المجموع : 7
غَرَبَتْ منكمُ شُموسُ التّلاقي
غَرَبَتْ منكمُ شُموسُ التّلاقي / فبدتْ بعدَها نُجومُ المآقي
جَنَّ لَيلُ النّوى عليَّ فأمْسَتْ / في جُفوني مُنيرةَ الإشراقِ
أخبرَتْنا حَلاوةُ القُربِ منكمْ / أنّ هذا البِعادَ مُرُّ المَذاقِ
دكَّ طورَ العَزاءِ نُورُ التجلّي / منكُمُ للوَداعِ يومَ الفِراقِ
آنَسَتْ مُقلَتايَ نارَ التّنائي / فاِصْطَلى القلْبُ جَذوةَ الإِشتياقِ
أيُّها المُفري القِفارَ بضَرْبٍ / أحسَنَتْهُ صَوارمُ الأعناقِ
والمُحلّي قِراهُ في عَنبر اللّيْ / لِ وبالزّعْفَرانِ مُحذي المَناقِ
إنْ أتَيْتَ العَقيقَ عمّرَكَ اللّ / هُ ووُقّيتَ فِتنةَ الأحْداقِ
وتَراءى لكَ الحِجازُ ولاحتْ / بينَ حُمرِ القِبابِ شُهْبُ العِراقِ
حيثُ تَلْقى مَرابِضَ العينِ تُبْنى / بينَ سُمرِ القَنا وبيضٍ رِقاقِ
وبُحوراً حمَلْنَ غُدْرَ حَديدٍ / وأُسوداً صَحِبْنَ رُبْدَ العِتاقِ
فِتيةٌ لو تشاء بالبيضِ حالَتْ / بينَ قَلبِ المَشوقِ والأشواقِ
منزلٌ كلّما به سنحَ السِّرْ / بُ تَذوبُ الأسودُ بالإشفاقِ
ثغرُ حسنٍ حمَتْهُ سُمرُ قُدودٍ / وظُبى أجفُنٍ ونَبْلُ حِداقِ
وتجلّتْ لكَ الشُموسُ ظَلاماً / حامِلاتِ النُجومِ فوقَ التّراقي
ورأيتَ البُدورَ تشرقُ في الأر / ضِ بهالاتِ عسجَدِ الأطواقِ
فتلطّفْ وحَيِّ عنّي خُدوراً / هيَ حقّاً مَصارعُ العُشّاقِ
وغُصوناً خُضرَ الملابِسِ سُودَ الش / شعرِ حُمرَ الحُليّ والأوراقِ
وَاِتّقِ الضّرْبَ من جُفونٍ مِراضٍ / واِحذَرِ الطّعْنَ من قُدودٍ رِشاقِ
واِخْبِرِ الساكنينَ أنّي على ما / علِموهُ لهمْ على العهدِ باقِ
أجّجتْ نارَ زَفرتي الفُرقُ فيهمْ / فنشا الدّجنُ من دُخانِ اِحتراقي
يا رَعى اللَّهُ ليلةً أَلبسَتْنا / بعد فرطِ العِتابِ عِقدَ العِناقِ
راقَ عتْبُ الحبيبِ فيها فرقّتْ / مثلَ شَكوى المتيّمِ المُشتاقِ
توّجَتْ هامةَ السُرورِ وحلّتْ / خَصْرَ ماضي زَمانِنا بالنِّطاقِ
فاقَتِ الدهرَ زينةً مثلَ ما قد / فازَ قَدْرُ الوصيِّ بالآفاقِ
سيّدُ الأوصياءِ مَولى البَرايا / عُروةُ الدين صفوةُ الخلّاقِ
مَهبِطُ الوحي مَعدِنُ العِلمِ والإف / ضالِ لا بَل مُقدّرُ الأرزاقِ
بدرُ أفْقِ الكَمال شمسُ المعالي / غيثُ سحْبِ النّوالِ ليثُ التّلاقِ
ضارِبُ الشوسِ بالظُبى ضربَهُ البُخ / لَ بماضي مكارمِ الأخلاقِ
قلبُ أجرى الأُسودِ إذ يلتَقيه / كوِشاحِ الخريدةِ المِقْلاقِ
حُكمُهُ العَدْلُ في القضايا ولكنْ / جائرٌ في نُفوسِ أهلِ الشِقاقِ
عالمُ الغَيبِ والشهادةِ لا يَعْ / زُبُ عنهُ حِسابُ ذرٍّ دِقاقِ
حاضرٌ عند علمهِ كلُّ شيءٍ / فطِوالُ الدُهورِ مثلُ فَواقِ
مَلِكٌ كلّما رَقي للمعالي / فله النيّراتُ أدنى المَراقي
سَلَّ للّهِ أنصُلاً في سَناها / ماحِياتٍ ظَلامَ أهلِ النِفاقِ
يا لَها أنجُماً فكمْ بدرِ قومٍ / كوّرَتْ نُورَه بكَسْفِ محاقِ
إن تكن كالثُغورِ في الرَوعِ تبدو / فلهنّ الجُسومُ كالأشْداقِ
ما تَراءَتْ جماعةُ الشِّركِ إلّا / خطَبَتْ في مَنابرِ الأعناقِ
مَنْ سَقى مرْحَبَ المَنونَ وعَمراً / وأذاقَ القُرونَ طَعمَ الزُعاقِ
منْ أباحَ الحُصونَ بعد اِمتناعٍ / ومَحا بالحُسامِ زبرَ الغَساقِ
من أتى بالوليدِ بالرّوعِ قَسْراً / بعدَ عزِّ العُلا بذُلِّ الوَثاقِ
مَنْ رَقي غاربَ النّبيّ وأمسى / معه قائماً بسَبعٍ طِباقِ
مَن بِفجر النّصال أوضح ديناً / طالَما كانَ قاتم الأعماقِ
واصلَ اللّهُ حُربةً أضمرَتْهُ / بصَلاةٍ كقَطرَةِ المُهراقِ
وارِثُ البحرِ والهِزَبْرِ وصَلْتُ ال / بَدرِ كلّاً وعارِضُ الإنفاقِ
يا إمامَ الهُدى ومَنْ فاقَ فضلاً / وملا الخافِقَيْنِ بالإيتِلاقِ
قد سلَكْتُ الطريقَ نحوكَ شَوقاً / ورَجائي مَطيّتي ورِفاقي
أسرَتْني الذُنوبُ أيّةَ أسْرٍ / والخطايا فمُنَّ في إطلاقي
أوّلُ العُمرِ بالضّلالِ تولّى / سيّدي فاِصْلِح السنينَ البَواقي
أنا رِقٌّ بك اِستَجرْتُ فكُنْ لي / من أليمِ العَذابِ بالبعثِ واقِ
زفَّ فِكري إليكَ بِكرَ قَريضٍ / برزَتْ في غَلائِلِ الأوراقِ
صانَها عن سِوى عُلاكَ شِهابٌ / يا شِهاباً أضاءَ بالإشْراقِ
فاِلتفِتْ نحوَها بعينِ قَبولٍ / فلها بالقَبولِ أسنى صداقِ
وعليكَ السلامُ ما رقصَ الغُصْ / نُ وغنّتْ سَواجعُ الأوراقِ
بزَغَتْ بالظّلامِ شَمسُ الدُيورِ
بزَغَتْ بالظّلامِ شَمسُ الدُيورِ / فأرَتْ بالشتاءِ وقتَ الهَجيرِ
وشَهِدنا الهَباءَ كالنّقْعِ لَيلاً / حَولَها إذ بدَتْ منَ البلّورِ
وأرَتْنا السّماءَ ذاتَ اِحْمِرارٍ / ومَحا نورُها السّوادَ الأثيري
فحسِبْنا النُجومَ فيها فُصوصاً / منْ عَقيقٍ وجِرْمَها من حَريرِ
وغشَتْ في شُعاعِها الأرضَ طُرّاً / فجرى ذَوْبُ لَعلِها في البُحورِ
نارُ راحٍ ذكيّةٌ قد أصارَتْ / كرةَ الزّمهَريرِ حرَّ السّعيرِ
خفِيَتْ من لَطافةِ الجرمِ حتّى / لا ترى في وِعائِها غيرَ نُورِ
باينَ الماءُ لونَها فالأواني / كالمُساوي لها على المَشهورِ
تملأُ المُحتَسي ضِياءً إلى أنْ / تنظر العينُ سِرّهُ بالضّميرِ
لو حَساها بَنو زُغاوَةَ يوماً / من سَناها لَلُقّبوا بالبُدورِ
ذاتُ نورٍ إذا جَلَتْها سُحَيْراً / في زُجاجِ الكُؤوسِ كفُّ المُديرِ
خِلتَهُ بالفَضيخِ مرّ جميعاً / ثمّ بالنارِ خاضَ بعدَ المُرورِ
صاحِ قد راحَ وقتُنا فاِغتَنِمه / واِنتَهِبْ فرصةَ الزّمانِ الغَيورِ
أَتخيّلْتَ أنّ وقتَك ليلٌ / سَفهاً إنّ ذا دُخانُ البَخورِ
فلقد شجّ في عَمودِ سَناهُ / فلَق الصبحِ هامةَ الدّيجورِ
وبُحورُ الظّلامِ غُرن وعامت / حُوتُها من ضِيائِه في غَديرِ
وغدَتْ تقطُفُ الأقاحَ يَداهُ / منْ رِياضِ المَلابِ والكافورِ
وغَدا الكَفُّ والذّراعُ خَضيباً / وبَدا بالدُجى نُصولُ القَتيرِ
واِنثَنى القلبُ خافِقاً إذ تجلّى / مُصْلتاً صارِم الهِلالِ المُنيرِ
وشَدا الديكُ هاتِفاً وتغنّى ال / وُرقُ بالأيكِ خاطِباً للطّيورِ
وبَدا الطَّلعُ ضاحكاً ثمّ أهدى الط / طَلُّ منظومهُ إِلى المنثورِ
فاِصطَبحها على خُدودِ العَذارى / واِسقِنيها على أقاحِ الثغورِ
بينَ أبناءِ مجلسٍ لم يَزالوا / بين خُضر الرّياضِ بيض النُحورِ
كلّما فاكَهوا الجليسَ بلفظٍ / نظَمَتْهُ الحبَابُ فوقَ الخُمورِ
طلبوا المجدَ بالرّماحِ ونالوا / بالظُبى هامةَ المحلِّ الأثيرِ
صبيةٌ زفّها الصّباءُ اِرتياحاً / للمَلاهي على بِساطِ السُرورِ
وبُدورٌ منَ السُقاةِ تُعاطي / في كُؤوسِ النُضارِ شمسَ العَصيرِ
ما سعتْ بالمُدامِ إلّا أرَتنا / قُضُبَ البانِ في هِضابِ ثَبيرِ
كلُّ ظَبيٍ عزيزِ شكلٍ غَرير / يفضحُ البدرَ بالجَمال الغَزيرِ
بل أصمٌّ وشاحُهُ منطقيٌّ / صحّ في جَفنِه حِسابُ الكُسورِ
سُكّريٌّ رُضابُهُ كَوثَريٌّ / جنّةٌ عذّبَ الأنامَ بِحُورِ
كلّما هبّ بالمُدامِ نَشاطاً / كسّلَ النومُ جَفنُه بالفُتورِ
فرعُهُ والوِشاحُ سارا فهذا / كَ اِغتدى مُتهِماً وذا بالغُوَيرِ
كم غَزا الصبر باللّحاظِ كما قدْ / غزَتِ الشوسَ أنصُلُ المَنصورِ
يومَ غازَتْ جِيادُهُ آلَ فَضْلٍ / بِلُهامٍ على الكُماةِ قَديرِ
كلما سارَ بالظُبى والعَوالي / بعثَ الذُعرَ قبلَهُ بالصُدورِ
جحفلٌ يقتلُ الجنينَ إذا ما / سارَ في الأرض وقعُهُ في النُحورِ
لجِبٌ من دويّه الخلقُ كادوا / يخرجوا للحسابِ قبلَ النُشورِ
مارَ فيهِ السماء والأرضُ مادتْ / وتَنادَتْ جِبالُها للمَسيرِ
سارَ وهناً عليهم وأقامت / خيلُهُ بالنّهارِ حتّى العَصيرِ
وأتى منهلَ الدُّوَيرِقِ ليلاً / وسرى منْ مَعينه من سُحَيْرِ
وأتى الطيبَ والدُجَيلَ نَهاراً / تقتَفيهِ الأسودُ فوقَ النسورِ
وغدا يطّوي القِفارَ إلى أنْ / نشرَتْ خيلُهُ ثَراءَ الثُغورِ
واِنثنَتْ تَقلِبُ الفَلاةَ عليهمِ / بمَداري قوائمٍ كالدَّبورِ
وغدَت عُوَّماً بدجلةَ حتّى / صار لُجّيُّ مائِها كالأسيرِ
وأتت بالضُحى الجزيرةَ تُردي / بأُسودٍ تَروعُها بالزّئيرِ
فرَماها بها هُناكَ فأضحَوا / ما لهُم غيرَ عَفوهِ من نَصيرِ
أسلَموا المالَ والعِيالَ وولّوا / هرَباً بالنفوسِ في كلِّ غوْرِ
وهوَ لو شاءَ قتلَهُمْ ما أصابوا / مهرَباً من حُسامهِ المَشهورِ
أينَ منجى الظِباءِ بالغورِ ممّنْ / يَقنِصُ العُصْمَ من قِنانِ ثَبيرِ
ذُعِرَتْ منهمُ القُلوبُ فأمسَتْ / بينَ أحشائهمْ كمَوتى القُبورِ
سَفَهاً منهمُ عصوْهُ وتِيهاً / وضَلالاً رَماهمُ بالغُرورِ
زعموا في بلادهمْ لن يُنالوا / من بَوادي العَقيقِ أهلُ السّديرِ
فنفى زعمَهُم وسارَ إليهمْ / ورَماهُمْ بجَيشهِ المَنصورِ
ملكٌ كلّما سرى لطِلابٍ / يحسَبُ الأرضَ كلّها كالنقيرِ
هوّنَ البأسُ عندهُ كلَّ شيءٍ / والعظيمُ العظيمُ مثلُ الحقيرِ
لم نزلْ من نَواله في سَحابٍ / يُنبتُ الدرَّ في رياض الفَقيرِ
يا أبا هاشمَ المُظفَّر لا زلْ / تَ تُغيرُ العدوَّ طولَ الدُهورِ
فلقد جُزْتَ بالفَخارِ مَقاماً / شيّدَتْهُ الرِماحُ فوقَ العبورِ
ذلّتِ الكائناتُ منكَ إلى أنْ / صارَ منها العزيزُ كالمُستجيرِ
وعمَمْتَ العِبادَ منكَ بفَيضٍ / صيّرَ الزّاخراتِ مثلَ السُتورِ
دمتَ بالدهرِ ما بَدا البدرُ كَنزاً / لِفَقيرٍ وجابِراً لكَسيرِ
شرّفِ الوجهَ في تُرابِ زَرودِ
شرّفِ الوجهَ في تُرابِ زَرودِ / حيثُ لَيلى فثمّ مَهوى السّجودِ
واِخْلعِ النّعلَ في ثراهُ اِحتراماً / لا تضعْهُ على نُقوشِ الخُدودِ
واتّبعْ سنّةَ المُحبّينَ فيه / واِقْضِ نَدْباً لواجباتِ الكُبودِ
واِحْذرِ الصّعْقَ يا كليمُ فكم قد / صارَ دكّاً هناكَ قلبُ عَميدِ
واِنشُدِ الرّبْعَ من منازِلِ لَيلى / عن فؤادٍ من أضلُعي مَفقودِ
قد أضلَّ النُهى فضلّ لدَيْها / فاِهتدى في الضّلالِ للمَقصودِ
كم أتاها من قابِسِ نورَ وصلٍ / فاِصْطَلى دونَ ذاكَ نارَ الصُّدودِ
أيّها السائِرونَ نحو حِماها / حسبُكم ضوء نارِها من بَعيدِ
تلكَ نارٌ تَعشو العُيونُ إليها / فتمسُّ القُلوبَ قبلَ الجُلودِ
إن ورَتْ للقِرى فبالنّدّ تُورى / أو لحربٍ فبالوَشيعِ القصيدِ
لا تؤدي سلامَكُم نحوها الري / حُ ولا طَيفُها مطايا الهُجودِ
لم تصلْها حبائِلُ الفِكر والوهْ / مِ ولو وُصِّلَتْ بحبلِ الوَريدِ
شمسُ خِدْرٍ من دونِها كلُّ بَدْرٍ / حاملٌ في النِجادِ فجرَ حَديدِ
لم يزَلْ باسِطاً ذِراعَ هزَبْرٍ / بارزَ النّابِ دونَها بالوَصيدِ
ما رأينا الهِلالَ في معصَمِ الشّم / سِ ولا الشُهْبَ قبلَها في العُقودِ
صاح وا فاقَتي إلى كنزِ درٍّ / بأفاعي أثيثِها مرصودِ
سفرَتْ في بَراقِعِ الحُسنِ فاِعجَب / لجَمال محجَّبٍ مشهودِ
كم ترى حولَ حيّها في هَواها / من كِرامٍ تصرّعت بالصّعيدِ
منهم من قضى ومنهم شقيٌّ / سالمٌ للبَلاءِ لا للخُلودِ
وصلُها يمنحُ المحبَّ شَباباً / وجَفاها يُشيبُ رأسَ الوَليدِ
لا تلُمني إذا تفانَيْتُ فيها / ففنائي في الحبِّ عينُ وُجودي
يا سَقى اللّهُ بالحِمى أهلَ بدرٍ / كم به بين حيّهم من شهيدِ
هل نسيمُ الصَّبا على نارِهم مر / رَ ففيه أشُمُّ أنفاسَ عُودِ
أم عليهِ تَرى الملاعِبَ أم لا / ما عليهِ أملَتْ ذبولُ البُرودِ
أسرةٌ صيّروا الأساوِرَ فيهم / لأسارى القُلوبِ أيَّ قيودِ
كم أبادوا بالبيضِ آجالَ صِيدٍ / وبسُمرِ القَناء آجالَ صِيدِ
شُربُهم يومَ حربِهم من دَمِ الأس / دِ وفي سِلمهِم دم العُنقودِ
حبّذا عيشُنا بأكْنافِ حزوى / لا رَمى اللّهُ ربعَها بالهُمودِ
منزلٌ تنزِلُ الأساورُ منه / في قُرونِ المَها وأيدي الأُسودِ
ومحَلٌّ تحُلُّ منه المَنايا / بين أجفانِ عينِه والغُمودِ
قد حمَتْهُ أيِمّةُ الطّعنِ إمّا / بصُدورِ الرِّماحِ أو بالقُدودِ
لا أرى لي الزّمان يرعى ذِماماً / لا ولا نِسبةً لخيرِ جُدودِ
أصرِفُ العمرَ صرفَهُ بين كذبِ ال / وَعْدِ منه وصِدقِ يومِ الوَعيدِ
والدٌ ليتَهُ يكونُ عَقيماً / لم يلِدْ غيرَ فاجرٍ ومَكيدِ
أبغَضُ النّاسِ من بَنيه لديهِ / ماجدٌ عقّهُ بخُلْقٍ جديدِ
لم نؤمّلْ لولا وُجودُ عليٍّ / منه جُوداً لا ولا وَفاً بعُهودِ
سيّدٌ في الأنامِ أصبحتُ حُرّاً / منذ في جودِه تملّك جِيدي
علَويٌّ له نِجادٌ إذا ما / ذكروه يجُرُّ كلَّ عَميدِ
نسَبٌ في القريضِ يعْبقُ منه / طِيبُ آلِ النّبيّ عندَ النّشيدِ
نبويٌّ منه بكلِّ نَديٍّ / ينثُرُ النّاسِبونَ سِمْطَ فَريدِ
حازمٌ قوسُهُ إلى كلِّ قصدٍ / فوّقَتْ سَهْمَها يدُ التسديدِ
خدمَتْهُ الدُّنا فأوقاتُه البي / ضُ لديه وسودُها كالعَبيدِ
سيفُ حَتفٍ إلى نُفوسِ الأعادي / حملتْهُ حمائِلُ التأييدِ
ألِفَتْ جيشَهُ النّسورُ فكادت / قَبحُها أن تَبيضَ فوقَ البُنودِ
حيدَريٌّ إذا الأكارِمُ عُدّوا / كان منها مكان بيتِ القَصيدِ
ذو خِصالٍ حِسانُها باسماتٌ / عن ثَنايا ترتّلَتْ كالبُرودِ
شِيَمٌ كالفِرِنْدِ أصبحْنَ منه / قائِماتٍ بذاتِ نَصْلٍ جَديدِ
أنجُمٌ في القضاءِ تَحكي الدّراري / كم شَقيٍّ منها وكم من سَعيدِ
ويَمينٌ بنانُها زاخِراتٌ / بالمَنايا وبالعطاءِ المَزيدِ
لُجّةٌ في الكفاحِ تُنتجُ ناراً / لم تلدْها حواملُ الجُلمودِ
أوشكَتْ شُعلةُ المهنّدِ فيها / أن تُذيبَ الدّروعَ ذوبَ الجليدِ
حُبُكٌ فوقَها تُسمّى خُطوطاً / وهْيَ بحرٌ وتلك أمواجُ جودي
صدّقَتْ رأيَ قائِفٍ حين صارَتْ / قال فيها سياسةٌ للجُنودِ
مغرَمٌ في عِناقِ سُمرِ العَوالي / أوَ ظَنّ الرماحَ أعطافَ غِيدِ
عوّذَ المُلْكَ بأسُه بالمَواضي / فحماهُ من نزعِ كلّ مُريدِ
آمرٌ في أوامرِ اللَّهِ ناهٍ / عن مناهِيه حاكمٌ بالحُدودِ
يعرُجُ المدحُ للسماءِ فيأوي / ثمَّ منه إلى جَنابٍ مَجيدِ
عن عليٍّ يورَّثُ العِلمَ والحك / مَ وفصْلَ الخِطاب عن داوُدِ
تستفيدُ النّجومُ من وجهه النّو / رَ ومن حظّه قِرانَ السّعودِ
أينَها منهُ رفعةً ومحلّاً / ليس قدرُ المُفيدِ كالمُستفيدِ
يمُّ جُودٍ تُثني عليه الغَوادي / وكفاهُ فخراً ثناءُ الحَسودِ
حسَدَتْ جُودَه فللبرقِ منها / نارُ حُزنٍ وأنّةٌ للرعودِ
هو في وَجنةِ الزّمانِ إذا ما / نَسبوهُ إليه كالتّوريدِ
ألمعيٌّ يُبري النفوسَ المَعاني / بجُسومٍ من لؤلؤٍ مَنضودِ
سيّدي لا برحْتَ في الدّهرِ رُكناً / للمعالي وكعبةً للوُفودِ
لك من مُطلَقِ الفَخارِ خِصالٌ / غيرُ محتاجةٍ إلى التقييدِ
كلَّ يومٍ تأتي بصُنعٍ عَجيبٍ / خارجٍ عن ضوابِطِ التّحديدِ
فُصِّلَتْ فيكَ جُملةُ الفضلِ والفض / ل وعلمُ الأحكامِ والتجويدِ
عمرك اللَّه يا عليُّ ولا زلْ / تَ سرورَ الأنام في كلّ عيدِ
إنّ شهرَ الصّيامِ عنكَ ليَمضي / وهو يَثني عليكَ عِطفَ وَدودِ
قد تفرّغْتَ فيه عن كلّ شيءٍ / شاغلٍ للدُعاءِ والتحميدِ
وهجرْتَ الرُقادَ هَجراً جَميلاً / ووصلْتَ الجُفونَ بالتّسهيدِ
وعصَيْتَ الهَوى وأعْرَضْتَ عنه / اِمتثالاً لطاعةِ المَعبودِ
قوتُكَ الذِكرُ فيه والوردُ وِردٌ / إن دعاكَ الأنامُ نحو الوُرودِ
فاِسْمُ واِسْلَمْ وفُزْ بأجرِ صِيامٍ / فِطرُهُ فاطرٌ لقلبِ الحَسودِ
واِبقَ في نعمةٍ وحظٍّ سنيٍّ / وعُلاً لم يزلْ وعيشٍ رَغيدِ
نظرَ البدرُ وجهَها فتَلاها
نظرَ البدرُ وجهَها فتَلاها / فسَلوهُ عن أُختِها هل حكاها
وتراءَتْ للبَدرِ يوماً فأبقَتْ / خجَلاً فوقَ وجهِه وجنتَاها
وتجلّتْ على النّجومِ فولّتْ / واِستقلّتْ بصدرِها فرقَداها
وأضافَتْ قُرونَها للّيالي / فأطالَتْ على المَشوقِ دُجاها
فُتِنَتْ في جمالِها الشُّهْبُ حتّى / شاركَتْنا ونازعَتْ في هَواها
علِقَتْ شَمسُنا بها فلهذا / عينُها في الرّواحِ تُجري دِماها
لم تحُلْ من فِراقِها كلَّ يومٍ / فهْي صَفراءُ خشيةً من نَواها
قد يرى حُبُّها الأهلّةَ وجْداً / فأطالت على الضّلوعِ اِنحِناها
ذاتُ حُسنٍ لو تُحسِنُ النُّطْقَ يوماً / سبعةُ الشُّهْبِ أقسَمَتْ بضُحاها
ومُحيّاً لو اِنّه قابلَتْهُ / آيةُ الليلِ بالنّهارِ مَحاها
كم لها بالجَمالِ آياتِ سِحرٍ / قد أضلّتْ عُقولَنا عن هُداها
أثبتَتْ في الخيالِ حيّاتِ تِبْرٍ / تنفُثُ النّارَ من خيالِ سَناها
غُرّةٌ ذاتُ عزّةٍ ضاعَ عُمري / بالمُنى بينَ صُبحِها ومَساها
خالُها في الخُدودِ في الحالِ مِثلي / حائِرٌ بين ثلجِها ولَظاها
هي لولا ملابسُ الوَشي غُصنٌ / وغزالُ الصّريمِ لولا شَواها
وجهُها جنّةٌ وعذْبُ لَماها / سَلسَبيلٌ وحُورُها مُقلتَاها
يتمنّى الرّحيقُ لو كان يحكي / ريقَها والكؤوسُ تغبِطُ فاها
وإلى إلفِها تحنّ القَماري / فهي تشكو إلى الغُصونِ جَفاها
دوحةٌ حُلوةُ الجَناءِ ولكنْ / مُرُّ خَرْطِ القَتادِ حولَ خِباها
جمعَتْ في صِفاتِها كلَّ حُسْنٍ / فهي كنزٌ مرصودةٌ في حِماها
ضُرِبَتْ دونَها سُرادِقُ عِزٍّ / طنّبَتْها حُماتُها في قَناها
كم ترى حولَها بُدورَ كَمالٍ / برزَتْ في أهلّةٍ من ظُباها
وأُسوداً تهبّ مثلَ النّعامى / في ظُهورِ النّعامِ يومَ وَغاها
وبُدوراً تدرّعَتْ بسَرابٍ / تلتَظي نارُها ويجري نَداها
سُقْمُ جِسمي وصحّتي وفنائي / ووجودي في سُخطِها ورِضاها
حبّذا رامةٌ وليلاتُ وصلٍ / بيضُهنّ اِنقضَتْ بخُضرِ رُباها
وعهودٌ بها لنا مُحكماتٌ / حكمَ الدّهرُ باِنفصامِ عُراها
يا رَعى اللّهُ رامةً وسَقاها / ضاحِكاتُ البُروقِ دمعَ حَباها
وتحامى الخُسوفُ أقمارَ تِمٍّ / تتثنّى على غُصونِ نَقاها
دارُ أنسٍ بها شُموسُ العذارى / تتمشّى على نجومِ حَصاها
قرّبَتْ أرضَها الكواعِبُ فيما / بين أرحامِ أرضِها وسَماها
خضبَتْ في دم القلوبِ أكُفّاً / وخدوداً رجالُها ونساها
بقعةٌ زُيّنَتْ بكلّ عجيبٍ / جلَّ مَنْ علّم الكلامَ مهاها
وعلى مُنشئ اليواقيتِ فيها / واللآلي مَباسِماً وشِفاها
جنّةٌ أشبهَتْ يَمينَ عليٍّ / حيثُ فيها لكلّ نَفسٍ مُناها
فاطميٌّ سليلُ فخرٍ أبوهُ / خلَفُ الطّاهرينَ من آلِ طَهَ
ماءُ عينِ الحياةِ نارُ المَنايا / صَرْصَرُ الحادثاتِ حَرُّ بَلاها
مِخلَبُ الحربِ نابُها حين يَسطو / ساقُها إذ تقومُ قُطْبُ رَحاها
سمِحٌ للنّدى يمدُّ يَميناً / تعلَمُ المُزْنُ أنّه أنواها
ذو أيادٍ ترى لهنّ اِلتباساً / بالغَوادي وبالبُحورِ اِشتِباها
سائراتٍ لا تستقرّ بمِصْرٍ / دون مصرٍ ولا يحِلُّ نَواها
وأكُفٍّ تَدري البريّة حقّاً / أنّ فيها نعيمَها وشقاها
طلسَمَ البأسُ فوقهُنّ خُطوطاً / ليسَ للمُسلمينَ حِرزٌ سِواها
ونصالٍ تدُبُّ فيها نِمالٌ / ترهَبُ الأُسْدُ خشيةً من لَقاها
قُضب حُمرها تُظنُّ سريحاً / وهي بالنار بالنّجيعِ سقاها
كجراحِ الهوى لهُنّ جِراحٌ / ليس تُرقى ولا يُصابُ دَواها
كتبَ الموتُ بالغُبارِ عليها / إنّ للضّربِ لا غيرَهُ إلاها
وخِصالٍ تودُّهُنّ الغَواني / بدَلاً من عُقودِها وحُلاها
غُررٌ كالجُمانِ مُستَحْسَناتٌ / جَلَّ باري النّجومِ حيثُ بَراها
كلُّ معشوقةٍ إلى النّفس أشهى / من ثَنايا الحِسان دونَ ثَناها
لو حوَتْ بعضَها سَجايا اللّيالي / بدّلَتْ غَدْرَها بحُسْنِ وَفاها
شِيَمٌ عطّرتْ جُيوبَ المعالي / واِنطوى بالنّسيمِ نشْرُ شَذاها
مُنعِمٌ فاز بالثّناءِ فأضحى / شُكرُه بالسّجودِ يدعو الجِباها
صقلَتْ ذِهنَهُ التّجاربُ حتّى / صُوَرُ الكائِناتِ فيهِ رآها
ذاتُ قُدْسٍ تكوّنَتْ فيه نفْسٌ / قد نَهاها من كلِّ رِجْسٍ نُهاها
مثلُ ماءِ السّماءِ يوشِكُ يَبدو / كالدّرارِي صفاتُه في صَفاها
تمّ إيجادُها وللّه فيها / حكمةٌ بانَ فيهِ وجهُ خَفاها
عظُمَتْ هيبةً وعمّت نَوالاً / فالوَرى بين خوفِها ورَجاها
كم له في القَريضِ من بنتِ فكرٍ / يبتَغي البدرُ أن يكون أخاها
قد ترقّتْ حُسْناً ورقّت كمالاً / فاِستفزّتْ قُلوبَنا في رُقاها
صاغَها عسجَداً ورصّع دُرّاً / في حَشاها وبالحَريرِ كَساها
أصبحَتْ بينَنا اليتيمةَ تُدعى / متّع اللّه بالحياةِ أباها
جملةٌ من كواكبٍ كالثّريّا / وقعَتْ في كلامِه فحَكاها
مُوسَويٌّ أزكى الملوكِ نِجاراً / خيرُها قُدرةً وقَدْراً وجَاها
زينةُ الأكرمين في كلّ مِصرٍ / تاجُها عِقدُها سِوارُ عُلاها
ليثُها في النِّزالِ غيثُ نَداها / زَنْدُ نيرانِ حربِها وقِراها
ربّما وقعةٌ تُشيبُ النّواصي / قد ألمّت به فكان فَتاها
وقعةٌ وقعُها يهدُّ الرّواسي / ويُذيبُ الحديدَ حَرُّ صَلاها
جورُها أسودُ الجبينِ ولكنْ / بيضُها ورّدَتْ خُدودَ ثَراها
خضّب النّقعُ فودَها فرمَتْهُ / بنُصولٍ نُصولُه إذ نَضاها
وشوَتْ نارُها اللّحومَ فأمْسى / يُكرِمُ اللُّدْنَ في ضَعيفِ شَواها
بطلٌ تضحَكُ الظُّبا بيدَيْهِ / فتُطيلُ الرِّقابَ حُزْناً بُكاها
مرضَتْ قبلَه صُدورُ العَوالي / فسَقاها دمَ الطُّلا فَشفاها
كلّما خاضَ في دُجنّةِ نَقْعٍ / فلَقَ الفجرَ سيفُهُ فجَلاها
عشِقَتْ نفسُه السّماحَ فعدّتْ / ما عَدا قوتَ يومِها من عِداها
يا بَني الوحي والنّبوّةِ أنتم / رهْطُها والخَواص من أقرِباها
ولَدَتْكُم كرائِمٌ من كِرامٍ / عِترةٌ مَفخَرُ العَباءِ حَواها
كم لكُم في الكِتابِ آياتِ مَدْحٍ / بيّن اللّهُ فضلَها وتَلاها
تعلَمُ الأرضُ إنّكم لعلَيها / شُمُّ أوتادِها وخطُّ اِستِواها
قَد نشرْتُم موتى البِقاع فكنتم / روحَ سكّانها وعصرَ صِباها
وَحَكمتم على الليالي فَخِلنا / ملّكَتْكُم يدُ الزّمانِ إماها
وصرَفْتُم صُروفَها للأعادي / فأسرْتُم نُفوسَها في عَناها
وهزَزتُم على الخُطوبِ رِماحاً / فشكَكْتُم صُدورَها في شَباها
سيّدي ليستِ المكارمُ إلّا / لفظةً أنتَ واضِعٌ معناها
أنتمُ للنّفوسِ داءٌ وطبٌّ / قد قضَيتُم بموتِها وبَقاها
يا نَصيري على العِداءِ وعَوْني / ومَعاذي إذا خشيتُ أذاها
أقبلَ العيدُ فلنُهنّيهِ فيكُم / إذ بكُم زادَ قدرُه وتَباهى
لكُمُ العيدُ في الحقيقة عبدٌ / صُفِّحَتْ باؤهُ بِياءٍ سَفاها
حُزْتَ أجرَ الصّيامِ مولاي فاِغنَمْ / لذّةَ الفِطر واِبتهِجْ في هَناها
واِبقَ في نِعمةٍ وعزّة مُلْكٍ / يحملُ النّصر والفُتوح لِواها
واِسْمُ واِسْلَم واِسْتَجْلِ بِكرَ قَريضٍ / ختَمَتْ مَدحَكُم بخيرِ دُعاها
أيّها المِصقَعُ المهذّبُ طبعاً
أيّها المِصقَعُ المهذّبُ طبعاً / وفتىً يسحَرُ العُقولَ بيانُهْ
والفصيحُ الذي إذا قال شِعراً / خِلتَهُ ينظِمُ النّجومَ لِسانُهْ
لكَ من جوهرِ الكلامِ نِظامٌ / زانَ ما بينَ دُرِّه مَرْجانُهْ
ومَعان مثل اليواقيتِ أضحى الل / لفظُ فيها مرصّعاً عِقبانُه
عِقدُه في نُحورِ حورِ القوافي / وعلى معصمِ البلاغةِ حانُهْ
هو للشّاربينَ روحٌ وراحٌ / بل وروضٌ زَها بهِ ريحانُهْ
لو رأى ما نَبَيْتَ عنه اِبنُ عادٍ / جلَّ في عينِه وهانَتْ جِنانُه
أو ليَعقوبَ منه جاؤوا بشيءٍ / ذهبَتْ عن فؤادِه أحزانُه
يا بديعاً فاقَ الورى وأديباً / رقّ طبعاً وراقَ فيه زمانُه
أنتَ أتحَفْتَني بأبلغِ مدحٍ / جلَّ قَدْراً وفي فؤادي مكانُهْ
دُرُّ ألفاظِه على الدُرِّ يُزري / بل وتُزري على الشّموسِ حِسانُهْ
منّةٌ منهُ كالأمانةِ عنديَ ال / قِدْرُ منها ثقيلةُ أوزانُهْ
أيّها المصقعُ المهذّبُ طبعاً
أيّها المصقعُ المهذّبُ طبعاً / وَفَتىً يسحرُ العقولَ بيانُه
وَالفَصيحُ الّذي إِذا قالَ شِعراً / خِلتهُ ينظمُ النّجومَ لِسانُه
قلتُ إذا غابَ منيتي أين روحي
قلتُ إذا غابَ منيتي أين روحي / فسمعتُ الخطابَ من نحو قلبي
لن تراني ولستَ تدري مكاني / إنّما الروحُ أمرُها عند ربّي