المجموع : 34
صوّرَ اللّه فيكِ معنى الخُلُودِ
صوّرَ اللّه فيكِ معنى الخُلُودِ / فابلُغي ما أردتِه ثمَّ زيدِي
أنتِ يا مِصْرُ جَنَّةُ اللّهِ في الأرْ / ضِ وعَيْنُ العُلاَ وَوَاوُ الوجودِ
أنتِ أمُّ المَجْدَيْنِ بَيْنَ طَرِيفٍ / يتَحَدَّى الوَرَى وبَيْنَ تَلِيدِ
كم جديدٍ عليه نُبْلُ قديمٍ / وقديمٍ عليه حُسْنُ جديدِ
قد رآك الدهرُ العَتِيُّ فَتاةً / وهو طِفلٌ يلهو بِطَوْقِ الوليدِ
شابَ من حَوْلِكِ الزمانُ ومَا زلْتِ / كغُصْنِ الرَّيْحَانَةِ الأُمْلُودِ
أنتِ يا مِصْرُ بَسْمةٌ في فم الْحُسْن / ودمعُ الْحَنانِ فوقَ الْخُدُودِ
أنتِ في القَفْرِ وَرْدَةٌ حَوْلَهَا الشَّوْ / كُ وفي الشوك عِزَّةٌ لِلْوُرُودِ
يَلْثِمُ البحرُ مِنْكِ طِيبَ ثغُورٍ / بَيْنَ عَذْبِ اللَّمَى وبَيْنَ بَرُودِ
يَابْنَة النيلِ أنتِ أحْلَى مِنَ الْحُبِّ / وأَزْهَى من ضاحِكاتِ الوُعُودِ
نَثَرَ النيلُ فيك تِبراً وأوْهَى / لِينُهُ من قسَاوةِ الْجُلمودِ
فَتَنَ الأَوَّلِينَ حَتَّى أشارُوا / نحو قُدْسِيِّ مائهِ بالسُّجُودِ
وَوَشَى للرِّيَاضِ ثوباً وَحَلَّى / كلَّ جِيدٍ من الرُّبَا بعُقُودِ
أنتِ للاّجِئينَ أُمٌّ وَوِرْدٌ / لِظِماءِ القلوبِ عَذْبُ الورودِ
قَدْ حَمَلْتِ السِّراجَ للنَّاسِ وَالكَوْ / نُ غريقٌ في ظلْمَةٍ وخُمُودِ
لا نَرى فيك غيرَ عهدٍ مَجيدٍ / قَرَنتْهُ العُلاَ بعهدٍ مَجيدِ
وجُهودٍ تمثَّلَتْ في صُخُورٍ / وصخورٍ تشَبَّهتْ بجُهُودِ
عِظَمٌ يَبْهَرُ السَّمَاءَ وشَأْوٌ / عَاقَ ذات الْجَناحِ دُونَ الصُّعُودِ
أنتِ يا مِصْرُ صَفْحَةٌ مِنْ نُضَارٍ / لَمَعَتْ بَيْنَ سَالِفَاتِ العُهُودِ
أَيْنَ رَمْسِيسُ والكُمَاةُ حَوَالَيْهِ / مُشاةٌ في الموْكِب المشْهُودِ
مَلأَ الأرضَ والسماءَ فَهذِي / بجنودٍ وهذِهِ بِبُنُودِ
وجُموعُ الكُهَّانِ تهتِفُ بالنَّصْرِ / وتتلو النّشيدَ إثْرَ النَّشيدِ
وبناتُ الوادِي يَمِسْنَ اخْتِيالاً / ويُحييّن بين دُفٍ وَعُودِ
أين عَمْروٌ فتى العُرُوبة والإِقْدامِ / أَوْفَى مُجَاهدٍ بالعقودِ
شَمَريٌّ يُحَطِّمُ السَّيفَ بالسَّيْفِ / ويرمِي الصِّنديدَ بالصِّنديدِ
لَمْ يكن جَيْشُه لدَى الزَّحْف إِلاَّ / قُوَّةَ العَزْمِ صُوِّرتْ في جُنودِ
قِلَّةٌ دَكَّتْ الْحُصون وبَثَّتْ / رِعْدَةَ الرُّعبِ في الْخِضَمِّ العَديِدِ
ذُعِرَ الموت أنَّهم لَمْ يَخافُو / هُ ولم يَرْهَبوا لِقاءَ الحديدِ
ينظرون الفِرْدَوْسَ في ساحةِ الْحَرْ / بِ فيستعجلون أجْرَ الشَّهيدِ
صَعِدُوا للعُلاَ بريشِ نُسورٍ / ومَضَوْا للرَّدَى بِعَزْمِ أسُودِ
أيْنمَا رَكَّزُوا الرِّماحَ تَرى العَدْ / لَ مقيماً في ظلِّها المَمْدودِ
وتَرى المُلْكَ أَرْيحِيَّاً عَلَيْهِ / نَضْرةٌ من سَمَاحَةِ التَّوحيدِ
وترَى العزمَ عابِساً لوُثُوبٍ / وتَرى السيف ضاحكاً في الغُمُودِ
وترى العِلْمَ يلتقي بهُدَى الدّ / ين على مَنْهَجٍ سَوِيٍ سديدِ
ملكُوا الأرضَ لم يسيئوا إِلى شَعْبٍ / ولم يحكموه حُكْمَ العبيدِ
هُمْ جُدُودِي وَأينَ مِثْلُ جُدودي / إِن تَصَدَّى مُفاخرٌ بالجُدودِ
فَسَحُوا صَدْرَهُم لحِكْمِة يُونَا / نَ وآدابِ فارسٍ والهُنُودِ
وأصاروا بالتَّرجَماتِ علومَ الرُّو / مِ وِرْداً للنّاهلِ المستفيدِ
حَذَقوا الطِبَّ والزمانُ عُلاَمٌ / والثقافاتُ رُضَّعٌ في المُهُودِ
وَشُعوبُ الدنيا تُعالِجُ بالسِّ / حْرِ وحَرْق البَخُورِ والتَّعقيدِ
هَلْ ترى لابن قُرَّةٍ من مثيلٍ / أو تَرَى لابن صاعدٍ من نديد
والطبيبُ الكِنْدِيُّ لم يُبْقِ في الطِّ / بِّ مَزِيداً لحاجةِ المسْتَزِيدِ
أَين أين الرَّازيُّ أين بَنُو زُهْ / رٍ دُعاةُ النُّهُوضِ والتَّجْدِيدِ
وابنُ سِينا وأينَ كابنِ نَفيسٍ / عَجَزَ الوَهْمُ عن مداه المَديدِ
هذه أُمَّةٌ من الصَّخرِ كانت / في قِفَارٍ من الحياة وَبِيدِ
تأكُلُ القَدَّ والدُّعَاعَ من الجُو / عِ وتَهْفُو شوقاً لِحَبِّ الْهَبِيدِ
وتُثِيرُ الحروبَ شَعْواءَ جهْلاً / وتدُسُّ الوَئيدَ إِثْرَ الوَئيدِ
نَبعَ النورُ بالنُّبُوَّةِ فِيهَا / فطَوَى صفحةَ اللَّيَالي السُّودِ
ومضَى يملأُ الممالكَ عَدْلاً / بَاسِمَ الوعْدِ مُكفَهِرَّ الوَعيدِ
أَطْلَقَ العقلَ من سَلاَسِلهِ الدُّهْ / مِ ونحّاه عن صَلَيلِ القُيُودِ
بَلغَتْ مِصْرُ في التَّآليفِ أوْجاً / فات طَوْقَ المُنَى بمَرْمىً بَعِيدِ
فاسأل الفاطِميَّ كَمْ من كتابٍ / زَان تاريخَهُ وسِفْرٍ فرِيدِ
والصَّلاحِيُّ والمماليكُ كانوا / مَوْئِلَ العِلْمِ في عُصورِ الرُّكُودِ
تلك آثارُهُمْ شُهُوداً عَلَى المَجْدِ / ومَا هُمْ بحاجَةٍ لشُهُودِ
اتَّئِدْ أيّها القَصِيدُ قَليلاً / أنا أرتاحُ لاتِّئاد القَصيدِ
وإِذا ما ذكرتَ نَهْضَةَ مِصْرٍ / فامْلأ الْخَافِقَيْنِ بالتَّغْرِيدِ
ثم مَجِّدْ مُحمَّداً جَدَّ إسْمَا / عيلَ واصْعَدْ ما شئتَ في التَّمْجيدِ
جاءَ والنَّاسُ في ظَلامٍ من الظُّلْمِ / وعَصْفٍ من الخُطُوبِ شَديدِ
حَسَراتٌ للذُّلِّ في كل وَجهٍ / وسِمَاتٌ للغُلِّ في كلِّ جِيدِ
فَأَزَاحَ الغِطاءَ عنهم فقاموا / في ذُهُولٍ وأقْبَلُوا في سُمُودِ
وهَدَاهُمْ إلى الحياةِ فَسَارُوا / في حِمىً من لِوَائِهِ المَعْقُودِ
كَمْ بُعُوثٍ للغَرْبِ بَعْدَ بُعُوثٍ / وَوُفُودٍ للشرقِ بَعْدَ وُفودِ
غَرَسَ الطبَّ في ثَرَى مُلْكِهِ الخِصْبِ / ورَوَّى من دَوْحِهِ كُلَّ عُودِ
وأَتَى بَعْدَهُ المجدِّدُ إسْمَا / عِيلُ ذُخرُ المُنَى ثِمَالُ الْجُودِ
وَ فُؤَادٌ تعيشُ ذِكرَى فُؤَادٍ / في نعيمٍ من رَحْمةٍ وخُلُودَِ
رَدَّ مَجْداً لِمِصْرَ لَوْلاَ نَدَاهُ / وَحِجَاهُ ما كانَ بالمَرْدُودِ
كلَّ يوْم لَهُ بناءٌ مَشِيدٌ / للمعالي إِلى بِناءٍ مَشِيدِ
ما اعْتَلَى الطِبُّ قِمَّةَ النَّجْمِ إلاَّ / بجِنَاحٍ من سَعْيه المَحْمُودِ
سَعِدَتْ مِصر بالْجَهابِذِ في الطِبِّ / فَكَمْ مِنْ مُحاضِرٍ ومُعِيدِ
وَعَلَى رَأْسِهِمْ أبو الحسن الْجرَّا / ح مَنْ كالرَّئِيس أوْ كالْعَمِيدِ
أيُّها الوَافِدُونَ من أمَمِ الشَّرْ / قِ وأشْبَاله الأُبَاةِ الصِّيدِ
اِهْبطُوا مِصرَ كَمْ بِهَا مِن قلوبٍ / شَفَّها حبكم وكَم من كُبُود
قَدْ رَأيْنَا في قُرْبِكُمْ يَوْمَ عِيدٍ / قَرَنَتْهُ المُنَى إِلَى يَوْمِ عِيدِ
إنَّ مِصراً لكم بلادٌ وأهْلٌ / لَيْسَ في الْحُبِّ بَيْنَنَا من حُدُودِ
جَمَعتْنَا الفُصْحَى فما من وِهَادٍ / فَرَّقَتْ بَيْنَنَا ولا من نُجُودِ
يَصِلُ الحبُّ حَيْثُ لا تَصِلُ الشَّمْس / ويجْتازُ شَامِخاتِ السُّدودِ
أُمَّةَ العُرْبِ آنَ أنْ يَنْهَضَ النِّسْرُ / فَقَدْ طَالَ عَهْدُهُ بالرُّقُودِ
صَفِّقِي بالْجَناحِ في أُذُنِ النَّجْمِ / ومُدِّي فَضْلَ العِنانِ وسُودِي
وأعِيدِي حَضَارةً زانَتْ الدُّنْيَا فكم / وَدَّتِ المُنَى أَنْ تُعِيدِي
إنَّمَا المَجْدُ أَنْ تُرِيدِي وَتَمْضِي / ثُم تَمْضِي سَبَّاقَةً وتُريدِي
لا يَنَالُ العُلاَ سِوَى عَبْقَريٍ / راسِخِ العَزْمِ كالصَّفَاةِ جَلِيدِ
قَدْ أَعَدْنَا عهْد العُرُوبَةِ فِي مِصْرَ / وذِكْرَى فِرْدَوْسِهَا المفْقُودِ
وَبَدأْنَا عَصْراً أغَرَّ سَعِيداً / بِمَليكٍ مَاضٍ أَغَرَّ سَعِيدِ
قَدْ حَبَاه الشبابُ رأياً وعَزْماً / عَلَوِيَّ المَضاءِ والتَّسدِيدِ
قام بالأَمْرِ أَرْيحيّاً رَشِيداً / فَذَكَرْنَا بِهِ عُهُودَ الرَّشِيدِ
إنَّ حُبَّ الفَارُوقِ وَهْوَ وَحِيدٌ / في مَكانٍ منَ القلوب وَحِيدِ
أَلْسُنُ العُرْبِ كلُّهَا دَعَوَاتٌ / ضَارِعَاتٌ بالنَّصْرِ والتَّأْيِيدِ
أبْصَرُوا في السَّماءِ مُلْكاً عَزِيزاً / رافعِ الرَّأْس فَوْقَ صَخْرٍ وَطِيدِ
وَرَأوْا عَاهِلاً يَفِيضُ جَلالاً / مِنْ هُدَى ربِّه العَزِيزِ الْحَمِيدِ
عَاشَ لِلْمُلْكِ وَالعُروُبَةِ ذُخْراً / في نعيمٍ مِنَ الْحَيَاةِ رَغِيدِ
داعِبِ الشرقَ باسماً وسعيدا
داعِبِ الشرقَ باسماً وسعيدا / وائتلِقْ يا صباحُ للناسِ عِيدا
نَسِيَتْ لحنَها الطيورُ فصوِّرْ / لبناتِ الغُصُونِ لحناً جديدا
فزَّعتْها عن الرياضِ خَفافي / شٌ تَسُدُّ الفضاءَ غُبْراً وسُودا
ألِفَتْ مُوحِشَ الظلامِ فودَّتْ / أن تبيدَ الدنيا وألاّ يَبيدا
فاسجَعي يا حمامةَ السلْمِ للكو / نِ وهُزِّي أعطافَه تغريدا
غرِّدي فالدموعُ طاح بها البِشْ / رُ وأضحى نَوْحُ الثَكالَى نشيدا
واسمَعي إنّ في السماء لحُونا / أسمعتِ الترتيل والترديدا
كلّما اهتزَّ للملائكِ صَوتٌ / رجّعْته أنفاسُنا تحميدا
رنَّةُ النصر في السماواتِ والأر / ضِ أعادتْ إلى الوجودِ الوجودا
مَوْلِدٌ للزمان ثانٍ شهدْنا / هُ فيا مَنْ رأى الزمانَ وليدا
سكنَ السيفُ غِمْدَه بعد أنْ صا / ل عنيفاً مُناجزاً عِرْبيدا
ما احمرارُ الأصيلِ إلا دماءٌ / بقيتْ في يَدِ السماء شُهودا
طائراتٌ ترمي الصواعقَ لا تخْ / شى إلاهاً ولا تخافُ عبيدا
أجهدتْ في السرى خوافقَ عِزْري / لَ فرفّتْ من خَلْفهِنَّ وئيدا
كلّما حلّقت بأُفْقِ مكانٍ / تركتْ فيه كلَّ شيءٍ حصيدا
كم سمِعْنا عَزيفَها من قريبٍ / فغدا الرأْيُ والسدادُ بعيدا
يلفَحُ الشيخَ والغلامَ لَظاها / ويُصيبُ الشجاعَ والرِعْديدا
كم وحيدٍ بين الرجامِ بكى أمّ / اً وأمٍ بكتْ فتاها الوحيدا
مُدُنٌ كنَّ كالمحاريبِ أمْناً / ترك الْخَسْفُ دُورَهنَّ سُجودا
وقُصورٌ كانت ملاعبَ أُنْسٍ / أصبحتْ بعد زَهوهِنَّ لُحودا
لَهْف نفسي عَلَى دماءٍ زكيّا / تٍ كَقْطرِ الغمامِ طُهْراً وجُودا
سِلْنَ من خَدِّ كلِّ سيفٍ نُضارا / بعد ما حَطَّم الحديدُ الحديدا
لَهفَ نفسِي عَلَى شبابٍ تحدَّى / عَذَباتٍ الفِرْدَوْسِ زَهْراً وعُودا
لَهفَ نفسِي والنارُ تعصِفُ بالجيْ / شِ فتلقاه في الرياح بَديدا
ذكّرتْنا جَهنّماً كلَّما أُلْ / قِيَ فَوْجٌ صاحتْ تُريدُ المَزيدا
كالبراكينِ إنْ تمشَّتْ وكالب / حر إذا جاشَ بالْحَميم صَهُودا
وإذا الماءُ كان ناراً فَمَنْ يَرْ / جو لنارٍ إذا استطارتْ خُمودا
أُمَمٌ تلتَقي صباحاً على المو / تِ لتستقبلَ المساءَ هُمودا
وفريقٌ للفتك يلقى فريقاً / وحُشودٌ للهَوْلِ تلقى حُشودا
كم حُطامٍ في الأرضِ كان عقولاً / ورَمادٍ في الْجَوّ كان جُهودا
وأمانٍ ونَشْوةٍ وشَبابٍ / ذهبتْ مثلَ أَمسها لن تَعودا
قُبُلاتُ الحسانِ ما زلن في الخَ / دِّ فهل عفَّرَ الترابُ الْخُدودا
ووعودُ الغرامِ ماذا عراها / أغدتْ في الثَرَى الْخضيبِ وعيدا
كم دُموعٍ وكم دماءٍ وكم هَوْ / لٍ وكم أنَّةٍ تفُتُّ الكُبودا
إنَّما الحربُ لعنةُ اللّهِ في الأر / ضِ وشَرٌّ بمَنْ عليها أريدا
صَدَّقَتْ ما رأى الملائكُ من قَبْ / لُ وما كان قولهم تفنيدا
إن الله حكمة دونها العق / ل فَخَلِّ المِراءَ والترديدا
كيف نصفو ونحن من عُنْصِر الط / ينِ فساداً وظلمةً وجُمودا
ذَهَبَ الموتُ بالْحُقودِ فماذا / لو محوتم قبلَ المماتِ الْحُقودا
شهواتٌ تدمِّرُ الأرضَ كي تح / يا وتجتاحُ أهلَها لتسودا
وجنونٌ بالمُلْكِ يعصِفُ بالدن / يا لكي يملِكَ القُبورَ سعيدا
يذبح الطفلَ أعْصَلَ النابِ شيطا / ناً ويحسو دَمَ النساء مَرِيدا
ويُسَوِّي جَماجمَ الناسِ أَبْرا / جا ليبغي إلى السماءِ صُعودا
قد رأينا الأُسودَ تقنَعُ بالقُو / تِ فليتَ الرجالَ كانت أسودا
قُتِلَ العلمُ كيف دبّر للفَتْ / كِ عَتَاداً وللدّمارِ جنودا
فهو كالخمر تَنْشُرُ الشرَّ والإثْ / مَ وإنْ كان أصلُها عُنقودا
أبدعَ المهلكاتِ ثم توارَى / خلفَها يملأُ الوَرى تهديدا
مادتِ الراسياتُ ذُعْراً وخَفَّتْ / مِنْ أفانينِ كَيْدهِ أنْ تميدا
وقلوبُ النجوم ترجُفُ أن يج / تازَ يوماً إلى مَداها الْحُدودا
مُحْدَثاتٌ عزّتْ على عقلِ إبلي / سَ فعَضَّ البنانَ فَدْماً بليدا
عالِمٌ في مكانِه ينسِفُ الأر / ضَ وثانٍ يحُزُّ منها الوَريدا
حَسْرَتا للحياةِ ماذا دهاها / أصبح الناسُ قاتلاً وشهيدا
أصحيحٌ عاد السلامُ إلى الكو / ن وأضحى ظِلاً به ممدودا
ورنينُ الأجْراسِ يصدَحُ بالنص / ر فيا بِشْرَهُ صباحاً مَجيدا
سايَرتْها قلوبُنا ثم زِدْنا / فأضَفْنا لشَدْوِهنّ القصيدا
رَدِّدي ردِّدي ترانيمَ إسحا / قَ وهُزِّي الحسانَ عِطْفاً وجِيدا
أنتِ صُورُ الحياةِ قد بَعَثَ النا / سَ وكانوا جماجماً وجُلودا
قد سئِمنا بالأمسِ صَفَّارةَ الإنْ / ذارِ والوَيْلَ والعذابَ الشديدا
ردِّدي صوتَكِ الحنونَ طويلاً / وابعَثيِ لحنَك الطروبَ مديدا
واهتِفي يا مآذِنَ الشرقِ باللَّ / ه ثناءً وباسمِه تمجيدا
واسطَعي أيها المصابيحُ زُهْراً / واجعَلي شوقَنا إليك وَقودا
قرَّتِ النفسُ واطمأنَّتْ وكانت / أملاً حائرَ الطريقِ شَريدا
ليت شعري ماذا سنجني من النص / رِ وهل تصدُقُ الليالي الوُعودا
وهل الأربعُ الروائعُ كانت / حُلُماً أو مواثِقاً وعُهودا
وهل انقادتِ الممالكُ للعد / لِ فلا سيِّداً تَرى أو مَسُودا
وهل الحقُّ صار بالسلمِ حقّاً / وأذابَتْ لظَى الحروبِ القُيودا
وهل العُرْبُ تستردُّ حماها / وتناجي فِرْدَوْسها المفقودا
وَترى في السلامِ مجداً طريفاً / جاء يُحْيى بالأَمسِ مجداً تَليدا
بذَلتْ مصرُ فوق ما يبذُلُ الطَّوْ / قُ وقد يُسْعِفُ النديدُ النديدا
في فيافيِ صَحْرائِها لَمَعَ النص / رُ وولَّى رُوميلُ يعْدو طريدا
فهي إذْ تنثُرُ الورودَ تُناغي / أملاً ضاحكاً يفوقُ الورودا
وهي ترجو لا بل تريدُ وأَجْدِرْ / بابنةِ النيلِ وَحْدها أنْ تُريدا
جدّدي يا رشيدُ للحبِّ عَهْدَا
جدّدي يا رشيدُ للحبِّ عَهْدَا / حَسْبُنا حسبُنا مِطالاً وصدَّا
جدّدي يا مدينةَ السحرِ أحلا / ماً وعْيشاً طَلْقَ الأسارير رَغْدا
جدّدي لمحةً مضتْ من شبابٍ / مثل زهر الربا يرِفُّ ويندَى
وابعثي صَحْوةً أغار عليها الش / يْبُ حتَّى غدتْ عَناءً وسُهدا
وتعالَيْ نعيشُ في جَنَّةِ الما / ضي إذا لم نجِدْ من العيشِ بُدّا
ذِكْرياتٌ لو كان للدهرِ عِقْدٌ / كنّ في جِيدِ سالفِ الدهر عِقدا
ذِكْرياتٌ مضتْ كأحلام وصلٍ / وسُدىً نستطيعُ للحُلْمِ رَدَّا
قد رشفنا محتومهنَّ سُلافاً / وشممْنا رَيّا شذاهُنّ نَدّا
والهَوى أمْرَدُ المحيَّا يناغي / فِتْيةً تُشبهُ الدنانير مُرْدَا
عبِثوا سادرين فالْجِدُّ هزلٌ / ثمّ جدّوا فصيَّروا الهزلَ جِدّا
ويح نفسي أفدي الشبابَ بنفسي / وجديرٌ بمثلهِ أن يُفَدَّى
إنْ عددنا ليومِه حسناتٍ / شغلتْنا مساوىءُ الشيْبِ عَدّا
جذوةٌ للشبابِ كانت نعيماً / وسلاماً على الفؤادِ وبَرْدا
قد بكيْناه حينَ زال لأنّا / قد جهِلْنا من حَقّه ما يُؤَدّى
وقتلناه بالوقارِ ضلالاً / وهو ما جار مرّةً أو تعدَّى
ما عليهم إن هام عمرٌو بهندٍ / أو شدا شاعرٌ بأيامٍ سُعدى
شُغِفَ الناسُ بالفضُولِ وبالْحِقْ / دِ فإنْ تلقَ نعمةً تلَقَ حِقدا
أرشيدٌ وأنت جنَّةُ خُلْدٍ / لو أتاح الإلهُ في الأرضِ خُلدا
حين سَمّوْكِ وردةً زُهِيَ الحس / نُ وودّ الخدودُ لو كنّ وَرْدا
توّجتْ رأسَكِ الرمالُ بتبرٍ / وجرَى النيلُ تحت رِجْليْك شهدا
وأحاطت بكِ الخمائلُ زُهْراً / كلُّ قَدٍ فيها يعانقُ قَدّا
والنخيلُ النخيلُ أرخت شعوراً / مُرسَلاَتٍ ومدَّت الظلَّ مدّا
كالعذارَى يدنو بها الشوقُ قُرْباً / ثم تنأَى مخافةَ اللّومِ بُعْدَا
حول أجيادِها عقودُ عقيقٍ / ونُضارٍن صفاؤه ليس يصدأ
يا ابنةَ اليمِّ لا تُراعي فإنّي / قد رأيتُ الأمورَ جَزْراً ومدّا
قد يعودُ الزمانُ صفواً كما كا / نَ ويُمسي وعيدُه المُرُّ وعدا
كنتِ مذ كنتِ والليالي جواري / كِ وكان الزمانُ حولَك عبدا
كلّما هامت الظنونُ بماضي / كِ رأتْ عَزْمَةً وأبصرن مجدا
بكِ أهلي وفيكِ مَلْهَى شبابي / ولَكَمْ فيكِ لي مَراحٌ ومَغْدَى
لو أصابتكِ مسّةُ الريحِ ثارت / بفؤادي عواصفٌ ليس تَهْدا
أنا من تُرْبِك النقي وشعري / نفحاتٌ من وَحْيِ قُدْسِك تُهْدى
كنتُ أشدو به مع الناس طفلاً / فتسامَى فصرتُ في الناسِ فَرْدا
من رزايا النبوغِ أنّكِ لا تلْ / قَ أنيساً ولا تَرَى لكَ نِدّا
قد جَزيْناكِ بالحنانِ حَناناً / وجزينا عن خالصِ الوُدِّ وُدّا
ليتَ لي بعد عودتي فيك قبراً / مثلما كنتِ مَنْبِتاً لي ومَهْدا
أصحيحٌ أن الخطوبَ أصابت / كِ وأنّ الأمراضَ هَدَّتْكِ هدّا
وغدا الفيلُ فيكِ داءً وبيلاً / نافثاً سُمَّه مُغيراً مُجِدَّا
كم رأينا من عاملٍ هدَّه الدّا / ءُ وأرداه وَقْعُه فتردَّى
كان يسعَى وراءَ لُقْمةِ خُبْزٍ / ولَكَمْ جدَّ في الحياةِ وكدّا
فغدا كالصريع يلتمسُ الْجُهْ / دَ ليحيا به فلم يَلْقَ جُهدا
إن مشى يمشِ بائساً مستكيناً / كأسيرٍ يجرُّ في الرجْلِ قِدّا
خلفه من بَنيه أتضاءُ جوعٍ / وهو لا يستطيع للجوعِ سَدّا
كلّما مدّ كفَّه لسؤالٍ / أشبعتها اللئامُ نَهْراً وطَرْدا
أمن الحق أن نعيش بِطاناً / ويجوعَ العَليلُ فينا ويصْدَى
وَلكَمْ تلمَحُ العيونُ فتاةً / مثل بدرِ السماءِ لمَّا تبدّى
هي من نَغْمَةِ البشائرِ أحلَى / وهي من نَضْرةِ الأزاهرِ أندَى
تتمنَّى الغُصُونُ لو كنَّ قدّاً / حينَ ماستْ والوردُ لو كان خدَّا
حوّمتْ حولَها القلوبُ فَراشاً / ومشت خلفَها الصواحبُ جُنْدا
وارتدت بالْخِمارِ فاختبأ الحس / نُ يُثير الشجونَ لما تردّى
لعِبتْ بالنهَى فأصبح غَيَّا / كلُّ رُشْدٍ وأصبح الغَيُّ رُشدا
حسَدَ الدهرُ حسنَها فرماها / بسهامٍ من الكوارثِ عَمْدا
طرقتها الحمَّى الخبيثةُ ترمى / بشُواظٍن يزيده الليلُ وَقْدا
روضةٌ من محاسنٍ غالها الإعْ / صارُ حتى غَدَتْ خمائلَ جُرْدَا
حلّ داءُ الفيل العُضالُ برِجْلَيْ / ها وألقَى أثقالَه واستبدّا
كم بكتْ أُمُّها عليها فما أغْ / نَى نُواحٌ ولا التحسُّرُ أجْدَى
ويحَها أين سِحْرها أين صارت / أين ولَّى جمالُها أين نَدّا
أين أين ابتسامُها ذهب الأنُ / سُ ومال الزمانُ عنها وصَدّا
أين فَتْكُ العيونِ لم يترك الدهْ / رُ سيوفاً لها ولم يُبْقِ غِمْدا
أين خلْخالها لقد خلعتْه / وهي تبكي أسىً وتنفُثُ صَهْدا
طار خُطّابُها فلم يَبْقَ فردٌ / وتولَّى حَشْدٌ يحذِّرُ حشدا
لسعتها بعوضةٌ سكنت بِئْ / راً وقد كان جسمُها مستعدّا
إن هذا البعوضَ أهلك نُمْرو / ذَ وأفنَى ما لم يُعَدُّ وأعْدَى
فاحذروه فإنّه شرُّ خَصْمٍ / وتصدَّوْا لحربِه إنْ تصدَّى
جَرِّدوا حَمْلةً على الفيلِ أنجا / داً كراماً ومزِّقوا الفيلَ أُسْدا
أرشيدٌ دونَ المدائنِ تبقَى / مُسْتراضاً لكلِّ داءٍ ووِرْدا
يفتِكُ السم في بَنيها فلا تر / فَعُ كَفّاً ولا تحرِّكُ زَندا
ثم تُلْقي السلاحَ إلقاءَ ذلٍ / والجراثيمُ حولَها تتحدَّى
يا لَعاري فليت لي بين قومي / بطلاً يكشِفُ الشدائدَ جَلْدا
ظَمِىءَ الشْعرُ للثناءِ فهل آ / نَ له أن يفيضَ شكراً وحمدا
مَنْ مُجيرِي مِنْ حالِكات اللّيالي
مَنْ مُجيرِي مِنْ حالِكات اللّيالي / نُوَبَ الدَّهْرِ مالكُن وماليِ
قد طَواني الظلامُ حتّى كأنِّي / في دَيَاجي الوجودِ طَيفُ خَيَالِ
كلُّ ليلٍ لهُ زَوالٌ ولَيْلي / دقَّ أطنابَهُ لِغَيرِ زَوَال
كلُّ ليل له نجومٌ ولكنْ / أينَ أمثالهُنَّ من أمثالي
تَثِبُ الشّمسُ في السماءِ وشَمْسي / عُقِلَتْ دُونَها بألْفِ عِقَالِ
لا أرَى حِينما أرَى غَيرُ حَظِّي / حَالِكَ اللَّونِ عَابِسَ الآمالِ
هو جُبُّ أعِيشُ فيه حزيناً / كاسِفَ النَّفسِ دائمَ الْبَلْبَالِ
ما رأتْ بَسْمةَ الشُّموسِ زَوَايا / هُ ولا دَاعَبتْ شُعَاعَ الْهِلال
فإذا نِمْتُ فالظلاَّمُ أمامِي / أَوْ تيقَّظْتُ فالسَّوادُ حِيالي
أتَقَرَّى الطّريقَ فيه بِكَفِّي / بين شَكٍ وحَيْرَةٍ وضَلال
وأُحِسُّ الهواءَ فهْوَ دَلِيليِ / عن يَميني أَسِيرُ أوْ عَنِ شِمالي
كُلّما رُمْتُ منه يَوْماً خَلاصاً / عَجَزتْ حِيلَتي ورَثَّتْ حِبالي
عَبَثاً أُرْسِلُ الأنِينَ مِن الْجُبِّ إلى / سَاكِني القُصُورِ العَوالي
مَنْ لسَارٍ بِلَيْلةٍ طولُها العُمْرُ / يَجُوبُ الأَوْجالَ لِلأَوْجالِ
مُتَردٍ في هَاوياتِ وِهادٍ / لاهِثٍ فوقَ شامِخَاتِ جِبال
عند صَحْراءَ للأعاصيرَ فيِها / ضَحِكُ الْجِنِّ أو نَحيبُ السَّعالي
لم يَزُرْها وشْيُ الرّبيع ولكنْ / لك ما شئْتَ من نسيجِ الرِّمال
لَيْس للطيرِ فوقَها من مَطارٍ / أو بَنِي الإِنْسِ حَوْلَها من مَجال
خَلَقَ اللّه قَفْرَها ثم سَوَّى / من ثَراهُ أنامِلَ البُخَّالِ
رَهْبةٌ تَملأُ الْجَوانِحَ رُعْباً / وأَدِيمٌ وَعْرٌ كحدِّ النِّصَالِ
وامتدادٌ كأنَّه الأمَلُ الطَّا / ئشُ مَا ضاقَ ذَرْعُهُ بمُحَالِ
سارَ فيها الأعمَى وَحِيداً شريداً / حائراً بينَ وَقْفَةٍ وارْتِحالِ
في هَجِيرٍ ما خَفَّ حَرُّ لَظَاه / بِنَسيمٍ ولا ببرْدِ ظِلاَلِ
مَلَّ عُكّازُه من الضَّرْبِ في الأر / ضِ على خَيْبةٍ ورِقَّةِ حال
يَرْفَعُ الصّوْتَ لا يَرَى مِنْ مُجِيبٍ / أَقْفَرَ الكَوْنُ من قُلُوبِ الرّجال
مَنْ لِهَاوٍ في لُجَّةٍ هِيَ دُنْيا / هُ وأَيَّامُ بُؤسِه المُتَوَالي
ظُلَمٌ بَعضُها يُزاحِمُ بعْضاً / كَلَيالٍ كرَرْنَ إِثْرَ لَيالي
يَفْتَحُ المَوْجُ ماضِغَيْهِ فَيَهْوِي / ثمّ يطْفُو مُحطَّمَ الأوْصال
لا تَرَى منه غيرَ كَفٍ تُنادِي / حينما عَقَّه لسانُ المَقَالِ
والرِّياحُ الرِّياحُ تَعْصِفُ بِالْمِسِكينِ / عَصْفَ الأيّامِ بالآجالِ
يَسْمَعُ السُّفْنَ حَوْلَه ماخِراتٍ / مَنْ يُبَالِي بمِثْلهِ مَنْ يُبالِي
يسمعُ الرَّقْصَ والأهَازيج تَشْدُو / بَيْنَ وَصْلِ الْهَوَى وهَجْرِ الدَّلالِ
شُغِلَ الْقوْمُ عنه بالقَصْفِ واللَّهْوِ / وهامُوا بِحُبِّ بِنْتِ الدَّوَالي
ما لَهُمْ والصَّريعَ في غَمْرةِ اللُّجِّ / يَصُدُّ الأهْوَالَ بالأهْوَالِ
لا يُريدُون أنْ يُشَابَ لهم صَفْوٌ / بِنَوْحٍ للبُؤْسِ أو إِعْوَالِ
هكذا تُمْحلُ القُلوبُ وأَنْكَآ / أن تُباهَى بذلكَ الإِمْحال
هكَذا تُقْبَرُ المُروءةُ في النّا / س ويُقْضَى على كَرِيمِ الْخِلال
مَنْ لهذا الأعْمى يَمُدُّ عصَاه / عاصِبَ البَطْنِ لم يَبُحْ بسُؤَالِ
مَنْ رآهُ يَرَى خَليطاً من البُؤ / سِ هَزيلاً يَسِيرُ في أسْمَالِ
هو في مَيْعَةِ الصِّبا وتَراهُ / مُطْرِقَ الرَّأسِ في خُشُوعِ الكِهَالِ
ساكناً كالظَّلاَمِ يَحْسَبُهُ الرَّا / ءُونَ معْنىً لليأسِ في تِمْثَالِ
فَقَد الضَّوْءَ والحياةَ وهل بَعْد / ضِياءِ العَيْنَيْن سَلْوَى لِسالِ
مَطَلَتْهُ الأيّامُ والناسُ حَقا / فَقَضَى عَيْشَه شَهِيدَ المِطَال
ما رَأَى الرَّوْضَ في مَآزِرِهِ الْخُضْرِ / يُبَاهِي بحُسْنِها ويُغَالي
ما رَأى صفْحةَ السماءِ وَمَا رُكِّبَ / فيها مِنْ باهِرَاتِ الّلآلي
ما رَأى النِّيلُ في الْخمائلِ يَخْتَا / لُ بأذيالِهِ العِراضِ الطِوالِ
ما رَأى فِضَّةَ الضُّحَى في سَنَاها / أوْ تَمَلَّى بعَسْجَدِ الآصالِ
فدعوه يَشْهَدْ جَمَالاً من الإحْسَانِ / إنْ فائه شُهُودُ الْجَمالِ
ودعوه يُبْصِرْ ذُبَالاً من الرَّحْمَةِ / إنْ عَقَّه ضِياءُ الذُّبَالِ
قد خَبَرْتُ الدُّنيا فلم أرَ أَزْكَى / مِنْ يَمينٍ تفتَّحتْ عَنْ نَوال
أيُّها الوَادِعُون يَمْشُون زَهْواً / بَيْنَ جَبْرِيّةٍ وبَيْنَ اخْتِيالِ
يُنْفقُون القِنْطارَ في تَرَفِ العَيْشِ / ولا يُحْسنون بالمِثْقالِ
ويَروْنَ الأَمْوالَ تُنْثَرُ في اللّهْوِ / فلا يَجْزَعون لِلأَمْوَالِ
إِن في بَلْدَةِ المُعِزِّ جُحُوراً / مُتْرَعاتٍ بأدْمُعِ الأَطْفالِ
كلُّ جُحْرٍ بالبُؤْسِ والفَقْرِ مملو / ءٌ ولكنّه من الزَّادِ خالي
بَسَقَتْ فيه للجَرَاثيمِ أفْنا / نٌ تدلَّتْ بكلِّ داءٍ عُضَالِ
لوْ رأيتَ الأشباحَ مِنْ ساكنيه / لرَأيْتَ الأطْلالَ في الأطْلالِ
يَرْهَبُ النُّورُ أنْ يمرَّ به مَرَّا / وتَخْشَى أذَاهُ ريحُ الشَّمَالِ
تَحْسِبُ الطفلَ فِيه في كَفَنِ الموْ / تَى وقَدْ ضمَّه الرِّدَاء البالي
أيّها الأغنياءُ أين نَداكُمْ / بَلَغ السّيْلُ عالياتِ القِلالِ
هُمْ عِيالُ الرَّحمنِ ماذا رأيتُمْ / أَو صَنَعْتُم لهؤلاءِ العِيالِ
رُب أعْمَى له بصيرةُ كَشْفٍ / نَفدَتْ من غَيَاهِبِ الأَسْدالِ
أَخذ اللّه مِنهُ شيئاً وأَعْطَى / وأعَاضَ المِكْيالَ بالْمِكْيالِ
يَلْمَحُ الْخطْرةَ الْخفِيَّةَ للنَّفْ / سِ لها في الصُّدورِ دَبُّ النمَالِ
ويَرَى الحقَّ في جَلالةِ معنا / هُ فيحيا في ضَوْءِ هذا الْجَلالِ
كان شَيْخُ المَعَرَّةِ الكَوْكَبَ السَّا / طِعَ في ظُلْمةِ القُرُونِ الْخَوالي
فأتى وهْوَ آخِرٌ مِثلَما قا / لَ بما نَدَّ عَنْ عُقُولِ الأَوالي
أنقِذُوا العَاجزَ الفَقيرَ وصُونُوا / وَجْهَهُ عن مَذلَّةٍ وابْتِذَالِ
علِّموهُ يَطْرُقْ مِنَ العَيْشِ باباً / وامْنَحُوه مَفَاتِحَ الأَقْفَالِ
لا تضُمُّوا إلى أَسَاهُ عَمَى الْجَهْ / لِ فيلْقَى النكَالَ بَعْد النكَالِ
كُلُّ شيءٍ يُطَاقُ مِنَ نُوَبِ الأَيَّامِ / إِلاَّ عَمَايةَ الْجُهّالِ
علِّموه فالعِلْمُ مِصْباحُ دُنْيا / هُ ولا تكْتفُوا بصُنْعِ السِّلالِ
إِنْ جَفَاهُ الزّمانُ والآلُ والصَحْ / بُ فكونوا لِمِثْله خيرَ آلِ
نزلَ الوَحْيُ في التَّرَفُّقِ بالأع / مَى وبسْطِ اليديْنِ للسُّؤَالِ
سوف تتلو الأجيالُ تاريخَ مِصْرٍ / فأعِدُّوا التاريخَ لِلأَجْيالِ
بالأيادِي الحِسانِ يُمْحَى دُجَى البؤ / سِ وتَسْمُو الشعوبُ نَحوَ الكَمالِ
يَذْهبُ الفقرُ والثَّراءُ ويَبْقى / ما بَنَى الخيِّرونَ من أَعْمالِ
صادِحَ الشَّرْقِ قَدْ سَكَتَّ طَويلاَ
صادِحَ الشَّرْقِ قَدْ سَكَتَّ طَويلاَ / وَعَزِيزٌ عَلَيْهِ أَلا تَقُولاَ
أَيْنَ ذَاكَ الشعْرُ الذي كُنْتَ تزْجِيهِ / فَيَسْرِي في الأرضِ عَرْضاً وطُولا
قَدْ سَمِعْنَاهُ في الْمَزاهِرِ لَحناً / وَسَمِعْنَاهُ في الْحَمامِ هَديلا
وَشَمِمْنَاهُ فِي الْكَمائمِ زَهْراً / وَشَرِبْنَاهُ فِي الكُؤُوسِ شَمُولا
تَنْهَبُ الدُرَّ مِنْ عُقودِ الغَوَانِي / ثُمَّ تَدْعُوهُ فاعِلاتُنْ فَعُولاَ
خَطَرَاتٌ تَسِيرُ سَيْرَ الدَرَارِي / آبِيَاتٍ عَلَى الزمانِ أُفُولاَ
تَخْدَعُ الْجَامِحَ الشمُوسَ مِنَ الْقَوْ / لِ فَيُلْقِي الْعِنانَ سَهْلاً ذَلُولا
غَزَلٌ كالشبَابِ أَسْجَحُ رَيَّا / نُ يُذِيبُ الْقَاسي ويُدْنِي الْمَلُولا
وَنَسِيبٌ يَكادُ يَبْعَثُ فِينَا / مِنْ جَديدٍ كُثَيِّراً وَجَمِيلاَ
وَقَوافٍ سَالَتْ مِنَ اللُّطْفِ حتَّى / لَحَسِبْنَا الْمُجْتَثَّ مِنْهَا طَويلاَ
نَقَدَتْ جَيِّدَ الْكلامِ وَخَلَّت / سَقَطاً مِنْ وَرائِها وفُضُولاَ
عَبِئَتْ بالْوَلِيدِ ثُمَّ أَرَتْهُ / مِنْهُ أَنْقَى مَعْنىً وَأَقْوَمَ قِيلاَ
لَوْ وَعَاهَا مَا اهْتَزَّ يُنْشِدُ يَوْماً / ذَاكَ وادِي الأَرَاكِ فَاحْبِسْ قَلِيلاَ
قِفْ مَشُوقاً أَوْ مُسْعِداً أَوْ حَزيناً / أَوْ مُعِيناً أَوْ عَاذِراً أَوْ عَذولاَ
بَرَزَتْ نَفْسُهُ بِها فَرَأينَا / هُ نَبِيلاً يَنُثُّ قَوْلاً نَبِيلاَ
هَبَطَتْ حِكمَةُ الْبَيانِ عَلَيْهِ / فَاذكُروا في الْكِتابِ إِسْمَاعِيلاَ
لَو شَهِدْتَ الردَى يَحُومُ عَلَيْهِ / وَالْمنَايَا تَرْمِي لَهُ الأُحْبُولاَ
لَرَأَيْتَ الطَّوْدَ الأَشَمَّ الَّذِي كَا / نَ مَنِيعَ الذرَا كَثِيباً مَهِيلاَ
وَرَأَيْتَ الصمْصامَ لاَ يَقْطَعُ الضِغْثَ / وَقَدْ كَانَ صَارِماً مَصْقُولاَ
وَرَأَيْتَ الرُّوحَ الْخفِيفَةَ حَيْرَى / إِنَّ عِبءَ السقَامِ كَانَ ثَقيلاَ
شَيَّعَ الدَّمْعُ يَوْمَ شَيَّعَ صَبْرِي / دَوْلَةً فَخْمَةً وَعَصْراً حَفِيلا
خُلقٌ لَوْ يَمَسُّ هَاجِرَةَ الْقَيْظِ / لأَمْسَتْ عَلَى الأَنَامِ أَصِيلاَ
وَخِلالٌ مِثْلُ النَسِيمِ وَقَدْ مَرَّ / بِزَهْرِ الربَا عَلِيلاً بَلِيلاَ
وَحَديِثٌ حُلْوُ الْفُكَاهَةِ عَذبٌ / لَمْ يَكُنْ آسِناً ولاَ مَمْلُولاَ
يُذْهِلُ الصَبَّ عَنْ أَحادِيثِ لَيْلاَ / هُ وَيُنْسِيهِ حَوْمَلاً وَالدخُولاَ
يقصُرُ اللَّيْلُ حِينَ يَسْمُرُ صَبْرِي / بَعْدَ أَنْ كَانَ نَابِغيّاً طَوِيلاَ
يَوْمَ صَبْرِي هَدَمْتَ لِلْمَجْدِ رُكْناً / وتَرْكْتَ الْعَلْياءَ أُمّاً ثَكُولاَ
يَوْمَ صَبْرِي أَغْمَدْتَ في التُرْبِ سَيفاً / حِينَ جَرَّدْتَ سَيْفَكَ الْمَسْلولاَ
إِنَّمَا نَحْنُ فِي الْحياةِ إِلَى / حِينٍ شَبَاباً وَفِتْيَةً وَكُهُولاَ
نَتَمنَّى الْحَياةَ جِدَّ تَمَنٍ / وَهْيَ لَيْسَتْ إِلاَّ مَتَاعاً قَلِيلاَ
وَقَفَ الطِبُّ حَائراً وَالْمَنَايَا / ساخِرَاتٍ يَغْتَلْنَ جِيلاً فَجِيلاَ
دَوْرَةُ الأَرْضِ كَمْ أَمَدَّتْ قَبِيلاً / بِحَياةٍ وَكَمْ أَبَادَتْ قَبِيلاَ
نَضْرَةٌ فِي أَزَاهِرِ الصُبْحِ تُمْسِي / بَعْدَ لأْيٍ تَصَوُّحاً وذُبُولاَ
رُبَّ قَصْرٍ قَدْ كانَ مَلْعَبَ أُنْسٍ / صَيَّرَتْهُ الأَيَّامُ رَبْعاً مُحِيلاَ
وَفَتاةٍ طَوَى مَحاسِنَهَا الدَهْرُ / بَنَاناً غَضّاً وَخَدّاً أَسِيلاَ
نَأْكلُ الأَرْضَ ثُمَّ تَأْكُلُنَا / الأَرْضُ دَوَالَيْكَ أفْرُعاً وَأُصُولاَ
يا مَلِيكَ الْبَيَانِ دَعْوَةَ خِلٍ / وَجَد الصَبْرَ بَعْدَكُمْ مُسْتَحِيلاَ
أَنا أَرْثِيكَ شاعِراً وأَديباً / ثُمَّ أَبْكِيكَ صَاحِباً وخَلِيلاَ
قلْ لِحَسَّانَ إِنْ مَرَرْتَ عَلَيْهِ / فِي ظِلالِ الْفِرْدَوْسِ يُطْري الرَّسُولاَ
إِنَّ مِصْراً أَحْيَتْ مَوَاتَ الْقَوَافِي / وَأَقَامَتْ عَمُودَهَا أَنْ يَميلاَ
وَأَعَادَتْ إِلَى سَلِيلَةِ عَدْنَا / نَ شَبَاباً غَضّاً وَمَجْداً أَثِيلا
قُلْ لَهُ غَيْرَ فاخِرٍ إنَّ صَبْرِي / بَعْدَ سَامِي هَدَى إِلَيْها السَبِيلاَ
وَيْكَ يا قَبْرُ صِرْتَ لِلْفَضْل مَثْوىً / لا يُسَامَى ولِلنُّبُوغِ مَقِيلاَ
فِيكَ كَنْزٌ لَمْ تَحْوِ أَرْضُ الْفَرَاعِينِ / لَهُ بَيْنَ لاَبَتَيْهَا مَثيلاَ
فِيكَ سِرٌّ الْجَلالِ وَالْخطْبُ فِيهِ / كَانَ يَا قَبْرُ لَوْ عَلِمْتَ جَليلاَ
ضُمَّهُ ضَمَّةَ الْكَمِيِّ حُسَاماً / تَركَ النَّصْرُ حَدَّهُ مَفْلُولاَ
لَهْفَ نَفْسي عَلَيْهِ يَفْتَرِشُ التُرْ / بَ وَقَدْ كَانَ لِلسماكِ رَسِيلاَ
لَهْفَ نَفْسي عَلَيْهِ لَوْ كَانَ يُجْدِي / لَهْفَ نَفْسِي أَوْ كَانَ يُغْنِي فَتِيلاَ
كُنْ عَلَيْهِ يا قَبْرُ رُوحاً وَرَيْحَا / ناً ومَثوىً رَحْباً وَظِلاً ظَلِيلاَ
لَمْ يَمُتْ مَنْ يَزُولُ مِنْ عَالَمِ الْحِسِّ / وَتَأبَى آثارُهُ أَنْ تَزُولاَ
يا ابنةَ السابقين من قَحْطانِ
يا ابنةَ السابقين من قَحْطانِ / وتُراثَ الأمجادِ من عَدْنانِ
أنتِ علّمْتنِي البيان فما لي / كلّما لُحْتِ حار فيكِ بياني
رُبَّ حُسْنٍ يعوق عن وَصْفِ حُسْنٍ / وَجَمالٍ يُنْسي جَمالَ المَعَاني
كنْتُ أشْدو بَيْنَ الطُّيورِ بِذِكْرا / كِ فتعلو أَلْحانَها ألحاني
وأصوغُ الشِّعرَ الذي يَفْرَعُ النَّجْمَ / وتُصْغِي لِجَرْسِه الشِّعْرَيانِ
يا ابنةَ الضادِ أنتِ سرُّ من الْحُسْنِ / تَجلَّى عَلَى بَنِي الإِنسانِ
كنتِ في الْقَفْرِ جَنَّةً ظلَّلَتْها / حالِياتٌ من الْغُصونِ دَواني
لغةُ الفنِّ أنتِ والسحْرِ والشِّعْرِ / ونُورُ الْحِجَا وَوَحْيُ الْجَنانِ
رُبَّ جَيْشٍ من الْحَديدِ تَوَلَّى / واجِفَ القلبِ مِن حَديدِ اللِّسانِ
وبيَانٍ بَنَى لِصاحِبهِ الْخُلْدَ مُطِلاً / مِنْ قِمَّةِ الأزْمانِ
وقصِيدٍ قد خَفَّ حتَّى عَجِبْنا / كَيفَ نالَتْهُ كِفَّةُ الأوْزانِ
بلغ العُرْبُ بالبلاغَةِ والإِسلامِ / أَوْجاً أعْيَا عَلَى كَيْوانِ
لَبِسوا شَمْسَ دَوْلةِ الفُرْسِ تاجاً / ومَضَوْا ف مَغافِرِ الرومان
وجَرَوْا يَنْشرون في الأرْضِ هَدْياً / مِنْ سَنا العِلْمِ أو سَنا القُرآنِ
لا تَضِلُّ الشُعُوبُ مِصْباحُها العِلْمُ / يُؤاخِيهِ راسِخُ الإيمانِ
فإِذا أُطْفِىء السِّراجُ فَمَيْنٌ / وضَلالٌ ما تُبْصِرُ العَينانِ
أَينَ آلُ العبّاسِ رَيْحانَةُ الدهْرِ / وأينَ الكِرامُ مِنْ مَرْوانِ
خَفَتَ الصَوْتُ لا البِلادُ بِلادٌ / يَوْمَ بانوا ولا المغَانِي مَغَانِي
أزهرتْ في حِماهمُ الضادُ حِيناً / وذَوَتْ بَعْدَهُمْ لِغَيْرِ أَوانِ
إِنْ أصاخَتْ فالقَوْلُ غيرُ فَصِيحٍ / أَوْرَنَتْ فالوُجوهُ غيرُ حِسانِ
فمضتْ نحوَ مِصرَ مَثْلَ قَطاةٍ / فَزَّعَتْها كَوَاسِرُ العِقْبانِ
يكدُرُ العَيْشُ مرةً ثم يَصْفو / كَمْ لِهَذِي الْحَياةِ مِنْ أَلْوانِ
ثم هَبَّت زَعازِعٌ تَرَكَتْها / بَيْنَ مُرِّ الأسَى وذُلِّ الهَوانِ
وإِذا نَهْضَةٌ تَدِبُّ بِمِصْرٍ / كَدَبيِبِ الْحَياةِ في الأبْدانِ
وإِذا اليَوْمُ باسمٌ والليالي / مُشِرِقَاتٌ والدَهْرُ مَلْقى العِنانِ
وإذا الضَادُ تَسْتَعِيدُ جَمالاً / كادَ يَقْضِي عَلَيْه رَيْبُ الزَمانِ
نزلتْ في حِمَى فُؤادٍ فأضْحَتْ / مِنْ أَياديه في أعزِّ مَكانِ
مَلِكٌ شادَ لِلْكنانةِ مَجْداً / فَسَمَتْ باسْمِهِ عَلَى البُلدانِ
كُلَّ يَوْمٍ يَمُدُّ لِلْعِلْمِ كفاً / خُلِقَتْ للْوفاءِ والإِحْسانِ
إنّ دارَ العُلُومِ بِنْيَةَ إِسما / عِيلَ تُزْهَى بِه عَلَى كلِّ بانِ
مَنْ يُسامِي أبا المواهِبِ وَالأشْبالِ / في فَيْضِ جُودِهِ أو يُداني
هي في مِصْرَ كَعْبَةٌ بَعَثَ الشَرْ / قُ إليْها طوائِفَ الرُّكْبانِ
قد أَعادتْ عَهْدَ الأعارِيبِ في مِصْرَ / إلى ناعمٍ من العَيْشِ هاني
وأظلَّتْ بِنْتَ الفَدافِدِ والبِيدِ / بأَفْياءِ دَوْحِها الفَيْنانِ
دَرَجَتْ بَيْنَ فِتْيَةٍ وشُيوخٍِ / كلُّهُمْ يَنْتَمِي إلَى سَحْبانِ
وأَطَلّتْ من الخِباءِ عَلَيْهِمْ / فَسَبتْهُمْ بِسِحْرِها الفَتّانِ
فُتِنوا بالعُذَيْبِ والسَّفْحِ والجِزْ / عِ ووادِي العَقيقِ والصمَّانِ
يتلقَّوْنَ وَحْيَها كُلَّ حِينٍ / ويناجُون طَيْفها كُلَّ آنِ
ويُغَنُّونَ باسمِها مثلَ ما غَنَّى / زُهَيْرٌ بِسِيرَةِ ابْنِ سِنانِ
نثرتْ دُرَّها الفَريدَ فكانوا / أسْرعَ الناسِ في الْتِقاطِ الجُمانِ
رُبَّ شَيْخٍ أفنَى سَوادَ الليالي / ساهِدَ العَيْنِ جاهِداً غَيْرَ واني
مِنْ بُحُوثٍ إلَى كتابةِ نَقْدٍ / ثُمَّ مِنْ مُعْجَمٍ إلَى دِيوانِ
يَقْنِصُ الآبِداتِ عَزَّتْ عَلىَ الصيَّدِ / فماسَتْ بَيْنَ الرُّبا والرِّعانِ
سارحاتٍ كأنّها قِطَعُ الوَشْيِ / يُطَرِّزْنَ سُنْدُسَ القِيعانِ
إِنْ تسمَّعْنَ نَبْأَةً غِبْنَ في الرِيحِ / كَسِرٍ يُصانُ بالكتِمانِ
فإِذا ما أَمِنَّ يَحْرجْن أَرْسا / لاً كَخْيلٍ نَشِطْن من أرْسانِ
كلُّ جُزْءٍ في جِسْمِهِنَّ له عَيْنٌ / على الشرِّ أو له أُذُنانِ
لم يَزَلْ صاحبي يُعالِجُ مِنْهُنَّ نِفارا / مُسْتَعْصِياًن ويُعانِي
في فَلاةٍ لا تَحْمِلُ الرِيحُ فيها / غَيْرَ رَنَّاتِ قَوْسِهِ المِرْنانِ
كلّما طارَ خَلفَهُنَّ تَسَرَّبْنَ / هَباءً في غَيْهَبِ النسْيانِ
فتراهُ حِيناً كما وَثبَ اللَّيْثُ / وحِيناً يَنْسابُ كالأُفْعُوانِ
وهي تلهو به فآناً تُجافِيهِ / وآناً تُمْلِي له فَتُداني
مرةً في مدَى يَدَيْهِ وأُخْرَى / ما له باقْتِناصِهِنَّ يَدانِ
لم يَقِفْ نادِماً يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ / فَعالَ الْمُجَوَّفِ الْحَيْرانِ
ثم كانتْ عَواقِبُ الصَبْرِ أَنْ ذَلَّتْ / له الشَارِداتُ بَعْدَ الحِرانِ
مَلَّكَتْهُ أعْناقَها في خُضوعٍ / وَحَبَتْه قِيادَها في لَيانِ
رُبَّ شِعْرٍ لَه يُرَدِّدُه الدهْرُ / فتُصْغِي مَسامِعُ الأكوانِ
يَتَمنََّى الربيعُ لو تَخِذَتْ مِنْهُ / حُلاها ذَوائِبُ الأغْصانِ
من بَناتِ الخيالِ لو كان يُسْقَى / لَعَدَدْناه من بَناتِ الدِّنانِ
ردّدَتْه القِيانُ يُكْسِبْنَهُ حُسْناً / فأرْبَى عَلَى جَمالِ القِيانِ
قد أثارَ الغُبارَ في وَجْهِ مَيْمُو / نٍ وَعَفَّى عَلَى فَتَى ذُبْيانِ
شيِخَةَ الدارِ أنْتُمُ خَدَمُ الفُصْحَى / وحُرَّاسُ ذلكَ البُنْيانِ
لَبِسَتْ جِدَّةَ الصِّبا في ذراكُمُ / وغَدَتْ من حُلاه في رَيْعانِ
غَيْرَ أنَّ الحياةَ تَعْدُو ولا يُدْ / رِكُ فيها طِلاَبَهُ الْمُتوانِي
سابِقوها بالدِينِ والْخُلُقِ السَّمْحِ / وصِدْقِ الوَفاءِ للإِخْوانِ
سابقوها بالْجِدِّ فالْجِدُّ والمَجْدُ / كما شاءتْ العُلا تَوْأمانِ
ذلِّلُوا للشَبابِ مُسْتَعْصِيَ الفُصْحَى / فإِنَّ الرَجَاءَ في الشبّانِ
وانثُرُوها قلائداً وعُقُوداً / تتَحدى قَلائدَ العِقْيانِ
بَسَم الدهرُ أَنْ رآكم بِناءً / عَبْقَرِيّاً مُوَطَّدَ الأركانِ
كم رَجا الدهْرُ أَنْ يُشاهدَ يَوْماً / جَمْعكم سالماً من الشَنَآنِ
إِنّما الكَفُّ بالبَنانِ ولا تُجْدِي / فَتِيلاً كَف بغير بَنانِ
جَمعتْكُمْ أَواصِرٌ وصِلاتٌ / طَهُرتْ من دخَائلِ الأضْغانِ
فاسلُكوا المَهْيعَ القَويمَ وسِيروا / في شُعاعِ الْمُنى وظِلِّ الأَماني
واشكُروا للوزير بِيضَ أيادِيهِ / ومِدْرارَ فَيْضِهِ الهَتّانِ
يَبذُلُ الْخيْرَ فِطْرَةً ليس يَثْنيه / عن الْخَيْر والصَنيعَةِ ثاني
هو ذخْرُ الطُلاّبِ كم وجدوا / فيهِ أَماناً من طَارِقِ الْحَدثانِ
يبْعَثُ الغَيْثَ والرجاءَ لقاصٍ / ويَمُدُّ اليَمينَ بِرّاً لِداني
كم له مِنَّةٌ عَلَى الضَادِ هَزَّتْ / كُلَّ لَفْظٍ فيها إلَى الشكْرانِ
سَعِدَ العِلْمَ واسْتَعَزَّ بِحلْمِي / وغَدَا دَوْحُهُ قريبَ المَجاني
سار مُسترشداً بِهدْيِ مَلِيكٍ / ما لَهُ في أصَالةِ الرَأي ثاني
مَلِكٌ تَسْعَدُ البِلادُ بِنُعْما / هُ ويُزْهَى بنورِه القَمَرانِ
عاشَ للدِينِ والمَكارِمِ / والنُّبْلِ وَبَثِّ الْحَياةِ والعِرْفانِ
ولْيَعِشْ للبِلادِ فاروقُ مِصْرٍ / قُدْوَةَ الناهِضِينَ رَمْزَ الأمَاني
ذاكَ لأْلاؤُهُ وهذا رُواؤُه
ذاكَ لأْلاؤُهُ وهذا رُواؤُه / والضِّياءُ الذِي تَرَوْن ضِياؤُهْ
وبَهاءُ الرِّياضِ كَللَها الغَيْثُ / فتَاهَتْ بنَوْرِهنّ بَهاؤُهْ
والنَّسِيمُ الذِي جَرَى طَيِّبَ النَّشْرِ / جَرَى ذِكْرُهُ به وثَناؤه
ذاك وَجْهُ المَلِيكِ وَجْهُ أَبي الفا / رُوقِ هذَا سَنَاهُ هذَا سَنَاؤه
ظَهَر الرَّكْبُ والقُلُوبُ حَوَالَيْهِ / تُرَجِّيهِ والنُّفوسُ فِدَاؤُه
تَجْتَلِيِه العُيُونُ مُسْتَبْشراتٍ / وبَرِيقُ السُّرور فيها وماؤُه
وهُتَافُ الإِخْلاَصِ يَخترِق الْجوَّ / فتُمْليه واضِحاً أَصْداؤه
وَدَّتِ النَّيِّراتُ لو هَبَطَتْ فِيهِ / فزَاد ازْدِهاءَهُنَّ ازْدهاؤُه
مَوْكِبٌ لم يَنَلْهُ رَمْسِيسُ ذو التَّا / جَيْن في عَصْرِهِ ولا خُلَفاؤه
حَكَموا شَعْبَهمْ ولم يَملكُوهُ / مِقْوَدُ الشَّعْبِ حُبُّهُ ووَلاؤُه
عَاد للقُطْرِ ربُّهُ مثلمَا عا / دَ إِلى المِدْنَفِ العَلِيل شفاؤُه
وَبَدا كالصَّبَاحِ فانْهَزَمَ اللَّيْلُ / وَوَلَّتْ مَذْعُورةً ظَلْماؤه
مَلِكٌ شَادَ لِلْكنَانةِ مَجْداً / أَحْكَمَتْ وَضْعَ أُسِّهِ آباؤُهْ
كُلُّهمْ كانَ لِلْمَحامِدِ بَنّا / ءً أبيّاً عَلَى الزَّمَانِ بِناؤه
هِمَّةٌ تَفْرَعُ السمَاءَ وعَزْمٌ / لَيْس للسَّيْفِ حَدُّهُ وَمَضَاؤه
ونَفَاذٌ في المُعْضِلاتِ برَأْيٍ / ثَاقِبٍ يَكْشِفُ الغُيوبَ ذَكاؤه
ومُحَيّاً فيِه مِنَ اللّه سِرٌّ / كادَ يُغْشِيهِ نُورُهُ وحَيَاؤُه
صَفْحَةٌ خطَّها الإِلهُ ففيها / أَلِفُ النُّبْل لو قَرَأْتَ وياؤُه
بَهَرَ الغَرْبَ طَلْعَةٌ مِنْك كادَتْ / تَتَمَشَّى شَوْقاً لها أَرْجَاؤه
لَمَحُوا عِزَّةً وشَامُوا بِكَفَّيْك / غَمَاماً هَتَّانةً أَنْدَاؤه
وبَدَا للْعيُونِ والدُكَ المِسْمَاحُ / تُحْيِيهِ ثانياً أَبْناؤه
فِيكَ منهُ الْجَبينُ والْخُلُقُ الرَحْبُ / وبُعْدُ المَدَى وفِيكَ إِبَاؤه
لُحْتَ فيهم فأدْرَكُوا صَوْلَةَ الشَّرْ / قِ ومَرَّتْ بِذِكْرِهم أَنْبِياؤه
ورَأوْا في الْجَلالِ تُوتَنْخَموناً / صاعِداً جَدُّه رَفِيعاً لِواؤُه
أَيْنما سَارَ فالْعُيونُ نِطَاقٌ / وقُلوبُ المُجَاهِدينَ وِقَاؤُه
تَتَمَشَّى في رَكْبِه الشَّمْسُ إِكْبَا / راً ويَنْشَقُّ عَنْ سَنَاها رِدَاؤُه
أَنْتَ أعْلَى كَعْباً وأبْقَى عَلَى الدَّهْرِ / وإِنْ زَاحمَ الْخُلُودَ بَقاؤُه
لَو وَزَنَا بما أَقَمْتَ من الدُّسْتُورِ / آلاءَه اخْتَفَتْ آلاؤه
عَجَز الدَّهْرُ أَنْ يُحِيطَ بمَعْنا / كَ وأَلْقَتْ قِيادَها شُعَراؤُه
إنَّ مَنْ رامَ لِلْكَواكِبِ عَدّاً / يَتَساوَى ابتداؤُهُ وانْتهاؤه
أَخْرَجَ الرَّوضُ أَطْيبَ الثمراتِ
أَخْرَجَ الرَّوضُ أَطْيبَ الثمراتِ / هَاتِ ما شِئتَ من قَرِيِضكَ هَاتِ
زَهَراتٌ تَتِيهُ بالغُصْنِ زَهْواً / وغُصونٌ تَتِيهُ بالزَّهَراتِ
صَيَّرتْ صَفْحَةَ الرِّياضِ سماءً / وَتَجنَّتْ فيها عَلَى النَّيِّراتِ
لم تُفَارِقْ كِمَامَها وشذَاها / يَنْشُرُ الطِّيبَ في جَمِيع الْجِهاتِ
تَرْهبُ الرِّيحُ أن تَخدَّ لَهَا / خَدّاً فَتَجْرِي في خَشْيةٍ وَأَنَاةِ
مُصْغياتٌ إِذا الْحمَائمُ رَنَّتْ / بين تلكَ الْخمائِلِ النَّضِرَاتِ
ضاحِكاتٌ إِذا بَكَى عابسُ الغَيْثِ / وفاضتْ عَيْناه بالعَبَرَاتِ
وإِذا ما جَرَى الغَدِيرُ تدَانتْ / لتُحَيِّي الغَدِيرَ بالقُبُلاتِ
إِنَّ للرَّوْضِ في مَعانِيه حُسْناً / فَوْقَ حُسْنِ المَلاَمِحِ الفاتِنَاتِ
كَمْ مِنَ الزَّهْرِ فيه مِنْ سِحْرِ عَيْنٍ / ومِن النَّبْتِ فيه مِنْ قَسَمَاتِ
فانظْرِ الرَّوضَ لا ترَى غَيْرَ تِبْرٍ / من تُرَابٍ ودُرةٍ مِن حَصَاةِ
حَبَّةٌ أَنْبَتتْ سنابلَ سَبْعاً / ثُمَّ مِلءَ الفَضَاءِ من سُنْبُلاتِ
ونَواةٌ جادتْ بنَخْلٍ ونَحْلٍ / وَارِفِ الظِّلِّ دائمِ الثَّمَرَاتِ
يُرْسِلُ الطَّيْرُ في مَداه نَشِيداً / مُوْصِليَّ الأدَاءِ والنَّبَراتِ
يَمْلِكُ النَّفْسَ أينَما نَظَرَتْه / فَهْوَ قَيْدُ النُّفُوسِ والنَّظَرَاتِ
كم تَهادَى مع النَّسِيمِ اخْتِيالاً / كالعَذَارَى يَمِسْنَ في الْحِبَرَاتِ
تَتَناءَى به الظِّلالُ لِجَمْعٍ / ثم تَدْنُو مُدِلَّةً لِشَتَاتِ
مِثْلَ كفِّ الرسَّامِ جاءتْ ورَاحتْ / بَيْن قِرْطَاسِه وَبَيْنَ الدَّوَاةِ
أو كوَجْهِ الحَسْناءِ يَبْدُو ويَخفَى / بين مَيْل الهَوَى وخَوْفِ الوُشَاةِ
كلّما رُمْتَ منه قَطْفَ جَنَاةٍ / سَبقَتْ راحتَيْك ألْفُ جَنَاةِ
وإِذا بارَك الإِلَهُ بأرْضٍ / جَعَل التِّبْرَ في مَكانِ النَّبَاتِ
وحَبَاها خِصْباً إِذا مَسَّ صَخْراً / تَرك الضخرَ جَنَّةَ الجَنّاتِ
رُبّ أَرْضٍ للغَافِلين مَوَاتٌ / وهْيَ لِلْعامِلينَ غَيْرُ مَوَاتِ
إِنْ تَطَلَّعْتَ للرَّغائِبِ فابذُلْ / تِلْك في الدَّهْرِ سُنَّةُ الكَائِناتِ
لَكَ كَفّانِ تلك تُعْطي وهَذِي / تَتَلقّى مَثُوبةَ الْحَسَناتِ
تَرْتَجيِ الْحَصْدَ ثمَّ تقعُدُ في الشَّمْسِ / لك اللّه يا أَخا التُّرَهَاتِ
ضِلَّةً تَطلُبُ الزُّلالَ من النَا / رِ وتَبْغِي غَضارةً من فَلاَةِ
ليس يجْني من السُّبَاتِ سِوى الأحْلاَمِ / فانهَضْ وُقِيتَ شَرَّ السُّباتِ
قَدْ غَرَسْناهُ رَوْضَ عِلْمٍ فأزْرَى / حُسْنهُ بالْحَدَائقِ الباسِقاتِ
وَبذَرْنا به القُلوبَ صِغاراً / وكِرَامَ النُّفُوسِ والمُهَجَاتِ
وسَقَيْنا ثَرَاهُ مَاءً مِنَ الأَذْ / هانِ أَحْلَى مِنْ كُلّ ماءٍ فُرَاتِ
وَغَذَوْنَاه طَيِّباً بجُهودٍ / ضاعَفَتْ مِن ثِمَارِهِ الطَّيِّباتِ
وَحَميْناهُ أن تَعِيثَ به الأَيْدِي / وتَجْنِي عَلَيْه كَفُّ الجُنَاةِ
وجَعَلْنا له مِنَ الْخُلُقِ العَا / لِي سِيَاجاً مُوَثَّق اللَّبِناتِ
وحَفِظْنا من الرِّيَاحِ جَنَاهُ / وَوَقَيْناه شِرَّة الْحَشَراتِ
إِيهِ يا رَوْضَةَ المَعارِف لا زِلْتِ / مَثَابَ الْخيْراتِ والْبَركَاتِ
أَنت أنبَتِّ في ثَرَى النِّيلِ شَعْباً / نافِذَ الرَّأْي طاهِرَ النَّزَعاتِ
أَعْجَز الغَرْبَ هِمَّةً وذَكاءً / وكذَا الشَّرْقُ مَوْطِنُ المُعْجِزاتِ
خُطُواتٌ نَحْوَ المعَالي فِسَاحٌ / لا عَدَاها السَّدادُ مِن خُطُواتِ
سَلكَتْ أوْسطَ الطَّريقِ وجَازَتْ / كُلَّ ما في الطَّرِيقِ من عَقَباتِ
وجُهُودٌ تَمْضِي وتَأتِي جُهُودٌ / مُحْكَماتٌ مَوصُولةُ الْحَلَقَاتِ
نَسَجتْ من جِهَادها لبَنِي مِصْرَ / دُرُوعاً حَصِينةٌ سابِغَاتِ
إِنَّا مَوْلِدُ المَعَارِفِ في مِصْرَ / دَبِيبُ الْحَياةِ بين الرُّفَاتِ
جَلّ رَبِّي آمنتُ باللّه ربي / فالقِ الْحَبِّ باعِثِ الأمْواتِ
أرْسَل اللّه للكِنَانةِ نَدْباً / هِبْرِزيَّ الاعْرَاقِ والعَزَمَاتِ
فأَتاها مُحمَّدٌ جدُّ إِسْما / عيلَ بالْخِصبِ مُورِقاً والْحَياةِ
هلْ رأيتَ النَّجْمَ الذي يَبْهَرُ / العَيْنَ ويَمْحُو دَيَاجِرَ الظُّلماتِ
هل رأيتَ الغَديِرَ يَنْسَابُ في / القَفْرِ فَيهْتَزُّ مُخْصِبَ الْجَنَبَاتِ
هل رأيتَ الْحَياة تَسْرِي إِلى الجِسْمِ / فتُحْيِي عِظَامَه النَّخِرَاتِ
هل رأيتَ الآمالَ بَعْد نِفَارٍ / واقْتبالَ الشَّبَابِ بَعْدَ فَواتِ
لَقِيتْ مصرُ قَبْلَه ما يُلاقِي / غَرَضٌ جَاء في اتجاهِ الرُّمَاةِ
جَهِلوا دَاءَها الدَّفِينَ وشَرٌّ / مِنْ دَفِينِ الأدْواءِ جَهْلُ الأُسَاةِ
نكَثُوا جُرْحَها فسالتْ دِمَاهَا / قَطَرَاتٍ تَجْرِي إِلى قَطَرَاتِ
لا تَرَى في الظَّلامِ للعِلْم إِلاّ / مُقْفِراتٍ من دُورِهِ دارِساتِ
يَكْرهُ الظُّلْمُ كلَّ شيءٍ من الضَّوْ / ءِ ولو كانَ في ابتسامِ الفَتَاةِ
لم يَكُنِْ منْهُ غَيْرُ وَمْضٍ منَ الأزْ / هَرِ يَبْدُو مُفَزَّعَ اللَّمَحَاتِ
كَذُبَالِ المِشْكاةِ قَدْ جَفّ إلاّ / أَثَراً من بُلاَلةِ المِشْكَاةِ
فَأتى مُنْقِذُ البِلادِ فَأَحْيَا / ها بِرَأْيٍ وَعَزْمَةٍ وثَبَاتِ
لو دَعا أَنْجُمَ السَّماءِ لَلبَّتْ / مُهْطِعاتٍ لأمْرِهِ صاغِرَاتِ
شادَ في مِصْرَ للمعَارِفِ دِيوا / ناً مَنِيعَ الأعلامِ والشُّرُفَاتِ
وبَنَى للعُلُومِ خَيْرَ بِنَاءٍ / عَلَوِي فكانَ خَيْرَ البُناةِ
نَهضتْ مِصْرُ بَعدَه نَهَضَاتٍ / تَسْتَحِثُّ الْخُطَا إِلى نَهَضَاتِ
أَرْسَلَ العِلْمُ نورَه فَسَرَى الرَّكْبُ / يقُودُ المُنَى إِلَى الغَايَاتِ
وَرأَيْنا بكُلِّ أَرْض رِياضاً / دانياتٍ قُطُوفُها زَاهِيَاتِ
كلَّ يوم عند الصَّباحِ تَرَى جَيْشاً / مِنَ النَّشءِ صادِقَ الوَثَبَاتِ
جعلو كُتْبَهُم مكانَ المواضِي / ويَراعَاتِهم مكانَ القَنَاةِ
طَلَعوا أَوَّل الغَداةِ فزَانُوا / بِسَنا ضَوْئهمْ جَمَالَ الغَدَاةِ
مِثْلَ سِرْبٍ للطَّيْر هَمَّت خِفَافاً / ثم راحتْ لوَكْرِها مُثْقَلاتِ
نَثَرُوا جَمْعَهم فأبْصَرْتُ فِيهم / أنجُماً في الفَضَاءِ مُنْتَثِرَاتِ
ورأيتُ الفلِذَاتِ تَمْشي على الأرْ / ض فَخلُّوا الطَّرِيقَ للفلْذَاتِ
هُمْ أَمانيُّ مِصْرَ هم مُرْتجاها / هُمْ حَنايا ضُلوعِها الْخافِقَاتِ
مِائةٌ من سِنِي المعارف مَرَّتْ / زَاهياتٍ بما حَوَتْ حافِلاتِ
بَلَغَتْ مِصْرُ في مَداهُنَّ شَأْواً / فوقَ شَأْوِ الكَواكبِ السّابِحاتِ
وغدَا مَجْدُها الْحِديثُ وقد شا / عَ شذَا عِطْره حديثَ الرُّوَاةِ
أصبحتْ كَعْبَةً يَحُجّ إليها الشَّرْ / قُ بين الْخُشُوعِ والإِقْناتِ
تَتَهادَى وحَقَّ أنْ تَتَهادَى / بين ماضٍ زاهي الْجَبينِ وآتي
كلُّ تاريخها كتابٌ منَ الَمْجدِ / كريمٌ مُطَرَّزُ الصَّفَحَاتِ
بَعَثتْ دارِسَ الفُنُونِ وأحْيَتْ / بعد يأسِ الزَّمان أُمَّ اللُّغاتِ
وأعادَتْ إِلَى العُلوم مَنَاراً / كان صُبْحَ الدُّجَى وهَدْىَ السُّرَاةِ
أَنجَبتْ للْبِلادِ أبطالَ عَزْمٍ / هُمْ دُرُوعُ البِلادِ في الأَزَمَاتِ
دَعَوُا الشَّعْبَ للعُلاَ فَرَأَيْنا / خَيْرَ شَعْبٍ أَجابَ خَيْرَ الدُّعَاةِ
أَنْجبَتْ كلَّ عالمٍ بَهَرَ الكَوْ / نَ بآياتِ عِلمِهِ البَيِّناتِ
أَنْجَبتْ كلَّ شاعرٍ عَبْقَريٍ / صادِقِ الْحِسِّ بارعِ اللَّفَتَاتِ
تَتَمنَّى الأزْهارُ لو كنَّ يَوماً / في قَوافِيه مَوضِعَ الكَلِمَاتِ
أنْجبتْ كُلَّ كاتِبٍ يَمْلِكُ السَّمْعَ / بآثارِ فَنِّهِ الْخالِداتِ
أنْجبتْ كُلَّ مِدْرَهٍ وخَطِيبٍ / سَاحِرِ القَوْلِ صَادِقِ الحَمَلاتِ
وَحَمتْ شِرْعة الخلائِقِ أنْ يَعْبَرَّ / صَافي نَميرِها بقَذَاةِ
قد وَلَجْنا الْحَياةَ من كلِّ بَابٍ / فَرَأيْنا الأخْلاقَ بابَ النَّجَاةِ
أصْبحتْ مِصْرُ مَعْهداً لشَبابِ الشَّرْقِ / يَسْعَونَ نَحْوَها بالمِئَاتِ
عَقَدَتْ بَيْننا اللَّيالي صِلاَتٍ / مُحْكَماتٍ أَحْبِبْ بها مِن صِلاَتِ
إِنّ عِيدَ المعَارِفِ اليومَ عِيدٌ / للنُّهَى والْجُهُودِ والذِّكْرَياتِ
عِيدُ يُمْنٍ لمِصْرَ فالدَّهْرُ دانٍ / خاضِعُ الرَّأسِ والزّمانُ مُوَاتي
بَلَغتْ مِصْرُ ما تُرَجِّي وفَازَتْ / بَعْد طُولِ الأَسَى وذُلِّ الشَّكَاةِ
وأطَاحتْ قُيُودَها فَاستقلّتْ / وامْحَى ما تَرَكْنَ مِنْ نَدَبَاتِ
واسْتَعزّتْ بِطلْعةِ المَلِكِ الفَا / رُوقِن زَيْنِ الحِمَى وَفخْرِ الحُمَاةِ
يُشْرِقُ المُلْكُ بالمَلِيكِ ويُزْهَى / بمَجَالي آلائِهِ المُشْرِقَاتِ
تَجْتَلِيه العُيونُ بَدْراً وتفْدِيهِ / عُيونُ الزَّمانِ بالحَدَقاتِ
عَهْدُه في العُهُود أَنْضَرُ عَهْدٍ / كجمَالِ الرَّبِيعِ في الأَوْقَاتِ
بَهَرَ الشِّعْرَ أن يُحيط بمَعْنىً / مِن مَعانِي صِفاتِه الباهِراتِ
عاشَ للعِلْمِ والبلادِ هُماماً / أرْيَحيّاً وعاشَ للمَكْرُمَاتِ
يَابَنْتِي إِنْ أردْتِ آيةَ حُسْنٍ
يَابَنْتِي إِنْ أردْتِ آيةَ حُسْنٍ / وجَمالاً يَزِينُ جِسْماً وعَقْلاَ
فانْبِذِي عادةَ التَّبرجِ نَبْذاً / فجمالُ النُّفوسِ أسْمَى وأعْلَى
يَصْنَع الصّانِعُون وَرْداً ولَكِنْ / وَرْدَةُ الرَّوض لا تُضَارَعُ شَكْلا
صِبْغَةُ اللّهِ صِبْغَةٌ تَبْهَر النَّفْ / سَ تعالى الإلَهُ عَزّ وجَلاّ
ثمَّ كُوني كالشَّمس تَسْطَع لِلنَّا / سِ سَواءً مَْ عَزّ مِنْهُم وَذلاّ
فامْنَحِي المُثْرِيَاتِ لِيناً ولُطْفاً / وامْنَحِي البائساتِ بِرّاً وفَضْلا
زِينَةُ الوَجْه أَن تَرَى العَيْنُ فيه / شَرَفاً يَسْحَرُ العُيُونَ ونُبْلا
واجعَلِي شيِمةَ الْحَيَاءِ خِماراً / فَهْوَ بِالْغَادة الكَريمةِ أَوْلَى
ليس لِلْبِنْت في السَّعادة حَظُّ / إن تَنَاءَى الحياءُ عَنْها ووَلَّى
والْبَسِي مِنْ عَفَاف نَفْسِكِ ثوْباً / كلُّ ثَوْب سِوَاه يَفْنَى ويَبْلَى
وإذا ما رأَيتَ بُؤْساً فَجُودِي / بدُموع الإِحْسَان يَهْطِلْن هَطْلا
فدُمُوع الإِحسان أَنْضَر في الْخدّ / وأَبَهى من اللآلِي وأَغْلَى
وانظُرِي في الضَّمير إِن شِئْتِ مرآ / ةً ففيه تبدُو النفوسُ وتُجْلَى
ذاكَ نُصْحِي إلى فتَاتِي وسُؤْلي / وابْنَتَي لا ترُدّ للأَب سُؤْلا
مَلَّ مِنْ وَجْدِهِ وَمِنْ فَرْطِ مَا بِهْ
مَلَّ مِنْ وَجْدِهِ وَمِنْ فَرْطِ مَا بِهْ / وَأرَاقَ الشَّرَابَ مِنْ أَكْوَابِهْ
وَإذَا الْقَلْبُ أَظْمَأَتْهُ الأَمَانِيُّ / فَمَاذَا يُرِيدُهُ مِنْ شَرَابِهْ
وَإِذَا النَّفْسُ لَمْ تَكُنْ مَنْبِتَ الأُنسِ / تَنَاءَى الْقرِيبُ مِنْ أَسْبَابِهْ
وَأَشَدُّ الآلاَمِ أَنْ تُلْزِمَ الثَّغْرَ ابتسَاماً / والْقَلْبُ رَهْنُ اكتِئَابِهْ
كُلَّما اخْتَالَ فِي الزَّمانِ شَبَابٌ / عَصفَتْ رِيحُهُ بِلَدْنِ شَبَابِهْ
وَالنُّبُوغُ النُّبُوغُ يَمْضِي وَتَمْضِي / كلُّ آمَالِ قَوْمِهِ فِي رِكَابِهْ
غَرِدٌ مَا يكَادُ يَصْدَحُ حَتَّى / يُسْكِتَ الدَّهْرُ صَوْتَهُ بِنُعَابِهْ
وَحَبَابٌ إِذَا عَلاَ الْمَاءَ وَلَّى / فَاسْأَلِ الْمَاءَ هَلْ دَرَى بِحَبَابِهْ
وَسَفِينٌ مَا شَارَفَ الشَّطَّ حَتَّى / مزَّقَ الْيَمُّ دُسْرَهُ بِعُبَابِهْ
بَخِلَ الدَّهْرُ أَنْ يُطَوِّلَ لِلْعَقْلِ / فَيَجْرِي إلَى مَدَى آرَابِهْ
كلَّمَا سَارَ خُطْوَةً وَقَفَ الْمَوْ / تُ فَسَدَّ الطَّرِيقَ عَنْ طُلاَّبِهْ
وَابْتِدَاءُ الْكَمَالِ في عَمَلِ الْعَا / مِلِ بَدْءُ الشَّكاةِ مِنْ أَوْصَابِهْ
ضِلَّةً نَكْتُمُ الْمَشِيبَ فَيَبْدُو / ضَاحِكاً سَاخِراً خِلاَلَ خِضَابِهْ
أَيْنَ مَنْ يَسْتَطيعُ أَنْ يُرْشِدَ الدُّنيا / وَسَوْطُ الْمَنُون في أَعْقَابِهْ
أَيُّهَا الْمَوْتُ أَمْهِلِ الْكَاتِبَ / الْمِسْكِينَ يُرْسلْ أَنْفَاسَه في كِتابِهْ
آهِ لَوْ يَشْتَري الزَّمَانُ قَرِيضي / بِسِنينٍ تُعَدُّ لِي في حِسَابِهْ
مَا حَيَاتِي وَالْكَوْنُ بَعْدَ جِهَادٍ / لَمْ أَزَلْ وَاقِفاً عَلَى أبْوابِهْ
تَظْمَأُ النَّفْسُ في حَيَاةٍ هِيَ الْقَفْرُ / فَرْضَى بِنَهْلَةٍ مِنْ سَرَابِهْ
أنَا قَلْبِي مِنَ الشَّبَابِ وَجِسْمِي / أَثْخنَ الشَّيْبُ رَأْسَهُ بِحِرَابِهْ
أَمَلٌ هَذِهِ الْحَياةُ فَهَلْ يَعْثُرُ بِي / الْمَوتُ دُونَ وَشْك طِلاَبِهْ
كُلَّمَا رُمْتُ لَمْحَةً مِنْ سَنَاهُ / هَالَنِي بُعْدُهُ وَطُولُ شِعَابِهْ
مَا الَّذِي تَبْتَغِي يَدُ الدَّهْرِ مِنِّي / وَدَمِي لا يَزَالُ مِلءَ لُعَابِهْ
دَعْ يَرَاعِي يا دَهْرُ يَمْلأ سَمْعَ النَّيِل / مِنْ شَدْوِهِ وَعَزْفِ رَبَابِهْ
كُلُّ شَيْءٍِ لهُ نِصَابٌ سِوَى الْفَنِّ / فَلاَ حَدَّ يَنْتَهِي لِنِصَابِهْ
عَصَفَتْ صَيْحَةُ الرَّدَى بِخطِيبٍ / وَهْوَ لَمْ يَعْدُ صَفْحَةً مِنْ خِطَابِهْ
سَكْتَةٌ أسْكَتَتْ نَشِيجَ خِضَمٍ / عَقَدَ النَّوْءُ لُجَّهُ بِسَحَابِهْ
سَكْتَةٌ أَطْفَأَتْ مَنَارَ طَرِيقٍ / كَمْ مَشَتْ مِصْرُ في ضِيَاءِ شِهَابِهْ
وَمَضى قَاسِمٌ وَخَلُّف مَجْدّاً / تَفْرَعُ النَّجْمَ رَاسِيَاتُ قِبَابِهْ
قَدْ نَكِرْنَاهُ حِين قَامَ يُنَادِي / وَفَهِمْنَا مَعْنَاهُ يَوْمَ احْتِسَابِهْ
رُبَّ مَنْ كُنْتَ في الْحَيَاةِ لَهُ حَرْ / باً شَقَقْتَ الْجُيُوبَ عِنْدَ غِيابِهْ
وَتَحدَّيْتَ شَمْسَهُ فَإِذا وَلَّى / تَمنَّيْتَ لَمْحَةً مِنْ ضَبَابِهْ
لَمْ يَفُزْ مِنْكَ مَرَُّّةً بِثنَاءٍ / فَنَثَرْتَ الأزْهَارَ فَوْقَ تُرَابِهْ
يُعْرَفُ الْوَرْدُ حِينَمَا يَنْقَضِي الصَّيْفُ / وَيُبْكي النُّبُوغُ بَعْدَ ذَهَابِهْ
كَمْ نَدَبْنَا الشَّبَابَ حِينَ تَولى / وَشُغِفْنَا بالْبَدْرِ بَعْدَ احْتِجَابِهْ
كَتَبَ اللّهُ أَنْ يَعَيشَ غَريباً / كُلُّ ذِي دَعْوَةٍ إلى الْحَقِّ نَابِهْ
لا تَرَى فَوْقَ قِمَّةِ الطَّوْدِ إِلاَّ / بَطَلاً لا يَهَابُ هَوْلَ صِعَابِهْ
كُلُّ ذَاتِ الْجَنَاحِ طَيْرٌ وَلَكِنْ / عَرَفَ الْجَوُّ نَسرَهُ مِن غُرَابِهْ
كَمْ رَأَيْنا في النَّاسِ مَن يَبْهَرُ الْعَيْنَ / وَمَا فِيهِ غَيْرُ حُسْنِ ثِيابِهْ
يَمْلأُ الأرضَ وَالسَّماءَ رِيَاءً / وَعُيُوبُ الزَّمَانِ مِلءُ عِيابِهْ
نَقَدَ النَّاسَ قَاسِماً فَرَأَوْهُ / أَصبَرَ النَّاسِ في تجَرُّعِ صَابِهْ
حُجَّةُ الْجَاهِلِ الْمِرَاءُ فَإِنْ شَا / ءَ سُمُوّاً أَمَدَّهَا بِسِبَابِهْ
قَدْ يُغَشِّي الْوِجْدَانُ بَاصِرَةَ الْعَقْلِ / فَيُعْمِيِه عَنْ طَرِيقِ صَوَابِهْ
صَالَ بِالرَّأْيِ قَاسِمٌ لاَ يُبَالِي / ومَضَى فِي طَريقِهِ غَيْرَ آبِهْ
كمْ جَريءٍ لا يَرْهَبُ السَّيْفَ إنْ سُلَّ / وَنِكْسٍ يَخافُ مَسَّ قِرَابِهْ
وَالشُجَاعُ الَّذي يُجَاهِرُ بِالْحَقِّ / وَلَوْ كَانَ فِيهِ مُرُّ عَذَابِهْ
كَيْفَ يَهْدِي النَّصِيحُ إِنْ ريعَ يَوْماً / مِنْ قِلَى مَنْ يُحِبُّ أَوْ إِغْضَابِهْ
وَطَريقُ الإِصْلاَحِ في كُلِّ شَعْبٍ / عَسِرُ الْمُرْتقَى عَلَى مُجْتَابِهْ
يَعْشَقُ الشُّعْبُ مِنْ يُدَلِّلُهُ زُو / راً بِمَذْقٍ مِنْ سُخْفِهِ وَكِذَابِهْ
قُمْتَ لِلْجَهْلِ تَقْلِمُ الظُّفْرَ مِنْهُ / وَتَفُضُّ الْحِدَادَ مِنْ أنْيَابِهْ
فِي زَمَانٍ كَانَ الْقَديِمُ بِهِ قُدْ / ساً يُذَادُ الْجَدِيدُ عَنْ مِحْرَابِهْ
يَا نَصِيرَ النِّسَاءِ وَالدِّينُ سَمْحٌ / لَوْ وَعَيْنَا السَّرِيَّ مِنْ آدَابِهْ
قَدْ خَشِينَا عَلَى الْحَمائِمِ في الدَّوْ / حِ أَظَافِيرَ بَازِهِ أَوْ عُقَابِهْ
إِنْ أَرَدْتَ الظِّبَاءَ تَمْرَحُ فِي السَّهْلِ / فَطَهِّرْ أَكْنَافَهُ مِنْ ذِئابِهْ
كَمْ ضِرَاءٍ وَسْطَ الْمَدَائِنِ أَنْكى / مِنْ ضِرَاءِ الضِّرْغَامِ في وَسْطِ غَابِهْ
وَشِبَاكٍ مِنَ الْجَرائِمِ وَالْختْلِ / حَوَاهَا شَيْطانُهُمْ فِي جِرَابِهْ
وَإذَا مَا الْحَيَاءُ لَمْ يَسْتُرِ الْحُسْنَ / فَمَاذَا يُفِيدُهُ مِنْ نِقَابِهْ
قُمْتَ تَدْعُو الْبَنَاتِ لِلْعِلْمِ فَانْظُرْ / كَيْفَ حَلَّقْنَ فَوْقَ شُمِّ هِضَابِهْ
وَزَهَا النِّيلُ بابْنَةِ النِّيلِ فَاخْتَا / لَ يَجُرُّ الذُّيُولَ مِنْ إِعجَابِهْ
وَغَدَا الْبَيْتُ جَنَّةً بِالَّتي فِيهِ / خَصِيباً بِالأُنْسِ بَعْدَ يَبَابِه
يَا فَتَى الْكُرْدِ كَمْ بَرَزْتَ رِجَالاً / مِن صَميمِ الْحِمَى وَمِنْ أَعرَابِه
نَسَبُ الْمَرْءِ مَا يَعُدُّ مِنَ الأْعمَالِ / لا مَا يَعُدُّ مِنْ أَنْسَابِه
كَمْ سُؤَالٍ بَعَثْتَ إِثْرَ سُؤَالٍ / أَيْقَظَ النَّائِمينَ رَجْعُ جَوَابِه
كُنْتَ فِي الْحَقِّ لِلإِمَام نَصِيراً / وَالْوَفِيَّ الصَّفِيَّ مِنْ أَصْحَابِه
نَمْ هنِيئاً فَمِصْرُ نَالَتْ ذُرَا الْمَجْدِ / وَفَازَتْ بِمَحْضِهِ وَلُبَابِه
مِنْكَ عَزْمُ الدَّاعي وَفَضْلُ الْمُجَلِّي / وَمِنَ اللّهِ مَا تَرَى مِنْ ثَوَابِه
يا خَلِيلَيّ خَلِّيانِي ومَا بي
يا خَلِيلَيّ خَلِّيانِي ومَا بي / أَوْ أعِيدَا إِلَيَّ عَهْدَ الشَّبابِ
حُلمٌ قد مَضَى وَأَيّامُ أُنْسٍ / ذَهبتْ غيرَ مُزْمِعاتِ الإِيَابِ
وَأَزَاهِيرُ كُنَّ تَاجَ عَرُوسٍ / عُفِّرَتْ بَعدَ لَيْلةٍ في التُّرابِ
وبِساطٌ للشَّاربينَ يُصَلِّي / فيه إِبْريقُهم بلا مِحْراب
في حَدِيثٍ أَحْلَى من الأَمَلِ الْحُلْوِ / وَأَصْفَى دِيباجَةً مِنْ شَرابِ
كلُّ فَصْلٍ كأَنه صَفْحَةُ الرَّوْ / ضِ وَعِنْد العُقَارِ فَصْلُ الْخِطابِ
ومُجُون يَحُوطُه الأَدَبُ الْجَمُّ / فما رَاعَه اللّسانُ بِعَاب
يَتَغَنَّوْنَ بالنُّواسِيِّ حِيناً / وَبِشِعْر الفَتَى أَبي الْخَطَّابِ
كُلَّما هَزَّتِ المُدَامُ يَدَيْهِمْ / قَهْقَهَتْ ثُلَّةٌ مِنَ الأكْوَاب
صاحَ فيهم دِيكُ الصَّباحِ فَطارُوا / كلُّ جَمْعٍ لفُرْقَةٍ واغْتِرابِ
يا شَباباً أَقام أَقْصَرَ مِنْ حَسْوَةِ / طَيْرٍ عَلَى وَحىً وَارْتِيابِ
لَكَ عُمْرُ النَّدَى يَطِيرُ مَعَ الشَّمْسِ / وَعُمْرُ الْبُرُوقِ بَيْنَ السَّحابِ
كُنْتَ فِينا كما لَمَحْنَا حَباباً / فَنَظَرْنَا فَلمْ نَجِدْ مِن حَبَاب
وَعَرَفْناكَ مُذْ ذَهَبْتَ كما يُعْرَفُ / فَضْلث النُّبُوغِ بعدَ الذَّهَابِ
مُذْ خَلَعْنا ثِيابَكَ القُشْبَ لم نَنْعَمْ / بِشَيءٍ مِنْ مُنْفِساتِ الثّيابِ
وَرَأَيْنا في لَوْنِك الفَاحِمِ اللمّا / حِ هُزْواً بلَوْنِ كلِّ خِضَاب
أَيْنَ لَوْنُ الْحَيَاةِ والقَهْرِ والقُوَّةِ / مِنْ لَوْنِ ناصِل الأعْشاب
يا سَوَادَ العُيُونِ يا حَبَّةَ القَلْبِ / ويا خَالَ كُلِّ خَوْدٍ كَعَابِ
سَرَقَ اللَّيْلُ مِنْك لَوْناً فأمْسَى / مَسْرَحَ اللَّهْوِ مَوْطِنَ الإِطْرَابِ
وَرَأَى فيك أَحْمَدٌ لَوْنَ كافُو / رٍ فَغَنَّى خَوالِدَ الآدَابِ
بَسْمَةٌ للزَّمَانِ أَنْتَ ثلَتْها / كَشْرَةٌ للزَّمَانِ عَنْ أَنْياب
كُلَّما رُمْتُ خَدْعَ نَفْسِي بنفْسِي / كَشَفَتْ لي المِرْآةُ وَجْهَ الصَّوَابِ
رُبَّ صِدْقٍ تَوَدُّ لو كَانَ كِذْباً / وكِذَابٍ لو كانَ غَيْرَ كِذَاب
لَيْتَ لي لَمْحَةً أُعِيدُ بها مِنْكَ / بَقَايا تِلكَ الأَمَانِي العِذَابِ
حَيْثُ أَخْتَال ناضِرَ العُودِ بَسَّا / ماً كَثيرَ الهَوَى قَلِيلَ العِتَابِ
في صِحَابٍ مِثْلِ الدَّنانِيرِ لا تبْلَى / مَودّاتُهم بطُولِ الصِّحَابِ
بوُجُوهٍ غُرٍّ تَرَاها فَتَتْلُو / في أَسَارِيرِها سُطُورَ كِتَاب
نَسْبِق الْخطْوَ للسُّرُور وِثاباً / لا تُنَال المُنَى بغَيْر الوِثَاب
وَنَجُرُّ الذُّيولَ في غَيْرِ نُكْرٍ / طَاهِرِي النَّفْسِ طاهِري الْجِلْبابِ
إِنْ دَعَانا الهَوَى لغَيْرِ سَدِيدٍ / سَدَّدَتْنا كَرَائمُ الأَحْسَاب
زَيْنَبٌ أَيْنَ مِنْك زَيْنَبُ والشَّملُ / جَميعٌ والعَيْشُ خِصْبُ الْجَنَاب
وَبنَاتُ الثُّغُورِ يَلْعَبْن بالأَلْبابِ / لِعْبَ الشَّمُولِ بالأَلْبابِ
يَتَظَاهَرْن بالْحِجَأب وَهَلْ أَذ / كَى الجَوَى غَيْرُ لُؤْمِ ذاك الحِجابِ
كَم وُجوهٍ تَنَقَّبَتْ بسُفُورٍ / ووُجُوهٍ قد أَسْفَرت بِنقَاب
أَيْنَ تِلْك الأَيّام بَانَتْ وبنّا / وَتَوَلَّتْ بَشَاشَةُ الأَحْباب
لَيْتَ شِعْري أَيَرْجعُ الأَمسُ عَهْداً / غَصَبتْه الأيَّامُ أيَّ اغْتِصابِ
عَهْدَ دارِ العُلومِ أَنْتَ يَدَ الدَّهْر / جَمَالُ الدُّهُورِ والأَحْقَاب
إنْ ذَكَرْناكَ هَزَّنا الشَّوْق للشَّوْ / قِ وَلَهْوِ اللِّدّاتِ وَالأَترَاب
أَنْتَ خِدْنُ الشَّبابِ بَيْنكما في الْوَهمِ / قُرْبَى وَشِيجةُ الأَنْسابِ
فكأنِّي أَرَى الزَّمَانَ وَقَدْ دَا / رَ وَعادَ الصِّبا نَضِيرَ الإِهَاب
وَأرَى الْجَارِمَ الفَتِيَّ يَقُودُ الْحَشْدَ / في جَحْفَلٍ مِنَ الطُّلاَّب
وَاثِباً لاهِياً لَعُوباً ضَحوكاً / غيْرَ مَا وَاجلٍ وَلا هَيَّابِ
وَاثقاً بالإِله لَيْسَ يَرَى الصَّعْبَ / سِوَى أَن تَهابَ خَوْضَ الصِّعَاب
فَهْوَ كالطَّائرِ الطَّلِيقِ فَحِيناً / في وِهَاد وَمَرَّةً في هِضَاب
عابِثٌ بالغُصُونِ في ظِلِّ رَوْضٍ / حَاكَ أَفْوافَه مُلِثُّ الرَّبَاب
يَحْمِل الكُتْبَ في الصَّبَاحِ وَلِلآ / مالِ في صَدْرِه نَئِيجُ العُبَاب
رَأْسُه رَأْسُ مالِه وامتِلاءُ الرَّأْ / س خَيْرٌ من امْتِلاء الوِطَاب
كُلُّ يَوْمٍ في الامْتِحاناتِ هَيْنٌ / خَطْبُهُ غَيْرَ خَطْبِ يَوْمِ الْحِسَاب
إِيهِ دارَ العُلُوم كُنْتِ بِمصْرٍ / في ظَلامِ الدُّجَى ضِيَاءَ الشِّهَاب
في زَمانٍ مَنْ كَانَ يُمْسكُ فِيه / قَلَماً عُدَّ أَكْتَب الكُتَّاب
أَنْتِ أُمُّ الأَشْبالِ إنْ غَابَ لَيْثٌ / صالَ لِلْحَقِّ بَعْدَه لَيْثُ غَابِ
تَلدين البَنِينَ مِنْ كُلِّ ماضٍ / شَمَّرِيٍ مُزَاحِمٍ وَثَّاب
شاعِرٍ يُنْصِتُ الوُجُودُ إذا قَا / لَ وَيَهْتَزُّ هِزَّةَ الإِعْجَاب
شِعْره زَفْرَةُ الغرَامِ تَعالَتْ / عن قُيُود الأَوْتَأدِ والأَسْبَاب
تَتَغَنّى به العَذَارَى فَيْبعَثْن / الهَوَى بعد صَحْوةٍ وَمَتَاب
تَخِذَتْ فيكِ بِنْتُ عَدْنَانَ داراً / ذَكَّرَتْها بَدَاوَةَ الأَعْرَاب
عَادَها الْحُسْنُ في ذَرَاكِ ورَوَّا / هَا عَلَى غُلَّةٍ نَمِيرُ الشَّبَابِ
وَغَدَتْ في عُطَاظَ بَيْنَ شُيُوخٍ / فَتَنَتْهم بسِحْرِها الْخلاَّب
خَلَعُوا في طِلابِها جِدَّة العُمْرِ / وقَدْرُ المَطْلوبِ قَدْرُ الطّلاَب
وَدَنَوْا من خِبَائها فَأَرَتْهم / ثَمَراتِ النُّهَى وَسِرَّ الكِتَاب
لَكِ دَارَ العُلومِ في كُلِّ نَفْسٍ / أَثَرُ القَيْنِ في صِقَال الْحِرَابِ
حَسْبُ مُطْرِيك أَنَّ كلَّ نَجيبٍ / نَفْحَةٌ مِنْ رِجَالِكِ الأَنْجَاب
أنْتِ كالنِّيلِ كُلَّما مَسَّ جَدْباً / هَزَّهُ بالنَّمَاءِ والإِخْصَاب
كِيمِياءُ العُقُولِ أنتِ تصوغِينَ / نضاراً من النُحاسِ المُذَابِ
إنَّ خَمسِينَ حِجَّةً قد كَفَتْ مِنْكِ / لِمَلْءِ الدُنْيا بكلِّ عُجاب
نَهَضَتْ مِصْرُ نَهْضَةَ النَسْرِ فيها / واسْتَوَتْ فوْقَ مُسْتَقرِّ العُقاب
كُلُّ عامٍ كأنَّهُ خُطْوَةُ الْجَبارِ / أو وَثْبَةُ الأُسُودِ الغِضاب
كُلُّ عام كأنَّه عَلَمُ النَصْرِ / بِكَفِّ المُظَفَّرِ الغَلاَّب
كُلُّ عَامٍ كَطَالِعِ السَعِدْ شِمْنَا / هُ عَلَآ طُولِ غَيْبةٍ وَاْحِتجاب
كُلُّ عامٍ كالفَجْرِ يَهْزِمُ لَيْلا / نَابِغِيَّ الهُمُومِ والأَوْصاب
كُلُّ عامٍ كأنَّهُ الأَمَلُ الضَا / حِكُ وافاكَ بعدَ طُولِ ارْتقابِ
كُلُّ عامٍ كَوَافِدِ الْغَيْثِ تَلْقَا / هُ وُجُوهُ الرِّياضِ بالترْحابِ
لا تَهابِي دارَ العُلُومِ مُلِمّاً / آفةُ المجدِ والعُلاَ أَنْ تَهابي
إنّ ف مِصْرَ لو عَلِمْتِ قُلُوباً / وَاجِفَاتٍ لقَلْبِكِ الوَجَّاب
سَتَنَالِينَ بالمَليكِ فؤادٍ / كلَّ ما تَرْتَجينَ مِنْ آرَاب
لا تُرَاعِي وفي الكِنَانةِ سَعْدٌ / بَيْنَ أشْبَالِهِ الشِدَادِ الصِلاب
واطلبي الْخَيْرَ والمُنَى مِنْ فُؤادٍ / ناشرِ الفَضْلِ ناصِرِ الآداب
لا خَلَتْ مِصْرُ مِنْ نَدَاهُ فَقَدْ صا / رَ عِنَانَ القُلوبِ طَوْقَ الرِقاب
قد قرأتُ الهلالَ خمسين عاماً
قد قرأتُ الهلالَ خمسين عاماً / فاق فيها بدرَ السماءِ اكتمالا
وعجيبٌ يزيدُ في كلِّ شهرٍ / ثمّ يُدْعَى برغم ذاك هِلالا
رَحْمَتَا للجريحِ من أنَّاتِهْ
رَحْمَتَا للجريحِ من أنَّاتِهْ / ولسَمْعِ الوِسادِ من آهاتِهْ
غَرَبَتْ شمسُه فقام يناجي / ساهداتِ النجومِ في لَيْلاته
إنّها بينهُنّ تسمَعُ نجْوَا / هُ وتبكي لِبثِّه وشَكاته
أرسَلتْ من شعاعِها ذِكْرَياتٍ / هاجتِ الكامنات من ذِكْرَياته
ولها في سمائِها خَفَقاتٌ / أسرعتْ في فؤادِه خَفَقاته
سَبَحَتْ في عوالمِ النورِ زَيْنٌ / أين منها الغريقُ في ظُلُمَاتِه
كم يمُدُّ اليديْنِ أَسْوانَ مُضْنىً / فَيفِرُّ الشُّعاعُ من قَبَضاتِهْ
ويسوقُ الأشعارَ في نَبَراتٍ / ظنّها ابنُ الهَديلِ من نَبراته
سَمِعَ الدَّوْحُ نوحَها عبْقَريّاً / فتمنَّى لو نُحْنَ في عَذَباته
مُشْجِياتٌ يوَدُّ كلُّ ابنِ غصن / أنّ أنغامَها جرتْ من لهاته
قلتَ شعراً فلم يكنْ غيرَ بحرٍ / من دُموعٍ طفا بتفْعيلاتِه
وبعثتَ الشُّجونَ في كل صدرٍ / وأثرتَ المَكْبُوتَ من زَفَراته
فاقتسمنا لوعاتِ قلبِكَ فانظرْ / هل أفاق المسكينُ من لْوعاته
إنّ مَاءَ الدموعِ أطْفَأُ للوَجْ / دِ وأشفَى للصَّبِّ في خَلَواته
فاسكُبِ الدمعَ وابعثِ الشعرَ وامْلأ / أُذُنَ الخافقَيْنِ من آيَاتِهْ
كنتَ قَيْساً بكَى على قبرِ لَيْلاَ / هُ ورَوَّى الضريحَ من عَبراته
بيَ جُرْحٌ مضى عليه زمانٌ / حِرْتُ في أمرِه وأمرِ أُساته
كلّما صاحَ نادبٌ هاج شَكْوا / هُ ومَسَّ الأليمَ من نَدَباته
أنا أبكي لكلِّ باكٍ ونفسي / حَسَراتٌ تذوبُ في حَسَراته
بائعُ الصبرِ إن يكن عُشْرُ مثْقَا / لٍ بأَغْلَى ما في الحياةِ فَهَاته
كلنا مَسَّه من الدهر ظُفْرٌ / آهِ من ظُفْرِه ومن فَتَكاته
وَأَدْتْنا بناتُه برَزَايا / هَا ومَنْ ذا يسطيع وَأدَ بَنَاته
فكرِهنَا حتى النعيمَ لأنَّا / قد رأينا اجتماعَه لشتَاتِهْ
لذَّةُ المرْءِ من جَنَى أَلم المَرْ / ءِ وتَأْتِي الآلاَمُ من لَذَّاته
ما حَيَاةُ المُحبِّ بعدَ حبيبٍ / قَبَسَ النورُ والهوَى من حياته
حَسْبُه أنه إذا رَامَ قُرْباً / لم يجدْ للوصولِ غيرَ مَمَاته
عِشْ أبا واثِقٍ لوَاثِقِ البا / كِي وللنّاكِلاَتِ من أَخَوَاته
بَيْنَ صَحْوِ الْمُنَى وحُلْمِ الخَيالِ
بَيْنَ صَحْوِ الْمُنَى وحُلْمِ الخَيالِ / سَبَح الشعرُ في سماءِ الجمالِ
ومضَى سانحاً يهُزُّ جَناحَيْهِ / عَلَى شاطىء السِنينَ الخوالي
لمح الدهرَ وهو يحبو من المَهْدِ / عليه غَدائرٌ من ليالي
وأزاح التاريخُ عن عَيْنِهِ الحُجْبَ / فَمَرَّتْ تخوض في الأجيال
ورأى الشمسَ طِفْلةً تُرْسِلُ الأضواءَ / فوقَ الكُهوفِ والأدْغال
صَفَحاتٌ من الزمانِ توالَى / وهو يتلو سُطورَها بالتوالي
وتصاوير للحوادثِ تبدو / في شَتيتِ الألوانِ والأشكال
وإذا رَنَّةٌ كما تضحَك الآ / مالُ بعد النوى وطولِ المِطالِ
وقف الشعرُ شاخصاً حين مَسَّتْهُ / بسحرٍ من الفُنونِ حَلال
نَغَماتٌ لم يعهَدِ الروضُ مِثْلاً / لِصَدَاها بين الربا والظلال
ولُحونٌ لها مِثالٌ عجيبٌ / أو إِذا شِئْتَ قُلْ بغيرِ مِثالِ
بَيْنَ عُودٍ كم هَزَّ أعطافَ رَمْسِيسَ / وحَيَّا مَواكِبَ الأَقْيالِ
ودُفوفٍ عَزَفْنَ لابْنَةِ فِرْعَو / نَ فماسَتْ بين الهَوى والدلالِ
ومَزاميرَ أُطْلِقَتْ من فَمِ السحْرِ / فمادَتْ لها رَواسِي الجِبالِ
وَرَنَتْ كُلُّ سَرْحَةٍ تَسْرِقُ السمْعَ / وتَعْطُو بغُصْنِها الميَّالِ
وأهازيجَ رَدَّدَتْها الأزاهيرُ / وغَنَّى بها نسيمُ الشمَال
ذُهِلَ الشعْرُ فاستفاق فألفَى / موكِباً حُفَّ بالسنا والجلال
ساطعاتُ الشمُوس فيه مَشاعِيلُ / وأَضْواؤُهُ بناتُ الهِلال
زَحَمَ الأرضَ بالجِيادِ وغَشَّى / صَفْحَةَ الجَوِّ بالظُبا والعَوالي
وهَفَتْ رايةٌ على قِمَّةِ النجْمِ / وَرَفَّتْ فوقَ السحابِ الثقال
مَوْكِبٌ يجمعُ الشعوبَ وتمشي / تحت أعلامِهِ العُصورُ الأَوالي
سار فيه المُلوكُ من كُلِّ جِيلٍ / في احتفاءٍ ضافي السنا واحتفالِ
ذاكَ مِينا وذاك عَمْرٌو فَتَى العُرْ / بِ وهذا المُعِزُّ جَمُّ النوال
وَبَدا بينَهُمْ محمدٌ الأَكْبَر / مُحْيِي البلادِ مُنْشِي الرجال
صادعُ الجهل هادمُ الظلمِ في / مِصْرَ مُبيدُ القُيودِ والأَغلال
خَلْفَهُ زِينةُ الخلائفِ إِسْما / عيلُ ذُخْرُ المُنَى أبو الأشبال
وفؤادٌ مُجدِّدُ الجِيلِ والآ / مالِ سِرُّ العُلا والاستقلال
سأل الشعْرُ أينَ يقصِدُ هذا الركْبُ / بعد الطوافِ والتجْوال
فأجابَتْ مِنْ فوقِهِ هاتفاتٌ / تملأُ الجوَّ واضِحَاتُ المَقال
أَسْرِعُوا نحوَ عابدينَ مَقامِ / الْمُلْكِ والنُبْلِ والنجارِ العالي
وَقَفَ الرَكْبُ عِنْدَ سُدَّةِ فارو / قٍ فكانَتْ نهايةَ الترْحالِ
ورأَى الشعْرُ مَحْفِلاً لمُلوكِ / الدَّهْرِ ما مَرَّ مِثْلُهُ بِخَيال
جلسوا جاذلِينَ بَيْنَ ابتهاجٍ / ضاحكٍ كالمُنَى وبَيْنَ ابتهال
ثمَّ نادَى ذو أمْرِهِمْ نحن في يو / مٍ سعيدِ الغُدُوِّ والآصال
يَوْمُ يُمْنٍ لمِصْرَ ليس له مِثْلٌ / ولا جَالَ للدهُورِ ببال
وُلِدَ المجدُ فيه والشرَفُ السا / مِي ونُور الحِجا ونُبْلُ الخِلالِ
نَجَلَ السيِّدُ المُمَلَّكُ فيهِ / فَهَناءً بأكْرم الأنجال
قد سَعَيْنا لِسُوحِهِ فقضَيْنا / حاجةً في نفوسِنا للمعَالي
بُهِرَ الشعْرُ فانْثَنَى يَلثِمُ الأرْ / ضَ ويَدْعُو بالعِزِّ والإِقبال
وشدا مِثْلَما شَدَتْ بِنْتُ أيْكٍ / بَيْنَ ظِلٍ وكَوْثرٍ سَلْسالِ
نَعِمَتْ بالأَليفِ لا هو ناءٍ / إِن دَعَتْهُ يوْماً ولا هُوَ سَالي
لم تَرَ النسْرَ في مَخالِبِه الزرْ / قِ ولا رُوِّعَتْ بصَيْدِ حِبال
تحتَها الزهْرُ فاتِنُ اللونِ رَفَا / فٌ جَميمُ الندَى دَمِيثُ الرمال
صَدَحَتْ للدُجَى وللَّيْلِ حُسْنٌ / حينَ يَطْوِي الوُجودَ في سِرْبال
صَدَحَتْ للصباحِ يلمَعُ في الشرْ / قِ طَهُوراً كَبَسْمَةِ الأطفالِ
إِنَّ للطبْعِ والبَديهَةِ سِحْراً / فوقَ طَوْقِ الجُهُودِ والإِيغال
غَرِّدِي كيفَ شِئْتِ يا سَرْحَةَ الوا / دِي وهُزَي فَضْلَ الغُصونِ الطوال
واجْمَعِي اليومَ كُلَّ ذاتِ جَناحٍ / إِنَّ يومَ الفاروقِ في الدهرِ غالي
أرسِلِي البُلْبُلَ الفَرِيدَ يُنَادي / تَسْتَجِبْهُ الطُيورُ في أرْسال
إِنَّ يومَ المِيلادِ يَوْمٌ على الدهْرِ / قليلُ الأَنْدادِ والأَمْثال
صَفَّقَ النيلُ فيه زَهْواً وعُجباً / وجرَى في تَخَطُّرٍ واختيال
ساحباً ذَيْلَه يَمُرُّ على الزهْرِ / فَتَمْضِي الزُهورُ في الأَذيال
لا يُبالي فقد تَمَلَّكَهُ الْحُبُّ / وأوحَى إِليهِ ألاَّ يُبالي
وهو لولا عُذوبةُ الْحُبِّ ما فا / ضَ بعَذْبٍ من النَّمِيرِ زُلال
أنتَ مَوْلاهُ أنتَ عَلَّمْتَهُ البَذْ / لَ وبَذْلُ العبيدِ فَضْلُ الموالي
غمَرَتْنا نُعْماكَ في كلِّ حالٍ / فحمدْنا نُعْماكَ في كلِّ حالِ
أيُّها الراكبونَ في طَلَبِ الْغَيْثِ / سِراعاً والغيثُ مِلْءُ الرِحالِ
لا تَرِيموا مكانَكُمْ لا تَرِيموا / ساحةُ المُلْكِ مَوْرِدُ السُؤَال
يا لَها فَرْقَداً أطلَّ عَلَى الدُنْيا / فأمستْ نجومُها كالذُبالِ
سطعتْ بالسعُودِ تستقبلُ الكَوْ / نَ فتحظَى بأشرفِ استقبال
اِسْتَهلَّتْ بالسِلْمِ واليُمْن والعِيدِ / فكانتْ بَرَاعَةَ استهلال
أُغْمِدَ السيْفُ بعدَ طُولِ جِدالٍ / وجدالُ السُيوفِ شَرُّ جِدال
أنا في السِلْمِ عَبْقَرِيُّ القَوافي / ليس لي في الظُبَا ولا في النِصال
أنا شعري كالطَيْرِ يُفْزِعُهُ الَخُّ / ويرتاعُ من حَفيف النِبال
لا تعيشُ الفُنونُ بينَ كِفاحٍ / راكبٍ رأْسَهُ وبَيْنَ نِضال
خِفْتُ إنْ أُشْعِلَتْ لَظَى الحَرْبِ أَنْ / أُنْشِدَ بَيتاً جرَى معَ الأمثال
لم أكُنْ مِنْ جُناتِها عَلِمَ اللهُ / وإنَي بِحَرِّها اليومَ صالي
فمتَى تَهْدَأُ القُلُوبُ إلى الْحُبِّ / وتُهْدَى النفوسُ بعد ضَلال
أشْرِقي عَابِدينُ فالمُلْكُ زاهٍ / صاعِدُ الْجَدِّ والزمانُ مُوالي
أنتِ أطلعتِ في سمائِكِ بَدْراً / عَلَّمَ ابنَ السماءِ معنَى الكمال
دَوْحَةُ المجْدِ أَنْتِ كَمْ من أصولٍ / راسياتٍ ومن فُروعٍ هِدال
دَوْحَةٌ أَرضُهَا من الطِيبِ والمِسْكِ / وأثمارُها سُمُوط اللآلي
كم أظلَّتْ مِصْراً وحاطَتْ بَنِيها / من هَجيرِ الْخُطُوبِ والأهوال
أنتِ يا عابدينُ خَيْرُ بناءٍ / مَدَّ أفْياءَهُ على خَيْرِ آل
صَفَّقَتْ مِصْرُ حينما جَاءتِ البُشْرَى / فأهلاً بمولدِ الآمال
كم بسطنا الأكُفَّ نَضْرَعُ لِلرَحْمنِ / والليلُ مُسْبِلُ الأسْدال
وسبَقْنا دَقَّ البشائرِ شَوْقاً / وبعثْنا السُؤالَ إِثْرَ السُؤال
ووَدِدْنا لو استقرَّ التَّمَنِّي / واستراح الرَجاءُ بعدَ كَلال
وإِذا أَنْعُمُ الإِلَهِ تَوَالَى / بعميم الإِحسانِ والإِفضال
وإذا الفجرُ صادقٌ يَمْلأُ الشَرْ / قَ فَيَمْحُو غَياهِبَ الأَوْجالِ
وإذا المَهْدُ فيه دُرَّةُ مَجْدٍ / لِكَرِيمِ الْجُدودِ والأَخْوال
وإِذا مِصْرُ أَعْيُناً وقُلوباً / تَقْبِسُ النورَ من سَنا فِرْيال
فهنَاءً مَليكةَ النِيل كم حَقَّقْتِ / للنيلِ من أمانٍ غَوالي
وَهناءً مَليكَ مِصْرَ المُفَدَّى / نِلْتَ فَاشْكُرْ للَهِ خَيْرَ مَنال
عِشْ وعاشَتْ أمِيرَةُ المُلْكِ واسْلَمْ / للمعالي وصالِح الأعمال
قد قرأنا الحياةَ سَطْراً فسطراً
قد قرأنا الحياةَ سَطْراً فسطراً / وشهِدنْا صروفَها ألوانَا
ورأينا المِقْدامَ يسمو إلى الع / زِّ ولا يرتضي النجومَ مكانا
ولمحنا بجانبيه أُناساً / قُتِلوا ذِلَةً وماتوا هوانا
إنَّما المَنْصِبُ الكريمُ بمن في / ه وليس القنَاةُ إلاَ سِنانا
قد حبَسْنا المديحَ عن كلِّ مُسْتا / مٍ وأجْدِرْ بشعرنا أنْ يُصانا
لا تَزينُ العقودُ جِيداً إذا لم / يَكُ بالحسن قبلَها مُزدانا
رُبَّ دُرٍ لاقَى من الصدرِ دُرَاً / وجُمانٍ في النَحْرِ لاقى جُمَانَا
لو مدحنا من لا يَحِقُّ له المد / حُ لوَى الشعرُ رأَسه فهجانا
الرسولُ الكريمُ أنطق حَسَا / ناً ولولاه لم يكنْ حَسَانا
وابنُ حَمْدانَ لقَّنَ المتنبِّي / غُرَرَ المدحِ في بني حَمْدَانا
يصدُق الشعرُ حينما يصدُق النا / سُ فيشدو بمدحِهم نَشْوانا
وإذا عزَتِ المكارمُ ولَى / مُطرِقَ الرأسِ واجماً خَزْيانا
ومضَى يشتكي الزمانَ ويبكي / دارساتِ الطُلولِ والأْظعانا
فإذا شئتَ أن أكونَ زُهَيْراً / فأَعِنِّي وهاتِ لي ابنَ سِنانا
هَلْ نَعَيْتُم لِلْبُحْتُرِيِّ بَيَانَهْ
هَلْ نَعَيْتُم لِلْبُحْتُرِيِّ بَيَانَهْ / أوْ بَكَيْتُم لِمَعْبَدٍ أَلْحَانَهْ
أوْ رَأَيتُم رَوْضَ الْقَريضِ هَشِيماً / بعْدَ مَا قَصَّف الرَّدَى ريحانَه
فُزِّعَتْ طَيْرُه فَحَوَّمْنَ يَبكِينَ / ذُبُولَ الْخَمِيلَةِ الْفيْنَانَهَ
كُنَّ في ظِلِّهَا يُغَنِّينَ لِلشَّرْ / قِ وَيُنْهِضْنَ لِلْعُلاَ شُبَّانَه
كُنَّ في ظلِّها يُحَيِّينَ مَجْداً / صَاعِداً ضَلَّتِ النُّجُومُ مَكَانَه
كُنَّ في ظِلِّها يُنَاغِينَ آما / لاً ويَبْعَثْنَ هِمَّةً وَهْنَانَهْ
أَيُّهَا الطَّيْرُ ضَنَّ مَاءُ الْقَوافِي / فَبذَلْنَا دُمُوعَنَا الهَتَّانَهْ
مَاتَ يَا طَيْرُ صَادحٌ تَسْجُدُ الطَّيْرُ / إِذَا رَجَّعَ الصَّدَى تَحْنَانَهْ
نَبَرَاتٌ تَخَالُهَا صَوْتَ دَاوُ / دَ بِلَفْظٍ تَخَالُهُ تِبْيَانَهْ
عَلَّمَتْ الابْتِسَامَ زنْبَقَةَ الْوَا / دِي وَأوْحَتْ لِغُصْنِهِ مَيَلانَهْ
مَاتَ شَوْقي وَكانَ أنفَذَ سَهْمٍ / صَائِبِ الرَّمْيِ مِنْ سِهَامِ الكِنَانَهْ
اِبْكِ لِلشَّمْسِ في السَّماءِ أَخَاهَا / وَابْكِ لِلدَّهْرِ قَلْبَهُ وَلِسَانَهْ
وَابْكِهِ لِلنُّجُوم كَم سَامَرتْهُ / مَالِئاتٍ بِوَحْيها آذَانَهْ
وَابْكِ لِلرَّوْضِ وَاصِفاً يَخْجَلُ الرَّوْ / ضُ إذَا هَزَّ بِالْيَرَاعِ بَنَانَهْ
وَابْكِهِ لِلْخَيالِ صَفْواً نَقِيّاً / إنَّهُ كانَ في الْوَرَى تَرْجُمَانَه
مَلأَ الشَّرْقَ مَوْتُ مَنْ مَلأَ الشَّرْ / قَ حَيَاةً وَقُوَّةً وَزَكانَهْ
كَمْ يَتِيمٍِ مِنَ الْمعَانِي غَرِيبٍ / مَسَحَتْ كَفُّهُ عَلَيْهِ فَصَانَه
وَشَمُوسٍ رَنَا إلَيْهِ فَأَلْقَى / رَأْسَهُ خَاضِعاً وَأعْطَى عنَانَهْ
ونَفُورٍ أزْرَى بصَيَّادِهِ الطبِ / وأَعْيَا قِسِيَّهُ وَسِنَانَهْ
نَظْرَةٌ تَلْتَقي بِهِ يَنْهَبُ الْوَا / دِي وأُخْرَى تَراهُ يطْوِي رِعَانَهْ
تَسْبِقُ السَّهْمَ عينُهُ فَتَرَاهُ / يَتَلَوَّى تَلوِّيَ الخَيْزُرانَه
ثمَّ يَخْفَى فَلاَ تَرَاهُ عُيُونٌ / ثُمَّ يَبْدُو فَلاَ تَشُكَّ عِيَانَه
أَجْهَدَ الْفَارِسَ المُلِحَّ وَأفْنَى / نَبْلَهُ حَوْلَهُ وَأضْنَى حِصَانَه
وَهْوَ يَعْدُو لاَ الرَّأْسُ مَالَ مِنَ الأَيْنِ / وَلا قَلْبُهُ شَكَا خَفَقَانَهْ
مَدَّ شَوْقي إِلَيْهِ نَظْرَةَ سِحْرٍ / عَوَّقَتْ دُونَ شَوْطِهِ جَريَانَه
فَأَتَى مِشْيَةَ المُقَيَّدِ يَسْعَى / بَيْنَ هَوْلٍ وَذِلَّةٍ وَاسْتِكَانَه
غَزَلٌ كالشَّبَابِ ينْضَحُ آما / لاً ويهْتزُّ في حلىً فَتَّانَهْ
تَسْمعُ الْحُبَّ في نَواحِيهِ هَمْساً / يتَناجَى ويَشْتَكي أشْجَانَه
وتُحِسُّ الْهَوَى يرِفُّ حناناً / شَرَكُ الحُبِّ أنْ تُحِسَّ حَنَانَه
وإِذَا جَالَ وَاصِفاً رَاعَك الْحُسنُ / وَأكْبَرْتَ فنَّهُ وافْتِنَانَه
صُوَرٌ زَيْتُها بَيَانٌ سَرِيُّ / مَزَجَ اللّهُ وَحْدَهُ أَلْوَانَه
لَوْ رُفَائِيلُ راءها غَالَهُ الْبَهْرُ / وَأَلْقَى ألْوَاحَهُ وَدِهَانَه
عالِمٌ بِالنُّفُوسِ ما غَاصَ مِيلٌ / في خَفَايَا النُّفُوسِ حتَّى أبَانَه
أَوْدَعَ الدَّهْرُ مِسْمَعَيْهِ عَنِ الكَوْ / نِ حَدِيثاً فلَمْ يُطِقْ كِتْمَانَهْ
ذَأكَ سِرُّ الإِلَه يختَصُّ مَنْ شَا / ءَ بآثارِ فَضْلِهِ سُبْحَانَه
وَرِثَاءٌ لوْ كَان يَسْمَعُهُ المَيْتُ / لأَحْيَا بِسِحْرِهِ جُثْمَانَه
عَرَفَ المَوْتَ والْحَياةَ جَميعاً / ورَأى بَعْدَ حَيْرَةٍ بُرْهانَه
والرّوَايَاتُ أدْهَشَتْ كلَّ لُبٍ / ثُمَّ أَرْبَتْ فَأَدْهَشَتْ شَيْطَانَه
يُغْمِضُ الْعَيْنَ في اضْطِرَابٍ إذَأ حَسَّ / طُروقَ الإلْهَام أَوْ غِشْيَانَه
ثُمَّ يُمْلي كَأَنهُ مِنْ كِتابٍ / قَارِىءٌ في سُهولَةٍ ومَرَانَهْ
جَوْهَرِيٌّ وَدَّ الكَواعِبُ لَوْ يَشْرِينَ / يوماً بِحُسْنِهنَّ جُمَانَه
زَانَ مِصْراً بلؤلىءٍ يَبْهَرُ الْعَيْنَ / وَأوْلَى تَارِيخَهَا عِقْبَانَهْ
كَانَ صَبّاً بِمِصْرَ كَمْ هَامَ شَوْقاً / بِرُبَاهَا وَبَثَّهَا أَحْزانَهْ
دَفَنَ اللَّهْوَ وَالصِّبا في ثَرَاهَا / وَطَوَى مِنْ شَبابِه عُنْفُوَانَه
هِيَ بُسْتَانهُ فَغَرَّدَ فِيهِ / وحَبَا كُلَّ قَلْبِهِ بُسْتانَه
يحْرُسُ الْفَنَّ في ظِلالِ نَوَاحِيهِ / وَيَرْمِي عَنْ دَوْحِهِ غِرْبَانَه
يَعْشَقُ النِّيلَ والْخَمَائِلُ تَهْتَزُّ / بِشَطَّيْه خُضْرَةً وَلَدَانَهْ
يَعْشَقُ النِّيلَ وَالْجزِيرةُ تُغْرِيهِ / وَقَدْ لَفَّ حَوْلَهَا أرْدانَهْ
يَعْشَقُ الْجسْرَ والسَّفَائِنُ تَهْفُو / حَوْلَهُ كَالْحَمائِم الظَّمْآنهْ
وَيُحِبُّ السَّوَادَ مِنْ عَيْنِ شَمْسٍ / مَالِئاً مِنْ رُوَائِهِ أَجْفَانَه
كُلُّ شَيءٍ بِمِصْرَ يَبْهَرُ عَيْنَيْهِ / جَمَالاً ويَسْتَثِيرُ جَنَانَه
كُلَّمَا هَزَّهُ إِلَى الشِّعْرِ شَوْقٌ / جَذَبَ الْحُبُّ نَحْوَهَا وِجْدَانَه
فَشَدَا بِاسْمِهَا كَمَا تَصْدحُ الطَّيْرُ / وَقَدْ شمَّرَ الدُّجَى طَيْلَسَانَه
وَجَلا مَجْدَهَا الْقَدِيمَ جَدِيداً / بَعْدَ مَا هَدَّمَ الْبِلَى أَرْكَانَهْ
في خُشُوعٍ يُشِيدُ باسمْ فُؤَادٍ / مِثْلَمَا رَدَّدَ المُصَلِّي أَذَانَهْ
مَلِكٌ مَدَّ لِلْفُنُونِ يَمِيناً / عَلَّمَتْ كُلَّ مُحْسِنٍ إِحْسَانَهْ
نَظْرَةٌ مِنْهُ زَادَت الشِّعْرَ زَهْواً / وَأعَادَتْ لِعَهْدِهِ رَيْعَانَه
نَحْنُ في ظِلِّ تَاجِهِ في زَمَانٍ / وَدَّ هَارُونُ أَنْ يَكُونَ زَمَانَه
أَوَّلُ السَّابِقينَ شَوْقِي إذَا جَا / لَ ذَوُو السَّبْقِ يَبْتغونَ رِهَانَه
شِعْرهُ حِكْمَةٌ وَصِدْقُ خَيَالٍ / وَجَمَالٌ وَرَوْعَةٌ وَرَصَانَه
وَمَعَانٍ شَوْقِيَّةٌ في سِيَاقٍ / بُحْتُرِيٍ وَرِقَّةٌ في مَتَانَهْ
يَا مُجِيرَ الْفُصْحَى وَقَدْ عَقّهَا / الدَّهْرُ وأَغْرَى بِقَوْمِها حِدْثَانَه
نَزَلَتْ في ذَرَاكَ رَوْضاً مَرِيعاً / هَدَلَ النَّوْرُ والْجَنَى أَغْصَانَه
واستَعادَتْ حُسْن الشَّبَابِ وَكَانَتْ / رَمَقاً بَيْنَ كَبْرَةٍ وَزَمَانَهْ
وَحَمَتْهَا يَدَاكَ مِنْ شَرِّ باغٍ / في زَمَانٍ طَغَتْ عَلَيْهِ الرَّطَانَه
ذَكَّرَتْهَا رَنَّاتُ صَوْتِكَ قَوْماً / سَلَفُوا مِنْ هَوَازِنٍ وَكِنَانَهْ
رَفَعَتْ مِصْرُ رَايَةَ الشِّعْرِ في الشَّرْ / قِ وَأوْلَتْ أَمِيرَهُ صَوْلَجَانَهْ
وَمَشَى الدَّهْرُ في الْوُفُودِ إِلَى / الْبَيْعَةِ يَحْتَثُّ نَحْوَهُ رُكْبَانَه
وَرَأَيْنَا بِكُلِّ أُفْقٍ رَنِيناً / رَدَّدَتْه الْقَصَائِدُ الرَّنَّانَه
هَكَذَا كُلُّ مَنْ يُرِيدُ خُلُوداً / يَجْعَلُ الْكَوْنَ كلَّهُ مَيْدَانَهْ
هَكَذَا فَلْيَسِرْ إِلَى الْمَجْدِ مَنْ شَا / ءَ وَيَرْفَعْ بِذِكْرِهِ أَوْطَانَه
خُلُقٌ كَالنَّدَى وَقَدْ نَقَّطَ الزَّهْرَ / فحَلَّى وَشْيَ الرِّياضِ وَزَانَه
وَصِباً يَمْلأُ الزَّمَانَ ابْتِسَاماً / وَحِجاً يَمْلأُ الزَّمَانَ رَزَانَه
وَسَمَاحٌ يَلْقَى الصَّرِيخَ بِوَجْهٍ / تَحْسُدُ الشَّمْسُ في الضُّحَا لَمَعَانَه
شَمَمٌ في تَوَاضُعٍ وَحَياءٌ / في وَقَار وفِطْنَةٌ في لَقَانَه
وَحَدِيثٌ حُلْوٌ لَهُ رَوْعَةُ الشِّعْرِ / فَلَوْ كَانَ ذَا قَوَافٍ لَكَانَهْ
وَيَقِينٌ باللّه ما مَسَّهُ الضَّعْفُ / وَلاَ طَائِفٌ مِنَ الشَّكِّ شَانَه
هُوَ في الشَّمْسِ والْكَوَاكِب نُورٌ / وَهْوَ في الأَرْض وَالْجِبَالِ رَكَانَه
مَلَكَ الدِّينُ قَلْبَهُ وَهَوَاهُ / وَجَلاَ الشِّعْرُ سَاطِعاً إِيمَانَه
يَمْدَحُ الْمُصْطَفَى فَتَلْمَحُ حُبّاً / عَاصِفاً آخِذاً عَلَيْهِ كِيَانَه
وَتَرَاهُ يَذُودُ عَنْ آلِهِ الْغُرِّ / وَفَاءً لِحُبِّهِمْ وَصِيانَهْ
حَسْبُهُ أَنْ يَجِيءَ في مَوْقِفِ الْحَشْرِ / فَيَلْقَاهُ مَالِئاً مِيزَانَه
طَوَّفَتْ حَوْلَهُ الْمَلاَئِكةُ الطُّهْرُ / وَمَسَّتْ بِطِيبِها أَكْفَانَهْ
إنَّ مَعْنَى الْحَيَاةِ فِيهِ مِنَ الْمَوْ / تِ مَعَأنٍ لَوْ يَفْهَمُ الْمَرءُ شانهْ
يُهْدَمُ الْمَرْءُ كُلَّ يومٍ وَيُبْنَى / ثم يَهْوِي فَلاَ تَرَى بُنْيَانَه
نَحْنُ حَبٌّ في قَبْضَةِ الدَّهْرِ يُلقيهِ / وَيَجْنِيه مُدْرِكاً إِبَّانَه
نَحْنُ في دَوْحَةِ الأَمَاني زَهْرٌ / يَهْصِرُ الْمَوتُ لِلْبِلَى أَفْنَانَه
إِن هَذِي الْحَيَاةَ بَحْرٌ وَكُلٌّ / بالِغٌ بَعْدَ سَبْحِهِ شُطْآنه
قَدْ قَضَى اللّهُ أَنْ نَكُونَ فَكُنَّا / وَقَضَينَا وَمَا قَضَيْنَا لُبَانَه
أَيُّهَا الرَّاحِلُ الْكَرِيمُ لَقَدْ كُنْتَ / سَوَادَ الْعُيُونِ أَوْ إِنْسَانَه
نَمْ قَرِيراً في جَنَّةِ الْخُلْدِ وَانْعَمْ / بِرِضَا اللّه وَاغْتَنِمْ غُفْرَانَهْ
وَالْتَمِسْ نَفْحَةَ الرَّسُولِ وَطَارِحْ / في أَفَانِينِ مَدْحِهِ حَسَّانَه
كَيْفَ يُوفي الشِّعْرُ الَّذِي مَلَك / الشِّعْرَ وألْقَى لِغَيْرِهِ أَوْزَانَه
وَرِثَاءُ الْبَيَانِ جُهْدُ مُقِلٍ / لِلَّذِي خَلَّدَ الزَّمَانُ بَيَانَه
ضلّ شعري وندّ عني بياني
ضلّ شعري وندّ عني بياني / ما على الشاعرين لو أرشداني
ضاع في ظلمةِ المشيبِ أنيناً / وبكى في الصبا بياضَ الأماني
مِزْهَرٌ أنَّ في قِفارِ فلاةِ / وابنُ غصنٍ شدا بلا أغصان
بين قومٍ ما رَنَّ في سمعِهم أح / لَى نشيداً من أصفرٍ رنّان
صدَفتهم عن خالدِ الفنِّ أضغا / ثٌ وزَهْوٌ من كاذبِ العيش فاني
هاتِ سمعاً أُسْمِعْكَ رائعَ أَنغا / مي وإلاَّ فاذهبْ ودعني وشاني
أنا في أمةٍ بها جدولُ الضر / بِ طغَى سيلُه على الأذهَانِ
إن رأَوْا صفحةً بها بيتُ شعرٍ / تركوه يبكي على كلِّ باني
صِحْتُ فيهم فعاد صوتي مع الري / حِ وعادت حزينةً ألحاني
في كسادِ القريضِ أخفيتُ دُرِّي / وخَزنتُ الغريبَ من مَرْجاني
وتمنّيتُ كلَّ شيءٍ على الل / هِ سوى أن أعيشَ من أوزاني
كلُّ شِبْرٍ بمصر خِصْبٌ على الهرَّا / جِ جدبُ الثرى على الفنّان
سكت العندليبُ في وحشةِ الدَّوْ / حِ وغنَّتْ نواعقُ الغِرْبان
فسمعنا من النشوز أفاني / نَ يروِّعْنَ صادحَ الأفنان
أسمَعونا برغمنا فصبرنا / ثم ثُرْنا غيْظاً على الآذَانِ
جلبوا للقريضِ ثوباً من الغَر / بِ ولم يجلِبوا سوى الأكفان
ثم قالوا مجدِّدون فأهلاً / بصناديدِ أخرياتِ الزمان
لا تثوروا على تُراثِ امرىء القيْ / سِ وصونوا ديباجةَ الذُبياني
واتركوا هذه المعاولَ باللّ / هِ فإني أخشى على البنيان
واحفظوا اللفظَ والأساليبَ والذو / قَ وهاتوا ما شئتُمُ من معاني
ما لسانُ القريضِ من عربيٍ / كلسانِ القريضِ من طُمْطُماني
إنّما الشعرُ قطعةٌ منكَ ليست / من دماءِ اللاتين واليونان
كلُّ فنٍّ له مكانٌ وأهلٌ / إن غَدا العلمُ ما له من مَكانِ
إن رأيتم أُخُوّةَ العودِ للجز / بنِد فابكوا سُلالةَ العيدان
لا يهُزُّ النخيلَ إلاّ حَنانُ الن / ايِ في صمتِ ليلةٍ من حنان
وِجْهَةُ الشرقِ غيرُها وجهةُ الغ / ربِ فأَنَّى وكيف يلتقيان
أين عهدُ الشباب واللّهوِ يا شع / رُ وأين الهَوى وأين المغاني
ذبُل الوردُ وانقضى مَوْسِمُ الريح / انِ واحسرتا على الريحان
وانطوَى مجلسُ الصحابِ بمن في / ه وما فيه من أمانٍ لِدان
كان أشهى للنفسِ من حَسْوَة الكأ / سِ وأحلَى من صادحاتِ الأغاني
لم تَدُرْ كأسُه على واغلٍ فَدْ / مٍ ولا واكلٍ عن المجدِ وانِي
يُنْثَرُ الشعرُ فيه كالزهرِ ريّا / نَ بلحنٍ من الصبا ريّان
كان فيه شوقي وكان أبو الحف / ظِ وحفنى وجملةُ الإخوان
وإمامُ العبدِ الذي كان رمزاً / لتآخي المصريِّ والسوداني
كان شوقي يُصْغِي وما كان يُصْغِي / هو في عالَمٍ من الفنِّ ثاني
كلّما مدّ رأسَه يرقُبُ الوح / يَ رأيتَ العينينِ تختلجان
ثم يُغْضي مُهمهِماً مثلما جرّ / بتَ بالْجَسِّ شادياتِ المثاني
ينظِمُ الشعرَ وهو يلقى الأحادي / ثَ فيأتي بآبداتِ البيان
رُوحُه في السماءِ وهو على الأر / ضِ كلا العَالمَيْنِ مختلفانِ
هو شوقي جسماً يُرَى ويُناجي / وهو في الشعرِ طائفٌ نوراني
شركسيٌّ أعيا على العُرْبِ مَأْتا / هُ فَحسّانُ ليس بالْحسّان
وله في المديح ما لم يُداني / ه ابنُ عَبْدانَ في بني حَمْدان
حكمةٌ مَشْرِقيّةٌ في خيالٍ / فارسيّ في منطقٍ عدناني
ينثُرُ الدرَّ عبقريّاً عجيباً / ليس من مَسْقَطِ ولا من عُمان
أنا بالدرِّ أخبرُ الناسِ لكن / ذلك النوعُ ندّ عن إمكاني
فاسألا كلَّ جوهرِيّ فإن قا / ل لديهِ مِثْلٌ له فاسألاني
يا خليلي لا تَهيجا لي الذك / رَى فقد نالني الذي قد كفَاني
ناولاني باللّه ديوانَ شوقي / لأراه كعهده ويراني
ثم سيرا على الأصابع في صمْ / تٍ وفي حضرةِ الأميرِ دعاني
مَرّةً أَلتقِي به أملدَ الع / ودِ نضيرَ الصبا طليق العِنان
بين راحٍ وروضةٍ وغدير / وحِسانٍ مضَى زمانُ الْحِسان
ووجوهُ الآمالِ أزهَى من الزهْ / رِ وغصنُ الشبابِ في رَيْعان
غَزَلٌ أذهل الغواني عن الحس / نِ ومن أين مثلُه للغواني
حين يشدو يُصغِي له الطيرُ حيرا / نَ مغيظاً مسائلاً مَن حكاني
ذاك صوتٌ به خُصِصْتُ من الل / هِ فمن أين جاء للإنسانِ
يصِفُ الجسر والجزيرةُ تهت / زُّ حَواليْهِ هِزَّةَ النشوان
في ثيابٍ من الطبيعة وشّا / ها كما شاء مُبدِعُ الألوان
ويَرى حبّه للدولةِ عثما / نَ شعاراً لصادقِ الإيمان
ذاك شعرُ الشبابِ والدارُ دارٌ / وأيادي العباسِ بيضٌ دواني
ثم ألقاه وهو في الأسرِ يشكو / فيُثير الكمينَ من أشجاني
ويناجِي شعره نائح الطَلْ / حِ فيُبكيه مثلَما أبكاني
زُحِمتْ مصرُ بالبُغاثِ من الطي / رِ وعِيقَ الشادي عن الطيران
أسروه ليحبسوا صوتَه العا / لي فنادَى بصوته الخافِقَانِ
احبسوا السيلَ إن قدرتم وسُدّوا / إن أردتم منافذَ البركان
ودعوا الشعرَ فهو طيرٌ من الفِرْ / دوسِ يأبَى مَسيسَه بالبنان
ثم طار الهَزَارُ للعُش غِرِّي / داً وعاد الغريبُ للأوطان
عاد زِريابُ بعد أن زاد أوتا / راً لأوتارِ عوده المِرْنان
فتغنّى بمصرُ في موكبِ الشر / قِ وعزِّ التاجيْنِ والصوْلجان
وشدا بالشموسِ من عبدِ شمسٍ / والغطاريفِ من بني مَرْوان
ألهب العزم في بني مصرَ ناراً / أيُّ خيرٍ في هذه النيران
ودعا بالشبابِ فابتدروا السبْ / قَ وآمَالُ مصرَ في الشبّانِ
والرواياتُ أعجزتْ كلّ شيطا / نٍ وأعيت في وصفِها شيطاني
حكمةُ الشَّيْبِ في مِراس التجاري / بِ وفكرٌ أمضى شَباً من سِنان
جَنتِ السِّنُّ ما جنت غير عقلٍ / زاد بالسِّنِّ صَوْلةً ولسان
كلما هدّتِ الليالي قُواه / بلغ الشعرُ قِمّة العُنفوان
شعرُ شوقي وديعةُ الزمنِ البا / قي وشوقي وديعةُ الرحمن
قد شُغِلْنا عن حافظٍ بأمير الشع / ر ويلي لو كان يدري لحاني
كان يجري على أعنّة شوقي / ويُعاني من رَكْضه ما يُعاني
لا الجوادانِ في النجار سواءٌ / حين تبلوهما ولا الفارسَانِ
يُلْهبُ الشعرَ حافظٌ أرعنَ السو / طِ وشوقي في آخرِ الميدان
ليت شعرَ القريضِ أيُّ سِباق / بين شعريْهما وأيُّ رِهان
حافظٌ زيَّن القريضَ بفنٍّ / بُحْتُرِيّ عذبٍ رشيق المباني
لفظُه في يديه يختار منه / صَحْفةُ الدرِّ في يَدَيْ دِهْقَان
ولكم قد أعاد بيتاً مراراً / باحثاً عن فريدةٍ من جُمان
يتقَرّى في الشعر مَيل الجم / اهيرِ ليحظَى بصيحةِ استحسان
جال في حَوْمةِ السياسة وثَّا / باً فأذكَى حماسةَ الفِتيان
ورمَى الاحتلالَ حرّاً جريئاً / وتحدَّى العميدَ ثَبْتَ الْجَنانِ
في زمانٍ قد ذلَّ كلُّ إباءٍ / فيه وانقاد كلُّ صعبِ الْحِران
وظّفوه فأسكتوه فألقَى / شعْرَهُ في مَهامِه النِّسيان
ويحَ هذا الكِرْوانِ هل راقه الحب / سُ وأغراه عسجدُ القضبان
هَشّموا نابَي ابن بُرْدٍ وحالوا / بين كاس الطلا وبين ابنِ هاني
كان شوقي وحافظٌ إن دجَى الخط / بُ شعاعيْنِ في الدُّجَى يلمعان
فهما في أواخرِ الليلِ فجرا / نِ وفي أُولَياتِه شَفَقان
أيها الشاعرانِ قد صَوّح الدوْ / حُ وولّت بشاشةُ البستان
وخلا الربْعُ لا قراعُ كئوسِ / ضاحكات ولا رنين قِيَانِ
وتولَّى القُطّانُ لم يبق إلاَّ / حسراتٌ لفُرقةِ القُطّان
ومضَى الرَّكْب بالرفاقِ وخلاَّ / نِي وحيداً أبكي على خُلاّني
أيها الشاعران في جنّةِ الْخُلْ / دِ هَناءً بالْخُلْدِ والرِّضوان
مهِّدا لي إلى جِواركما مَثْ / وىً إذا آن للرحيلِ أواني
جَلَلٌ هَزَّ كلَّ رُكْنٍ وهَدَّا
جَلَلٌ هَزَّ كلَّ رُكْنٍ وهَدَّا / ومصابٌ رَمَى القُلوبَ فأَرْدَى
كلُّ صَدْرٍ به أَنينٌ وَوَجْدٌ / مُرْسِلٌ خَلْفَه أنِيناً ووَجْدا
عَبَراتٌ من ساكبٍ ليس تَرْقَا / ووَجيبٌ مِنْ خَافِقٍ لَيْس يَهْدَا
ونشيجٌ أقضَّ من مَضْجَعِ اللّيْلِ / وماجتْ له الكواكِبُ سُهْدا
فزِعَتْ مصرُ فزْعةً طَارَ فيها / كلُّ عقْلٍ عن الرَّشَادِ ونَدّا
هَرَعَتْ ساعةَ الوَداعِ تُفِيضُ الدَّمْعَ / بَحْراً وتُرسِلُ الشَّوقَ وقْدَا
أمّةٌ هالَها المُصَابُ فهامَتْ / تستَحِثُّ الْخُطَا شُيوخاً ومُرْدا
خَرَجَتْ مِن خِبائِها كُلُّ خَوْدٍ / لم تُقنِّعْ رأساً ولم تُخْفِ خَدَّا
أعْجَلَتْها مُصيبَةُ الوَطنِ المفْجُوعِ / أنْ تَخْتَبِي وأنْ تَتَردَّى
زُمَرٌ تَلْتَقِي على الْحُزْنِ والْيَأْ / سِ وحَشْدٌ بَاكٍ يُزَاحِمُ حَشْدا
وبِحَارٌ من الأنَاسِيِّ ماجَتْ / مُزْبداتٍ يَجِشْنَ جَزْراً ومَدَّا
وجِبَالٌ تَسِيرُ في يَوْم حَشْرٍ / كلُّ فِنْدٍ تَراهُ يَتْبَعُ فِنْدا
فوْق سَطْحِ البُيوتِ كالنَّحْلِ فانْظُرْ / ثُمّ إِيَّاكَ أنْ تُحَاوِلَ عَدَّا
كلُّ بَيْتٍ قدْ عَافَ أحْجارَهُ الصُّمَّ / وأَضْحَى دَماً ولَحْماً وجِلْدا
والمَيادِينُ كُلُّها أُمَمٌ تُزْ / جَى كما تُكْدَسُ السّحائبُ رُبْدَا
فإِذا شئتَ أن تَرَى الأرضَ أرْضاً / كنْتَ ممن يُحاولُ الأمْرَ إِدّا
نَفَسٌ واحدٌ جميعاً وقلبٌ / لفؤاد يَئِزُّ شَوْقاً وصَهْدا
ودُعاءٌ يَمُرُّ بالصَّدْرِ بَرْقاً / فإِذا انْسَابَ منه أصْبَحَ رَعْدا
وخُشوعٌ من الْجَلالِ تَراءَى / وجَلالٌ من الخشوعِ تَبَدَّى
حَمَلوه وإِنما حَمَلُوا آ / مَالَ شَعْبٍ بزَهْرِها الغَضِّ تَنْدَى
حَمَلوا حامِيَ الحَقيقةِ والدِّينِ / كما تَحْمِلُ المَلائكُ عَهْدا
حَمَلوا كَوْكباً أشَعَّ على مِصْرَ / سَناً مُبْصِراً وهَدْياً وسَعْدا
ما عَلى الدّهْرِ مَرَّةً لَوْ تَوانَى / أو عَلَى الدَّهْرِ ساعة لو تَهَدَّا
لَفَحَتْ رِيحُهُ أزاهيرَ آما / لٍ ملأْنَ الوُجودَ مِسْكاً ونَدّا
وَعَدَتْ كَفُّه عَلَى دَوْحةٍ كا / نتْ تَمُدُّ الظِّلالَ في مِصْرَ مَدّا
وَجَدَتْ مِصْرُ في ذَراها سَلاماً / وطوَتْ في ظِلالِها العَيْشَ رَغْدا
قدْ نَعَينا فَرداً به كان عَصْراً / وفَقَدْنا عَصْراً به كان فَرْدا
دَوْلةٌ فاقت الكواكِبَ نُوراً / وأنَافَتْ عَلَى الكواكبِ بُعْدا
علَّمَتْ كلَّ مَالِكٍ كيف تُرْعَى / أُممٌ حاطَها المُلوكُ تُهْدَى
رفع الشَّرقُ رأسَه بِفُؤَادٍ / ونَضَا عَنْه يأسَهُ فاسْتَجَدَّا
ومَضَى يَسْبِقُ الْخَواطِرَ وثْباً / وجَرَى يُجْهِدُ الأمَانِيَّ وَخْدا
وأتَتْ كلُّ أُمّة ترتجِي مِصْرَ / وِدَاداً وتَنْهَلُ العلم وِرْدا
كَعْبةٌ حَجّتْ الوُفُودُ إِليها / تَسْتَحِثُّ الرِّكَابَ وَفْداً فَوَفْدا
حَفَزَتْها لعَرْشِ مِصْرَ أمانٍ / بِنَشِيدِ الوَلاَءِ والْحُبِّ تُحْدَى
فَرأتْ حَزْمَ جاهِدٍ لَنْ يُبارَى / ورأتْ جُهْدَ حازمٍ لن يُحَدّا
أبصَرُوا المُلْكَ في جَلالةِ مَعْنا / هُ يُباهي السَّمَاءَ عِزّاً ومَجْدا
أبْصَرُوا دَوْلة ومُلْكاً كَبِيراً / ومِرَاساً يُعْيي الزَّمانَ وجُهْدا
هِمّةٌ تَفْرَعُ النُّجومَ وعَزْمٌ / سلَبَ السَّيْفَ حدَّه والفِرنْدَا
ومَضَاءٌ في الحَادِثاتِ برأْيٍ / فَضَح الصُّبْحَ نُورُه وتَحدَّى
يَستمدُّ الإِلهامَ من عالِمِ الغَيْبِ / وأجْدِرْ بمثله أنْ يُمَدّا
دَفَعَ الشعْبَ للسبيل فكانت / من سَنا هَدْيه أماناً ورُشْدا
مُلْهِباً عَزْمَه إِذا اجتازَ غَوْراً / مُسْتَحِثّاً إِذا تسلَّقَ نَجْدا
كلّما خَارَ أجزأتْ بسمةٌ مِنْه / فَمدَّ الخُطَا حَثِيثاً وجَدّا
ومَضى كالقَضَاءِ يَهْوِي لِمَرْمَا / هُ جَريئاً مُجَمَّعَ القَلْبِ جَلْدَا
يَبْهَرُ الصَّخرَ أنْ يَرَى منه صَلْداً / آدميَّ الرُّواءِن يَقْرَعُ صَلْدا
لا يُبالي إذا سَعَى للمعَالي / خَبَط الشوْكَ أم تَوطَّأَ وَرْدَا
وفُؤَادٌ أمامَه خَيْرُ هادٍ / قادَ لِلْغَايةِ البَعيدَةِ جُنْدا
كانَ لِلْمُقْدِمين رُوحاً وقلْباً / ولِرَكْب السَّارِينَ كَفَّاً وزَنْدا
لو دَعَأهُم إِلى النُّجوم لَسَاروا / خَلْفَه يُزْمِعُون للنَّجْمِ قَصْدا
وإِذا اليأسُ مَسَّهُم كان عَطْفاً / وسَلاماً عَلَى القُلُوبِ وبَرْدا
نَظْرةٌ مِنْه تَبْعَثُ الأمَلَ الوَا / ني وتُحْيِي منه الذي كان أوْدَى
كان رِدْءاً لِمصْرَ إِنْ جَارَ دهْرٌ / وصِمَاماً لأمْنِها إِنْ تَعَدَّى
ساسَ بالحِكْمةِ البِلاَدَ فكانَتْ / من عَوَادِي الزَّمانِ دِرْعاً وسَدّا
فَهْو إِنْ شَاءَ صيّر الغِمْدَ سيْفاً / وإِذا شاء صَيَّر السَّيْفَ غِمْدَا
قد أعدّتْه رَحْمةُ اللّهِ لِلْحُكْمِ / كَرِيماً مُبَارَكاً فاسْتَعَدّا
ورَعَى اللّهَ في الرّعِيّةِ والملكِ / فوفَّى حقَّ الإِلهِ وأَدَّى
أينَما سِرْت مَشْرِقاً تَلْقَ شُكْراً / أو توجَّهْتَ مَغْرِباً تَلْقَ حَمْدا
وإِذا اللّهُ رَامَ إِصْلاحَ شَعْبٍ / سَلَكَ القَائدُ الطَّريقَ الأسدَّا
إِنّما النَّاسُ بالملوكِ وأَغْلَى / الْمُلْكِ شَأْواً ما كانَ حُبّاً وَوُدّا
رَد بالْحَزْم كلَّ خَطْبٍ سِوَى المَوْ / تِ ولِلْمَوْتِ صَوْلَةٌ لَنْ تُرَدّا
والفَتَى في الْحَياةِ رهْنُ عَوَادٍ / لا يَرَى دُونَ مُلْتَقَاهُن بُدّا
حَكَمَ الموتُ في الأنَامِ فَسَوَّى / لم يَدَعْ سَيِّداً ولم يُبْقِ عَبْدا
بَيْنما يَسْحَقُ النِّمالَ تَراهُ / باسِطاً كفَّه لِيَقْنِصَ أُسْدا
يا مَليكي والْحُزْنُ يَطْحَنُ نَفْسي / كلّما قُلْتُ خَفَّ قال سَأَبْدا
أيْنَ عزُّ المُلْكِ الّذي كانَ للآ / مالِ في سَوْحهِ مَرَاحٌ ومَغْدَى
أين تلكَ الهِبَاتُ للعِلْمِ تُزْجَى / كلُّ رِفْدٍ فيها يُزَاحِمُ رِفْدا
أينَ أينَ القُصّادُ في ساحةِ القَصرِ / وأين الصِّلاتُ تُعْطَى وتُسْدَى
أين ذاكَ الْجَبِينُ ينضَحُ نُوراً / أين ذاكَ الْحَدِيثُ يَقْطُر شَهْدا
قد فَقَدْناهُ والمُصَابُ جَلِيلٌ / وجَمِيلُ العَزَاءِ بالْحُرِّ أجْدَى
نحنُ للّهِ راجِعُون وكل / بالغٌ في مَجَالةِ العُمْرِ حَدّا
غَير أنّ الفَتَى يُغَالِبهُ الدَّمْعُ / فلا يستطيعُ للدَّمْعِ صَدَّا
كلُّ مَهْدٍ يَصيرُ مِنْ بَعْد حينٍ / قَصُرَ العُمْرُ أو تَطَاولَ لَحْدَا
قَدْ مَلأْتُ الوُجودَ شَدْواً بِمَدْحِيكَ / وهَل غيْرُ مِزهَرِي بكَ أشْدَى
خَالداتٌ مِنَ الجلاَئلِ أوْلَتْ / شِعْرِيَ المُزْدَهي بوصْفِك خُلْدا
كَتبَ اللّهُ أنْ يَعُودَ رثاءً / وبُكَاءً يُدْمِي العيونَ وكَمْدا
قد نظَمْتَ العُلاَ قِلادَةَ دُرٍّ / فَنظمْتُ الدّموعَ أَرْثيكَ عِقْدا
أمَلُ الشَّعْبِ في خَليفَتِك الْفَا / رُوقِ أحْيَا آمالَه وأجَدّا
قرأ الشَّعْبُ في مَلاَمِحِه الغُرِّ / سُطورَ المُنَى وأبْصَر جَدّا
ورأَى فيه نَبْعةَ المجدِ والنُّبْلِ / أَباً مُفْردَ الجلالِ وجَدّا
لم يجِدْ للعُلاَ سواه مَثِيلاً / ولبَدْرِ السماءِ إِلاَّهُ نِدّا
رحمةُ اللّهِ للمليكِ المُسَجَّى / ورَعَتْ عينُه المليكَ المُفَدَّى
اِنظِمِ الدُلَّ تَوْءَماً وَفَرِيدَا
اِنظِمِ الدُلَّ تَوْءَماً وَفَرِيدَا / وَامْلأِ الأَرْضَ والسَماءَ نَشِيدَا
وإِذَا مَرَّ بِالنُّجُومِ خَيَالٌ / فَتَخَيَّرْ مِنَ النُّجُومِ عُقُودَا
آنَ يا شِعْرُ أَنْ تُغَنِّي فأَرْسِلْ / مِنْ قَوافِيكَ ما يَهُزُّ الْوُجُودَا
أَسْكِتِ الصَادِحاتِ يَهتفْنَ في الدَّو / حِ وَكُنْ في عِشاشِهَا تَغْرِيدَا
حَفِظَتْ رنَّة وَقَدْ رَدَّدَتْهَا / فَابْعَثِ اللَّحْنَ جَارِمِيّاً جَدِيدَا
وَاصْعَدِ الْجَوَّ للسَّمَوَاتِ وَانْقُلْ / لُغَةَ الْخُلْدِ إِنْ مَلَكْتَ صُعُودا
نَغَمَاتٌ مِنَ الْمَلائِكِ تَسْرِي / في الْفَرَادِيسِ مَا عَرَفْنَ حُدُودا
صَفَّقَ الْكَوْثَرُ الطهُورُ لِمُسْرَا / هَا وَجَرَّ الذُيُولَ يَمْشي وَئِيدا
وَسَعَتْ صَوْبَ هَمْسِهَا كُلُّ حَوْرَا / ءَ تُدَانِي رَأْساً وَتَعْطِفُ جِيدَا
وَالتَهَاليِلُ تَمْلأُ الْمَلأ الأعْلَى / وَتَعْنُو لِقُدْسِهِ تَمْجِيدَا
فَرَحٌ في السَماءِ وَالأرْضِ بِالْفَا / رُوقِ فَازَتْ بِهِ عِيدَا
غَنِّ يَا شِعْرُ بِالأَمَانِي حِسَاناً / ضَاحِكَاتٍ وَبِالزَّمَانِ وَدِيدَا
أَجِدِ الْقَوْلَ مَا اسْتَطَعْتَ وَإِلاَّ / فَمَتَى يَا تُرَى تَكُونُ مُجِيدَا
عَجَزَ النايُ فَابْتَكِرْ مِنْ قَوَافِيكَ / وَرَنَّاتِهِنَّ نَاياً وَعُودا
وَتَخَيَّرْ مِنَ الْخَمائِلِ أَنْدَا / هَا وَرَدِّدْ خِلالَها تَرْدِيدَا
هاتِهَا مَوْصِليَّة تَمْلِكُ السمْعَ / وَطَرِّبْ بِهَا وَغَنِّ الرشِيدا
وَابْعَثِ الرَّوضَ مِنْ كَرَاهُ وَقَبِّلْ / وَجَنَاتٍ مِنْ زَهْرِهِ وَخُدُودا
وَتَرَنَّمْ تُجِبْ صَدَاكَ الْقَمارِي / وَتَمِلْ نَحْوَكَ الْغُصُونُ قُدُودا
أَرْسِلِ الصوْتَ رَنَّةً تَمْلأُ الدنْيَا / وَتَبْقَى عَلَى الزمَانِ خُلُودا
لا تُبالِ الْقُيُودَ مِنْ فاعِلاَتُنْ / أَنْتَ أَحْرَى بِأَنْ تُذِلَّ الْقُيُودَا
سِرْ خفِيفاً معَ النَسائِمِ وَابْعَثْ / نَفَساً يَمْلأُ الْفَضَاءَ مَدِيدا
يُنْصِتُ اللَّيْلُ حِينَ تُنْشِدُ يا شِعْرُ / وَتَنْفِي عَنْ مُقْلَتيْهِ الرُّقُودا
ضُمَّهُ بَيْنَ سَاعِدَيْكَ وَغَرِّدْ / مِثْلَمَا هَزَّتِ الْفَتَاةُ الْوَلِيدا
لا تَدَعْ في لَهَاةِ فَنِّكَ صَوْتاً / إِنْ رَنَا مُصْغِياً يُريِدُ الْمَزِيدا
قَدْ نَقَدْنَا لَكَ الْقَوَافي صحَاحاً / مِثْلَمَا يَنْقُدُ الشَحِيحُ النقُودَا
وَجَمَعْنَا حُرَّ الْكَلاَم الّذِي عَزَّ / فَأَضْحَتْ لَهُ الْمَعَأنِي عَبِيدا
وَحَشَدْنَا الأَلْلَاظَ أَنْقَى مِنَ الْمَاءِ / وَأشْهَى مَسَاغَةً وَوُرُودا
وَبَعَثْنَا الْخَيَالَ سِحْراً مِنَ السحْرِ / وَنَهْجاً مِنَ الْبَيَانِ سَدِيدا
طارَ في الْجَوِّ مَا يَمَلُّ زَفِيفاً / وَطَوَى الأرض مَا يَمَلُّ وَحِيدا
رِقَّةٌ لَوْ جَرَتْ بِسَمْعِ الْغَوَاني / أَوَّلَ الدهْرِ مَا عَرَفْنَ الصُدودَا
قَدْ رَآهُ مُثَقَّفُ الْحِسِّ وَحْياً / وَرَآهُ مَنْ لاَ يُحِسُّ قَصِيدَا
سَارَ يَحْثُو التُرَابَ في وَجْهِ بَشَّا / رٍ وَيَطْوِي ابْنَ هَانىءٍ وَالْوَلِيدا
كلمَا قَامَ مُنْشِدُ الْقَوْمِ يَتْلُو / هُ تَمَنَّى مُتَابِعٌ أَنْ يُعِيدا
إِنَّ يَوْمَ الْفَارُوقِ يَوْمٌ عَلَى الدهْرِ / فَرِيدٌ فَهَاتِ قَوْلاً فَرِيدا
وَتَخَيَّرْ مِنْ سِحْرِ مَنْفِيسَ سِرّاً / كَتَمَتْهُ الْكُهَّانُ عَهْداً عَهِيدَا
وَصُغِ الشمْسَ في الأَصَائِلِ تَاجاً / وَانْسُجِ الرَّوْضَ في الرَّبِيع بُرُودَا
إِنَّ فَارُوقَ في الْمُلُوكِ وَحيدٌ / فَلْتكُنْ أَنْتَ في الْبَيَانِ وَحِيدا
بَحَثَ الْمَجْدُ في الْعُصُورِ فَلَمْ / يَلْقَ لَهُ بَيْنَ دَفَّتَيْها نَدِيدَا
مَلِكٌ فَضْلُهُ تَرَاهُ قَرِيباً / وَمَدَى رَأْيِهِ تَرَاهُ بَعِيدَا
خَدَمَتْهُ الأَقْدَارُ حَتَّى تَمَنَّتْ / لَوْ مَشَتْ حَوْلَ سُدَّتَيْهِ جُنُودَا
وَتَمنَّى اخْضِرَارُ كُلِّ نَبَاتٍ / لَوْ غَدَا في سَمَاءِ مِصْرَ بُنُودا
هِمَّةٌ تَمْتَطِي السماءَ وَعَزْمٌ / يَرْهَبُ الدهْرُ سَيْفَهُ مَغْمُودا
وَثَبَاتٌ يُدْمي جَبِينَ اللَّيَالي / وَيَفُتُّ الصخرَ الأَصَمَّ الصَّلُودا
مَكْرُمَاتٌ سَارَتْ بِكُلِّ مَسارٍ / مَثَلاً يَسْبِقُ الريَاحَ شَرُودا
يا لِوَاءَ الْبِلادِ أَيُّ لِوَاءٍ / لا يُفَدِّي لِوَاءَكَ الْمَعْقُودَا
صانَهُ اللّهُ في يَدَيْكَ فَخُذْهُ / وَتَقَدَّمْ بِهِ قَويّاً جَلِيدا
وَجَد النَّصْرُ في ذَرَاهُ مَقِيلاً / فَأَبَى أَنْ يضرِيمَ أَوْ أَنْ يَحيِدا
وَرَأتْ مِصْرُ فِيه عِزّاً مَنِيعاً / ومَثَاباً رَحْباً وَرُكْناً شَدِيدا
أَنْتَ مِنْ مَعْشَرٍ بَنَوْا فارِعَ الْمَجْدِ / فَأَمْسَى بِمِصْرَ صَرْحاً مَشِيدا
عَرَفَ السَّيْفُ أَنَّهُمْ جُنْدُهُ / الْبُسْلُ إِذَا صَافَحَ الْحَدِيدُ الْحَدِيدا
أَسْعَدُوا شَعْبَهُمْ فَكَانُوا سَحَاباً / وَحَمْوا عَرْشَهُمْ فَكَانُوا أُسُودا
وَمَضَوْا لِلْعُلاَ سِرَاعاً وَخَلَّوْا / أَنْجُمَ اللَّيْلِ جَاثِمَاتٍ هُجُودا
مَلَكُوا مِقْوَدَ الَّليالي صِعَاباً / وَلَوَوْا هَامَةَ الزَّمَانِ عَنِيدا
يَوْمَ فارُوقَ دُمْ عَلَى صَفْحَةِ الدَّهْرِ / حَفِيلاً بِالْبُشْرَيَاتِ مَجِيدا
لَبسَتْ فِيكَ مِصْرُ أَزْهَى حُلاَهَا / ورَأَتْ فِيكَ يَوْمَهَا الْمَشْهُودا
عَبْدُهَا الدَّهْرُ وَاللَّيَالِي إِمَاءٌ / وَالأَمَاني تُرِيدُهَا أَنْ تُرِيدا
في ظِلالِ المَْلِيكِ عَزَّتْ وَطَالَتْ / واسْتَعَادَتْ فِرْدَوْسَها الْمَفْقُودا
وَغَدتْ حَلْقَةً مِنَ الْمَجْدِ حَتَّى / قَدْ ظَنَنَّا الطَّرِيفَ مِنْهُ تَلِيدَا
أَقْبَلَتْ نَحْوَ سُدَّةِ الْمَلِكِ الْعَا / لي وُفوداً تَتْلُو إِلَيْهِ وفُودا
مَلَئُوا سَاحَةَ الإِمَامَةِ حَتَّى / خَافَتِ الأَرْضُ مِنْهُمُ أَنْ تَمِيدا
وَاسْتَحَثُّوا الْخُطَا فَكَانُوا بروقاً / وعلاَ صَوْتُهمْ فكانوا رُعُودا
وَالسُرورُ السرورُ يَلْعَبُ بِالشَعْبِ / كَمَا هَزَّتِ النَّسَائِمُ عُودا
ضَحكَاتٌ تَهْفُو إلى ضَحكَاتٍ / وَوعُودٌ بِالصفْو تلْقَى وُعُودَا
كُلُّهُمْ يَجْأَرُونَ بِالْعِزِّ لِلْفَا / رُوقِ وَالعْيْشِ نَاضِراً وَرَغِيدا
كَبَّرُوا حِينَما رَأَوْكَ مُطِلاً / وَأَبَحُّوا أَصْوَاتَهُمْ تَحْمِيدا
أَبْصَرُوا طَلْعةً إِذَا مَا تَبَدَّتْ / خَرَّتِ الشمْسُ والنُجُومُ سُجُودا
ورَأوْا سَيِّداً يُضِيءُ شَباباً / باسِماً كَالمُنَى وَيَهْتَزُّ جُودا
قَدْ غَرَسْتَ الْوَلاَءَ في كُلِّ قَلْبٍ / فَتَفَيَّأْ في ظِلِّهِ مَمْدُودَا
إِنَّ عَرْشاً أَسَاسُهُ مُهَجُ الشَّعْبِ / خَليقٌ بِأنْ يَكُونَ وَطِيدا
فانْظُرِ الشعْبَ لاَ تَرَى غَيْرَ قَلْبٍ / نابِضٍ يَحْفَظُ الْوَلاَءَ الأَكِيدا
ما رَأَتْ مِصْرُ مُنْذُ أَيَّامِ عَمْرٍو / مِثْلَ أَيَّامِكَ الْحِسَانِ عُهُودا
قَدْ نَثَرْنَا لَكَ الْوُرُودَ قُلُوباً / وَنَثَرْنا لَكَ الْقُلُوبَ وُرُودا
وَحَفِظْنَا لَكَ الْوِدَادَ نَضِيراً / وَأَذَعْنَا لَكَ الثَّنَاءَ نَضِيدا
مَوْكِبٌ يَبْهَرُ الشُّمُوسَ وَمَجْدٌ / حَمْلَقَ الدهْرُ مُذْ رَآهُ سُمُودا
لَمْ يُشاهِدْ سِواهُ بَعْدَ ابْنِ دَا / وُدَ سَناً مُشْرِقاً وَمُلْكاً عَتِيدا
وَمَلِيكاً يَرْعَى الإِلَهَ وَيَخْشَا / هُ وَيُعْلي الإِيمَانَ والتَوْحِيدا
أَكْمَلَ الدينَ بِالزَّوَاجِ فَأَسْدَى / مَثَلاً لَوْ دَرَى الشَبَابُ رَشِيدا
فَرَحٌ شَامِلٌ بِهِ بَلَغَتْ مِصْرُ / مُنَاهَا وحَظَّهَا الْمَنْشُودَا
كلُّ بَيْتٍ بِهِ غِناءٌ وَشَدْوٌ / عَلَّمَ الطيْرَ إِنْ شَدَتْ أَنْ تُجيدا
تَتَمَنَّى الأَغْصَانُ لَوْ رَقَصَتْ فِيهِ / مَكَانَ الْحِسَانِ هِيفاً وَغِيدا
وَتَوَدُّ النُّجُومُ لَوْ كُنَّ فِيه / بَدَلاً مِنْ سَنَا الشُموعِ وَقُودا
يَا لَيَالي الْفَارُوقِ كُوني لِموْلاَ / كِ رِفاءً وَلِلْبِلادِ سُعُودا
لَمَعَتْ في عُلاَكِ دُرَّةُ خِدْرٍ / كَرُمَتْ نَشْأَةً وَطَابَتْ جُدُودَا
بَلَغَتْ قِمَّةَ الْجَلاَلِ فَأَمْسَى / كُلُّ مَجْدٍ لمَجْدِهَا مَرْدُودا
مِنْ مِهَادِ النُّبْلِ السَّنيِّ أَضَاءتْ / فَعَلتْ كَوْكَباً وعَزَّت مُهُودا
وَزَهَتْ في مَقَاصِرِ الْمُلْكِ زَهْرَا / ءَ فَزَانَتْ مَقَامَهُ الْمَحْمُودا
يَا مَلِيكَ الْبِلاَدِ فَاهْنَأْ بِمَا نِلْتَ / سَعِيداً جَمَّ الثَّنَاءِ حَمِيدا
قَدْ أَشَدْنَا بِفَضْلِكَ الْوَافِرِ الْجَمِّ / إِذَا اسْطَاعَ شَاعِرٌ أَنْ يُشِيدَا
أَجْهَدَ الشعْرَ أَنْ يَرَى عَزَماتٍ / يَعْجِزُ الْوَصْفُ دُونَها وَجُهُودا
ومَعَانِيكَ لا تُحَدُّ فَمَاذَا / يَعْمَلُ الشعْرُ قاصِراً مَحْدُودا
وإِذَا مَا الْبَيَانُ عَقَّ لَبِيداً / في الْمَقَامِ الْمَهِيبِ فَاعْذِرْ لَبِيدا
عِشْ وَحِيدَ الْجَلالِ وَالْمَجْدِ وَاسْعَدْ / أَمَلُ الْمَجْدِ أَنْ تَعِيشَ سَعِيدا
وَابْقَ لِلدِّينِ مَوْئِلاً وعِمَاداً / وَابْقَ لِلشَّرْقِ سَيِّداً وَعَمِيدا
اِمْلأِ الأُفْقَ مِنْ سَناً وَسَناءِ
اِمْلأِ الأُفْقَ مِنْ سَناً وَسَناءِ / وَتَرفَّقْ بِهَامَةِ الْجَوْزَاءِ
وَاسْمُ نَحْوَ السَّماءِ كَالْمَثَل الأَعْلَى / تَجَلَّى مُحَلِّقاً في السماءِ
تَجْتَلِيكَ النُّفوسُ طَالِعَ سَعْدٍ / وَتَرَاكَ الْعُيُونُ لَمْحَ رَجَاءِ
رَافِعٌ رَأْسَهُ يَشُقُّ بِهِ السُّحْبَ / فَتَمْضِي في رَهْبَةٍ وَحَيَاءِ
شَمَمٌ عَافَ أنْ يَعِيشَ عَلَى الأَرْ / ضِ فَفَازَتْ بِهِ طِبَاقُ الْجِواءِ
منْ سِوَى ذِي الْمَضَاءِ وَالْهِمَّةِ الشَّماءِ / أَوْلَى بِالْقِمَّةِ الشمَّاءِ
نَاظِرٌ يَعْبُرُ الْوُجودَ بِلَحْظَيْهِ / فَيَجْتَازُ مُسْتَسِرَّ الْخَفَاءِ
تَتَجلَى لهُ الحَيَاةُ سُطُوراً / مِنْ ضِيَاءٍ لاَ مِنْ حُرُوفِ الْهِجَاءِ
وَيَرَى مِنْ وَرَائِهَا كُلَّ سِرٍ / جَلَّ مَكْنُونُهُ عَنِ الإفْشَاءِ
وَاقِفٌ كَالْخَطِيبِ فَانْتَبَهَ الشَّرْ / قُ وَمَدَّ الأَعْنَاقَ لِلإِصْغَاءِ
رُبَّ صَمْتٍ مِنَ الَبَيَانِ رَهِيبٍ / حُرِمَتْهُ مَقَاوِلُ الْبُلَغَاءِ
وإِذَا جَلَّتِ الْمَعَانِي تَسَامَتْ / عَنْ قُيُودِ الأَفْعَالِ والأَسْمَاءِ
يَتَأَبَّى السَّيْلُ الَّذِي يَصْدَعُ الأَجْبَالَ / أَنْ يَحْتَوِيهِ جَوْفُ إِنَاءِ
وَإِذَا لَمْ تَع الْمَعَأنِي فَنَقِّبْ / تَجِدِ الْعَيْبَ كلَّهُ في الْوِعاءِ
بَيْنَ مَعْنىً قَزْمٍ يَجُرُّ رِدَائَيْهِ / وَمَعْنىً ضَخْمٍ قَصِيرِ الرِّدَاءِ
رُبَّ فِكْرٍ في النَّفْسِ وَهْوَ مُضيءٌ / أَخْمَدَتْهُ فَهَاهَةُ الْفَأْفَاءِ
كَانَ في مَوْتِهِ مِنَ الْخُلْدِ مَعْنىً / فَوْقَ مَعْنَى الْحَيَاةِ والأَحْيَاءِ
عِشْتَ حُرّاً فَكَانَ خَيْرَ قَرِينٍ / لَكَ بَعْدَ الْحَيَاةِ طَلْقُ الْهَوَاءِ
تَزْدَهِي الطَّيْرُ بِالزَّعِيمِ وَتَهْفُو / بِجَنَاحَيْنِ مِنْ هَوىً وَوَفَاءِ
كُلَّمَا غَنَّتِ الْبلاَدُ بِسَعْدٍ / رَدَّدَتْ في السمَاءِ لَحْنَ الْغِنَاءِ
وَهْوَ عَالٍ كَذِكْرِهِ مَلأَ الأَرْ / ضَ وَأَلْوَى بِعاصِفَاتِ الْفَنَاءِ
إِنَّ مَنْ لَمْ يُبَالِ بِالمَوْتِ حَيّاً / فَازَ مِنْ بَعْد مَوْتِهِ بِالْبَقَاءِ
في صَفَاءٍ مِنَ الطَّبِيعَةِ كَالْحَقِّ / إِذَا لَمْ يَشِنْهُ ثَوْبُ الرِّيَاءِ
تَقْبِسُ الشَّمْسُ نُورَهَا في الصُّبْحِ / وَزُهْرُ النُّجُومِ عِنْدَ الْمَسَاءِ
في حَفِيفٍ مِنَ النَّسِيمِ رَفِيقٍ / وجَمِيمٍ عَذْبٍ مِنَ الأَنْدَاءِ
لاَ يُبَالِي الأَنْوَاءَ مِنْ بَعْدِما عَا / شَ حَيَاةً كَثِيرَةَ الأَنْوَاءِ
تَحْتَهُ النِّيلُ في الْخَمَائِلُ يَمْشِي / خَافِضاً طَرْفَهُ عَلَى اسْتِحْيَاءِ
سَارَ يُزْهَى بِشَاطِئَيْهِ طَلِيقاً / نَحْنُ أَدْرَى بِنِعْمَةِ الطُّلَقَاءِ
يَزْأَرُ الْمَوْجُ فِيهِ غضبانَ أَنْ ضَا / قَ بِمَا يَسْتَحِقُّ مِنْ إِطْرَاءِ
هُوَ مَجْرىً مِنَ الْبَشَائِرِ وَالآ / مَالِ مُثِّلْنَ في غَرِينٍ وَمَاءِ
هُوَ حِيناً حَوْلَ الرُّبَا مِنْ نُضَارٍ / وَهْوَ حِيناً مِنْ فضَّةٍ بَيْضَاءِ
قَبَّلَتْهُ الأَزْهَارُ وَهْوَ أَبُوهَا / كَمْ حَنَانٍ في قُبْلَةِ الأَبْنَاءِ
قِفْ كَما شِئْتَ وَقْفَةَ اللَّيْثِ يَا / سَعْدُ قَلِيلَ الأَنْدَادِ وَالنُّظَرَاءِ
مِصْرُ غِيلُ الشَّرْقِ الَّذِي عَلَّمَ الأُسْدَ / صِيَانَ الْحِمَى وَفَتْكَ الضِّرَاءِ
نَابُهَا الْحُجَّةُ الضَّرُوسُ وَأظْفَا / رُ يَدَيْهَا عَزِيمَةُ الْبُسَلاَءِ
زَأَرَتْ مِصْرُ فَاسْتَطَارَ لَهَا الشَّرْ / قُ وَلَبَّى مُثَوِّباً لِلْنِّدَاءِ
وَأمَاطَ الْحِجَابَ عَنْ نَاظِرَيْهِ / وَمَضَى يَسْتَخِفُّ بِالأَرْزَاءِ
قِفْ مُشِيراً إِلى الْفَضَاءِ فَذِكْرَا / كَ مَدَى الدَّهْرِ مِلءُ هَذا الْفَضَاءِ
حَفِظَتْهَا الأَبْنَاءُ أُنْشُودَةً الْمَهْدِ / وَكانَتْ عَقِيدَةَ الآبَاءِ
قِفْ وَشَاهِدْ مَصْرَ الطَّلِيقَةَ تَجْرِي / شَوْطَهَا في تَوَثُّبٍ وَمَضَاءِ
ذَهَبَ الْقَيْدُ في الرِّيَاحِ وَوَلَّى / وَبَدَا وَجْهُهَا وَضِيءَ الرُّوَاءِ
لَيْسَ يَدْرِي حَلاَوَةَ النُّجْحِ إِلاَّ / كَادِحٌ ذَاقَ فِيهِ مُرَّ الْعَنَاءِ
وَنَعِيمُ السَّرَّاءِ يَجْهَلُ مَعْنَا / هُ فَتىً لَمْ يُمَسَّ بِالضَّرَّاءِ
مَرْحَباً بِالشَّدَائِدِ الدُّهْمِ يَتْلُو / هَا صَبَاحٌ مِنْ نِعْمَةٍ وَرَخَاءِ
عَلَّمَتْنَا أَلاَّ نَبِيتَ عَلَى ضَيْمٍ / وأَلاَّ نَبْكي بُكَاءَ الإِمَاءِ
وَأَرَتْنَا أَنَّ النهَايَةَ لِلصَّبْرِ / إِذَا حَاطَهُ كَرِيمُ الإِبَاءِ
كِبْرِيَاءُ الشُّعُوبِ سِرُّ عُلاَهَا / لَمْ تَسُدْ أُمَّةٌ بِلاَ كِبْرِياءِ
إِنَّ تِمْثَالَكَ الَّذِي هُوَ رَمْزٌ / لِلأَمانِي وَالْهِمَّةِ الْقَعْسَاءِ
بَارِزٌ في الضَّمِيرِ مِنْ كلِّ نَفْسٍ / بَاعِثٌ نُورَهُ إِلَى كُلِّ رَائِي
قَدْ أَجَادَ الْمَثَّالُ مَا تَصْنَعُ الْكَفُّ / وَمَا يَسْتَطِيعُ وَحْيُ الذَّكاءِ
غَيْرَ أَنَّ النَّفْسَ الْكَبِيرَةَ خَلْقٌ / فَوْقَ طَوْقِ التَّصْوِيرِ وَالإِيحَاءِ
مَنْ تُرَى يَسْتَطِيعُ تَصْوِيرَ فِكْرٍ / لَكَ أَمْضى مِنْ رَجْعَةِ الأَصْدَاءِ
مَنْ تُرَى يَسْتَطِيعُ تَصْوِيرَ فِكْرٍ / لَكَ أَمْضى مِنْ رَجْعَةِ الأَصْدَاءِ
مَنْ تُرَى يَسْتَطِيعُ تَصْوِيرَ رَأْيٍ / أَلْمَعِيَ كالْكَوْكَبِ الْوَضَّاءِ
أَيْنَ مَنْ يَرْسُمُ الشَّهَامَةَ وَالْحَقَّ / وَضِيءَ السَّنَا بعيدَ السَّنَاءِ
أَيْنَ مَنْ يَرْسُمُ الإِبَاءَ عَزِيزاً / وَجَلالَ الْهُدَى وَنُبْلَ السَّرَاءِ
صَوِّرُوا شَخْصَهُ وخَلُّوا الْمَعَاني / وَدَعُوهَا لِرِيشَةِ الشُّعَرَاءِ
نحْنُ أَحْرَى بِالرَّسْمِ مِنْ أَلْفِ مَثَّا / لٍ وَأَدْرَى بِشِيمَةِ النُّبَغَاءِ
يَصْعَدُ الشعْرُ حَيْثُ لاَ تَصِلُ الشمْسُ / وَيَبْقَى عَلَى مَدَى الآناءِ
هُوَ خَطُّ الْجَمَالِ في صَفْحةِ الْكَوْ / نِ فَهَلْ لِلْجَمَالِ مِنْ قُرَّاءِ
شَرَفاً سَعْدُ قَدْ لَقِيتَ مِنَ الْفَا / رُوقِ مَا أَنْتَ أَهْلُهُ مِنْ حَفَاءِ
مَلِكٌ يَقْدُرُ الرِّجَالَ وَتَعْلُو / في حِماهُ مَرَاتِبُ الْعُظَمَاءِ
كُلَّمَا أَثْنتِ الْمَعَالي عَلَيْهِ / كَانَ فَوْقَ الْعُلا وَفَوْقَ الثَّنَاءِ
حُبُّهُ جَمَّعَ الْقُلُوبَ كَمَا / تَجْمَعُ بَلُّورَةٌ شَتِيتَ الضِّيَاءِ
حِكْمَةٌ زَانَها الشَّبَابُ فَأضحَتْ / قَبَساً لِلْهُدَاةِ وَالْحُكَمَاءِ
وَجَلاَلٌ لِمثْلِهِ يَخْشَعُ الطَّرْ / فُ وَتَعْنُو الْقُلُوبُ بِالإِيمَاءِ
قَدْ فَدَيْنَا لِوَاءَهُ في يَدَيْه / وَفَدَيْنَاهُ حَامِلاً لِلِّوَاءِ
هَتَفَ الْمَجْدُ بِاسْمِهِ وَاسْتَضَاءَتْ / بِسنَاهُ زَعَامَةُ الزُّعَمَاءِ
قَدْ مَلأْتُ الْوُجُودَ شِعْراً بِمَدْحِيهِ / وَمَا زِلْتُ بَيْنَ بَاءٍ وَتَاءِ
يَنْتَهي جُهْدُ كُلِّ مَدْحٍ وَوَصْفٍ / وَمَدَى فَضْلِهِ بِغَيْرِ انتِهَاءِ