِلاَلَ خِضَابِهْ
أَيْنَ مَنْ يَسْتَطيعُ أَنْ يُرْشِدَ الدُّنيا / وَسَوْطُ الْمَنُون في أَعْقَابِهْ
أَيُّهَا الْمَوْتُ أَمْهِلِ الْكَاتِبَ / الْمِسْكِينَ يُرْسلْ أَنْفَاسَه في كِتابِهْ
آهِ لَوْ يَشْتَري الزَّمَانُ قَرِيضي / بِسِنينٍ تُعَدُّ لِي في حِسَابِهْ
مَا حَيَاتِي وَالْكَوْنُ بَعْدَ جِهَادٍ / لَمْ أَزَلْ وَاقِفاً عَلَى أبْوابِهْ
تَظْمَأُ النَّفْسُ في حَيَاةٍ هِيَ الْقَفْرُ / فَرْضَى بِنَهْلَةٍ مِنْ سَرَابِهْ
أنَا قَلْبِي مِنَ الشَّبَابِ وَجِسْمِي / أَثْخنَ الشَّيْبُ رَأْسَهُ بِحِرَابِهْ
أَمَلٌ هَذِهِ الْحَياةُ فَهَلْ يَعْثُرُ بِي / الْمَوتُ دُونَ وَشْك طِلاَبِهْ
كُلَّمَا رُمْتُ لَمْحَةً مِنْ سَنَاهُ / هَالَنِي بُعْدُهُ وَطُولُ شِعَابِهْ
مَا الَّذِي تَبْتَغِي يَدُ الدَّهْرِ مِنِّي / وَدَمِي لا يَزَالُ مِلءَ لُعَابِهْ
دَعْ يَرَاعِي يا دَهْرُ يَمْلأ سَمْعَ النَّيِل / مِنْ شَدْوِهِ وَعَزْفِ رَبَابِهْ
كُلُّ شَيْءٍِ لهُ نِصَابٌ سِوَى الْفَنِّ / فَلاَ حَدَّ يَنْتَهِي لِنِصَابِهْ
عَصَفَتْ صَيْحَةُ الرَّدَى بِخطِيبٍ / وَهْوَ لَمْ يَعْدُ صَفْحَةً مِنْ خِطَابِهْ
سَكْتَةٌ أسْكَتَتْ نَشِيجَ خِضَمٍ / عَقَدَ النَّوْءُ لُجَّهُ بِسَحَابِهْ
سَكْتَةٌ أَطْفَأَتْ مَنَارَ طَرِيقٍ / كَمْ مَشَتْ مِصْرُ في ضِيَاءِ شِهَابِهْ
وَمَضى قَاسِمٌ وَخَلُّف مَجْدّاً / تَفْرَعُ النَّجْمَ رَاسِيَاتُ قِبَابِهْ
قَدْ نَكِرْنَاهُ حِين قَامَ يُنَادِي / وَفَهِمْنَا مَعْنَاهُ يَوْمَ احْتِسَابِهْ
رُبَّ مَنْ كُنْتَ في الْحَيَاةِ لَهُ حَرْ / باً شَقَقْتَ الْجُيُوبَ عِنْدَ غِيابِهْ
وَتَحدَّيْتَ شَمْسَهُ فَإِذا وَلَّى / تَمنَّيْتَ لَمْحَةً مِنْ ضَبَابِهْ
لَمْ يَفُزْ مِنْكَ مَرَُّّةً بِثنَاءٍ / فَنَثَرْتَ الأزْهَارَ فَوْقَ تُرَابِهْ
يُعْرَفُ الْوَرْدُ حِينَمَا يَنْقَضِي الصَّيْفُ / وَيُبْكي النُّبُوغُ بَعْدَ ذَهَابِهْ
كَمْ نَدَبْنَا الشَّبَابَ حِينَ تَولى / وَشُغِفْنَا بالْبَدْرِ بَعْدَ احْتِجَابِهْ
كَتَبَ اللّهُ أَنْ يَعَيشَ غَريباً / كُلُّ ذِي دَعْوَةٍ إلى الْحَقِّ نَابِهْ
لا تَرَى فَوْقَ قِمَّةِ الطَّوْدِ إِلاَّ / بَطَلاً لا يَهَابُ هَوْلَ صِعَابِهْ
كُلُّ ذَاتِ الْجَنَاحِ طَيْرٌ وَلَكِنْ / عَرَفَ الْجَوُّ نَسرَهُ مِن غُرَابِهْ
كَمْ رَأَيْنا في النَّاسِ مَن يَبْهَرُ الْعَيْنَ / وَمَا فِيهِ غَيْرُ حُسْنِ ثِيابِهْ
يَمْلأُ الأرضَ وَالسَّماءَ رِيَاءً / وَعُيُوبُ الزَّمَانِ مِلءُ عِيابِهْ
نَقَدَ النَّاسَ قَاسِماً فَرَأَوْهُ / أَصبَرَ النَّاسِ في تجَرُّعِ صَابِهْ
حُجَّةُ الْجَاهِلِ الْمِرَاءُ فَإِنْ شَا / ءَ سُمُوّاً أَمَدَّهَا بِسِبَابِهْ
قَدْ يُغَشِّي الْوِجْدَانُ بَاصِرَةَ الْعَقْلِ / فَيُعْمِيِه عَنْ طَرِيقِ صَوَابِهْ
صَالَ بِالرَّأْيِ قَاسِمٌ لاَ يُبَالِي / ومَضَى فِي طَريقِهِ غَيْرَ آبِهْ
كمْ جَريءٍ لا يَرْهَبُ السَّيْفَ إنْ سُلَّ / وَنِكْسٍ يَخافُ مَسَّ قِرَابِهْ
وَالشُجَاعُ الَّذي يُجَاهِرُ بِالْحَقِّ / وَلَوْ كَانَ فِيهِ مُرُّ عَذَابِهْ
كَيْفَ يَهْدِي النَّصِيحُ إِنْ ريعَ يَوْماً / مِنْ قِلَى مَنْ يُحِبُّ أَوْ إِغْضَابِهْ
وَطَريقُ الإِصْلاَحِ في كُلِّ شَعْبٍ / عَسِرُ الْمُرْتقَى عَلَى مُجْتَابِهْ
يَعْشَقُ الشُّعْبُ مِنْ يُدَلِّلُهُ زُو / راً بِمَذْقٍ مِنْ سُخْفِهِ وَكِذَابِهْ
قُمْتَ لِلْجَهْلِ تَقْلِمُ الظُّفْرَ مِنْهُ / وَتَفُضُّ الْحِدَادَ مِنْ أنْيَابِهْ
فِي زَمَانٍ كَانَ الْقَديِمُ بِهِ قُدْ / ساً يُذَادُ الْجَدِيدُ عَنْ مِحْرَابِهْ
يَا نَصِيرَ النِّسَاءِ وَالدِّينُ سَمْحٌ / لَوْ وَعَيْنَا السَّرِيَّ مِنْ آدَابِهْ
قَدْ خَشِينَا عَلَى الْحَمائِمِ في الدَّوْ / حِ أَظَافِيرَ بَازِهِ أَوْ عُقَابِهْ
إِنْ أَرَدْتَ الظِّبَاءَ تَمْرَحُ فِي السَّهْلِ / فَطَهِّرْ أَكْنَافَهُ مِنْ ذِئابِهْ
كَمْ ضِرَاءٍ وَسْطَ الْمَدَائِنِ أَنْكى / مِنْ ضِرَاءِ الضِّرْغَامِ في وَسْطِ غَابِهْ
وَشِبَاكٍ مِنَ الْجَرائِمِ وَالْختْلِ / حَوَاهَا شَيْطانُهُمْ فِي جِرَابِهْ
وَإذَا مَا الْحَيَاءُ لَمْ يَسْتُرِ الْحُسْنَ / فَمَاذَا يُفِيدُهُ مِنْ نِقَابِهْ
قُمْتَ تَدْعُو الْبَنَاتِ لِلْعِلْمِ فَانْظُرْ / كَيْفَ حَلَّقْنَ فَوْقَ شُمِّ هِضَابِهْ
وَزَهَا النِّيلُ بابْنَةِ النِّيلِ فَاخْتَا / لَ يَجُرُّ الذُّيُولَ مِنْ إِعجَابِهْ
وَغَدَا الْبَيْتُ جَنَّةً بِالَّتي فِيهِ / خَصِيباً بِالأُنْسِ بَعْدَ يَبَابِه
يَا فَتَى الْكُرْدِ كَمْ بَرَزْتَ رِجَالاً / مِن صَميمِ الْحِمَى وَمِنْ أَعرَابِه
نَسَبُ الْمَرْءِ مَا يَعُدُّ مِنَ الأْعمَالِ / لا مَا يَعُدُّ مِنْ أَنْسَابِه
كَمْ سُؤَالٍ بَعَثْتَ إِثْرَ سُؤَالٍ / أَيْقَظَ النَّائِمينَ رَجْعُ جَوَابِه
كُنْتَ فِي الْحَقِّ لِلإِمَام نَصِيراً / وَالْوَفِيَّ الصَّفِيَّ مِنْ أَصْحَابِه
نَمْ هنِيئاً فَمِصْرُ نَالَتْ ذُرَا الْمَجْدِ / وَفَازَتْ بِمَحْضِهِ وَلُبَابِه
مِنْكَ عَزْمُ الدَّاعي وَفَضْلُ الْمُجَلِّي / وَمِنَ اللّهِ مَا تَرَى مِنْ ثَوَابِه
يا خَلِيلَيّ خَلِّيانِي ومَا بي
يا خَلِيلَيّ خَلِّيانِي ومَا بي / أَوْ أعِيدَا إِلَيَّ عَهْدَ الشَّبابِ
حُلمٌ قد مَضَى وَأَيّامُ أُنْسٍ / ذَهبتْ غيرَ مُزْمِعاتِ الإِيَابِ
وَأَزَاهِيرُ كُنَّ تَاجَ عَرُوسٍ / عُفِّرَتْ بَعدَ لَيْلةٍ في التُّرابِ
وبِساطٌ للشَّاربينَ يُصَلِّي / فيه إِبْريقُهم بلا مِحْراب
في حَدِيثٍ أَحْلَى من الأَمَلِ الْحُلْوِ / وَأَصْفَى دِيباجَةً مِنْ شَرابِ
كلُّ فَصْلٍ كأَنه صَفْحَةُ الرَّوْ / ضِ وَعِنْد العُقَارِ فَصْلُ الْخِطابِ
ومُجُون يَحُوطُه الأَدَبُ الْجَمُّ / فما رَاعَه اللّسانُ بِعَاب
يَتَغَنَّوْنَ بالنُّواسِيِّ حِيناً / وَبِشِعْر الفَتَى أَبي الْخَطَّابِ
كُلَّما هَزَّتِ المُدَامُ يَدَيْهِمْ / قَهْقَهَتْ ثُلَّةٌ مِنَ الأكْوَاب
صاحَ فيهم دِيكُ الصَّباحِ فَطارُوا / كلُّ جَمْعٍ لفُرْقَةٍ واغْتِرابِ
يا شَباباً أَقام أَقْصَرَ مِنْ حَسْوَةِ / طَيْرٍ عَلَى وَحىً وَارْتِيابِ
لَكَ عُمْرُ النَّدَى يَطِيرُ مَعَ الشَّمْسِ / وَعُمْرُ الْبُرُوقِ بَيْنَ السَّحابِ
كُنْتَ فِينا كما لَمَحْنَا حَباباً / فَنَظَرْنَا فَلمْ نَجِدْ مِن حَبَاب
وَعَرَفْناكَ مُذْ ذَهَبْتَ كما يُعْرَفُ / فَضْلث النُّبُوغِ بعدَ الذَّهَابِ
مُذْ خَلَعْنا ثِيابَكَ القُشْبَ لم نَنْعَمْ / بِشَيءٍ مِنْ مُنْفِساتِ الثّيابِ
وَرَأَيْنا في لَوْنِك الفَاحِمِ اللمّا / حِ هُزْواً بلَوْنِ كلِّ خِضَاب
أَيْنَ لَوْنُ الْحَيَاةِ والقَهْرِ والقُوَّةِ / مِنْ لَوْنِ ناصِل الأعْشاب
يا سَوَادَ العُيُونِ يا حَبَّةَ القَلْبِ / ويا خَالَ كُلِّ خَوْدٍ كَعَابِ
سَرَقَ اللَّيْلُ مِنْك لَوْناً فأمْسَى / مَسْرَحَ اللَّهْوِ مَوْطِنَ الإِطْرَابِ
وَرَأَى فيك أَحْمَدٌ لَوْنَ كافُو / رٍ فَغَنَّى خَوالِدَ الآدَابِ
بَسْمَةٌ للزَّمَانِ أَنْتَ ثلَتْها / كَشْرَةٌ للزَّمَانِ عَنْ أَنْياب
كُلَّما رُمْتُ خَدْعَ نَفْسِي بنفْسِي / كَشَفَتْ لي المِرْآةُ وَجْهَ الصَّوَابِ
رُبَّ صِدْقٍ تَوَدُّ لو كَانَ كِذْباً / وكِذَابٍ لو كانَ غَيْرَ كِذَاب
لَيْتَ لي لَمْحَةً أُعِيدُ بها مِنْكَ / بَقَايا تِلكَ الأَمَانِي العِذَابِ
حَيْثُ أَخْتَال ناضِرَ العُودِ بَسَّا / ماً كَثيرَ الهَوَى قَلِيلَ العِتَابِ
في صِحَابٍ مِثْلِ الدَّنانِيرِ لا تبْلَى / مَودّاتُهم بطُولِ الصِّحَابِ
بوُجُوهٍ غُرٍّ تَرَاها فَتَتْلُو / في أَسَارِيرِها سُطُورَ كِتَاب
نَسْبِق الْخطْوَ للسُّرُور وِثاباً / لا تُنَال المُنَى بغَيْر الوِثَاب
وَنَجُرُّ الذُّيولَ في غَيْرِ نُكْرٍ / طَاهِرِي النَّفْسِ طاهِري الْجِلْبابِ
إِنْ دَعَانا الهَوَى لغَيْرِ سَدِيدٍ / سَدَّدَتْنا كَرَائمُ الأَحْسَاب
زَيْنَبٌ أَيْنَ مِنْك زَيْنَبُ والشَّملُ / جَميعٌ والعَيْشُ خِصْبُ الْجَنَاب
وَبنَاتُ الثُّغُورِ يَلْعَبْن بالأَلْبابِ / لِعْبَ الشَّمُولِ بالأَلْبابِ
يَتَظَاهَرْن بالْحِجَأب وَهَلْ أَذ / كَى الجَوَى غَيْرُ لُؤْمِ ذاك الحِجابِ
كَم وُجوهٍ تَنَقَّبَتْ بسُفُورٍ / ووُجُوهٍ قد أَسْفَرت بِنقَاب
أَيْنَ تِلْك الأَيّام بَانَتْ وبنّا / وَتَوَلَّتْ بَشَاشَةُ الأَحْباب
لَيْتَ شِعْري أَيَرْجعُ الأَمسُ عَهْداً / غَصَبتْه الأيَّامُ أيَّ اغْتِصابِ
عَهْدَ دارِ العُلومِ أَنْتَ يَدَ الدَّهْر / جَمَالُ الدُّهُورِ والأَحْقَاب
إنْ ذَكَرْناكَ هَزَّنا الشَّوْق للشَّوْ / قِ وَلَهْوِ اللِّدّاتِ وَالأَترَاب
أَنْتَ خِدْنُ الشَّبابِ بَيْنكما في الْوَهمِ / قُرْبَى وَشِيجةُ الأَنْسابِ
فكأنِّي أَرَى الزَّمَانَ وَقَدْ دَا / رَ وَعادَ الصِّبا نَضِيرَ الإِهَاب
وَأرَى الْجَارِمَ الفَتِيَّ يَقُودُ الْحَشْدَ / في جَحْفَلٍ مِنَ الطُّلاَّب
وَاثِباً لاهِياً لَعُوباً ضَحوكاً / غيْرَ مَا وَاجلٍ وَلا هَيَّابِ
وَاثقاً بالإِله لَيْسَ يَرَى الصَّعْبَ / سِوَى أَن تَهابَ خَوْضَ الصِّعَاب
فَهْوَ كالطَّائرِ الطَّلِيقِ فَحِيناً / في وِهَاد وَمَرَّةً في هِضَاب
عابِثٌ بالغُصُونِ في ظِلِّ رَوْضٍ / حَاكَ أَفْوافَه مُلِثُّ الرَّبَاب
يَحْمِل الكُتْبَ في الصَّبَاحِ وَلِلآ / مالِ في صَدْرِه نَئِيجُ العُبَاب
رَأْسُه رَأْسُ مالِه وامتِلاءُ الرَّأْ / س خَيْرٌ من امْتِلاء الوِطَاب
كُلُّ يَوْمٍ في الامْتِحاناتِ هَيْنٌ / خَطْبُهُ غَيْرَ خَطْبِ يَوْمِ الْحِسَاب
إِيهِ دارَ العُلُوم كُنْتِ بِمصْرٍ / في ظَلامِ الدُّجَى ضِيَاءَ الشِّهَاب
في زَمانٍ مَنْ كَانَ يُمْسكُ فِيه / قَلَماً عُدَّ أَكْتَب الكُتَّاب
أَنْتِ أُمُّ الأَشْبالِ إنْ غَابَ لَيْثٌ / صالَ لِلْحَقِّ بَعْدَه لَيْثُ غَابِ
تَلدين البَنِينَ مِنْ كُلِّ ماضٍ / شَمَّرِيٍ مُزَاحِمٍ وَثَّاب
شاعِرٍ يُنْصِتُ الوُجُودُ إذا قَا / لَ وَيَهْتَزُّ هِزَّةَ الإِعْجَاب
شِعْره زَفْرَةُ الغرَامِ تَعالَتْ / عن قُيُود الأَوْتَأدِ والأَسْبَاب
تَتَغَنّى به العَذَارَى فَيْبعَثْن / الهَوَى بعد صَحْوةٍ وَمَتَاب
تَخِذَتْ فيكِ بِنْتُ عَدْنَانَ داراً / ذَكَّرَتْها بَدَاوَةَ الأَعْرَاب
عَادَها الْحُسْنُ في ذَرَاكِ ورَوَّا / هَا عَلَى غُلَّةٍ نَمِيرُ الشَّبَابِ
وَغَدَتْ في عُطَاظَ بَيْنَ شُيُوخٍ / فَتَنَتْهم بسِحْرِها الْخلاَّب
خَلَعُوا في طِلابِها جِدَّة العُمْرِ / وقَدْرُ المَطْلوبِ قَدْرُ الطّلاَب
وَدَنَوْا من خِبَائها فَأَرَتْهم / ثَمَراتِ النُّهَى وَسِرَّ الكِتَاب
لَكِ دَارَ العُلومِ في كُلِّ نَفْسٍ / أَثَرُ القَيْنِ في صِقَال الْحِرَابِ
حَسْبُ مُطْرِيك أَنَّ كلَّ نَجيبٍ / نَفْحَةٌ مِنْ رِجَالِكِ الأَنْجَاب
أنْتِ كالنِّيلِ كُلَّما مَسَّ جَدْباً / هَزَّهُ بالنَّمَاءِ والإِخْصَاب
كِيمِياءُ العُقُولِ أنتِ تصوغِينَ / نضاراً من النُحاسِ المُذَابِ
إنَّ خَمسِينَ حِجَّةً قد كَفَتْ مِنْكِ / لِمَلْءِ الدُنْيا بكلِّ عُجاب
نَهَضَتْ مِصْرُ نَهْضَةَ النَسْرِ فيها / واسْتَوَتْ فوْقَ مُسْتَقرِّ العُقاب
كُلُّ عامٍ كأنَّهُ خُطْوَةُ الْجَبارِ / أو وَثْبَةُ الأُسُودِ الغِضاب
كُلُّ عام كأنَّه عَلَمُ النَصْرِ / بِكَفِّ المُظَفَّرِ الغَلاَّب
كُلُّ عَامٍ كَطَالِعِ السَعِدْ شِمْنَا / هُ عَلَآ طُولِ غَيْبةٍ وَاْحِتجاب
كُلُّ عامٍ كالفَجْرِ يَهْزِمُ لَيْلا / نَابِغِيَّ الهُمُومِ والأَوْصاب
كُلُّ عامٍ كأنَّهُ الأَمَلُ الضَا / حِكُ وافاكَ بعدَ طُولِ ارْتقابِ
كُلُّ عامٍ كَوَافِدِ الْغَيْثِ تَلْقَا / هُ وُجُوهُ الرِّياضِ بالترْحابِ
لا تَهابِي دارَ العُلُومِ مُلِمّاً / آفةُ المجدِ والعُلاَ أَنْ تَهابي
إنّ ف مِصْرَ لو عَلِمْتِ قُلُوباً / وَاجِفَاتٍ لقَلْبِكِ الوَجَّاب
سَتَنَالِينَ بالمَليكِ فؤادٍ / كلَّ ما تَرْتَجينَ مِنْ آرَاب
لا تُرَاعِي وفي الكِنَانةِ سَعْدٌ / بَيْنَ أشْبَالِهِ الشِدَادِ الصِلاب
واطلبي الْخَيْرَ والمُنَى مِنْ فُؤادٍ / ناشرِ الفَضْلِ ناصِرِ الآداب
لا خَلَتْ مِصْرُ مِنْ نَدَاهُ فَقَدْ صا / رَ عِنَانَ القُلوبِ طَوْقَ الرِقاب
قد قرأتُ الهلالَ خمسين عاماً
قد قرأتُ الهلالَ خمسين عاماً / فاق فيها بدرَ السماءِ اكتمالا
وعجيبٌ يزيدُ في كلِّ شهرٍ / ثمّ يُدْعَى برغم ذاك هِلالا
رَحْمَتَا للجريحِ من أنَّاتِهْ
رَحْمَتَا للجريحِ من أنَّاتِهْ / ولسَمْعِ الوِسادِ من آهاتِهْ
غَرَبَتْ شمسُه فقام يناجي / ساهداتِ النجومِ في لَيْلاته
إنّها بينهُنّ تسمَعُ نجْوَا / هُ وتبكي لِبثِّه وشَكاته
أرسَلتْ من شعاعِها ذِكْرَياتٍ / هاجتِ الكامنات من ذِكْرَياته
ولها في سمائِها خَفَقاتٌ / أسرعتْ في فؤادِه خَفَقاته
سَبَحَتْ في عوالمِ النورِ زَيْنٌ / أين منها الغريقُ في ظُلُمَاتِه
كم يمُدُّ اليديْنِ أَسْوانَ مُضْنىً / فَيفِرُّ الشُّعاعُ من قَبَضاتِهْ
ويسوقُ الأشعارَ في نَبَراتٍ / ظنّها ابنُ الهَديلِ من نَبراته
سَمِعَ الدَّوْحُ نوحَها عبْقَريّاً / فتمنَّى لو نُحْنَ في عَذَباته
مُشْجِياتٌ يوَدُّ كلُّ ابنِ غصن / أنّ أنغامَها جرتْ من لهاته
قلتَ شعراً فلم يكنْ غيرَ بحرٍ / من دُموعٍ طفا بتفْعيلاتِه
وبعثتَ الشُّجونَ في كل صدرٍ / وأثرتَ المَكْبُوتَ من زَفَراته
فاقتسمنا لوعاتِ قلبِكَ فانظرْ / هل أفاق المسكينُ من لْوعاته
إنّ مَاءَ الدموعِ أطْفَأُ للوَجْ / دِ وأشفَى للصَّبِّ في خَلَواته
فاسكُبِ الدمعَ وابعثِ الشعرَ وامْلأ / أُذُنَ الخافقَيْنِ من آيَاتِهْ
كنتَ قَيْساً بكَى على قبرِ لَيْلاَ / هُ ورَوَّى الضريحَ من عَبراته
بيَ جُرْحٌ مضى عليه زمانٌ / حِرْتُ في أمرِه وأمرِ أُساته
كلّما صاحَ نادبٌ هاج شَكْوا / هُ ومَسَّ الأليمَ من نَدَباته
أنا أبكي لكلِّ باكٍ ونفسي / حَسَراتٌ تذوبُ في حَسَراته
بائعُ الصبرِ إن يكن عُشْرُ مثْقَا / لٍ بأَغْلَى ما في الحياةِ فَهَاته
كلنا مَسَّه من الدهر ظُفْرٌ / آهِ من ظُفْرِه ومن فَتَكاته
وَأَدْتْنا بناتُه برَزَايا / هَا ومَنْ ذا يسطيع وَأدَ بَنَاته
فكرِهنَا حتى النعيمَ لأنَّا / قد رأينا اجتماعَه لشتَاتِهْ
لذَّةُ المرْءِ من جَنَى أَلم المَرْ / ءِ وتَأْتِي الآلاَمُ من لَذَّاته
ما حَيَاةُ المُحبِّ بعدَ حبيبٍ / قَبَسَ النورُ والهوَى من حياته
حَسْبُه أنه إذا رَامَ قُرْباً / لم يجدْ للوصولِ غيرَ مَمَاته
عِشْ أبا واثِقٍ لوَاثِقِ البا / كِي وللنّاكِلاَتِ من أَخَوَاته
بَيْنَ صَحْوِ الْمُنَى وحُلْمِ الخَيالِ
بَيْنَ صَحْوِ الْمُنَى وحُلْمِ الخَيالِ / سَبَح الشعرُ في سماءِ الجمالِ
ومضَى سانحاً يهُزُّ جَناحَيْهِ / عَلَى شاطىء السِنينَ الخوالي
لمح الدهرَ وهو يحبو من المَهْدِ / عليه غَدائرٌ من ليالي
وأزاح التاريخُ عن عَيْنِهِ الحُجْبَ / فَمَرَّتْ تخوض في الأجيال
ورأى الشمسَ طِفْلةً تُرْسِلُ الأضواءَ / فوقَ الكُهوفِ والأدْغال
صَفَحاتٌ من الزمانِ توالَى / وهو يتلو سُطورَها بالتوالي
وتصاوير للحوادثِ تبدو / في شَتيتِ الألوانِ والأشكال
وإذا رَنَّةٌ كما تضحَك الآ / مالُ بعد النوى وطولِ المِطالِ
وقف الشعرُ شاخصاً حين مَسَّتْهُ / بسحرٍ من الفُنونِ حَلال
نَغَماتٌ لم يعهَدِ الروضُ مِثْلاً / لِصَدَاها بين الربا والظلال
ولُحونٌ لها مِثالٌ عجيبٌ / أو إِذا شِئْتَ قُلْ بغيرِ مِثالِ
بَيْنَ عُودٍ كم هَزَّ أعطافَ رَمْسِيسَ / وحَيَّا مَواكِبَ الأَقْيالِ
ودُفوفٍ عَزَفْنَ لابْنَةِ فِرْعَو / نَ فماسَتْ بين الهَوى والدلالِ
ومَزاميرَ أُطْلِقَتْ من فَمِ السحْرِ / فمادَتْ لها رَواسِي الجِبالِ
وَرَنَتْ كُلُّ سَرْحَةٍ تَسْرِقُ السمْعَ / وتَعْطُو بغُصْنِها الميَّالِ
وأهازيجَ رَدَّدَتْها الأزاهيرُ / وغَنَّى بها نسيمُ الشمَال
ذُهِلَ الشعْرُ فاستفاق فألفَى / موكِباً حُفَّ بالسنا والجلال
ساطعاتُ الشمُوس فيه مَشاعِيلُ / وأَضْواؤُهُ بناتُ الهِلال
زَحَمَ الأرضَ بالجِيادِ وغَشَّى / صَفْحَةَ الجَوِّ بالظُبا والعَوالي
وهَفَتْ رايةٌ على قِمَّةِ النجْمِ / وَرَفَّتْ فوقَ السحابِ الثقال
مَوْكِبٌ يجمعُ الشعوبَ وتمشي / تحت أعلامِهِ العُصورُ الأَوالي
سار فيه المُلوكُ من كُلِّ جِيلٍ / في احتفاءٍ ضافي السنا واحتفالِ
ذاكَ مِينا وذاك عَمْرٌو فَتَى العُرْ / بِ وهذا المُعِزُّ جَمُّ النوال
وَبَدا بينَهُمْ محمدٌ الأَكْبَر / مُحْيِي البلادِ مُنْشِي الرجال
صادعُ الجهل هادمُ الظلمِ في / مِصْرَ مُبيدُ القُيودِ والأَغلال
خَلْفَهُ زِينةُ الخلائفِ إِسْما / عيلُ ذُخْرُ المُنَى أبو الأشبال
وفؤادٌ مُجدِّدُ الجِيلِ والآ / مالِ سِرُّ العُلا والاستقلال
سأل الشعْرُ أينَ يقصِدُ هذا الركْبُ / بعد الطوافِ والتجْوال
فأجابَتْ مِنْ فوقِهِ هاتفاتٌ / تملأُ الجوَّ واضِحَاتُ المَقال
أَسْرِعُوا نحوَ عابدينَ مَقامِ / الْمُلْكِ والنُبْلِ والنجارِ العالي
وَقَفَ الرَكْبُ عِنْدَ سُدَّةِ فارو / قٍ فكانَتْ نهايةَ الترْحالِ
ورأَى الشعْرُ مَحْفِلاً لمُلوكِ / الدَّهْرِ ما مَرَّ مِثْلُهُ بِخَيال
جلسوا جاذلِينَ بَيْنَ ابتهاجٍ / ضاحكٍ كالمُنَى وبَيْنَ ابتهال
ثمَّ نادَى ذو أمْرِهِمْ نحن في يو / مٍ سعيدِ الغُدُوِّ والآصال
يَوْمُ يُمْنٍ لمِصْرَ ليس له مِثْلٌ / ولا جَالَ للدهُورِ ببال
وُلِدَ المجدُ فيه والشرَفُ السا / مِي ونُور الحِجا ونُبْلُ الخِلالِ
نَجَلَ السيِّدُ المُمَلَّكُ فيهِ / فَهَناءً بأكْرم الأنجال
قد سَعَيْنا لِسُوحِهِ فقضَيْنا / حاجةً في نفوسِنا للمعَالي
بُهِرَ الشعْرُ فانْثَنَى يَلثِمُ الأرْ / ضَ ويَدْعُو بالعِزِّ والإِقبال
وشدا مِثْلَما شَدَتْ بِنْتُ أيْكٍ / بَيْنَ ظِلٍ وكَوْثرٍ سَلْسالِ
نَعِمَتْ بالأَليفِ لا هو ناءٍ / إِن دَعَتْهُ يوْماً ولا هُوَ سَالي
لم تَرَ النسْرَ في مَخالِبِه الزرْ / قِ ولا رُوِّعَتْ بصَيْدِ حِبال
تحتَها الزهْرُ فاتِنُ اللونِ رَفَا / فٌ جَميمُ الندَى دَمِيثُ الرمال
صَدَحَتْ للدُجَى وللَّيْلِ حُسْنٌ / حينَ يَطْوِي الوُجودَ في سِرْبال
صَدَحَتْ للصباحِ يلمَعُ في الشرْ / قِ طَهُوراً كَبَسْمَةِ الأطفالِ
إِنَّ للطبْعِ والبَديهَةِ سِحْراً / فوقَ طَوْقِ الجُهُودِ والإِيغال
غَرِّدِي كيفَ شِئْتِ يا سَرْحَةَ الوا / دِي وهُزَي فَضْلَ الغُصونِ الطوال
واجْمَعِي اليومَ كُلَّ ذاتِ جَناحٍ / إِنَّ يومَ الفاروقِ في الدهرِ غالي
أرسِلِي البُلْبُلَ الفَرِيدَ يُنَادي / تَسْتَجِبْهُ الطُيورُ في أرْسال
إِنَّ يومَ المِيلادِ يَوْمٌ على الدهْرِ / قليلُ الأَنْدادِ والأَمْثال
صَفَّقَ النيلُ فيه زَهْواً وعُجباً / وجرَى في تَخَطُّرٍ واختيال
ساحباً ذَيْلَه يَمُرُّ على الزهْرِ / فَتَمْضِي الزُهورُ في الأَذيال
لا يُبالي فقد تَمَلَّكَهُ الْحُبُّ / وأوحَى إِليهِ ألاَّ يُبالي
وهو لولا عُذوبةُ الْحُبِّ ما فا / ضَ بعَذْبٍ من النَّمِيرِ زُلال
أنتَ مَوْلاهُ أنتَ عَلَّمْتَهُ البَذْ / لَ وبَذْلُ العبيدِ فَضْلُ الموالي
غمَرَتْنا نُعْماكَ في كلِّ حالٍ / فحمدْنا نُعْماكَ في كلِّ حالِ
أيُّها الراكبونَ في طَلَبِ الْغَيْثِ / سِراعاً والغيثُ مِلْءُ الرِحالِ
لا تَرِيموا مكانَكُمْ لا تَرِيموا / ساحةُ المُلْكِ مَوْرِدُ السُؤَال
يا لَها فَرْقَداً أطلَّ عَلَى الدُنْيا / فأمستْ نجومُها كالذُبالِ
سطعتْ بالسعُودِ تستقبلُ الكَوْ / نَ فتحظَى بأشرفِ استقبال
اِسْتَهلَّتْ بالسِلْمِ واليُمْن والعِيدِ / فكانتْ بَرَاعَةَ استهلال
أُغْمِدَ السيْفُ بعدَ طُولِ جِدالٍ / وجدالُ السُيوفِ شَرُّ جِدال
أنا في السِلْمِ عَبْقَرِيُّ القَوافي / ليس لي في الظُبَا ولا في النِصال
أنا شعري كالطَيْرِ يُفْزِعُهُ الَخُّ / ويرتاعُ من حَفيف النِبال
لا تعيشُ الفُنونُ بينَ كِفاحٍ / راكبٍ رأْسَهُ وبَيْنَ نِضال
خِفْتُ إنْ أُشْعِلَتْ لَظَى الحَرْبِ أَنْ / أُنْشِدَ بَيتاً جرَى معَ الأمثال
لم أكُنْ مِنْ جُناتِها عَلِمَ اللهُ / وإنَي بِحَرِّها اليومَ صالي
فمتَى تَهْدَأُ القُلُوبُ إلى الْحُبِّ / وتُهْدَى النفوسُ بعد ضَلال
أشْرِقي عَابِدينُ فالمُلْكُ زاهٍ / صاعِدُ الْجَدِّ والزمانُ مُوالي
أنتِ أطلعتِ في سمائِكِ بَدْراً / عَلَّمَ ابنَ السماءِ معنَى الكمال
دَوْحَةُ المجْدِ أَنْتِ كَمْ من أصولٍ / راسياتٍ ومن فُروعٍ هِدال
دَوْحَةٌ أَرضُهَا من الطِيبِ والمِسْكِ / وأثمارُها سُمُوط اللآلي
كم أظلَّتْ مِصْراً وحاطَتْ بَنِيها / من هَجيرِ الْخُطُوبِ والأهوال
أنتِ يا عابدينُ خَيْرُ بناءٍ / مَدَّ أفْياءَهُ على خَيْرِ آل
صَفَّقَتْ مِصْرُ حينما جَاءتِ البُشْرَى / فأهلاً بمولدِ الآمال
كم بسطنا الأكُفَّ نَضْرَعُ لِلرَحْمنِ / والليلُ مُسْبِلُ الأسْدال
وسبَقْنا دَقَّ البشائرِ شَوْقاً / وبعثْنا السُؤالَ إِثْرَ السُؤال
ووَدِدْنا لو استقرَّ التَّمَنِّي / واستراح الرَجاءُ بعدَ كَلال
وإِذا أَنْعُمُ الإِلَهِ تَوَالَى / بعميم الإِحسانِ والإِفضال
وإذا الفجرُ صادقٌ يَمْلأُ الشَرْ / قَ فَيَمْحُو غَياهِبَ الأَوْجالِ
وإذا المَهْدُ فيه دُرَّةُ مَجْدٍ / لِكَرِيمِ الْجُدودِ والأَخْوال
وإِذا مِصْرُ أَعْيُناً وقُلوباً / تَقْبِسُ النورَ من سَنا فِرْيال
فهنَاءً مَليكةَ النِيل كم حَقَّقْتِ / للنيلِ من أمانٍ غَوالي
وَهناءً مَليكَ مِصْرَ المُفَدَّى / نِلْتَ فَاشْكُرْ للَهِ خَيْرَ مَنال
عِشْ وعاشَتْ أمِيرَةُ المُلْكِ واسْلَمْ / للمعالي وصالِح الأعمال
قد قرأنا الحياةَ سَطْراً فسطراً
قد قرأنا الحياةَ سَطْراً فسطراً / وشهِدنْا صروفَها ألوانَا
ورأينا المِقْدامَ يسمو إلى الع / زِّ ولا يرتضي النجومَ مكانا
ولمحنا بجانبيه أُناساً / قُتِلوا ذِلَةً وماتوا هوانا
إنَّما المَنْصِبُ الكريمُ بمن في / ه وليس القنَاةُ إلاَ سِنانا
قد حبَسْنا المديحَ عن كلِّ مُسْتا / مٍ وأجْدِرْ بشعرنا أنْ يُصانا
لا تَزينُ العقودُ جِيداً إذا لم / يَكُ بالحسن قبلَها مُزدانا
رُبَّ دُرٍ لاقَى من الصدرِ دُرَاً / وجُمانٍ في النَحْرِ لاقى جُمَانَا
لو مدحنا من لا يَحِقُّ له المد / حُ لوَى الشعرُ رأَسه فهجانا
الرسولُ الكريمُ أنطق حَسَا / ناً ولولاه لم يكنْ حَسَانا
وابنُ حَمْدانَ لقَّنَ المتنبِّي / غُرَرَ المدحِ في بني حَمْدَانا
يصدُق الشعرُ حينما يصدُق النا / سُ فيشدو بمدحِهم نَشْوانا
وإذا عزَتِ المكارمُ ولَى / مُطرِقَ الرأسِ واجماً خَزْيانا
ومضَى يشتكي الزمانَ ويبكي / دارساتِ الطُلولِ والأْظعانا
فإذا شئتَ أن أكونَ زُهَيْراً / فأَعِنِّي وهاتِ لي ابنَ سِنانا
هَلْ نَعَيْتُم لِلْبُحْتُرِيِّ بَيَانَهْ
هَلْ نَعَيْتُم لِلْبُحْتُرِيِّ بَيَانَهْ / أوْ بَكَيْتُم لِمَعْبَدٍ أَلْحَانَهْ
أوْ رَأَيتُم رَوْضَ الْقَريضِ هَشِيماً / بعْدَ مَا قَصَّف الرَّدَى ريحانَه
فُزِّعَتْ طَيْرُه فَحَوَّمْنَ يَبكِينَ / ذُبُولَ الْخَمِيلَةِ الْفيْنَانَهَ
كُنَّ في ظِلِّهَا يُغَنِّينَ لِلشَّرْ / قِ وَيُنْهِضْنَ لِلْعُلاَ شُبَّانَه
كُنَّ في ظلِّها يُحَيِّينَ مَجْداً / صَاعِداً ضَلَّتِ النُّجُومُ مَكَانَه
كُنَّ في ظِلِّها يُنَاغِينَ آما / لاً ويَبْعَثْنَ هِمَّةً وَهْنَانَهْ
أَيُّهَا الطَّيْرُ ضَنَّ مَاءُ الْقَوافِي / فَبذَلْنَا دُمُوعَنَا الهَتَّانَهْ
مَاتَ يَا طَيْرُ صَادحٌ تَسْجُدُ الطَّيْرُ / إِذَا رَجَّعَ الصَّدَى تَحْنَانَهْ
نَبَرَاتٌ تَخَالُهَا صَوْتَ دَاوُ / دَ بِلَفْظٍ تَخَالُهُ تِبْيَانَهْ
عَلَّمَتْ الابْتِسَامَ زنْبَقَةَ الْوَا / دِي وَأوْحَتْ لِغُصْنِهِ مَيَلانَهْ
مَاتَ شَوْقي وَكانَ أنفَذَ سَهْمٍ / صَائِبِ الرَّمْيِ مِنْ سِهَامِ الكِنَانَهْ
اِبْكِ لِلشَّمْسِ في السَّماءِ أَخَاهَا / وَابْكِ لِلدَّهْرِ قَلْبَهُ وَلِسَانَهْ
وَابْكِهِ لِلنُّجُوم كَم سَامَرتْهُ / مَالِئاتٍ بِوَحْيها آذَانَهْ
وَابْكِ لِلرَّوْضِ وَاصِفاً يَخْجَلُ الرَّوْ / ضُ إذَا هَزَّ بِالْيَرَاعِ بَنَانَهْ
وَابْكِهِ لِلْخَيالِ صَفْواً نَقِيّاً / إنَّهُ كانَ في الْوَرَى تَرْجُمَانَه
مَلأَ الشَّرْقَ مَوْتُ مَنْ مَلأَ الشَّرْ / قَ حَيَاةً وَقُوَّةً وَزَكانَهْ
كَمْ يَتِيمٍِ مِنَ الْمعَانِي غَرِيبٍ / مَسَحَتْ كَفُّهُ عَلَيْهِ فَصَانَه
وَشَمُوسٍ رَنَا إلَيْهِ فَأَلْقَى / رَأْسَهُ خَاضِعاً وَأعْطَى عنَانَهْ
ونَفُورٍ أزْرَى بصَيَّادِهِ الطبِ / وأَعْيَا قِسِيَّهُ وَسِنَانَهْ
نَظْرَةٌ تَلْتَقي بِهِ يَنْهَبُ الْوَا / دِي وأُخْرَى تَراهُ يطْوِي رِعَانَهْ
تَسْبِقُ السَّهْمَ عينُهُ فَتَرَاهُ / يَتَلَوَّى تَلوِّيَ الخَيْزُرانَه
ثمَّ يَخْفَى فَلاَ تَرَاهُ عُيُونٌ / ثُمَّ يَبْدُو فَلاَ تَشُكَّ عِيَانَه
أَجْهَدَ الْفَارِسَ المُلِحَّ وَأفْنَى / نَبْلَهُ حَوْلَهُ وَأضْنَى حِصَانَه
وَهْوَ يَعْدُو لاَ الرَّأْسُ مَالَ مِنَ الأَيْنِ / وَلا قَلْبُهُ شَكَا خَفَقَانَهْ
مَدَّ شَوْقي إِلَيْهِ نَظْرَةَ سِحْرٍ / عَوَّقَتْ دُونَ شَوْطِهِ جَريَانَه
فَأَتَى مِشْيَةَ المُقَيَّدِ يَسْعَى / بَيْنَ هَوْلٍ وَذِلَّةٍ وَاسْتِكَانَه
غَزَلٌ كالشَّبَابِ ينْضَحُ آما / لاً ويهْتزُّ في حلىً فَتَّانَهْ
تَسْمعُ الْحُبَّ في نَواحِيهِ هَمْساً / يتَناجَى ويَشْتَكي أشْجَانَه
وتُحِسُّ الْهَوَى يرِفُّ حناناً / شَرَكُ الحُبِّ أنْ تُحِسَّ حَنَانَه
وإِذَا جَالَ وَاصِفاً رَاعَك الْحُسنُ / وَأكْبَرْتَ فنَّهُ وافْتِنَانَه
صُوَرٌ زَيْتُها بَيَانٌ سَرِيُّ / مَزَجَ اللّهُ وَحْدَهُ أَلْوَانَه
لَوْ رُفَائِيلُ راءها غَالَهُ الْبَهْرُ / وَأَلْقَى ألْوَاحَهُ وَدِهَانَه
عالِمٌ بِالنُّفُوسِ ما غَاصَ مِيلٌ / في خَفَايَا النُّفُوسِ حتَّى أبَانَه
أَوْدَعَ الدَّهْرُ مِسْمَعَيْهِ عَنِ الكَوْ / نِ حَدِيثاً فلَمْ يُطِقْ كِتْمَانَهْ
ذَأكَ سِرُّ الإِلَه يختَصُّ مَنْ شَا / ءَ بآثارِ فَضْلِهِ سُبْحَانَه
وَرِثَاءٌ لوْ كَان يَسْمَعُهُ المَيْتُ / لأَحْيَا بِسِحْرِهِ جُثْمَانَه
عَرَفَ المَوْتَ والْحَياةَ جَميعاً / ورَأى بَعْدَ حَيْرَةٍ بُرْهانَه
والرّوَايَاتُ أدْهَشَتْ كلَّ لُبٍ / ثُمَّ أَرْبَتْ فَأَدْهَشَتْ شَيْطَانَه
يُغْمِضُ الْعَيْنَ في اضْطِرَابٍ إذَأ حَسَّ / طُروقَ الإلْهَام أَوْ غِشْيَانَه
ثُمَّ يُمْلي كَأَنهُ مِنْ كِتابٍ / قَارِىءٌ في سُهولَةٍ ومَرَانَهْ
جَوْهَرِيٌّ وَدَّ الكَواعِبُ لَوْ يَشْرِينَ / يوماً بِحُسْنِهنَّ جُمَانَه
زَانَ مِصْراً بلؤلىءٍ يَبْهَرُ الْعَيْنَ / وَأوْلَى تَارِيخَهَا عِقْبَانَهْ
كَانَ صَبّاً بِمِصْرَ كَمْ هَامَ شَوْقاً / بِرُبَاهَا وَبَثَّهَا أَحْزانَهْ
دَفَنَ اللَّهْوَ وَالصِّبا في ثَرَاهَا / وَطَوَى مِنْ شَبابِه عُنْفُوَانَه
هِيَ بُسْتَانهُ فَغَرَّدَ فِيهِ / وحَبَا كُلَّ قَلْبِهِ بُسْتانَه
يحْرُسُ الْفَنَّ في ظِلالِ نَوَاحِيهِ / وَيَرْمِي عَنْ دَوْحِهِ غِرْبَانَه
يَعْشَقُ النِّيلَ والْخَمَائِلُ تَهْتَزُّ / بِشَطَّيْه خُضْرَةً وَلَدَانَهْ
يَعْشَقُ النِّيلَ وَالْجزِيرةُ تُغْرِيهِ / وَقَدْ لَفَّ حَوْلَهَا أرْدانَهْ
يَعْشَقُ الْجسْرَ والسَّفَائِنُ تَهْفُو / حَوْلَهُ كَالْحَمائِم الظَّمْآنهْ
وَيُحِبُّ السَّوَادَ مِنْ عَيْنِ شَمْسٍ / مَالِئاً مِنْ رُوَائِهِ أَجْفَانَه
كُلُّ شَيءٍ بِمِصْرَ يَبْهَرُ عَيْنَيْهِ / جَمَالاً ويَسْتَثِيرُ جَنَانَه
كُلَّمَا هَزَّهُ إِلَى الشِّعْرِ شَوْقٌ / جَذَبَ الْحُبُّ نَحْوَهَا وِجْدَانَه
فَشَدَا بِاسْمِهَا كَمَا تَصْدحُ الطَّيْرُ / وَقَدْ شمَّرَ الدُّجَى طَيْلَسَانَه
وَجَلا مَجْدَهَا الْقَدِيمَ جَدِيداً / بَعْدَ مَا هَدَّمَ الْبِلَى أَرْكَانَهْ
في خُشُوعٍ يُشِيدُ باسمْ فُؤَادٍ / مِثْلَمَا رَدَّدَ المُصَلِّي أَذَانَهْ
مَلِكٌ مَدَّ لِلْفُنُونِ يَمِيناً / عَلَّمَتْ كُلَّ مُحْسِنٍ إِحْسَانَهْ
نَظْرَةٌ مِنْهُ زَادَت الشِّعْرَ زَهْواً / وَأعَادَتْ لِعَهْدِهِ رَيْعَانَه
نَحْنُ في ظِلِّ تَاجِهِ في زَمَانٍ / وَدَّ هَارُونُ أَنْ يَكُونَ زَمَانَه
أَوَّلُ السَّابِقينَ شَوْقِي إذَا جَا / لَ ذَوُو السَّبْقِ يَبْتغونَ رِهَانَه
شِعْرهُ حِكْمَةٌ وَصِدْقُ خَيَالٍ / وَجَمَالٌ وَرَوْعَةٌ وَرَصَانَه
وَمَعَانٍ شَوْقِيَّةٌ في سِيَاقٍ / بُحْتُرِيٍ وَرِقَّةٌ في مَتَانَهْ
يَا مُجِيرَ الْفُصْحَى وَقَدْ عَقّهَا / الدَّهْرُ وأَغْرَى بِقَوْمِها حِدْثَانَه
نَزَلَتْ في ذَرَاكَ رَوْضاً مَرِيعاً / هَدَلَ النَّوْرُ والْجَنَى أَغْصَانَه
واستَعادَتْ حُسْن الشَّبَابِ وَكَانَتْ / رَمَقاً بَيْنَ كَبْرَةٍ وَزَمَانَهْ
وَحَمَتْهَا يَدَاكَ مِنْ شَرِّ باغٍ / في زَمَانٍ طَغَتْ عَلَيْهِ الرَّطَانَه
ذَكَّرَتْهَا رَنَّاتُ صَوْتِكَ قَوْماً / سَلَفُوا مِنْ هَوَازِنٍ وَكِنَانَهْ
رَفَعَتْ مِصْرُ رَايَةَ الشِّعْرِ في الشَّرْ / قِ وَأوْلَتْ أَمِيرَهُ صَوْلَجَانَهْ
وَمَشَى الدَّهْرُ في الْوُفُودِ إِلَى / الْبَيْعَةِ يَحْتَثُّ نَحْوَهُ رُكْبَانَه
وَرَأَيْنَا بِكُلِّ أُفْقٍ رَنِيناً / رَدَّدَتْه الْقَصَائِدُ الرَّنَّانَه
هَكَذَا كُلُّ مَنْ يُرِيدُ خُلُوداً / يَجْعَلُ الْكَوْنَ كلَّهُ مَيْدَانَهْ
هَكَذَا فَلْيَسِرْ إِلَى الْمَجْدِ مَنْ شَا / ءَ وَيَرْفَعْ بِذِكْرِهِ أَوْطَانَه
خُلُقٌ كَالنَّدَى وَقَدْ نَقَّطَ الزَّهْرَ / فحَلَّى وَشْيَ الرِّياضِ وَزَانَه
وَصِباً يَمْلأُ الزَّمَانَ ابْتِسَاماً / وَحِجاً يَمْلأُ الزَّمَانَ رَزَانَه
وَسَمَاحٌ يَلْقَى الصَّرِيخَ بِوَجْهٍ / تَحْسُدُ الشَّمْسُ في الضُّحَا لَمَعَانَه
شَمَمٌ في تَوَاضُعٍ وَحَياءٌ / في وَقَار وفِطْنَةٌ في لَقَانَه
وَحَدِيثٌ حُلْوٌ لَهُ رَوْعَةُ الشِّعْرِ / فَلَوْ كَانَ ذَا قَوَافٍ لَكَانَهْ
وَيَقِينٌ باللّه ما مَسَّهُ الضَّعْفُ / وَلاَ طَائِفٌ مِنَ الشَّكِّ شَانَه
هُوَ في الشَّمْسِ والْكَوَاكِب نُورٌ / وَهْوَ في الأَرْض وَالْجِبَالِ رَكَانَه
مَلَكَ الدِّينُ قَلْبَهُ وَهَوَاهُ / وَجَلاَ الشِّعْرُ سَاطِعاً إِيمَانَه
يَمْدَحُ الْمُصْطَفَى فَتَلْمَحُ حُبّاً / عَاصِفاً آخِذاً عَلَيْهِ كِيَانَه
وَتَرَاهُ يَذُودُ عَنْ آلِهِ الْغُرِّ / وَفَاءً لِحُبِّهِمْ وَصِيانَهْ
حَسْبُهُ أَنْ يَجِيءَ في مَوْقِفِ الْحَشْرِ / فَيَلْقَاهُ مَالِئاً مِيزَانَه
طَوَّفَتْ حَوْلَهُ الْمَلاَئِكةُ الطُّهْرُ / وَمَسَّتْ بِطِيبِها أَكْفَانَهْ
إنَّ مَعْنَى الْحَيَاةِ فِيهِ مِنَ الْمَوْ / تِ مَعَأنٍ لَوْ يَفْهَمُ الْمَرءُ شانهْ
يُهْدَمُ الْمَرْءُ كُلَّ يومٍ وَيُبْنَى / ثم يَهْوِي فَلاَ تَرَى بُنْيَانَه
نَحْنُ حَبٌّ في قَبْضَةِ الدَّهْرِ يُلقيهِ / وَيَجْنِيه مُدْرِكاً إِبَّانَه
نَحْنُ في دَوْحَةِ الأَمَاني زَهْرٌ / يَهْصِرُ الْمَوتُ لِلْبِلَى أَفْنَانَه
إِن هَذِي الْحَيَاةَ بَحْرٌ وَكُلٌّ / بالِغٌ بَعْدَ سَبْحِهِ شُطْآنه
قَدْ قَضَى اللّهُ أَنْ نَكُونَ فَكُنَّا / وَقَضَينَا وَمَا قَضَيْنَا لُبَانَه
أَيُّهَا الرَّاحِلُ الْكَرِيمُ لَقَدْ كُنْتَ / سَوَادَ الْعُيُونِ أَوْ إِنْسَانَه
نَمْ قَرِيراً في جَنَّةِ الْخُلْدِ وَانْعَمْ / بِرِضَا اللّه وَاغْتَنِمْ غُفْرَانَهْ
وَالْتَمِسْ نَفْحَةَ الرَّسُولِ وَطَارِحْ / في أَفَانِينِ مَدْحِهِ حَسَّانَه
كَيْفَ يُوفي الشِّعْرُ الَّذِي مَلَك / الشِّعْرَ وألْقَى لِغَيْرِهِ أَوْزَانَه
وَرِثَاءُ الْبَيَانِ جُهْدُ مُقِلٍ / لِلَّذِي خَلَّدَ الزَّمَانُ بَيَانَه
ضلّ شعري وندّ عني بياني
ضلّ شعري وندّ عني بياني / ما على الشاعرين لو أرشداني
ضاع في ظلمةِ المشيبِ أنيناً / وبكى في الصبا بياضَ الأماني
مِزْهَرٌ أنَّ في قِفارِ فلاةِ / وابنُ غصنٍ شدا بلا أغصان
بين قومٍ ما رَنَّ في سمعِهم أح / لَى نشيداً من أصفرٍ رنّان
صدَفتهم عن خالدِ الفنِّ أضغا / ثٌ وزَهْوٌ من كاذبِ العيش فاني
هاتِ سمعاً أُسْمِعْكَ رائعَ أَنغا / مي وإلاَّ فاذهبْ ودعني وشاني
أنا في أمةٍ بها جدولُ الضر / بِ طغَى سيلُه على الأذهَانِ
إن رأَوْا صفحةً بها بيتُ شعرٍ / تركوه يبكي على كلِّ باني
صِحْتُ فيهم فعاد صوتي مع الري / حِ وعادت حزينةً ألحاني
في كسادِ القريضِ أخفيتُ دُرِّي / وخَزنتُ الغريبَ من مَرْجاني
وتمنّيتُ كلَّ شيءٍ على الل / هِ سوى أن أعيشَ من أوزاني
كلُّ شِبْرٍ بمصر خِصْبٌ على الهرَّا / جِ جدبُ الثرى على الفنّان
سكت العندليبُ في وحشةِ الدَّوْ / حِ وغنَّتْ نواعقُ الغِرْبان
فسمعنا من النشوز أفاني / نَ يروِّعْنَ صادحَ الأفنان
أسمَعونا برغمنا فصبرنا / ثم ثُرْنا غيْظاً على الآذَانِ
جلبوا للقريضِ ثوباً من الغَر / بِ ولم يجلِبوا سوى الأكفان
ثم قالوا مجدِّدون فأهلاً / بصناديدِ أخرياتِ الزمان
لا تثوروا على تُراثِ امرىء القيْ / سِ وصونوا ديباجةَ الذُبياني
واتركوا هذه المعاولَ باللّ / هِ فإني أخشى على البنيان
واحفظوا اللفظَ والأساليبَ والذو / قَ وهاتوا ما شئتُمُ من معاني
ما لسانُ القريضِ من عربيٍ / كلسانِ القريضِ من طُمْطُماني
إنّما الشعرُ قطعةٌ منكَ ليست / من دماءِ اللاتين واليونان
كلُّ فنٍّ له مكانٌ وأهلٌ / إن غَدا العلمُ ما له من مَكانِ
إن رأيتم أُخُوّةَ العودِ للجز / بنِد فابكوا سُلالةَ العيدان
لا يهُزُّ النخيلَ إلاّ حَنانُ الن / ايِ في صمتِ ليلةٍ من حنان
وِجْهَةُ الشرقِ غيرُها وجهةُ الغ / ربِ فأَنَّى وكيف يلتقيان
أين عهدُ الشباب واللّهوِ يا شع / رُ وأين الهَوى وأين المغاني
ذبُل الوردُ وانقضى مَوْسِمُ الريح / انِ واحسرتا على الريحان
وانطوَى مجلسُ الصحابِ بمن في / ه وما فيه من أمانٍ لِدان
كان أشهى للنفسِ من حَسْوَة الكأ / سِ وأحلَى من صادحاتِ الأغاني
لم تَدُرْ كأسُه على واغلٍ فَدْ / مٍ ولا واكلٍ عن المجدِ وانِي
يُنْثَرُ الشعرُ فيه كالزهرِ ريّا / نَ بلحنٍ من الصبا ريّان
كان فيه شوقي وكان أبو الحف / ظِ وحفنى وجملةُ الإخوان
وإمامُ العبدِ الذي كان رمزاً / لتآخي المصريِّ والسوداني
كان شوقي يُصْغِي وما كان يُصْغِي / هو في عالَمٍ من الفنِّ ثاني
كلّما مدّ رأسَه يرقُبُ الوح / يَ رأيتَ العينينِ تختلجان
ثم يُغْضي مُهمهِماً مثلما جرّ / بتَ بالْجَسِّ شادياتِ المثاني
ينظِمُ الشعرَ وهو يلقى الأحادي / ثَ فيأتي بآبداتِ البيان
رُوحُه في السماءِ وهو على الأر / ضِ كلا العَالمَيْنِ مختلفانِ
هو شوقي جسماً يُرَى ويُناجي / وهو في الشعرِ طائفٌ نوراني
شركسيٌّ أعيا على العُرْبِ مَأْتا / هُ فَحسّانُ ليس بالْحسّان
وله في المديح ما لم يُداني / ه ابنُ عَبْدانَ في بني حَمْدان
حكمةٌ مَشْرِقيّةٌ في خيالٍ / فارسيّ في منطقٍ عدناني
ينثُرُ الدرَّ عبقريّاً عجيباً / ليس من مَسْقَطِ ولا من عُمان
أنا بالدرِّ أخبرُ الناسِ لكن / ذلك النوعُ ندّ عن إمكاني
فاسألا كلَّ جوهرِيّ فإن قا / ل لديهِ مِثْلٌ له فاسألاني
يا خليلي لا تَهيجا لي الذك / رَى فقد نالني الذي قد كفَاني
ناولاني باللّه ديوانَ شوقي / لأراه كعهده ويراني
ثم سيرا على الأصابع في صمْ / تٍ وفي حضرةِ الأميرِ دعاني
مَرّةً أَلتقِي به أملدَ الع / ودِ نضيرَ الصبا طليق العِنان
بين راحٍ وروضةٍ وغدير / وحِسانٍ مضَى زمانُ الْحِسان
ووجوهُ الآمالِ أزهَى من الزهْ / رِ وغصنُ الشبابِ في رَيْعان
غَزَلٌ أذهل الغواني عن الحس / نِ ومن أين مثلُه للغواني
حين يشدو يُصغِي له الطيرُ حيرا / نَ مغيظاً مسائلاً مَن حكاني
ذاك صوتٌ به خُصِصْتُ من الل / هِ فمن أين جاء للإنسانِ
يصِفُ الجسر والجزيرةُ تهت / زُّ حَواليْهِ هِزَّةَ النشوان
في ثيابٍ من الطبيعة وشّا / ها كما شاء مُبدِعُ الألوان
ويَرى حبّه للدولةِ عثما / نَ شعاراً لصادقِ الإيمان
ذاك شعرُ الشبابِ والدارُ دارٌ / وأيادي العباسِ بيضٌ دواني
ثم ألقاه وهو في الأسرِ يشكو / فيُثير الكمينَ من أشجاني
ويناجِي شعره نائح الطَلْ / حِ فيُبكيه مثلَما أبكاني
زُحِمتْ مصرُ بالبُغاثِ من الطي / رِ وعِيقَ الشادي عن الطيران
أسروه ليحبسوا صوتَه العا / لي فنادَى بصوته الخافِقَانِ
احبسوا السيلَ إن قدرتم وسُدّوا / إن أردتم منافذَ البركان
ودعوا الشعرَ فهو طيرٌ من الفِرْ / دوسِ يأبَى مَسيسَه بالبنان
ثم طار الهَزَارُ للعُش غِرِّي / داً وعاد الغريبُ للأوطان
عاد زِريابُ بعد أن زاد أوتا / راً لأوتارِ عوده المِرْنان
فتغنّى بمصرُ في موكبِ الشر / قِ وعزِّ التاجيْنِ والصوْلجان
وشدا بالشموسِ من عبدِ شمسٍ / والغطاريفِ من بني مَرْوان
ألهب العزم في بني مصرَ ناراً / أيُّ خيرٍ في هذه النيران
ودعا بالشبابِ فابتدروا السبْ / قَ وآمَالُ مصرَ في الشبّانِ
والرواياتُ أعجزتْ كلّ شيطا / نٍ وأعيت في وصفِها شيطاني
حكمةُ الشَّيْبِ في مِراس التجاري / بِ وفكرٌ أمضى شَباً من سِنان
جَنتِ السِّنُّ ما جنت غير عقلٍ / زاد بالسِّنِّ صَوْلةً ولسان
كلما هدّتِ الليالي قُواه / بلغ الشعرُ قِمّة العُنفوان
شعرُ شوقي وديعةُ الزمنِ البا / قي وشوقي وديعةُ الرحمن
قد شُغِلْنا عن حافظٍ بأمير الشع / ر ويلي لو كان يدري لحاني
كان يجري على أعنّة شوقي / ويُعاني من رَكْضه ما يُعاني
لا الجوادانِ في النجار سواءٌ / حين تبلوهما ولا الفارسَانِ
يُلْهبُ الشعرَ حافظٌ أرعنَ السو / طِ وشوقي في آخرِ الميدان
ليت شعرَ القريضِ أيُّ سِباق / بين شعريْهما وأيُّ رِهان
حافظٌ زيَّن القريضَ بفنٍّ / بُحْتُرِيّ عذبٍ رشيق المباني
لفظُه في يديه يختار منه / صَحْفةُ الدرِّ في يَدَيْ دِهْقَان
ولكم قد أعاد بيتاً مراراً / باحثاً عن فريدةٍ من جُمان
يتقَرّى في الشعر مَيل الجم / اهيرِ ليحظَى بصيحةِ استحسان
جال في حَوْمةِ السياسة وثَّا / باً فأذكَى حماسةَ الفِتيان
ورمَى الاحتلالَ حرّاً جريئاً / وتحدَّى العميدَ ثَبْتَ الْجَنانِ
في زمانٍ قد ذلَّ كلُّ إباءٍ / فيه وانقاد كلُّ صعبِ الْحِران
وظّفوه فأسكتوه فألقَى / شعْرَهُ في مَهامِه النِّسيان
ويحَ هذا الكِرْوانِ هل راقه الحب / سُ وأغراه عسجدُ القضبان
هَشّموا نابَي ابن بُرْدٍ وحالوا / بين كاس الطلا وبين ابنِ هاني
كان شوقي وحافظٌ إن دجَى الخط / بُ شعاعيْنِ في الدُّجَى يلمعان
فهما في أواخرِ الليلِ فجرا / نِ وفي أُولَياتِه شَفَقان
أيها الشاعرانِ قد صَوّح الدوْ / حُ وولّت بشاشةُ البستان
وخلا الربْعُ لا قراعُ كئوسِ / ضاحكات ولا رنين قِيَانِ
وتولَّى القُطّانُ لم يبق إلاَّ / حسراتٌ لفُرقةِ القُطّان
ومضَى الرَّكْب بالرفاقِ وخلاَّ / نِي وحيداً أبكي على خُلاّني
أيها الشاعران في جنّةِ الْخُلْ / دِ هَناءً بالْخُلْدِ والرِّضوان
مهِّدا لي إلى جِواركما مَثْ / وىً إذا آن للرحيلِ أواني
جَلَلٌ هَزَّ كلَّ رُكْنٍ وهَدَّا
جَلَلٌ هَزَّ كلَّ رُكْنٍ وهَدَّا / ومصابٌ رَمَى القُلوبَ فأَرْدَى
كلُّ صَدْرٍ به أَنينٌ وَوَجْدٌ / مُرْسِلٌ خَلْفَه أنِيناً ووَجْدا
عَبَراتٌ من ساكبٍ ليس تَرْقَا / ووَجيبٌ مِنْ خَافِقٍ لَيْس يَهْدَا
ونشيجٌ أقضَّ من مَضْجَعِ اللّيْلِ / وماجتْ له الكواكِبُ سُهْدا
فزِعَتْ مصرُ فزْعةً طَارَ فيها / كلُّ عقْلٍ عن الرَّشَادِ ونَدّا
هَرَعَتْ ساعةَ الوَداعِ تُفِيضُ الدَّمْعَ / بَحْراً وتُرسِلُ الشَّوقَ وقْدَا
أمّةٌ هالَها المُصَابُ فهامَتْ / تستَحِثُّ الْخُطَا شُيوخاً ومُرْدا
خَرَجَتْ مِن خِبائِها كُلُّ خَوْدٍ / لم تُقنِّعْ رأساً ولم تُخْفِ خَدَّا
أعْجَلَتْها مُصيبَةُ الوَطنِ المفْجُوعِ / أنْ تَخْتَبِي وأنْ تَتَردَّى
زُمَرٌ تَلْتَقِي على الْحُزْنِ والْيَأْ / سِ وحَشْدٌ بَاكٍ يُزَاحِمُ حَشْدا
وبِحَارٌ من الأنَاسِيِّ ماجَتْ / مُزْبداتٍ يَجِشْنَ جَزْراً ومَدَّا
وجِبَالٌ تَسِيرُ في يَوْم حَشْرٍ / كلُّ فِنْدٍ تَراهُ يَتْبَعُ فِنْدا
فوْق سَطْحِ البُيوتِ كالنَّحْلِ فانْظُرْ / ثُمّ إِيَّاكَ أنْ تُحَاوِلَ عَدَّا
كلُّ بَيْتٍ قدْ عَافَ أحْجارَهُ الصُّمَّ / وأَضْحَى دَماً ولَحْماً وجِلْدا
والمَيادِينُ كُلُّها أُمَمٌ تُزْ / جَى كما تُكْدَسُ السّحائبُ رُبْدَا
فإِذا شئتَ أن تَرَى الأرضَ أرْضاً / كنْتَ ممن يُحاولُ الأمْرَ إِدّا
نَفَسٌ واحدٌ جميعاً وقلبٌ / لفؤاد يَئِزُّ شَوْقاً وصَهْدا
ودُعاءٌ يَمُرُّ بالصَّدْرِ بَرْقاً / فإِذا انْسَابَ منه أصْبَحَ رَعْدا
وخُشوعٌ من الْجَلالِ تَراءَى / وجَلالٌ من الخشوعِ تَبَدَّى
حَمَلوه وإِنما حَمَلُوا آ / مَالَ شَعْبٍ بزَهْرِها الغَضِّ تَنْدَى
حَمَلوا حامِيَ الحَقيقةِ والدِّينِ / كما تَحْمِلُ المَلائكُ عَهْدا
حَمَلوا كَوْكباً أشَعَّ على مِصْرَ / سَناً مُبْصِراً وهَدْياً وسَعْدا
ما عَلى الدّهْرِ مَرَّةً لَوْ تَوانَى / أو عَلَى الدَّهْرِ ساعة لو تَهَدَّا
لَفَحَتْ رِيحُهُ أزاهيرَ آما / لٍ ملأْنَ الوُجودَ مِسْكاً ونَدّا
وَعَدَتْ كَفُّه عَلَى دَوْحةٍ كا / نتْ تَمُدُّ الظِّلالَ في مِصْرَ مَدّا
وَجَدَتْ مِصْرُ في ذَراها سَلاماً / وطوَتْ في ظِلالِها العَيْشَ رَغْدا
قدْ نَعَينا فَرداً به كان عَصْراً / وفَقَدْنا عَصْراً به كان فَرْدا
دَوْلةٌ فاقت الكواكِبَ نُوراً / وأنَافَتْ عَلَى الكواكبِ بُعْدا
علَّمَتْ كلَّ مَالِكٍ كيف تُرْعَى / أُممٌ حاطَها المُلوكُ تُهْدَى
رفع الشَّرقُ رأسَه بِفُؤَادٍ / ونَضَا عَنْه يأسَهُ فاسْتَجَدَّا
ومَضَى يَسْبِقُ الْخَواطِرَ وثْباً / وجَرَى يُجْهِدُ الأمَانِيَّ وَخْدا
وأتَتْ كلُّ أُمّة ترتجِي مِصْرَ / وِدَاداً وتَنْهَلُ العلم وِرْدا
كَعْبةٌ حَجّتْ الوُفُودُ إِليها / تَسْتَحِثُّ الرِّكَابَ وَفْداً فَوَفْدا
حَفَزَتْها لعَرْشِ مِصْرَ أمانٍ / بِنَشِيدِ الوَلاَءِ والْحُبِّ تُحْدَى
فَرأتْ حَزْمَ جاهِدٍ لَنْ يُبارَى / ورأتْ جُهْدَ حازمٍ لن يُحَدّا
أبصَرُوا المُلْكَ في جَلالةِ مَعْنا / هُ يُباهي السَّمَاءَ عِزّاً ومَجْدا
أبْصَرُوا دَوْلة ومُلْكاً كَبِيراً / ومِرَاساً يُعْيي الزَّمانَ وجُهْدا
هِمّةٌ تَفْرَعُ النُّجومَ وعَزْمٌ / سلَبَ السَّيْفَ حدَّه والفِرنْدَا
ومَضَاءٌ في الحَادِثاتِ برأْيٍ / فَضَح الصُّبْحَ نُورُه وتَحدَّى
يَستمدُّ الإِلهامَ من عالِمِ الغَيْبِ / وأجْدِرْ بمثله أنْ يُمَدّا
دَفَعَ الشعْبَ للسبيل فكانت / من سَنا هَدْيه أماناً ورُشْدا
مُلْهِباً عَزْمَه إِذا اجتازَ غَوْراً / مُسْتَحِثّاً إِذا تسلَّقَ نَجْدا
كلّما خَارَ أجزأتْ بسمةٌ مِنْه / فَمدَّ الخُطَا حَثِيثاً وجَدّا
ومَضى كالقَضَاءِ يَهْوِي لِمَرْمَا / هُ جَريئاً مُجَمَّعَ القَلْبِ جَلْدَا
يَبْهَرُ الصَّخرَ أنْ يَرَى منه صَلْداً / آدميَّ الرُّواءِن يَقْرَعُ صَلْدا
لا يُبالي إذا سَعَى للمعَالي / خَبَط الشوْكَ أم تَوطَّأَ وَرْدَا
وفُؤَادٌ أمامَه خَيْرُ هادٍ / قادَ لِلْغَايةِ البَعيدَةِ جُنْدا
كانَ لِلْمُقْدِمين رُوحاً وقلْباً / ولِرَكْب السَّارِينَ كَفَّاً وزَنْدا
لو دَعَأهُم إِلى النُّجوم لَسَاروا / خَلْفَه يُزْمِعُون للنَّجْمِ قَصْدا
وإِذا اليأسُ مَسَّهُم كان عَطْفاً / وسَلاماً عَلَى القُلُوبِ وبَرْدا
نَظْرةٌ مِنْه تَبْعَثُ الأمَلَ الوَا / ني وتُحْيِي منه الذي كان أوْدَى
كان رِدْءاً لِمصْرَ إِنْ جَارَ دهْرٌ / وصِمَاماً لأمْنِها إِنْ تَعَدَّى
ساسَ بالحِكْمةِ البِلاَدَ فكانَتْ / من عَوَادِي الزَّمانِ دِرْعاً وسَدّا
فَهْو إِنْ شَاءَ صيّر الغِمْدَ سيْفاً / وإِذا شاء صَيَّر السَّيْفَ غِمْدَا
قد أعدّتْه رَحْمةُ اللّهِ لِلْحُكْمِ / كَرِيماً مُبَارَكاً فاسْتَعَدّا
ورَعَى اللّهَ في الرّعِيّةِ والملكِ / فوفَّى حقَّ الإِلهِ وأَدَّى
أينَما سِرْت مَشْرِقاً تَلْقَ شُكْراً / أو توجَّهْتَ مَغْرِباً تَلْقَ حَمْدا
وإِذا اللّهُ رَامَ إِصْلاحَ شَعْبٍ / سَلَكَ القَائدُ الطَّريقَ الأسدَّا
إِنّما النَّاسُ بالملوكِ وأَغْلَى / الْمُلْكِ شَأْواً ما كانَ حُبّاً وَوُدّا
رَد بالْحَزْم كلَّ خَطْبٍ سِوَى المَوْ / تِ ولِلْمَوْتِ صَوْلَةٌ لَنْ تُرَدّا
والفَتَى في الْحَياةِ رهْنُ عَوَادٍ / لا يَرَى دُونَ مُلْتَقَاهُن بُدّا
حَكَمَ الموتُ في الأنَامِ فَسَوَّى / لم يَدَعْ سَيِّداً ولم يُبْقِ عَبْدا
بَيْنما يَسْحَقُ النِّمالَ تَراهُ / باسِطاً كفَّه لِيَقْنِصَ أُسْدا
يا مَليكي والْحُزْنُ يَطْحَنُ نَفْسي / كلّما قُلْتُ خَفَّ قال سَأَبْدا
أيْنَ عزُّ المُلْكِ الّذي كانَ للآ / مالِ في سَوْحهِ مَرَاحٌ ومَغْدَى
أين تلكَ الهِبَاتُ للعِلْمِ تُزْجَى / كلُّ رِفْدٍ فيها يُزَاحِمُ رِفْدا
أينَ أينَ القُصّادُ في ساحةِ القَصرِ / وأين الصِّلاتُ تُعْطَى وتُسْدَى
أين ذاكَ الْجَبِينُ ينضَحُ نُوراً / أين ذاكَ الْحَدِيثُ يَقْطُر شَهْدا
قد فَقَدْناهُ والمُصَابُ جَلِيلٌ / وجَمِيلُ العَزَاءِ بالْحُرِّ أجْدَى
نحنُ للّهِ راجِعُون وكل / بالغٌ في مَجَالةِ العُمْرِ حَدّا
غَير أنّ الفَتَى يُغَالِبهُ الدَّمْعُ / فلا يستطيعُ للدَّمْعِ صَدَّا
كلُّ مَهْدٍ يَصيرُ مِنْ بَعْد حينٍ / قَصُرَ العُمْرُ أو تَطَاولَ لَحْدَا
قَدْ مَلأْتُ الوُجودَ شَدْواً بِمَدْحِيكَ / وهَل غيْرُ مِزهَرِي بكَ أشْدَى
خَالداتٌ مِنَ الجلاَئلِ أوْلَتْ / شِعْرِيَ المُزْدَهي بوصْفِك خُلْدا
كَتبَ اللّهُ أنْ يَعُودَ رثاءً / وبُكَاءً يُدْمِي العيونَ وكَمْدا
قد نظَمْتَ العُلاَ قِلادَةَ دُرٍّ / فَنظمْتُ الدّموعَ أَرْثيكَ عِقْدا
أمَلُ الشَّعْبِ في خَليفَتِك الْفَا / رُوقِ أحْيَا آمالَه وأجَدّا
قرأ الشَّعْبُ في مَلاَمِحِه الغُرِّ / سُطورَ المُنَى وأبْصَر جَدّا
ورأَى فيه نَبْعةَ المجدِ والنُّبْلِ / أَباً مُفْردَ الجلالِ وجَدّا
لم يجِدْ للعُلاَ سواه مَثِيلاً / ولبَدْرِ السماءِ إِلاَّهُ نِدّا
رحمةُ اللّهِ للمليكِ المُسَجَّى / ورَعَتْ عينُه المليكَ المُفَدَّى
اِنظِمِ الدُلَّ تَوْءَماً وَفَرِيدَا
اِنظِمِ الدُلَّ تَوْءَماً وَفَرِيدَا / وَامْلأِ الأَرْضَ والسَماءَ نَشِيدَا
وإِذَا مَرَّ بِالنُّجُومِ خَيَالٌ / فَتَخَيَّرْ مِنَ النُّجُومِ عُقُودَا
آنَ يا شِعْرُ أَنْ تُغَنِّي فأَرْسِلْ / مِنْ قَوافِيكَ ما يَهُزُّ الْوُجُودَا
أَسْكِتِ الصَادِحاتِ يَهتفْنَ في الدَّو / حِ وَكُنْ في عِشاشِهَا تَغْرِيدَا
حَفِظَتْ رنَّة وَقَدْ رَدَّدَتْهَا / فَابْعَثِ اللَّحْنَ جَارِمِيّاً جَدِيدَا
وَاصْعَدِ الْجَوَّ للسَّمَوَاتِ وَانْقُلْ / لُغَةَ الْخُلْدِ إِنْ مَلَكْتَ صُعُودا
نَغَمَاتٌ مِنَ الْمَلائِكِ تَسْرِي / في الْفَرَادِيسِ مَا عَرَفْنَ حُدُودا
صَفَّقَ الْكَوْثَرُ الطهُورُ لِمُسْرَا / هَا وَجَرَّ الذُيُولَ يَمْشي وَئِيدا
وَسَعَتْ صَوْبَ هَمْسِهَا كُلُّ حَوْرَا / ءَ تُدَانِي رَأْساً وَتَعْطِفُ جِيدَا
وَالتَهَاليِلُ تَمْلأُ الْمَلأ الأعْلَى / وَتَعْنُو لِقُدْسِهِ تَمْجِيدَا
فَرَحٌ في السَماءِ وَالأرْضِ بِالْفَا / رُوقِ فَازَتْ بِهِ عِيدَا
غَنِّ يَا شِعْرُ بِالأَمَانِي حِسَاناً / ضَاحِكَاتٍ وَبِالزَّمَانِ وَدِيدَا
أَجِدِ الْقَوْلَ مَا اسْتَطَعْتَ وَإِلاَّ / فَمَتَى يَا تُرَى تَكُونُ مُجِيدَا
عَجَزَ النايُ فَابْتَكِرْ مِنْ قَوَافِيكَ / وَرَنَّاتِهِنَّ نَاياً وَعُودا
وَتَخَيَّرْ مِنَ الْخَمائِلِ أَنْدَا / هَا وَرَدِّدْ خِلالَها تَرْدِيدَا
هاتِهَا مَوْصِليَّة تَمْلِكُ السمْعَ / وَطَرِّبْ بِهَا وَغَنِّ الرشِيدا
وَابْعَثِ الرَّوضَ مِنْ كَرَاهُ وَقَبِّلْ / وَجَنَاتٍ مِنْ زَهْرِهِ وَخُدُودا
وَتَرَنَّمْ تُجِبْ صَدَاكَ الْقَمارِي / وَتَمِلْ نَحْوَكَ الْغُصُونُ قُدُودا
أَرْسِلِ الصوْتَ رَنَّةً تَمْلأُ الدنْيَا / وَتَبْقَى عَلَى الزمَانِ خُلُودا
لا تُبالِ الْقُيُودَ مِنْ فاعِلاَتُنْ / أَنْتَ أَحْرَى بِأَنْ تُذِلَّ الْقُيُودَا
سِرْ خفِيفاً معَ النَسائِمِ وَابْعَثْ / نَفَساً يَمْلأُ الْفَضَاءَ مَدِيدا
يُنْصِتُ اللَّيْلُ حِينَ تُنْشِدُ يا شِعْرُ / وَتَنْفِي عَنْ مُقْلَتيْهِ الرُّقُودا
ضُمَّهُ بَيْنَ سَاعِدَيْكَ وَغَرِّدْ / مِثْلَمَا هَزَّتِ الْفَتَاةُ الْوَلِيدا
لا تَدَعْ في لَهَاةِ فَنِّكَ صَوْتاً / إِنْ رَنَا مُصْغِياً يُريِدُ الْمَزِيدا
قَدْ نَقَدْنَا لَكَ الْقَوَافي صحَاحاً / مِثْلَمَا يَنْقُدُ الشَحِيحُ النقُودَا
وَجَمَعْنَا حُرَّ الْكَلاَم الّذِي عَزَّ / فَأَضْحَتْ لَهُ الْمَعَأنِي عَبِيدا
وَحَشَدْنَا الأَلْلَاظَ أَنْقَى مِنَ الْمَاءِ / وَأشْهَى مَسَاغَةً وَوُرُودا
وَبَعَثْنَا الْخَيَالَ سِحْراً مِنَ السحْرِ / وَنَهْجاً مِنَ الْبَيَانِ سَدِيدا
طارَ في الْجَوِّ مَا يَمَلُّ زَفِيفاً / وَطَوَى الأرض مَا يَمَلُّ وَحِيدا
رِقَّةٌ لَوْ جَرَتْ بِسَمْعِ الْغَوَاني / أَوَّلَ الدهْرِ مَا عَرَفْنَ الصُدودَا
قَدْ رَآهُ مُثَقَّفُ الْحِسِّ وَحْياً / وَرَآهُ مَنْ لاَ يُحِسُّ قَصِيدَا
سَارَ يَحْثُو التُرَابَ في وَجْهِ بَشَّا / رٍ وَيَطْوِي ابْنَ هَانىءٍ وَالْوَلِيدا
كلمَا قَامَ مُنْشِدُ الْقَوْمِ يَتْلُو / هُ تَمَنَّى مُتَابِعٌ أَنْ يُعِيدا
إِنَّ يَوْمَ الْفَارُوقِ يَوْمٌ عَلَى الدهْرِ / فَرِيدٌ فَهَاتِ قَوْلاً فَرِيدا
وَتَخَيَّرْ مِنْ سِحْرِ مَنْفِيسَ سِرّاً / كَتَمَتْهُ الْكُهَّانُ عَهْداً عَهِيدَا
وَصُغِ الشمْسَ في الأَصَائِلِ تَاجاً / وَانْسُجِ الرَّوْضَ في الرَّبِيع بُرُودَا
إِنَّ فَارُوقَ في الْمُلُوكِ وَحيدٌ / فَلْتكُنْ أَنْتَ في الْبَيَانِ وَحِيدا
بَحَثَ الْمَجْدُ في الْعُصُورِ فَلَمْ / يَلْقَ لَهُ بَيْنَ دَفَّتَيْها نَدِيدَا
مَلِكٌ فَضْلُهُ تَرَاهُ قَرِيباً / وَمَدَى رَأْيِهِ تَرَاهُ بَعِيدَا
خَدَمَتْهُ الأَقْدَارُ حَتَّى تَمَنَّتْ / لَوْ مَشَتْ حَوْلَ سُدَّتَيْهِ جُنُودَا
وَتَمنَّى اخْضِرَارُ كُلِّ نَبَاتٍ / لَوْ غَدَا في سَمَاءِ مِصْرَ بُنُودا
هِمَّةٌ تَمْتَطِي السماءَ وَعَزْمٌ / يَرْهَبُ الدهْرُ سَيْفَهُ مَغْمُودا
وَثَبَاتٌ يُدْمي جَبِينَ اللَّيَالي / وَيَفُتُّ الصخرَ الأَصَمَّ الصَّلُودا
مَكْرُمَاتٌ سَارَتْ بِكُلِّ مَسارٍ / مَثَلاً يَسْبِقُ الريَاحَ شَرُودا
يا لِوَاءَ الْبِلادِ أَيُّ لِوَاءٍ / لا يُفَدِّي لِوَاءَكَ الْمَعْقُودَا
صانَهُ اللّهُ في يَدَيْكَ فَخُذْهُ / وَتَقَدَّمْ بِهِ قَويّاً جَلِيدا
وَجَد النَّصْرُ في ذَرَاهُ مَقِيلاً / فَأَبَى أَنْ يضرِيمَ أَوْ أَنْ يَحيِدا
وَرَأتْ مِصْرُ فِيه عِزّاً مَنِيعاً / ومَثَاباً رَحْباً وَرُكْناً شَدِيدا
أَنْتَ مِنْ مَعْشَرٍ بَنَوْا فارِعَ الْمَجْدِ / فَأَمْسَى بِمِصْرَ صَرْحاً مَشِيدا
عَرَفَ السَّيْفُ أَنَّهُمْ جُنْدُهُ / الْبُسْلُ إِذَا صَافَحَ الْحَدِيدُ الْحَدِيدا
أَسْعَدُوا شَعْبَهُمْ فَكَانُوا سَحَاباً / وَحَمْوا عَرْشَهُمْ فَكَانُوا أُسُودا
وَمَضَوْا لِلْعُلاَ سِرَاعاً وَخَلَّوْا / أَنْجُمَ اللَّيْلِ جَاثِمَاتٍ هُجُودا
مَلَكُوا مِقْوَدَ الَّليالي صِعَاباً / وَلَوَوْا هَامَةَ الزَّمَانِ عَنِيدا
يَوْمَ فارُوقَ دُمْ عَلَى صَفْحَةِ الدَّهْرِ / حَفِيلاً بِالْبُشْرَيَاتِ مَجِيدا
لَبسَتْ فِيكَ مِصْرُ أَزْهَى حُلاَهَا / ورَأَتْ فِيكَ يَوْمَهَا الْمَشْهُودا
عَبْدُهَا الدَّهْرُ وَاللَّيَالِي إِمَاءٌ / وَالأَمَاني تُرِيدُهَا أَنْ تُرِيدا
في ظِلالِ المَْلِيكِ عَزَّتْ وَطَالَتْ / واسْتَعَادَتْ فِرْدَوْسَها الْمَفْقُودا
وَغَدتْ حَلْقَةً مِنَ الْمَجْدِ حَتَّى / قَدْ ظَنَنَّا الطَّرِيفَ مِنْهُ تَلِيدَا
أَقْبَلَتْ نَحْوَ سُدَّةِ الْمَلِكِ الْعَا / لي وُفوداً تَتْلُو إِلَيْهِ وفُودا
مَلَئُوا سَاحَةَ الإِمَامَةِ حَتَّى / خَافَتِ الأَرْضُ مِنْهُمُ أَنْ تَمِيدا
وَاسْتَحَثُّوا الْخُطَا فَكَانُوا بروقاً / وعلاَ صَوْتُهمْ فكانوا رُعُودا
وَالسُرورُ السرورُ يَلْعَبُ بِالشَعْبِ / كَمَا هَزَّتِ النَّسَائِمُ عُودا
ضَحكَاتٌ تَهْفُو إلى ضَحكَاتٍ / وَوعُودٌ بِالصفْو تلْقَى وُعُودَا
كُلُّهُمْ يَجْأَرُونَ بِالْعِزِّ لِلْفَا / رُوقِ وَالعْيْشِ نَاضِراً وَرَغِيدا
كَبَّرُوا حِينَما رَأَوْكَ مُطِلاً / وَأَبَحُّوا أَصْوَاتَهُمْ تَحْمِيدا
أَبْصَرُوا طَلْعةً إِذَا مَا تَبَدَّتْ / خَرَّتِ الشمْسُ والنُجُومُ سُجُودا
ورَأوْا سَيِّداً يُضِيءُ شَباباً / باسِماً كَالمُنَى وَيَهْتَزُّ جُودا
قَدْ غَرَسْتَ الْوَلاَءَ في كُلِّ قَلْبٍ / فَتَفَيَّأْ في ظِلِّهِ مَمْدُودَا
إِنَّ عَرْشاً أَسَاسُهُ مُهَجُ الشَّعْبِ / خَليقٌ بِأنْ يَكُونَ وَطِيدا
فانْظُرِ الشعْبَ لاَ تَرَى غَيْرَ قَلْبٍ / نابِضٍ يَحْفَظُ الْوَلاَءَ الأَكِيدا
ما رَأَتْ مِصْرُ مُنْذُ أَيَّامِ عَمْرٍو / مِثْلَ أَيَّامِكَ الْحِسَانِ عُهُودا
قَدْ نَثَرْنَا لَكَ الْوُرُودَ قُلُوباً / وَنَثَرْنا لَكَ الْقُلُوبَ وُرُودا
وَحَفِظْنَا لَكَ الْوِدَادَ نَضِيراً / وَأَذَعْنَا لَكَ الثَّنَاءَ نَضِيدا
مَوْكِبٌ يَبْهَرُ الشُّمُوسَ وَمَجْدٌ / حَمْلَقَ الدهْرُ مُذْ رَآهُ سُمُودا
لَمْ يُشاهِدْ سِواهُ بَعْدَ ابْنِ دَا / وُدَ سَناً مُشْرِقاً وَمُلْكاً عَتِيدا
وَمَلِيكاً يَرْعَى الإِلَهَ وَيَخْشَا / هُ وَيُعْلي الإِيمَانَ والتَوْحِيدا
أَكْمَلَ الدينَ بِالزَّوَاجِ فَأَسْدَى / مَثَلاً لَوْ دَرَى الشَبَابُ رَشِيدا
فَرَحٌ شَامِلٌ بِهِ بَلَغَتْ مِصْرُ / مُنَاهَا وحَظَّهَا الْمَنْشُودَا
كلُّ بَيْتٍ بِهِ غِناءٌ وَشَدْوٌ / عَلَّمَ الطيْرَ إِنْ شَدَتْ أَنْ تُجيدا
تَتَمَنَّى الأَغْصَانُ لَوْ رَقَصَتْ فِيهِ / مَكَانَ الْحِسَانِ هِيفاً وَغِيدا
وَتَوَدُّ النُّجُومُ لَوْ كُنَّ فِيه / بَدَلاً مِنْ سَنَا الشُموعِ وَقُودا
يَا لَيَالي الْفَارُوقِ كُوني لِموْلاَ / كِ رِفاءً وَلِلْبِلادِ سُعُودا
لَمَعَتْ في عُلاَكِ دُرَّةُ خِدْرٍ / كَرُمَتْ نَشْأَةً وَطَابَتْ جُدُودَا
بَلَغَتْ قِمَّةَ الْجَلاَلِ فَأَمْسَى / كُلُّ مَجْدٍ لمَجْدِهَا مَرْدُودا
مِنْ مِهَادِ النُّبْلِ السَّنيِّ أَضَاءتْ / فَعَلتْ كَوْكَباً وعَزَّت مُهُودا
وَزَهَتْ في مَقَاصِرِ الْمُلْكِ زَهْرَا / ءَ فَزَانَتْ مَقَامَهُ الْمَحْمُودا
يَا مَلِيكَ الْبِلاَدِ فَاهْنَأْ بِمَا نِلْتَ / سَعِيداً جَمَّ الثَّنَاءِ حَمِيدا
قَدْ أَشَدْنَا بِفَضْلِكَ الْوَافِرِ الْجَمِّ / إِذَا اسْطَاعَ شَاعِرٌ أَنْ يُشِيدَا
أَجْهَدَ الشعْرَ أَنْ يَرَى عَزَماتٍ / يَعْجِزُ الْوَصْفُ دُونَها وَجُهُودا
ومَعَانِيكَ لا تُحَدُّ فَمَاذَا / يَعْمَلُ الشعْرُ قاصِراً مَحْدُودا
وإِذَا مَا الْبَيَانُ عَقَّ لَبِيداً / في الْمَقَامِ الْمَهِيبِ فَاعْذِرْ لَبِيدا
عِشْ وَحِيدَ الْجَلالِ وَالْمَجْدِ وَاسْعَدْ / أَمَلُ الْمَجْدِ أَنْ تَعِيشَ سَعِيدا
وَابْقَ لِلدِّينِ مَوْئِلاً وعِمَاداً / وَابْقَ لِلشَّرْقِ سَيِّداً وَعَمِيدا
اِمْلأِ الأُفْقَ مِنْ سَناً وَسَناءِ
اِمْلأِ الأُفْقَ مِنْ سَناً وَسَناءِ / وَتَرفَّقْ بِهَامَةِ الْجَوْزَاءِ
وَاسْمُ نَحْوَ السَّماءِ كَالْمَثَل الأَعْلَى / تَجَلَّى مُحَلِّقاً في السماءِ
تَجْتَلِيكَ النُّفوسُ طَالِعَ سَعْدٍ / وَتَرَاكَ الْعُيُونُ لَمْحَ رَجَاءِ
رَافِعٌ رَأْسَهُ يَشُقُّ بِهِ السُّحْبَ / فَتَمْضِي في رَهْبَةٍ وَحَيَاءِ
شَمَمٌ عَافَ أنْ يَعِيشَ عَلَى الأَرْ / ضِ فَفَازَتْ بِهِ طِبَاقُ الْجِواءِ
منْ سِوَى ذِي الْمَضَاءِ وَالْهِمَّةِ الشَّماءِ / أَوْلَى بِالْقِمَّةِ الشمَّاءِ
نَاظِرٌ يَعْبُرُ الْوُجودَ بِلَحْظَيْهِ / فَيَجْتَازُ مُسْتَسِرَّ الْخَفَاءِ
تَتَجلَى لهُ الحَيَاةُ سُطُوراً / مِنْ ضِيَاءٍ لاَ مِنْ حُرُوفِ الْهِجَاءِ
وَيَرَى مِنْ وَرَائِهَا كُلَّ سِرٍ / جَلَّ مَكْنُونُهُ عَنِ الإفْشَاءِ
وَاقِفٌ كَالْخَطِيبِ فَانْتَبَهَ الشَّرْ / قُ وَمَدَّ الأَعْنَاقَ لِلإِصْغَاءِ
رُبَّ صَمْتٍ مِنَ الَبَيَانِ رَهِيبٍ / حُرِمَتْهُ مَقَاوِلُ الْبُلَغَاءِ
وإِذَا جَلَّتِ الْمَعَانِي تَسَامَتْ / عَنْ قُيُودِ الأَفْعَالِ والأَسْمَاءِ
يَتَأَبَّى السَّيْلُ الَّذِي يَصْدَعُ الأَجْبَالَ / أَنْ يَحْتَوِيهِ جَوْفُ إِنَاءِ
وَإِذَا لَمْ تَع الْمَعَأنِي فَنَقِّبْ / تَجِدِ الْعَيْبَ كلَّهُ في الْوِعاءِ
بَيْنَ مَعْنىً قَزْمٍ يَجُرُّ رِدَائَيْهِ / وَمَعْنىً ضَخْمٍ قَصِيرِ الرِّدَاءِ
رُبَّ فِكْرٍ في النَّفْسِ وَهْوَ مُضيءٌ / أَخْمَدَتْهُ فَهَاهَةُ الْفَأْفَاءِ
كَانَ في مَوْتِهِ مِنَ الْخُلْدِ مَعْنىً / فَوْقَ مَعْنَى الْحَيَاةِ والأَحْيَاءِ
عِشْتَ حُرّاً فَكَانَ خَيْرَ قَرِينٍ / لَكَ بَعْدَ الْحَيَاةِ طَلْقُ الْهَوَاءِ
تَزْدَهِي الطَّيْرُ بِالزَّعِيمِ وَتَهْفُو / بِجَنَاحَيْنِ مِنْ هَوىً وَوَفَاءِ
كُلَّمَا غَنَّتِ الْبلاَدُ بِسَعْدٍ / رَدَّدَتْ في السمَاءِ لَحْنَ الْغِنَاءِ
وَهْوَ عَالٍ كَذِكْرِهِ مَلأَ الأَرْ / ضَ وَأَلْوَى بِعاصِفَاتِ الْفَنَاءِ
إِنَّ مَنْ لَمْ يُبَالِ بِالمَوْتِ حَيّاً / فَازَ مِنْ بَعْد مَوْتِهِ بِالْبَقَاءِ
في صَفَاءٍ مِنَ الطَّبِيعَةِ كَالْحَقِّ / إِذَا لَمْ يَشِنْهُ ثَوْبُ الرِّيَاءِ
تَقْبِسُ الشَّمْسُ نُورَهَا في الصُّبْحِ / وَزُهْرُ النُّجُومِ عِنْدَ الْمَسَاءِ
في حَفِيفٍ مِنَ النَّسِيمِ رَفِيقٍ / وجَمِيمٍ عَذْبٍ مِنَ الأَنْدَاءِ
لاَ يُبَالِي الأَنْوَاءَ مِنْ بَعْدِما عَا / شَ حَيَاةً كَثِيرَةَ الأَنْوَاءِ
تَحْتَهُ النِّيلُ في الْخَمَائِلُ يَمْشِي / خَافِضاً طَرْفَهُ عَلَى اسْتِحْيَاءِ
سَارَ يُزْهَى بِشَاطِئَيْهِ طَلِيقاً / نَحْنُ أَدْرَى بِنِعْمَةِ الطُّلَقَاءِ
يَزْأَرُ الْمَوْجُ فِيهِ غضبانَ أَنْ ضَا / قَ بِمَا يَسْتَحِقُّ مِنْ إِطْرَاءِ
هُوَ مَجْرىً مِنَ الْبَشَائِرِ وَالآ / مَالِ مُثِّلْنَ في غَرِينٍ وَمَاءِ
هُوَ حِيناً حَوْلَ الرُّبَا مِنْ نُضَارٍ / وَهْوَ حِيناً مِنْ فضَّةٍ بَيْضَاءِ
قَبَّلَتْهُ الأَزْهَارُ وَهْوَ أَبُوهَا / كَمْ حَنَانٍ في قُبْلَةِ الأَبْنَاءِ
قِفْ كَما شِئْتَ وَقْفَةَ اللَّيْثِ يَا / سَعْدُ قَلِيلَ الأَنْدَادِ وَالنُّظَرَاءِ
مِصْرُ غِيلُ الشَّرْقِ الَّذِي عَلَّمَ الأُسْدَ / صِيَانَ الْحِمَى وَفَتْكَ الضِّرَاءِ
نَابُهَا الْحُجَّةُ الضَّرُوسُ وَأظْفَا / رُ يَدَيْهَا عَزِيمَةُ الْبُسَلاَءِ
زَأَرَتْ مِصْرُ فَاسْتَطَارَ لَهَا الشَّرْ / قُ وَلَبَّى مُثَوِّباً لِلْنِّدَاءِ
وَأمَاطَ الْحِجَابَ عَنْ نَاظِرَيْهِ / وَمَضَى يَسْتَخِفُّ بِالأَرْزَاءِ
قِفْ مُشِيراً إِلى الْفَضَاءِ فَذِكْرَا / كَ مَدَى الدَّهْرِ مِلءُ هَذا الْفَضَاءِ
حَفِظَتْهَا الأَبْنَاءُ أُنْشُودَةً الْمَهْدِ / وَكانَتْ عَقِيدَةَ الآبَاءِ
قِفْ وَشَاهِدْ مَصْرَ الطَّلِيقَةَ تَجْرِي / شَوْطَهَا في تَوَثُّبٍ وَمَضَاءِ
ذَهَبَ الْقَيْدُ في الرِّيَاحِ وَوَلَّى / وَبَدَا وَجْهُهَا وَضِيءَ الرُّوَاءِ
لَيْسَ يَدْرِي حَلاَوَةَ النُّجْحِ إِلاَّ / كَادِحٌ ذَاقَ فِيهِ مُرَّ الْعَنَاءِ
وَنَعِيمُ السَّرَّاءِ يَجْهَلُ مَعْنَا / هُ فَتىً لَمْ يُمَسَّ بِالضَّرَّاءِ
مَرْحَباً بِالشَّدَائِدِ الدُّهْمِ يَتْلُو / هَا صَبَاحٌ مِنْ نِعْمَةٍ وَرَخَاءِ
عَلَّمَتْنَا أَلاَّ نَبِيتَ عَلَى ضَيْمٍ / وأَلاَّ نَبْكي بُكَاءَ الإِمَاءِ
وَأَرَتْنَا أَنَّ النهَايَةَ لِلصَّبْرِ / إِذَا حَاطَهُ كَرِيمُ الإِبَاءِ
كِبْرِيَاءُ الشُّعُوبِ سِرُّ عُلاَهَا / لَمْ تَسُدْ أُمَّةٌ بِلاَ كِبْرِياءِ
إِنَّ تِمْثَالَكَ الَّذِي هُوَ رَمْزٌ / لِلأَمانِي وَالْهِمَّةِ الْقَعْسَاءِ
بَارِزٌ في الضَّمِيرِ مِنْ كلِّ نَفْسٍ / بَاعِثٌ نُورَهُ إِلَى كُلِّ رَائِي
قَدْ أَجَادَ الْمَثَّالُ مَا تَصْنَعُ الْكَفُّ / وَمَا يَسْتَطِيعُ وَحْيُ الذَّكاءِ
غَيْرَ أَنَّ النَّفْسَ الْكَبِيرَةَ خَلْقٌ / فَوْقَ طَوْقِ التَّصْوِيرِ وَالإِيحَاءِ
مَنْ تُرَى يَسْتَطِيعُ تَصْوِيرَ فِكْرٍ / لَكَ أَمْضى مِنْ رَجْعَةِ الأَصْدَاءِ
مَنْ تُرَى يَسْتَطِيعُ تَصْوِيرَ فِكْرٍ / لَكَ أَمْضى مِنْ رَجْعَةِ الأَصْدَاءِ
مَنْ تُرَى يَسْتَطِيعُ تَصْوِيرَ رَأْيٍ / أَلْمَعِيَ كالْكَوْكَبِ الْوَضَّاءِ
أَيْنَ مَنْ يَرْسُمُ الشَّهَامَةَ وَالْحَقَّ / وَضِيءَ السَّنَا بعيدَ السَّنَاءِ
أَيْنَ مَنْ يَرْسُمُ الإِبَاءَ عَزِيزاً / وَجَلالَ الْهُدَى وَنُبْلَ السَّرَاءِ
صَوِّرُوا شَخْصَهُ وخَلُّوا الْمَعَاني / وَدَعُوهَا لِرِيشَةِ الشُّعَرَاءِ
نحْنُ أَحْرَى بِالرَّسْمِ مِنْ أَلْفِ مَثَّا / لٍ وَأَدْرَى بِشِيمَةِ النُّبَغَاءِ
يَصْعَدُ الشعْرُ حَيْثُ لاَ تَصِلُ الشمْسُ / وَيَبْقَى عَلَى مَدَى الآناءِ
هُوَ خَطُّ الْجَمَالِ في صَفْحةِ الْكَوْ / نِ فَهَلْ لِلْجَمَالِ مِنْ قُرَّاءِ
شَرَفاً سَعْدُ قَدْ لَقِيتَ مِنَ الْفَا / رُوقِ مَا أَنْتَ أَهْلُهُ مِنْ حَفَاءِ
مَلِكٌ يَقْدُرُ الرِّجَالَ وَتَعْلُو / في حِماهُ مَرَاتِبُ الْعُظَمَاءِ
كُلَّمَا أَثْنتِ الْمَعَالي عَلَيْهِ / كَانَ فَوْقَ الْعُلا وَفَوْقَ الثَّنَاءِ
حُبُّهُ جَمَّعَ الْقُلُوبَ كَمَا / تَجْمَعُ بَلُّورَةٌ شَتِيتَ الضِّيَاءِ
حِكْمَةٌ زَانَها الشَّبَابُ فَأضحَتْ / قَبَساً لِلْهُدَاةِ وَالْحُكَمَاءِ
وَجَلاَلٌ لِمثْلِهِ يَخْشَعُ الطَّرْ / فُ وَتَعْنُو الْقُلُوبُ بِالإِيمَاءِ
قَدْ فَدَيْنَا لِوَاءَهُ في يَدَيْه / وَفَدَيْنَاهُ حَامِلاً لِلِّوَاءِ
هَتَفَ الْمَجْدُ بِاسْمِهِ وَاسْتَضَاءَتْ / بِسنَاهُ زَعَامَةُ الزُّعَمَاءِ
قَدْ مَلأْتُ الْوُجُودَ شِعْراً بِمَدْحِيهِ / وَمَا زِلْتُ بَيْنَ بَاءٍ وَتَاءِ
يَنْتَهي جُهْدُ كُلِّ مَدْحٍ وَوَصْفٍ / وَمَدَى فَضْلِهِ بِغَيْرِ انتِهَاءِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025